العشق الممنوع – الفصل الخامس عشرة:
" ملك صغيرتي ماذا بك لما لا تأكلين؟"
رفعت ملك عينين ذابلتين الى أمها بينما كانت تلاعب بطعامها بمعلقتها في الصحن امامها وقالت بحيرة واضحة وتعب :
- لا أعلم أمي ولكني أشعر أني على غير ما يُرام !
قطبت اجلال وتبادلت النظر مع اعتماد التي قطبت قلقا بدورها ثم وجهت حديثها الى ابنتها سائلة بوجل :
- بماذا تشعرين حبيبتي ؟
وقد امتدت يدها المكتظة قليلا تربت على يد ملك الموضوعه امامها ، نظرت ملك بفيروز عينيها الى أمها مجيبة بحيرة بالغة :
- لا أعلم أمي اشعر أن جسدي يسبح في الفراغ وأن رأسي منفصلة عني ! لا أشعر بجوع او بعطش أو بأي رغبة من رغبات الحياة !!
ازدرت اجلال ريقها بخوف وقالت بتلعثم: منذ متى تشكين من هذه الاعراض صغيرتي ؟
شعرت ملك بقلق والدتها فحاولت الابتسام لتخرج ابتسامة ضعيفة شحيحة وقالت بغية تطمين والدتها فهي لا تريد لأمها ان تعاني القلق والخوف عليها:
- لا تكترثي أم ملك أنا أعلم السبب ...لا بد أنه السهاد الذي يلازمني لأكثر من ثلاثة أيام وأنا واثقة أنه ما أن أنال كفايتي من النوم سأكون بأحسن حال.
قامت اجلال مندفعة ليهتز جسدها المكتنز قليلا وأمسكت بساعد ملك رافعة اياها وهى تحدثها بلهفة :
- أذن أنهضي أمامي الآن واذهبي الى غرفتك واعتماد ستصنع لك كوبا من الحليب الدافيء المحلى بعسل النحل لتشربيه فتغرقي بعدها في سبات عميق.
قامت اعتماد بدورها من مكانها قائلة بحماس :
- حالا يا صغيرتي أفضل كوب حليب لأجمل ملك.
وانصرفت اعتماد لتحضر طلب اجلال بينما اتجهت اجلال مه صغيرتها الى غرفة الاخيرة ..
رتبت اجلال الغطاء فوق ابنتها ومالت عليها مقبلة جبينها ثم رقتها بالرقوة الشرعية وتناولت كوب الحليب الفارغ واتجهت الى الخارج وهى تنظر الى ابنتها التي يداعب النوم اجفانها وخرجت مغلقة الباب خلفها .....
جلست اجلال على الاريكة الخشبية التى تتوسط منزلها وهى تسبح بكرات الكهرمان الخاصة بمسبحتها ولسان حالها يدعو ألا تصدق مخاوفها وحاولت اقصائها بعيدا عن ذهنها معللة ما يحدث لصغيرتها انها لا بد مشغولة الذهن بموضوعها مع أمير خاصة وأنى الى الآن لم أبلغها بقراري النهائي بشأنهما، ابتسمت براحة لتبريرها الذي أقنعت به نفسها متابعة في سرها :
- نعم اجلال هذا هو السبب ولا ريب .....
ورفعت قدح القهوة التركية لترشف منه بضعة رشفات بذهن غائب محاولة عدم الالتفات الى همس قلبها الذي يخبرها أن الأمر أخطر من ذلك بكثير !! ....
" يا أم ملك يا أم ملك أدركيني يا أم ملك "..
هبت اجلال من رقدتها فوق الاريكة مذعورة وبأقصى ما يستطيع جسدها المكتنز حاولت الذهاب سريعا حيث صوت اعتماد المستنجد صارخا لتفاجأ به منبعث من غرفة صغيرتها ، ولجت الى الداخل هاتفة بذعر شديد :
- ماذا هناك يا اعتماد لما صراخك هذا ؟
لتبتر عبارتها وقد فتحت عينيها على وسعهما هاتفة باسم ابنتها بخوف ولوع :
- ملك ...ابنتي..
وتركض على قدر استطاعتها لتصل الى فراش ابنتها بينما اعتماد تركع بجوار الفراش غارقة في بكاد شديد ، مدت اعتماد يدين مرتعشتين وامسكت بكتفي ملك ودموعها تجري مغرقة تغضنات وجهها المذعور قائلة بتوسل حار :
- ملك بنيتي ...انظري الي ّ ..ملك! ، بينما ملك شاخصة نظراتها الى سقف الغرفة بدون أية استجابة مطلقا !! ....
خرج الطبيب الذي أرسلت اجلال لاحضاره مغلقا باب الغرفة خلفه بينما تطالعه عيني اجلال بترقب خائف لما سيقوله بينما تبكي اعتماد في صمت ولسانها يلهج بالدعاء لتلك الملاك التي ترقد بالداخل منفصلة عما يدور حولها وكأنها .....الحاضر الغائب !!..
اعتدل الطبيب الكهل في وقفته أمام اجلال وهو يعدل منظاره الطبي وتنحنح قليلا قبل ان يقول :
- كنت أود تطمينك على صغيرتك سيدتي ولكن الأمانة المهنية تحتم عليّ بأن أكون صريحا معك ....لا بد من دخول ابنتك الى المشفى لأجراء بعض الفحوصات والتحاليل قبل التشخيص النهائي للحالة..
سألت اجلال بنبرة محملة بالرجاء الحار :
- ولكن ...في رأيك أيها الطبيب مما تعاني ابنتي ؟
زفر الطبيب عميقا قبل ان يجيبها :
- لا أريد التسرع بتشخيص الحالة سيدتي ولكن اسمحي لي هل تعرضت ابنتك لصدمة عصبية او سمعت خبرا سيئ جعلها على مثل هذه الحالة ؟
قطبت اجلال وتبادلت النظرات مع اعتماد التي حملت نظراتها اليها اللوم والعتب ثم وجهت كلامها الى الطبيب مجلية حلقها :
- انها اشياء عادية لا تخلو منها الحياة اليومية وهناك أمر عالق ولكنها كانت متفائلة أنه لن يطول كثيرا وقد أبلغتها اننى سأنهيه في القريب العاجل ولكن ..
قطبت اجلال باترة عبارتها ليحثها الطبيب بلهفة :
- ولكن ماذا سيدتي ؟ ارجوك لا تغفلي عن ذكر أي شيء مهما كان بسيطا في نظرك فقد يكون هو مفتاح اللغز لما تعانيه صغيرتك..
نظرت اليه بشك مجيبة:
- انها تعاني من فقدان الشهية التام منذ بضعه ايام وقد سبق لها وان أشتكت انها تشعر بعدم الرغبة بأي شيء من مظاهر الحياة فهي لا تجوع ولا تعطش كما ...كما ...كما أنها ....
وسكتت مقطبة ليلح الطبيب بلهفة :
- كما انها ماذا سيدتي ؟
رفعت عينين وحملتين بالخوف والذعر الشديدين قائلة :
- تعاني من سهاد حاد فهي ام تنم منذ أكثر من ثلاث ليال متواصلة ولا تعلم لذلك سببا!!
هتف الطبيب بدهشة :
- ماذا ؟ وكيف لم تذهبي بها الى الطبيب سيدتي ؟
شعرت اجلال بالرعب واجابت :
- ماذا هناك سيدي الطبيب ؟ ارجوك صارحني ....مما تشكو صغيرتي ؟
زفر الطبيب بيأس وأجاب :
- كما سبق وأخبرتك لن أستطيع الاستقرار على التشخيص النهائي للحالة الا بعد اجراء الفحوصات والتحاليا ولكن عدم النوم هذا شيء مخيف ...أتعلمي ان عدم النوم قد يكون السبب الرئيسي لفقدان العقل ؟
خبطت اعتماد على صدرها مولولة فنهرتها اجلال بنظرة صارمة ثم نظرت الى الطبيب بذعر قائلة :
- هل ...هل تقول ان ابنتي على وشك الجنون؟
أغمض الطبيب عينيه وفتحهما قائلا محاولا طمأنة تلك الآم التي تحاول التماسك وعدم الانهيار امامه معجبا بايمانها وشجاعتها :
- لا سيدتي، ولكني أوضح لك مدى خطورة عدم النوم فالله سبحانه وتعالى خلق الليل للنوم والراحة ليستعيد الجسم نشاطه فيستطيع العمل بحيوية طوال النهار ....فقد قال عز وجل في كتابه الكريم ( وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ) صدق الله العظيم، الساعة البيولوجية للجسد مهيئة للعمل طوال النهار ولكن ما ان يهبط الليل تبدأ بالتراخي لحاجه الجسد للاستكانة والراحة ...ومن يضطره طبيعة عمله للسهر ليلا والنوم نهارا نراه يعاني من أمراض عدة فهو يعكس الفطرة التى فطر الله عليها جسم الانسان ....ولكن لا تيأسي سيدتي فبإذن الله سنستطيع الوقوف على حالة ابنتك وتشخيص العلاج الشافي لها بعون الله ....
ثم أخفض رأسه بتحية خفيفة قائلا :
- عن اذنكما..
نظرت اجلال الى اعتماد التى رافقته للخروج من المنزل بعد ان اعطاهما عنوان المشفى لايداع ملك ، عادت اعتماد لتجد سيدتها وهى داخل غرفة ابنتها فولجت اليها لتراها واقفة بجوار فراش الصغيرة التى ترقد فاتحة عينيها لا تعي شيئا مما يدور حولها بينما عيني اجلال تذرفان الدموع غير قادرى على الاقتراب من صغيرتها ولسانها يردد :
- سامحيني ملك ...سامحيني صغيرتي ..أنا السبب فينا أنت فيه ملك انا السبب !! ....
**************************
دخلت اعتماد على اجلال المنعزلة في صومعتها ، وضعت صينية الطعام جانبا وجلست بجوارها على الأرض حيث تجلس الأخرى على سجادة خاصة للصلاة كانت لزوجها سعيد أتى بها من المشاعر المقدسة عندما ذهب لتأدية فريضة الحج ، مالت عليها واضعة يدها على يدها الممسكة بسبحتها ذات مرات الكهرمان وهمست برجاء :
- أم ملك لا يجوز ما تفعلينه بنفسك ...أنت ممتنعه عن الطعام منذ أكثر من يومين .... تفائلي خيرا بإذن الله ستشفى ملك وتعود الينا ورتجع ضحكتها تنير لنا هذا المنزل الذي غدا كئيبا منذ ذهابها الى المشفى.
تحدثت اجلال بينما دموعها تسيل في صمت وقد مسحتها براحتها ناظرة الى الفراغ امامها :
- كيف تريدين مني أن آكل وأشرب وابنتي كالميت الحي ؟! انه عقاب الله لي ....لقد غلبني الشيطان للحظة وتغلبت مخاوفي على ايماني بربي ونسيت أنه قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا ...ها هي ابنتي لم تفارق أحضاني ومع ذلك لم أستطع حمايتها أو الذود عنها ....
رفعت عينيها الى أعلى داعية بصوت غلبه بحة البكاء:
- يا رب ....أسألك بكل إسم هو لك سميته به نفسك أو علمته أحد من خلقك أو أنزلته في كتابك أو إستأثرت به في علم الغيب عندك ...يا رب أسألك بحق ألا الاه الا الله محمد رسول الله ...أن تغفر لي زلتي ولا تجعل مصيبتي في ديني واشف ابنتي ...اللهم يا من أراد شيئا انما يقول له كن فيكون ...أسألك شفاء صغيرتي شفاءا تاما اللهم اشفها فأنت الشافي لا شفاء الا شفائك شفاء لا يغادر سقما .....يا رب انها عطيتك فاحفظها علي اللهم أنت الرحمن الرحيم برحمتك استغيث ...اللهم أنى ستخلفك في مصيبتي وأسألك خيرا منها .....اللهم إشف صغيرتي ولا تفجعني فيها بحق كلمتك وقل ادعوني أستجي لكم ....ربنا أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة ....اللهم لقد دعيتك أنا أمتك الضعيفة اليك اللهم استجب ...اللهم أنى امتك بنت أمتك بنت عبدك ناصيتي بيدك ماضٍ فيا حكمك عدل فيا قضائك أسألك بكل أسم هو لك سميت به نفسك وأنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو أستأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع صدري ونور قلبي وجلاء حزني وذهاب همي ....وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمدا وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم أتبعتها بتلاوة سورة ياسين بصوت يقطر خشوعا جعل اعتماد تبكي في صمت مؤمنة على دعائها حتى اذا فرغت اجلال من تلاوتها نظرت الى اعتماد قائلة بصوت باك :
- اتركيني اعتماد أرغب بالوقوف بين يدي الله فهو وحده القادر على تفريج كربنا ، قامت اعتماد تاركة اجلال وقد توجهت ناحية القبلة وكبرت لتصلي صلاة بنية قضاء الحاجة ....
عادت اعتماد بعد فترة طويلة لتتفقد اجلال فوجدتها تتكيء على مسند الاريكة الخشبي وهى تسبح بمسبحتها كعادتها دائما ، مدت لها يدها حاملة قدحا من الاعشاب الساخنة التي كثيرا ما وصفتها لاجلال لمن يعاني القلق وأتت بنتيجة ممتازة ، قالت اعتماد برجاء :
- اشربي هذه الاعشاب يا أم ملك لقد وضعت بها ملعقة من شمع العسل لعلها تُقيم أودك حتى تستطيعي الصمود لأجل ملك.
نظرت اليها اجلال ثم تناولت القدح الساخن من يدها من دون أن تنبس باي كلمة فكأنها قد فقدت القدرة على الكلام كما أن جفنيها قد أصبحا متورمين من كثرة البكاء وفي لون الشمندر السكري لشدة احمرارهما ، رشفت بضعة رشفات صغيرة ثم وضعت القدح جانبا وقالت تحدث اعتماد :
- أتعلمين اعتماد ....أنا أشعر أن علاج ابنتي لن يكون سوى بشيء واحد ؟
أجابت اعتماد بلهفة :
- وما هو يا أم ملك ؟
نظرت اليها اجلال مجيبة بكلمة واحده :
- أمير !!
قطبت اعتماد متسائلة :
- أمير ؟ ومن يكون أمير هذا يا أم ملك ؟
زفرت اجلال بتعب وقالت وقد اعتدلت في جلستها مواجهة اعتماد :
- انها حكاية طويلة اعتماد ولولا معرفتي بك وثقتي الشديدة فيكِ ويقيني انى ما سأقوله داخل جدران هذه الغرفة لن يعرفه مخلوق خارجها لم أكن لأافتح فمي بحرف واحد.
قالت اعتماد بقلق :
- ماذا هناك يا أم ملك أقلقتني ... ولك كلمتي أنى ما سأسمعه منك الآن لن يعرفه أيًّا كان وهذه امانة أنا لن أخونها.
ابتسمت اجلال مجيبة :
- أعلم اعتماد .... اسمعي عزيزتي ....
وانطلقت تسرد على مسامع اعتماد كلما صار وكان بين امير وملك الى ان وقعت ملك صريعة هذا المرض النادر الذي لا يعرفون له اسما ، تنهدت اعتماد عميقا بعد انتهاء اجلال من رواية قصتها كاملا وقالت :
- لقد حملت على اكتافك حملا تنوء به الجبال يا أم ملك ...وصغيرتي ملك من كان يصدق أن يحدث لها ما كان ...
سكتت اعتماد قليلا ثم تكلمت بحماس :
- ولكن يظل ما حدث في مصلحة ملك يا ام اجلال فماذا تنتظري لأخبار امير؟ ان كان أميرا سيكون سببا في شفاء ملك فأرسلي في طلبه.
نظرت اليها اجلال بحزن قائلة :
- امير مختف منذ ما يقارب الخمسة ايام لا أعلم عنه شيئا كما لم أستطع الوصول اليه ومن الغريب انه لم يأت لملك طوال الايام السابقة لأنه ان كان ظهر كان ليعلم بما أصابها ولم يكن ليسكت حتى يحاول اخراجها مما هي فيه.
اعتماد بريبة :
- وما سبب اختفاء امير في نظرك ؟
اجلال بتنهيدة عميقة :
- فلندعو اعتماد أن يكون المانع خيرا وألا يكون هو الآخر قد تعرض لسوء كـ ملك؟ شهقت اعتماد بدهشة ناظرة الى اجلال التي أخفضت رأسها بالايجاب فهى الآن تعلم علم اليقين ان ذاك الرسول الذي أتاها لم يكن أبدا من قبيل أمير بل كان ... مرسال الشيطان !!....
- يتبع -