عصفورة النار _ آن ميثر

By Moony_Ali

125K 2.4K 82

الملخص ذعرت سارة عندما علمت ان رئيسها الجديد هو مارك فينويك ، الرجل الذى وقعت فى حبه منذ ثلاث سنوات .... الرج... More

الفصل الأول
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر والأخير

الفصل الثاني

12K 232 2
By Moony_Ali

** شتاء ثم صيف ! **

اخرج مارك فينويك نفسا عميقا ، وضاقت عيناه بحدة بينما كان ينظر الى الفتاة الشاحبة ، المتحدية قليلا ، الواقفة امامه ، وقال بصوت ملئ بالتهكم الجاف : يبدو انك لم تكونى فى اى مكان من قبل ، عجبا ؟ اود ان اعرف من اين ياتون بامثالك
وحدقت به سارة بحيرة ، وقد سببت لها اهانته عودة اللون الاحمر الى بشرتها . وتساءلت لماذا لم تذكر الانسة درو ان البقاء دون طعام قد يكون له هذا الاثر الماساوى على اطباع الرجل . وجعلتها نظرته ترتجف ، وظنت ان عيناه قد توفران لها جوابا . لقد كانتا رماديتان فاتحتان ، تشابهان الثلج برودة . وقالت وهى تشعر بالدوار : سيد فينويك ، اظن ان ملاحظتك هذه ، غير منصفة.
-اوه هكذا تظنين ؟
وانحنى الى الامام حتى انها استطاعت ان ترى الخطوط القاسية الواضحة لفكيه
-الم يقل لك احد ان صغار من فى المكاتب ، ليسوا فى وضع يقدرون فيه على التساؤل عن اى ملاحظة اعطيها ؟
وكان هذا ، لو ان لديها اى عقل ، كفيل بان يجعلها تتراجع ، بعد ان تعبر بطريقة مناسبة عن الندم . ولكن بدا وكان شيئا يلزمها بالبقاء حيث هى ، اسيرة نظرته الباردة
-اخشى اننى اجد من الصعوبة ان اتقبل شيئا لا اوافق عليه
-هكذا اذا ، نحن لسنا فقط جسورين بل وقحين ايضا ! ومع ذلك استطيع ان اقسم بانك سيدة شابة ذات تربية جيدة . اخبرينى انسة .... انسة شاو ، هل انت ساذجة كما تبدين ام انك تقصدين اجتذاب انتباهى ؟
وحدقت سارة به ، وقد اتسعت عيناها الزرقاوان وهى تشعر بشعور غريب يقارب الصدمة يتحرك فيها . وخفق قلبها بسرعة ، حتى شعرت بضرورة وضع يدها عليه لتحميه ، واصبحت عيناها الزرقاوان قاتمتين بغرابة . لقد شعرت بانشداد غريب بينها وبين هذا الرجل الذى يراقبها ببرود بدا لا علاقة له بمركزها الادنى او بقلة الاحترام الظاهرة فى ردها ، لقد تعلمت بما فيه الكفاية لتدرك ان اى شئ يزعج رؤوس من هم فى الادارة ، يميلون دوما ان يلقوه على راس موظفيهم . ومع ذلك ، وبينما كل غريزة فيها تحذرها من ان السيد فينويك لم يكن صباحه جيدا ، لم تستطع سوى ان تشعر ساخطة ان عليه ان يتخلص من نقمته عليها !
-لم تعتقد ان على لفت انتباهك سيد فينويك ؟
وبدا يتفحصها عن كثب وهو يشد على فمه وبدا قد تخلى عن اية فكرة بانه لم يكن منصفا بحقها . واصبح من الواضح انه قرر ان النكرات الصغيرة امثالها ، يمثلن كبش الفداء المثالى وبما ان يومه كان مزعجا جدا فقد شعر بحاجته الى كبش فداء
-لماذا يجب عليك جذب انتباهى ؟ كيف لى ان اعرف الجواب ؟ ما اعرفه ان البعض من امثالك يرغبون فى الاغماء عند قدمى . ذلك النهار فتاة مثلك ركضت ورائى وهى تحمل منديلا لم يكن لى .
فاذا شعرت برغبتى فى تحدى مثل هذه النزعات فلماذا لا ؟
ورمشت سارة عيناها ، واصبح اللون فى وجنتيها اكثر احمرارا . بما لها وكانه ذنب . فقد كانت مع تلك الفتاة عندما ركضت وراءه حاملة المنديل . كان يجب ان تتذكره بسبب طول وعرض كتفيه ، والقوة فى ملامحه عندما استدار لينظر الى الفتاة ويهز راسه ، لم تدرك سارة يومها انه راها ، ولكنها تعرف الان انه فعل ، ولو من اطراف عينيه . معرفتها هذه الهبت ضغينتها وكانما يتهمها صراحة بالتامر بشئ هى بريئة منه ، ومع ذلك فماذا تستطيع ان تقول ؟ وكيف تستطيع الدفاع عن نفسها او عن الفتاة النكودة الحظ دون التسبب بازدياد غضبه ؟ اما بالنسبة للفتاة فقد حاولت ان تحتج لاجلها . فشبكت اصابعها المرتعدة وقالت بسرعة : انا متاكدة ان الفتاة لم تعرف من انت سيد فينويك ، فالناس يتشابهون فى الزحام
ومرت لحظة من الصمت الحاد ، بينما استمرت سارة بالارتجاف بشكل ظاهر . كيف تجرات ان تلمح بانه قد يشابه واحدا من الناس العاديين ؟ الم تكن تتحدى قدرها كى تشير الى هذا فى وقت لا يجرؤ حتى اعتى اعدائه الانكار بانه معروف فى اى مكان ! مارك فينويك معروف اينما ذهب فى هذا العالم . ورفعت عينيها بنوع من الرعب الى وجهه ، وبدا لها متغطرسا ومتحفظا ، بما يناسب مركزه
وفجاة ، وبعدما شعرت ان نهايتها قد دنت ، وامام دهشتها تبسم ، بما يشبه التواءة جافة لشفتيه ، ولكنها شعرت بالراحة فورا
-اظن ان الحديث سيخرج عن سيطرتنا عليه ، انسة شاو . وانا متاكد انك توافقين ؟ ربما لو عرضت على منديلا ساتصرف بشكل اخر
-لن اجرؤ على هذا ابدا .... بعد الان .
وبطريقة ما ، اجفلت لسماع نفسها ترد هكذا ، واجفلت اكثر عندما وجدت نفسها تبتسم له . حتى هذه اللحظة لم تدرك بانه الى جانب صفاته العديدة قد يكون ايضا يملك السحر الخطر . واصبحت الان تشعر بسحره بوضوح تام ، وبرعدة سريعة شعرت بالتصلب ضد الفكرة ، وكان تشكل نوعا من التهديد المباشر لها
وارتفع حاجباه ، وتراجعت خطوة اخرى ، وهى تتوقع تماما طردا رسميا لها . ولكن الدهشة بدت فى وجهها عندما سمعته يطلب منها ان تصب له القهوة قائلا : اذا كانت باردة اتصلى واطلبى غيرها . وعاد وجهه الى العبوس ثانية
واسرعت الى ابريق القهوة ووجدته ساخنا . وصبت له فنجانا ، فاندلق بعض من القهوة على جوانب الفنجان ، ولعنت بصمت تسرعها غير العادى ، واعتذرت : اسفة ، ولم تعرف اذا كانت ستعرض عليه السكر والحليب ، فقد كانا قريبين له . ووضعت القهوة على الطاولة بقربه وامسكت بابريق الحليب ، ولكنه اشار براسه رافضا . ووضع بنفسه ملعقتى سكر .
-اتحبين ان تتناولى فنجانا ؟ اليست هذه ساعة غذائك ؟
وكادت سارة تقفز ، لقد كانت منشغلة جدا بعملها حتى نسيت تماما غذائها . لن يكون لديها الوقت
لتذهب الان . وحاولت اقناع نفسها : لا يهم ، ولكنها لم تقدر ان تمنع عيناها من التطلع الى رزمة سندويشات اللحم اللذيذة
-تفضلى ....
واوما ناحية الطعام بيده بينما كان ينهض ليفتح احدى الخزانات ويجلب رزمه من الاكواب البلاستيكية ، " لا اعلم من اين اتت هذه الاكواب هنا ، ولكن ربما حان الوقت لاستخدامها . خذى . صبى لنفسك القهوة ، بينما اتحقق من ان تريفور قد ارسل كل شئ طلبته "
ونظرت سارة الى الكوب فى يدها . السندويشات لذيذة ، افضل من اى شئ تذوقته منذ قدومها الى هنا . ماذا سيظن الناس اذا استطاعوا رؤيتها الان ؟ قد يكون مارك فينويك لا يدرك ماذا يفعل ! طبعا هى لم تطلب ان تاكل سندويشاته ، ولا تصرفاتها اوحت انها تحب ان تفعل . واحد يكفى ، ولن تقبل المزيد ، حتى ولو رجاها
-تفضلى انسة شاو ، كليها كلها . اتذكر عندما كنت فى عمرك كنت دائما احس بالجوع . بالمناسبة ، كم عمرك ؟
-ثمانية عشر .
ورمت بحذرها الى الريح ، وتناولت سندويشا اخر ، ولدهشتها ملأ لها الكوب بالقهوة ثانية
وقفزت عن الكرسى الذى كانت تجلس عليه ، واصبحت على بعد ياردة من الباب ، عندما جذبها صوته
-انسة شاو ، اين انت ذاهبة ؟
وتيبست كتفاها الرقيقتان من لهجته الديكتاتورية ، وتوقفت دون ان تستدير
-لو ان الانسة درو عادت ووجدتنى هنا ، سيكون على التحسب ل .... ل ....
-تعنين سيكون عليك المحاسبة على مشاركتى غدائى ؟ تعالى اجلسى ، انسة شاو لم اكن اعتقد انك بهذا الغباء ! حتى الانسة درو ليست بالغباء الكافى لتتصور اننى ساسمح لك بالتجول هنا ، وتاكلى دون اذن
-انا اسفة سيد فينويك ، ولكن يجب ان اذهب . لا تريدنى ان اتاخر على عملى
-قلت لك اجلسى !
هذه المرة ، كان امرا ، ولم يكن لديها خيار سوى ان تطيعه
ووقف ، وذهب الى احد الرفوف وصب لنفسه كأس شراب
-اخبرينى ، انسة شاو ، اين تسكنين فى لندن ؟ اظنك واحدة من السلالة النادرة التى تحب السكن فى منزل ، اذ لا تبدين خبيرة بالحياة كفاية لان تسكنى لوحدك
وحدقت سارة به بسرعة ، وقد ارتعدت قليلا لانه يسالها عن شئ شخصى كهذا
-اعيش بعيدة عن المنزل ، فى نزل
-اذا انا على خطا . فلديك شئ من الاستقلال
-فى مثل حالتى ، انه شئ لا فخر فيه يا سيد فينويك . انا من " كوفنترى " فى اواسط انكلترا ، ومن الصعب التنقل الى عملى من هناك يوميا
وتاملها لفترة طويلة وهى جالسة مرتبكة تحت بنظراته ، تتمنى لو انه لا يتعالى عليها هكذا . جعلها تشعر انها تافهة ، وعاد اليها الارتباب ثانية انه كان يستخدمها فقط كنوع من التسلية . شئ ساقته له الاقدار لتسلية نفسه لدقائق قليلة . لم يكن عندها شك من الاشاعات التى سمعتها ، بانه معتاد على التلاعب بالنساء . علاقاته بالنساء كانت معروفة ، ولكنه كان دائما ينهيها قبل ان تصبح معقدة . كل هذا كان من الوشوشات الا انه من الواضح ان هناك بعض الحقيقة فيها . وزاد خفقان قلب سارة ثانية ، وشعرت باطرافها تضعف وهى تسمح لنفسها بالتساؤل عما ستكون عليه الحال لو تورطت مع رجل مثل مارك فينويك
واجبرت ذهنها على التحول من التفكير بالاغواء الرومانسى الى امور اكثر دنيوية .... كيف تستطيع الهروب من هذا المكتب ، والعودة الى مكتبها ، كيف تفعل هذا بسرعة وهى لا تزال محتفظة بكرامتها . وانتبهت ان مارك فينويك كان يتحدث ثانية : لماذا غادرت بلدتك واتيت الى لندن ؟ فحياة النزل ليست مغرية الى هذا الحد
-رغبت فى التغيير
-ووالداك ؟
-والداى ؟
-نعم ، هل كانا يرغبان فعلا فى قدومك الى هنا ؟
-لم يكن على سؤالهما
-ولماذا لا ؟ الم تستشيريهما على الاقل ؟
-سيد فينويك ، هل يجب عليك التوصل الى النهاية المرة ؟ اذا كان كذلك ، لم يعد لدى والدان ، قتلا فى حادثة
-هكذا اذا ، انا اسف
منتديات ليلاس
واحست سارة بالسعادة لانه لم يتابع الموضوع . فى الحقيقة لا يستطيع قول الكثير لانهما ما زالا غريبين عن بعضهما لا اقل ولا اكثر
-لا يمكن للنزل ان يكون المكان المرضى للسكن فيه . ماذا تجدين امامك لتفعليه فى الامسيات ؟ لا تستطيعين ان تعيشى حياة متحررة كثيرا ، وانت مقيدة بكل انواع الانظمة والقوانين
-بالطبع لا ....
-ولكن لديك اصدقاء تخرجين معهم ؟
-كنت اخرج مع رجل واحد ، ولكننى اعتبره احد المعارف العرضيين
-هذه هى الفكرة السائدة هذه الايام اليس كذلك ؟ ابقاء المعرفة سطحية . النساء يعتقدن ان بمقدورهن السيطرة على اكثر اللحظات المشبوبة بالعاطفة ، ويملن الى الصراخ وكانما جريمة حدثت عندما تصل الامور الى ابعد من قدرتهن على السيطرة . ولا يعتقدن انهن سيدفعن ثمن طيشهن بطريقة او باخرى . من هو هذا الصديق الغامض ؟ اتعرفينه منذ زمن ؟

-لا ، لقد التقيت به منذ وقت قصير .... اي ....

-نعم ؟ ارجوك تابعى ....

وانقذها صوت خفيف من خارج المكتب ، يعلن وصول شخص اخر وتنفست سارة الصعداء ، وهى تقول " الانسة درو " وقال مارك فينويك : ها انت ، الصلوات تستجاب احيانا ، تستطيعين النجاة الان ، بعد ان تتصل الانسة درو لتذكرنى باجتماع مجلس الادارة بعد عشر دقائق . اذهبى يا سارة الصغيرة ، قبل ان اغير رايى
-شكرا لك سيد فينويك على الغداء
كانت سعيدة جدا لانه لم يحاول تاخيرها اكثر . وبعجلة قفزت على قدميها واقفة ، راقبها اثناء ذهابها بتعبير متلهف غير مستتر
املت ان لا يلاحظ احد تاخرها ، ولكن الانسة غريغ لاحظته ، واجبرت سارة على الاعتراف بان السيد فينويك امرها بان تنتظر بينما كان يراجع الاوراق التى جلبتها له
-الم يمرر صاحب السعادة اى تعليق ؟
-ابدا ، لا اعتقد انه لاحظ اننى موجودة
طوال بعد ظهر ذلك اليوم عملت سارة بجهد كبير ، ولم تدرك حتى ساعة متاخرة ان كل جهودها كانت من اجل نسيان الرجل الجالس فى الطابق العلوى . هل من المؤكد انها لن تفتتن به كما هو حاصل مع نصف الموظفات هنا ؟
ولانها كانت مصممة على التوقف عن التفكير بمارك فينويك تطزوعت لتعمل ساعة اضافية حتى تتعب نفسها . ولم تكتشف انها اضاعت حقيبة يدها بعد ان ارتدت معطفها ، واخذت تفتش عنها بسرعة ولم تجدها . وقبل ان تقلب كل شئ فى المكتب
لتبحث عنها توقفت مذعورة . لقد كانت معها عندما اخذت تلك الاوراق لمارك فينويك ، ووضعتها على الارض قرب الكرسى عندما طلب منها صب فنجان القهوة له ، ثم دخلت الانسة درو ، وخرجت وهى مسرعة . اذا لا تزال هناك . وتنفست الصعداء وجلست ولفت ذراعيها من حولها لتتوقف عن الارتجاف . يا للسماء ! ماذا فعلت .... وماذا ستفعل الان ؟ ربما لم يلاحظ الحقيبة احد لانها سوداء مثل لون السجاد . وربما لم تدخل الانسة درو الى المكتب ولا السيد فينويك كان قد غادره . ولو انها دخلته ، فقد تكون مشغولة جدا لتلاحظ حقيبة صغيرة مرمية تحت الكرسى
عادة البناء يكون مهجورا فى مثل هذه الساعة . ولم يكن هناك اى شخص لتطلب منه النصيحة . وفكرت سارة بذعر ، وهى تعض شفتها السفلى حتى كادت تدميها ، ثم بدات تحسب . ثلاثة دقائق للصعود ، وثلاثة دقائق لاستعادة حقيبتها ، وثلاثة دقائق للنزول ، لو كانت محظوظة ، ربما عشر دقائق ، هذا ليس بكثير ، كعملية حسابية يبدو الامر سهلا ، ولكنها شكت فى ان يتطلب الامر وقتا اطول . لو ان عمال النظافة يعملون الان لما سمحوا لها بالدخول ، لا . وقررت سارة ان هناك فرصة واحدة ، املها الوحيد فى ان تجد الانسة درو ما زالت هناك ، ربما تعمل الى وقت متاخر
لسوء الحظ ، عندما وصلت سارة الى الطابق العلوى كانت الانسة درو قد غادرت ، وباب المكتب مفتوح . وبسرعة وهى تشعر انها ترتكب جريمة مريعة ، دخلت وتطلعت حولها . ولكنها لم تجد الحقيبة . يجب ان تكون فى مكان ما ! وشعرت بيديها تلتصقان من العرق ، ونظرت الى بباب مكتب السيد فينويك . هل لا تزال الحقيبة هنا فى الداخل ؟ وتطلعت بصمت نحو الباب ، محاولة اقناع نفسها بالدخول . لم يكن موجودا ، ولكن مجرد التفكير به ارعبها . واخيرا ، وقد ساءها ترددها الجبان ، استجمعت ما يكفى من القوة لتفتح الباب ، عندما دخلت ، شهقت بصوت مرتفع لرؤيته جالسا وراء مكتبه ينظر اليها مباشرة . وتحولت العيون الرمادية الى زرقاء وهى تحدق ببعضها البعض . عينا سارة مفتوحتان من الخوف ، وعيناه ضاقتا لتستحوذا على عينيها وكانهما حد السيف . وجعلتها الصدمة دون حراك ، وبدا للحظات من الزمن ان عيونهما متشابكة فى معركة ، وان نوعا من القوة الخفية تطوف بينهما لتتركها غير قادرة على الحراك
وبجهد كبير ، المها وكانه الم جسدى ، جذبت نظرها عن نظره ، ووجهها الصغير اصبح قانيا من الحرارة غير العادية والمرعبة المنبعثة من جسدها . لقد كانت حقيقة ان لا يكون هناك . كم كانت غبية لانها لم تتصل اولا ! لماذا لم تفكر بالاتصال ؟ الامر اسهل بكثير لو انها اتصلت ، ولما شعرت بالرعدة فى اعماقها بفعل قوة مجهولة تشك فى قدرتها على تحملها
-انسة تشاو ؟
واستدارت نصف هاربة ، كطيف نحيل مرتبك تماما ، وشعرها البنى يلف كدوامة مثل غيمة تغطى وجهها ، وقالت دون تفكير : ان اسفة سيد فينويك، لم اعلم انك هنا
-هذا واضح . يبدو انك اعتدت على هذا
-اوه لا، غير صحيح . انا .... انها .... اعتقد اننى نسيت حقيبتى هنا ، ولا استطيع العودة الى المنزل دونها . فهى تحوى كل مالى
-كل مالك .... انسة تشاو ؟
وكرهت سارة سخريته ، ولكن ليس لديها الخيار . فالوقوف هنا تحت رحمة نظرته الجافة المتقدة ، يتطلب جهدا كبيرا
-نعم سيد فينويك ، كل ما املك ، حتى يوم الجمعة حيث اقبض مرتبى . لا املك الكثير عادة فى هذا الوقت من الشهر ، فقط ما يكفينى لشراء الغداء واحيانا العشاء ! 
-يا الهى !
وبقيت صامتة ، لانها لم تكن متاكدة من ان كلمته هذه تعبر عن الاسف او عن الاشمئزاز . ووقفت تحدق به يائسة
-الا يقدم لك النزل الطعام ؟
-بعضا منه ، كما تعلم فانا اتاخر فى عملى ، ولكطننى اتدبر امرى سيد فينويك
واستمر بالتحديق بها ، ومرة اخرى شعرت بالرعشة تجرى فى جسدها ، وتمنت لو انه ينظر الى اى شئ اخر . عندما كانت طفلة تعلمت ان من قله الادب ان تحدق بشخص ما ، ولكنه يبدو ان الامر لا يهمه ، ليس بالنسبة لها على اى حال ، شعرت انه يدرس كل قطعة منها ، ولم تكن تشعر بالهدوء بينما كانت عيناه تتطلعان الى اماكن اكثر وضوحا
-هل انت متاكدة انك فقدت حقيبتك حقا ، ام مالك فقط ؟
-لماذا ؟ كيف من الممكن ان افقد مالى دون ان افقد الحقيبة ؟ هل تعتقد اننى اتيت الى هنا عن قصد ؟
-وهل هذه المرة الاولى ؟
-اوه ....
واستدارت على اعقابها بغضب ، ونهض على قدميه ومد يده ليمسكها
-لا تتسرعى يا انسة تشاو . اعترف اننى متسرعا ، ولكن لدى من الاسباب ما يكفى ليتملكنى الظن
وحاولت سارة ان تفكر برد مناسب ، ولكنها لم تجد . فى داخلها كانت تشعر بتجمد ، بحيث انها لم تقدر على السماح لسخطها ان تنفجر . وكانما استنتج ما يعتريها ، ابتسم ، وحدق بوجهها قائلا : قبل ان تقولى اى شئ اضافى يا سارة . اقترح ان نبدا التفتيش عن الحقيبة
كان بالامكان ان يطردها بكل بساطة . وكانت يده لا تزال ممسكة بذراعها وكانما قد نسى يده هناك
-كنت جالسة هناك
-اذكر ذلك
والتفت ليتطلع الى الكرسى متفحصا ، بينما جذبت ذراعها لتحررها مستفيدة من التهائه . وجعل الفزع وجهها يبدو مضحكا وهى تلفت عينيها لتلتقى عينيه ثانية
-ليست موجودة !
-اذا لم تكن موجودة ، فقد تكون الانسة درو قد وضعتها فى مكان ما . مثل هذا التفكير السليم كان له تاثير مهدئ عليها
-اعتقد ان هذا ما حدث فعلا
وتبعته الى المكتب الخارجى ، ولكن طاولة الانسة درو ، للاسف كانت مطفئة ، ولم يكشف التفتيش فى بعض الخزائن المفتوحة عن شئ . لم تلاحظ سارة انها كانت تقف خلف مارك فينويك مباشرة بينما هو يدقق فى كل زاوية وركن ، وهى تتطلع بلهفة من فوق كتفيه وهو يفتح كل باب ، الى ان التفت وشاهدها ، وكاد ان يوقعها
-الا تثقين بى ان افتش جيدا يا سارة ؟
ومد يده ليمسك بها . واصابعه هذه المرة بعيدة عن اللطف . وشعرت وهى قريبة منه بالرجفة . وعندما رفعت عينيها لتلاقى عيناه ، كانت متاكدة انها تغرق فى بحر رمادى بارد
-كانت امى تقول ان الرجل لا يستطيع التفتيش جيدا
-هذه الافكار القديمة تزعجنى . فلو ان النساء لم يكن مغرمات بترديدها ، لكانت ماتت منذ زمن بعيد
-اسفة ....
-اتساءل : اخبرينى انسة تشاو ، هل تتركين العنان لطبيعتك المضحكة هكذا دائما 
-كان ... من المهم ان اجد حقيبتى
-لم اكن اشير الى حقيبتك السخيفة الصغيرة ، انسة تشاو . اننى فقط اشير الى مدى ما تسمحين به لتهورك ان يحملك . فقدت حقيبتك فتهرعين الى هنا ، دون مراعاة ظروف الاخرين !
-اوه ، ولكن .... لا تقدر ماذا يعنى ان يفقد المرء ماله ، يا سيد فينويك
-ربما لا ، فليس من المفروض ان افهم . ولكن قد يعلمك هذا ، ان لا تضعى كل ما تملكينه فى حقيبة واحدة فى المستقبل
-اجل .... انا اسفة لاننى كنت سببا لازعاجك . اعدك ان لا يحصل هذا ثانية
وابتعدت عته . تهم بالذهاب
-انتظرى لحظة !
ووصل الى الباب قبلها ، ووقف فى طريقها
-اذا كنت لا تملكين مالا ، فليس لدى خيار سوى ان اوصلك الى منزلك . ومن الافضل ان اشترى لك شيئا تاكليه
-لا ... !
ووقفت سارة متسمرة فى مكانها بذهول . فكلماته الصحيحة اصابتها بالذهول ، ولكنها كرهت طريقة تكبره . وبجهد استطاعت ان تمنع نفسها من اظهار رفض اكثر حدة . فربما لم يقصد ان يكون مستخفا بها هكذا . وقالت مرة اخرى : لا .... لا استطيع ان اتركك تفعل هذا ، وكما قلت سابقا ، استطيع تدبير امورى
-سارة ! وفرى على عذاب الوقوف مستمعا لثرثرتك . اقول لك اننى لا اتصرف هكذا حبا بالخير . فانا اشعر برغبتى فى السخرية من النساء بشكل عام هذا المساء ، وبامكانى ان اعكس شعورى عليك
وخرج الكلام منه باردا ، وقاسيا . هل يمكن لامرأة ان تكون سببا لمثل هذه السخرية ، ام ان يومه كان سيئا ؟ وبدات تقول " ما زلت لا اعتقد ..... " وجذبها بيدها بطريقة مذلة نحو المصعد ، واصابعه تشد على ذراعها لدرجة شعرت انه بدا يمارس عليها رغبته التى تكلم عنها منذ قليل
-توقفى عن التلوى ، وتوقفى عن الغمغمة والاحتجاج ايضا
كانت سيارته متوقفة فى مكانها المخصص ، وفتح لها الباب ، ودعاها للدخول . واغلق الباب بهدوء ، بحركات متمهلة ، وكانما خروجه مع موظفة شابة لتناول الطعام امر عادى
كانت الشوارع مظلمة ، ولاحظت انهما يشقان طريقهما نحو ناحية " وست اند " . وتطلعت بفضول الى الاضواء اللامعة التى يمران بها . وشعرت بالتوتر . وكانت على وشك الاحتجاج بانها لم تكن ترتدى الثياب اللائقة ولكنها تراجعت حتى لا تعطيه فرصة اعطاء ملاحظة اخرى
وكما كانت تخشى ، فالمطعم الذى اخذها اليه لم يكن مطعما رخيصا او شعبيا ، وارتابت فى انه فعل هذا متعمدا ، كان يشبه البهو الكبير ، يظهر عليه الفخامة ، وجدرانه مغطاه بالرسوم ، ومقاعده مخملية سوداء لامعة ، وطاولاته من الستيل . اجمالا كان جوه ممتازا باناقته . ولاحظت السهولة التى استطاع بها مارك فينويك ان يجتذب الاهتما اليه
-ارجو ان يكون اعجبك ، انسة تشاو ؟
-اوه .... نعم . انه .....
-ما تحاولين قوله انك لم تدخلى مكانا مثله من قبل ، انك تجدينه مربكا لك قليلا
-حسنا ....
-سوف تعتادين قريبا على هذا النوع من الاشياء . فالفتيات مثلك لا يبقين بريئات الى الابد
-سيد فينويك !
-لا تقلقى يا سارة . انه ليس بالمكان الانيق جدا ، ولكن الشبان يحبسون انفاسهم لرؤية هذه النوعية . لذا اعتقدت انه المكان المناسب لتبدأى به

نهاية الفصل

Continue Reading

You'll Also Like

450 66 29
انك لا تعرف شيء عنها لقد ولدت لتأتي بشخص اكثر عظما إنها لم تصبح مصاصة دماء انت مخطئ هي بالفعل خارقه عن الطبيعه هي بالفعل خالده ولا تموت كلارا : عليك...
97.9K 1.6K 11
تتوقع أن تقع في الحب مع أي رجل ولكن باتريك هازرد لم يكن بأي رجل ، كما لم يكن سعيدآ بكونهم صديقين الح عليها...طاردها....وفاز بكل ما امكنه الحصول عليه ...
43.3K 2.3K 38
ويلعب القدر لعبه اخرى لتبتعد الخلود عن رضوانها.. وتبدأ معاناه باسم عذاب الزين .. وتبدا قصه اخرى بعنوان حياه النهى .. وتنقطع أوصال علاقه لتبدأ علاقه ج...