الفصل الثاني

11.9K 230 2
                                    

** شتاء ثم صيف ! **

اخرج مارك فينويك نفسا عميقا ، وضاقت عيناه بحدة بينما كان ينظر الى الفتاة الشاحبة ، المتحدية قليلا ، الواقفة امامه ، وقال بصوت ملئ بالتهكم الجاف : يبدو انك لم تكونى فى اى مكان من قبل ، عجبا ؟ اود ان اعرف من اين ياتون بامثالك
وحدقت به سارة بحيرة ، وقد سببت لها اهانته عودة اللون الاحمر الى بشرتها . وتساءلت لماذا لم تذكر الانسة درو ان البقاء دون طعام قد يكون له هذا الاثر الماساوى على اطباع الرجل . وجعلتها نظرته ترتجف ، وظنت ان عيناه قد توفران لها جوابا . لقد كانتا رماديتان فاتحتان ، تشابهان الثلج برودة . وقالت وهى تشعر بالدوار : سيد فينويك ، اظن ان ملاحظتك هذه ، غير منصفة.
-اوه هكذا تظنين ؟
وانحنى الى الامام حتى انها استطاعت ان ترى الخطوط القاسية الواضحة لفكيه
-الم يقل لك احد ان صغار من فى المكاتب ، ليسوا فى وضع يقدرون فيه على التساؤل عن اى ملاحظة اعطيها ؟
وكان هذا ، لو ان لديها اى عقل ، كفيل بان يجعلها تتراجع ، بعد ان تعبر بطريقة مناسبة عن الندم . ولكن بدا وكان شيئا يلزمها بالبقاء حيث هى ، اسيرة نظرته الباردة
-اخشى اننى اجد من الصعوبة ان اتقبل شيئا لا اوافق عليه
-هكذا اذا ، نحن لسنا فقط جسورين بل وقحين ايضا ! ومع ذلك استطيع ان اقسم بانك سيدة شابة ذات تربية جيدة . اخبرينى انسة .... انسة شاو ، هل انت ساذجة كما تبدين ام انك تقصدين اجتذاب انتباهى ؟
وحدقت سارة به ، وقد اتسعت عيناها الزرقاوان وهى تشعر بشعور غريب يقارب الصدمة يتحرك فيها . وخفق قلبها بسرعة ، حتى شعرت بضرورة وضع يدها عليه لتحميه ، واصبحت عيناها الزرقاوان قاتمتين بغرابة . لقد شعرت بانشداد غريب بينها وبين هذا الرجل الذى يراقبها ببرود بدا لا علاقة له بمركزها الادنى او بقلة الاحترام الظاهرة فى ردها ، لقد تعلمت بما فيه الكفاية لتدرك ان اى شئ يزعج رؤوس من هم فى الادارة ، يميلون دوما ان يلقوه على راس موظفيهم . ومع ذلك ، وبينما كل غريزة فيها تحذرها من ان السيد فينويك لم يكن صباحه جيدا ، لم تستطع سوى ان تشعر ساخطة ان عليه ان يتخلص من نقمته عليها !
-لم تعتقد ان على لفت انتباهك سيد فينويك ؟
وبدا يتفحصها عن كثب وهو يشد على فمه وبدا قد تخلى عن اية فكرة بانه لم يكن منصفا بحقها . واصبح من الواضح انه قرر ان النكرات الصغيرة امثالها ، يمثلن كبش الفداء المثالى وبما ان يومه كان مزعجا جدا فقد شعر بحاجته الى كبش فداء
-لماذا يجب عليك جذب انتباهى ؟ كيف لى ان اعرف الجواب ؟ ما اعرفه ان البعض من امثالك يرغبون فى الاغماء عند قدمى . ذلك النهار فتاة مثلك ركضت ورائى وهى تحمل منديلا لم يكن لى .
فاذا شعرت برغبتى فى تحدى مثل هذه النزعات فلماذا لا ؟
ورمشت سارة عيناها ، واصبح اللون فى وجنتيها اكثر احمرارا . بما لها وكانه ذنب . فقد كانت مع تلك الفتاة عندما ركضت وراءه حاملة المنديل . كان يجب ان تتذكره بسبب طول وعرض كتفيه ، والقوة فى ملامحه عندما استدار لينظر الى الفتاة ويهز راسه ، لم تدرك سارة يومها انه راها ، ولكنها تعرف الان انه فعل ، ولو من اطراف عينيه . معرفتها هذه الهبت ضغينتها وكانما يتهمها صراحة بالتامر بشئ هى بريئة منه ، ومع ذلك فماذا تستطيع ان تقول ؟ وكيف تستطيع الدفاع عن نفسها او عن الفتاة النكودة الحظ دون التسبب بازدياد غضبه ؟ اما بالنسبة للفتاة فقد حاولت ان تحتج لاجلها . فشبكت اصابعها المرتعدة وقالت بسرعة : انا متاكدة ان الفتاة لم تعرف من انت سيد فينويك ، فالناس يتشابهون فى الزحام
ومرت لحظة من الصمت الحاد ، بينما استمرت سارة بالارتجاف بشكل ظاهر . كيف تجرات ان تلمح بانه قد يشابه واحدا من الناس العاديين ؟ الم تكن تتحدى قدرها كى تشير الى هذا فى وقت لا يجرؤ حتى اعتى اعدائه الانكار بانه معروف فى اى مكان ! مارك فينويك معروف اينما ذهب فى هذا العالم . ورفعت عينيها بنوع من الرعب الى وجهه ، وبدا لها متغطرسا ومتحفظا ، بما يناسب مركزه
وفجاة ، وبعدما شعرت ان نهايتها قد دنت ، وامام دهشتها تبسم ، بما يشبه التواءة جافة لشفتيه ، ولكنها شعرت بالراحة فورا
-اظن ان الحديث سيخرج عن سيطرتنا عليه ، انسة شاو . وانا متاكد انك توافقين ؟ ربما لو عرضت على منديلا ساتصرف بشكل اخر
-لن اجرؤ على هذا ابدا .... بعد الان .
وبطريقة ما ، اجفلت لسماع نفسها ترد هكذا ، واجفلت اكثر عندما وجدت نفسها تبتسم له . حتى هذه اللحظة لم تدرك بانه الى جانب صفاته العديدة قد يكون ايضا يملك السحر الخطر . واصبحت الان تشعر بسحره بوضوح تام ، وبرعدة سريعة شعرت بالتصلب ضد الفكرة ، وكان تشكل نوعا من التهديد المباشر لها
وارتفع حاجباه ، وتراجعت خطوة اخرى ، وهى تتوقع تماما طردا رسميا لها . ولكن الدهشة بدت فى وجهها عندما سمعته يطلب منها ان تصب له القهوة قائلا : اذا كانت باردة اتصلى واطلبى غيرها . وعاد وجهه الى العبوس ثانية
واسرعت الى ابريق القهوة ووجدته ساخنا . وصبت له فنجانا ، فاندلق بعض من القهوة على جوانب الفنجان ، ولعنت بصمت تسرعها غير العادى ، واعتذرت : اسفة ، ولم تعرف اذا كانت ستعرض عليه السكر والحليب ، فقد كانا قريبين له . ووضعت القهوة على الطاولة بقربه وامسكت بابريق الحليب ، ولكنه اشار براسه رافضا . ووضع بنفسه ملعقتى سكر .
-اتحبين ان تتناولى فنجانا ؟ اليست هذه ساعة غذائك ؟
وكادت سارة تقفز ، لقد كانت منشغلة جدا بعملها حتى نسيت تماما غذائها . لن يكون لديها الوقت
لتذهب الان . وحاولت اقناع نفسها : لا يهم ، ولكنها لم تقدر ان تمنع عيناها من التطلع الى رزمة سندويشات اللحم اللذيذة
-تفضلى ....
واوما ناحية الطعام بيده بينما كان ينهض ليفتح احدى الخزانات ويجلب رزمه من الاكواب البلاستيكية ، " لا اعلم من اين اتت هذه الاكواب هنا ، ولكن ربما حان الوقت لاستخدامها . خذى . صبى لنفسك القهوة ، بينما اتحقق من ان تريفور قد ارسل كل شئ طلبته "
ونظرت سارة الى الكوب فى يدها . السندويشات لذيذة ، افضل من اى شئ تذوقته منذ قدومها الى هنا . ماذا سيظن الناس اذا استطاعوا رؤيتها الان ؟ قد يكون مارك فينويك لا يدرك ماذا يفعل ! طبعا هى لم تطلب ان تاكل سندويشاته ، ولا تصرفاتها اوحت انها تحب ان تفعل . واحد يكفى ، ولن تقبل المزيد ، حتى ولو رجاها
-تفضلى انسة شاو ، كليها كلها . اتذكر عندما كنت فى عمرك كنت دائما احس بالجوع . بالمناسبة ، كم عمرك ؟
-ثمانية عشر .
ورمت بحذرها الى الريح ، وتناولت سندويشا اخر ، ولدهشتها ملأ لها الكوب بالقهوة ثانية
وقفزت عن الكرسى الذى كانت تجلس عليه ، واصبحت على بعد ياردة من الباب ، عندما جذبها صوته
-انسة شاو ، اين انت ذاهبة ؟
وتيبست كتفاها الرقيقتان من لهجته الديكتاتورية ، وتوقفت دون ان تستدير
-لو ان الانسة درو عادت ووجدتنى هنا ، سيكون على التحسب ل .... ل ....
-تعنين سيكون عليك المحاسبة على مشاركتى غدائى ؟ تعالى اجلسى ، انسة شاو لم اكن اعتقد انك بهذا الغباء ! حتى الانسة درو ليست بالغباء الكافى لتتصور اننى ساسمح لك بالتجول هنا ، وتاكلى دون اذن
-انا اسفة سيد فينويك ، ولكن يجب ان اذهب . لا تريدنى ان اتاخر على عملى
-قلت لك اجلسى !
هذه المرة ، كان امرا ، ولم يكن لديها خيار سوى ان تطيعه
ووقف ، وذهب الى احد الرفوف وصب لنفسه كأس شراب
-اخبرينى ، انسة شاو ، اين تسكنين فى لندن ؟ اظنك واحدة من السلالة النادرة التى تحب السكن فى منزل ، اذ لا تبدين خبيرة بالحياة كفاية لان تسكنى لوحدك
وحدقت سارة به بسرعة ، وقد ارتعدت قليلا لانه يسالها عن شئ شخصى كهذا
-اعيش بعيدة عن المنزل ، فى نزل
-اذا انا على خطا . فلديك شئ من الاستقلال
-فى مثل حالتى ، انه شئ لا فخر فيه يا سيد فينويك . انا من " كوفنترى " فى اواسط انكلترا ، ومن الصعب التنقل الى عملى من هناك يوميا
وتاملها لفترة طويلة وهى جالسة مرتبكة تحت بنظراته ، تتمنى لو انه لا يتعالى عليها هكذا . جعلها تشعر انها تافهة ، وعاد اليها الارتباب ثانية انه كان يستخدمها فقط كنوع من التسلية . شئ ساقته له الاقدار لتسلية نفسه لدقائق قليلة . لم يكن عندها شك من الاشاعات التى سمعتها ، بانه معتاد على التلاعب بالنساء . علاقاته بالنساء كانت معروفة ، ولكنه كان دائما ينهيها قبل ان تصبح معقدة . كل هذا كان من الوشوشات الا انه من الواضح ان هناك بعض الحقيقة فيها . وزاد خفقان قلب سارة ثانية ، وشعرت باطرافها تضعف وهى تسمح لنفسها بالتساؤل عما ستكون عليه الحال لو تورطت مع رجل مثل مارك فينويك
واجبرت ذهنها على التحول من التفكير بالاغواء الرومانسى الى امور اكثر دنيوية .... كيف تستطيع الهروب من هذا المكتب ، والعودة الى مكتبها ، كيف تفعل هذا بسرعة وهى لا تزال محتفظة بكرامتها . وانتبهت ان مارك فينويك كان يتحدث ثانية : لماذا غادرت بلدتك واتيت الى لندن ؟ فحياة النزل ليست مغرية الى هذا الحد
-رغبت فى التغيير
-ووالداك ؟
-والداى ؟
-نعم ، هل كانا يرغبان فعلا فى قدومك الى هنا ؟
-لم يكن على سؤالهما
-ولماذا لا ؟ الم تستشيريهما على الاقل ؟
-سيد فينويك ، هل يجب عليك التوصل الى النهاية المرة ؟ اذا كان كذلك ، لم يعد لدى والدان ، قتلا فى حادثة
-هكذا اذا ، انا اسف
منتديات ليلاس
واحست سارة بالسعادة لانه لم يتابع الموضوع . فى الحقيقة لا يستطيع قول الكثير لانهما ما زالا غريبين عن بعضهما لا اقل ولا اكثر
-لا يمكن للنزل ان يكون المكان المرضى للسكن فيه . ماذا تجدين امامك لتفعليه فى الامسيات ؟ لا تستطيعين ان تعيشى حياة متحررة كثيرا ، وانت مقيدة بكل انواع الانظمة والقوانين
-بالطبع لا ....
-ولكن لديك اصدقاء تخرجين معهم ؟
-كنت اخرج مع رجل واحد ، ولكننى اعتبره احد المعارف العرضيين
-هذه هى الفكرة السائدة هذه الايام اليس كذلك ؟ ابقاء المعرفة سطحية . النساء يعتقدن ان بمقدورهن السيطرة على اكثر اللحظات المشبوبة بالعاطفة ، ويملن الى الصراخ وكانما جريمة حدثت عندما تصل الامور الى ابعد من قدرتهن على السيطرة . ولا يعتقدن انهن سيدفعن ثمن طيشهن بطريقة او باخرى . من هو هذا الصديق الغامض ؟ اتعرفينه منذ زمن ؟

عصفورة النار _ آن ميثرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن