جالسون مقابل بعضنا في ذلك المطعم الفخم ، رغم البرودة لم أشعر بشيء ، شعرت أني ميتة..
طلب لي النعناع وطلب لنفسه قهوة ، جلسنا بصمتٍ مطبق قاطعه بالإمساك بيدي..
لم أبدِ رد فعل ، لم أترك يده ولم أشد عليها أيضاً ، ابتسم وهمس "أنا آسف.."
"لم تعتذر ؟ أنت كاذب وعابث ليو.. "
ابتسم وقال "لا مانع بالعبث مع آنسة جميلة ، لكني لم أكذب عليك قط.. "
هو قال يجعلني أعيد حساباتي ، لم أجبه فقال "ألا يساورك الفضول ؟"
"بلى.. "
"سأحكي لك إذاً عزيزتي ، قصة حب جميلة ، استمتعتي بها حتى آخر أحداثها.. "
هو قال في الوقت الذي وضع به النادل القهوة والنعناع ، أفلت يدي لأشرب النعناع وأريح رأسي ، رفعت نظري إليه لأجده يحدق بي ، فنجان قهوته في يده اليمنى ، سيجارة في اليسرى ، تنهد وقال
"القصة تتحدث عن شابٍ من لندن ، أجبرته ظروف الحياة على السكن في فرنسا ، ميزة بطل قصتنا أنه يملك القدرة على معرفة ما يفكر به الناس بسهولة ، ليست هبة ، لنقل أنه درب نفسه على ذلك .. واسمه هو ليوناردو رادكليف .!"
هو قال لأنظر له بتعجب ، كنت أشعر دوماً أن ليوناردو يفهم الكثير قبل أن أنطقه ، لكني لم أتوقع أن الأمر هكذا ..
"توفي والده بحادثٍ مأساوي ، وبطريقةٍ ما والدته تخلت عنه ، لذا بقي وحده متخبطاً في ألمه ، كان يدرس القانون ، ووجد لنفسه بعض الأصدقاء ، من وجهة نظره هم لا يستحقون اسم دراستهم أبداً ، كانوا مجموعة من المجانين ، الدراجات النارية ، تهريب المخدرات ، ترويجها والمتجارة بها ، لكنهم كانوا أصدقاءه ، وهذا يكفيه .."
"أنت متأكد أنك تتحدث عن نفسك ؟ لديك هذا النوع من الأصدقاء ؟!"
سألته باستغراب وبدا أني نسيت ما حدث ، وكأني نسيت لوهلة أن ليوناردو يخدعني من أيام ، رفع يده بوجهي وقال "إنها قصة ، وأنت لا يجب أن تقاطعيني .."
أرجعت شعري للوراء بغضب وشربت من كأس النعناع ، فابتسم وتابع "ليوناردو لم يكن مهووساً بتلك الأمور ، ويكره الأشخاص الذين يتعاملون بها ، لكنه كان مضطراً ، ظروف حياته ، أصدقاؤه ، تخلي أمه عنه ، بعده عن منزله في الوطن وموت والده ، كل ذلك أجبره مع القليل من الضعف منه هو أصبح مدمناً ."
"مدمن ؟"
"مخدرات ، الحبوب التي استمر بأخذها لتستهلك طاقة حياته بالتدريج ."
"بحق الله ليوناردو .."
أنا تقريباً صرخت وجسدي يرتجف بشكلٍ كامل ، هو ابتسم مجدداً ، بطريقةٍ مستفزة ، تجاهلني وتابع "بعد أن ضاق ذرعه بحياته اليائسة قرر التخلي عن كل شيء والعودة للوطن هناك حيث صديقه دين ..
دين كان لليوناردو أكثر من أخ ، ساعده ، انتشله ، جعله يسكن في منزله ، أخذه عند طبيب ليتوقف عن الإدمان ، أشرف بنفسه على دوائه ، ساعده على التسجيل بالجامعة ، ودعمه بها .. دين كان يعني الكثير لبطل قصتنا حقاً .."
هو قال لتتسع عيناي مجدداً ، كنت أشعر أن دين وليوناردو مقربان ، لكن جاكسون مقرب منه أكثر، أو هذا ما توقعته فقط .. ومن الواضح أني كنت مخطئة..
ليوناردو سجل بكلية الإحصاء، تعرف على عدة أصدقاء ، واضطرته الظروف ليسكن مع جاكسون بما أنك مستغربة بشأن هذا .."
هو قال لأقلب عيني وأتمتم "لا تقرأ أفكاري .."
"حين كان بطل قصتنا يسكن في منزل دين طلب منه أن يعطيه رقماً ليضعه في هاتفه ويتواصل به مع الآخرين ..
دين أعطاه واحداً ، وقال له بالحرف (صاحبه لا يريده) لم يذكر من صاحبه ، ولم يذكر السبب في أنه لا يريده ، وليوناردو لم يسأل ، فقط وضع الرقم في هاتفه واستعمله ..
وفي يومٍ ما ، وصلته رسالة ، من فتاةٍ لا يعرفها ، كتبت بها الكثير ، مع اقتباسٍ لمحمود درويش ، كان من الواضح أن الرسالة موجهة لصاحب الرقم الذي لم يكن أعرف من هو ، لم يسأل ، تجاهل الأمر كأنه لم يكن وفكر به كثيراً ..
تتالت الرسائل واحدةٌ تلو الأخرى ، اضطر مرةً أن ينقذها وينتشلها من حانةٍ قذرة في شارعٍ قذر ويعيدها لمنزلها ، وهناك عرف من هي المرسلة .."
"أنت ...؟"
لساني انعقد ولم أستطع نطق المزيد ، وهو بدأ يكشف كل شيء أمامي ، أمراً وراء آخر ، يجعل دموعي تسيل بصمت ، ينظر لي ولا يعبر ، لم يواسيني ، هو أعطاني المساحة لأبكي بصمت ..
"صادف الأمر أن يلاقي فتاته تلك في نادي رياضي ، وصادف أيضاً في يومٍ من الأيام أن عرف من هو صاحب الرقم
كان يتقلب بين مصادفةٍ جيدةً وسيئة ، حين عرف أن صاحب الرقم هو الشاب المدعو ريكاردو ريد تفجرت كل أحزانه ، لأن ريكاردو لم يكن سوى صديقه .."
"أنت تمزح ليو ..."
نطقت وابتلعت شهقتي كلمتي ، هو أشاح بنظره وأجاب "ريكاردو كان صديق ليوناردو ، هذا جعله ينهار حقاً ..
واحزري ماذا حصل لاحقاً أسيل ؟"
"أنا توقفت عن الإرسال .."
"توقفت الفتاة عن مراسلة ريكاردو ، فتوقفت الرسائل التي تصل للفتى الذي يقع بعشقها يوماً وراء يوم ، ولا يقوى بالطبع على إخبارها ، حتى قرر قراراً كلما فكر به وجده غبياً ، لكنه فعله .."
قاطعته وقلت "قرر أن يكون من يتقرب منها .."
ضحك بسخرية وصحح "قررت أن أكون من يتقرب منك .."
أسقط شخصيات القصة على أنفسنا ، هو أمسك بيدي الموضوعة على الطاولة وشد عليها ، تركت أصابعي في يده ، دون أن أبعدها ، ولم أرد ذلك ، في هذا الوقت رغم كل إنزعاجي من ليوناردو أنا أؤمن أن يده هي الوحيدة التي ستمسح دموعي .
"لم طلبت مني لقاءك بالشخصيتين بنفس الوقت ؟ أتريد جعلي في حيرةٍ من أمري من أختار أنت أم المجهول ؟ وفي كل الأحوال أنا أختارك .."
سألت بحقد ليقول بهدوء "أجل ، في النهاية أنتِ فضلتِ رؤيتي على مجهولٍ يلاحقك ، هذا جعلني فخوراً بنفسي !!"
تنهد وأردف "تخلصت من رقم ريكاردو ، واشتريت رقمين جديدين ، الأول لي لأستعمله في حياتي العملية ، والثاني رقمٌ سري لأراسلك ، تقربت منك باسمٍ مجهول ، وبطريقةٍ غريبة ، أردت أن أصنع معك قصة حبٍ مميزة ، كتبت لك أقتبس من شعراء اقتبست لهم ، وأنا لم أكذب بأي كلمة ، أنا أقسم ..!!
أنا أحبك أسيل ، أعشقك بجنون ، لا أعلم إن كنت تبادليني حبي ، أو تسمحين لي به حتى ..
أنا لم أسمح لنفسي أن أحبك وأنت حبيبة صديقي ، لكني لم أقدر على التحكم بنفسي
أنا لم أنفجرف وراء مشاعري يوماً ، وفعلت بسببك ..
لا أدري حقاً ، أنت ربما سترفضينني ..
أنا كنت أدمن رؤيتك كل يومٍ ..
كل صباح أوصلك به لعملك ، أسلك دوماً الطريق الطويل ، أتمنى ألا ينتهي !
كل سهرة نسهرها ، أتمنى أن يطول الليل فقط ..
أنا لمت نفسي كل يوم ، حين أراكِ شاردة ، وأعلم أني السبب ، حين خبأت عليك الكثير ، حين كنت أنظر لك وأعلم ما تفكرين به ولا أستطيع مشاركتك به .."
هو أنهى كلامه ليجد صمتي جواباً وحيداً له ، عبث بشعره بيده الثانية وهو مازال يشد على يدي وتمتم "أنا لعين ، أنا أكره أن أتكلم كثيراً ، وأكره أن أشارك مشاعري مع الآخرين ، لكني أفعل ، لأني أريدك أن تعلمي .."
"لم لم تتكلم منذ البداية ؟"
سألته بجدية ليقول "أنا لا أتحمل أن أرفض ، أنا لا أقول حبي لأحد .. إن لم تكن الروح مستعدةً لتسليم الروح .."
"أنت واثق ..؟ "
قلت بلؤمٍ شديد ليبتسم ابتسامةٍ مؤلمة ، هز كتفيه وقال "أنا لا أحكم على مشاعرك ، أنا أخبرك بما في داخلي ، أنا اعترفت لك في الوقت الذي شعرت به أنك ستقبلين اعترافي ، أنا لا آمرك أن تبادليني ، أنا فقط أفصح ، ولك الجواب أسيل .."
نظرت للسماء من النافذة ، للنجوم التي تغطيها وتضيئها ، بدت لي لامعة وجذابة ، كتلك الليلة التي رصدناها معاً ، صمت لوقتٍ طويل ، ربما لأكثر من عشر دقائق حتى نطقت أخيراً "غني لي .."
"أغني ؟"
سأل باستغراب لأقول "ستيلا قالت لي أن صوتك جميل ، وأنك تغني لها دوماً مهما كانت حالتها النفسية سيئة .."
لم يتكلم للحظات ، أظنه يلملم أفكاره ، يجمع شتات نفسه ، ويبحث عن أغنية مناسبة ربما ..
((أحبيني بلا عقدِ .. وضيعي في خطوط يدي
أحبيني لأسبوعٍ لأيامٍ لساعاتٍ .. فلست أنا الذي يهتم بالأبد
أحبيني أحبيني ..
تعالي واسقطي مطراً .. على عطشي وصحرائي
وذوبي في فمي كالشمع .. وانعجني بأجزائي
أحبيني أحبيني ..
أحبيني بطهري أو بأخطاءي
وغطيني أيا سقفاً من الأزهار .. يا غابات حنائي
أنا رجلٌ بلا قدرِ .. فكوني أنتِ لي قدري
أحبيني أحبيني ..
أحبيني ولا تتساءلي كيف
ولا تتلعثمي خجلاً
ولا تتساقطي خوفاً
كوني البحر والميناء .. كوني الأرض والمنفى
كوني الصحوة والإعصار .. كوني اللين و العنف
أحبيني معذبتي .. وذوبي في الهوى مثلي كما شئتي
أحبيني بعيداً عن بلاد القهر والكبت
بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت
أحبيني أحبيني ..))
هو همس بصوته الحاني الذي أسمعه لأول مرة ، ارتميت بين ذراعيه أبكي ، أبكي بشدة محاولةً نسيان كل شيء ..
في النهاية أنا لم أتوقع أن ليوناردو من بين الجميع هو الذي سيسلب مني قدرتي على الصمود ويسمح لدموعي بالتساقط ..
هو ضمني وشد علي بذراعيه ، منتظراً جوابي...
The End
R.M
كتب الفصل الأخير بتاريخ 5/12/2017
ونشر بتاريخ 31/12/2017
سنة جديدة سعيدة..
أحببت أن تكون آخر فصول مدمن ذكرى لكم تنهوا بها عامكم..
شعرت أن الرواية طالت ، كان من المخطط كتابتها ب25 فصل كحد أعلى ولا أدري كيف ازدادوا.. حتى وصلت ل 54
الكثير من الشخصيات كانوا يحتلون الساحة ..
ليوناردو وأسيل
دين وسمر
جاكسون وراشيل
وأخيرا ستيلا
آدم وتريزا ومدير الجامعة.. كشخصيات ثانوية
من كانت شخصيتكم المفضلة ؟
أكثر شخصية مستفزة ؟
أكثر شخصية كانت تحمل قصة مؤلمة او ماضي مؤلم ؟
أكثر شخصية تمنيتوا أن تكونوا مكانها ؟
ما الذي أعجبكم بكل شخصية ؟
ما الذي أزعجكم بكل شخصية ؟
ما هو أكثر حدث أثار اهتمامكم ؟
وأكثر حدث تمنيتوا تغييره ؟
في النهاية..
هذه الرواية الأولى التي أكتبها بنهاية مفتوحة وأعلم أن الأمر مزعج ربما لكم
أترك لكم حرية الخيار والتحليق بخيالكم لتعرفوا جواب أسيل ، فمن الممكن أن تنتشل نفسها ، ومن الممكن ألا تقبل بليو كونه خدعها ؟
لو كنت الكاتب.. ماهي النهاية المحتملة التي ستختارها ؟
R.M
تابعوا روايتي الجديدة غاردينيا