بعد مفاوضات ومبادرات عديدة دامت طوال الليل بين أميريّ التنظيم ،
وافق أمير الرفيف (ذمار) ان ينضم هو وكتائبه العشرون - حيث يوجد في كل كتيبة اكثر من 500 مجاهد - الى مأمون لقيادتهم ، فهو افضل منه في قيادة الكتائب وتوجيههم ، كما ان الجهات العليا قد أوصوا خيراً به ، لكن بشرط ان لا تكون مهمة كتائبه خارج أسوار الرفيف ، الا في حالة اضطرارية او طلب الدعم ...
قرر مأمون تعجيل العودة الى آزاد من اجل الدراسة والتخطيط المحكم للسيطرة على مدينة السلام ، لكنه بالطبع لن ينسى توكيل بعض الجواسيس لنقل أخبار المدينة و للتجسس على الأمير ، مخافة ان يغير قراره او يقوم بخيانته ، كي يحضى بالوصاية من زعمائه ، لذا طلب من كتيبة زيد بن ثابت بقيادة (علي) البقاء في الرفيف لنقل أوامره لهم ، وهم بدورهم يطلعون ذمار والبقية عليها ، وأيضا اختار احد عشر شخصا من كتائب الرفيف ، و أمرهم بمراقبة ذمار و باقي المجاهدين والتجسس من دون ان يطلعوا أحداً على ذلك ، وقد اعطى كلاً منهم مبلغٌ مالي ليواصلوا مهمة التجسس ، أخبرهم بطريقة هادئة لكنها توحي بما تنبهوا تهديد :
- ان علمتُ بأنكم قد أخبرتم أميركم او أي شخص عن ما كلفتكم به ، سأجعلكم تندمون ، لا أحبُ منْ يخالفُ أوامري ، و لستُ منْ يُعارَضُ او يُهزَمُ ...
جميعهم يهابون تهديدات مأمون ، فهو ان وعد صدق ، وسينفذ وعده حتى لو كلفه ذلك حياته ، فهو يحمل شهادة القتل بإمتياز ، ولن يجرؤ أحداً منهم ان يعارضه في قرار او يهزمه في شجار ....
************
لا تزال الحكومة متسترة على ضمائر القاتلين ، تقديرهم ( داعش ) فـ ها هي تتلاعب بقواعد الاعراب و تقوم برفعهم وضمهم تحت جناحها ، بدل جرهم و كسرهم للالتقاء الساكنين ، وهم الآن على غير عادتهم فالسكون يخيم على المدينة ليس هناك من أثر للقتل او الخطف ولا لوجود إنفجار أو أي حالة إستنفار ، هذا ما جعل الناس يعتقدون بإن الدولة الاسلامية ليست إرهابية وانما دولة منقذة لهم من بطش الحكومة واستبدادها .....
في بيت نائب وزير الداخلية المتواضع بالنسبة لأفراد الحكومة ، لكن من عامة الشعب يراه كـ قصرٍ كبير ، كان مهند جالس مع أحمد في مكتب بأثاث فخم جدا ، يحاول مساعدته في بحوثه ، حيث ان الاخير كان مختفيٌ لاسبوع لا أحد يعلم أين يذهب ولما كل هذا الاهمال لدراسته ، فلا يوجد شيء يستحق ان يترك دراسته ويتغيب كل هذه المدة من أجله ، لكن هو لا يبالي يستطيع والده بمنصبه العالي ، ان يساعده فالنائب على صلة وثيقة بوزيز التعليم العالي ....
خاطب مهند أحمد المتذمر من الدراسة :
- أحمد اخبرني أرجوك ، ألستُ صديقك ، مابك ، ما الذي دهاك يا رجل ؟؟
اجابه وهو يقطب حاجبيه :
- مابي !! ، أنت مابك ؟ منذ قدومك وأنت ماتنفك تسألني نفس الاسئلة ...
- صدقني أنا خائف عليك ، أنت تضيع مستقبلك ولا أعلم لما تفعل هذا...
- هل نسيت بأن والدي هو شخصية مهمة ، حتى لو رسبت يستطيع ان يتدبر شهادة تخرجي ...
حزن مهند جدا وهو يضرب كفه بالاخرى ويغمغم :
- لا حول ولا قوة الا بالله ...
تصرفه هذا أزعج أحمد منه لذا تفادياً لحدوث شجار بينه ومهند ، أخبره بانه ذاهب ليستحم وتغيير ملابسه ومن ثم سيخرجان معاً لرؤية اصدقائه فقد افتقدهم ، لكن مهند اعترض قائلا :
- وبحوثك ؟
أخبره أحمد ممازحاً عله يبتسم :
- إستراحة مقاتل
وحقاً ابتسم مهند لصديقه مصححاً له قوله : - تقصد إستراحة طالب ..
قال وهو يمسح جبينه بجهد :
- لا يهم ، المهم ان أرتاح قليلا ، لقد تعبت كثيراً وخارت قواي ...
قهقه مهند بصوت مرتفع هذه المرة وهو يخبره ممازحاً :
- اووه يا فتاة قلبي الصغير لا يتحمل ...
ليضحك أحمد أيضاً على تصرفه ، ثم توجه الى باب المكتب ليغادره ، لكنه توقف لنداء مهند له وهو يطلب منه بحياء :
- هل أستطيع إستعمال حاسوبك ، لاكمل بحوثي عليه فقد عطل حاسوبي وتركته عند صديقي ليصلحه ...
ابتسم أحمد وهو يومأ له موافقاً :
- بالطبع تستطيع ، خذه معك ان شئت و أعده الي غداً ...
- لا لا ، لم يتبقى لي الا القليل لاكمله 5 دقائق وربما أقل ..
- حسناً إذاً ، كلمة السر هي AHMAD2014
بعد خروج أحمد من المكتب وانشغال مهند بتكملة بحثه ، أضاء هاتف أحمد يعلن وصول رسالة جديدة ، ولأن أحمد يسمح لاصدقائه الشباب دوما تفقد هاتفه او الرد على الرسائل ، واحيانا الاتصالات فقد أباح مهند لنفسه حق رؤية الرسالة وقرائتها ، لكنه صعق من محتوى الرسالة حتى كاد بؤبؤ عيناه ان يقفز من صلبته ، فقد علم الان بسر أحمد الكبير ، علم سبب تغير صديقهم وإنشغاله الدائم ، لكنه لم يكن يريد ان يظلمه او يتهمه فقط بسبب رسالة ربما وصلت له عن طريق الخطأ ، لذا قام بالدخول على ايميله الشخصي حتى يطمأن على صديقه فقط ، لكنه تفاجئ أكثر وصعق من محتوى الايميلات الصادرة والواردة ، حتى سالت دمعة من احدى عينيه وهو يهمس بخفوت
" لماذا !! لماذا !! "
الآن لا يستطيع فعل شيء له سوى أخبار أصدقائه بذلك ، لربما يستطيعون تنحيته عن ما يوشك ان يغوص فيه ،
لكن الأوان قد فات وأي فعل سيقوم به لن يعد الا هباءاً منثورا ، أولم يعلم بعد بأن من يغوص الى قعر المحيط لن يستطيع الوصول الى سطحه ، بسبب نفاذ الاوكسجين من القنينة قبل وصوله الى 4000 متراً تحت قاع المحيط ، ربما يحالفه الحظ ولا ينفذ الاوكسجين من عنده ، لكن برودة القاع وظلامه المخيف ستكون حتما السبب في نهايته ، وحتى لو شاء القضاء ان يعيش في خضم تلك الظروف ، فلن يحميه قدره من أسماك القرش التي تتربص به قرب سطح المحيط ، وتنتظر اللحظة المناسبة للإنقضاض عليه ، إذاً إحتمالية انقاذ صديقه من براثن دركة الموت هي 0٪ ...
غادر على حين غرة وقد اوصى الخادم ، ان يخبر أحمد بانه منشغل ولن يستطيع رؤيته الا غداً في الجامعة ....
في طريقه الى منزله داخل سيارة الاجرة بعث برسالة لأصدقائه ان يلتقي بهم دون علم أحمد و زينة أيضا ...
وقد اتفقوا ان يلتقوا مساءاً في احد المقاهي ، لكنهم قرروا التجمع في منزل غالية فقد أخبرتهم بانها متعبة ولا تريد الخروج فقامت بدعوتهم على العشاء لتذوق طعام والدتها ...
هو عرضٌ مغريٌ جدا لهم ، فلا أحد منهم يقاوم طبخ الام ، فـ هي تطهي طعامها على نار الصبر ، لتقلبه في قِدْرِ القلبِ ثم تصبُ عليه ماءَ الرحمةِ ، بعدها تغطيه بغطاء حنانها المعطاء ، و قبل نضجه تضيف له مكوناتها السرية :
رشة صغيرة من لطفها ، نصف ملعقة من رضاها ، ملعقة كبيرة من الامان ، 3 ملاعق كبيرة من مودتها . ..
وهكذا تتناول وجبة شهية من الحب الدافئ ذات عناصر عاطفية متكاملة مقدمة على طبق من السعادة ...
في المساء ، بعد تناول العشاء ، تجمعوا في البستان وهم يجلسون على شكل حلقة ، فأخذ مهند عليهم ما رأى ...
( كان محتوى الرسالة :
السلام عليكم ، يبلغك أميرنا سلامه ، ويأمرك التوجه الى الرفيف لمواصلة تدريبك تحت اشراف كتيبة الموت .. )
ثم كيف تأكد بنفسه بأن أحمد متورطٌ في قضية كبيرة
( كان محتوى الرسائل الصادرة منه : معلومات خطيرة تخص مدينة السلام مع خريطة للمدينة توضح معالمها - طرقها - مبانيها ومقراتها ، اما الايميلات الواردة كانت من بعض افراد التنظيم )
لم تكن دهشة الاصدقاء أقل من دهشة مهند ، تحديداً غالية التي انهارت باكية وغاضبة ذات اللحظة وهي تصرخ :
- لماذا يساندهم ، لماذا انضم لهم ، لقد أصبح قاتل ، مجرم ، ارهابي ، هل نسى بانهم قتلوا والدي وعمي وعائلته والاف الابرياء ...
ثم واصلت وهي توجه كلامها الى مهند و تذرف الدموع :
- زينة ، هل تعلم ؟ ، هل أخبرتها ؟
اجابها بصوت حاد :
- لا ، ولن تخبروها سيبقى هذا سرنا ...
اعترضت بشائر قائلة:
- لكن عزيزي أليس من حقها ان تعرف لا يصح ان نخفي عنها ربما تستطيع اقناعه ان...
قاطعها بغضب عارم :
- الا تفهمون ، زينة لا تستطيع تغيير قراره هو قد انضم لهم بارادته ، وايضا حتى لو أخبرناها لن تفعل شيئا تلك الحمقاء لا يهمها ان كان قاتلٌ او سارقً او زيرَ نساء هي تحبه و ربما ستمنعنا بان نبلغ عنه الشرطة ...
صرخت به رؤى :
- ويحك يا مهند ، أتريد زج صديقنا بالسجن !!! ، حتى ان كان ارهابيٌ لن نبلغ عنه ...
قاطعها جمال متهكماً :
- صديقنا الذي تدافعين عنه الان ، سوف يخون صداقتنا فيما بعد ، و سيسلم ارواحنا بيد داعش ، لن يقودنا الى الموت ، بل سيأتي بالموت الى قعر ديارنا ، افضل ان نبلغ عنه..
غالية بهدوء وهي تتنهد :
- اتبلغ عنه من يدعموه ..
مهند وهو مذهول :
- ماذا تقصدين ؟
رؤى :
- أجل ، مالجحيم الذي تفوهتي به ؟
- الحكومة تساند الارهاب ، وهم من سلموا الرفيف الى داعش دون قتال ، وربما نائب وزير الداخلية مساند لهم مع ولده ...
صعقوا جميعا من هول الحقيقة ، لكنهم لن يستبعدو هذا ، فالحكومات كانت وماتزال مستمرة بخياناتها للشعب و للوطن ، لا تهمهم أرواح البشر بقدر اهتمامهم بمناصبهم ...
كان الوقت قد تأخر ، لذا كلا من الاصدقاء عاد الى منزله ، وهم مثقلين بالافكار والمشاعر المتناقضة مابين غضب وحزن وخوف على صديقهم ....
***********
مر الليل مسرعا
لتشرق شمس الصباح ،
فاستيقظ الناس الجِراح ،
ليلتحقوا بزحمة الطريق ويسايروا ضوضاء المدينة ،
منهم من توجه لعمله واخرون توجهوا لمدارسهم وجامعاتهم ،
وهناك من ركبوا على ظهر سفينة ،
ليرموا انفسهم عند أول دوامة في بحر الحياة المستباح ....
بعد تغيير ملابسه توجه الى الجامعة - دون ان يتناول فطوره - والخوف يعتليه ...
كان طول الطريق يضرب قبضته بمقود السيارة ، وقد مرت على باله سلسة من المشاهد والمواقف التي حدثت معه ، حتى وصل وجهته ..
ترجل من سيارته لتأخذه قدميه الى حديقة كلية الآداب ، حيث يجلس فيها أصدقائه كل مرة ، وقد لمح المعني واقفاً امامه ، معطياً ظهره له ، فتوجه اليه وهم يحكم قبضته ...
التفت مهند فجأة بكامل جسده الى الخلف ، لشاهد.أحمد القادم نحوه وعلامات الغل تنضح ، وقبل ان ينطق مهند بكلمة إنهال عليه أحمد لكماً ، وسط صراخه الممتزج مع صراخ الفتيات ، و جمال الذي تدخل ليوقف الشجار بين صاحبيه ....
يتبع ............
عذراً أيها العيد لن نوفيك حقك أيضاً هذه السنة ، وطني ينزفُ دماً ، وشعبي يذبح ظلماً على ايادي وسخة ملوثة بدماء الابرياء تنسب نفسها الى الاسلام ، ويموت حرقاً في انفجار غاشم وراءه حكومة فاشلة ظالمة تقتل شعبها خوفاً على فقدان مناصبها ...
في كل سنة و قبل العيد تحديداً ، تحدث فاجعة ومصيبة للوطن وكأن العراق أصبح أضحية العيد بدل الخِراف ، اليوم شهداء انفجار الكرادة وقبل سنتين ، حدثت فاجعة مجزرة سبايكر ....
رحمة الله عليهم والصبر والسلوان لذويهم ،
وحسبنا الله ونعم الوكيل على الظالمين ....
لا تحزن ياعراق ، ان الله معنا نعم المولى ونعم النصير .....