على ضفاف نهر صغير كونته الامطار ، القى بجسده المنهك ، و يضع لثامه بالقرب منه ، فهو لا يخلعه ابدا في النهار ، لانه لا يثق بالاخرين ، لا يثق حتى بظله فالظل في وضح النهار يغدر بصاحبه ويختفي عندما تحجب الغيوم عنه ضوء الشمس ،
فلماذا اذا يثق بالاخرين ؟؟
كان يسند سلاحه على جذع شجرة قريبة منه ..
بدأ يطالع السماء بعينين سوداوتين ، لا تقل سواداً عن هذا الليل المظلم ..
ثم قام بإغلاق جفنيه ، ليبدأ شريط ذكرياته يعود الى الوراء ، الى الماضي
تحديدا حيث كان في العاشرة من عمره
( 1994/4/30 )
كان الطفل ذو العشرة اعوام ، يقف قرب باب غرفة والدته ، يختلس النظر اليها بعينيه البريئتين ..
صوت بكاء والدته وشهيقها المرتفع ، ايقظه من نومه فقد اخافه كثيرا ، وهو يعتقد ان مكروها ما أصابها ، هذا ماحمله على النهوض ، من فراشه ، متوجها الى غرفة والدته ، ليتفاجئ بالمشهد امامه ..
كانت والدته تتكأ بجسدها خلف السرير ، وقد دفنت وجهها بين قدميها ، بالقرب منها ، وقعت ورقة صفراء اللون ، تبدو كرسالة لكن لايعرف من هو مرسلها او محتواها ..
كان حالها مزريا جدا ، الدموع توسدت وجنتيها ، وقد امتزجت بالكحل الاسود ،
شعرها الحريري الطويل كان مقصوصاً بطريقة متهورة ، بعضه طويل وبعضه قصير والبعض الاخر قصيراً جداً ، والمقص مرمي امامها ، وكانت هناك بعض الخصل الطويلة عالقة فيه ...
اصابه الذعر كثيرا ، لذا اقترب منها ، ثم قام بوضع يده الصغيرة على كتفها ليسألها بصوت متردد وخائف :
- امي ..... !!!
شعرت بالفزع لوجود صغيرها امامها ، وهي ترى الخوف في عينيه لرؤيتها هكذا ، لذا
قامت بسرعة برفع شعرها الى الخلف ، وقد ربطته على شكل ذيل ، ثم ابتسمت له قائلة :
- متى استيقظت يا ولدي ؟
قام بمسح دموعها وهو يسألها :
- لماذا تبكين يا امي ؟
تلعثمت وهي تجيبه :
- لا تقلق يا ولدي ، اشعر بالتعب قليلا ؟
- وشعرك لما قصصتيه !! احبه وهو طويل ..
ابتسمت له بحزن ، وهي تعبث بخصلات شعره وتبعثرها له :
- يعيقني عن عملي ، ولا استطيع تمشيطه ..
مط شفتيه بعناد طفولي :
- لا احبه هكذا ، لا يعجبني هيا اعيديه طويلا كما كان ...
- كيف اعيده فقد قصصته الان ، علي ان انتظر عدة اشهر حتى يطول ..
رد عليها وهو غاضب :
- قومي بلصقه ..
قهقهت والدته على جملته الاخيرة ، بينما جذبته عيناه الصغيرة ، الى تلك الورقة الصفراء ، ليسأل والدته عنها :
- ماهذه الورقة لونها جميل ، من أين حصلتِ عليها ؟
شعرت والدته بالتوتر ، لذا قامت بطي الورقة وهي تعيدها الى الظرف ، ثم قامت بإخفائها داخل خزانة ملابسها ، في صندوق حديدي ، بعدها اردفت قائلة بصوت متحشرج :
- انها من والدك ..
ابتهج بشكل كبير :
- والدي !! ماذا كتب فيها ؟
- ما زلت صغيرا لتفهم محتواها ..
قام برفع كم قميصه ليري والدته عضلة ذراعه الصغير :
- لا أنا كبير و قوي أيضا ..
ضحكت بخفوت على فعلته تلك ، ثم استلقت على سريرها وهي تدعوه ان يأتي بجانبها ..
القى بجسده الصغير قرب والدته ، لتقوم بمسح شعره له ، وقد سرحت بخيالها بعيدا ، لكنه قاطعها :
- امي ، الن تخبريني ماذا قال في الرسالة ؟
تمتمت وهي تخبره :
- ااااه .. نعم .... قال انه ........ انه ..
- ماذا ؟!!
- لن تراه بعد الان فقد سافر الى مدينة اخرى للعمل هناك ولن يستطيع العودة للمنزل ..
شعر بالحزن لسماعه هذا الخبر :
- لما لن يعود الا يريد رؤيتنا ؟
اجابته بصوت متحشرج :
- لا ...... اقصد لا يستطيع ...
ثم ، طأطأت رأسها و بدأت الدموع تنساب من مقلتيها ، دون ان يلحظها ولدها ..
************
مرت خمس سنوات والطفل الصغير شب عوده ليصبح فتى في الخامسة عشر من عمره ، لكنه طول تلك المدة ، لم يرى والده او يسمع اي خبرا عنه ، عدا تلك الرسالة التي لا يعلم ماذا كتب فيها ، والتي لم تسمح له والدته بقراءتها او حتى الاقتراب منها ...
لم تكن طفولته جميلة ولا مشوقة ، فقد كان الفقر والجوع حليفهم دوماً ، وهو كان معتاداً على وحدته لا يخالط الفتيان الذين بمثل عمره ، ولا يتحدث مع اي شخص سوى والدته ، وليس عنده أي صديق ..
كان هناك العديد من التساؤلات التي تملأ جوف عقله ، واغلبها تتمحور حول والده ...
ان كان حقاً سافر ليعمل ، اذا لما لم يرسل لهم اي مبلغ مالي ليعتاشوا منه ، حتى انه لم يأتي مرة واحدة لرؤيتهم ..
أيعقل انه مات ؟
، لكنه لم يشاهد والدته ترتدي الحداد على زوجها ولم تقم له اي عزاء ، اصابه الحزن و اليأس لعدم تمكنه من ايجاد الجواب ، ورغم هذا ، كان واثقا بان يوما ما سيفهم كل شيء ، و سيجد الجواب لهذه الاسئلة التي تشغل خاطره دوما ...
بعد مدة وجيزة ، عزمت امه ان تعمل في منزل ضابطاً في الشرطة ، يدعى قاسم حتى تعيل ولدها مأمون
كان هذا الضابط شخصاً قبيح الشكل ، ذو ملامح مخيفة ، عيناه جاحظتان الى الامام وهي تحملان الكثير من الغل والكراهية والاحتقار لجميع الخلق ، رجلٌ قاسيٌ ، متسلطاً ، متجبراً ومتعجرفاً ...
لم تحتمل زوجته تعسفه هذا ، فطلبت منه الطلاق ، وقد تركت له ابنته ليقوم بتربيتها وتحمل مسؤوليتها وحده ...
اما هي فقد تزوجت للمرة الثانية ، و اصبح لديها اطفال اخرين غير ابنتها كوثر ذات السبعة عشر عاماً ..
كانت كوثر الابنة المدللة لوالدها ، وهي لاتقل عجرفة وغروراً من والدها ، فرغم صغر سنها ، تبدو كنسخة منه ، لكنها اصغر حجما و اقل قبحا ..
ولم يكن مأمون راضياً على عمل والدته فاطمة ، فهو يعلم ان الضابط يقوم بتوبيخها واهانتها دوما ، ولم تكن بيده اي حيلة لكي يوقفه عن ذلك ، فمن يجرؤ على الوقوف بوجه ضابطاً في الشرطة , حيث كانت الحكومة انذاك تفعل ماتشاء ، تنهب ، تقتل ، تسلب وتعتقل الناس وتزجهم في السجون من دون ادنى سبب ، فقط لتتسلى بتعذيبهم وارغامهم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها قط ..
وهذا ما جعل مأمون يخاف على والدته من هذا الضابط السكير ، لذلك حاول ان يقنعها بترك العمل عنده ، لكنها أبت ذلك ، فايجاد عمل ما في ذلك الوقت ، اصعب من العمل نفسه ...
لم يكن مأمون يدرس في المدرسة ، فقد استفظعها منذ كان في الابتدائية ، عندما أهانته المعلمة امام جميع الطلاب ، لانه لم يكن يعرف القراءة والكتابة فوالدته اُمية ، وايضا لم تستطع دفع تكاليف المعلم الخصوصي ...
لهذا ترك المدرسة ، لكنه توجه الى الدين واستمال له ، لذلك لم يكن يفوت اي موعد للصلاة في المسجد القريب من منزله ، وقد تعلم هناك القراءة والكتابة ، على يد شيخه ومعلمه إحسان ، فقد جعل منه هذا الشيخ حافظاً لنصف القرآن الكريم ..
************
خرجت في ذلك الوقت مجموعة من الشباب المثقفة ، قاموا بدراسة الفقه الاسلامي في المساجد والمعاهد الاسلامية ، وقد اطلقوا على انفسهم لقب ( أنصار الاسلام ) حيث ادرج هذا التنظيم من قبل الحكومة ، تحت قائمة الارهاب لانهم كانوا من المعارضين الاسلاميين ، وقد كان يقودهم بعض المشايخ ورجال الدين ومن ضمنهم الشيخ إحسان ، الذي قرر التخفي في قرية مأمون ، بعد ان اصبح مطارد من الشرطة ، ثم استغل فرصة تعليم الشباب والفتيان الكتابة والقراءة ، وتحفيظهم القرآن الكريم في المسجد ، للتأثير عليهم وضمهم لأنصار الاسلام ..
وقد كان الشيخ يخطط لاستدراج مأمون ، وذلك لما راى فيه من الشجاعة والايمان اللازمين ليصبح فردا منهم ، فاصبح يعلمه لوحده دون مشاركة باقي الطلبة ، وأيضا كان يجتمع معه في منزله ، حيث قام بتحريف التفسير لاكثر الايات القرانية ، حتى يقنع مأمون بالحجة والبرهان ، اما مأمون فهو كان لا يستطيع الا تصديقه ، فقد اصبح هذا الرجل ، مثله الاعلى وبدأ ينظر له على انه الأب الروحي له ، ليس مجرد معلم او شيخ ...
لكن فاطمة لم تكن تطمئن لهذا الشيخ ابدا ، لذا حاولت بشتى الطرق ان تبعد مأمون عنه ، او تجعله يحترس منه ، ودائما تنصحه وتحذره منه ، لكنها كانت دائما ما تتلقى الرفض من ولدها ، وهذا كان يثير قلقها أكثر ..
في أحد الأيام كان مأمون جالسا مع شيخه في منزله ليشرح له بعض الايات القرانية ، التي قام بتحريف تفسيرها ليجعلها تخدم هدفه :
- أتعلم يا ولدي مأمون بان الله أمرنا ان نقاتل الكفار والمشركين وان ننهي وجودهم من على هذه الارض ، فهم خطرٌ على الأمة ، فالحكومة وكل من يتبعها من الكفار والمشركين ، هم بمثابة الخطر الكبير ، لذا من واجبنا القضاء عليهم قبل ان يطغوا اكثر في البلاد وينشروا فيها الفساد...
- اذا ياشيخي هل تقصد بان علينا قتل اي شخص منهم حتى لو كان بريئاً..
جحظت عينا احسان وهو يهمس له مثيرا خوفه :
- لا يا بني لا أحد منهم بريء ، كلهم مجرمون مشركون ، جميعهم يستحقون القتل ...
- وهل هناك دليلا واضح في القرآن ياشيخ
- أجل يا بني بالطبع
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
صدق الله العظيم...
كان كلام هذا الشيخ ، يستقر في عقل مأمون بسرعة ، فهو يثق بشيخه ، لذا كان يصدق اي كلمة يتفوه بها ..
صمت قليلا ، وهو يتفكر في كلام شيخه ، حيث استطاع الأخير اقناعه ولم يترك له اي مجالا للشك ، لكنه تذكر فجأة ان عليه ايصال والدته الى المنزل ، لذا طلب الاذن من الشيخ ...
وصل الابن الى منزل الضابط ، وهنا اشتاط غضباً عندما سمع كوثر ، تقوم بتوبيخ والدته لانها لم تنجز عملها على اتم وجه ، فقد اخبرتها فاطمة انها كانت متعبة وتشعر بالارهاق ، لكنها اجابتها وهي تصرخ بها وتهينها :
- اسمعيني جيداً أيتها الامرأة البائسة ، لا يهمني ان كنتِ متعبة او مريضة ، ستبقين تعملين هنا حتى ولو أصبحتِ على مشارف الموت ( ابتسمت بشر وخبث ، ثم تابعت ) والا سأخبر أبي و ادعه يخصم من مرتبك ، هل فهمتي ذلك ؟ ...
غضب مامون كثيرا ولم يستطع ان يصمت او ان لا يتدخل ، فكيف لتلك المتكبرة الصغيرة ان تهين والدته التي هي أكبر منها وتصرخ عليها بهذه الطريقة الفظة ...
قام بركل باب المطبخ بقوة ، ثم طلب من والدته ان تتوقف عن العمل اليوم وتعود معه الى المنزل ، لكن والدته أخبرته :
- لا بني سأبقى هنا حتى انهي عملي ..
طالعته كوثر بنظرة انتصار ، وهي تبتسم بتهكم ، لكنه لم يأبه لها ، قام بمسك والدته من ذراعها كي يخرجها من هذا المنزل ، لذا تبعته والدته دون ان تنطق بأي كلمة ، لكنه توقف عندما اصبحت كوثر امامه وهي تطقطق بأصابعها ، بطريقة مستفزة جدا ، أخبرته بنبرة ساخطة وهي تكاد تنفجر من الغضب :
- هي انت ، كيف تجرؤ على مخالفة اوامري سأخبر والدي بذلك ..
لكنها ذعرت عندما لمحت نظرات الاحتقار الموجهة إليها من قبل مأمون ، ليصرخ في وجهها ، وقد اثار خوفها جدا :
- إياك ان تهدديني بوالدك ، فانا لا اخاف ، ذلك السكير الخرف ..
و اكمل بعدها طريقه
لحقت به الى الخارج ، وهي تصرخ بعدة كلمات فظيعة :
- أيها الحثالة ، كيف تجرؤ على ذم والدي ، سأجعلك تندم ...
لكن مازاد غضبها حقاً ، هو تجاهل مأمون لها فقد كان يتقدم امامه دون ان يلتفت او يعير صراخها وتهديدها اي اهتمام ، لذا أخذت عيناها تبحث عن أي شيء تلقي به عليه ، ولم تجد امامها الا حجراً صلدا ..
لذا قامت بإلقائه عليه ، دون تردد ، فأصابت رأسه بقوة ، وقد بدأت الدماء تأخذ مجراها خارجاً..
تجمدت فاطمة عند رؤية الدماء ، التي سالت من رأس ابنها ، وقد جن جنونها واشتعلت نيران الغضب داخل صدرها ، فلم تشعر الا وهي توجه ضربة شديدة على خد كوثر ، حيث سقطت أرضا على اثره ، ثم غادرت فاطمة المنزل مع ولدها لتترك كوثر وهي تصرخ عليهم وتعدهم بالتهديد والوعيد بانهم سيندمون لفعلتهم هذه ..
وصلوا أخيراً الى منزلهم
كان مأمون قد نزف الكثير من الدماء ، مما اصابه التعب والصداع لذا اغمي عليه عند دخولهم باب المنزل ..
ولم تكن والدته تملك المال الكافي لاخذه الى المشفى ، لذلك قررت اسعافه في المنزل
، فقامت بتعقيم الجرح و وضع القطن عليه ، ثم قامت بلف رأسه بالشاش ..
عندما انتهت ، استلقت بجانبه وهي الاخرى كانت تشعر بالارهاق والتعب ، لذا غرق الاثنان في سبات عميق ....
كثرت الاشاعات الحقيقية في اخر الايام ، عن تواجد بعض افراد تنظيم أنصار الاسلام ، في قرية مأمون ، ولأن الحكومة المحلية لم تكن تهتم بحياة الناس او موتهم ، لهذا قرروا قصف القرية بمن فيها ...
الساعة 2 : pm
بدأت الغارة الجوية هجومها بإطلاق عدة صواريخ على القرية ، وقد أصابت الكثير من المنازل ، مخلفة الحطام والحرائق ورائها ....
ثم بعد ساعة ، توقف القصف الجوي ، ليكمله تطويق الجيش للقرية واقتحام منازل الناس ، حيث قاموا بأسر العديد من الشباب الأبرياء بتهمة الارهاب ...
وقد استطاعت فاطمة ومأمون الهروب من منزلهم قبل قصفه ، توجهوا مع العديد من ابناء القرية الى الطريق العام ، حيث كانت هناك العربات التي تجرها الأحصنة بانتظارهم ، لتقلهم الى مكان آمن ....
لكن لسوء حظهم فقد طوقتهم الشرطة قبل تحركهم ، وهي توجه فوهات أسلحتها إليهم
، لكن الشرطة بعد ان قاموا بتفتيش الناس ، قرروا تركهم يذهبون ..
وقبل ان يتحركوا فاجئهم صوتاً من الخلف يأمرهم بالتوقف .....
يتبع ............
هلو
عرفتو منو مأمون ؟؟
وشنو سر الرسالة ؟ وبيت مأمون انقصف شلون رح يقرا الرسالة 😁
ومنو تتوقعون الي امر الشرطة بالتوقف
have a nice day ,
love you all 😍😘