غيـوم البـعاد

By SamaSafia

2.2K 120 92

الجزء الثاني من رواية التقينا فأشرق الفؤاد ♥️ بداية النشر فبراير 2024 قيد الكتابة More

اقتباس
اقتباس 2
المقدمة
الفصل الأول
الفصـــل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصـل السـابـع
الفصـل الثامن
الفصـل التاسع

الفصل السادس

184 10 14
By SamaSafia


بمجرد خروجها من غرفة مكتب والدها أطلقت العنان لساقيها تبحث عن شقيقتها
الكبرى في كل مكان بالطابق الأرضى قبل أن تهرول إلى غرفتهما المشتركة
بالأعلى بعد أن علمت من أشقائها بصعود شقيقتها هناك
دفعت الباب بلهفة مندفعة حيث تقف شقيقتها أمام خزانة الملابس ترتب
محتوياتها وطوقتها بذراعيها من الخلف بقوة مرددة ببكاء
:- أنا مش موافجة .. مش ممكن حد  يبعدنى عنيكى ..
محدش يجدر يفرجنا واصل
ذُهلت سلمى مما سمعت من شقيقتها فاستدارت حول نفسها تبادلها الاحتضان،
تربت على ظهرها برفق تحاول تُبين ما ترمى إليه سندس
:- مين اللى هيفرجنا ديه .. ديه إحنا نجطع رجبته من فوج أكتافه ..
فهمينى إيه اللى حُصل؟.
رفعت سندس رأسها عن كتف شقيقتها ومسحت دموعها بقوة شاتمة بحنق

:- المخبل اللى اسمه أسامة .. مفكر حاله إيه .. أنا لا يمكن أوافج عليه ..
ديه المفروض يتچوزك أنتِ .. أنتوا موعدين لبعض من زمان
ضحكت سلمى بمرح وقد تفهمت شعور شقيقتها الأقرب إليها وتركتها مبتعدة
عنها وجلست على طرف فراشها تضع ساق فوق الأخرى
وقالت بتباه مشاكس
:- لكن أنا بجى هبعد عنيكى .. وهتچوز الأستاذ أيمن المدير المالى
لشركة مجاولات كبيرة جوى
اتسعت حدقتا سندس ومسحت على وجهها من جديد تزيل أثر الدموع
وتعيد كلام شقيقتها بحيرة
:- أيمن!! .. ده الواد المخبل اللى جطع علينا الطريج بعربيته جبل سابج
قهقهت سلمى ونهضت من مكانها متجهة نحو شقيقتها تضربها على كتفها بخفة
:- هما كلهم عنديك مخبلين .. ده هيبجا چوز أختك اتحشمي
حركت كفيها في الهواء تؤكد على رأيها
:- أكيد مخبلين .. هو حد يفكر يتچوزنا ويبجى عاجل
تبادلوا نظرات صامتة قبل أن تنطلق ضحكاتهم سويا وهما يتعانقان بحب
وسعادة وبعد برهة تساءلت سندس بتردد
وهي تبتعد قليلا عن حضن شقيقتها
:- يبجى هو ده العريس اللى أبوى جالى أنه چالك..
قطبت حاجبيها تساءل بحرج
:- يعنى صُح مش زعلانه إن أسامة فكر ..آآآ فكر يتچوزنى؟.
زفرت سلمى وقبضت على كف سندس تتحركان سويا كشخص واحد حتى
جلستا كلا منهما على طرف فراشها متقابلتين وسلمى تبدأ في حديث صادق
مع نفسها قبل أن يكون مع شقيقتها
:- صُح كنت أنا وأسامة موعودين لبعض من صغرنا .. لكن مين اللى وعد
ومين اللى وافج .. أمى الله يرحمها وأمه وچدتى وچدته .. يعنى لا أنا
ولا هو كان لينا رأى في الحكاية ديه
تنفست بعمق وعينيها تنكس أرضا مردفه بتألم
:- صحيح أمى الله يسامحها ويغفر لها دخلت حكاية الچواز من أسامة في
دماغى وعشت عليها سنين وأيام .. لكنى فوجت لما چه لحد إهنا
وجعد مع أبوى ورفض الچواز منى
جزعت سندس واشرأبت بعنقها تقاطع شقيقتها بلهفة
:- لاه .. لاعاش ولا كان اللى يرفضك .. هو كان رافض الچواز
وجتها مش رافضك أنتِ بدليل إنه ما اتچوزش لحد دلوك
ابتسامة خفيفة ظهرت على ملامح سلمى تُدرك حب شقيقتها ومناصرتها لها،
كما تُدرك إعجاب شقيقتها الوليد نحو أسامة بمظهره الجديد
الود والقرب بينهما يدفع كلا منهما للتضحية من أجل سعادة الأخرى رغم
إنهما ليسا في موضع تضحية فكلا منهما أمام فرصة لخوض غمار الحياة
وما عليهما سوى القبول أو الرفض
أيدت سلمى كلام سندس لأنها تدرك صحته وسمعته من قبل من أسامة نفسه
أثناء حديثه مع والدها منذ سنوات مضت
وأعاده والدها على مسامعها منذ دقائق
:- أهاه أنتِ اللى جولتى .. كان رافض الچواز ولما چه يفكر
في الچواز جلبه أختارك أنتِ
غمزتها بشقاوة وكفها يخبط على ساق سندس التي تذمرت
وأعلنت رفضها من جديد
:- لكن أنا مش هوافج وهرفضه .. هو بكيفه إياك يختار ما بينا
حركت سلمى كتفها ببساطة تقول بتعقل
:- أه بكيفه .. حجه يختار شريكه حياته كيف ما أيمن أختار هو كمان
عضت سندس على إبهامها بقوة متسأله من بين أسنانها بتوجس وحرج
:- يعنى أنتِ مش زعلانه على أسامة واصل!!.
رفعت كتفيها وأخفضتهما بلامبالاة مرددة بهدوء
:- هزعل ليه .. أبوكِ الله يطول بعمره فوجنى من الوهم ديه من زمان
وفهمنى أن لازمن الراچل يكون جابل وراضى بشريكه حياته
وإلا هيعيشوا هم الاتنين مش مبسوطين ..
وأحنا أدرى كيف أبوى وأمى كانوا عايشين
هزت سندس رأسها مؤيده فهما أكثر من عايشا حالة البرود التي
كانت تسيطر على حياة والديهما بصفتهما الأكبر بين البنات
وكيف تبدل الحال بزواجه من شموع
استطردت سلمى بنبرة متألمة رغم صحة ما تقوله
:- وكيف عايش دلوك بعد ما اختار شموع واتچوزها .. أبوى أصر نكمل
علامنا لاچل ما نفهم وندرك أن لازمن يكون لينا جيمة ومجام عند الراچل
اللى هنجضى أمعاه باجى عمرنا
وضعت كفها فوق صدرها تردد بنبرة تحمل قدر من الحالمية الوردية
:- أنا كان نفسى في راچل يخترنى بنفسه .. وأيمن اخترنى وطلب يدى
وهو ده بس اللى من حجى أفكر فيه دلوك
اتسعت ابتسامة سندس سعادة زهوا بطريقة تفكير شقيقتها التي من الواضح
إنها تناست أسامة بالمرة
انتقلت سندس تجلس بجوار شقيقتها تضم كتفيها
بقوه مشجعة ومهنئة :- ويا زين ما اختار
ابتسمت سلمى برقة وفكرها مشغول بهذا الخاطر الجميل الذى
يداعب أحلامها وأمنياتها في الحياة
أما سندس فاستندت بذقنها إلى كتف شقيقتها ليسود الصمت لثوانى
وربما دقائق قبل أن تتساءل سندس بجدية
:- تفتكرى أسامة فكر فيا لاچل عچبته ولا لاچل كيكة جدره جادر
اللى لهفها في بطنه
شهقت مبتعدة برأسها عن كتف سلمى التي التفتت نحوها
وسندس تردف بمشاكسة
:- شكله طفس وبيچرى ورا بطنه
قهقت سلمى بمرح وقالت تؤيد فكرة شقيقتها مداعبة
:- أكيد لاچل الكيكة.. ما هو أجصر طريج لجلب الراچل معدته
واصلت سلمى ضحكها بينما زمت سندس شفتيها
وتنفست بعمق قبل أن تهتف بتحدى
:- برضك مش هوافج عليه عريس الغفلة الطفس ديه

***************

بعد صلاة العشاء بساعات قليلة آوي كل فرد من عائلة أحمد
إلى غرفته الخاصة، دلفت شموع إلى غرفة النوم تتهادى ببطء ونظرها
مسلط على أحمد الذي يجلس أرضًا فوق سجادة الصلاة
يقرأ في خشوع من المصحف آيات من الذكر الحكيم
رفع عينيه قليلا يرمقها دون كلام فابتسمت في وجهه ببشاشة،
أعاد نظره إلى صفحات مصحفه حتى أنتهي من ورده اليومي
ورفع كفيه داعيا الله عز وجل بكل ما يفيض به قلبه
أخفض كفيه يمسح على وجهه وصدره وصوت شموع التي تقف أمام
المرأة تفك مئزرها المنزلي من حول جسدها تتمتم
:- ربنا يتجبل
كان قد نهض من مكانه يرفع حامل المصحف جانبا
ويطوي سجادة الصلاة فأجابها بهدوء
:- آمين يارب
اقتربت منه تجلس بجواره على أريكة جانبية تتساءل بدلال
:- يا تري افتكرتني في دعائك يا سيد الناس
ربت على كفها برقة مؤكدا
:- ليا مين أغلى من عيلتي ادعيلهم  وخصوصي دفا الجلب شموع
شددت كفها محتضنة عضده بحب ومالت تقبل كتفه في عشق لا ينتهي
لهذا الرجل الذي بدل حياتها البائسة لحياة رغدة آمنة
ضم كفها وتساءل باهتمام بالغ
:- إيه الأخبار؟.
فهمت مقصده فهى عينه الساهرة على راحة أولاده وتفقد أمورهم
التي لا يستطيع هو الاطلاع عليها بشكل مباشر
والآن طلب منها استطلاع الأمر في غرفة البنات وموقفهن
بعد طرح أمر العرسان المتوقعين
أجابته من فورها تطمئنه بنبرة صوتها المبتهجة
:- زي الفل… البنات راضين وفرحانين وهملت سلمى دلوك
رايحة تصلى استخارة
قطب حاجبيه يستوثق من كلامها فأكثر ما يشغله راحة بناته
:- يعني متفجين ويا بعض .. موضوع أسامة مش مأثر عليهم
أجابت من فورها
:- لاه خالص  .. جولتلك سلمى وسندس كيف التوم (التوأم)
مش ممكن حاچة تفرجهم واصل .. ما شاء الله عليهم
أومأ يحمد الله بخفوت راجيا أن يتم الله زواجهن على خير
بينما هزت رأسها تواصل حديثها بآسف
:- بس سندس لساتها مش موافجة على ولد خالتها كيف ما جالتلك
زفر ببطء يتمتم بتعقل
:- براحتها .. لسه جصادها وجت على ما تخلص دراستها ..
ونصيبها عند الله محفوظ
ربتت على صدره بحنو تدعو بفطرتها العاشقة له ومقلتيها تعانق ملامحه الحبيبة
:- ربنا يفرحك بهم وباخواتهم ويبارك ويزيد يا سي أحمد
وضع كفه فوق كفها يضمه بحب ومنحها ابتسامة جذابة
تضئ قلبها ولهًا وعشقا له
مالت برأسها على كتفه وذراعه تلتف حول كتفيها يضمها إليه
ويستند برأسه فوق قمة رأسها فقالت هامسة بتوجس من رد فعله
:- ربنا يزدنا ولا ينجصنا ويعوضنا عن سلمي وسندس
بعد ما يروحوا بيوت أزواچهم بولاد تانين
رفع رأسه عنها عالما بما ترمي إليه فهذا الأمر يشغل عقلها منذ فترة
ولا تتورع في اقتناص أي فرصة للحديث فيه
ربت على كتفها بحنو مبتعدا لينهض من مكانه مرددا بهدوء
:- ربنا هيعوضنا بزوجين للبنات وكام شهر ويجيبوا أحفاد …
يعني هنزيد ونزيد بمشيئة الله .. اطمني يا شموع
لاحقته مسرعة تدور حوله وتحيط خصره بذراعيها توقف تقدمه
مصرة على مواصلة الحديث
:- وماله لما نزيد بولادك أنت يا سيد الناس
رفع رأسها إليه ليطل في عينيها يحاول أن يُفهمها وجهة نظرة التي
ترفض استيعابها برغبة ملحة منها في الحصول على المزيد من الأولاد
:- أنا هبجي عن جريب چد يا شموع .. بدك أخلف تاني في السن ديه
رفعت كفها تربت على قلبه برفق مصرة على تفكيرها
:- وماله السن ديه أنت لساك شباب وزينة الشباب كمان طب ده
أنت مكملتش الخمسين .. أنت بس اللي اتچوزت بدري
تركها واتجه نحو الفراش يجلس على حافته بابتسامة خفيفة يتصور المشهد
:- وتبجي مراتي حامل وبتي حامل في نفس الوجت الناس تجول إيه؟.
وقفت أمامه تحاول إقناعه بما تتمني
:- جطع لسان اللي يمسك بكلمة .. وبعدين عادي ياما حُصلت
وكانت الأم تولد وبتها تولد أمعاها في نفس اليوم
ضحك أحمد يتراجع بظهره قليلا يستند بذراعيه على حافة الفراش مرددا بمرح
:- ديه كان زمان يا شموع
خبطت قبضتها داخل راحتها بإصرار
:- ولسه بتحُصل لحد دلوك .. مين يجدر يمنع حلال ربنا يعني
اعتدل يجذب ذراعها ليقربها منه حتي التصقت بركبتيه وقال برزانة
:- أنا كبير البلد وناوي اترشح للبرلمان .. يرضيكي ابجي في جلسة مچلس الشعب وينادوني الحج يا سيادة النائب مراتك بتولد
جعدت وجهها بغضب طفولي هاتفه بإصرار
:- وماله .. مش هنجدر نوكله ولا نربية.. والله هحطه چوات عينيا الاتنين ..
ديه حتى منيك يا حبة الجلب
مسحت على عنقه بحنو فأرخى جفنيه مستمتعًا بدلالها وعقله يصور له
أحاديثه مع زوجته الراحلة وعنادها الجاهل ثم تنفيذ ما تصبو إليه
دون علمه بتشجيع من والدتها ووالدته سعيا وراء إنجاب الذكر
حتى ماتت وهي تحاول من جديد بعد أن أنجبت له أربع فتيات
فتح عينيه يطالع شموع التي تطالعه برجاء منتظره موافقته لاتقوى
على تخطى أوامره مهما بلغت رغبتها.. وقال بخفوت يمازحها
:- ما جولنا جبل سابج عندى سبع عيال .. بكفايا
اتسعت ابتسامتها أكثر عندما تذكرت إنه يعدها من ضمن أبنائه وهتفت بسعادة
:- ده كان يوم الهنا لما دخلت دارك يا حبة الجلب
نهض من مكانه يضمها إليه هامسا بجوار أذنها
:- ربنا يبارك لى فيكِ يا دفا الجلب .. أنتِ رفيجة العمر..
مرتي وبنتي وحبيبتي كُمان
التصقت به تشدد على ضمته راغبة في التوحد معه.. اختراق جسده والسكن
بين أضلعه حتى لا يفترقا أبداً، فمعه وبه هي شخص كامل
رددت بصوت هائم عاشق من بين ضلوعه
:- والله لو تعلم كيف بعشجك يا حبة الجلب كان المغنوتية اتحاكوا بعشجي لك
رفعت عيونها تطالع عشق مقلتيه المتيمة بها تواصل بث هيامها به
:- ولو تعلم جد إيه مشتاجة لبذرتك تتزرع جوايا وترافجني فين ما اروح..
تكبر شوي شوي لحد ما نشوفها بتچري وتلعب حوالينا
هتفت بصدق متشبثة بفتحة جلبابها المنزلى
:- والله لو عليا ما افترج عنيك واصل وأچيب منيك عيال يسدوا
عين الشمس وبكفاية إنهم ولادك يا سيد الناس
شدد من ضمها إليه، يعشقها كما تعشقه وكيف لا وهو لم يعلم الدفء والسكن
إلا بين ذراعيها.. لم يشعر بالراحة والألفة في منزله إلا بوجودها فيه
هي قدره الجميل الذي منحه الله له حتى تهدئ روحه
وتنعم في الحياة بعد طول حرمان
تجولت كفاه صعودا على جسدها حتى ضم وجهها بين كفيه ومال يلثم جبينها
بقبلة طويلة قبل أن يغوص داخل بريق عينيها وقبل أن ينبس ببنت شفة
كانت طرقات جزعة تدق الباب مع نداء باكي
شهقت شموع هلعًا على فلذة كبدها صارخة بلوعة  :- ولدي
انسحبت من بين ذراعي زوجها تهرول نحو باب الغرفة التي فتحته
من فورها ونزلت على ركبتيها تضم ضياء الباكي إلى أحضانها
تبعها أحمد يطالع ما يحدث ثم حدق في وجه عبدالله الذي يقف
بجوار شقيقه وسأله بهدوء عما حدث فأجاب عبدالله
:- صحى مفزوع من النوم وچري على إهنا
شددت شموع من ضم صغيرها متمتمه
:- مكوبس يا حبيبي ما تخافش كابوس وراح لحاله
مال أحمد يسحب ضياء برفق من حضن والدته
ورفعه بين ذراعيه يطالعه بحنو متسائلا
:- شوفت إيه خوفك إكده؟.
مسح ضياء عينيه بقوة وقال من بين شهقاته
:- الراچل الوحش كان بده يجتلني
قطب أحمد حاجبيه مفكرا وكاد أن يتكلم إلا أن عبدالله وضح من فوره
:- الراچل اللي في الفيلم
ضيق أحمد عينيه متسائلا وشموع تضم كتفي عبدالله إليها
وتستمع إليهم بينما وضح ضياء
:- أيوه .. الراچل شكله وحش جوي يا أبوي .. وشه متعور
وجطع الناس اللي في الفيلم كلاتهم جطيع والدم غرج الدنيا
رمي أحمد شموع بنظره معاتبة وقال بحزم
:- كيف تهمليهم يتفرچوا على الحاچات ديه
فتحت كفيها تبرئ نفسها من هذه التهمة
:- مش أنا والله .. أنا كنت عند سلمى وسندس وهملتهم مع نوارة
وفچر بيتفرچوا على التلفزيون
أكد عبدالله علي كلام والدته
:- أيوه نوارة كانت بتتفرچ على الفيلم وفچر صرخت وجالت لها تجفل الجرف ديه
تأمله أحمد متعجبا وسأله مستفسراً
:- وأنت ماخوفتش يا عبدالله
طأطأ رأسه خجلا وقال بخفوت
:- خوفت .. بس غمضت عينى لاچل ما أشوفش اللى بيحُصل في الفيلم
أومأ متفهما ثم رفع عيناه نحو ضياء الذي أراح رأسه فوق كتف والده
يطمئن بوجوده بجوار والده الذي قال بمرح
:- خايف من فيلم وعامل فيها نمبر وان.. ديه تمثيل في تمثيل هو حد يجدر
يجرب من ولد أحمد السمري .. كانت الشمس ماتطلعش عليه
كان يحدثه وهو يتحرك نحو غرفة الصبية القريبة من جناحه الخاص ثم تركه
فوق الفراش ومد كفيه يزيل كل أثر للدموع من فوق وجنتي الطفل
ثم قبل رأسه يحدثه برفق وهدوء
:- ما تخافش يا بطل .. أخوك عبدالله چارك ومحدش يجدر يجرب
من باب الدار واصل .. أنت عارف إكده زين
أومئ ضياء ببطء فحول أحمد نظره نحو شموع أمراً
:- هاتيله ميه يا شموع
أسرعت لتنفذ أمره بينما جلس أحمد على حافة الفراش وأجلس ولده أمامه
وفتح ذراعه الآخر يدعو عبدالله للاقتراب منه شارحا بهدوء
:- لازمن نفرج بين الحجيجة والخيال كل اللي في الأفلام ده تمثيل ومكياج..
خدع كتير وجرافيك نخاف منها كيف بجا …
خليك أسد وأنت كمان يا عبدالله أسد
اقتربت شموع تجلس بجوار صغيرها تسقيه الماء مرددة بمرح
لتكسر هذا الجو المخيف الذي أحاط بأطفالها
:- أسدين جصر النيل
تساءل ضياء وشموع تمسح على وجهه بمنديل مبلل بالماء لتزيل أثر البكاء
:- مين دول يا أماه؟.
رفع عبدالله أصبعه في الهواء مهللا وهو تحت ذراع أحمد يحتضنه برفق
:- أنا خابر.. دول عند الكوبري في مصر
مسح أحمد علي رأس عبدالله الذي بالكاد أكمل عامه الخامس مشجعًا
:- مظبوط .. برافو عليك يا عبدالله .. عرفت كيف؟.
أجاب بتفاخر طفولي
:- فچر كانت بتذاكر وجالت واحد اسمه إسماعيل هو اللي حطهم على الكوبري
قهقه أحمد ببشاشة
:- الراچل ديه اسمه الخديوي إسماعيل
:- أيوه هو ده
مال أحمد يقبل جبين عبدالله مشجعًا وضياء يطالب بحماس وقد هدأ خوفه قليلاً
:- هو ينفع أشوفهم يا أبوي؟.
لوي أحمد عنقه ينظر لولده متسائلا
:- مين!!.. أسدين جصر النيل
أومأ الصغيران بلهفه بعيون مترقبة فقال أحمد ببساطة
:- وماله .. لما أنزل القاهرة أخدكم أمعاي تشوفهم وتتصوروا أمعاهم كمان
هلل الصغيران بفرح وقد تناسا الحلم السيء بينما أسرعت شموع
لحجز مكانها بينهم بتردد خجول
:- وأنا كُمان يا سي أحمد .. عمري ما روحت مصر
رمقها أحمد مشاكسا وقال بهمس
:- ما جولنا سبع عيال ماصدجتيش
أخفت بسمتها سريعًا حياءا وأحمد ينهض من أمامهم آمرًا
:- خليكِ أمعاهم لغاية ما يناموا يا شموع … واقراءوا المعوذتين
وسورة الإخلاص جبل ما تناموا
أومأت بطاعة وبدأت في وضع الطفلين بأسرتهم والاعتناء بهما
بينما خرج أحمد يمشي بالممر الطويل نحو غرف البنات
فتح أول غرفة وتوجه نحو أسرة نوارة وفجر يُحكم الغطاء
عليهن ويطمئن على نومهن
مالت شفتاه بابتسامة خفيفة حين تهادى إلى سمعه الصوت الخافت للقرآن الكريم
المنطلق من هاتف نوارة المحمول ووجد الأباجورة مضاءة
بين فراشيهما دليل على انزعاجهما من الفيلم المرعب أيضًا
غادر الغرفة وأغلق الباب خلفه يواصل تجوله نحو غرفة البنات الأكبر
ولكنه تردد في الدلوف وقف مفكرا لبرهة صحيح أن شموع طمأنته عليهن
ولكن قلبه يرغب في الاطمئنان بنفسه
قرع الباب ثم دلف ببطء يطالع الفتيات
سلمى تجلس خلف مكتبها وأمامها المصحف تقرأ منه بهدوء
وسندس تجلس فوق فراشها تطالع هاتفها المحمول
ابتسم في وجوههن وهو يتقدم لمنتصف الغرفة
وكلتاهما تنتبه إليه :- لساتكم صاحيين
قالت سلمى بحياء لون وجنتيها بحرارة خجلها مسدلة الأجفان
:- كنت .. كنت بصلي استخارة واقرأ قرآن جبل ما أنام
ابتسم في وجهها داعيا من قلبه
:- ربنا ينور بصيرتك ويرزجك بالزوچ الصالح
فرد ذراعه فوق أكتاف سلمى حين نهضت وتقدمت نحوه بعد أن أنهت القراءة،
سحبها معه حتى مكان شقيقتها التي نهضت بجوار الفراش وأحمد يؤكد عليهن
:- خدى وجتك وفكرى زين … ولو العريس مش على هواكى
يروح وياچى ألف غيره ..  ده أنتوا عرايس عيلة السمري
كل عرسان البلد تتمناكم
طأطأت الفتيات رؤوسهن خجلا وأحمد يشمل سندس داخل حضنه أيضًا
يواصل حديثه ناصحًا ومانحًا الفرصة من جديد لسندس لتعيد التفكير
:- المهم دلوك كل واحدة يكون عندها رأيها وشخصيتها ..
اللي ترتاح منكم وتوافج نتوكل على الله ونشوف الخطوة اللي بعدها
بدل نظره نحو سندس يردف حديثه بهدوء مؤكدا على تقبله لرفضها لابن خالتها
:- واللي ترفض.. ولا هيحُصل شى ربنا يعوضها بالأحسن .. صُح ولا إيه؟.
أومأن بقبول دون كلام فبدل نظره بينهن يستوثق من استيعابهن لحديثه، لتنطلق أصواتهن :- صُح يا أبوي
:- ربنا يخليك لينا يا أبوي
وزع قبلاته فوق رؤوسهن وتمني لهن ليلة طيبة ثم خرج يغلق الباب
وقلبه يدعو لهن بالخير والتوفيق
رأي شموع قادمة من الجهة الأخرى من الرواق ووقفت في انتظاره
أمام جناحهم الخاص فسألها باهتمام حين اقترب منها
يطمئن على الصغيرين :- ناموا؟.
:- أيوه .. وسبت الاباچورة السهاري منوره چارهم
هز رأسه وضم كتفيها ليدلفوا إلى جناحهم سويا  فرفعت عينيها إليه
بنظرة القطط  التي يعرفها جيدًا تتساءل بمكر أنثوي
:- كنا بنجول إيه يا سي أحمد
ابتسم بجاذبية ومال على أذنها هامسًا
:- كنا بنجول تصبحي على خير يا شموع
ضحكت بغنج وهو يدفعها أمامه ثم يغلق الباب خلفهما

*****************


أنهي بعضًا من أعماله ورتب أوراق قضاياه جانبا ثم قرر استقطاع وقت للراحة
نهض من خلفه مكتبه واتجه إلى ركن جانبي مريح يتخذ من مقعد وثير
مجلسا له يُمدد ساقيه أمامه على مقعد قصير مخصص لذلك وبدأ في التقاط
سيجارة إلكترونية من طاولة صغيرة بجواره أشعلها وبدأ في نفث دخانها
في الهواء يريح رأسه على ظهر مقعده مغمض العينين
دقائق قليلة مرت في سكون قبل أن يشق الهدوء صوت بُشري صارخة
على ابنتها التي افترشت الأرض مع ألعابها المتناثرة في كل مكان
مما أدى لتأذي قدم بُشري بعد أن داست على قطعة بلاستيكية صغيرة
وهي تمر بجوارها غير منتبه لما على الأرضية
رفع جفناه ببطء يتأمل سقف الغرفة بملل على هذا الصراخ المتكرر بشكل يومي
أنزل قدماه وترك السيجارة جانبا وخرج إليهم ليتفاجأ ببُشرى تضرب على
كف الفتاة بشدة وهي تعنفها بالكلام ثم تقبض على كف الفتاة الآخر
وتصفعه من جديد محذرة الصغيرة من الخروج خارج إطار غرفتها بألعابها
نهرها زاجرا وهو يُسرع الخطى نحوهما
:- بُشرى… إيه اللي بتعمليه ده!!.
أسرع لتخليص ابنته من قبضة يدها وبُشري تجيبه بصوتها المرتفع
وهي تشير حولها
:-  شوف بنتك عاملة إيه… لعبها في كل حته وكنت هتكفي على وشي بسببها
كان يستمع إلى طبقة صوتها العالية التي يبغضها وهو يتأمل كفي الصغيرة الملتهبان ثم رفع كفيه يمسح دموعها التي هطلت بغزارة دون صوت
بكاء خوف من بطش والدتها
وضع كفه بظهر ابنته يضمها لجسده يطمئنها وقد رفع رأسه يرمق
هذه الثائرة أمامه والتي تواصل التهديد والوعيد
:- والله ما هشيل حاجة وأنتِ اللي هتلمي كل ده وإياكِ ..
فاهمة إياكِ لعبة تخرج من الأوضة بعد كده
نكس بصره نحو كارما التي تتلقي توبيخ والدتها وجسدها يرتجف
في نشيج مكتوم قبل أن يرفع نظره نحو زوجته من جديد
يتمتم بنبرة خافتة محذرة
:- وطى صوتك العالي ده يا بُشرى… محصلش حاجة للثورة ديه كلها ..
أنتِ عاوزه تحبسي البنت في أوضتها وتريحي دماغك
:- يعني عجبك المنظر ده
قالتها وهي تشير للألعاب المنتشرة حولها ولكنه تجاهل غضبها
ومال على صغيرته يرفعها فوق ذراعه ويعيد مسح وجهها ..
يربت على ظهرها برفق ويحادثها بنبرة حانية
:- كوكي تعرفي تاخدي الكرسي الصغير بتاعك تحطيه جنب الحوض
وتغسلي وشك الجميل ده
هزت رأسها ببطء إيجابا فشجعها وهو يضعها أرضا من جديد
بعد أن لثم وجنتها بقوة
:- حبيبتي شاطرة أوي .. يلا انطلقي
غادرت الفتاة هاربة من ساحة القتال هذه بينما التفت نصير نحو زوجته
يُكمل الحديث ببطء من بين أسنانه
:- بنت مكملتش أربع سنين تضربيها بالوحشية ديه ..
معندكيش قلب ولا رحمة
:- ما أنت شايف ..آآ
قاطع تبريرها بحزم
:- شايف إيه!!.. البنت بقالها ساعات بتلعب لوحدها مطلعتش صوت
ولا عملت دوشة وجاية أنتِ تهللي على شوية لعب متبعترة
جرت نظراته على تفاصيلها التي توليها كل اهتمامها على حساب
ابنتها وبيتها مواصلة لومه
:- مش هيجري حاجة للباديكير بتاعك لما تلميهم وتعلميها بالهدوء
تلمهم وترجعهم مكانهم
تأففت من هجومه وقالت بميوعة وهي تثنى ركبتها وترفع قدمها مدعية التألم
:- يا نصير كنت هقع ورجلي وجعتني من المكعبات اللي متبعترة ده
ردد ساخرًا من أفعالها التي تفاقمت وظهرت جليا بسفر والدته
التي كانت تؤدي معظم أعمال البيت وتقوم بالاعتناء
بطفلته بنفسها رغم كبر سنها
:- سلامتك.. أنتِ الكبيرة ابقي بصي تحت رجليك وأنت ماشية بدل
ما تحطي عينك في شاشة الموبيل
أدار ظهره لها عائدًا إلى غرفة مكتبة ولكنها لم تتركه إنما تبعته تواصل جدالها
:- بقولك إيه يا نصير أنا مش قادرة على كده ومحتاجة حد يساعدني
في شغل البيت أو على الأقل واحدة تراعي البنت
عاد لمجلسه السابق وتناول سيجارته الإلكترونية من جديد يمج منها ببطء
ثم أطلق الدخان في الهواء يتفحصها بتمعن بكامل أنوثتها وأناقتها
التي لا تتخلي عنها أبدًا .. ثم تساءل ببرود
:- هو كل الأمهات بتحتاج حد يساعدها في تربية ولادهم
تأففت في مكانها ثم تقدمت لتجلس مقابلة له مبررة ببساطة
:- أنا بشتغل وبتعب طول النهار عاوزه أرجع ارتاح وأشوف نفسي شويه
أمال رأسه يرمقها بتلاعب وقال متهكماً
:- تشوفى نفسك أكثر من كده
زفرت من جديد واعتدلت في مجلسها بملامح غاضبة تدرك
إنها لن تصل معه لشيء
ترك السيجارة جانبا ومال بجذعه مستندا بمرفقيه على ركبتيه يرمقها متفحصًا
ثم بدأ يفند لها بهدوء قاتل
:- عندك اللي بتيجي تنضف أسبوعيا وكل يوم والتاني بتشتري أكل جاهز..
وبتقولي بتتعبي أراح ظهره من جديد غامزا يستفزها بكلامه
:- كانت أمي شايلة عنك كتير مش كده ومكنش عجبك
صرت على أسنانها غيظا فلا يفتأ يُعدد في محاسن الحياة بجوار والدته…
صحيح إنها كانت تحمل عنها الكثير من أعباء المنزل وربما كلها
لكنها تصبو إلى منزل لها بمفردها ولا ضير في وجود من
يخدمها فامرأة بجمالها تستحق
وضعت ساق فوق الأخرى ومالت نحوه بإغراء بقميص نومها العاري
هامسة بغنج مؤكدة بشكل مستتر على رغبتها في الحياة بدون والدته
:- بيتي ومن حقي أقعد براحتي فيه
أسبل جفنيه لبرهة وابتسامة هازئة تتكون على ثغره ثم فتحهم ليجادلها بهدوء
:- وأمتي ماقعدتيش براحتك أو لبستي اللي على مزاجك…
ولا أمي اللي بتصلي العشا وتنام ومحدش بيحس بها غير تاني يوم
وهي بتحضرلك الفطار الصبح قبل ما تنزلى الشغل هي اللي مضيقاكي
نهض من مكانه يبدل جلسته أمام مكتبه مستطردا بنبرة أعلى نسبيا مستهزئ
:- والبنت اللي عاوزاها تساعدك في البيت مش هتضايقك
وتقيد حريتك في اللبس ولا عادى
لوت شفتها ضجرًا ولكنها استمرت في لعبتها التي تتقنها دون أي مهادنة
فنهضت خلفه تقيد حركته بذراعيها من الخلف
تحتضن جسده بقوة وتريح رأسها على ظهره ضاربة بكل حديثه
عرض الحائط وتخيرت ما يعجبها من الحديث
:- يعني هتجيبلي واحدة تساعدني
لوي رأسه للخلف يناظرها من علو وبنبرة قاطعة قال :- لا
فكت ذراعاها من حوله ترفع إليه أعين متسعة غضبًا وهو يبتعد عنها
ويجلس أمام مكتبه ويفتح أوراقه من جديد بلامبالاة مردفًا دون النظر إليها
:- أحنا أصلا هنسافر نقعد في البلد
عقدت ذراعيها أسفل صدرها مع هزة كتفها بعدم اكتراث كنبرتها 
:- سافر.. ما أنت سافرت مرتين قبل كده لوحدك
رفع رأسه عن الأوراق يوضح ويؤكد على قراره ببطء الكلمات
:- بقول هنسافر كلنا وهنقعد هناك المرة ديه
شهقت رافضة وانتفضت في مكانها مقتربة من حافة مكتبه تستند
بكفيها فوق سطحه تعلن عن رفضها القاطع
:- تقصد إيه!… عاوزنا نعيش هناك … مش هيحصل أنا مقدرش
على عيشة الفلاحين ديه وقولتلك قبل كده الكلام ده
رمقها بطرف عينه كابحًا ثورة غضبه بأعصاب من حديد وهي تواصل حديثها
:- وبعدين هنسافر نعمل إيه أصلا.. أنت مش قادر
حتى تاخد حقك وميراثك من أعمامك
خبط على سطح المكتب بقوة أجفلتها أثناء نهوضه عن مقعده وقال بنبرة حازمة
:- صوتك العالي ده مبحبوش ده أولاً…
ثانيًا حق أبويا هرجعه ومش هتنازل عنه أبدًا
تنفس بعمق يرميها بنظره لا تقبل النقاش
:- أما ثالثًا فأيوه هنسافر كلنا ونقعد هناك فترة لغاية
ما أخلص موضوع الميراث ده
زمت شفتيها تبتلع غضبها وعصبيتها التي ظهرت في صوتها رغم كل شئ
:- وهتاخد الميراث إزاي بقي…
والدك متوفي بقاله أكتر من شهر ومحصلش حاجة
قبض على أصابع كفه في قبضة يده مؤيدا كلامها وموضحا
:- كان لازم استني وقت للحداد .. إحتراما لحرمة الميت.. واستعداد للي جاي
رفعت رأسها إليه تحاول مراجعته من جديد و إثناءه عن عزمه بالسفر
:- وشغلك هتسيبه وتضيع مستقبلك ..
أنا رأيى ترفع عليهم قضيه ولو إنها هتاخد وقت
ناظرها بعدم تصديق قبل أن ترتفع ضحكته الرجولية عالياً
:- أضيع مستقبلي … هو أنا موظف هترفد من الشغل مثلا ..
وعلى أي حال اطمني .. أنا خلصت أغلب القضايا اللي عندي والباقي
حولتهم على بعض الزملاء.. والأستاذ الكبير بتاعنا أمر إنهم يبعتوا القضايا
اللي من اختصاصي على الإيميل وهكتب لهم مذكرات الدفاع ..
ده غير صفحة الاستشارات القانونية اللى بتباعها أونلاين ..
أما حكاية ارفع قضية على أعمامي فده غير وارد بالمرة ..
المواضيع ديه مش بتتحل بالشكل ده
رفع حاجبيه متسائلاً
:- هاه قلقانة من حاجة تاني
جاوبت من فورها متذمرة
:- أيوه.. أنت فكرت في نفسك وبس طب وأنا وشغلي طظ فيه
اقترب منها يمسك كتفيها برفق
:- بسيطة هتاخدي إجازة بدون مرتب
نفضت كفيه من فوق ذراعيها وقالت بحنق
:- لاه .. مش هينفع اتفضل أنت وأنا هستناك هنا
قطب حاجبيه مستنفراً
:- إزاي يعني يا بُشري واطمن عليكم إزاي وأنتوا بعيد عني
:- عادي تنزل كل أسبوع تطمن علينا
قالتها ببساطة تتحرك مبتعدة لتجلس بأريحية وهو يتابعها قائلا
:- بُشري الفترة اللى فاتت كنت بسيبك براحتك لأني كنت بغيب يومين ثلاثة
بالكثير  اطمن على أمى وأرجع .. لكن دلوقتي أنا معرفش هرجع أمتي
زفرت بضجر مرددة
:- وأنا ذنبي إيه أسيب شغلى وأسافر وسط الناموس
رفع حاجبه يستهجن لهجتها
:- أكيد عجلة الإنتاج مش هتقف عليكِ وأنا ما أقدرش أبعد عن بنتي مده طويلة
ربت على وجنتها برفق يحايلها بروية
:- خليكِ جنبي يا بُشري.. أنا داخل على معركة مع أعمامي
ومش ناقص أحارب في اكتر من اتجاه
صمتت تفكر مع نفسها للحظة من الزمن ثم تساءلت بجدية
:- يعني أنت واثق إنك هتقدر تاخد ميراثك المرة دي
لمح ابنته عادت للعب في بهو المنزل فخرج نحوها
مجيبًا على زوجته :- إن شاءالله
افترش الأرض بجوار كارما يشاركها اللعب وبُشري خلفه
تتابع ما يفعل ومازال عقلها يعمل ويخطط
جلست خلفه على مقعد وثير ومالت بجذعها نحوه تستفسر بدلال
:- الميراث ده كتير يا نصير
أجاب ببساطة وهو يقوم بتركيب المكعبات مع ابنته
:- مزرعة مواشي
زمت شفتيها تحاول احتساب مقدار الميراث في عقلها وحين فشلت
أسرعت في البحث عبر مواقع الشبكة العنكبوتية عن قيمة المزارع
من خلال هاتفها النقال حتى اتسعت مقلتاها فرحا حين وقعت
عيناها على الرقم المكون من ست أصفار
نزلت على ركبتيها بجواره وكفها يدلك عنقه برقه
وصوتها المغنج يساومه بنعومة تداعب أذنه
:- نصير توعدني تشترلي عربية باسمي لما تستلم الميراث
لوي شفته بما يشبه الابتسامة متهكماً وأجاب تلقائية 
:- لما أبقي استلمه الأول
طبعت قبلة صاخبة على وجنته تلزمه بكلمته
ثم نهضت تتقافز من السعادة :- ربنا يخليك ليا يا نونو
تابع خطوات زوجته ذاهلاً بينما قهقهت كارما بضحكة طفولية تشير
إليه مرددة كلمة (نونو) وهو يقول مستنكرا بخفوت
:- نونو!!. ده أنتِ عمرك ما دلعتيني حتى في شهر العسل
أعاد بصره نحو طفلته الضاحكة التي التقطت أذنها كلمة (العسل) فسألت باهتمام
:- أنت عاوز عسل يا بابي
اتسعت عينيه بمشاكسة وقال وهو يهجم عليها يدغدغها ويقبل وجنتيها
المكتنزتين بنهم وضحكاتها الطفولية السعيدة تتعالى أكثر وأكثر
:- أيوه عاوز عسل بالقشطة والحلويات

***********

صبحية .. صبوحة
تعالي صوت سليم ينادي على زوجة أبيه التي خرجت من
المطبخ تجفف كفيها بمنشفة صغيرة
جذبها لتجلس بجواره وهي لا تستوعب ما يريد خاصة بعد أن
أخرج من جيب بنطاله سلسلة ذهبية طويلة بحلية كبيرة
ورفعها أمام عينيها مرددًا
:- إيه رأيك في السلسلة ديه؟.
شهقت صبحية إعجاب بالسلسلة اللامعة
ومدت كفيها تتلقاها بينهما وتتأملها جيدًا
:- حلوة جوي جوي يا سليم
حركت كفها تزنها مستطردة
:- وتجيله كمان .. أنت نويت تخطب يا واد يا سليم
احتوى كتفيها تحت ذراعه قائلا بجوار أذنها بخفوت
:- ديه هدية لأحلى مرات أب في الدنيا
شهقت من جديد فرحا وهي تقربها من عنقها شاكرة
:-  إن شاء الله تعيش يا سليم .. ديه حلوة جوي جوي
مرت برهة وضعت فيها صبحية السلسال الذهبي حول عنقها 
ووقفت تتأمله في المرأة الخاصة بالبوفيه قبل أن تلتفت
نحو ابن زوجها تسأل بتوجس
:- ده غالي جوي يا سليم چبت تمنه منين؟.
تقدم نحوها يوضح بهدوء
:- من التيك توك .. ديه أول فلوس تجيلي منه وقولت لازم
تكون من نصيب مرات أبوي

صدح صوت جدته من داخل غرفتها زاجرة
:- ما أنت كيف الجرع تمد لبره يا واكل ناسك
مط شفتيه مبتسما ودلف إلى جدته يفرغ جيوبه عندها
:- أنا خابر الهدية اللي تعچبك يا ست الكل
رمقته بمكر قبل أن تحول عينيها إلي حجرها الذي امتلأ بالكثير
من الحلوي ثم رمته بنظره غير راضية
مال على أذنها يهادنها هامسًا
:- ديه دفعة أولى بس ومع الفلوس الچاية هچبلك كردان ينور رجبتك الحلوة ديه
دلفت صبحية للغرفة تتمسك بدلاية السلسال المتدلي من عنقها وقالت بجدية
:- سليم .. السلسلة ديه غالية جوي ..
أنا هلبسها شوي وهشيلها لما تخطب تهديها لخطيبتك
رفض سليم بجدية
:- لا يا صبحية ديه عشانك .. بس ليا طلب واحد
حركت رئيسة رأسها للجانبين متهكمة وهي تلوك قطعة حلوى في فمها
:- طبعا هو في حاچه ببلاش دلوك
لوي رأسه نحو جدته يهاودها
:- خليكي محضر خير يا رئيسة ده أنا حبيبك
امتصت الحلوي في فمها تناظره بمشاغبة بينما عاد ينتبه لصبحية قائلاً
:- كل اللي رايده أبوي يرضى عني ويسامحني على حكاية الفرح ديه ..
مش هغني في البلد واصل تاني لو ده يرضيه ..
من يوم ما غنيت في الفرح مطنشنى خالص يا صبحية
ربتت صبحية على صدره تحادثه بروية
:- أبوك بيحبك وبده مصلحتك .. ولو كان مش بيتحدت وياك
كل ديه لاچل تعجل وتنتبه للچامعة
رفع أنامله مضمومة أمام وجهه يقطع على نفسه عهداً
:- والله يا ستي هنچح  وهاخد الشهادة الكبيرة ويعلجها چار شهادة سليمان
جصاد باب الشجة بس يكلمني.. يتحدد أمعاي مش يهملنى إكده
عادت تربت على كتفه تطمئنه
:- ميكونش عنديك فكر هتحددت وياه .. بس أنت تسمع كلامه وربنا يهديك
أطاعها من فوره فأردفت وهي تتمسك بدلاية السلسلة
:- وكمان هشيلك السلسة على چنب لغاية ما تلاجي بت الحلال
رفع كفه يرفض بشدة
:- لاه ديه چاية على اسمك بتاعتك .. أنتِ كنتِ كيف أمنا من بعد ما
أمنا ماتت وديه أجل حاچة أجدمهالك يا خالة صبحية
تأثرت ملامح صبحية ولمعت الدموع بمقلتيها مطأطأة الرأس
تحاول السيطرة عليهم وسليم يربت على كتفها ويقبل أعلى رأسها بود
دلف جارحي إلى المنزل في حينها يتابع بتعجب تجمعهم الغريب
وهو يقف على عتبة غرفة والدته قبل أن يُلقى السلام عليهم
أجاب سليم علي التحية ببشاشة وصبحية تسرع لمسح دموعها
مستجيبة لعودة زوجها التي هرعت إليه هاتفة بحماس
:- شوف يا چارحي.. سليم چابلي السلسلة ديه
حدق في السلسلة بصمت واستدار يرتاح على الأريكة ببهو المنزل
ثم رفع عينيه بتجهم نحو ولده يسأله بتعجب
:- وچاب فلوسها منين!!.
أجابته صبحية بعفوية وهي تتخذ مكانها بجواره
:- من الشك شاك شوك
سيطر سليم علي ضحكته في حضرة والده وصحح لها
:- اسمه التيك توك يا خالة صبحية
رفع جارحي حاجبه يطالع سليم باستخفاف فهذا الاحترام جديد عليه وأفصح قائلا
:- خالة .. وسلسلة يبجي لك غرض يا ولد چارحي
أسرع سليم منكبا على ظهر كف والده يلثمه باحترام مرددا
:- غرضي السماح والرضا يا سيد المعلمين
رمقه جارحي بجمود لبرهة ثم سأله بجدية مستفهما
:- ويطلع إيه التيك بتاع اللي بتجول عليه ديه؟.
دس سليم كفه في جيب بنطاله يخرج هاتفه المحمول وأرتمى بجوار
والده يعرض عليه ما يقدمه من محتوى وكيف يحصل
على المال في المقابل من هذا التطبيق الشهير
التصقت صبحية بكتف زوجها تشاركهم مشاهدة المقاطع المصورة وقالت مادحة
:- يا حلاوة يا ولاد  .. والله حسك حلو يا سليم  .. وكل دول بيصجفوا ليك
وضح سليم من فوره ليتجنب غضب والده
:- دول زمايلي في الكلية وبنجدم حفلات من خلال أنشطة الچامعة
رفع جارحي جفنيه يتأمل شغف ابنه بما يفعل ويتذكر نفسه خلال سنوات
شبابه الأولى قبل أن تحتضر أحلامه تحت وطأة الفقر وثقل المسئولية
ناصرت رئيسة حفيدها من داخل غرفتها
:- همله يفعل ما بداله يا چارحي.. زمنهم غير زمنا يا ولدي
أيدتها صبحية وهي ترفع دلاية السلسال تعرضها أمام أنظار زوجها
:- صُح يا چارحي وأديك شايف بيكسب كيف ..
وهو حلف لينچح ويفرح جلبك بالشهادة الكبيرة
مال سليم الجالس على الجانب الآخر من والده يلثم كتفه بحب مؤكدا
:- أيوه والله يا سيد المعلمين… هنچح وارفع راسك للعلالي
دقق جارحي النظر في ملامح ابنه الشاب ورفع كفه على وجنته يجذب أذنه بخفة
:- يا واد.. يا غبي وأنا غرضي إيه غير إنكوا تبجوا بهوات
ومعاكوا سلاح تواچهوا به الزمن بدل المرمطة وجلة الجيمة
خضع سليم لكلام والده قاطعا الوعد
:- وغرضك هيتحقق يا أبوي.. عهد عليا
أخيرا طلت البسمة على شفاه جارحي الذي ربت على خد ولده بحنان داعيا بهمس
:- ربنا يحميك ويبارك فيك أنت وأخوك
ألقي سليم بنفسه في أحضان والده بفرح والذي مسح على ظهره مشجعا
صدح صوت رئيسة من داخل غرفتها تتساءل بفضول بعد أن سكتت الأصوات
:- سكتوا ليه!!… إيه اللي بيحصُل بره
رفع سليم رأسه عن كتف والده يجيبها بمرح
:- بنحضن بعض يا چدتي
دفعه جارحي بعيدا زاجرًا
:- اتحشم يا واد
نهض جارحي مبتسما ودلف إلى غرفة والدته يؤنس وحدتها
وخلفه صبحية وسليم، اقترب جارحي يجلس فوق الفراش
بجوار والدته ويسألها مشاكسا
:- تربيتك ديه يا رئيسة؟.
قالت ببساطة معترفة بتدليلها لأحفادها
:- يبجي جليل الرباية
قهقه سليم مبتهجًا لما ألت إليه الأمور بينما تقدمت صبحية
نحوها تعرض عليها سلسالها الذهبي الثمين
:- بصي حلوه كيف يا أماه رئيسة
ضيقت عينيها تمعن النظر في السلسال مضيقة
وقالت تغيظ صبحية كما اعتادت :- محظوظة يا غا..
توقفت الكلمة في حلقها تمنع نفسها من نعتها بالغازية
حتى لا تسبب ضرر لنفس جارحي
ثم قالت بتفاخر وهي تحرك عنقها يمنة ويسرة
:- حظك ضارب في العلالي بكفاية إنك اتچوزتي المعلم چارحي ولدي
قهقه جارحي الذي يجلس بجوار والدته
:- لساكِ فاكرة يا أماه.. ده إحنا بجالنا فوج الخمستاشر سنة
دارت صبحية حول الفراش لتصل لزوجها وتقبل رأسه
هامسة بحب وكفها يربت على صدره
:- عنديها حج يا سي چارحي ... عمر ما الدنيا ضحكتلي إلا أمعاك
.. ربنا ما يحرمنى منيك واصل
أزاحت رئيسة كف صبحية من فوق صدر جارحى ناهرة
:- طب بكفاية تسبيل يا ختي وروحي حضري الوكل
مالت رئيسة على ولدها تسائله باهتمام
:- سليمان هيعاود ميتا يا چارحي غيبته طالت
أحاط كتفها يربت عليها برفق .. يطمئنها بكلماته
:- هانت يا أماه كلها كام يوم ويهل علينا

*************

استدعى أحمد السمرى بناته الصغيرات إليه، عليه أن يتحدثن إليهن ولا ينأى بنفسه عنهن خاصة في هذه المرحلة العمرية الحرجة التي يمرون بها
أقبلت عليه نوارة بابتسامة مشرقة تتبعها فجر وحاوطنه في الجلسة
على الأريكة الوثيرة بعد أن منحته كلا منهن قبلة رقيقة على وجنته
بدل نظره على يمينه ويساره يتأمل هذه الملامح البريئة الحبيبة إلى قلبه، كان يرغب أن يجلسن في مواجهته حتى تتم المحادثة بشكل أفضل
ولكنه يُرحب بهذا الدفء منهن ولن يحرم نفسه من قربهن الجميل
فقط أراح ظهره للأريكة حتى يتيح لنفسه رؤيتهن بشكل أفضل
وبدأ حديثه بهوادة يسأل عن أخبار دراستهن ومذاكرتهن
يستمع إلى أحاديثهن بتركيز وروية قبل أن ينتقل إلى الموضوع
الأساسي الذي جمعهن من أجله
فعقد ذراعيه فوق صدره وسأل ببطء وحدقتيه تراقب انفعالاتهن
:- وإيه بجا حكاية أفلام الرعب اللى بجيتوا بتتفرچوا
عليها ديه .. من ميتا يعنى؟.
أطرقن برؤوسهن في خزي وهو يواصل لائمًا
:- رعبتوا خواتكم الصغار ورعبتوا نفسيكم كُمان .. عشان إيه كل ديه!!.
تقدم عبدالله وضياء من تجمعهم واتخذ كل منهما مقعدا في مقابل والدهم
  يفصلهم عنه منضدة قصيرة يتابعون الحديث في صمت
لم يتلق أحمد جوابا سوى ملامح الحرج والأسف على وجوه الفتيات
مما دفعه ليحثهن على الحديث دون خوف قائلا
:- اتكلمى أنتِ يا نوارة.. ليه اخترتى الفيلم ديه بالذات ..
ده أنا بجولك عنيك العاجلة اللى فيهم
اعتصرت أناملها خجلاً وبدأت الكلام بتلعثم
:- والله ما كان جصدى يا أبوى .. أنا أصلا مش بحب أفلام الرعب ديه
هز رأسه بخفة لتواصل حديثها
:- طب ليه .. إيه غرضك!!.
زفرت بحنق وتبادلت نظرة سريعة مع شقيقتها على الجهة الأخرى
من والدها ثم شرعت في التوضيح بأسف
:- بصراحة يا أبوى .. البنات في المدرسة غلسوا عليا واتحدونى ..
جالوا كيف بدك تبجى دكتورة وأنتِ بتخافي من شكل الدم ولاچل
ما اثبت إنى مابخافش اتفرچ على الفيلم ديه وتانى يوم أحكيلهم
عليه لاچل ما يتأكدوا إنى اتفرجت عليه
زم أحمد شفتيه وهو يستمع لابنته التي تدرس بالصف السادس الابتدائى
وها قد بدأت مشاكل سن المراهقة وتحدياته
طالعته نوارة بنظرة خجلة تستشف رد فعله من ملامحه واستطردت حديثها
:- أنا جولت نجعد كلاتنا نتفرچ سوا لاچل ما نخافش ونتونس ببعض
ارتفع صوت ضياء من المقعد المقابل يرفع أصبعه في الهواء يدعى الشجاعة
:- أنا ما خوفتش
رفع أحمد حاجبه يناظر أصغر أبنائه بتلاعب كتم عبدالله ضحكته
بينما قهقه ضياء بشقاوة وعدل كلماته
وهو يحدد مساحة صغيرة بين سبابته وابهامه
:- ما خوفتش جوى يعنى .. حبة صغيرين بس
تدخلت فجر تضيف بحرج
:- وأنا كمان خوفت ومعرفتش أنام أنا ونوارة غير والنور والع والقرآن شغال
أومأ أحمد متفهمًا وسأل نوارة بجدية،
سؤال يحمل قدر من اللوم يحملها على الاعتراف بخطئها
:- وروحتى حكيتى لصحباتك يا نوارة وكسبتى التحدى؟.
هزت ساقيها بتوتر ونكست رأسها لبرهة صامتة آسفًا
ثم رفعت عينيها باستحياء نحو والده المتفحص لها
:- أيوه .. وكُمان جولتلهم مش راح أدخل في تحدى تانى أمعاهم
لأنى واثجة من حالى وما يهمنيش رأيهم
أضافت فجر باندفاع والتي تصغر شقيقتها بأربع سنوات
:- وضحكوا علينا وجالوا إن نوارة جالت إكده أكمنها خايفة
أكملت نوارة حديثها توضح بندم واضح
:- والله يا أبوى ديه أول مرة أدخل في تحدى أمعاهم ..
دول بيعملوا تحديات خطر جوى ممكن تموت
ضيق عينيه مستفسرا واستمع إلى بناته باهتمام شديد وهن يعددن
ما يحدث في مجتمع مدرستهم الصغير فقالت فجر
:- تحديات وألعاب من الإنترنت .. اللى تنط من فوج مكان عالى ..
ولا تحبس الهوا في صدرك لأخر نفس
أضافت نوارة 
:- أو تچرح نفسك چرح خطير من غير ما تتألم ..
ولا تشرب كميات ميه كبيرة لحد ما تسورج (يغمى عليك)
انعقد حاجبا أحمد بخطورة و قال برفض
:- وأنتوا بجا كيف الغنم كل اللى تشوفوه على النت تچربوه من غير وعى
ولا فهم .. ترمى نفسيكم للموت من غير تفكير
بررت نوارة ترفع كفيها في الهواء
:- أنا مش بدخل أمعاهم في التحديات ديه ..
ديه أول مرة أعملها لما استفزونى وضايجونى
تساءل أحمد بعتاب
:- ولو كانوا جالولك أرمى نفسك في التُرعة كنتِ هتعملى
لاچل تخلصى من مضيجاتهم
هزت رأسها نفياً سريعًا وكذلك فعلت فجر حين حول نظره إليها
زفر أحمد بعمق مسبلا أجفانه يستغفر الله في سره ويستعيذ به من شر
هذا الزمان ثم أمسك بكفى بناته كلا من جهة وقال بروية
:- مش كل اللى نشوفه ولا نسمعه لازم نجلده تجليد أعمى بدون ما نفكر .. الفيديوهات والتحديات ديه ممكن تبجى چاية من بلاد لا تعرف دين ولا حلال
ولا حرام .. ربنا عطانا عجل لاچل ما نفكر ونعجل الحديت
ترك أكفهن وفرد ذراعيه حول أكتافهن يضمهم إليه وقال ناصحًا
:- أوعاكم تمشوا ورا كلام حد مهما إن كان كلام چارح ومهما كان
استفزازهم كبير ولا حتى كلام ناعم يدخل العجل
وفي حقيقته يچركم للنار ..
كان يبدل أنظاره بينهما وهو يردف
:- وتاچوا تحكولى أو تحكوا لخالتكم شموع ولا أخواتكم الكبار ..
كلاتنا حواليكم ورايدين مصلحتكم وسلامتكم .. تمام
إيماءة خفيفة من رؤوسهن طمأنت قلبه قليلاً فقبل رؤوسهن بالتوالى
وأعاد عليهم
:- أنا واثج فيكم وخابر إنكم بنات زينة وهتسمعوا الكلام ..
أما بجا المدرسة ديه أنا ليا حديت تانى ويا المدير
:- هتعمل إيه يا أبوى؟.
انطلق التساؤل منهما بحيرة فأجاب
:- لازمن يشوف إيه الحكاية ديه ويوعى الطلبة ويفهمهم الصُح من الغلط
.. ده أنتوا المستجبل الحلو اللى عايشين عشانه
ربت على ظهورهن لينصرفوا وتبعهم الصغيران في حين ظهرت
شموع مقتربة منه تتابع انفعالاته القلقة على مستقبل أولاده
مدت كفها تربت على ساقه تطمئنه بهدوء
:- طمن جلبك يا سى أحمد .. بناتك عاجلين ما شاء الله عليهم
وربنا يحفظهم من كل شر
حرك شفتيه يدعو لجميع أبنائه ثم أدار مقلتيه نحوها يتساءل
عن موضوع آخر يشغله
:- أخبار سلمى إيه .. عدى يومين ولسه ماجلتش رأيها؟.
فسرت شموع بتلقائية
:- بتعمل استخارة كل يوم وجالت هتجول لچنابك الرد بنفسها.. بس شكلها موافجة
هز رأسه برضا وتساءل عن شقيقتها سندس فأجابت شموع
:- لسه راكبة راسها  ومش موافجة على الدكتور أسامة
اتكأ بمرفقه على المسند بجواره ورفع أصبعيه يداعب ذقنه الحليق بتفكر
وسألها من جديد كأنثى
:- وأنتِ رأيك إيه!!.
زحفت في مكانها حتى التصقت ركبتيها بساقه وقالت هامسة بدلال
:- رأى إنها مش رافضة .. بس عاملة خاطر لأختها الكبيرة
أيد رأيها بخفوت :- أنا رأيي إكده برضك
لمحة ماكرة من عينيها وقعت على طفليها اللذين يلعبان بالقرب
ثم عادت تتأمل ملامح أحمد الجادة الشاردة قبل أن تمحى المسافة الضئيلة
بينهما حتى التصق كتفها  بعضده وهمست بتغنج
:- إلا سباع جصر النيل دول .. كام سبع؟.
رمقها بتعجب وتتبع اتجاه مقلتيها المصوب نحو طفليها وقد فهم مغزى
سؤالها حين أطلق لقب أسدى قصر النيل عليهم ..
أدرك هوسها الحالى ورغبتها الملحة في الإنجاب ولذا لا تتوانى
عن فتح الموضوع في كل مناسبة
تنفس بعمق وأخفض رأسه قليلاً  يدنو من وجهها هامسًا
:- لو فاهمة إن الزن على الودان أمر من السحر تبجى غلطانة ..
النظام ده مش بيمشى إمعايا
أسندت مرفقها فوق فخذه وقبضت على ذقنها تتساءل بحيرة لطيفة
:- أومال إيه اللى بيمشى إمعاك يا سى أحمد!!.
حدق في ملامحها الجميلة الباسمة القريبة منه ونظره القطط الفضولية
التي سلبت بها لبه تتقافز داخل مقلتيها بمشاغبة…
مال أكثر نحوها بشكل خطير هامسًا
:- أنا اللى همشى
ثم نهض فجأة فكادت تسقط أرضًا ولكنها تماسكت وأسرعت خلفه
تعكس ملامحها بسمته التي ارتسمت على ثغره وهو يفر من زنها اللذيذ

**********

هتروح تجابل رياض ميتا يا چارحي
قالتها صبحية وهي بجوار زوجها حول مائدة الإفطار
ابتلع محتويات فمه وشاركها الحوار
:- بكره هروح أچيبه بالمشيئة .. المهم نكون چاهزين حضرتي اللي جولتلك عليه
تناولت لقيمة صغيرة في يدها وقبل أن تضعها في فمها أجابته
:- اطمن كل اللي أمرت به هيحُصل… بس هو ليه مچاش إمبارح إمعاك
أحاط كوب الشاي باللبن الساخن بيده وارتشف منه
جرعة كبيرة ثم وضح موقف صديقه
:- بده ينهي اللي وراه في المولد ويبيع العدة اللي إمعاه ..
خلاص ما بجاش لها عازة مادام هيهمل شغل المولد
حركت صبحية يدها تستوثق من المعلومة
:- يعني خلاص ناوي يجعد إهنا في البلد؟.
أومأ وهو يبتلع محتويات فمه ثم ترك الكوب الفارغ فوق الطاولة
:- إن شاء الله .. الراچل كبر وبده يستجر ويطمن على بته..
ده غير مرض الجلب اللي صابه ولازم له علاچ طويل
أسندت صبحية مرفقها على الطاولة وأراحت ذقنها فوق كف يدها
تتساءل بجدية :- وده هيشتغل إيه يا چارحي
قبل أن يجيب تعالي صوت رئيسة من فوق الأريكة خلفهم وأمامها صينية
الإفطار خاصتها تصيح بتذمر موبخة زوجة ابنها كالعادة
:- والله أنتِ رايجة وبالك خالى رياض إيه وبتاع إيه .. ميتا سليمان هيعاود..
غيبته طالت جوي وكل شويه تجولي هياچي وما بيحُصلش
أدار چارحي رأسه نحوها يطمئنها
:- اطمني يا أماه خلاص مدة معسكر التدريب انتهت وعلى بكره
ولا بعده إن شاء الله نلاجيه داخل علينا
:- يعني أرچع وأعاود بكره ولا إيه!!.
شهقت جدته ذاهلة تدق فوق صدرها وتتمتم بالبسملة ولم تكن الدهشة
من نصيبها فقط بل صرخت صبحية بخفوت واتسعت مقلتي جارحي وكل الأنظار
تتجه صوب الباب المشرع وجسد سليمان يقف عنده بهامته الشامخة وملابسه
العسكرية، يحمل حقيبة صغيرة معلقة على كتفه وابتسامه لهفة تنير ملامحه
رمي حقيبته أرضًا وأسرع صوب جدته مستجيبا لذراعيها المفتوحين له
تدعوه إليها مهللة لأعز الولد
:- جرب يا ولدي لاچل ما أشوفك زين .. اتوحشتك يا نضري
كبل جارحي نفسه في مكانه يتيح لوالدته الفرصة للارتواء من وجود
حفيدها المفضل أما صبحية فكان صوتها يكلل المشهد بفرحه
:- حمدلله على السلامة يا سليمان والله أتوحشنا حسك في الدار
تسلل من حضن جدته بصعوبة ليلتفت ضامًا وجه صبحيه بين كفيه
يطبع قبلة طويلة على جبينها ثم ألقي بنفسه بين أحضان والده
الواقف في انتظار دوره بثبات ظاهري
  ضم ولده إلى صدره يتشمم عبيره الغائب منذ خمسة وأربعين يومًا،
حتى لو كان يقوم بزيارته أسبوعيا ولكنها مجرد ساعات
لا تُغني ولا تسمن من جوع
طالت مدة احتضانه لولده الذي يخبط على ظهره بقوة إشتياقًا وحبًا
:- سليمان يا دفعة
صرخ بها سليم بجنون حين تفاجأ بوجود سليمان وركض حيث شقيقه
الذي استدار له يتلقى الشقيق الأصغر الذي قفز فوقه يحتضنه بشقاوة
جففت رئيسة دموعها هاتفه في سليم
:- يا واد براحة على أخوك لساته چاي من سفر
لم يفلت سليم شقيقه وظل متعلق بعنقه وهو يدير رأسه نحوها يغازلها بمشاغبة
:- أهوه چالك حبيب الجلب يا رئيسة وهتنسي سليم المسكين
مصمصت شفتيها مستنكرة تشاغبه
:- مسكين.. ده ربنا هيرحمني من صوتك العالي وتجل دمك
قذف قبلة في الهواء نحوها يشاكسها بدوره قائلا
:- من ورا جلبك يا رئيسة ده أنتِ بتعشقيني
حركت شفتيها يمينا ويسارا تجاريه في مداعبته
جلجلت ضحكته وهو يعود يطالع شقيقه بسيل من الأسئلة
أزاحه جارحي بعيدًا عن سليمان وهو يأمر صبحية
:- فطار لسليمان يا صبحية بسرعة.. وأنت يا فرجع لوز همل أخوك يرتاح
أفسح سليم الطريق لشقيقه ليجلس الجميع متحلقين حول المائدة
يطمئنون على أحوال غائبهم وأخباره
بعد انتهاء الإفطار الذي اكتسب مذاق الفرحة والبهجة باكتمال العائلة
سأل جارحي ولده الأكبر باهتمام ورغبة أب ألا يغادره ولده حضنه أبدًا
:- وهتجعد أمعانا لميتا يا ولدي
تجرع سليمان رشفة من كوب الشاي الساخن الذي تلا الإفطار الشهي
الذي تناوله وسط عائلته وحدق في وجه والده مجيبًا ببطء
:- سبوع إن شاء الله جبل ما أتجدم لوحدتي العسكرية
هتف سليم بمشاغبة يواصل سؤاله
:- واتوزعت على فين يا دفعة؟.
ألقي سليمان نظرة خاطفة متوجسة من جديد في وجه والده
المنتظر الإجابة  قبل أن يجيب
:- اتوزعت على سلاح الصاعقة
ابتسم جارحي فخرا وتباهي بقوة ابنه الكبير الجسدية التي ورثها منه
ومازال سليم يواصل سؤاله بإلحاح
:- يعني على فين يا وحش؟.
:- سينا إن شاء الله
قالها سليمان ومقلتاه مركزة على والده الذي جمدت ملامحه توجسًا
للحظات متأملا ملامح سليمان باهتمام ورئيسة تتساءل بعدم فهم
:- سينا ليه ..  يا ولاد مش الحرب خُلصت من زمان
أخفض جارحي جفنيه يفكر في المناوشات التي لا تنتهي من الطامعين
والمخربين على أرض الفيروز بيد عملائهم من الإرهابيين
كانت صبحية وسليمان يشعران بتخوف جارحي ويتبعان خلجاته وسكناته
بينما سليم يجيب على جدته وهو يبدل مكانه ويدس جسده بجواره جدته
:- خلصت يا چدتي.. ده سينا بجت چنة وبكره سليمان يچيب لنا
من خيرات أرضها وهو راچع في الاچازات
قالت رئيسة بعدم فهم
:- أومال سليمان هيروح أهناك ليه؟.
التفت لها سليمان الذي انتقل وجلس عند قدميها الممدة
وتناول كفها المغضن بين راحته يلثمه بحب موضحا بثبات واقتناع
:- أرضنا وواچب علينا حمايتها كيف ما بنحمي كل شبر في بلدنا
أخيرا نطق جارحي بخفوت
:- ربنا يحميك ويحفظك يا ولدي
مال سليم بجذعه يضرب على كتف شقيقه بقوة مشجعًا
:- اطمن يا أبوي أنت مخلف رچالة چامدة آخر حاچة

************

أمام شاشة التلفاز الكبيرة ببهو منزلهم جلس أسامة يتابع
أحد البرامج الإخبارية بملل
يلتقط بضع حبات من طبق المكسرات الموضوع أمامه
ويقذف بواحدة تلو الأخرى داخل  فمه
يشعر بضيق يطبق على صدره منذ أن أخبره أحمد السمري بتأجيل الحديث
في أمر الزواج حتى يطمئن على زواج سلمي أولًا، ففي جميع الأحوال
لم يكن ليتم الزواج قبل أن تفرغ سندس من دراستها
لم يستطع أسامة المجادلة كثيرا مع قرار أحمد الحاسم رغم أن حدسه
يخبره بوجود عائق أخر، وأكثر ما يخشاه هو رفض سندس نفسها الزواج منه
لم يكن الزواج من أولويات تفكيره سابقًا لكنه يرغب الآن في الاستقرار
والزواج خاصة بعد أن فاجأه  قلبه الخائن وأشار على ابنة خالته (سندس)
ذات الملامح الهادئة وصانعة ألذ قالب كيك تذوقه في حياته
زفر بضجر ودس المزيد من حبات المكسرات داخل فمه،
يطحنهم بغيظ تحت وطأة أسنانه
دلفت والدته عليه تتأمل جلسته وهي تتقدم نحوه ببطء وجلست بجواره
تناظر جانب وجهه بحنق ثم حولت نظرها إلى ما يُعرض على شاشة التلفاز
وتعود مرة أخرى إليه حتى فرغ صبرها فضربت على فخذيها بقوة ليجفل
في مكانه وهي تهتف بغيظ
:- يعني أحمد السمري رفضك.. ليه كنت جليل في البلد ولا جليل..
ده أنت داكتور كد الدنيا وأبوك يملك شي وشويات..
ده غير إنها بت خالتك ولحمك ودمك
ابتلع محتويات فمه ولف جسده في مكانه يواجهها موضحًا
بهدوء فالأمر يثير توجسه بما يكفي
:- كيف رفض.. عمي أحمد ما رفضش يا أمي الموضوع أتأجل شويه
بس لغاية ما سندس تخلص كليتها
ضربت يد فوق الأخرى فوق بطنها مستنكرة وهتفت حانقة
:- كلية.. كلية إيه.. ما احنا اتچوزنا أهاه من غير كلية ولا يحزنون..
هو الچواز محتاچ علام
زفر بضجر يحرك رأسه كمن وقع في الفخ وأوضح قائلا
:- يا أمي.. هو أنا أكره مراتي تبقي عندها شهادة وتبقى قادرة تربي
ولادي أحسن تربية وتساعدهم في دراستهم وحياتهم
مصمصت شفتيها متأففة تطالعه بتعوج
:- وأحنا بجي اللي معرفناش نربي.. ما أنت أهاه داكتور في الچامعة..
على أيامنا كان كبيرنا ناخد الثانوية ولا الدبلوم
قال مهادنا ليراضيها
:- أيوه على أيامكم يا أمي.. وبعدين في كل الأحوال أنا كنت هخطب
بس وهنتظر لما تخلص دراسة
صفقت بكفيها مستفزة من إجابته
:- هي سيرة أبو زيد.. بدي أخلص وأشوف عيالك يا ولدي..
من كد إيه وبدي أشوفك عريس وأنت دماغك محچرة ودلوك لما أخيرًا
لما وافجت وهتبل ريجي وتتچوز أحمد السمرى يجف فيها
قبضت على كتفه تضغط عليه بقوة في محاولة للتأثير عليه
:- اسمع يا واد من اللول أنا اخترتلك سلمى.. مالها سلمى هادية وعاجلة
وأهيه هتخلص علامها السنة دى.. إيه اللي لعب في دماغك
وخلاك جولت سندس.. خد سلمى خلينا نُخلص
ذهلت ملامح وجهه فأمه ترغب في تزويجه بأسرع وقت ولا يهم
أي عروسة يرغب المهم هو سرعة التنفيذ
نفض دهشته يحاول أن يوضح لها رغبته
:- يا أمي أنا رايد سندس وكمان سلمى جالها عريس.. ما أنا قولت لحضرتك
هزت جسده تؤكد على قدرتها في إقناع أحمد عن طريق فهيمة خالتها
:- ولا يهمك.. أنت بس وافج وأنا همشيلك الحكاية وشهر
والتاني تكون متچوز سلمى
قفز في مكانه ينزل ساقه المثنية تحته أرضًا يدافع عن حلمه بحماس
:- يا أمي أنا عاوز سندس.. رغبتي كده
خبطت على كتفه بقوة تلسع جسده بضرباتها وتدفعه بعيدًا بحنق
:- رغبتك.. طب خليك جاعد كيف البيت الوجف إكده چاري..
لحد ما تشاورلك بطرف صباعها بت أحمد
انضم لهم والده الذي وصل لتوه ملقيًا السلام عليهم وهو يخلع عباءته
ويتركها فوق مسند  أحد المقاعد ثم جلس بالقرب منهم
يسأل بتوجس عن صوتهم المرتفع
:- خير.. مالكم صوتكم عالي ليه
:- أنا ما فتحتش بوقي يا أبوي
قالها أسامة باقتضاب مشيرا بطرف عينه نحو والدته المتذمرة..
انتبه إليها زوجها وسألها مهادنًا
:- خير يا نچاة.. خبرك إيه؟.
هاجمت مباشرة بعصبية تشهد زوجها على أسامة
:- هو أنا غلطانه إني بدي أشوف ولدي عريس.. غلطانه يا بدران
أجاب بهدوء يجاريها في الحديث
:- لا عداكي العيب.. وأسامة أهوه طلب بنت خالته وبكره يتچوز
وتفرحي به يا ستي
فزعت فيهم بصوتها المرتفع تلوح بذراعيها في الهواء
:- افرح به ميتا.. ميتا بس ولسه الهانم بدها تاخد الشهادة الكبيرة
رد بدران بهدوء أعصابه المعتاد الذي يثير حنقها أكثر
:- وماله يا نچاة.. أهوه يوضب شجته على كيفه لحد ما تخلص الكلية ويتچوزوا طوالي
تنهدت باصطناع ووضعت كفها تحت ذقنها تهز جسدها
:- يا تري مين يعيش
تدخل أسامة يعاتبها
:- إيه الدراما ديه يا أمي.. أبويا عنده حق.. الأيام بتجري ويوم والتانى
أكون جهزت كل حاجة واتجوز على طول
أطلقت مقلتيها سهام غضبها الحارقة نحوهما وخبطت على فخذيها ناهضة
من مكانها وقد عقدت النية أن تُنهي الأمر على طريقتها وانطلقت تبرطم بتحفز
:- ماشي.. أنا بجا اللي هحلها
تحركت مقلتا أسامة مع والدته المغادرة مجلسهم بتخوف يسألها بحيرة
:- هتعملي إيه؟.. أمى بلاش تعملي حاجة من غير ما تقوليلي.. أمي الله يكرمك
لم تستجيب لندائه فعاد ينظر لوالده مستغيثا ولكن والده نفض يديه
من الموضوع وغير مكانه أمام شاشة التلفاز،
تناول المتحكم عن بعد يقلب في القنوات ببرود
عاد أسامة يجلس بجوار والده يسأله بتوجس
:- تفتكر أمي هتعمل إيه يا حاج؟.
انحنى بدران يلتقط حفنة من المكسرات تناول بعضها يلوكها ببطء
وحدقتيه مركزة على شاشة التلفاز وقال ببساطة
:- ما دام أمك حطتك في راسها يبجا الله يرحمك
جحظت مقلتى أسامة ولطم وجهه يولول بآسى
:- يا ليلة كاحلة

**********

تشق السيارة الضخمة طرقات القرية الترابية، يحتل الشقيقان كابينة القيادة
جنبًا إلى جنب وسليم يدندن مع نغمات الأغنية الصادحة من المذياع
مد سليمان يده وأخفض الصوت ليستفسر من شقيقه
عن هوية الشخص الذي يستضيفه والده
:- خبرني بجا مين رياض اللي أبوك فضي الشجة التحتانية لاچل خاطره
استدار سليم نحو سليمان الذي يقود السيارة وبدأ في الإسهاب
:- أبوك بيقول إنهم كانوا أصحاب أيام المولد .. لكن عمك رياض حب واحدة
من بحري واتجوزها وقعد معاها هناك وبقي يشتغل في موالد خط بحري
إنخرط سليمان في الحديث مع شقيقه مستفسرا
:- كل ده عادي.. إيه سبب استقراره هنا
أشار له سليم بيده ليتمهل قليلًا
:- اصبر عليا يا هندسة ما أنا جايلك في الكلام.. أصل عم رياض اكتشف
أن عنده مرض القلب ومش قادر يشتغل في المولد تانى فالمعلم جارحي
بشهامته فتح بيته لصاحب عمره فهمت
أومأ سليمان وهو يستند بكفيه فوق عجلة القيادة وألحقه بسؤال آخر
:- وعنده ولاد ولا لوحده؟.
:- تقريبا عنده بنت صغيرة حسب ما فهمت
صمت سليمان بعد أن فهم القصة وبعد مدة قصيرة عاد يسأل شقيقه باهتمام
:- هممم.. المهم قولي أخبارك أنت إيه يا فنان؟.
تنهد سليم مطولا بمسكنة مصطنعة ثم قال بخنوع
:- المعلم جارحي حجر على صوتي وممنوع أغني في أى فرح في البلد
..يا دوب في حفلات الجامعة والأبلكيشن
قهقه سليمان بمرح ومال قليلًا بجذعه يغمز لشقيقه الصغير
:- أنت عارف تمن حريتك
:- أنجح واخد شهادة
نطقها الاثنان في نفس واحد قبل أن تنطلق ضحكاتهما بصخب سويا
اقتربت السيارة من الأرض الخالية على حدود القرية المقام عليها المولد
حيث توقف سليمان جانبًا وترجلا سويًا
فجأة تعالي صوت يصيح بأسم سليم فالتفت يشير إلى صديقه الذي نادى
عليه قبل أن يضع كفه فوق كتف شقيقه غامزا بفكاهة
:- ادخل أنت بقي يا معلم شوف أبوك وأنا هستني هنا مع صاحبي
نفض سليمان ذراع سليم بعيدًا عنه يرمقه بلوم مرددًا بتهكم
:- أصيل يا ابن أبوى
قهقه سليم مبتعدًا نحو صديقه أما سليمان فأتجه صوب أرض المولد
يشاهد الألعاب المنتشرة خلالها ويتذكر اصطحاب والده له ولشقيقه
في صغرهما ليمرحا فيه ويتجولا معه في أوقات الإجازات الدراسية
وقع نظرة أثناء تجواله على تجمع صغير من الشباب حول أحد الألعاب
وهو أمر اعتيادي ولكنه استشعر جو من التوتر في الأجواء
فيبدو أن شجار على وشك أن يبدأ هناك
اقترب منهم ببطء يتأكد من صدق حدسه خاصة مع ارتفاع الأصوات
الذي يصل إليه، واصل تقدمه على مهل يتأمل بتركيز
ما يحدث داخل هذا التجمع الغريب
تبين ظهر شاب يبدو صغير في السن أو ربما مازال في سن المراهقة،
ضعيف البنية قصير القامة يرتدي كاب فوق رأسه يقيه حرارة الشمس
ويُخفى جزء كبير من وجهه
يقبض على تلابيب شاب آخر يواجهه ويتحلق حولهم مجموعة
من الشباب المتحفزين للدفاع عن صديقهم
زاد اقترابه ليصل إلى أذنيه صوت رفيع ينطلق صائحًا
:- أطلع ياض بالفلوس.. فاكر أنك هتاكل الفلوس عليا ده بُعدك يا حيلتها
أطلق الشاب المراهق سراح الآخر دافعًا إياه في صدره بعنف والتفت سريعًا
يرفع بندقية تستخدم في لعبة النيشان وصوبها في وجه الآخر
وصوته الرفيع الغير رجولي بالمرة ارتفع مهددًا من جديد
:- طلع الفلوس بدل ما ألعب في عينيك البخت يالا
أسرع سليمان الخُطى نحوهم وقبض على فوهة البندقية يرفعها لأعلى بعيدًا
عن الشباب حتى لا تصيب أحدهم زاجرا بصوته الخشن
هذا الشاب المراهق الأرعن
:- إيه اللي بيحُصل هنا.. أنت مچنون ولا إيه السلاح يطول ويصيب حد
استغل الشباب تدخل سليمان الذي يعرفونه جيدًا والذي أبعد فوهة السلاح
عن وجوههم ليصيحوا في وجه الشاب المراهق وأحدهم يمد يده بجوار
سليمان يرغب في القبض على المراهق الصغير وهو يصيح بتبجح
:- بقا بترفعي عليا السلاح يا بت الحرام أنتِ
قبض سليمان علي معصم الشاب يوقف تقدمها بشكل عفوي إلا إنه تسمر
والكلمات تصل أخيرًا إلى عقله الذي يحاول الاستيعاب
وهو يعيد النظر نحو الشاب المراهق بتفحص ليكتشف سذاجته
فالشاب المراهق لم يكن سوى فتاة… فتاة قصيرة الشعر بشكل لافت
فخصلاته لا تغطي حتى منتصف عنقها وتخفيه بكاب رياضي
أما ملابسها فلا تمت للأنوثة بصلة فهي ترتدي بنطال من الجينز القديم
وقميص كاروهات مفتوح الأزرار يُظهر من تحته تيشرت قطني
واسع يخفي كل معالم أنوثتها
استعاد وعيه على صوت الفتاة الرفيع وهي تسحب زر أمان السلاح
وتوجهه من جديد نحو الشاب الوقح صارخة في وجهه
:- بنت حرام! .. طب أنا هعلمك الأدب يا عديم التربية
انتزع سليمان السلاح من بين يديها بسهولة وأطلقه في الهواء
فصمت الجميع وصوته الجهوري يطغى فوق كل الأصوات
:- بكفاية.. إيه اللي حُصل لكل ديه؟.
صاحت في وجهه بتبجح مشيحة بيدها في الهواء تبعده كما تُبعد ذبابة طائرة
:- مالكش دعوة أنت يا حليوه.. أنا أقدر أخد حقي بنفسي طريقك زراعي
(حليوة) قالها بشفة مرفوعة مستنكرا وهو يحدق بها ذاهلا
تدخل الشاب المتشاحن معها والذي على علم بهوية سليمان
:- شوفت يا سليمان أهو لسانها الطويل ديه السبب في المشكلة
اتخذت خطوة للأمام تضرب على كتف الشاب بظهر كفها باستهانة
وأعين مقلوبة ترفع صوتها بلهجة وقحة تدعى بها القوة
:- أسمع يا روح أمك .. ادفع اللي عليك وغور أنت وأصحابك من هنا
كاد الشاب يعاود الصياح إلا أن سليمان هتف فيها بحزم ونظرة صارمة
:- اتحشمي يا حرمة
ارتفعت على أطراف أصابع قدميها في محاولة فاشلة للاستطالة
أمام قامته الفارهة وصرخت في وجهه متخصرة
:- أنا مش حرمة يا حليوة.. اصحى لكلامك
دحرج مقلتيه من رأسها حتى أخمص قدميها ذاهلاً من تصرفات
هذه القطة الشرسة التي تظن إنها تستطيع مجابهة قوة الرجال
أما الشاب فهتف من خلفه يشير إليها باستصغار
:- شوفت يا سليمان.. لسانها كيف العجربة المطلجة
قذفت حمم لسانها في وجه الشاب
:- طلقة تاخد عمرك
زفر  سليمان بضجر متخصراً وعينيه تقابل السماء طلبًا للعون
(يا ليتها كانت شاب صغير لكان هشم رأسه الآن وعلمه كيف يحترم الناس
ولكنها فتاة ولا يستطيع الإساءة إليها مهما حدث)
تجول في وجوه المتحلقين واللذين ينتظرون حكمه،
أخرج محفظته يوجه حديثه إليها بحسم
:- لازمك كام؟.
:- ولا مليم منك.. فلوسي عندهم
قالتها متخصرة بذراع وذراعها الآخر يشير باتهام صوب الشباب بإصرار
تفحصها سليمان بنفاد صبر ثم التفت نحو الشاب يحاول أن يعطيه المال
ليدفعه لها ولكن الشاب صاح في وجهها يجادلها
:- عطناكي الفلوس.. بكفاية عليكِ اللعبة خربانة
قبضت كفيها تستند بهم على خصرها وهي تمط عنقها تحاوره
:- لا يا شجيع.. أنت اللي خيبان ومش عارف تنشن وأهوه عشان أثبتلك
سحبت البندقية ووضعت بها عدة طلقات وصوبتها نحو اللعبة
لتصيب الأهداف واحد تلو الآخر بكل براعة وسهولة
ثم أعادت البندقية مكانها وقالت بإصرار
:- تمن اللعبة وتمن الطلق اللي ضربته في الهوا أنت وصحابك…
ده مش مال سايب
مدت كفها مفروده في الهواء بينما أشار سليمان لهم بهدوء ظاهري
ونبرة قاطعة :- أدفع لها
استجاب الشاب باستسلام حتى ينفد بجلده بعيدًا عن لسان
هذه النمرة الشرسة ثم انصرفوا مبتعدين
تأمل سليمان وقفتها المسترخية وهي تعد الأوراق النقدية بين
يديها بانتصار وقالت دون أن ترفع وجهها نحوه
:- لو فاكر إني هشكرك تبقي غلطان.. محدش طلب منك تتدخل يا شجيع السيما
لوي شفته جانبا وردد ساخرًا
:- شجيع السيما كُمان
رفعت عيناها الواسعة البندقية في وجهه فانعكست أشعة الشمس
عليهما تنيرهما ببريق ساحر جذب مقلتيه للغرق بهما
دست النقود في جيب بنطالها الضيق
:- مش عجبك شجيع السيما.. خلاص متزعلش يا حليوة
قالتها بتفكه مغنج ونظرة شقية مغرية، رمها بنظرة جامدة ثم
أولاها ظهره وانصرف دون كلمة أخرى ولكن صوتها الرفيع
تبعه بتلاعب وغمزه شقية لم يراها
:- تُشكر على أي حال يا.. يا واد يا تقيل
قفزت بسمة لا إرادية مستمتعة إلى ثغره لم يسعدها الحظ برؤيتها
وهي تقف في ظهره تتأمل ضخامة جسده المبتعد بشموخ
تنهدت بعمق واستدارت تُغلق لعبة النيشان وتلملم أغراضها بارتياح
بعد أن حصلت على حقها

********

:- والله منور يا باشمهندز
أخفض رأسه بتواضع يخبط على صدره ممتنًا يرد التحية
:- ده نورك يا عمي
أشار نحو صديق عمره موضحًا
:- المعلم جارحي دايما بيتكلم عنك وعن أخوك ما شاء الله عليكم…
رجاله تفرح يا جارحي
تنفس جارحي بقوة فخورا بأكبر أولاده ومال يربت على ساق صديقه
:- تعيش يا رياض .. ربنا يفرحك بست البنات
وعلى ذكرها ظهرت من بعيد تُسرع الخطى نحوهم، توقفت بجوار جارحى
وألقت السلام بابتهاج ورقة غريبة على مظهرها الصبيانى
:- يا مرحب بعمي جارحي.. لو أعرف إنك وصلت كنت رجعت جري
قهقه جارحي بمرح الذي رفع أصابعه يقرص وجنتها بخفة ممازحًا
:- أنتِ بياعة كلام إكده على طول يا بت رياض
مالت تطبع قبلة على قمة عمامته مغازلة
:- يا حلاوة لهجتك الصعيدى ديه يا عمي.. زى الغناوى والله
قهقه جارحي بمرح عكس ولده عاقد الحاجبين الجالس في ظهرها
ولم تفطن إلى وجوده حتى الآن
فرفع عقيرته يشاكس والده ويلفت الأنظار لوجوده
:- يا سلام لو خالة صبحية سمعت الغزل ده يا سيد المعلمين
استدارت بكليتها نحوه بعيون متسعة مصدومة من وجوده
وهو يقابلها بابتسامة صفراء شامتة
لاحظ رياض صدمتها فقدم سليمان إليها
:- سلمى يا صدفة على الباشمهندز سليمان ابن عمك جارحي
عضت باطن خدها بغيظ وألقت بكلمات مُرحبة خافتة أثناء ابتعادها
لتقف بجوار والدها وكفها يحتضن كتفه
بينما رد سليمان السلام بنبرة رخيمة ذات معنى
:- صُدفة سعيدة .. أوى
رمته بنظره نارية جراء تهكمه الواضح على اسمها
بينما رفع رياض رأسه نحوها :- فين المفاتيح يا صُدفة
أخرجت المفاتيح من جيب بنطالها ووضعتهم في كف والدها الذي تساءل بجدية
:- اتأخرتي كده ليه يا بنتي
أجابت ببساطة وهي تسترق النظر بتحدى لذلك المحدق بها
:- لقيت شويه زباين قولت اشتغل وأهو قرشين ينفعوا برضوا
صمتت متوجسة من فضح سليمان للشجار السابق لكنه أخلف ظنها
وهو يلتقط كوب من الشاي وارتشف منه بلامبالاة وعينيه
تجول في المكان، شجعهم جارحي على الإسراع
:- هم يا رياض.. بدنا نتحرك ونلحج النهار لسانا هننصب عفشكم في الشُجة
أعاد رياض مفاتيح اللعبة الخاصة بهم في يد ابنته يحثها على الإسراع بدوره
:- يلا يا صُدفة أعطى المفاتيح للمعلم حمتو وقوليله الله يباركله
زفرت بضيق وأشاحت بيدها تجادل والدها
:- والله يا أبا خسارة.. طب كنا استنينا شويه لغاية ما المولد هنا
يخلص وأهوه الفلوس تنفعنا
أصدر جارحي صوت رافض من فمه لائمًا
:- تؤتؤ تؤ ليه كده يا بتى .. هو أنتِ هتعيشي في بيت غريب ده أبوكي
كيف أخويا  تمام كنا بنجسم اللجمة سوا
نكست رأسها معتذرة بخجل مما أشعر سليمان بالغرابة من تناقض تصرفاتها
:- لامؤاخذة يا عمي والله ما أقصد.. بس أنا مش واخدة على القعدة من غير شغل
نهض جارحي من مقعده يربت على كتفها برفق
:- هنشوف الحكاية ديه بعدين.. يلا همي و أنت يا سليمان
نادم على سليم وننجل عفش عمك رياض علي العربية
أومأ سليمان ونفذ من فوره وخلفه تحركت صدفة تسلم ما باعوه
أو تركوه من أمتعتهم إلى أصحابه
بعد وقت قصير كان سليم وسليمان بجوار السيارة وقد أنهوا
نقل الأمتعة وربطها على ظهر السيارة
تقدم رياض فاردًا ذراعه فوق كتف ابنته التي تتوسطه هو وجارحي
توقف الشابان في انتظار أوامر والدهم الذي أشار إلى سليمان
:- خلاص يا رچاله كله تمام..سوج أنت يا سليمان (ثم أشار لصديقه مردفًا)
اركب أنت يا رياض وچارك صُدفة مع سليمان
تسائل سليمان باهتمام :- وأنت يا أبوى
أشار إلى صندوق السيارة المكدس بالأمتعة قائلا :- :- أنا هركب ورا
قاطعته صُدفة بحمائية
:- لا العفو يا عمي.. أنا هركب ورا مع العفش وحضرتك أقعد جنب بابا
التفت سليمان نحو شقيقه الذي من المفترض أن يركب في الخلفية
وفي هذه الحالة ستكون الفتاة معه ولكن سليم رفع كفه في الهواء
:- ما تشغلوش بالكم بيا أنا هعاود مع صاحبي
انتبه جارحي إلى الشاب الذي يقف بالقرب يستند على دراجته النارية
أومأ جارحى موافقًا وساعد صديقه على الصعود للسيارة بينما تحرك سليمان
مع صدفة ليساعدها على الصعود في ظهر السيارة
مد كفه لتتكئ عليه ولكنها رمته بنظره استعلاء وتشبثت بجسد السيارة
تحاول وضع قدم على اكصدام السيارة المرتفع وتجذب جسدها لأعلى
كتف سليمان ذراعيه أمام صدره العريض
يراقب محاولاتها الفاشلة بقامتها القصيرة
بعد عدة محاولات لم تنجح  خلالها حتى في وضع قدمها فوق الأكصدام،
قفز سليمان برشاقة وسهولة داخل صندوق السيارة وجذب مقعد خشبي
من أثاث رياض وضعه أرضًا وهو مازال يقف فوق السيارة
رفعت رأسها لأعلى كمن يطالع برج القاهرة بارتفاعه الشاهق
وهو يشير بأصبعه نحوها أن تستخدم المقعد للصعود دون كلام
تنحنحت بجدية تمسح كفيها المتعرقين على جانبي بنطالها الجينز
قبل أن تصعد فوق المقعد ومنه إلى ظهر السيارة
وقف يرمقها بنظره ثاقبة قابلتها ببرود وهي تقول بهدوء للمرة الثانية
:- لو مستنى أشكرك.. مش هشكرك
رفع حاجبه دهشة مثل نبرته المتسائلة
:- ليه بجا؟.
جلست فوق الأبسطة الملفوفة تستند بظهرها إلى حاجز السيارة
وبهزة كتف قالت ببساطة
:- لو نيتك سليمة كنت ساعدت من الأول مش واقف بتتفرج عليا
ضيق عينيه يتأمل برودها وخاطرة تمر على مخيلته ماذا لو صفعها بظاهر
كفه الآن بالتأكيد ستطير بالهواء وتسقط أرضًا وحينها لن يساعدها أبدًا
في الصعود من جديد
انتشله من أفكاره صوت نقر على الحاجز الزجاجى الخلفى لكابينة القيادة
وجارحي يتساءل من خلفه عن سبب التأخير
رماها سليمان بنظره ساخطة ثم قفز أرضًا وأغلق حاجز السيارة
قبل أن يدور حولها ويتخذ مكانه أمام المقود لتشق السيارة
طريقها نحو منزل جارحي

*********
قراءة ممتعة 🌸

Continue Reading

You'll Also Like

1.3M 33.3K 46
When young Diovanna is framed for something she didn't do and is sent off to a "boarding school" she feels abandoned and betrayed. But one thing was...
2.9M 54.7K 17
"Stop trying to act like my fiancée because I don't give a damn about you!" His words echoed through the room breaking my remaining hopes - Alizeh (...
138K 5.3K 33
Zanarra and Zynarra are Twin NERDS they are bullied in their school. They have a dark past, they don't know their real family. They have a big big cr...
1.3M 116K 42
✫ 𝐁𝐨𝐨𝐤 𝐎𝐧𝐞 𝐈𝐧 𝐑𝐚𝐭𝐡𝐨𝐫𝐞 𝐆𝐞𝐧'𝐬 𝐋𝐨𝐯𝐞 𝐒𝐚𝐠𝐚 𝐒𝐞𝐫𝐢𝐞𝐬 ⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎ She is shy He is outspoken She is clumsy He is graceful...