غيـوم البـعاد

Oleh SamaSafia

2.2K 122 93

الجزء الثاني من رواية التقينا فأشرق الفؤاد ♥️ بداية النشر فبراير 2024 قيد الكتابة Lebih Banyak

اقتباس
اقتباس 2
المقدمة
الفصل الأول
الفصـــل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل السادس
الفصـل السـابـع
الفصـل الثامن
الفصـل التاسع

الفصل الخامس

127 9 7
Oleh SamaSafia

 
صدحت أصوات لعب الأطفال داخل بيت العزازى تصم الأذان بصياحهم وركضهم خلف بعضهم البعض بينما تجلس شمس ونسمة جانبا تتبادلان الحديث بهدوء وكأنهما يجلسان بمنتزه هادئ متغافلين عن صياح الأطفال

قالت نسمة وهي تجلس باسترخاء فوق مقعد وثير تمسح على بطنها المنتفخ ببطء

:-  والله لكِ وحشة يا شمس .. اتأخرت زيارتكم المرة ديه كتير

ارتخت شمس في جلستها بدورها وإجابتها بتلقائية

:-  المدارس بقى هنعمل إيه ..كان لازم الولاد ينتظموا في الدراسة .. المهم أخبارك إيه عرفتى نوع المولد؟.

ابتسمت بتفاخر أنثوى ومازالت كفها يدلك فوق بطنها برفق

:- واد إن شاء الله ... عجبالك إكده

شهقت شمس ترفع كفها في الهواء توقف استدراك نسمة وتبعد هذا الفأل عنها بعيداً

:- ما تقوليش في وشى الله يخليكِ .. ده أنا خلاص استويت .. أنا عايشة في غابة من الرجال .. الولاد هيجنونى .. ده أنا نسيت أنوثتى خلاص .. تصدقى بالله أنا أوقات صوتى بيخشن وبجعر زى يوسف بالظبط وبعدها أقف أسأل نفسى الصوت ده خرج منين

ضحكوا سويا بمرح وشمس تواصل شكواها

:- الحياة في بيت كله صبيان صعب جدا .. سيرك مستمر لا يهدأ

غمزتها نسمة بعينها وأصابعها تمتد تقرصها بساعدها بمشاغبة

:- خلاص هاتيلك بت تطرى الجعدة شويه

:- لا يا ستى أنا كده كويس أوى كفاية عليا تلات ولاد وأبوهم

مصمصت نسمة شفتيها تمازحها بوقاحة ثم همت بالنهوض تدعو شمس معها

:- تعالى أمعايا نشوف الوكل چهز ولا لسه .. سعدية لحالها اليوم في المطبخ

تأبطت نسمة ذراع شمس تعاود حديثها وتحاول إقناعها بإنجاب المزيد من الأطفال

:- وإيه يعنى تلاتة .. طب ده أنا ناوية على الرابع من دلوك

:- أنتِ طول عمرك مجنونة عاوزانى أبقى زيك .. أرنبة

لوت شفتيها بكبرياء تدافع عن فكرها

:- مالها الأرنبة .. أنا بدى أعوض سنين الحرمان من الخلفة وأچيب لحسام عزوة كبيرة تضلل علينا

لكزتها شمس بكتفها وهما تتهاديان سويا يقطعان  البهو نحو المطبخ

:- عزوة ولا مولد .. مش سامعة المهرجان اللى إحنا قاعدين فيه

رفعت نسمة كفيها إلى السماء تدعو برضا

:- ربنا يزيد ويبارك يا ختى هو في أحلى من أصوات العيال في الدار .. همليهم يلعبوا ويتبسطوا

وفي ثوان خلال هجمة مرتدة غير محسوبة كانت الكرة ترتفع في الهواء داخل البهو  متجهة إلى رأس نسمة التي صرخت بتألم ورفعت ذراعيها تحمى رأسها بخوف ثم هرعت ركضا تجذب شمس معها

:- يا مُرى .. اچرى يا شمس ديه بيانه الماتش حمى

قهقهت شمس بمرح تسخر منها

:- خلفى يا ختى بقى وكملى بقية الفريق

خارج الدار كان الحاج سليم وولده حسام يدلفان إلى الدار يصلهم أصوات الأطفال من الداخل فقال الحاج سليم برضا

:- يظهر أن شمس وصلت

أجابه حسام مؤيدا بضحكة متهكمة

:- واضح چدا .. سيرك أولاد يوسف اتنصب

ضحك سليم برصانة متكئ على ذراع ولده وهو يصعد الدرجات القليلة نحو الداخل وما أن دخل وانتبه له الصغار حتى تعالت الصيحات الفرحة في استقباله

يهرعون إلي جدهم الكبير وحسام يزود عن والده حتى يجلس على أحد المقاعد المذهبة المنصوبة في البهو ليسترد أنفاسه أولاً

ثم توالى عليه الصغار واحد تلو الآخر يلثم ظهر يد الحاج سليم بحب وإجلال وهو يدعو لهم وعينيه تتشرب ملامحهم الصغيرة بفخر

وكان مسك الختام الصغيرة ميرا ابنة حسام التي تقدمت بحياء نحو جدها واندست في حضنه مباشرة فضمها تحت جناحه بدفء يلثم رأسها مرحبا بها

:- يا مرحب بالسكر المعجود

صدح صوت نسمة وهي تتهادى كالبطة الثقيلة ببطنها المنتفخ نحوهم وبجوارها شمس توضح بمرح نيتها المعقودة على إنجاب المزيد

:- لسه عندينا سكر كتير يا عمى

قالتها وهي ترمق زوجها بعشق وكفها يربت على بطنها المنتفخ فقابلها حسام بحاجب مرفوع ونظره زاجرة محذرة لتلتزم الصمت بينما ضحك الحاج سليم بمرح

:- ربنا يزيد ويبارك يا مرت ابنى

تبادل حسام مع شقيقته السلامات ثم سأل عن زوجها فأجابته وهي تجلس بجوار والدها بعد أن لثمت كفه اشتياقا

:- يوسف في بيت السمرى بيسلم على أخته وهيجى على الغدا

أومئ الحاج سليم برضا وقال بهدوء نبرته

:- زين تكون فرح وزوچها وصلوا كُمان

************

في حديقة منزل السمرى الكبير كانت أمل تجلس بصحبة يوسف الذي استولى على ابنتها الصغيرة يداعبها ويلاعبها وهي تجلس ضاحكة فوق ساقيه، ضحكت أمل ومدت يدها بكوب من العصير الطازج نحو شقيقها

:-  همل جمر واشرب العصير يا يوسف

رفع رأسه نحو شقيقته بضحكة واسعة وهو يتلقى الكوب من يدها بامتنان ويعيده على الطاولة أمامهم مرة أخرى

:- إزاى يعنى أهمل القمر بذات نفسه .. ما شاء الله عليها واخده جمالك وخفة دمك يا أمولة

ضحكت أمل خجلا بخفوت وهي تدارى فمها بكفها وتمتمت من بين ضحكاتها

:- ربنا يچبر بخاطرك يا أخوى .. بجى أنا حلوة إكده

:-  وأحلى كمان ده أنتِ الأصل يا حبيبتى

قالها بمودة وكفه تحتضن كفها بحب في حين صدح صوت عالى ينم عن حنق صاحبه وغيرته الواضحة

:- منور يا ولد البدرى

اتجهت الأنظار نحو فاروق الذي يقترب منهم متجهما وقد سمع تغزل يوسف في زوجته.. اتسعت ابتسامة يوسف أكثر ومال بخبث يلثم خد الصغيرة قمر ويتمسك بيد شقيقته أكثر وهو يجيب تحية فاروق

 :- ده نورك يا أبو القمر الحلو ده

ضيق فاروق عينيه متحديا وقبل أن يجلس كان يرفع ابنته من بين يدى خالها يضمها إليه بتملك ويقبل وجنتها ثم جلس وأجلسها فوق ساقه يوجه حديثه ليوسف بامتعاض

:- وأنت بجى غرجان بين الجمرات .. طب كنت جولى أنك چاى كنت چيت من بدرى استجبلك

راقبت أمل الموقف بتوجس، مازالت تخشى تبدل الحال الهادئ بين زوجها وشقيقها فيفرض عليها البعاد من جديد

مال يوسف بجذعه يقرص بخفه ذقن قمر الرقيقة مداعبا ويستمر في إغاظة والدها الغيور

:- خليك أنت براحتك يا فاروق .. أنا مبسوط بين الحلوين دول

أزاح فاروق يده بحدة يناظر يوسف بجمود وتحدى قائلا من بين أسنانه

:- ما تچيب يا أخى بنت وحل عن حريمى

تعالت قهقهات يوسف المرحة وتلاعب بحاجبيه مغيظا

:- لا .. أنا بحب حريمك وبموت فيهم يا فاروق بيه

زم فاروق شفتيه غيظا وأمل تكتم ضحكها بجوارهما قبل أن تتدخل لتهدأ الأجواء

:- بكفياكم بجى بدل ما تجلب غم .. والله اللى يشوفكم يجول بتكلموا صدج

:- ما هو صدج

قالها الاثنان في نفس الوقت ليتوقفا للحظة يناظران بعضهما البعض ثم تعالت ضحكاتهما وأكفهم تتقابل بمرح والابتسامات تنير الوجوه..

 أراح فاروق ظهره إلى مقعده بعد أن أطلق سراح ابنته لتنزل إلى الأرض وتنطلق إلى حضن والدتها ثم أعاد الترحيب بيوسف

:- منور يا أبو النسب المرة ديه صدج

قالها وهو يتابع زوجته التي تلقت الصغيرة في حضنها بحنان دافئ وفاروق يتساءل بجدية

:- فين ولادك أومال يا يوسف؟

تدخلت أمل تتصنع الغضب الذي لا يليق بها معاتبة شقيقها

:- جال إيه .. چاى من غيرهم وحتى مراته مكلفتش خاطرها تاچى تسلم عليا

برر يوسف معتذرا وهو يضغط على كف شقيقته يعتذر لها ويوعدها

:  معلش يا حبيبتى .. والله لازم تشوفيهم قبل ما نسافر .. هم عند جدهم سليم دلوقتى

لف رأسه نحو فاروق يواصل مبرراته

:- الوقت ضيق أوى المرة دي .. أنت عارف بقى هما يومين ويك أند من المدرسة فمش هلحق أمر على كل الأهل والأحباب هنا

خبط فاروق على كتف يوسف مؤكدا

:- تبجى المرة ديه ما تتحسبش يا يوسف لازمن الولاد ياچوا يشوفوا ولاد عمتهم ويفضل الود واصل بيناتنا

ربت يوسف على ساق فاروق ممتنا

:- أكيد طبعا .. ربنا يديم الود يا جوز أختى .. بالمناسبة فين ياسين وفارس

نظر فاروق نحو زوجته مستفسرا بدوره بما إنه يوم إجازة مدرسية فجاوبت تلقائيا

:- خرچوا يجابلوا أصحابهم وزمانهم چايين إن شاء الله

مر وقت قصير تبادلوا فيه الأحاديث الودية حتى ظهر أولاد فاروق على باب الفيلا يتقدمون بحرج من والديهما وكلا منهما يحاول أن يعدل من مظهره المشعث قليلا

ارتفع حاجب فاروق يرمقهم بغضب وسأل مستفسرا بنبرة حادة

:- إيه اللى حُصل .. عاركة ديه ولا إيه؟

نكس الاثنين رأسيهما وياسين الأكبر سنا يتمتم بخفوت

:- لاه .. ماتش كورة

هدأت أعصاب فاروق قليلا وعيناه تجريان على الملابس المغبرة المتشربة بالعرق .. وبخهما بحدة رغم هدوء صوته

:- مش راح تكبروا واصل .. شنبك خط في وشك يا ياسين ومش راح تكبر واصل

رفع فارس عينيه ومازالت رأسه مطأطأة وقال بخفوت ماكر

:- هو في حد بيكبر على لعب الكورة يا أبوى

رمقه فاروق بصرامة يسكته رغم إعجابه بجرأة الفتى

 أما يوسف فقال بمرح يخفف من حدة الموقف

:- ومين اللى كسب بعد منظركم الرائع ده .. أوعوا تقولى خسرتوا

رفع فارس رأسه يقول بحماس زهوا

:- فريجنا اللى كسب طبعا يا خال

شجعهم يوسف بحماس وهما يتحركان نحوه يرحبان به ويتساءلون عن أبنائه في حين تحركت قمر من بين أحضان والدتها متجهة صوب شقيقها الأكبر تجذب بنطاله وتطالب بصوتها الطفولى :- وأنا هلعب معاكم

ابتسم لها ياسين ومال عليها يرغب في حملها وتقبيل وجنتها المكتنزة لكن والدته أوقفته بجدية

:- لاه هتوسخ خلاجاتها .. همل أختك وأطلعوا نضفوا حالكم من الغبرة اللى أنتوا فيها ديه

نفذ الولدان أمر والدتهما في الحال ويوسف يميل على فاروق ناصحا بخفوت

:- بالراحة على الولاد يا فاروق .. من حقهم يلعبوا براحتهم ده سنهم

زفر فاروق بخفة وأيد حديثه موضحا وجهة نظرة

:- ما جولتش حاچة يا يوسف .. بس الحياة مش كلاتها لعب وواچب يتعلموا الرچولة وتحمل المسئولية من دلوك

دار حوار ودى عائلى بين ثلاثتهم من جديد وقد ذابت الفروق وتوحدت العائلة بعد سنوات من الفرقة والبعاد

 

*************

 

في كافيتريا إحدى الشركات الكبرى كانت بُشرى وزميلتها يقفان جانبا تحمل كلا منهما كوبا فخاريا مزخرفا في يدها ترتشف منه بعضا من مشروبها المفضل الساخن

ابتلعت بشرى محتويات فمها وأردفت حديثها المتأفف

:- متتصوريش كنت مخنوقة هناك إزاى .. أنا مالى بالفلاحين والجو ده .. بس إيه فيلا أعمام نصير .. فيلا!! .. لا ده قصر مش عاوزه أقولك

تجرعت مروة من مشروبها وقالت وهما تشرعان في التحرك بعيدا عن الكافيتريا

:- على كده الميراث هيكون كبير أوى

تنهدت بُشرى تتأمل خيرا

:- يا ريت يا مروه أنا عشمى كله في كده .. ويبقى لكِ الحلاوة  .. المهم نصير يفتح مخه القفل ده ويبحبح إيده شويه

رمقتها زميلتها بنظره جانبية ماكرة تزجرها بغيرة

:-  وهو كان بخيل معاك يعنى .. ده أنتِ إيدك مليانة دهب

شهقت بشرى مستنكرة ورفعت يدها مفتوحة الأصابع في وجه زميلتها هاتفة

:- قل أعوذ برب الفلق .. أنت هتحسدينى ولا إيه!!.

لامست أصابع مروة صدرها تصد عن نفسها هذه التهمة وقالت تمدح بنصير

:- أنا أحسدك يا عبيطة بردوا .. طب إزاى .. أنا بس بفتح عينيك أصلك ظالمة جوزك ده والله والراجل مش مقصر معاك

لوت بشرى شفتها ممتعضة وهتفت بحنق واضح

:-  ظالماه .. ده زهقنى .. بلاش اللبس ده .. متروحيش هنا .. مفيش سواقة عربية .. ممنوع وممنوع لما قرفت يا شيخة

جادلتها مروة والتي ترجع صداقتهما لسنوات عديدة فذكرتها بخبث بوعودها قبل الزواج

:- مش أنت اللى وعدتيه من البداية تتحجبى وتسمعى كلامه وتسعديه

توقفت بُشرى تواجه صديقتها وقالت متأففة

:- كان لازم أوافقه على كل حاجة عشان أتمم الجوازة وقولت هينسى ويفتح مخه بس طلع قفل مسوجر

ارتشفت مروة من كوبها الساخن وناوشتها متهكمة

:- وكان عليك بإيه من الأول

رفعت بُشرى حاجبها المنمق المرسوم باحترافية تؤكد على رجاحة تفكيرها

:- على بإيه إزاى!! .. بذمتك مش كان مُز وقمر طول بعرض بوسامة .. وعربية موديل السنة ولا الشقة اللى يرمح فيها الخيال .. كنت أسيب كل ده يعنى يضيع من أيدى

تنهدت مروة تحسد صديقتها في قرارة نفسها وهي التي لم تتزوج بعد وقالت باندفاع تؤيد بهيام

   :- ولسه مُز (تداركت تعليقها العفوى) على العموم أنت مش خسرانة حاجة

رمقتها بُشرى بمكر أنثوى ولكنها تخطت تعليق مروة المغازل لزوجها وقالت بضجر

:- لا خسرت .. كنت فاكرة إنى هعرف أغيره وامشيه على كيفى لكن معرفتش .. دماغه حجر ولا قعدة الست أمه معانا في البيت

شهقت فجأة متذكرة وأخذت تقلب في هاتفها المحمول عن رقم بعينه مفسرة لصديقتها

:- لازم اعمل أوردر الأكل دلوقتى واخذه وأنا مروحة

رفعت مروة شفتها مستهزئة

:- أكل تانى!! ..

زفرت بٌشرى بتبرم

:- اعمل إيه معنديش وقت أطبخ .. بينى وبينك أمه كانت بتنفع في الموضوع ده

ارتفعت ضحكة مروة الساخرة وأخذت تعدد

:- هو ده وبس .. والأكل والغسيل والتنضيف .. بصراحة كانت الست شايلة عنك البيت كله

قلبت بُشرى عينيها وشفتها العلوية هاتفة بحنق

:- شايلة إيه!! .. في واحدة بتيجى تنضف والغسيل في الغسالة الفول أتوماتيك .. هو الأكل بس اللى كانت بتعمله

مالت عليها صديقتها تلكز كتفها بخبث تسألها بفضول

:- وهو موافق على الأكل من بره كل يوم كده

رفعت بُشرى أصبعها تشير لعقلها الذي يعمل بكفاءة ومكر

:- لا يا عبيطة أنا بشترى أكل جاهز على التسوية واسويه في البيت .. يجى يلاقى الأكل على النار وريحة البيت طبيخ وبياكل وهو ساكت

ضحكت بمرح متفاخرة على خداع زوجها الغافل عن أفعالها بينما تأففت مروة ضجرا من صديقتها التي تجتهد دائما في إظهار ذكائها الخارق فقررت تغير مجرى الحديث

:- صحيح .. أنتِ عرفتى إن أستاذ شريف أترقى ومسك قسم العلاقات العامة

:- بجد!! .. قالتها وهي تدس ذراعها تتأبط ذراع صديقتها وتنثر شعرها فوق أكتافها بدلال مردفه بغمزة عابثة

:- يبقى لازم نهنيه بنفسنا

 

************

  

قُرب المغرب عاد نصير إلى منزله مُرهق الجسد والفكر يجول بناظريه في الشقة الهادئة الأركان وكأنها خالية من البشر

أخذه الحنين إلى والدته التي نادرا ما كان يفارقها خلال سنوات عمره التي شارفت على الثلاثين

تبسم شوقا لأم كانت له كل العائلة ومصدر الحب الأوحد..

كان يجدها وقت عودته في انتظاره بملامحها البشوشة تستقبله بترحاب وتسعى في خدمته كعادتها منذ نعومة أظفاره

وصل أمام غرفة نومه ولكنه لم يدلف وإنما استدار إلى غرفة ابنته، فتحها ودلف بهدوء ظنا منه إنها نائمة ولكنه تفاجأ بوجودها بمفردها جالسة في سكون فوق فراشها وكل تركيزها منصب على شاشة اللوح الإلكتروني بين يديها

نادى باسمها بهدوء وهو يدلف إليها فتهللت أساريرها عند رؤيته وتركت ما بيدها ناهضة فوق الفراش تفتح ذراعيها الصغيرتين له

ضمها إلى صدره يمسح على ظهرها بحنان ويقبل رأسها .. يستقبل منها الحب البرىء المنزه عن أي غرض ثم جلس وأجلسها معه فوق الفراش يسألها برفق

:- قاعدة لوحدك ليه يا حبيبتي وقافلة عليك الأوضه كده

أراحت رأسها الصغير على صدره تقص عليه

:- كنت نايمة ولما صحيت دورت على ماما لقيتها نايمة ولما صحيتها قالتلي العبي جيمز على التاب

عض على نواجذه بغيظ يوجه نظراته نحو باب الغرفة المقابل حيث تنام زوجته ثم عاد يطأطئ رأسه نحو ابنته يمسح على صدرها بحنان ويسألها برفق واهتمام

:- أكلتي يا حبيبتي ولا جعانه؟.

شبكت أناملها الصغيرة تحكى له بعفوية

:- أكلت لما جيت من الحضانة بس جوعت تاني

أومئ متفهما فبالطبع مر وقت طويل منذ عودتها من الحضانة .. احتوى وجهها الصغير بين كفيه يستمد الحنان من بريق عينيها الطفولى

:- هغير هدومي وناكل سوا إيه رأيك؟.

:- أوكيه بابي

لثم جبينها بحب ثم تركها وذهب بخطي سريعة نحو غرفة نومه وفتح الباب بحدة وفي نفس اللحظة امتدت يده إلى زر الإضاءة بعد أن أغلق الباب من جديد خلفه

واتجه مباشرة حيث زوجته الغارقة بالنوم يفيقها بهز كتفها بخفة، فتحت عينيها بتكاسل ثم أغلقتهما من جديد متأففة وهي ترفع يدها تغطي عيناها هاتفة بصوت ناعس

:- النور يا نصير

استدار نحو الخزانة وأصابعه تعمل على فك أزرار قميصه هاتفاً بحدة موبخاً

:- قومي يا هانم شوفي بنتك اللى مكملتش أربع سنين وسيباها لوحدها في أيدها تاب الله وأعلم النت هيطلع قدام عينيها إيه!!.

ألقي بقميصه أرضا بعصبية وهو يلتفت إليها بعيون تشع شرار الغضب

:- وغير كده سيباها جعانه وقاعدة لوحدها في أوضتها .. هي ديه الأمومة يا ست هانم

كانت قد جلست فوق الفراش تراقبه ببرود وأناملها ترتب خصلاتها ببطء واهتمام على عكس نبرتها الهادئة وهي تجيبه

:- في إيه يا نصير هو حصل إيه يعني ..  أنا راجعة من الشغل تعبانة ونمت شويه الدنيا ما اتهدتش يعنى

أنزلت ساقاها أرضًا وتخطته ببطء نحو باب الغرفة وهي تبرطم بحنق حتى يصله صوتها

:- مش كفاية شغل البيت كله على راسي .. تنضيف وطبيخ وكل حاجة

كانت قد خرجت من الغرفة مع نهاية كلماتها التي تجاهل الرد عليها وهو يسيطر على ثورته بإرادة من  حديد فقط من أجل ابنته، حتى لا تشهد خلافات أبويها أمام عينيها في سن براءتها الصغير

تمتم بخفوت يشعر بحنين إلى وجود والدته التي كانت تقوم بكل مهام المنزل دون تذمر أو طلب مساعدة من أحد بل كان يعاتبها على الجهد الكبير التي تبذله وهي في هذا السن ..

وها هو لم يمضى سوي عدة أيام على غيابها الذي ترك أثره عليه وعلى ابنته

أنهى ارتداء ملابسه بعد أن أنعش نفسه بحمام ساخن ثم خرج من الغرفة ينادي على صغيرته التي هرعت إليه وجلس على رأس طاولة الطعام

يتبادل حديث ودي مع ابنته ليطمئن على أحوالها ويؤنس وحدتها بعد أن فقدت رعاية جدتها

وضعت بشري عدة الصحون فوق المائدة قبل أن تجلس بعصبية قائلة بتأفف

:- كان ممكن تقوم تساعدني في نقل الأطباق على الأقل

رماها بنظرة جانبية جامدة ثم حرك عينيه نحو الصحون المصطفة أمامه قبل أن يعود بنظره إليها وقال بنبرة غامضة

:- كنتي طلبتي مني أساعدك يا بُشري .. ما دام مطلبتيش تبقي مش محتاجة مساعدة … مش ده كلامك لما كنت بطلب منك مساعدة أمي .. الست الكبيرة اللي في سن والدتك

التفت نحو ابنته المراقبة لما يحدث بتركيز ومازال طبقها فارغا أمامها وبدأ في الحديث معها بهدوء وهو يملأ طبقها بما تشتهيه

بينما قالت بشري بغيظ وحاجب مرفوع

:- والدتك مش كبيرة للدرجة دي وصحتها كويسة .. والبيت بيتها مش بيتي

رشقها بنصف عين من تحت جفنيه دون أن يلتفت إليها مؤجلا الحديث إلى وقته بعيدا عن طفلتهما ..

وشرع في الأكل ومازال يصب كل اهتمامه بابنته ويتبادل حوار لطيف معها حتى انتهوا من الطعام ونهضت الفتاة الصغيرة لغسل يديها حينها فقط استدار إلى بُشري وقال بخفوت صارم حتى لا يصل صوته إلى الصغيرة

:- من قبل ما نتجوز وأنتِ عارفه وموافقة أننا نعيش مع أمي .. والست كتر خيرها رغم كبر سنها شالتك وشالت بنتك وده من فضل ربنا علينا وإلا كنا عشنا في فوضى وتقصير زي اللي عايشين فيه دلوقتي

كادت أن تدافع عن نفسها ولكنها تفاجأت بوقوفه وهو يميل على أذنها هامسا بما أخرسها واثبت لها إنها غير قادرة على خداعه

:- على فكرة الأكل المرة ديه مش حلو .. يا ريت ترجعي للشيف الأولانية اللي كنتِ بتشترى منها الأكل جاهز كان أحسن من ده

جحظت عيناها وهي تستمع لحديثه وعينيه تتعمقان داخل مقلتيها تكشف خبايا روحها لتدرك أن كل خططها آلت للفشل وذكائها المزعوم وهم لاتخدع به سوى نفسها فقط

 

*************

 

داخل مركز الحرف كان العمل قائما على قدم وساق في فرش وتجهيز مقر الحضانة الجديدة التي ستقوم على إدارتها سلمى السمرى وقد تم تجهيز المكان ودهانه بألوان مبهجة ورسم جدرانه ببعض رسومات الأطفال وجاء وقت فرش المكان تحت إشراف سلمى وسندس

حمل العاملون المقاعد إلى داخل الفصل الواسع وبدءوا برص المقاعد وسلمى تقف بأحد الجوانب تشير بيديها نحوهم وتقوم بتوجيههم

:- المقاعد تتوزع على شكل مربع ناجص ضلع

مالت عليها سندس تتناقش معها بجدية

:- نحطهم مرصوصين چنب بعض أحسن .. هتاخد عدد أكبر من الولاد

هزت رأسها وكل تركيزها على حركة العاملين داخل الفصل وهي تجيب شقيقتها

:- لاه يا سندس .. مش مهم العدد .. المهم الولاد يكونوا شايفين كويس .. كمان إكده الأستاذة اللى هتجف في وسطيهم تجدر تتواصل مع الكل بنفس المجدار

هزت سندس كتفها ببساطة تاركة الدفة لشقيقتها الكبرى

:- أنتِ أدرى يا أستاذة

ابتسمت سلمى بجذل وهي ترى مشروعها الصغير يخرج للنور ولا يحتاج سوى للقليل من الترتيبات ويبدأ العمل به فعليا

العقبة الوحيدة رفض والدها أن تجمع بين الدراسة والعمل خاصة إنها في عامها الأخير ولكنها ستعمل على إقناعه بكل الطرق وتثبت للجميع أن أحمد السمرى لم ينجب سوى رجال .. أو بالأصح أشخاص فاعلون ومؤثرون في مجتمعهم

يجب أن يفخر أحمد السمرى ببناته أمام  الجميع كما لو أنه قد أنجب خمس رجال .. فلا فارق بين الذكر والأنثى، الفارق الأساسي هو الإنسان بأخلاقه وعمله وما قدمت يداه

أنهت عملها بداخل الفصل الدراسي ثم توجهت مع شقيقتها إلى الجزء الملحق بالخارج حيث المساحة المفتوحة المخصصة للألعاب المختلفة وعلى مقربة منهما  كان يقف فاروق السمرى يشرف على العمل من بعد ويطمئن على بنات شقيقه الأكبر

دقائق مرت والجميع مشغول بعمله بينما أيمن يتقدم في اتجاه فاروق الذي يوليه ظهره

تشرق الابتسامة على وجهه وعينيه تطالعان من يهفو لها قلبه ووالدها يبخل عليه بالقبول

وقف في ظهر فاروق وتنحنح بصوت مرتفع قبل أن يُلقى السلام وفاروق يستدير نحوه متفحصا الشاب من رأسه حتى أخمص قدميه بنظرات باردة لا تعبر عن شىء وهو يرد السلام

تحرك أيمن في وقفته بتردد واضح أمام نظرات فاروق الصلبة حتى أن الشاب أصابه الحرج فرفع كفه يمسح بها مؤخرة عنقه ثم تنحنح يبدأ حديثه بخفوت متردد

:- أنا كنت جاى النهارده اعرض خدماتى يا فاروق بيه

أمال فاروق رأسه جانبا مضيقا عينيه بمكر كاشفا لما وراء كلمات أيمن الذي واصل تبريره

:- الحقيقة من زمان نفسى أتطوع في المركز هنا لكن الظروف مكنتش سامحه

رفع فاروق حاجبه يجادله ببرود ماكر وهو يرصد نظرات الشاب المسترقة للفتيات بالخلفية

:- ودلوك سمحت الظروف ولا المركز أحلو!!.

ارتسمت بسمة بلهاء على وجه أيمن ومقلتيه تحيدان جانبا نحو الفتاتين مرددا بشرود

:- طول عمره حلو والله

زجره فاروق بصوت خشن أصدره من حنجرته أصاب الآخر بالقلق وهو يجذب أطراف بلوزته القطنية للأسفل يخرج بها شحنة انفعالاته المختلطة أمام رد فعل فاروق وصوته الصلب الذي تخطى كل المقدمات متسائلا بحسم

:- من الآخر إكده .. غرضك إيه؟

شبك أصابعه أمام جسده مطأطأ الرأس واعترف كتلميذ مذنب أمام ناظر مدرسته

:- أنا طالب القرب يا فاروق بيه

هز فاروق رأسه بلا معنى ينتظر بقية الحديث بصمت وحين لم يجد أيمن رد فرفع رأسه يتأمل ملامح فاروق التي لا تعبر عن شئ فاندفع شارحا موقفه وإظهار نيته الحسنة

:- أنا سبق وروحت لغاية أحمد بيه وطلبت منه بدل المرة اتنين وهو رفض

كتف فاروق كفيه خلف ظهره فاردا أكتافه فظهر أكثر ضخامة وطولا جعلت الآخر يتوجس منه ورغم ذلك استمر في مسعاه بإصرار

:- أنا مستعد استنا لغاية ما الآنسة تخلص دراستها براحتها خالص لكن .. آآآ لكن..

توقفت الكلمات في حلقه فأمال فاروق رأسه قليلاً يتأمله بترقب للقادم فتشجع أيمن وقال بنبرة أكثر خفوتا

:- لكن أنا عاوز .. قلبى يطمن.

شمخ فاروق بذقنه وقد مرت على ملامحه مسحه من التفهم الآن وبدأ في التحرك من مكانه نحو باب المركز الخارجى مُخلفا مبنى الحضانة خلفهم

ألقى أيمن نظرة سريعة صوب الفتيات اللاتي لاحظن وجوده بصحبة عمهن ولكنهن لم يتوقفا كثيرا عند سبب ظهور هذا الشاب حولهما في الآونة الأخيرة بل تشاغلت كلا منهما بما تفعل

أسرع أيمن الخُطى أخيراً خلف فاروق الذي توقف بشكل مفاجئ واستدار يمد نظره بعيداً حيث بنات شقيقه ثم أعاده نحو أيمن وبنبرة هادئة قال بحيادية

:- أنا هعيد طلبك على أحمد بيه أخوي .. وربك يجدم اللى فيه الخير

شعت البهجة على ملامح أيمن وارتد رأسه بأمل للخلف حيث تقف الفتيات ولكن أصابع فاروق الخشنة كانت تعيد رأس أيمن إلى موضعه بشىء من العنف وصوته الجامد يردد بحزم

:- ولحد ما ياچى ردنا عليك .. متشكرين على مچهودك .. المركز مش محتاچ متطوعين دلوك

طقطق أيمن أصابعه المتشابكة حرجاً وقال بتأدب

:- طيب أعدى على حضرتك أمتى عشان أعرف الرد

زفر فاروق متفكرا يرمقه بصرامة قائلا باقتضاب

:- أحنا خابرين مكانك زين يا أستاذ أيمن ووجت من نريدك هتعرف

أومأ أيمن عدة مرات بحرج لا يخلو من السعادة المشبعة بأمل القبول وألقى السلام يكاد يغادر إلا أن سؤال فاروق المتعجب أوقفه

:- إلا ما جولتش .. أنت رايد مين من بنات أخوى؟.

عب أيمن من الهواء يملأ صدره فخرا وكأن مجرد التفكير بها يبعث عليه السعادة والبهجة بينما أجفانه تنخفض وترتفع بخجل ذكورى قبل أن ينظر في وجه فاروق مُفصحا عن اسم حبيبته

 

**************** 

أسبوعان انقضيا منذ آخر مواجهة بينهما والعلاقة متوترة .. متوجسة تسير الهوينى على حد السيف..

 ليس من السهل على أي رجل أن يُظهر ضعفه بهذا الشكل أمام زوجته ولكنها حقيقته

لعنته التي ابتلي بها منذ وقعت عيناه على جمالها البرئ وسكنت خلايا روحه وفؤاده 

وعلى الجانب الآخر كانت هي تخجل من التعامل بنفس التلقائية والأريحية السابقة

كل امرأة تحلم بالرجل القوي الذي يُحيطها بكل أسباب الأمان والحماية، تستمد قوتها وثباتها منه وليس العكس

صحيح أن علاقة الأمان والاحترام يجب أن تكون متبادلة بين الزوجين حتى إن ظهر بها ضعف أي من الجانبين أمام الآخر فلا ضير في حدود معلومة أما ما حدث بينهما كان انهيار جاد وكشف مدى ضعف قوته وخضوع روحه أمام عشقها المهيمن على جنباته

كانت تدفن رأسها أمام شاشة الحاسوب الشخصي، تواصل أبحاثها ودراستها منذ ساعات بلا انقطاع رغم إنه يوم إجازتها

أما جاد فأخذ قدرا من الراحة بعد عودته من عمله ومنذ استيقظ وهو يدور حولها.. يشتاق إليها  للحديث معها، للغوص في حنان عينيها.. لتلمس موجات عاطفتها الهادئة

يعترف بخطئه حين أظهر ضعفه و خضوعه لسلطان عشقها ورغم ذلك يثق بها،

 ستنسى وتتغاضى عن خطئه فعذره الوحيد إنه عاشق حتى النخاع

قضي دقائق قلائل يفكر في سكون عن حل يهدم أسوار الجليد التي ترتفع بينهما يوما بعد آخر حتى تحولا من زوجين سعيدين إلى ثنائي يتشاركان السكن سويا

يكفى صمت وتباعد فقد هدأت العاصفة واستقرت الأمواج وعلى الربان الناجح أن يسير مركبه بسلاسة متخطيا بها شطآن الحياة

داعبت أنفها رائحة قوية منعشة تلاعبت بخلايا عقلها، أسبلت جفنيها استمتاعا بها

فاعتلت ثغره ابتسامة رضا وهو يقترب حاملا كوبين من القهوة بالحليب كما تحب أميرته

فتحت عينيها تطالعه وتبادله الابتسام برقة وهو يداعبها بكلماته الهادئة كطبعه

:- أقدر أغريكى بكوباية قهوة باللبن .. وتسيبى اللى بتعمليه ده شويه

أنهى جملته ويده تمرر الكوب أمام أنفها لتستنشق الرائحة المميزة للقهوة ولم تخذله للحظة بل أجابت بمرح من فورها وهي تغلق شاشة الحاسوب

:- تم الإغراء بنجاح مسيو جادو

اتسعت ابتسامته وواصل طريقه نحو أريكة مريحة جانبية في بهو منزلهما وترك الأكواب فوق طاولة قصيرة أمامها أما ندى فوقفت تتمطى وتفرد ظهرها وذراعيها المرهقتان من طول الجلوس أمام الحاسوب قبل أن تتبعه لتستقر بجواره وهي تلتقط كوبها وترتشف منه بتلذذ

راقبها بتمعن هائم هامسا بوله

:- وحشتينى أوى يا قطر الندى

منحته نظرة حانية، مازال ما حدث يدور بخلدها إلا إنه الشاطر جاد الذي اختطف قلبها وتخطت من أجله أسوار تقاليد بالية

اتسعت بسمتها وكفها يمتد ليتشابك مع كفه الذي قابلها في منتصف الطريق بلهفة وصوتها الهامس يردد

 :- وأنت كمان وحشتينى يا جادو .. اعذرنى ضغط الشغل والدراسة كان كتير أوى الفترة اللى فاتت

رفع كفها إلى فمه يلثمه بدفء مرددا برجاء

:- ربنا يقويكى أنا مش معترض .. بس بلاش البعاد مهما كانت مشاغلنا ومهما حصل بينا

ارتشفت رشفة كبيرة تحتاجها من كوبها الساخن قبل أن ترمقه مشاكسة

:- ما أنت كمان مشغول يا سي جادو .. ولا نسيت سفرك للقاهرة

ضحك بمرح وأصابعه تضغط على كفها القابع بيده وبرر قائلا

:- ما أنتِ عارفة كويس كان لازم أنزل أشوف حالى وشغلى هناك مع عم إبراهيم كان بقالي فترة ماسفرتش

في الواقع هو استغل هذه السفرية ليبتعد قليلا بعد مواجهتهم الحامية لتهدئة الأمور

أومأت متفهمة وهي تكمل محتويات كوبها في حين مال هو يرتشف قليل من كوبه وفجأة تذكر أمراً فقال بحماس

:- نسيت أقولك .. مش قطر الندى خلفت

قطبت حاجبيها لبرهة مفكرة ثم فتحت ثغرها متذكرة فأجابته بمرح

:- ديه القطة اللى حكتلى عليها قبل كده

أومأ مؤكدا وأعاد الكوب مرة أخرى فوق الطاولة واحتوى كفها بين راحتيه يواصل حديثه

:- أيوه .. خلفت أربعة ثلاثة شبهها وواحد لونه غامق وكئيب كده يظهر طالع شبه أبوه

قهقهت مرحا على حديثه إلا أن الضحك توقف بحلقها وهو يهمس مع ضغط كفيه حول راحتها برفق

:- عقبالنا إحنا كمان

بللت شفتيها ووضعت كوبها الفارغ فوق الطاولة وفي نفس الوقت كانت تسحب كفها ببطء من بين راحتيه ثم عادت تنظر نحوه تقول بحذر وهدوء

:- أحنا متفقين في الموضوع ده يا جاد .. وأديك شايف بين الشغل والدراسة مفيش وقت خالص .. أنا حتى بعترف إنى بقصر في حق البيت أوقات كتير يبقى إزاى عاوزين أتحمل مسئولية حمل وولادة .. لازم نفكر بعقلنا

تنهد مشيحا بوجه جانبا، كان يتمنى أن تشتد علاقتهما وتقوى بطفل يجمع بينهما ولكنه أعطى وعده من قبل ولا يملك التراجع فيه، لذا عاد يطالعها بسماحة وقال بجدية

:- عارف كويس .. وأنا عند وعدى لكن بعبر عن أمنيتى

أومأت بصمت وعينيها تحيدان بعيدا عن مقلتيه المحدقة بها برجاء مخفى فحطت فوق بعض الكتب المتروكة على طاولة جانبية

سحبت إحداها تقرأ عنوانه وتُطلق سؤالها الذي غير اتجاه الحديث تماما

:- إيه ده يا جاد .. ليه بتقرأ عن تربية النحل؟. 

هز كتفه ببساطة يجاريها في الحديث
:- ده مشروع جديد بفكر فيه .. عسل نحل الندى

قالها وهو يشير بيده في الهواء وكأنه يمررها فوق لافتة مضيئة .. ضحكت من جديد وقالت تشاغبه

:- برضو الندى .. زى ما كنت عاوز تسمى مزرعة الدواجن الندى .. بقى أخرتها تحط اسمى على فرخة مدبوحة يا جاد

تعالت ضحكاتهما سويا في مرح وحين هدأت أنفاسهما همس هائما

:- وأنا عندى أغلى من ندى واسم ندى

طالعته بحب هذا الرجل يجبرها على محبته بقلبه الأبيض النابض بعشقها مالت عليه تقبل وجنته بدفء عاجزة عن التعبير بالكلمات

ثم قالت بجدية مشجعة

:- أنا شريكتك في المشروع ده على فكرة .. بس بشرط أوعى تطالبني أعالج النحل ماليش فيه

ضحك بمرح وأجابها بجدية وهو يلتقط كفها يخبط عليه برفق

:- اطمنى يا دكتورة علاج النحل عليا أنا .. وبعدين أنتِ شريكتى في كل حاجة من غير ما تطلبى

فهمت رفضه للاستعانة بأموالها في أي شيء فقالت معاتبة

:- جاد أنت فاهم قصدى .. أنا هدخل معاك شريكة أنا عارفة ظروفك المادية كويس

أطرق برأسه أرضاً للحظات حرجا ثم قال بجدية

:- شايلك لوقت عوزه يا قطر الندى .. أنا لسه بدرس الموضوع لأنى درست شويه عنه في المعهد وإن شاء الله هبدأ على قدى في الأول ولو أخدت شريك هيبقى الباشمهندس جلال لأنه درس هو كمان في الكلية عن النحل وكمان لو هنصب المناحل هتبقى في جنينة الفاكهة بتاعه البدرى .. يعنى أنتِ شريكة في كل الأحوال

تنهدت بقوة مستسلمة،تعلم رأسه اليابس وكرامته الأبية في هذا الأمر فلم تملك غير تشجيعه والدعاء له بالنجاح

:- أنت طموح أوى وربنا هيوفقك إن شاء الله .. لكل مجتهد نصيب 

قالتها وهي تضمه إليها بحب وهو لم يتردد بل أسرع يضمها إليه لينهل من دفئها وحنانها عوضا عن أيام البعاد

**************** 

في منزل السمرى الكبير تجمع كل أفراد الأسرة كعادتهم الأسبوعية وكالعادة تنقسم الجلسة إلى نساء ورجال وأطفال حيث ترتفع أصوات الصخب والمرح منهم تهب المنزل حياة وروح تُسعد قلب الجدين الكبيرين

داخل جنبات المطبخ الكبير كان مقر النساء تحت إشراف الجدة فهيمة والتي تجد فرصتها الذهبية للتسلط وإلقاء الأوامر على زوجات أبنائها، أمل وشموع التي أصبحت قادرة على دلوف منزل السمرى الكبير بعد أن انجبت الولد لزوجها وحصلت على رضا حماتها وكذلك تواجدت حفيداتها سلمى وسندس للمساعدة

أما في الحديقة الخارجية فكانت جلسة الرجال في انتظار وجبة الغداء بعد أن انتهوا من صلاة الجمعة ومن حولهم كان الأحفاد الصغار يمارسون لعبهم الصاخب في كل مكان

رفع فاروق عقيرته ناهرا ولده الكبير ومشددا عليه بحزم

:- ياسين .. عينك على الصغار أوعى حد منيهم يتصاب بأذى وخصوصا أختك

:- متخافش يا أبوى

ألقى أحمد نظرة سريعة على الصغار الراكضين خلف بعضهم البعض وابتسم بخفة لمرأى سعادة الأطفال ثم قال يهدأ من قلق شقيقه على غاليته الصغيرة

:- ماتخافش يا أبو جمر وهملها تلعب براحتها .. ديه ما بتصدج تلاجى ولاد من سنها تلعب أمعاهم

قالها مشيرا إلى صغيريه اللذان يلعبان مع ابنة عمهما بانطلاق قال فاروق وعينيه تحرص ابنته

:- يلعبوا براحتهم لكن الكبار واچب يراعوهم .. خلاص كبروا على اللعب

حرك عدلى رأسه بنزق وتدخل زاجرا فاروق

:- همل العيال يا فاروج لساتهم صغار

عاد فاروق يجلس بمكانه بجوار أبيه ووضح بنزق وكفه يشير إلى أولاده الكبار

:- كيف صغار يعنى يا أبوى .. ياسين بجى في الإعدادية وشنبه خط في وشه هيفضل يلعب لحد ميتا يعنى .. وأحنا في سنه كنا بننزل نعزق ونزرع في الأرض

تبسم عدلى بخفة والذكرى تمر على مخيلته لسنوات بعيدة وهو ينشأ أبناؤه على الرجولة وتحمل المسئولية .. وقال برزانة

:- هملهم يعيشوا يا ولدى .. الزمن بجى غير الزمن

ابتسم أحمد وقال مهادنا وهو يتابع لعب الأطفال

:- الواد بيلاعب خواته ولا بيلعب كرة .. مغلطش يعنى يا فاروج

زفر فاروج بعمق وأشاح بوجهه بعيدا عن الأطفال مزمجرا بخفوت

:- دول رچال وواچب يتعلموا تحمل المسئولية خلاص

شاكسه أحمد :- خلاص عملتهم رچالة

رمق فاروق شقيقه الأكبر بخبث ورد له المشاكسة

:- أيوه رچالة .. كيف ما بناتك ساروا عرايس ما شاء الله

رمقه أحمد بصمت مترقب بقية الحديث ولم يخذله فاروق الذي أشاح بيديه في الهواء وضمهما سويا قبل أن يصرح

:- بصراحة بجى البنات كبروا والخطاب واجفين على الباب .. مالوش لازمه التأچيل يا ولد أبوى .. ولا إيه يا عدلى بيه

مال على والده يجذبه للحديث ولم يتوانى عدلى في التصريح بحماس

:- يوم المُنى يا ولدى أحضر فرحهم وأشوف حفيداتى عرايس

أومأ أحمد وقد فهم ما يرمى له فاروق فسأل مباشرة

 :- والكلام على مين المرة دى يا فاروج

:- أيمن .. الراچل چه لحد عندى وجال إنه كلمك أكتر من مرة ولسه ما أخدش منك چواب

ضيق عدلى عينيه يحاول تذكر هذه الشخصية قبل أن يتساءل باهتمام

:- مين أيمن!! .. ولد مين في البلد؟.

وضح فاروق تاركا شقيقه يرتب أفكاره

:- ولد الحاچ عبدالحميد مدير عام المكتب الزراعى

أومأ عدلى رأسه وقد تذكر والد الشاب الذي حضر إلى بلدتهم مع زوجته منذ سنوات عديدة ليستلم عمله في المكتب الزراعى وقال باستحسان

:- ناس محترمة ومأصلة وبجالهم زمن عايشين وسطينا في حالهم

أراح أحمد ظهره إلى مسند مقعده وقال يوضح وجهه نظرة

:- أنا مش معترض على الشخص نفسه .. أنا غرضى البنات ينهوا علامهم بدون ما حاچة تشغلهم أو تعطلهم

اقتحم الجلسة صوت فهيمة التي تخطت ولديها حتى جلست على الأريكة بجوار زوجها قائلة بتأكيد

:- البنات مصيرها للچواز ولو بعد ألف شهادة .. يبجى إيه لازمته التأخير .. مالوش عازة نشفان الراس ديه يا أحمد خلينا نفرح بالبنات .. ده أنت اتچوزت أمهم وهي عنديها تمنتاشر سنة

مسح أحمد على جبهته ببطء مهمهما بخفوت :- الله يرحمها

زفر بقوة يناظر والديه وشقيقه بالتبادل وقال بهدوء مفكرا

:- والله بدأت أفكر في الموضوع ديه .. خصوصى إن أسامة ولد خالتهم كلمنى في موضوع الچواز

شهقت فهيمة فرحة وتقدمت بجذعها للأمام بحماس وهي تحرك كفاها لتشاركها صلصلة أساورها سعادتها

:- يبجى أسامة أولى بها .. ومن زمن وأحنا بنجول أسامة لسلمى وسلمى لأسامة

أنزلت كفيها تضرب على فخذيها غبطة بابتسامة منشرحة والرجال يتبادلون النظرات الصامتة ..

تفهم عدلى أن القرار خاص بولده الأكبر فقط ولا يجب التأثير على قراراته لذلك مال على فهيمة يمسك بساعدها قائلا بلين

:- بجول إيه يا فهيمة ما تعمليلى طبج كشك من يدك الحلوة ديه

خبطت على صدرها متعجبة ولفت بجذعها تطالعه وتقول بنبرة مراعية

:- كشك!! .. تجيل عليك يا عدلى يتعب معدتك

غمغم بخفوت وملامحه تستعطفها

:- نفسى راحتله يا فهيمة .. وما تخافيش مش هاكل منيه كتير

تمسكت بكفه تضغط عليها بقوة حانية وكلماتها تداعبه

:- عنيا يا أبو الرچال وهعمله بيدى كمان أنت تؤمر يا سيد البلد

نهضت من فورها تتحرك بهمة نحو المطبخ ولم تنسى أن تلقى ما بجعبتها في أذن أحمد وهي تتوكأ على كتفه بكفها

:- أسامة أولى بالبنية .. وهملنا نفرح بولاد ولادنا بجى يا أحمد

تابعت ابتعادها لتنفيذ أوامر عدلى وأحمد وفاروق يتبادلان النظرات المتفهمة وقد أدركوا أن والدهما كان يُبعدها عن الجلسة إلا أن أحمد قال محذرا والده

:- أمى عنديها حج .. الكشك تجيل عليك يا حاچ

حرك عدلى كفه في الهواء يفسر لأولاده

:- كنت عاوزنى اعمل إيه!! .. أمك لو جعدت أكتر من إكده كان زمانها بتسمى أولاد أحفادها اللى لسه ماچوش للدنيا

ضحكوا سويا بمرح وقد قربت السنون بين الأب وأبنائه فأصبحوا صحبة أقرب للأصدقاء .. عاود فاروق للسؤال

:- هتفكر يا أحمد في موضوع چواز البنات

أومأ مفكرا في كل كلمة يطلقها

:- إن شاء الله .. خصوصا إن خلاص كام شهر وإچازة نص السنة تبدأ يعنى هانت على التخرچ

 

**********

نهض جارحى من خلف مقعده الصغير في ركن القهوة يستعد للرحيل وهو ينادى على رجب العامل بالقهوة

:- أنا همشى يا رچب وأنت أبجى جفل بدرى وروح .. الليلة فرح عيلة إدريس وكل البلد هتبجى أهناك

اقترب رجب من معلمه حاملا صينية صغيرة تحتوى على عدة أكواب

:- تمام يا معلم .. وأنت هتروح الفرح بالمشيئة

رفع جارحى حاجبيه متعجبا من السؤال فهذا واجب عليه أن يقضيه

:- طبعا واچب نروح ونچامل الراچل في فرح ولده .. أنا هطلع على أهناك طوالى

رفع رجب كفه بالتحية يمدح رب عمله

:- أبو الواچب يا سيد المعلمين

قالها رجب وعاد لخدمة القلائل الجالسين على القهوة بينما تحرك جارحى مغادرا بعد أن ألقى السلام بصوت جهورى على الجميع

أخترق طرقات القرية على قدميه وعقله مشغول بولديه، الكبير الغائب منذ أكثر من شهر يقضى فترة تجنيده الأولى بالجيش والأصغر الذي يرغب في الانشغال بالفن على حساب دراسته

تنبه من شروده على صوت الغناء الصادح من الصوان الكبير الذي يشغل جزء كبير من الشارع الذي يقع به عائلة العريس وكلما أقترب وضح صوت المطرب أكثر من خلال الميكرفون

أنت بس وأونلى يو .. اللي جوه عينيك باتوه

ياللي ١٢ منك أنت يعملوا دستة جاتوه

أنت بس و كله يركن .. تملا مالحنية جركن

مين اللي عارف بس يمكن قلبي بعد ما تاه لاقوه

ضيق عينيه يحاول فهم هذه الكلمات الغريبة على الغناء الذي يعشقه بكلماته الرنانة وموسيقاه الشرقية لزمن الفن الجميل

دلف الصوان يمد نظره نحو الخشبة المسرحية الذي يقف عليها المطرب ولا يكاد يظهر من الأشخاص المحيطين به يتراقصون و يتقافزون كأنهم في صالة ألعاب رياضية

لم يهتم بكل هذا الهرج فهو لا يستسيغ هذه النوعية من الغناء التي غزت الشوارع بموسيقى صاخبة وكلمات ركيكة

توجه إلى والد العريس يهنيه ويرحب بالجميع ثم تحرك حيث مكان العريس الذي يتوسط الشباب ويلوح بيديه في الهواء مثلهم في رقصة شعبية

هنهد الدنيا رقص .. لأ فك مش كدة

دي الفرحة جاية جاية وعليا مأكدة

البيت هيبقي قصر وفي أحلي مكان في مصر

شاي بالنعناع العصر يجيلك وأنتي ممددة

 

استهجن الكلمات مرة أخرى كما استهجن هذا التنطيط الذي يمارسه الشباب ويسمونه رقص ولكنها سمة العصر وعمر الشباب الراكض خلف أى بدعة جديدة

مال والد العريس على أذن جارحى ليصل صوته إليه وسط هذا الضجيج مادحا وشاكرا له

:- ربنا يبارك لك في سليم يا چارحى .. والله عمل لليلة حس وصيت

قطب جارحى حاجبيه غير مستوعب لكلمات الرجل ونظر حيث ينظر والد العريس يدقق النظر في المطرب الشعبى الذي يرقص بجوار العريس وبيده الميكروفون

انت وبس خلاص Enough

.. والجميع يترصوا صف

والحلاوة جنبك أنت تتركن علي أي رف

أنت تتصنف مربي  في الجمال الكفة طابة

اجري ابوس ايد اللي ربي واللي خلي وجعي خف

 

جحظت عيناه وهو يتبين هيئة سليم وهو يصدح بالغناء، يتمايل بجذعه راقصا غافلا عن مقلتي والده اللتين تضويان شذرا

انتهت الأغنية ليعلو التصفيق والتصفير تحية لسليم الذي أشار بيده يحيى الجميع ثم احتضن العريس مُهنئا وحين ابتعد عنه ارتطمت مقلتاه بهيئة والده فتجمد مكانه

في حين أشار والد العريس لولده ليتقدم ويتلقى التحية من جارحى في حين ترك سليم الميكروفون وتقدم نحو والده فاستمع إلى العريس وهو يشكر جارحى ويشكر سليم على أدائه

ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد أصر عدد من الشباب أن يعاود سليم الغناء فحاول الاعتذار تأدبا في حضرة والده الذي يرفض غناءه في أى مكان خشية على مستقبله كما يظن ولكنه خضع أخيرا لإصرارهم فعاد للغناء بأغنية أقل صخبا

 

********** 

 

لم يتحمل جارحى المكوث طويلا فأدى واجب التهنئة وجلس لبعض الوقت قبل أن ينسحب وبداخله بركان يغلى بعد أن رأى صورته القديمة وهو يغنى في المولد وزوجته ترقص حوله متمثلة في ابنه الصغير الذي كان يأمل له أن يحصل على شهادة جامعية كشقيقه ويتوظف بعمل مرموق ولكنه رأى بأم عينه كل أحلامه وهي تنهار أمام عينيه

دلف إلى منزله بصمت وارتمى بجسده على أقرب أريكة شارد الذهن حتى أن زوجته ووالدته لم يشعرا بقدومه وهما تتابعان أحد المسلسلات التلفزيونية بانتباه

مرت دقائق دون أن يتحرك من مكانه ولكن صبحيه انتبهت لوجوده فنهضت نحوه بلوعة على حالته العجيبة التي يبدو عليها ومالت عليه تسائله بلهفة

:- مالك يا چارحي .. فيك إيه طمن جلبى يا خوى

رفع مقلتيه إليها بشرود وزفر بعمق وهو ينهض يتعمق أكثر داخل البهو وزوج من العيون تتابعه بانتباه حتى جلس بجوار والدته التي أغلقت التلفاز وانتبهت إليه تعيد سؤال زوجته عليه بتخوف يتقافز داخل صدرها على حفيدها الغائب في صفوف الجيش

:-  خبر إيه يا چارحي.. مالك يا ولدي .. سليمان بخير؟.

مد كفه يربت على ساعد والدته يطمئنها بخفوت حزين

:- سليمان بخير يا أماه ما تخفيش

قالت بضيق متذمرة

:- غيبته طالت جوي يا ولدي

جاوبها بصوت متحشرج وجمود يظهر داخل عينيه

:- لسه جدامه سبوع ويخلص معسكر التدريب وينزل إچازة إن شاء الله

لم تهدأ نبضات صبحية المتوجسة خيفة من حالة زوجها ورفيق دربها التي لا تبشر بخير .. فتقدمت نحوه تضم كتفيه متسائلة

:- إيه اللي مضايجك يا چارحي .. فضفض يا أخوي وطمن جلبي عليك

:- السلام عليكم

قالها سليم متوجسا وهو يدلف من باب الشقة وعينيه مسلطة على والده الذي رمقه بنظرة نارية وقال بغضب شديد مستهزئ

:- يا مرحب بمطرب الأفراح والليالي الملاح … يا تري لميت النجطة ولا لاه

نهض بغضب من مكانه والسيدتان حوله لا تفهمان ما يدور بين الأب وابنه

بينما تقدم جارحى بغضب وجعر بصوته الثائر في وجه ابنه الأصغر مطأطأ الرأس لائماً

:- عجبال ما أشوفك بتغني ورا الرجصات كيف أبوك

شهقت صبحية وكتمت فمها بكفها جزعا وحرجا وقد بدأت تفهم ما يحدث وجارحي يواصل شن ثورته على سليم

:- عشت عمرى كلاته بلف الموالد واتمرمط من بلد لبلد … أضرب المدفع وألعب النيشان .. وفتح عينيك تاكل ملبن

اقترب من زوجته جاذبا إياها بعنف لم يقصده لتقف أمامه ووضع كفيه فوق كتفيها يثبتها مكانها صارخا في سليم مستطردا حديثه

:- أغني ورا مرتي .. الغازية .. اللي بترجص وتمتع عيون الناس وأنا بتجطع من چوايا .. بترجص على حساب كرامتي وكرامتها وهي مضطرة تشتغل لاچل لجمة العيش

طفرت الدموع من عين صبحية دون صوت فزوجها لا ينقصه آلمها المتفجر من جراء كلماته الجارحة

فتح جارحى ذراعيه في الهواء يردف وهو يعيد ضمهم إلى جسده مردفا بصوت يائس مغموس بالألم

:- جطعنا من لحمنا ودوسنا على كرامتنا وحرمنا نفسنا لاچل ما أبعدك أنت وأخوك عن المولد وبلاويه ..

 لاچل ما تطلعوا بهوات متعلمين أصحاب شهادات … لاچل ما تطلعوا أحسن منينا ميت مرة .. وأخرتها أشوفك بعيني بتغني وترجص بعد ماهملت دراستك وسجط في الچامعة

تخطى صبحية ليقف في وجه ابنه يغرز أصابعه في ذراع ولده يهز جسده بعنف مستطردا بوجع وهو يضرب فوق قلبه

:- عشت وشوفتك ماشي نفس سكة الوجع والذل اللي إني عشت فيه وضيعت عمري ببعدك أنت وأخوك عنيه

رفع كفيه في الهواء عاجزا عن التعبير ثم أخفضهم على رأسه مرددا

:- عليه العوض ومنه العوض..

عليه العوض ومنه العوض..

استدار جارحى مغادرا إلى غرفته بأكتاف متهدلة في حين اندفع الشاب يحنى قامته أمام والده ..

يختطف كفه ويلثم ظاهرها معتذرا بدمع يتلألأ في عينيه ونبرة صوته الكسيرة

:- لا عشت ولا كونت يوم ما أخرچ عن طوعك ولا أهد حلمك .. والله ليحصل كل اللى بتتمناه يا سيد المعلمين

دار حول جسد والده ووقف مواجها له يحاول شرح موقفه

:- أنا كنت رايح معزوم على الفرح .. العريس صاحبى وطلب إنى أجامله بالغنا وأنا مردتش أرده زعلان في ليلة كيف ديه

وضع كفه المفرود فوق صدره يقطع وعدا أمام نظرات والده

:- والله لأنچح وأخد الشهادة كيف ما أنت رايد يا أبوى .. بس سايق عليك حبيبك المصطفى الغنا ده حياتى وهوايتى والدنيا اتغيرت .. دلوقتى الفنانين والمغنيين أغنى ناس في البلد والكل بيحبهم وبيحترمهم

حاوره جارحى بتعقل يجاريه في الحديث رغم الضيق الذي يجثم على صدره

:- صُح ... لكن كام واحد بيغنى .. وكام واحد جدر يوصل للشهرة والغنى اللى بتجول عليهم

احتوى ذراعى والده بين كفيه يتعمق في عينيه بثقة ..

ثقة الأحلام والأمنيات التي وضعها لنفسه ويسعى جاهدا لتحقيقها

فمن حقه رسم مستقبله واختيار دربه في الحياة لذلك هتف بقوة حلمه وعزمه

:- هوصل .. وحياتك يا أبوى لأوصل .. أنا وارث الموهبة منيك وكبرت على الطرب الأصيل .. اعطينى الفرصة أحقق حلمى أنا كمان

أشاح جارحى بذراعيه في الهواء نافضا أكف ولده  قائلا بنزق وقد نفذ صبره وتمكن منه القنوط ولم يعد لديه قدره على الاستماع أو المجادلة

:- أنت حر في حالك .. أنا أحرج دمى تانى ليه .. بدك تچرى ورا العوالم روح وبلاها دراسة وبلاها شهادة

كاد سليم أن يتحدث من جديد ولكن جارحى لم يمهله بل دلف إلى غرفته سريعا وأغلق الباب بعنف خلفه

تجولت نظرات سليم المستغيثة على جدته القابضة على مقدمة ثوبها بلوعة على ابنها الوحيد أما صبحية فأسرعت الخطى خلف زوجها وهي تكفكف دمعها فأوقفها سليم متوسلا بتضرع

:- لاچل خاطرى حاولى تتكلمي وياه ... والله أنتوا التنين على راسى ومش ناكر چميلكم واصل وربنا يجدرنى وأرد چزء من تعبكم معانا ..

أنتِ غالية علينا يا خالة صبحية ده أنتِ الأم اللى عشتى معانا

ربتت على كتف سليم مرددة بصوت متحشرج من البكاء حزنا على حال زوجها

:- أحنا مش رايدين شى يا سليم .. وكل غرض أبوك إنه يشوفكم أحسن الناس

فرد كفه فوق صدره يهز رأسه مؤكدا على نبرته الراجية

:- إن شاء الله .. ربنا يجدرنى وأحقق كل اللى بيتمناه .. بس خليه يرضى عنى أبوس أيدك يا خالة

وقرن رجائه بالفعل وهو يلثم ظاهر كفها عدة مرات .. ناظرته ببسمة حزينة وهي أعلم بزوجها الذي يقدس أولاده وربتت على كتفه مطمئنة ثم تركته لتتبع زوجها وتواسيه في حزنه وتهدأ من غضبه

التفت سليم نحو جدته التي تتابع بصمت وتحرك بخزي حتى جلس جوارها منكس الرأس ولكن كفها المتغضن الذي تسلل ليتمسك بكفه دفعه ليرفع رأسه إليها ويتابع ما تفعله وهي تعاود  ممارسة عملها السابق في قراءة الكف والتي تلجأ إليه دائما لتخفف بكلماتها المواسية عن وطأة حزن من حولها

دققت في خطوط باطن كفه العريض تتمتم بكلمات مطمئنة تبث في نفسه الهدوء والسكينة

:- طريجك مفتوح وكله فتوح والنچاح مصيرك طول ما الصبر رفيجك ... ورضا الأب من رضا الرب

رفع مقلتيه الحزينتين في وجهها بيأس بعد أن أغضب والده بأفعاله وهي تردف بهدوء وحكمة

:- والأب راضى بجليلة وغرضه فرحة ونصره بعلام وليده .. ومسير الطير يكبر ويغادر العش ويرفرف بچناحه كيف ما بداله

مال سليم برأسه على كتف جدته يحتضنها بحب ويخفى بها ترقرق الدمع بعينيه وهي تمسح على ظهره مهدهده

:- سيبها على الله وأبوك مالوش غيركم سند يصلب ضهره

 

************

في مزرعة السمرية تواجد أحمد السمري كعادته يتابع أعماله من هناك يقوم بمقابلات العمل الخاصة أو العامة لحل مشاكل أبناء القرية

وفي هذا الصباح كان ملئ بالعديد من الأشغال والمقابلات وأخيرا جلس ليستريح في هدوء، يتناول قدحا من القهوة في سكون الطبيعة ونسائم الهواء العليل من داخل مجلس الرجال يتابع خيوله التي ترتع في حلبة التدريب ركضا بحرية

إلا أن الأمر لم يستمر طويلا بعد أن اقتحم هدوء جلسته الدكتور أسامة مُلقيا السلام بحماس وابتسامة واسعة

ابتلع أحمد رشفة من القهوة ورحب بالقادم

:-  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا مرحب بالدكتور

جلس أسامة مقابل أحمد بنفس الابتسامة الواسعة يردد بألفة اعتادها مع زوج خالته

:- مرحب بحضرتك يا عمي .. أنا لسه راجع البلد حالا وقلت أعدي أسلم على حضرتك

أومأ أحمد بوقار متأملا ملامح الشاب المتهللة بعدما هاتفه أحمد بالأمس يطلب مقابلته وقد استنتج الشاب أن الأمر يخص طلبه السابق للارتباط بإحدى ابنتيه

ودون أي إبطاء بدأ أسامة في توضيح ما وصل إليه أخيرا في مستقبله العملي

:- لامؤاخذة يا عمي كان ودي أجي لحضرتك أول ما كلمتني لكن كنت في المحافظة بقوم ببعض الترتيبات مع الجامعة … الحمدلله انضميت لسلك التدريس هناك وهبدأ إن شاء الله في البحث عن شقة مناسبة تكون قريبة من الجامعة

قطب أحمد حاجبيه مفكرا… فها هي بشائر التيسير تهل على الشاب وتبارك خطواته ويبدو أن عليه تقبل فكرة ابتعاد إحدى ابنتيه عنه

يشعر إنه لم يشبع بعد من وجود بناته داخل محيطه فكيف يتركهن ويسمح لهن بالابتعاد حتى ولو مع زوج يثق به..

ولكنها سنة الحياة وشرع الله الذي حلله لعباده وعليهن أن يبدأن طريقهن مع أزواج صالحين

أثناء شرود أحمد في خضم دوامة مشاعره وأفكاره وهذه المستجدات في مستقبل هذا العريس المنتظر كان أسامة يقول بخجل رجولي

:- أتمنى تكون حضرتك فكرت في طلبي؟.

تنهد أحمد بعمق يعود لأرض الواقع متفحصًا ملامح الشاب، يتوغل داخل عينيه المستبشرة خيرا من هذه المكالمة الهاتفية السابقة بينهما

رسم ابتسامة متكلفة وهو يقول بصوته الرخيم يطمئن الشاب

:- أنت خابر غلاوتك عندي يا أسامة.. وكيف ما جولتلك شرطي الوحيد البنت تنهي دراستها وديه طبعا بعد ما نُحصل على موافجتها

شبك أسامة أصابعه بحرج يخفض نظراته ويرفعها بين الثانية والأخرى متسائلا

:- وحضرتك فاتحتها في الموضوع يا عمي

زم أحمد شفتيه يترصد كل انفعالات أسامة وأجاب بجدية

:- لاه لسه .. كان لازمن نفهم وضعك الأول يا دكتور.. هتشنغل فين ووين راح تعيشوا ديه حياتها ولها حج الاختيار والصورة لازمن تبجي واضحة جصادها لاچل ما تفكر زين

أومأ موافقا بتفهم

:- عند حضرتك حق يا عمي

تنحنح بخفة يتململ في مكانه وأردف مفسرا بارتباك

:- أحب أوضح أن سبب آآ.. سبب سوء التفاهم السابق من كام سنة.. قصدي.. أنا عمري ما كنت أقصد رفض الزواج بأي واحدة من بنات خالتي كل الحكاية إني كنت مرتب أولوياتي .. والدراسة كانت في المركز الأول ومكنش ينفع أظلم بنات الناس معايا فما بال حضرتك بقي ببنت أحمد بيه السمري

أخفض أحمد جفنيه ببطء متفهما وهو يتذكر لجوء أسامة له منذ عدة سنوات رافضا الزواج الذي تدفعه والدته وجدته له وبالطبع العروس المرشحة هي سلمي ابنة خالته

حينها أحمد السمرى هو من وقف بجواره لتخطي هذا الأمر وأنهي أمر الزواج قبل أن يبدأ دون أن يسبب حرج لابنته

حيث لم يكن يقبل يوما بزواج ابنته بتلك الطريقة كما لن يقبل زواج أيا من بناته دون الحصول على القدر الكافي من التعليم

تبادل أحمد مع أسامة حديث هادئ دون التطرق لسبب المقابلة لبضع دقائق وصل بعدها أيمن بنشاط وتلهف مادا كفه بحماس يصافح أحمد بترحاب كبير قبل أن يجلس بعد أن ألقي تحية سريعة على أسامة الذي لا يعرفه من الأساس ثم قال باندفاع وحماس

:- أنا أول ما فاروق بيه كلمني وبلغني أن حضرتك قبلت مقابلتي وأنا قلبي انشرح والله ومتفائل جدا جدا يا فندم

تمتم أحمد بخفوت كما لو كان يستخير ربه بقلبه

:- ربنا يجدم اللي فيه الخير

حرك أسامة وجهه يتفحص أيمن الذي يجلس بالقرب منه بقلق وعدم فهم ثم عاد بنظره نحو أحمد يتسائل بتردد

:- هو الأستاذ مين بالظبط يا عمي؟.

أشار أحمد بطرف يده نحو أيمن وعرفه عليه ببساطة

:- ديه الأستاذ أيمن كان طالب النسب منينا

خبط أيمن على صدره عدة مرات يردد بفخر

:- ده شرف كبير أوي ليا يا أحمد بيه

:- طلب نسب!!.

رددها أسامة بامتعاض وقال بتعالي غير مقصود حرصا منه على من يرغب في الاقتران بها

:- من مين بقي؟.

عقد أيمن حاجبيه متعجبا وبدأ  يرمق أسامة باستنكار مرددا باقتضاب

:- وأنت يخصك إيه!! .. أنا كلامي مع أحمد بيه والد عروستي

تحرك أسامة في مقعده يميل بكامل جسده ليواجه أيمن وصاح في وجهه مستهجنا

:- عروستك!!.. على فكرة بقى أنا أبقي ابن خالة بنات أحمد بيه .. يعني من العيلة وأولي الناس ببنات خالتي

لف أيمن جسده يواجه أسامة بدوره وبادله النظرات المتحفزة هاتفا بحده

:- أولى الناس يعني إيه … الكلام ده كان زمان عوايد وأعراف انتهت دلوقتي الزمن غير الزمن

أراح أحمد ظهره إلى مقعده يبدل نظراته المراقبة والمقيمة بين الشابين المتناحرين باندفاع على غير علم

بينما أسامة يشير نحو أحمد مؤكدا بنبرة واثقة ببطء

:- العوايد عوايد مهما طال عليها الزمن .. ولعلمك أحمد بيه يبقي جوز خالتي وأبو عروستي المستقبلية إن شاء الله

تقدم محروس من الجلسة يقدم أكواب الشاى للضيوف كما اعتاد أن يفعل وفي ظل هذا الجو المشحون ترك الصينية بما تحويه فوق الطاولة الخشبية التي تتوسط الجلسة وتراجع عدة خطوات للخلف حتى توقف على يمين أحمد يتابع بفضول المشاجرة القائمة بين ديكين محترفين في حلبة المصارعة

رشق أحمد محروس بزاوية عينه والذي فهم الإشارة بالانصراف ولكنه تباطأ قليلا قبل أن ينصرف يروى فضوله ويتابع ببسمة مستمتعة ما يحدث

حمل محروس كوب القهوة الفارغ من أمام أحمد وقرب منه كوب الشاي الساخن والذي تناوله أحمد من فوره يرتشف منه بهدوء عل هذا الصداع الذي يتلاعب في رأسه من صياحهما يخف قليلاً

أما الشابان فقد وقفا متقابلين وكلا منهما يهتف في وجه الآخر

:- أنا اللي طلبتها الأول

زجره أسامة مؤكدا على أحقيته بحق رابط الدم

:- وأنا الأحق بها

التفت الاثنان نحو أحمد وكلاهما يهتف بتملك في نفس واحد بأسم عروسة متناسيين أن أحمد يملك أكثر من فتاة

توقفت الكلمات على الألسن والتفت الشابان لبعضهما البعض من جديد وكلا منهما يتبين ما سمعه من الآخر

فقال أسامة مستفسرا وقد أدرك خطأه واندفاعه

:- أنت قلت مين!!.

رفع أيمن كفه إلى صدره يردد بهدوء

:- سلمي

أشار بعدها أسامة إلى صدره الذي انشرح بعد أن زال عنه هم كان يحمله لميل قلبه إلى سندس متخطيا سلمي التي سبق وطلبتها والدته له دون علمه وقال بابتسامة واسعة

:- سندس

وللعجب تبادل الشابان المتناحران الأحضان والمباركات أمام ناظري أحمد المتابع لهما كمن يشاهد أحد الأفلام الهزلية على شاشة التلفاز

:- ألف مبروك يا أبو نسب

:- أنا سعيد جدًا أننا هنبقي نسايب

:- ده شرف ليا والله

أعاد أحمد الكوب الذي تجرع نصف محتواه إلى الطاولة أمامه وقال متهكما

:- خلاص حضنتوا بعض واتصالحتوا ووافجتوا وهنيتوا بعض بالچواز

أدركا تسرعهما في استباق الأحداث فتبادلا النظرات بآسف وكان أسامة الأسرع في تقديم الاعتذار

:- آسف يا عمي أنا اندفعت واتخطيت حدودي

بينما قال أيمن بنفس النبرة المعتذرة

:- آسف يا عمي والله.. ده بس من حرصي على نسب حضرتك

أشار نحوهما بقرف واضح

:- اترزعوا أنتوا التنين

جلسا من فورهما بصمت وعلى وجهيهما نفس الابتسامة البلهاء، مرر أحمد نظراته عليهما ونفخ بضجر يتمتم لنفسه (ده باينة مرار طافح) ثم قال باقتضاب وبشكل عملي

:- جبل أي تطلعات وأحلام تكون وصلت لها عجولكم العصافيري ديه … الكلام دلوك مبدئي ولسه هفاتح البنات ..

بعدها هفكر في الخطوه اللي وراها … ولحد ما ده يُحصل مش رايد أشوف وش واحد منيكم ولا حد منيكم يكون ناوي على موته يجرب من واحدة من البنات ولا يحاول يكلمها

رماهم بنظرات صارمة محذرة مردفا

:- هتجول جريبها بجي ولا مش جريبها ممنوع نهائي .. مفهوم

أومأ الاثنان بطاعة وخرجت منهم بعض الكلمات المتداخلة الصاخبة مؤكدين على الالتزام بالاتفاق المبرم

صرفهما بتجهم ونادي على محروس الذي ظهر من فوره يتلقى أوامر سيده الذي رفع كفه يدلك جبهته بقوة

:- كوباية جهوة يا محروس… كوباية مليانة على تمه عينها جلبوا راسي چوز الديوك دول

هلل محروس بسعادة وقد استمع إلى بعض الحديث واستنتج ما يجري

:- ربنا يجدم اللي فيه الخير ونفرح عن جريب بأغلي عرايس يا سيد الناس

 

***********

 

الخلاف والجدل بينهما لا ينتهي لعدة أسباب ومنها موضوع انتظاره لها في الشارع تحت منزلهما حتى وصولها من عملها

لكنه لم يتخلى عن هذه العادة التي تُسعد قلبه رغم غضبها ورفضها.. ولكنه يشتاق لقضاء كل دقيقة من وقته قربها فلقد اكتفي من البعاد الذي تجرع كؤوس مرارته لسنوات عديدة

سنوات قضاها يعيش مع طيفها كل ثانية في يومه فكيف يهمل اليوم وهي زوجته .. ملكه،

حقيقة متمثلة بين يديه ولكي يتخطى بعض من الخلافات الناتجة عن هذه العادة أسرع إلى المنزل اغتسل وبدل ملابس عمله بأخرى نظيفة منمقة ثم هبط إلى الشارع ليكون في شرف استقبالها حين عودتها

ولكنه هو جاد، العامل البسيط الذي جُبل على الحركة والعمل ويكره الخمول والكسل .. تململ من الوقوف بلا فائدة فبدأ في تنظيف سيارته الربع النقل من الأتربة مع حرصه على ألا يتلف ملابسه قدر الإمكان فلا يتسبب في إثارة غضب محبوبته

هو لم يهتم يوما بالمظهر الخارجي فكل عمله قائم على العمل اليدوي والذي يسبب له بعض التلطيخ بالملابس بطبيعة الحال

 ولكنها تهتم ومن حقها أن تحظى بزوج أنيق الملابس يليق بمكانتها الاجتماعية .. وهو لا ينكر عليها هذا الحق بل أصبح يهتم قدر استطاعته من أجلها فقط

من بداية دلوف سيارتها للشارع الذي يقبع به منزلهما لمحته يميل فوق سيارته يقوم بمسحها بتلك الفوطة الصفراء المشحمة

عضت على نواجذها غيظا ومقلتيها تحيدان نحو سائق سيارتها ثم تعودان إلى زوجها الذي تنبه لسيارتها القادمة من بعيد فترك ما يفعله وأسرع بمسح كفيه بمناديل نظيفة ووقف يستقبل السيارة بابتسامة مشرقة

لوح للسائق بالتحية حين توقفت السيارة أمامه ومال يفتح الباب لزوجته يتلقى حقيبتها الجلدية العلمية الثمينة يحملها عنها ويحتوي كفها بين راحته الدافئة بحرارة اشتياقه لاستقبالها ليصعدا سويا إلى منزلهما الصغير

لم تنبس ببنت شفة حتى وصلا إلى داخل الشقة وقبل أن تنطق بحرف كان يميل عليها لاثما وجنتها مشتاقا قبل أن يغيبها بين أحضانه بحنان بعد أن ترك حقيبتها جانبا

تنهدت بقوة تنفث بقايا غيظها من تصرفاته العفوية التي تثير حنقها الذي غرق شهيدا أمام هذا الفيض من المشاعر الحارة الحانية الذي يغدقه جاد عليها كل حين دون أن يكل أو يمل

تعلم إنه لا يدخر جهدا في إسعادها وبذل كل جهده لإرضائها ومازال يسعى ويجتهد

استكانت في أحضانه تبادله الاحتضان بجفون مسبلة ونفس راضية طالما بمفردهما في منأى عن بقية البشر

بعد عدة دقائق ابتعدت قليلا بجذعها عنه فلو تركت لمشاعره العنان لن يفترق عنها أبدا

همست بخجل معتذرة عن تقصيرها في حق واجباتها الزوجية التي لا تجد وقتا لأدائها على أكمل وجه

:- هحضر أكل سريع أصل مالحقتش اطبخ النهارده

مسح على جانب وجهها بوله وحدقتيه تتشبعان من رقة ملامحها وبنفسه السمحة دائما قال برفق

:- ولا يهمك يا جطر الندي والله لو أعرف أطبخ مكنتش اتأخرت .. لكن ديه الحاجة الوحيدة اللي معرفتش اتعلمها في الغربة .. أصل كنت طول النهار في الشارع وبقضيها بأي سندوتش وخلاص

تراجعت خطوة أخرى للخلف تخبط على كتفه برفق ليطلق سراحها من أسر ذراعيه هاتفه بمرح

:- طب سبني بقي عشان أنجز وإلا هتفضل جعان للعشا

ضحك بسعادة ونظراته ترافقها في كل حركاتها وسكناتها وقال برضا

:-  أنا قابل.. وإيدي على ايدك ونعمل أحلى أكل .. قوليلي بس اعمل إيه وأنا معاكِ

تبعها إلى داخل غرفة النوم لتبديل ثيابهما وهي تجيب بمرح

:- الصراحة أنت زوج مريح أوي يا جادو … دايما راضي ومتفهم

غمزها بشقاوة يبعث لها رسالة مشفرة

:- الرضا لمن يرضي يا دكتورة

اقترب يضمها من جديد وكأنه لا يشعر بالاكتمال إلا بقربها وهما كيان واحد لا يفرقهما حتى الهواء المحيط بهما

ابتسمت برضا تمسح على ظهره بحب قبل أن تتملص من بين ذراعيه تحذره بتلاعب

:- جاد أحنا بنعمل ذكريات مع بعض في كل لحظة ومكان جوه البيت ده

ربتت على وجنته برفق تحفزه للحاق بها

:- يلا بقي نصنع ذكريات في المطبخ

ضحكا سويا وهما يتحركان متعانقين الأكف نحو مطبخ منزلهما الصغير وقد تناسوا أي خلاف أو اختلاف يؤرق صفوهما

وقد ذابت أي فوارق يصنعها المجتمع وتدخل البشر داخل عشهما البسيط بعيدًا عن أعين الناس وأحاديث المتطفلين

هنا داخل هذا العش الصغير لا توجد غير لغة العشق .. عشق هذا العامل البسيط المتعبد في محراب أميرته

 

***********

 

أخذ يتابع تحركات أبنائه داخل بهو فيلته وعقله يعمل في اتجاه واحد رغم الصخب المحيط به

كل تفكيره الآن منصب على كبرى بناته .. عرائس الغد اللتان نضجتا في غفلة من الزمن، وبقدر محبته ورغبته في حمايتهن ورعايتهن في ظله وبكل أنانية حب الأب للحفاظ والاحتفاظ ببناته في كنفه وتحت حمايته بقدر ما يرغب في إيداعهن في عهده رجال صالحين يخشون الله فيهن

العقدة الآن في طلب أسامة الزواج من سندس وهو كان المرشح الأول للزواج من ابنته الكبرى سلمي التي كانت تتعشم في يوم من الأيام بالزواج به..

ورغم مرور سنوات ونضج تفكير الفتاة إلا إنها ربما مازالت تفكر به كزوج، خاصة وقد ظلت والدتها وجدتها لسنوات يدسون في عقلها أن أسامة لسلمي وسلمي لأسامة

حقًا استطاع هو بحنكته تغير مسار تفكير بناته وإعادة ترتيب أفكارهن لتصبح الدراسة في المقام الأول في ترتيب الأولويات لديهن ولكن الزواج يأتي بعدها وها قد حان وقته

عليه مواجهتها الآن دون إبطأ حتى يتخذ قرار حاسم  في أمر زواجهن

فاق من خضم أفكاره على يد ناعمة تتلمس كفه الخشن قبل أن تضم أصابعه برقة وتتساءل باهتمام محب

:- مالك يا سي أحمد .. جهوتك بردت جبل ما تشربها إيه اللي واخد فكرك يا أبو ضيا

ابتسم ببشاشة في وجهها وهي تكنيه باسم ابنه الوحيد يتلمس داخل مقلتيها عشقها الذي لا ينضب وحنانها الذي يطبب أوجاعه

قلب كفه ليحتوي أناملها الرقيقة ويربت بالكف الآخر فوق يدها يطمئنها بنبرته الرزينة التي تعشقها

:- خير يا دفا الجلب … خير بأمر الله

مدت كفها الحر تتشبث بمعصمه تهدهد قلبه بحنو كلماتها

:- دايما في خير وعافية يا سيد الناس

همستها بوله وقد تناست كل الصخب المحيط بهما وصبت كل انتباهها نحو زوجها الشارد

رفع أحمد نظره نحو سلمي التي تحتل مقعده على مائدة الطعام تحاول السيطرة على أشقائها الصغار بشغلهم ببعض الأنشطة  ليهدءوا قليلا

تأملها أحمد لدقائق قبل أن يحسم أمره ويضغط  علي كف شموع بين راحته وقال بجدية

:- ابعتيلي الجهوة على أوضة المكتب مع سلمى

:- عينيا يا سيد الناس

مرت عدة دقائق قبل أن تدلف القهوة بين يدى سلمى من صنع يد شموع كما يحب

تقدمت سلمى بابتسامة خجلة حيث يجلس والدها الذي يتتبع خطاها البطيئة وسيل من الذكريات يتدفق على مخيلته منذ كانت طفلة صغيرة بضفائر حتى سارت عروس جميلة يصبو إليها العرسان

أمالت جسدها تضع الصينية فوق الطاولة المنخفضة أمام والدها الذي ابتسم في وجهها وهو يدعوها لتجلس بجواره

التفت حول الطاولة وجلست تتطلع في وجه والدها بأصابع متشابكة في حجرها ونظره مترقبة إلى ما سيفصح عنه ولكنه لم يتحدث لدقائق أخرى وهو يتأمل وجهها الجميل بملامحه الهادئة

ترددت ابتسامتها حرجا وهي تشير على استحياء نحو قهوته وكلماتها تخرج بخفوت خجل

:- جهوتك هتبرد يا أبوى

لم يحيد بمقلتيه عنها وشفتاه تبتسم في وجهها باتساع مرددا بحب

:- كبرتى ميتا يا بت أحمد وأحلوتى بالشكل ديه

أخفضت رأسها خجلا تُخفى وجنتيها المتوهجة وهو يزفر بعمق يواصل حديث قلبه

:- صدج اللى جال البنتة بتكبر بسرعة .. لكن كانكم (كأنكم) كبرتم في لمح البصر .. أنا ما لحجتش أشبع منيكم

ضحكت سلمى بخفوت وعينيها ترتفع قليلا إلى وجه والدها تقول بحياء فطرى

:- ربنا يبارك في عمرك ولا نبعد عنك واصل يا أبوى

هز رأسه بجدية وهو يميل يلتقط فنجان القهوة ويرتشف منه القليل قبل أن يجيب على كلماتها

:- سنة الحياة يا حبيبة أبوكِ .. لابد تبعدى وتعيشى حياتك وتعملى بيت وعيلة

عضت شفتيها حياء وقد أدركت اتجاه الحديث إلا أن نبرته الجادة انتشلتها من خجلها وهو يقول بتوجس

:- جوليلى لسه فكرك كيف جبل سابج في حكاية الچواز ديه .. أنا خابر إن أمك الله يرحمها وچدتك ملو دماغك بفكرة الچواز وأنه الهدف الوحيد للحريم

حمحمت بخفة تنفض عنها بعض الخجل وقالت بصوتها الهادئ بكلمات رزينة

:- صحيح الزواچ له دور مهم وأساسى في حياة المرأة لكن كمان لازمن تهتم بدراستها اللى هتفيدها بعد إكده في حياتها العملية وتربية أولادها .. وحضرتك غيرت فكرنا كتير أنا وسندس وبجت الدراسة في المجام الأول عندينا وكله بفضل تشجيعك

كان قد انتهى من تناول فنجانه فأعاده للصينية والسؤال الأهم يدور داخل خلده

أراح ظهره لمسند مقعده ثم سأل بتوجس

:- وراسك لسه فيها شخص بعينه في موضوع الچواز ولا ..آآ

ترك سؤاله مفتوح وهو يُلمح لما كانت تعدها والدتها الراحلة له من الزواج بأسامة ابن خالتها والذي رفض الزواج بلباقة لإكمال مسيرته التعليمية للدراسات العليا أولاً

بللت شفتاها حرجا وهي تتذكر كيف كانت تُمنى نفسها بالزواج من أسامة منذ ما يقرب من الخمس سنوات بناء على أحاديث والدتها وخالتها ولكن في الوقت الحالى هو لا يمثل لها سوى ابن الخالة وفقط خاصة إنها لم تشعر منه بأي مشاعر نحوها

دفعت غصة بسيطة في حلقها ليس على شخصه ولكن على شعورها المتألم وفاجعتها وقتها بهذا الرفض السافر ..

والآن هي تخطت هذا الأمر ولم يتبق منه سوى ذكرى بعيدة وقد اتخذت قرارها، فلن تقبل بمن رفضها يوما حتي وإن كان لا يقصد الإساءة لشخصها

حدقت في ملامح والدها لبرهة وقالت بجدية وعملية أثارت إعجابه

:- حضرتك يا أبوى فتحت لينا باب التعليم وشجعتنا عليه وعطيت لينا قدر من الحرية وسمحت لنا نعرف الحياة أكتر .. ودلوك أنا فاهمة زين أن الزواچ لابد فيه من الجبول بين الطرفين مش مچرد ترشيح عيلة لعروسة بعينها والعريس نفسه مش موافج

حرك رأسه إعجابا بهذه الشخصية الجديدة التي يرى ابنته عليها ورفع سبابته في الهواء يصحح ويؤكد بعض الحقائق

:- كلامك مظبوط لكن في تصحيح لازمن تفهميه زين ... أسامة يوم ما رفض حديت الست والدته لأنه راچل مرتب أولوياته وفاهم هو رايد إيه بالظبط ... وهو رفض الچواز نفسه مش الشخصية.. مش العروسة المرشحة له

أومأت متفهمة مؤكدة بهدوء رغم ما تسببه هذه الذكرى لها من حرج لكنها متفهمة هذا الاستنتاج جيداً

:- فاهمة زين يا أبوى

ألقى سؤال من جديد ومقلتيه تتفحص وتحلل خلجاتها

:- يعنى لو جولت لك إن أسامة راح يتچوز عن جريب بنت من البلد أو بمعنى أصح من العيلة .. تجولى إيه !!.

حركت كتفها بخفة وأجابت من فورها فقد تخطت فكرة الزواج من أسامة ومحته من رأسها على أى حال منذ سنوات مضت لذا قالت ببساطة ونبرة محايدة

:- ربنا يتمم له على خير

تنفس بعمق يريح قلبه وهو يلمح الهدوء وشئ من اللامبالاة في أجابتها ثم رمقها بنظرة مشاغبة مرددا بمكر

:- زين .. لأن مش هو المؤسف على شبابه .. العريس اللى عليه الجصد أچن بكتير

أحنت رأسها خفرا تخفى ابتسامة رقيقة على شفتيها وأحمد يردف

:- العريس يا ستى .. شاب ياچى خمسة وعشرين .. ستة وعشرين سنة في الحدود ديه .. موظف في شركة مجاولات كبيرة ومن عيلة زينة هنا في البلد .. ناس محترمين الشهادة لله

رمقها بنظرة جانبية وهي مازالت مطرقة الرأس وبشرتها الخمرية تشتعل بحمرة الخجل

مد كفه العريض يضم كفيها المتشابكين ويضغط عليهم مؤازرا بمشاعر أبوية حانية

:- بدى تعملى إستخارة وتفكرى زين .. أنتِ خلاص على وش تخرچ وآن الأوان نفكر في الچواز .. وأوعاكِ تجلجي من شى .. أبوكِ لو مش واثج في أخلاج العريس مش هيدخله الدار من أساسه

أومأت بخفة و أجفانها ترتعش على استحياء تردد بثقة

:- ربنا يخليك لينا يا أبوى

ربت على كفيها بحنو يكمل حديثه

:- وبعد الاستخارة والموافجة المبدئية هياچى إهنا تشوفوا بعض وتتكلموا شويه في وچودنا طبعا .. ديه حج ربنا في الرؤية الشرعية

أومأت بصمت وهو يعيد عليها اسم وصفات العريس بالتفصيل لتفكر جيدا قبل الإجابة ثم صرفها لتخرج وحين نهضت وتحركت بضع خطوات استوقفها من جديد ونهض خلفها يضمها تحت ذراعه مترددا في طرح موضوع آخر خوفا على شعورها المرهف ولكن يجب عليه أن يفعل خاصة إنه لا يرغب في رفض شاب بمواصفات أسامة كعريس لشقيقتها

:- سلمى .. جولتى جبل سابج أن دكتور أسامة مش في راسك وجولتلك أنه ناوى يتچوز .. لو العروسة ديه تبجى من العيلة تزعلى

نفت بهزة رأس خفيفة

:- لا يا أبوي .. أنا مليش صالح به خالص هو ولد خالتى وبس

زفر بقوة وأصابعه تشد على كتفها بقوة وكأنه يدعمها مرددا بتوجس وحدقتيه مسلطة على ملامحها

:- ولو العروسة ديه تبجى .. سندس أختك!!.

ظهرت صدمتها بشهقة خافتة انطلقت من بين شفتيها ورفعت مقلتيها تتطلع إلى وجه والدها بذهول تردد بشرود كأنها تتأكد من صحة ما سمعته

:- سندس أختى ودكتور أسامة!!.

انخلع قلب أحمد على بكريته لثوانى مرت عليه ثقال كالجبال إلا أن ابتسامة خفيفة بدأت تتكون على ثغرها وهي تتذكر إعجاب سندس بمظهر أسامة الجديد ..

 وتساءلت في نفسها "ولما لا!! .. مادامت هي قد أنهته من تفكيرها فلما لا يكون زوج لشقيقتها خاصة إنه فعليا لم تربطهما أي علاقة حقيقية"

رفعت حدقتاها نحو والدها من جديد تساءل بجدية

:- صُح يا أبوى .. يعنى سندس كمان چالها عريس

قطب أحمد حاجبيه بتعجب فلم يكن هذا هو السؤال المتوقع في مثل هذا الوقت،.. أومأ مؤكدا على صحة المعلومة وهو يتفحص انفعالاتها ويحللها سريعا..

ولتثير تعجبه أكثر هتفت بسعادة واضحة لشقيقتها التي هي بمثابة توأمتها

:- يعنى ممكن أنا وسندس نتچوز في يوم واحد

رمقها بعدم استيعاب للحظة ثم اتسعت ابتسامته براحة وكأن جبلا انزاح من فوق صدره فابنته وعت درس الحياة جيدا وتخطته بل قذفته في سلة النسيان وها هي تتعايش بكل أريحية على أرض الواقع

رفع سبابته يشير بها رافضا

:- لاه .. لما تكمل دراستها وتتخرچ كيفك تبجى تتچوز

ضمت شفتيها بشيء من الإحباط وهي تومئ ببريق سعادة استوطن مقلتيها .. ربت على كتفها بحنان وحثها على الحركة

:- اسمعى روحى نادى سندس وأوعاكِ تجولى لها شى ... ديه سر ما بينا لحد ما أفاتحها أنا في الموضوع

:- حاضر يا أبوى

قبل رأسها بخفة وهي تحيط خصره بذراعيها ثم انصرفت تكاد تطير فرحا وقد تذكرت مواقف أيمن السابقة ومحاولاته المتفانية في رؤيتها

هذا ما كانت تصبو إليه، زوج يرغب فيها ويختارها بكامل إرادته

 

************

نهـاية الفصــل
موعدنا الأربعاء القادم

Lanjutkan Membaca

Kamu Akan Menyukai Ini

2.4K 110 14
the sequel to 'A Little Too Personal'. your newfound AI love, who you thought looked familiar earlier, indeed is somebody familiar. in fact, that som...
1.5M 133K 46
✫ 𝐁𝐨𝐨𝐤 𝐎𝐧𝐞 𝐈𝐧 𝐑𝐚𝐭𝐡𝐨𝐫𝐞 𝐆𝐞𝐧'𝐬 𝐋𝐨𝐯𝐞 𝐒𝐚𝐠𝐚 𝐒𝐞𝐫𝐢𝐞𝐬 ⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎⁎ She is shy He is outspoken She is clumsy He is graceful...
133K 2K 23
What the title says~^^ (If you're a NaruSaku shipper than I think you'll love this picture book, but if you ship NaruHina and SasuSaku then don't loo...
52.3M 1.6M 63
[#1 Teen Fiction | #1 in Romance] Bad boy Luke Dawson is stuck living with clumsy nobody Millie Ripley for the summer. When she ran over his most p...