غيـوم البـعاد

By SamaSafia

1.6K 88 65

الجزء الثاني من رواية التقينا فأشرق الفؤاد ♥️ بداية النشر فبراير 2024 قيد الكتابة More

اقتباس
اقتباس 2
المقدمة
الفصل الأول
الفصـــل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصـل السـابـع

الفصل الرابع

116 10 9
By SamaSafia

ترتكن إلى حافة النافذة وبيدها هاتفها المحمول تشكو إلى صديقتها المقربة وزميلتها في العمل بحنق واضح
:- زهقت أوى يا مروة .. محبوسة في البيت من يوم ما وصلنا .. مفيش هنا مكان ممكن الواحدة تخرج فيه ولا تفك عن نفسها شوية
دارت بعينيها خلال غرفة النوم القديمة والتي تعود إلى والدي زوجها تواصل تذمرها الحانق
:- ولا منظر البيت كل حاجة فيه قديمة أوى .. سبعيناتى
أردفت بغيظ وقهر  متأففة :- وكل يوم أصحى على أصوات الحيوانات مفزوعة .. أنا جبت أخرى خلاص من العيشة ديه
تحركت من أمام النافذة تجلس على طرف الفراش تثنى إحدى ساقيها تحت جسدها ليرتفع طرف قميصها القصير إلى أعلى فخذها تستمع إلى محدثتها على الطرف لآخر قبل أن تجيب
:-  أيوه يا ستى .. عارفة إنى أنا اللى جريت وراه .. بس بذمتك مش كان موز وعليه العين وكل البنات بتجرى وراه وأنا بقى اللى قدرت أوقعه في حبى واتجوزه
أطلقت ضحكة عالية مائعة ردا على كلمات صديقتها الموبخة بمرح ولكنها عادت لوت شفتيها تحركهم بامتعاض
:- كنت فاكرة تحت القبة شيخ بس يا حسرة .. طلع الفرع الفقير في عيلته (واصلت بانبهار) أنتِ ما شفتيش القصر اللى عايش فيه أعمامه .. حاجة واااو أخر حاجة .. فخامة وأناقة
استمعت إلى صديقتها التي تشير إلى ورثه من أبيه ثم أجابت بتخوف
:- يا خوفى من حكاية الميراث ده .. شكله هيطلع من المولد بلا حمص .. أصل أبوه كان خايب ومعرفش ياخد نصيبه في الورث يبقى نصير اللى طول عمره عايش في مصر هيعرف يسلك مع العقول اللى هنا ديه
توقفت عن الحديث تنصت لحديث صديقتها إلا أن أذنها التقطت صوت غلق باب الشقة بالخارج   فأسرعت لإنهاء المكالمة على عجل
:- طيب هكلمك بعدين يا مروة يظهر أن نصير جه
أغلقت الهاتف في نفس اللحظة التي دلف فيها زوجها من الباب ملقيا السلام عليها وأصابعه تعالج أزرار قميصه ببطء
ردت سلامه باقتضاب وبادرت بالسؤال
:- احنا هنرجع بيتنا أمتى بقى يا نصير .. أنا زهقت وكمان أجازتى  هتخلص
جلس على طرف الفراش من الجهة المقابلة يوليها ظهره بعد أن تخلص من قميصه ملقيا إياه على حافة الفراش الخشبية وانحنى يتخلص من حذائه يجيبها بهدوء
:- بكره إن شاء الله
شهقت بفرحة وصعدت بركبتيها فوق الفراش تستند على كتفيه تتساءل بفرحة
:- صحيح يا نصير .. يعنى أخدت ميراثك خلاص
رفع ظهره المنحنى مرخيا جفنيه قليلا بقنوط دون أن تلاحظ ثم أمال وجهه قليلا للخلف نحوها مجيبا بإيجاز
:- لأ .. الحكاية ديه محتاجة شوية وقت
سحبت كفيها بتخاذل عن جسده لاوية شفتيها بسخط وهو يواصل حديثه مع تنهيدة متعبة
:- أنا مضطر أرجع القاهرة أظبط أمورى في الشغل وبعدين أفوق لحكاية الميراث
جلست خلفه بخيبة أمل صامتة بينما نهض يستدير نحوها شاكيا برفض وكأنه يسألها المشورة أو العون لتبدل والدته تفكيرها وتعود معهم
:- أمى .. مش عاوزه تسافر وهتفضل هنا
تحكمت في ابتسامة سعادة كادت تقفز على ثغرها وهي تستوثق مما سمعته
:- يعنى هتقعد هنا ومش هترجع معانا
لم يلاحظ تعبيرات وجهها الفرحة بالتخلص من حماتها وهو يقف أمام الخزانة يوليها ظهره يقوم بتبديل ملابسه وأجابها باستسلام
:- أيوه .. لولا الشغل اللى ورايا مكنتش سبتها هنا لوحدها
استدار نحوها وهو يدس رأسه داخل قميصه القطنى المنزلى مردفا بتخطيط
:- ننزل مصر نضبط أمورنا ونأخد إجازة طويلة ونرجع تانى
وقفت على ركبتيها فوق الفراش رافضة بشكل قاطع وهتفت مستنكرة
:- إجازة طويلة!! ... أنا قعدت الكام يوم دول هنا بالعافية .. أنا مقدرش على العيشة ديه .. أنا هفضل هناك في بيتى وأنت سافر وقت ما تحب
قالتها وهي تحرك كفاها المفرودان وكأنها تبعد الفكرة من أمامها بلا رجعة
تأملها بنظرة جامدة للحظات ثم قال باقتضاب لتجنب الحديث في الوقت الحالى فلا طاقة له للخوض في المزيد من المشاحنات
:- وقتها نبقى نتكلم في الموضوع ده .. دلوقتى هتنزلى تتغدى معانا؟
قالها وهو يتحرك مغادرا الغرفة بلا مبالاة فنهضت من مكانها تتبعه وهي تزمجر ببرمطة
:- طبعا هتغدى .. ولو أن معاد الغدا عدى من زمان
توقف مكانه في الممر الضيق بين الغرف والتفت نحوها بنظرة ونبرة عتاب
:- وما نزلتيش تساعدى ليه فى الغدا مادام جعانة ومستعجلة على الأكل
توقفت بصدمة حين التفت نحوها لائما فقالت ببساطة مع حركة كتفها اللامبالية
:- أساعد في إيه!! والبنات اللى تحت بيعملوا إيه ما يشتغلوا بضمير
أشار بيده في الهواء موضحا باستياء من بين أسنان يتحكم في أعصابه التي على وشك الانفجار
:- البنات دول يبقوا بنات خالتى وجاين يساعدوا خالتهم ويقعدوا معاها ومش شغالين عندك
فضلت عدم الرد حتى لا تثير أعصابه عاقدة ذراعيها تحت صدرها فتكشف جزء أكبر من نحرها دون قصد من هذا القميص المكشوف
تأمل جسدها الأنثوى المثير في هذا القميص القصير التي تتحرك فيه بحرية ناوية النزول به إلى بهو المنزل فحرك أصبعه في الهواء نزولا وصعودا على مظهرها مستنكرا وقال محذرا
:- والبسى حاجة تسترى بها جسمك .. مش هتنزلى بالمنظر ده في فسحة البيت
تبادلا نظرات تحدى واجمة قبل أن يلتفت كلا منهما في اتجاه معاكس للآخر وبداخل كلا منهما الكثير من الكلام المؤجل

*************

تجمعت عائلة البدرى لاستقبال يوسف وأسرته أثناء زيارتهم الشهرية للبلدة بعد أن انتقل إلى القاهرة لمتابعة عمله في مكتب الإستيراد والتصدير الذي يتشارك فيه مع أصدقائه خاصة بعد أن كبر حجم أعمالهم واستدعى الأمر وجوده الدائم بمقر العمل وزاد الأمر حين كبر أولاده قليلا وبدءوا في الإندماج في مراحل التعليم الأولية فتقلصت الزيارة الأسبوعية إلى زيارة شهرية صغيرة خلال أيام الأجازة الأسبوعية
بعد موجات من الترحاب وجو من الصخب ينشره يوسف وأولاده اللذين انتشروا في أرجاء المنزل بألفة
جلس يوسف بجوار عمته وصحبة جلال يتبادلون الجديد من الأخبار سويا بينما انسحبت شمس ولينا للداخل للإشراف على الطعام واقتناص فرصة للأحاديث الخاصة بينهما
قالت أصيلة مرحبة بيوسف بمودة وهى تربت على فخذه بحنو
:- والله لك وحشة يا ابن أخوى .. غيبتك طالت علينا
ربت على كتفها الذي يحيطه بذراعه بحنان وقال معتذرا بعد أن قبل رأسها
:- غصب عنى والله يا عمة .. المكتب كبر الحمدلله وشغلنا كتر  ده غير مواعيد مدارس الولاد اللى ملتزمين بها
:- ربنا يوسع عليك يا ولدى
آمن على دعائها وبدأ في إلقاء الأسئلة للاطمئنان عليهم رغم اتصاله الهاتفى بشكل يومى والذي يمكنه من متابعة كل جديد مع عائلته
مر ما يقرب من النصف ساعة في جلسة عائلية دافئة حتى صدح صوت الأطفال مرحبين بصديقتهم التي حضرت لتوها مع والديها
ضم طه الذي وصل لتوه إلى المنزل طفلته المحمولة على ذراعه إلى صدره  بحمية وعينيه تجرى على أولاد يوسف الثلاثة الذكور  ببطء يشاكسهم
:- يا مرحب بالفرسان الثلاثة .. منورين
رفع حسين ذراعيه نحوه يطالبه بجدية عاقد الحاجبين
:- هات يُسر تلعب معانا يا عمو
قاطعته ياسمين التي تقف بجوار زوجها ببطنها البارز بوضوح ترمق الصغير بنظره عاتبه قائلة
:- طب سلم على عمتك الأول
ابتسم حسين في وجهها وأسرع نحوها يتلقى حضنها الحنون ونبعه أشقائه كما فعلت صفا التي قلدتهم أيضا
استسلم طه إلى ابنته التي طالبت بدورها النزول لمشاركة أصدقائها اللعب فأنزلها ببطء وهو يلقى بتعليماته محذرا ومشيرا إلى سقوط ابنته أرضا وجرح ركبتها في مرة سابقة
:- العبوا بالراحة ومن غير شجاوة .. مش لازمن يكون في أصابات كل مرة
هتف حسن بصوته الطفولى الواثق ماطا شفتيه في نهاية جملته بشكل مضحك
:- ما تخافش يا عمو  ... هنلعب بهدووووء
تشابكت أياديهم الصغيرة وأسرعوا إلى غرفة الجلوس تاركين البهو إلى اجتماع الكبار الأسرى
خرجت شمس من المطبخ مهرولة بعد أن سمعت صياح الأطفال باسم (يُسر) تضم ياسمين إلى صدرها باشتياق ويدها تتحسس بطنها المنتفخ
:- ازيك يا ياسمين .. أخبار الحمل إيه طمنينى عليكِ وحشتينى أوى
بادلتها ياسمين الترحاب بمثله قبل أن تتأبط ذراعها وتتجه ببطء حيث تجلس بصحبة لينا في ركن قصى من البهو تفضى بحالتها
:- تعبانة جوى يا شمس .. الحمل تجل على بطنى وبجيت مجدرش اتحرك لولا مچيتكم اليوم مكنتش خرچت من الدار
جلست بين صفا وشمس يتبادلون الأحاديث كما فعل الرجال اللذين تحلقوا حول العمة أصيلة غافلين عن لعب الصغار
وفجأة قطع هذه الجلسة العائلية الهادئة صوتا طفوليا صغيرا مستغيثا بألم دفع الجميع للنهوض وهرعوا حيث ينطلق صوت الصرخة المستغيثة
ليتفاجأ الجميع بحمزة الصغير ذو الثلاث سنوات أخر عنقود أبناء يوسف وشمس يلف شعر صفا الأشقر  الطويل على كف يده الصغير جاذبا رأسها معه وهي تصرخ وتستغيث منه متألمة
أسرع جلال إلى ابنته يضمها إليه ويحاول تخليص شعرها من الوحش الصغير وكذلك فعل يوسف الذي ركع على ركبته يحاول فك شعر الصغيرة من كف ابنه ناهرا إياه
:- إيه اللى بتعمله ده يا حمزة .. عيب كده بتضرب صفا ليه؟
قطب حمزة حاجبيه غير مستوعب وقال مدافعا عن نفسه بصوت مرتفع
:- مش بضربها .. إيدى اتعورت وشعرها السحرى هيخفف التعويرة
:- شعرها السحرى!!
كررها جلال ويوسف بتعجب معاً في نفس الوقت وهما يتبادلان النظرات المتسائلة
تدخلت شمس جالسة على ركبتيها بجوار زوجها تفك شعر صفا من قبضة ابنها والذي فشل يوسف في تخليصه بينما وضح حمزة بحمائية طفولية
:- أيوه شعرها أصفر وسحرى زى روبنزول
كتم جلال ضحكته وهو يضم صغيرته إلى صدره ويهم واقفا يربت على ظهرها يراضيها  ويطمئن عليها
وبجواره وقفت لينا تعيد ترتيب شعر ابنتها وتهدئ من روعها بينما ردد يوسف بحيرة :- روبنزول مين!!
مال على زوجته يتساءل به
:- مين روبنزول ديه يا شموس
أجابته بنفس الخفوت وعلى وجهها تشع ابتسامة مرحة
:- ديه شخصية كرتونية شعرها أشقر طويل وسحرى بيداوى الجروح
رفع حاجبيه بفهم وقبض على كف ولده الذي استمع لكلام والدته وقرر أن يؤكد برائته ويثبت وجهه نظره في شعر صفا السحرى
فأظهر خدش بسيط لا يكاد يُرى على ظهر كفه يعرضه على والده بطفولية
:- بص يا بابا .. أهيه التعويرة بس خفت دلوقتى بعد ما لفيت شعرها السحرى عليها
ازداد ارتفاع حاجبى يوسف عجبا على مدى اقتناع ابنه بالأمر وهو يتأمل ظهر كف ولده ويستمع إلى كلماته الواثقة قبل أن ينهض بدوره حاملا حمزه على ذراعه وقال بحزم
:- اتفضل اعتذر لصفا وإياك تقرب لشعرها مرة تانى ... كده عيب
قطب حمزة حاجبيه ليصير نسخة مصغرة من والده مفكرا لبرهة ثم تسائل بعدم فهم :- عيب ليه؟
هز يوسف جسد الصغير فوق ذراعه وقال بحزم
:- عيب وخلاص هنتكلم بعدين .. اعتذر لصفا يلا
مد حمزة ذراعه مائلا بجسده يحاول أن يمسك بذراع صفا المختفية في صدر والدها مرددا ببساطة
:- ما تزعليش يا صافى .. أنا آسف
رفعت رأسها عن كتف والدها ونظرت نحو حمزة بنظرة رقيقة ثم مدت ذراعها نحوه إشارة على قبول اعتذاره
فتمسك حمزة بكفها الرقيق ومط شفتيه أمامه كمنقار البط مائلا نحوها في محاولة لتقبيلها ليتم الصلح
مد يوسف كفه يخفى فم ابنه المستعد للتقبيل تحت كفه وقال بحزم
:- خلاص كفاية الاعتذار الشفوى
رفع يوسف كفه عن فم ابنه الذي صاح بعفوية
:- مأ أنت بتبوس ماما عشان تصالحها
عاد يوسف يكتم فمه من جديد مع شهقة شمس الخجلة التي اختطفت طفلها من فوق ذراع والده وابتعدت به تعيد ترتيب أفكاره وتوبخه على أفعاله بينما انطلقت ضحكات الجميع الجذلة
قبل جلال وجنة صفا ثم أنزلها أرضا وتركها لتنضم إلى بقية الأطفال اللذين يشاهدون ما يحدث ثم مال على يوسف يؤكد هامسا بمشاكسة بعيدا عن سمع الأطفال المتحلقين حولهما
:- من شابه أباه فما ظلم
رفع يوسف حاجبيه مدعيا البراءة قائلا
:- حرام عليك وأنا كنت منحرف بالشكل ده
هز جلال كتفيه بلا مبالاة مرددا ببساطة
:- وأنا أيش عرفنى ما أنا مشفتكش وأنت صغير
تضاحكا سويا يضربون كفا فوق الآخر بينما نظر يوسف إلى الأطفال المتطلعة إليهم بفضول وقال يصرفهم بعيدا
:- انطلقوا يلا العبوا في الجنينة .. مستنين إيه
بدأ الأطفال في التحرك فاقترب حسن من صفا يمسك كفها بكفه الصغير يراضيها
:- يلا يا صافى نلعب سوا .. متزعليش
أما حسين فدس ذراعه في ذراع يُسر ابنة طه وياسمين يتأبط ذراعها آمرا  :- يلا يا يُسر
اتسعت مقلتا طه وعدل من وضع نظارته الطبية يتابعهم بصدمة وابنته تتحرك طائعة مع حسين برقة للخارج
تابع الرجال أربعتهم مغادرين متشابكى الأكف كل ثنائى يتبع الآخر وكأنهم في موكب زفاف
قطع الصمت صوت يوسف يشيعهم بصوت خافت يصل فقط لجلال  وطه المجاورين له
:- طب صفا أمها خواجاية وهنراضيها بكلمتين لكن يُسر جدها شيخ أراضيه إزاى بقى .. اكتب كتابهم من دلوقتى وأخلص
صدحت ضحكات الرجال المرحة وجلال يخبط على ظهر يوسف بجذل الذي شاركهم الضحك يشكو بقلة حيلة من شقاوة أولاده
:- والله هيعملولى مصيبة في يوم من الأيام .. أنا مخلف عيال من السيرك القومى
التفت إلى جلال الغارق بالضحك وقال لائما
:- بتضحك يا ابن عمي أشوف فيك يوم شايل ولدين توأم على كتافك يعيشوك أجواء السيرك اللي أنا عايشة ده
التفت بعدها نحو طه الذي دس كفيه في جيبى بنطاله يربت على كتفه مستطردا
:- أما أنت بقى .. دورك قرب وجايلك الولد قريبا يا دكتور وهدوق بنفسك تربية الصبيان بتبقى إزاى
واصلوا الضحك وجلسوا يتسامرون سويا حتى ظهر حمزة من الداخل بعد جلسته مع والدته ومر بجوارهم بكل كبرياء متجها إلى الحديقة حيث يلعب الأطفال
استوقفه والده مادا ذراعه أمامه يقطع عليه الطريق وجذبه ليقف أمامه يحدثه مهادنا
:- صافى ويُسر اخواتك ألعب معاهم بهدوء وأدب يا زوز وبلاش تفرد عضلاتك على البنات براحة عليهم شويه يا بطل
رفع حمزة إبهامه في وجه أبيه علامة الفهم وقال مؤكدا بثقة طفولية
:- عارف عارف البنات رقاق نبوسهم ونطبطب عليهم بس
ثم تركهم ببساطة بعد أن اتسعت ثلاث أزواج من العيون المحدقة بخطواته الواثقة المغادرة
حرك الرجال رؤوسهم يتبادلون النظرات بعضهم البعض قبل أن يقفز طه من مكانه وخلفه جلال مسرعين نحو الحديقة هاتفا
:- بنتي ... العيال ديه مش لازم تقعد من غير مراقبة
تبعهما يوسف ببطء يحاول السيطرة على ضحكاته معقبا على حديث جلال
:- ما تقلقش يا جلجل مادام رقاق يبقوا يتاكلكوا أكل ..  واحنا شاريين ومهرها من ألف لمية ألف
توقف طه وجلال في الشرفة الخارجية يتابعان لعب الأطفال المتقافزين في الحديقة بمرح طفولى صاخب أثناء لعبهم بالكرة سويا وقد انضم إليهم حمزة بدوره اطمئنوا لسير الأمور وهدوئها
وفي لمحة خاطفة التقطت نظرات جلال جاد الجالس في ركن جانبى بعيد على أحدى الكراسى البلاستيكية يتابع لعب الأطفال أثناء حديثه بالهاتف المحمول
  وصل يوسف إلى الشرفة أخيرا وتوقف بجوار ابن عمه وقد لاحظ اتجاه نظره فأبصر وجود جاد بدوره .. مال على جلال يتساءل هامسا
:- هو جاد لسه مش قادر يندمج وسط العيلة
حرك جلال رأسه بقنوط وأجابه بنفس الخفوت
:- لا .. بيجى البيت على استحياء وفي أقل الحدود
تدخل طه في الحديث مستوعبا موقف جاد بشكل جيد
:- معذور يا چماعة .. النجلة في حياته كانت كبيرة جوى وموافجة ندى عليه كانت مفاچأة لينا كلاتنا وأكيد له هو التانى
أومئ جلال مؤكدا على كلام صديقه وهمهم بخفوت
:- وأكبر مفاجأة ليا أنا كمان ... لغاية دلوقتى مش قادر أستوعب سبب موافقتها لكن مكنش ينفع أجبرها على حاجة
وضع يوسف كفه على كتف جلال يضغط عليه برفق وقال مؤكدا
:- ده اختيارها ونصيبها .. ومحدش فينا يعرف الخير فين
توجه ثلاثتهم حيث يجلس للترحيب به ومجالسته وحين لمحهم قادمين نحوه أنهى مكامته الهاتفية ووقف استعدادا لاستقبالهم باحترام

***************

قبل ذلك بعدة دقائق داخل سيارة تتحرك على الطريق
:- عشر دقايق يا جاد وهكون عندك
استمعت إلى حديثه اللائم لها وهى ترخى جفنيها تبرما وتنفست بعمق تجيب باقتضاب
:- أتأخرت في الجامعة يا جاد محصلش حاجة يعنى .. أنا أستاذة جامعية دلوقتى ووقتى مش ملكي .. على أى حال إحنا دخلنا البلد خلاص دقايق وأكون عندك
أنهت الاتصال مع زوجها وهي ترتخى في المقعد الخلفى للسيارة وأعادت هاتفها المحمول إلى حقيبتها الجلدية بضجر،
لا تستطع أن تجابه قلقه وتوتره كلما قاما بزيارة منزل عائلتها .. يظل ملتصقا بها كالطفل الصغير الخائف يراقب حركاتها ويتابع نظراتها في انتظار لأى إشارة منها إذا أخطأ في أمر ما
شعوره بالدنو والنقص أمام أفراد عائلتها يشعرها شخصيا بالمهانة والخوف .. الخوف من مشاعرها نحوه والخوف على مستقبلها المهنى والاجتماعى معه
لفت عنقها تتكأ بمرفقها على مسند السيارة تراقب الطريق من خلال النافذة وعقلها يعيد عليها حوارها مع كريم منذ أيام قلائل
ومحاولتها للتهرب من الحديث عن زوجها، أليس من المفترض أن تفتخر بزوجها الذي ارتضت الارتباط به وتفاخرت يوما بما صنعه من أجلها
لقد خلع الرجل جلده وأعاد بناء شخصيته من أجل عشقها وقربها وهذا ما أعجبها به منذ البداية .. عاطفته الجياشة وولعه بها منحاها شعور كبير بأنوثتها وقيمتها
لقد قام من أجلها بما لم يصنعه أى من الرجال في محيطها من أجل رفيقته ولكنها هي .. هي فقط من استطاع عشقه لها تبديل شخصية الرجل وتحفيز طموحه
تنهدت بعمق تعض وجنتها من الداخل وحديث نفسها يحثها بإصرار
(يجب عليكِ أن تغيرى طباعه وتمنحيه الثقة بالنفس يا ندى .. هذا دورك الآن وعليك إتقانه حتى تستطيعى أن تواجهى به الناس ولا تتخفى من أسئلتهم عن هوية زوجك عليك توجيهه وتعليمه اجتماعيا أكثر حتى يليق بمكانتك ومستواكِ)

******************

تجمع الرجال في الحديقة حول جاد الذي يجلس بابتسامة خفيفة يخفى خلفها حرجه الواضح، ساقيه مضمومتان يشبك أصابعه فوق ساقيه وظهره متراخى بعض الشيء، جلسة توحى باهتزاز ثقته بنفسه خاصة مع فترات صمته الطويلة رغم صخب يوسف المتحدث بطلاقة مع رفيقيه حتى الدكتور طه الهادئ الطباع اندمج في مرح ومشاغبة يوسف
حاول يوسف جذبه للحديث معهم فربت على ساقه بقوة يسأل بحميمية
:- وأنت يا أستاذ جاد ما بقتش تعدى عليا في المكتب ليه؟
بلل شفتيه بحرج وخرج صوته ضعيف
:- والله يا أستاذ يوسف من يوم الجواز منزلتش مصر خالص
خبط يوسف على ظهر جاد يهزه بمرح قائلا
:- طبعا سحر الجواز يا صديقى .. أنت هتقولى
قالها يغمز بعينه بعبث مما أثار حمية جلال وغيرته على شقيقته الصغيرة فتنحنح بعلو محذرا في حين ابتسم جاد بخجل رجولى ينكس رأسه أرضا رغم فخره بأكبر إنجاز في حياته وهو الارتباط بقطر الندى
رمى يوسف جلال بنظره شقاوة يشاكسه وقد فهم إشارته ثم قال يغير الموضوع  بعفوية
:- المهم بقى يا أستاذ جاد تستمر في شغلك .. أنت كنت واخد خطوات كويسة جدا في التوزيع والتسويق
ارتفعت ثقة جاد مع هذا الإطراء فتنحنح بخفة يفرد ظهره قليلا وهو يتوجه بحديثه إلى يوسف بنبرة واثقة
:- ولسه مستمر فيه يا أستاذ يوسف .. الفرق الوحيد إنى ببعت البضايع مع مندوبين بدل ما كنت بنزل أوزع بنفسى
اتكأ يوسف بمرفقيه على مساند مقعده ومال بجذعه قليلا للأمام يحدق في وجه جاد وهو يتكلم ببطء يزيل بعض الحواجز بينهما
:- أنا شايف أن أستاذ ديه دمها تقيل أوى .. أحنا عيلة واحدة دلوقتى ومفيش داعى للحواجز .. خلى البساط أحمدى ولا إيه يا دكتور
سؤاله جذب طه الذي يجلس يشبك أصابعه فوق بطنه المرتفع قليلا إلى دائرة الحديث فقال بمرح
:- يعنى هيبقى أحمدى مع جاد وأنا لسانى دكتور
ضحكوا جميعا على تعليق طه فتدخل جلال مشاكسا مادا كفه يداعب بطن طه الضخم
:- أنت دايما هتفضل دكتور البهايم يا أبو يُسر
ضحك طه بقوة حتى ارتج جسده الممتلئ قليلا وقال بتفاخر
:- إهى .. أبو يُسر ديه بالدنيا
غمز طه يشاكس صديقه قائلا بخفوت وهو يبدل نظره بين جلال وجاد
:- وبعدين من كتر تريجتك عليا يا مهندس البرتجان أنت أختك طلعت دكتورة بهايم كيفى ... لامؤاخذة يا چاد
أومأ جاد بقبول بينما تنهد جلال بعمق وعاد بظهره يستريح على مقعده يقول بهيام مصطنع وعينيه تتجه للسماء شبيه عينى برتقالته الخاصة
:- هاااه وهو في أحلى من البرتقان يا دكتور
تصايح الأطفال فرحا باستقبال ندى التي دلفت لتوها إلى الحديقة متحلقين حولها وهي تنحنى إليهم تضع قبلاتها على وجناتهم الناعمة مرحبة بهم بنفس مرحهم وطفولتهم
تحولت نظرات الرجال نحو صخب الأطفال لاستعلام الأمر وسرعان ما التهى يوسف وطه في حوار جانبى بينما تعلق زوجين من العيون بها
راقب جلال حركاتها ومرحها مع الأطفال يرغب في اختراق رأسها ليطمئن على سعادتها واستقرار نفسها أما جاد فهامت عيناه عشقا لها، يجرى على تفاصيلها بوله .. تلتقط أذنه نبرة صوتها الطفولية التي تستخدمها مع الأطفال وقد تناست مكانتها العلمية ورغم المسافة بينهما لكنه يرى بها ندى قلبه الذي تعلق بها منذ الوهلة الأولى بعيدا عن أثر الزمن الذي حول جزء كبير منها إلى شخصية عملية جادة تنتقد وتوجه كمديرة مدرسة ثانوية وهو تلميذها الوحيد
لم يغفل جلال عن نظرات جاد الهائمة بل تابعها بدقة يحلل كل خلجة ولمحة من خلجاته .. هذا الرجل عاشق حتى النخاع لكن السؤال الأهم هل يصمد العشق في زمن مادى سريع التغيرات؟
دقائق قصيرة انسحبت بعدها ندى عن الأطفال تتقدم نحو رجال الأسرة ملقية التحية بابتسامة واسعة وتوقفت خلف ظهر شقيقها تتمسك بكتفه بمحبة وكلماتها ترحب بابن عمها يوسف بحفاوة بعد أن خصت كل منهم بتحية صغيرة
شاكسها يوسف من مكانه
:- أتأخرتى أوى يا دكتورة .. ده أنا كنت على وشك أكتب كتاب لولدين والثالث بقى ربنا يرزقه بعروسه جديدة يلا شدوا حيلكم كلكم .. زوز الصغير ده أهدى وأعقل ولادى
قهقه الجميع مرحا ونظراتهم توجهت نحو حمزة الذي يحاول تسلق شجرة قصيرة في الحديقة وجلال يرفع كفيه ضاحكا يؤكد بمرح
:- أنت هتقولى .. ده أنا هحرم أجيب بنات تانى من تحت راسه
تشاكس أبناء العمومة سويا بينما انتبهت ندى على نظرات جاد الذي يجلس بجوار شقيقها ورأسه مرفوع إليها يرمقها بعتب على تأخرها
رفعت كفها الآخر تمسح بحنو على كتفه باعتذار خفى ونظراتهم تتشابك بكلمات صامتة
نهض جلال من مكانها وضم كتفى شقيقته إلى صدره معلنا بمرح
:- بما أن دكتورتنا وصلت بالسلامة يبقى هنتغدى أخيرا .. اتفضلى يا دكتورة وأحنا هنحصلك بعد ما نفض مولد يوسف البدرى من الجنينة
تعالت الضحكات والتعليقات الساخرة بينهم ويوسف ينهض مسرعا نحو ابنه الصغير الذي تسلق الشجرة بالفعل وكاد يصل إلى فروعها العالية كقرد صغير مدرب وبقية الأطفال تشجعه من الأسفل بهتافات صاخبة

*************

تخطت سيارته الفخمة التي يقودها محروس بوابة فيلته ثم ترجل على قدميه يخترق حديقته الغناء بخطواته المتمهلة الوقورة وجو من الهدوء يسود المكان على غير العادة مؤخرا
كاد أن يقترب من درجات السلم المؤدية لباب الفيلا حين اندفعت قذيفة بشرية صغيرة ظهرت من جانب المنزل مندفعة في اتجاه دون قصد حتى ارتطم الجسد الصغير بجسده الضخم فتراجع الصغير للخلف من أثر الصدمة وسقط جالسا على مقعدته أمام عينى أحمد الذي تجمد مكانه مصدوما لبرهة يطالع الطفل الذي يجلس عند قدميه أثر سقوطه
وقبل أن يفتح فمه مستفسرا بعد أن تعرف عليه كانت قذيفتان أخريان تنطلقان من نفس الموقع شاهرين أسلحتهم البلاستيكية في الهواء ومطلقين  صرخة الحرب قبل أن ينقضا على الصغير الجالس أرضا كلا منهما يقبض عليه من كتف يجذبه جهته وصوت شجارهم يعلو سويا في نفس اللحظة
:- أنا اللي مسكته الأول
:- لاه أنا اللي مسكته الأول
ارتفع حاجبي أحمد تعجبا مع جحوظ عينيه وزعق بهما مستفسرا وهو يخلص الصغير الذي لم يكن سوى أحمد ابن محروس من أيديهما
:- بتعملوا ايه في الواد انتوا التنين
أسند عبدالله بندقيته الصغيرة البلاستيكية فوق كتفه مجيبا ببساطة :- بنلعب يا أبوى
واصل أحمد تعجبه متسائلا بحدة وهو يرى أحمد الصغير يلتقط أنفاسه بتسارع أثر ركضه أمامهم
:- لعب إيه العفش ديه
حرك ضياء سيفه البلاستيكي في الهواء وقال بتفاخر :- عسكر وحرامية
أعاد أحمد نظره إلى الجالس وسطهما يستريح ويستعيد أنفاسه ورفع صوته مناديا على محروس ثم عاد يجادل أبناءه متهكما على ضياء
:- وهو العسكر بيشيلوا سيوف دلوك
تلاعب ضياء بسيفه في الهواء زهوا وقدميه تقفز برشاقة في الهواء مقلدا فرسان العصور الوسطى الذي يشاهدهم على التلفاز وأطلق صيحة عالية وهو يطعن الهواء بذؤابة سيفه قائلا
:- عشان أنا فارس كيفك يا أبوى … وبكره اركب الفرس وأحارب بالسيف كيف الفرسان
سطعت بسمة سعادة على ثغر أحمد متأملا نسخته الصغيرة متمثلة في ولد من صلبه طالما أشتاق لوجوده ولو لم يعترف بهذا .. لم يكن يدرك كم هو رائع هذا الشعور حتى اختبره بوجود ضياء الذي يكبر يوما عن يوم أمام ناظريه فيرى فيه نفسه بحركاته وسكناته
حرك مقلتيه نحو عبدالله ابن زوجته فزاد بهاء بسمته حامدا الله على عطائه له بالسند والولد بعد طول سنين عجاف
وصل محروس يجاور رب عمله مجيبا لندائه بعد أن صف السيارة في مكانها :- أمر چنابك
أشار أحمد إلى ابن محروس الذي نهض من مكانه ينفض ثيابه المتربة من أثر السقوط بينما أحمد يعاتبه
:- مهمل ولدك إكده العيال يبهدلوه بيناتهم
صدع صوت ضياء مدافعا بطفولية
:- أحنا بنلعب أمعاه يا أبوي
رمي محروس ولده البكري بنظره قلقة خوفا من أى خطأ يكون قد أفتعله مع أبناء رب عمله ثم عاد يتساءل بتردد
:- هو عمل إيه يا أحمد بيه؟
:- يا بني بجولك متبهدل وسطيهم وبيچروا وراه  .. وأهاه وجع على الأرض ويا عالم إيه اللى وچعه
قالها أحمد السمرى بحمائية واهتمام على الصغير الذي يعتبره بمثابة ابن أخر له
تدخل عبدالله يوضح بدفاع عن صديقه
:- ما احنا بنبدل مع بعض يا أبوي اللي بيجع بيبجي هو الحرامي والباجين يچروا وراه
تضامن أحمد الصغير مع صديقيه وقال يطمئن هذا الرجل الذي يستشعر منه الحنو والاهتمام
:- أنا زين يا عمي أحمد بيه بجع وأجوم تاني عادي .. إحنا اصحاب وبنلعب سوا
تدخل محروس أخيرا يطمئن سيده
:- ما تخافش عليهم يا أحمد بيه ما هو لازمن يچروا ويجعوا ويجوموا من تاني .. ده أنا ياما وجعت واتچرحت وأنا صغير .. شجاوة عيال بجا
زفر أحمد مستسلما لحزبهم وقلبه مازال واجفا حانيا على الصغار .. لا يرغب أن يمس فلذات كبده أى سوء فقال مهادنا ومحذرا
:- المهم ما يصيبش واحد منيكم سوء
أومئ الصغار موافقين بعدة عبارات متداخلة من أصواتهم الطفولية قبل أن يلتفوا حول بعضهم يخططون للعب من جديد أما أحمد فأوصى محروس بخفوت
:- خلى عينك عليهم يا محروس
خبط محروس على صدره بقوة يطمئنه وشرح لهم طريقة لعبهم
:- في عينيا يا أحمد بيه ... هم بيجروا إكده ولما يقبضوا على الحرامى يحبسوه في السچن .. جصدى في البرچولة ويجعدوا معاه يرتاحوا
قالها محروس ضاحكا ووجه أحمد مبتهج بهذا الجو الصاخب الطفولى الذي يملأ ربوع البيت
تباعد الأطفال عن بعضهم ومن الواضح أن أحمد الصغير مازال يلعب دور الحرامى كما اتفقوا ..
تدخل أحمد السمرى بينهم وهو ينزع السيف من يد ضياء ويضعه في كف أحمد محروس وقد إرتأى أن تتبدل الأدوار وقال مقترحا
:- الدور عليك أنت يا سى ضيا ورينا شطارتك
ضرب ضياء على صدره بشقاوة مؤكدا :- أنا كدها يا أبوى .. أنا ضيا السريع
تأملهم أحمد بمرح وعبدالله وأحمد محروس يصطفان بجوار بعضهم وضياء أمامهم يعد الأرقام بشكل عكسى إيذانا للبدء وقبل أن يصل للرقم المحدد كان قد انطلق راكضا تسابقه ضحكاته المشاغبة والآخران ما زالا على وقفتهما
ضحك أحمد بانشراح على شقاوة ولده والآخران يهتفان بتذمر قبل أن ينطلقا في أثره
استدار أحمد نحو محروس واضعا كفه على كتف محروس وسأله باهتمام
:- بالمناسبة كيف حالك بتك الصغيرة
تهللت ملامح محروس وأجاب بسعادة
:- زينة الحمدلله .. والله كن خلفة البنتة ديه حلوة حلاوة يا سى أحمد
ربت أحمد على كتفه برفق يدعو له
:- ربنا يباركلك في ذريتك يا محروس
:- ويخليك لينا يا سيد الناس
أكمل أحمد خطواته صاعدا إلى الدرجات القليلة حتى وصل إلى باب الفيلا المشرع ليتفاجأ بخروج ضياء من الداخل صائحا بشقاوة وذراعيه للأعلى بكفوف مقبوضة :- أنا كسبت .. أنا كسبت
ثم شرع بالرقص بعنقه وأكتافه يرفع سبابته أمام وجهه يغنى أثناء رقصه العجيب بالنسبة لوالده
نمبر وان Number 1
احذر يا طفولة الاسطورة معاك دخلك حياتك عملك ازعاج
أنا في الساحة واقف لوحدي وإنت وصحابك ليا باصين
أسطورة ماشية باكتساح
توقف أحمد يراقب الصغير كما يحب أن يفعل وعلى وجهه ابتسامة جذلة وبعد دقائق قليلة كان الطفلان الآخران يصلان مقطوعى الأنفاس يقذفون بالاتهامات في وجه ضياء الذي يرقص حاجبيه يغيظهم
:- أنت بتغش يا ضيا
:- الدور ده ملغى .. ماتفجناش على إكده
وكما كان يحكم بين كبار العائلات وبين الخصوم من بلدته وقف أحمد السمرى بهيئته البهية وطلته المهيبة يحكم بين الأطفال في ساحة حديقته فاستمع إلى أحمد ابن محروس يشكو إليه
:- يرضيك يا عمى أحمد بيه .. ضيا يُخمنا ويدخل من باب المطبخ اللى على الچنينة لاچل ما يوصل جبلنا ويكسب هو
وضع ضياء سبابته على جانب رأسه وقال بتفاخر :- بشغل عجلى لاچل ما أكسب فيها إيه ديه
تضامن عبدالله في الشكوى لائما على شقيقه الصغير بتعقل طفل ينشأ على الأصول والتفريق بين العيب والحرام
:- جولت لك جبل سابج ما يصحش تدخل إكده على المطبخ أحمد مش هيجدر يدخل  الدار على الحريمات .. وإكده أنت بتغش والغش حرام
مط أحمد السمرى شفتيه فخرا وهو يستمع لربيبه الصغير الذي بدأ يفهم ويطبق الأصول حتى أثناء اللعب
توقف ضياء عن تلاعبه وتباهيه وقد استوعب حديث شقيقه الكبير، استرق نظره نحو والده بحرج وكأنه يقر بخطئه قبل أن ينكس رأسه خزيا أمام والده وشقيقه
تجول أحمد بنظره بين ثلاثتهم ثم قال برفق يراعى صغر سن ضياء عن رفيقيه
:- عنديكم حج يا شباب بتفهموا في الأصول صُح .. وأخوكم ضيا واچب يتعلم منيكم ويفتح عجله على فهم الأصول مش على الخداع والغش
استدار يتركهم وكفه فوق رأس ضياء المطأطأ الرأس أرضا وسحبه معه بضع خطوات ثم توقف ينحنى له قليلا وقد رفع رأسه صغيرة بأطراف أصابعه ومنحه نظرة جادة في عمق عينيه
:- الراچل الصُح .. راچل بكلمته وحفاظه على الأصول وأهل بيته .. مش مهم المكسب المهم تكسب بشرف يا نمبر وان
ربت أحمد على ذقن الصغير برفق ثم ابتعد بتؤدة وأذنه تلتقط صوت ضياء الذي رفع كفيه معتذرا لأصدقائه وأقر معترفا بخطئه
:- خلاص أنا آسف يا رچالة .. نعيد الدور ديه تانى ونلعب بالأصول
ارتسمت بسمة فخر وارتياح على ثغر أحمد بينما هلل الأولاد بسعادة وثلاثتهم يتكاتفون سويا وينطلقون للعب من جديد
ما أن دلف إلى الداخل حتى وجد شموع تقف في استقباله ببشاشة مهللة بترحاب
:- حمدالله على سلامتك يا سيد الناس
أسرعت الخطى نحوه، أناملها تتحسس عضده وهي تدور حوله تتلقى عباءته من فوق أكتافه العالية ثم عادت تقف ملاصقة له حين لف ذراعه حول كتفيها يرد ترحابها
:- ربنا يسلمك ويبارك فيكِ يا دفي الدار
تلألأت مقلتاها بنظرات شغف وعشق لا تقوى على إخفائه وهما يسيران سويا نحو الأريكة المتصدرة بهو المنزل ونظرات أحمد ترصد البهو الخالى وسأل عن بناته، جلست شموع بجواره مجيبة
:- سلمى وسندس في المطبخ ... ونواره وفچر طلعوا من شويه أوضتهم
خلع عمامته يمرر أصابعه خلال شعره القصير جدا وشعيراته الفضية تتلألأ على فوديه معيدا رأسه للخلف قليلا مغمض العينين بإرهاق
تأملت جانب وجهه الأسمر بوله يزداد على مر الأيام بينهما ورفعت أناملها تمررها على جانب رأسه بحنو هامسة بعاطفة مؤازرة
:- شكلك تعبان يا حبة عينى .. ما أنت من الفچرية في الأرض الله يعينك ويجويك
أمال وجهه نحوها يبادلها نظرة عميقة محملة بالمشاعر، يتلقى من اهتمامها وحنانها ما افتقده طيلة حياته ولم ينهل منه سوى منها .. هذه المرأة التي أذابت جليد حياته وأدفئت لياليه بحنانها وعشقها له
حرك كفه يحتوى أناملها الرقيقة يضغط عليها بقوة حانية ومقلتيهما يتحدثان بصمت بكل كلمات العشق والغرام والاكتمال
ربما مرت عدة ثوانى أو دقائق قبل أن يتنهد أحمد بقوة يعدل من وضع ظهره على الأريكة ومازالت كفها مرتاحة داخل كفه في وضع خفى بين جسديهما أثناء حديثهما الهادئ
:- ولدك اتشاجى جوى وعامل مشاكل بره .. بيغش في اللعب ديه أخرتها ولد أحمد السمرى بيغش
قالها بمرح ضاحكا شاركته فيه وقالت تبرر لطفلهما الصغير
:- لساته صغير وبكره يتعلم منيك الأصول .. والحج بجى هو دخل علينا المطبخ يخبرنا أنك وصلت بالسلامة
:- بدافعى عنيه يا ست شموع
مالت بجسدها عليه تمس كتفها بكتفه هامسة بدلال
:- وليه لاه .. ده ولد الغالى اللى مفيش أغلى منيه
عاد للقاء عينيها يتقبل منها عاطفتها الجياشة التي لا تنضب نحوه .. هزت كفها ترفع كفه وتحاوطه بكفها الآخر بحنو قائلة بتعاطف واهتمام
:- مش هتطلع تغير خلاجاتك لاچل الغدا وبعدها ترتاح شويه .. أنت صاحى من النچمة
حرك رأسه بإرهاق وهو يقيم ظهره قائلا
:- لاه .. أنا هجوم اغسل وشى وأيدى وبعد الغدا مش عاوز صوت نهائى .. بدى أنام ساعتين للمغربية
:- أمرك يا ضى العين
نهضا سويا توجه هو نحو الحمام الأرضى أما هي فوقفت تعدل من وضع عباءته ووشاح عمامته بعناية فوق الأريكة ثم أسرعت خلفه عله يرغب في شئ فيجدها رهن إشارته

*************

في منزل البدري ورغم حفاوة استقبال العمة أصيلة والذي يُشعر الجميع إنهم في بيتهم وليسوا ضيوف على المكان ومحاولات الرجال حث جاد الخجول على الاندماج بينهم إلا إنه لم يشعر بالثقة في النفس والانطلاق في الحديث إلا حين بدأ مجرى الكلام يأخذ منحى العمل حينها فقط شرع في الحديث بطلاقة من واقع اجتهاده في عمله وتعمقه في مجاله على أرض الواقع
حينها فقط شعر أن الرؤوس تكاد أن تتساوى فهو يبذل قصارى جهده في العمل كبقيتهم للوصول إلى هدفه وتحقيق مراده
ربما لم يحصل على شهادة تماثلهم ولم يحيى بسلاسة كما عاشوا ولكنه صنع نفسه بنفسه وبتوفيق من الله حقق الكثير من أحلامه
وقت الغداء تم فرش سفرة خاصة جانبية للأطفال ووضع طبق كبير يحوى عدة أصناف أمام كل طفل واطمأنت النساء على شروع الأطفال في تناول طعامهم
أما الكبار فتجمعوا حول طاولة الطعام الغنية بأصناف الأطعمة الشهية وجلست كل أنثى بجوار وليفها بحميمية ليشرعوا في تناول الطعام
كانت ندى تجلس بجوار زوجها بالطبع كبقيتهم فمنحته الشعور بالانتماء النسبي إلى هذه العائلة رغم التفاتها الدائم وحديثها المستمر مع شمس التي تجاورها من الجهة الأخرى
وخلال لحظات تجاهل ندى لزوجها دون قصد وانشغالها في أحاديثها الجانبية ... جال جاد بعينيه على الجلوس حول المائدة كل زوج تجاوره زوجته توليه اهتمامها، تملأ طبقه بالأصناف الشهية الموزعة على المائدة حتى شمس التي تشارك ندى الحديث لم تنسي أن تهتم بيوسف الجالس يمينها فظلت تلتفت إليه كل فينة وأخرى تراقب طبقه وتملؤه إذا احتاج دون حتى طلبه أو سؤاله
أما هي زوجته، عروسه لم توليه أي اهتمام منذ حضورها ناهيك عن سلام فاتر أرجعه لخجلها من أفراد عائلتها ومن حينها وهي تتنقل كالفراشة بين أفراد عائلتها وقد عادت لها روح ندي الشقية المرحة التي سلبت لبه منذ زمن فعاد يرتشف رحيقها بوله بعينين تواقة لها في كل هفوة وخلجة عينان لم يفقدا شغفهما بها ولو لجزء من الثانية
أخفض ناظريه إلى طبقه الفارغ الموضوع أمامه في إحدى لفتاته ووجد في نفسه حرج أن يمد يده ليغرف لنفسه بعض الطعام كما يخجل من خلو طبقه بهذا الشكل وزوجته بجواره لاهيه عنه فابتلع غصته بحرج مفكرا في حاله وكيف كان يُمنى النفس بمجرد رؤيتها عن بعد لكنه الآن يجاورها داخل منزل عائلتها وقد أصبحت مليكته وملك يمينه فأى رفاهية يحياها هو الفقير
صوت العمة أصيلة الجالسة على رأس المائدة البعيد نسبيا عنه هي من أولته اهتمامها كما تفعل مع الجميع فصدح صوتها الحنون لائما زوجته
:- ندي .. كيف تهملي صحن زوچك فاضي إكده ما يصحش يا بتي
أخيراً التفتت ندى نحوه متفاجأة وعلى وجهها علامات الاعتذار مع حركة يديها المسرعة التي تناولت طبقه تملؤه من كل الأصناف المتواجدة ومازالت العمة أصيلة تتحدث بنبرتها الرفيقة المراعية إلى جاد
:- أنت في دارك وبين خواتك يا چاد .. أوعاك تخچل منينا .. مد يدك يا ولدى ما أنتش غريب
أفتر ثغره عن ابتسامة امتنان لهذه المرأة الحنون وردد على استحياء من العيون التي توجهت نحوه
:- دايما عامر بحسك ووچودك يا حاچة
وضعت ندى الصحن أمام زوجها تميل بجوار أذنه معتذرة وكفها يقبض على معصمه، آسفة همسا
:- آسفة يا جاد .. انشغلت بالكلام مع شمس سامحنى
ومن هو ليرفض الاعتذار أو يقدر حتى على خصام أميرته الجميلة، مد كفه يربت على كفها القابض على معصمه برفق متقبلا اعتذارها
لاحظت لينا عيني زوجها المراقبتان بجمود شقيقته وزوجها يقيم ويحلل علاقتهما من خلال تفاعلهما سويا كما يفعل كلما التقيا فلكزته في خصره خلسة بقوة أجفلته فانتفض في مكانه يطالعها بعتب فمنحته ابتسامة رقيقة وهي تميل عليه هامسة بالقرب من إذنه
:- سيبهم يعيشوا حياتهم بدون رقابة يا جلجل
غمزته في نهاية حديثها بشقاوة فتنهد بخفة وتناول ملعقته بحدة ثم شرع في تناول الطعام بصمت ولا تزال مقلتيه تدور عليهما من وقت لآخر باهتمام أب بابنته وليس أخ بشقيقته فهي عهدته وأمانته التي نشأ على حمايتها
قال يوسف المشمر عن ساعديه وهو يتناول دجاجة محمرة من طبق تقديم أمامه وأقتسمها مع زوجته قبل أن يدس جزء منها إلى فمه ويلوكه باستمتاع يتسائل بمشاكسة
:- والفراخ اللذيذة ديه بقي تربيتك يا دكتورة ولا تربية جاد
شاركه جلال مشاكسته قائلا بمرح
:-  تربية جاد تحت رعاية الدكتورة
تدخل طه مشجعا يمدح في مزرعة جاد بجدية بعد أن أبتلع ما في فمه من طعام
:- لعلمكم بجي مزرعة چاد ديه هتبجي من أحسن المزارع في الچيهة كلاتها برعاية تلميذتي النچيبة طبعا ... ولو مش مصدجين چرب الملوخية بالأرانب حاچة تفتح النفس المسدودة
ناغشه جلال بشقاوة وهو يراه يغب من صحن الملوخية خاصته بالملعقة كما يتناول الشوربة بنهم كبير ولولا وجوده وسط الناس لكان تجرعها من الصحن مباشرة
:- المسدودة بقي يا دكتور
ضحك الجميع بمرح وألفة بينهم بينما شهقت ياسمين توقف ما يفعله زوجها مكبلة ذراعه وهي تهمس له محذرة
:- بطنك هتمشي يا دكتور وتبات في الحمام الليلة
قهقه بمرح مائلا نحوها هامسا
:- اطمني يا طبيبة جلب الدكتور أنا تمام جوي ومعدتى تطحن الظلط
قلبت عيناها تناظره بعتب وهى أعلم بما يعانيه إذا أسرف في الطعام، واصل ضحكه المرح مستسلما لطلبها وعاد يتناول طعامه ببطء
انشرح صدر جاد من الجو الأسرى المحيط به بألفة وخاصة بعد المدح الذي ناله هو وزوجته من دكتور كبير كطه فشرع يأكل بشهية مفتوحة ونفس راضية
يسترق النظرات الخجلة نحوهم بوجه منشرح وهو يتابع حديثهم العفوى أما يوسف فأيد حديث طه قائلا
:- حقيقي طعم الفراخ لذيذ أوي .. الأكل كله بصراحة ولا أروع… أنا مش بحس بلذة الأكل ونكهته غير هنا
قال جاد على استحياء وقد استشعر الدفء والألفة بينهم وقرر أن يعبر عما يشعر به
:- ديه حلاوة اللمة يا أستاذ يوسف
أومأ جلال بخفة مؤيدا كما فعل يوسف وهو يفصل جزء من دجاجته المحمرة مادا يده نحو طبق جاد قائلا بمدح وشقاوة
:- صدقت يا جاد ديه أحلي حاجة قولتلها النهارده … تستاهل  حتة الفرخة ديه من أيدى
دارت الضحكات بينهم ببهجة بعد أن انصهر الجليد وسادت الألفة والمسامرة الأسرية

*********
بعد عدة ساعات استيقظ عند المغرب وبعد أن توضأ وصلى شرع في النزول من جناحه الخاص إلى بهو المنزل حيث يتجمع أولاده بالأسفل
تهادى على درجات السلم يقلب نظره برضا في البهو الممتلئ ببناته وأبنائه من مختلف الأعمار
يشعر بالزهو والرضا في نفسه حامدا الله على هذه العزوة الكبيرة المتعايشة في سلام مع بعضهم البعض
زوجته التي أصبحت قريبة لبناته، صديقة وأخت كبيرة لهم وأم للأصغر سناً منهم فذابت بينهم الحدود وتوحدوا كأسرة حقيقية يدعم بعضهم بعضا
توقفت مقلتاه ببسمة حانية على ثغره نحو أبنائه الذكور حيث يلعبان سويا بالمكعبات لصنع بناء كبير زاهى الألوان يحتل جانبا كبيرا من البهو
صحيح أن عبدالله ابن زوجته لكنه تلقاه من يوم ميلاده فأصبح الابن الذي كان يصبو إليه حتى أكرمه الله بضياء الذي أنار حياته
رفعت شموع عينيها الباسمة له تستقبله بوله لا تخفيه وهو يتقدم نحوها حيث تجلس في صدر البهو تقوم بحياكة شئ ما
لف رأسه جانبا حيث تجتمع بناته حول مائدة الطعام للدراسة سويا وألقى عليهم تحية المساء
انتبهت البنات نحوه فسارعوا بالنهوض من أماكنهن وكانت أول الواصلين له نواره التي أحاطت خصره كعادتها تستقبله بحضنها الدافئ
ضمها تحت جناحه واتجه نحو الأريكة يجلس بجوار شموع التي ربتت على كتفه بحنو
صدح صوت ضياء من مكانه يعرض ما يعمل عليه هو وشقيقه بتباه
:- شوفت عملنا إيه يا أبوى .. دوار كبير كيف دوار چدى عدلى
:- چميل يا ضيا تسلم يدك أنت وأخوك يا باشمهندس
أما فجر أصغر بناته فقد تسللت إلى صدره كالماء الزلال بنعومة وخجل فطرى فاستقبلها بحرارة يدللها بمشاكسة ولثم وجنتها الناعمة بحب
:- يا مرحب بالغربية الناعمة بتاعتى
انضمت سلمى وسندس إلى الجلسة على المقاعد القريبة يتابعان محاوطة الصغار لوالدهم، يعلم أنه يزيد من دلال الصغار ربما لأنه يشعر إنه لن يعيش ما يكفى معهم وربما بسبب ما صنعته زوجته الأولى الراحلة من حاجز بينه وبين بناته الكبار فأهمل في تربيتهم لسنوات
صحيح إنه استطاع تخطي هذا الحاجز وصنع قناة للحوار والنقاش بينه وبينهن ولكن يظل هناك نوع من الخجل والحرج يفرضه عمرهم ويمنعه من الإفراط في تدليلهن كما يدلل الصغار إنما يأتى دلالهن بطرق آخرى كتوفير كل متطلباتهن المشروعة
حرك رأسه على وجوه بناته المتحلقات حوله وتساءل بمرح
:- إيه يا بنات .. أنا چيت عطلتكم عن دروسكم ولا إيه!!
:- لا أبداً يا بابا .. حبينا نجعد معاك شوي وأهو كمان نريح من الدراسة
قالتها سلمى باحترام ومودة لوالدها الذي أومأ برأسه موافقا وقال بتفخيم مصطنع غرضه التدليل وإشعارها بأنوثتها الفتية
:- تنورونى يا آنسة سلمى
ابتسمت سلمى في وجهه ببشاشة في حين أراح ظهره إلى ظهر الأريكة يتابع ما تفعله زوجته وطلب منها بإرهاق
:- شموع بدى كوباية شاى تجيل .. دماغى مصدعة
هبت سندس من مكانها تتدخل في الحديث بلهفة قبل أن تحرك شموع طرفا
:- الشاى والكيك چاهزين وحالا يكونوا عنديك يا أحمد بيه
فزع أحمد من صوتها ولهفتها في الحديث فناظرها بتعجب فوضحت شموع بنبرة باسمة
:- أصل سندس محضره نوع كيك چديد وبدها تچربوه فينا
همس بخفوت :- ربنا يستر
ضحكت ابنتاه الصغيرتين المجاورتين له قبل أن يرفع صوته يشاكس سندس التي وصل لها تعليقه الساخر
:- وده فصل كام في المنهچ يا شيف سندس
قطبت سندس حاجبيها بجدية تبرر بحمائية عن صنع يديها
:- وأنا سبج وعملت حاچة وحشة يا أبوى
أقر بصدق مدافعا عن نفسه
:- لاه .. لاه طبعا بس أنتِ خابرة أبوكِ مالوش في الحلو .. شوفيلى حاچة حادجة وأنا تحت أمرك
تكتفت تردد بدلال وقد تجمع الولدان الصغيران حول باقى الأسرة أيضاً
:- ما كنش العشم يا أبوى .. ده أنى حرمت على أى حد يدوجها جبل حضرتك
التفت نحو سلمى المبتسمة في مكانها تتابع بصمت وتسائل باستسلام
:- يعنى مفيش مفر
هزت سلمى رأسها نفيا من خلف ظهر شقيقتها في حين تعالت أصوات الصغار متطوعين للتذوق فقال بقبول
:- ندوج يا شيف سندسة .. بس اتوصى بالشاى الله يكرمك
همت شموع في النهوض من مكانها تقول باهتمام توليه لزوجها الحبيب
:- أنا هظبطلك الشاى يا سى أحمد
أوقفتها سندس بكفوف مفتوحة في الهواء
:- لاه .. خليكِ مكانك يا شموع أنا هعمل كل حاچة وهقدم السرفيس بنفسى
لف أحمد رأسه نحو شموع غامزا بخفة
:- خليكِ يا شموع .. يمكن الشاى عليه درچات هو كمان
ضحك الجميع في جو من المرح والألفة بينهم في حين تحركت سندس بحماس نحو المطبخ تتبعها سلمى ولحقت بهم نواره المتحمسة للتذوق
دقائق وكان الجميع يتحلقون حول المنضدة القصيرة بالبهو الموضوعة أمام أحمد وعليها صينية تحوى كوب من الشاى الثقيل خاص بأحمد وأكواب أخرى من العصير والمياه الغازية إلى جانب مجموعة من الأطباق الفارغة
وفي المنتصف كانت تقبع الكيكة المستديرة الشكل متخذة شكل القالب التي صُنعت به فكانت فارغة من المنتصف بشكل دائرى ومموجة من الأعلى بانسيابية مع لمعان طبقتها العليا أما النصف السفلى فكانت تشبه الكيك بالشيكولاتة
ضيق أحمد عينيه بحيرة متسائلاً بتوجس من تجارب سندس المطبخية والتي تجعل منه ومن شقيقاتها حقل تجارب لها
:- إيه ديه يا سندس .. مش شكل الكيك العادى
ابتسمت سندس زهوا وشرعت تقدم عملها المتقن كمذيعة تلفزيونية مشيرة إلى تحفتها المطبخية
:- ديه كيكة (قدرة قادر)
عقد أحمد حاجبيه يستمع إليها باهتمام بينما أشقائها وشقيقتها يجلسون حولها على ركبهم حول المنضدة في انتظار الحصول كلا على نصيبه في حين استطردت سندس شارحة
:- ديه نصها كيك بالشيكولاتة والنص اللى فوج كريم كرامل .. محتاجة فن ومهارة عشان تطلع بالچمال ده
انشرحت ملامح أحمد من نبرة الفخر التي تتحدث بها ابنته وهي ترفع السكينة وحامل الكيك كلا في يد وتشرع في إعداد أول طبق من أجله وقال مشجعا
:- شكلها تفتح النفس الصراحة .. تسلم الأيادى اللى عملتها
اتسعت ابتسامتها زهوا وهي تقدم نحوه الطبق وتنتظر رأيه في حين بدأ الصغار في التذمر والمطالبة بنصيبهم من قالب الكيك
تناول أحمد قطعة لاكها ببطء وعينيه ترتفع لأعلى يتصنع التفكير لثوانى تابعته فيها سندس بحماس ضامة كفيها بقوة في انتظار رأيه
رمقها بطارف عينه ثم رفع إبهامه لأعلى وقال بجدية تميل للمبالغة في تشجيع ابنته
:- حلوة جوى وچديدة عمرى ما دوجت أحلى منيها
صفقت بكفيها سريعا مهللة بفرح وكأنها قد نالت شهادة تخرجها الآن والأصوات تتعالى من حولها تطالب بنصيبها فبدأت في توزيع أنصاب متساوية على جميع أشقائها
ناول أحمد شموع الجالسة بجواره طبقه لتكمل قطعته فقطبت سندس جبينها بإحباط تتساءل بانطفاء
:- ليه يا أبوى .. تبجى معچبتكش
أعاد يده بالطبق مرة أخري يجيبها ويراضيها بصدق
:- كيف بجا والله حلوه .. بس أنتِ خابرة أبوكِ ما لوش فى الحلا وأها يا ست البنتة ولا تزعلى
دس قطعة صغيرة أخرى في فمه دفعت سندس للابتسام ممتنة ثم اندمجت مع آراء أشقائها في صنع يديها ببسعادة
ناول أحمد شموع الطبق  بهدوء
:- كملى نصيبى أنتِ يا شموع وأنا هشرب الشاى
تقبلته منه بمحبة بينما رفع هو الكوب الساخن في يده يتناول منه بنهم يحاول السيطرة على الصداع الذي يتراقص داخل رأسه وجسده يطالبه بقدر من النيكوتين يُسكن به الألم إلا إنه لا يدخن السجائر وأبناءه بهذا القرب منه حرصا عليه وبالطبع لن ينهى هذه الجلسة الدافئة من أجل بضع نفحات من الدخان
فتحامل على نفسه وتلاهى بأحاديث ومداعبات الصغار سويا في جو أسرى دافئ يُشعره بالانتشاء والسرور
مر بعض الوقت قبل أن يقطع هذا الدفء العائلى جرس الباب الذي أسرعت إحدى عاملات المنزل بفتحه ثم أسرعت نحو أحمد تخبره بتأدب
:- الداكتور أسامة بده يجابلك يا أحمد بيه
أومأ أحمد بقبول في حين بدأت شموع والفتاتان الكبار في الانسحاب ليستتروا من القادم بينما ظل الصغار على نفس جلستهم
عادت العاملة تسمح لأسامة بالدلوف وسارت خلفه حتى استقبله أحمد بترحاب :- يا مرحب بالدكتور الهمام
مد أسامة كفه يصافح يد أحمد الممدودة بقوة ويرد تحيته بينما انحنت العاملة تحمل الأطباق والأكواب الفارغة من فوق المنضدة وتركت البقية فأمرها أحمد بهدوء
:- اعملى للدكتور شاى وفنچان جهوة ليا
التفت إلى أسامة يخيره في طلبه فهو يحتاج للقهوة من أجل ألم رأسه
:- ولا تشرب جهوة يا دكتور؟
:- لا .. شاى كويس يا عمى
أومأ أحمد للعاملة لتتحرك وأشار لأسامة بالجلوس الذي لاحظ بفطنته أنه قاطع جلسة عائلية فقال معتذرا بتأدب
:- أنا بعتذر إنى جيت بدون ميعاد .. بس بقالى يومين في البلد وكنت ناوى أزور حضرتك وغصب عنى أتأخرت .. النهارده انتهزت الفرصة وقولت لازم أعدى على حضرتك
:- تنور في أى وجت يا دكتور .. الدار دارك
التفت أسامة نحو نواره وفجر اللاتى نهضن من أماكنهن وحياهما
:- كيف حالك يا نواره و.. فجر مش كده ..ما شاء الله كبرتوا أوى
ابتسمن بخجل تتشابك أكفهن سويا يردون تحيته ونواره ترد عليه بخفوت وهي تتطلع في وجه والدها
:- بخير الحمدلله
تحركتا بعدها مبتعدتان بعد أن جمعوا كتبهم من فوق المائدة أما ضياء وعبدالله فعادوا إلى لعبهم وأسامة يشير إليهم
:- وده ضياء .. ما شاء الله عليه أنا يظهر غبت كتير أوى
صحح أحمد له وشمل ابنه بالتربية
:- ضياء وعبدالله أخوه .. صحيح غبتك طولت يا دكتور المهم تكون بفايدة
اعتدل أسامة في جلسته يواجهه  أحمد مفسرا بامتنان
:- والله يا أحمد بيه أنا جاى النهارده أشكر حضرتك جدا .. ما تتصورش حضرتك بوكيه الورد اللى بعته في مناقشة الماجستير بتاعتى أثر فيا قد إيه ... طبعا كان نفسى أتشرف بحضورك الشخصى لكن فكرة إن حضرتك فاكرنى وبعتلى ورد والله حسيت بكمية طاقة إيجابية كبيرة جدا وحضرتك عارف مقامك عندى قد إيه
استمع أحمد له بملامح بشوشة وقال يشجعه
:- وأنا كنت سعيد بدعوتك ليا على المناجشة ولولا المشاغل كنت حضرت بنفسى .. بس تتعوض في رسالة الدكتوراة يا دكتور
أومأ أسامة بامتنان وقبل أن يتكلم كان أحمد يشير إلى الجزء المتبقى من قالب الكيك والذي تركته العاملة مع باقى الصحون والأشواك النظيفة
:- اتفضل يا أسامة ما انتش غريب ..  help yourself
أومأ أسامة شاكرا ببسمة خفيفة وشرع في عمل طبق لنفسه وأحمد يسأل باهتمام وهو يشعل إحدى سجائره أخيرا بعد أن أبتعد الأطفال عنه
:- وناوى على إيه بعد الماچستير إن شاء الله
رفع أسامة قطعة كيك إلى فمه لاكها سريعا ليجيب على سؤال أحمد
:- والله يا عمى قدامى أكتر من اختيار أهمهم وظيفة مدرس مساعد في جامعة المنيا وده هيخلينى قريب من البلد .. ما أكدبش على حضرتك حياة الغربة صعبة أوى وأنا تعبت منها
دس قطعة أخرى في فمه يلوكها باستمتاع وأشار بطرف الشوكة إلى قطعة الكيك يتسائل بتلذذ
:- اسمها إيه البتاعة ديه يا عمى
أمال أحمد رأسه قليلاً يحاول تذكر الأسم وقال بتردد :- جدورة
ضيق أسامة عينيه بتعجب متسائلا :- قدورة!! .. مش ده اسم محل سمك يا عمى
زم أحمد شفتيه مفكرا يمج من سيجارته ثم قال مصححا
:- اسمها اللى يجدرك عليه ربنا
ابتلع أسامة محتويات فمه متشككا في الأسم ولكنه قال باستحسان
:- حلوه قوى أول مرة أكلها
:- بالهنا
قبل ذلك بعدة دقائق بالقرب من المطبخ تختبئ سلمى وسندس خلف حائط الممر يراقبون ابن خالتهم أثناء دلوفه للبهو وقد تبدلت ملامحه كثيرا عن عدة سنوات مضت، فقد اكتسب بعض الوزن ليتخلى عن نحافته الشديدة فازداد وسامة وتألقا خاصة مع تأنقه الذي يليق بأستاذ جامعى
همست سندس التي تقف خلف شقيقتها تميل عليها قائلة باستحسان
:- ده شكل أسامة اتغير خالص يا سلمى تصدقى بقى أحلى من الأول بكتير ... راچل ملو هدومه صُح
مالت أكثر على أذن سلمى تهمس بخفوت
:- يكونش الرچالة بتحلو لما بتكبر في السن كيف ما الحريم بتدور وتحلو
لكزتها سلمى بمرفقها في معدتها زاجرة :- اتحشمى يا سندس
توجعت سندس متبعدة عن ذراع شقيقتها وقالت متبرمة :- أنا جولت حاچة
فجأة اتسعت عيناها وقطعت حديثها وصوت أسامة يصل إليهم متسائلا
:- اسمها إيه البتاعة ديه يا عمى
همست سندس بغضب وهي تتخطى سلمى لتتابع ما يُقال بالخارج
:- بتاعة .. بيجول على كيكتى بتاعة
ضحكت سلمى بخفوت تراقب انفعالات شقيقتها المتحفزة وشموع تنضم لهم قائلة بزجر
:- واجفين إكده ليه .. ميصحش إكده
جحظت مقلتى سندس وشهقت بجزع وصوت أحمد يصلهم :- جدورة
كتمت سلمى فمها بكفيها تمنع انطلاق ضحكتها الصاخبة خاصة وأحمد يصحح من جديد اسم الكيك بما قضى على آخر ذرة تعقل في رأس سندس
:- اللى يجدرك عليه ربنا
أطلقت سندس شهقة ثانية تدور حول نفسها تهمهم بجزع وكأن هناك من سبها شخصيا
:- إكده يا أبوى .. يبجى مش عچباها مادام نسى اسمها
اتسعت ابتسامة شموع بدورها وهي تحاول تهدئتها والدفاع عن أحمد
:- هو حُصل إيه يعنى .. غلط في الشيف تكاته وحركاته .. أبوكِ ماياخدش في باله الكلام ديه
حركت سندس كفيها برفض قاطع وقالت بإصرار تدافع عن عمل يديها
:- لا لا أنا لازمن أدخل أصلح الغلط ديه
تمسكت سلمى بكتفها تحاول ردعها بتعقل
:- غلط إيه يا مچنونة .. الكيكة نفسها مش زعلانة
ضحكت شموع مع سلمى تخبطها على كتفها بمرح لكنهما تفاجأتا بسندس تدلف إلى المطبخ وتسرع لإعداد صينية ضيافة جديدة مرددة بجدية لعاملة المنزل
:- هاتى الشاى بسرعة .. وفين الجهوة بتاعه أبوى
تبعتها سلمى وشموع للداخل أسرعت العاملة تصب القهوة في كوب صغير ووضعتها بحرص داخل الصينية وقالت محذرة
:- أهيه الجهوة براحة على الوش
رفعت سندس وجهها نحو شقيقتها تحثها على الانضمام لها :- تعالى معايا يا سلمى
:- سلمى مين .. أنا مش هدخل چوه
تجاهلت سندس كلام شقيقتها مرددة لنفسها بحنق وهي تضع قالب كيك جديد داخل الصينية
:- أنا هضحى بالكيكة اللى كنت هاخدها الصبح الكلية ... أنا أشيل صينية وأنت التانية يا سلمى
أوقفتها سلمى بجدية :- بطلى چنان يا سندس .. أنا مش هدخل
شاركتها شموع رفضها :- اعجلى يا سندس .. أبوكِ يزعل لو دخلتم بنفسكم إكده من غير ما يطلب منيكم
عدلت سندس من وضع حجابها وقالت بجدية
:- أبوى مش هيجول حاچة .. أسامة ولد خالتنا وعارفنا وشايفنا مية مرة جبل سابج .. تعالى أمعاى يا سلمى مايصحش أدخل لحالى وأبوى مش هيجول حاچة بنضيف ولد خالتنا .. يلا عشان خاطرى
استسلمت سلمى أمام إلحاح شقيقتها على مضض وتوجهن للبهو كلا منهن تحمل صينية وألقين السلام بخفوت وعيونهن تطلع في وجه والدهم الذي زجرهم بنظره عين
وضعت كلا منهما صينيتها فوق المنضدة وأسامة الذي أجهز على محتويات طبقه يضعه فوق المنضدة يرحب بهن
:- يا مرحب ببنات خالتى .. كيف حالكم؟..
اتخذت سلمى جانب والدها تضع أمامه كوب قهوته وأسامة يتحدث إليها بتأدب
:- سمعت أنك في السنة النهائية السنة ديه يا سلمى بالتوفيق إن شاء الله
:- متشكرة جوى
أثناء ذلك كانت سندس مشغولة في وضع آخر قطعة من القالب الأول في طبق نظيف ووضعته أمام أسامة ثم أخلت المنضدة ووضعت القالب الثانى ووقفت تقول بجدية لأسامة وعينيها على والدها وكأنها تبرر سبب دلوفهم وتعاتبه على نسيانه في نفس الوقت
:- يا رب كيكة جدرة جادر تكون عچبتك يا ولد خالتى
مط أحمد جانب فمه مستهزأ في حين أسرع أسامة للإجابة
:-  قدرة قادر .. حلوة أوى .. أول مرة أدوقها تسلم أيد اللى عملها
انتفخت أوداج سندس وشعرت إنها قامت بمهمتها في الدفاع عن تاريخ الطهى الحديث فتأبطت ذراع سلمى وابتعدتا سريعا
تجرع  أسامة رشفة من كوب الشاى الخاص به ثم تناول الطبق المعد يتناول منه بنهم
وأحمد يحدثه بجدية :- وناويت على إيه يا أسامة؟..
انتبه أسامة للحديث معتذرا بتأدب
:- لامؤاخذة يا عمى أصلى متغدى بدرى النهارده والبتاعة ديه حلوة أوى
أومأ أحمد ببساطة بينما تنحنح أسامة ثم واصل الحديث يجيب عن السؤال
:- أنا عندى مقابلة مع رئيس الجامعة بعد يومين وبعدها هقرر .. وإن شاء الله ربنا يوفق وقتها هدور على شقة فى المحافظة جنب الجامعة واستقر هناك وأهو هبقى قريب من أهلى هنا وكل أسبوع عندهم
:- قرار سليم .. ربنا يوفقك
تململ مكانه ووضع الطبق أمامه بعد أن أنهى نصف القطعة وقال بحرج
:- بصراحة يا عمى أنا بميل إنى استقر بقى ... أنا بقى عندى 28 سنة دلوقت وحضرتك عارف أمى ما تتوصاش في موضوع الجواز .. أنا بقالى يومين في البلد وعرضت عليا لحد دلوقت خمس عرايس ما بين صور وأو زيارات لبيتنا
ابتسم أحمد يتفاعل مع الحديث وقال ناصحا
:- حجها يا دكتور .. ما هو أنت اللى فاضل من خواتك
:- وأنا ناوى بإذن الله بس أعرف راسى من رجليا الأول .. يعنى أخد قرار هقبل الشغل في الجامعة هنا ولا هعمل إيه .. يعنى أروح لأى عيلة أقولهم معرفش بشتغل إيه ولا هسكن فين
تجاوب أحمد معه مقتنع بوجه نظره :- عين العقل
استمر أسامة في الحديث مستأنسا بمجالسه أحمد حتى انتهت الجلسة وانصرف مودعا

*********
 
انتهى التجمع العائلي في منزل البدرى وسار كلا في طريقه نحو منزله ونظرا لقرب منزل طه وياسمين من دار البدرى قررا المشى إلى منزلهم أما ندى وجاد فمنزلهم يقع على أطراف البلدة وكالعادة رفضت ندى أن تشارك جاد سيارته النصف نقل التي يستخدمها في عمله ولا يملك سواها كما رفض هو قبول عرض جلال بأن يأخذ سيارته ويعيدها في الغد فكان نصيبهما أن يركبا توكتوك وهو الوسيلة الأكثر انتشار في القرية ليوصلهم إلى منزلهم بعد أن ترك جاد سيارته بجوار منزل البدرى
ورغم رفضها لذلك لأنه لا يتناسب مع قيمتها كمدرسة بالجامعة ودكتورة معروفة في البلدة ولكنها وافقت على مضض فلا مفر من ذلك فوسائل الانتقال داخل القرية قليلة
ساد الصمت بينهما طول الطريق بل ساد التجهم والنفور من جهتها فليس هذا ما كانت تصبو إليه .. ولم تعمل له حساب
ما أن توقف التوكتوك حتى ترجلت منه مسرعة نحو بوابة المنزل ومنه إلى الأعلى وكأنها تخشى أن يراها أحد يتبعها جاد بعد أن نقد السائق أجرته
دلف من باب الشقة المفتوح ليجدها تجلس على رأس مائدة الطعام القريبة من الباب
تنقر بأناملها فوق سطحها الزجاجى بعصبية وكفها الآخر يمسح على جبينها بانفعال
أغلق الباب خلفه وترك مفاتيحه فوق الطاولة يتأملها بتعجب كنبرته التي خرجت قلقه
:- في إيه يا ندى .. ما كنتِ كويسة في العزومة إيه اللى حصل!!
فردت كفها التي كانت تنقر به وهوت بها على سطح الطاولة وهي ترفع عينيها المحتقنتين نحوه باستنكار تجيبه بصوت حانق من بين أسنانها
:- في إيه .. مش عارف في إيه يا جاد!!.
تجمد مكانه لا يفهم سر الحالة التي تعانى منها الآن .. ولا يفهم نظرة عينيها الهجومية نحوه .. ما الذي أخطأ به!!
من وجهة نظره هذه  العزيمة مرت على خير ما يرام ولم يحدث بها ما يسيء لها
هبت من مكانها تواصل هجومها الغير مفهوم
:- في إنك احرجتنى بكسوفك وخجلك الغير مبرر  وسط رجالة عيلتى
رفعت كفاها أمامها تقلبهم في الهواء متسائلة بحيرة حانقة
:- أنا مش فاهمة إيه اللى ناقصك .. ليه متكونش واثق من نفسك زى جلال .. ولا يوسف بخفة دمه وحضوره اللى يجذب الانظار
رفعت أناملها مضمومة أمامها تردف بحرقة
:- ده حتى دكتور طه الخجول الهادى بطبعه بيثبت وجوده رغم كلامه القليل
جرت مقلتاها على جسده صعودا وهبوطا بنظره جنونية متسائلة
:- أما أنت .. قاعد منزوى .. ما تفهم خايف ولا مكسوف ولا إيه بالظبط
خبطت كفها بالآخر بعصبية مستطردة باستهجان غاضب
:- واللى زاد وغطى عاوزنى أنا .. أنا الدكتورة ندى أركب عربيتك النص نقل والنص عمر ... وآخرتها اركب توكتوك
فتحت ذراعيها بجوارها في الهواء وأغلقتهم ضاربه على فخذيها
:- تبقى مصيبة لو حد من الطلبة بتوعى شافونى بالمنظر ده .. كان فيها إيه يعنى لو أخدت عربية جلال ولا السواق كان وصلنا .. هاه ليه ترفض .. أنا مش فاهمة
صرختها بانفعال في نهاية كلامها وهي تتنفس بتسارع بينما يقف هو أمامها يتأملها بهدوء ظاهرى كاتما كل انفعالاته الداخلية وكرامته كرجل من أجلها هي فقط .. ومن غيرها تنحنى لها الروح ويخضع القلب
تركها لدقائق قليلة تستعيد بعض من هدوئها وهو يدور حول مائدة الطعام التي تفصلهما وشعور بالدونية والخزى يجثو على روحه بمرارة وعلى قلبه بثقل الجبال
توقف أمامها أخيرا يزفر بقوة يحاول ضبط انفعالاته وصوته يخرج عميقا رغم نبرة التخاذل فيه متخطيا حديثها المقارن بينه وبين رجال عائلتها
:- لو مشكلتك في عربيتى الكحيانة اللى باكل بها عيش .. تحت أمرك يا دكتورة مش هتشوفيها تانى
تهاوت على الأريكة خلفها من شدة انفعالها تستمع إلى حديثه الذي يبدو هادئا ويخفى في طياته مرارة الألم
:- ولو المقارنة بينى وبين رجالة عيلتك مش في صالحى .. فأنا كنت واضح قدامك من البداية وأنت عارفة أصلى وفصلى
أغلقت جفنيها بقنوط فهوى على ركبته جاثيا أمامها يحتوى كفها بين راحتيه كاشفا بسفور عن مشاعره المتفجرة نحوها وتمسكه الشديد بها رغم الصعاب والخطوب وهمس راجيا بقلة حيلة
:- لو بأيدى كنت جبتلك نجوم السما وفرشتهم تحت رجليلكِ مش مجرد عربية تنتقلى بها .. أنا عارفة قيمتك ومكانتك كويس جدا وأبدا مش قصدى أقلل منك لكن..
طأطأ رأسه بكبرياء مهدم وقلة حيلة ترتع بين جنباته وصوت مبحوح خزيا :- اليد قصيرة .. قصيرة أوى
ازدرد ريقه الجاف حرجا وضعفا مردفا
:- وأنا مش عاوز استغل امكانيات أى حد تانى وخصوصا لو من عيلتك .. أنا مش طمعان في حاجة وعاوز أعيش على قدى
طغت عاطفته وحرصه على عشقها الذي ملك عليه روحه فطفرت الدموع تتلألأ في عينيه دون انحدارها يردد بعاطفة مشوبة بألم العشق وسنين الفراق
:- أنا مش طمعان سوى في حبك ورضاكِ عليا .. وآسف إنى أقل منك في حاجات كتير لكن يشفعلى حبى لكِ
تأملت عاطفته المتوهجة بألم تعلم مقدار عشقه لها ولا تنكر عليه حبه الذي أبهرها وجذبها له .. الصدق يقطر من حروفه وكل انفعالاته تصرخ بغرامه بها وكيف لا تهدأ وترضخ لهذا العشق الذي لم تشهد مثله من قبل
يتلمس قلبها مرارته وآلمه الدفين الناضح على ملامحه وصوته فمالت عليه تعقد ذراعاها حول عنقه تضمه إليها في اعتذار صامت على انفعالها عليه وهي أعلم بظروفه وإمكانياته الضعيفة وقد ارتضت به على هذه الحالة فلا يحق لها التذمر الآن
نحت جانبا مشاعرها المضطربة أمام ضمته القوية المتشبثة بها تشبث طفل تائه أعادوه للتو إلى أحضان أمه بعد غياب سنوات لتبادله الاحتضان وتتوحد الأجساد فتتسلل المشاعر بينهما وتفيض عليهما لتذوب كل الفوارق ولا يبقي سوي روحين عاشقين
************
في الليل وداخل جناحهم الخاص جلس أحمد على أريكة جانبية مواجهة للنافذة المفتوحة يطالع أعالى النخل المتراقصة تحت ظلال السماء بعقل شارد حتى إنه نسى سيجارته المحترقة بين أصبعيه دون أن يقربها
على بعد أمتار قليلة كانت شموع تتزين أمام مرآتها بوجه بشوش وفكرة مبهجة تتراقص داخل جنبات قلبها كأزيز النحل تثير في نفسها نشوة دافئة
التفتت نحو زوجها السابح في عنان السماء بعينيه غافلا عنها ... جرت مقلتاها على جلسته المسترخية بوله وشغف لا ينطفأ بين جنباتها إلى هذا الرجل الذي كان لها الحماية والسند والأمان حين غدرت بها الحياة وكان الدفء والسكن الذي تحيا فيهما الآن
تقدمت منه ببطء قبل أن تنحنى تسحب السيجارة المشتعلة من بين أصابعه وتضعها في المنفضة القريبة فانتبه لها
يطالع ملامحها الحبيبة بترو وأنامله تمر على جانب وجهها بدفء .. جاورته على طرف الأريكة تتساءل بهدوء مهتم
:- اللى واخد عجلك يا سيد الناس ومهملنى إهنا لحالى
لانت ملامحه الجامدة قليلا زافرا بعمق قبل أن يطلق سؤال يشغل باله
:- إيه اللى دخل سلمى وسندس اليوم بالضيافة لولد خالتهم .. كانت فين مسعدة ولا شوجية يجدموا الواچب
ضحكت شموع فجأة بمرح وشرعت تجيبه أمام عينيه الذاهلة
:- سندس السبب .. چن چنانها لما غلطت في اسم الكيكة بتاعتها وكأن حد شتمها ... البت ديه برچ عجلها طار من حبها في المطبخ وجالت لازمن تدافع عن الكيكة بتاعتها
واصلت شموع ضحكها على ذكرى ما حدث لاهية عن تعبيرات أحمد المتعجب لحديثها والذي عاد ليسأل مستفهما
:- يعنى هو ديه السبب بس
أومأت بقوة مؤكدة بتلقائية
:- أيوه أومال هيكون إيه .. ديه حتى سلمى رفضت تخرچ لكن سندس أچبرتها وجالت إن الداكتور ابن خالتهم ومش غريب فأنت مش هتزعل
أسند ظهره للأريكة يطالع السماء من جديد في صمت ظاهرى وعقله وقلبه يتحاوران في مستقبل بناته اللاتي أوشكن على مفارقته بالزواج
عليه أن يفكر جيدا ويتخير الأفضل لهن فهما أمانة الله له وكم كان مقصرا معهما بالذات في صغرهما فعليه أن يعوضهما الآن خيرا
لامست شموع عضده بدفء تنتشله من شروده بحديثها الهادئ ظنا منها إنه غاضب من فعل الفتيات
:- بناتك ما شاء الله عليهم ما يطلعش منيهم العيبة وبيخافوا على زعلك جوى جوى من كتر حبهم فيك
كم كانت كلماتها العفوية كالبلسم لروحه فأدار وجهه نحوها يتسائل باللهفة :- صُح يا شموع .. البنات بتحبنى
فغرت فمها مستنكرة سؤاله وأجابت بسرعة تضغط على عضده بدفء
:- أبااه وديه فيها حديت ديه .. مين يعاشرك ولا يعشجك يا سيد الناس
رفع حاجبه بتلاعب يناظرها بمشاكسة أظهرت البسمة على جانب فمه من عشق هذه المرأة اللامحدود له
اتسعت بسمتها الخجولة ومالت برأسها تريحها فوق صدره الحانى وذراعيها تحاوطان خصره بهيام، تركن إلى حصن أمانها ومصدر الحنان في دنيتها
ربت على ظهرها برفق ثم مرر أنامله خلال شعرها الغزير بنعومة يداعب خصلاته برقة، همهمت باستمتاع قبل أن ترفع رأسها ببطء تسأله بمكر أنثوى
:- شوفت الجعدة بتبجى حلوه كيف وسط العيلة واللمة الحلوة
لم يكن ذهنه صافيا لذا لم ينتبه لنبرة المكر في حديثها فليست أول مرة يجتمع كل أولاده حوله فرد ببساطة :- ربنا يبارك فيهم چميعا
:- آمين يارب .. ربنا يبارك ويزيد
لمحته بطرف عينيها تستشف وقع كلماتها عليه فوجدته يومئ ببطء ثم توقف عند الكلمة قليلا قبل أن يتساءل بحاجبين معقودين :- يزيد!!
عدلت ظهرها مستقيمة ترمق ملامحه المفكرة في بناته الكبار في الوقت الحالى وجانب فمه يتحرك ببطء ثم أردف بخفوت
:- إن شاء الله يزيد بأزواچهم وأولادهم .. أحفادى
انتشى للكلمة التي خرجت من فمه بعفوية ثم مط شفتيه يعيدها ببطء واستمتاع
:- أحفادى .. أحفاد أحمد بيه السمرى
شهقت بصدمة تردد بعتاب أنثوى تلون فيه صوتها
:- أحفاد!! .. لسانا في الولاد يا سي أحمد
انتبه إلي ملامحها اللائمة واسترجع حديثها سريعا ثم قال بعدم فهم :- مالهم الولاد يا شموع .. غرضك تجولى إيه؟
شبكت أصابعها تطأطأ بخجل ثم رفعت عيناها إيه تبلل شفتيها قبل أن تقول بحياء خافت
:- يعنى ربنا يرزجنا بالذرية الصالحة
تراجع رأسه بصدمة متسع العينين يردد خلفها بتيه
:- الذرية الصالحة .. بدك تخلفى تانى يا شموع!!
انشرحت ملامحها واتسعت ابتسامتها تأكيدا على ما فهمه بينما فغر فمه بعدم تصديق ونهض من مكانه مبتعدا عنها
:- عيال إيه تانى يا مخبلة أنتِ .. أنا بناتى على وش چواز
نهضت خلفه تلحق به ثم دارت نحوه تستوقفه
:- لاچل إكده نچيب إحنا عيل كمان جبل ما يتچوزوا فيه إيه ديه
رفع جانب شفته بما يشبه الابتسامة غير مصدق ما تفكر فيه وما يشغل باله هو وقال مستنكرا
:- عيال إيه تانى بس .. مش خابرة أنا عندى كام عيل؟..
:- خمسة في عين العدو
:- لاه مش خمسة .. نسيتى عبدالله
ناظرته بهيام تتشبث بذراعيه بدلال :- يبجوا ستة
:- لاه مش سته ... سبعة
جحظت عيناها تناظره بتوجس عن هوية هذا الطفل السابع وقالت بتوجس
:- سبعة .. ومين السابع بجى!!
قرص ذقنها الصغيرة مشاكسا :- أنتِ يا أعيل عيالى
ضحكت باطمئنان وهو يبتعد نحو فراشه قبل أن تلاحقه تتشبث بظهره مؤكدة :- وماله نچيب التامن
:- يا حرمه أنا شعرى شاب وجربت أبجى چد
:-أأباه هو في چد جمر وصغير إكده .. أنت اللى في سنك لسه ماتچوزش .. أنت اللى اتچوزت بدرى يا سى أحمد
قهقه ضاحكا على غزلها الصريح له ثم سرح بعينيه بعيدا يهز رأسه مصدقا على حديثها في جزئية زواجه المبكر
جلس على الفراش يتنهد بعمق وقال بصوت رخيم
:- ولد الشيبة يتيم يا شموع
أسرعت بتكميم فمه شاهقة بجزع وهي ترتمى عليه بجسدها تضمه بدفء
:- بعد الشر عليك يا ضي العين .. ربنا ما يوريني اليوم ده واصل
غامت عينيه بالعاطفة وضمها إليه بحنو يمسح على ظهرها برفق مهمهما :- لكل أچل كتاب
شددت من ذراعيها حول كتفيه تتشبث به ولا ترغب في فراقه أبداً وبعد دقائق تراجعت بجذعها قليلا تعاتبه بدموع عينيها
:- ونعم بالله ... بس وحياة حبيبك المصطفى ما تجول الحديت ديه تانى
مسح على كتفيها بعطف وحنان .. يتعمق في عينيها المتلألئة بعشق ربط بينهما منذ سنوات فكان كلا منهما سكن ورحمة لرفيقه وقال بتعاطف
:- حاضر يا دفا الجلب .. أنتِ خابرة غلاوتك عندى
هز جسدها يهدهدها برفق ويدللها بخفوت
:- ده أنتِ نورتى عليا الدنيا بضيك يا ضى شموع
انتشت بكلماته عشقا وهياما وجلست بجواره محتضنة جسده مستندة برأسها على صدره مرددة بصبابة
:- وچودك هو اللى نور دنيتى يا ضى العين .. والله يا سى أحمد جلبى بيرفرف وچسمى مشتاج يشيل ولدك من چديد .. حته منك تلازمنى وما تفارجنيش واصل
ابتسم بدفء يهز رأسه ببطء بقنوط ورفع رأسها يضمه بين كفيه يحدق داخل عينيها مرددا بنفاد صبر
:- مفيش فايدة في اللى چوه الراس الچميلة العنيدة ديه
تراجع بظهره يتمدد فوق الفراش يتكئ بظهره إلى ظهر فراشه مردفا وهو يشير إلى فوديه الأشيبان
:- بصى لشعرى اللى أبيض يا شموع
قبل أن يستطرد كانت تقترب منه تملس على جانب رأسه تهمس بلهيب قلبها
:- ديه فضة دايبة مزينة راسك المتكلفة
قهقه بمرح على ألفاظها ودلالها الذي يزيده عشقا لها وهي تواصل بجدية ساعية إلى هدفها الأثير
:- لساك شباب في الاربعينات اللى في سنك لساه بيكون نفسه
واصل ضحكه على هذرها ومحاولة إقناعه بالإنجاب من جديد ثم سحب يدها لتصعد إلى الفراش بجواره وتنفس بقوة بعد أن سيطر على ضحكاته
:- هتفضلى تبهرينى بكلامك ديه لحد ميتا يا بت عتمان .. مش خايفة لتغر في حالى وأروح اتچوز
شهقت مستنكرة تضرب صدرها باعتراض وهي تعتدل جالسة بجواره  قائلة بثقة
:- كيف يعنى تعيش من غير شموعك يا سى أحمد
ابتسم بحنان يسحبها إلى صدره برفق ويده تمتد إلى الإضاءة الجانبية يطفأ نورها قائلا
:- ولا في حياة من غير ضى شموعى يا أم ضيا

*************

في المساء بجناح يوسف وشمس بعد أن خلا الجميع إلى مضاجعهم وبعد أن قامت شمس بالاطمئنان على نوم أبنائهم في غرفة قريبة من جناحهم ثم وقفت تدلل نفسها أمام المرأة بعد أن أنعشت نفسها وبدلت ثيابها إلى منامة مريحة بلون مبهج
دست أناملها في شعرها بعد أن مشطته تنثره حولها عدة مرات ثم تُعيد تمشيطه من جديد برواق
ومن خلفها كان يوسف يتمدد على الفراش يراقب ما تفعله بلا فهم ..  لا يفهم ما المغذى من نثر شعرها ثم إعادة تصفيفه من جديد، أراح خده إلى قبضه يده يواصل تأمله لها وهي تلتقط أحمر شفاه تضعه بعناية فوق شفتيها قبل أن تنثر رذات من عطرها المفضل
رفع رأسه قليلاً يسأل باعتراض :- ولازمته إيه الروج في الوقت ده
استدارت نحوه تطبق شفتاها على بعضهما ثم تمطهما بأثارة تجيبه بدلال :- ده مش روج .. ده ليب بالم
رفع جانب شفته العليا بامتعاض وقال بضجر
:- بلا لب ... بلا سودانى دلوقتى .. ركزى معايا شويه
اتسعت ابتسامتها تتأمله بعمق وهي تقترب منه برشاقة تهمس بغنج واضح مع غمزة عينها الشقية
:- ده بطعم التوت البرى اللى بتحبه
ثم حركت كتفها بميوعة كنبرة صوتها تقول بتمنع وهي مازالت تقترب منه بتؤدة
:- بس مش وقته يا چو أحنا جاين من سفر وتعبانين
اعتدل فوق الفراش يراقبها بملامح هادئة وقد وصلت إليه واعتلت الفراش بجواره تلف ذراعيها حول عنقه بتدلل هامسة بحب
:- بس أعمل إيه .. ما أقدرش أقاومك أنا ولا أكسرلك كلمة
تراجع بجذعه للخلف مبتعدا عن مجالها ورفع كفيه يفك عقده ذراعيها من حول عنقه هامسا بدوره بنبرة حاول ضبط حروفها حتى لا تنطلق ضحكاته الشقية
:- أنا لا اتكلمت ولا فتحت بوقى هتقاومى إيه بس!! ... أنتِ فهمتينى غلط خالص
اتسعت مقلتاها بجنون لحظى وزمت شفتيها بغيظ وهي تدفع قبضتها المكورة في صدره بقوة غاضبة آلمته وصرخت في وجهه
:- تصدق أنا اللى غلطانة ... طب شوف بقى مين هيكلمك تانى
أعادت ضربه عدة مرات بقبضتها بأماكن متفرقة من جسده قبل أن تنكفأ على جانبها تبرطم بكلماته بنبرة هازئة
:- فهمتينى غلط خالص .. فهمتينى غلط .. طب مش هفهمك بعد كده خالص
مال عليها بجبهته يكتم ضحكاته بصعوبة من رد فعلها حتى لا يوقظ من بالبيت بينما تنفض كفه القابض على عضدها بامتعاض
حرك شفتيه يلثم جانب وجهها بعشق لهذه الفتاة التي لا تزال على نفس جنونها بل ربما ازدادت جنونا منذ تزوجها حتى الآن
نثر قبلاته على جانب وجهها حتى أذنها التي مال عليها هامسا
:- اعقلى شويه يا أم العيال .. أنا غرضى شريف وعاوز أكلمك في موضوع مهم
انتفضت جالسة مكانها تلتفت إليه بانزعاج وهي تقول بخصومة :- قصدك إنى أنا غرضى مش شريف يا أبو العيال
واصل ضحكة عليها وذراعيه تطوقانها بشدة ضاما جسدها إلى صدره يسترضيها بقبلاته وهمسه المدلل لمشاعرها
:- شريف وأبو الشرف كمان ... ده أنتِ أجمل غرض شريف سرق قلبى
أشرق وجهها سريعا بالرضا أمام تدليله لها التي تعشقه وزفرت براحة تناظره بشقاوة
:- ماشى .. تنزل المرة ديه
قهقه من جديد يضمها إليه ثم تناول كفها داخل راحته يتنفس بعمق قبل أن يقول بجدية
:- لا بجد .. لازم نتكلم في حكاية حمزه
ظهرت الجدية على وجهها وعقلها يركز مع حديثه الجاد تتسائل بتخوف
:- ماله حمزه؟.
أسند ظهره إلى خلفية الفراش وقال بجدية
:- حكاية لعبه مع البنات وطايح فيهم بوس ولا كأنه روميو في زمانه
هدأت ملامحها واطمأنت قليلا ثم قالت بمرح ضاحك
:- عندك حق .. ده أنا قعدت أقنعه قد كده .. وكل شويه يقولى ما هو الأمير بيبوس الأميرة في أخر الفيلم .. شريك باس فيولا .. والأمير باس سندريلا معرفتش أقوله إيه
حرك رأسه بجدية كنبرة صوته المهتمة
:- ما هو ده اللى لازم ناخد بالنا منه .. وخصوصا أن محتوى أفلام الأطفال كتير منه لا يناسب أعمارهم ولا يناسب تربيتنا والأهم لا يناسب دينا
نفض رأسه مستطردا برفض
:- المشكلة الأكبر أنهم بيسربوا أفكارهم الشاذة الهدامة في محتويات الأطفال حتى ديزنى نفسها تبنت أفكار المثلية والشذوذ .. عشان كده لازم ناخد بالنا كويس من أى حاجة هيتفرجوا عليها
زاوت بين حاجبيها الرفيعين وهتفت مستنكرة
:- يا ساتر يارب .. أنت كبرت الموضوع أوى يا يوسف .. حمزه بيتصرف بعفوية وفاهم أن بنات العيلة زى أخواته بالظبط ومش في دماغه أى حاجة وحشة
زفر بقوة وأعتدل في جلسته يؤكد على رأيها
:- أنا فاهم وعارف ده كويس .. بس ده ما يمنعش أننا ناخد بالنا ونراعى ربنا فى تربيتهم .. الولاد الموبايلات بقت في أيديهم ليل ونهار ومش هنقدر نمنعها عنهم لأن ده جيلهم وعصرهم .. لكن لازم يبقى في رقابة
استمعت له باهتمام وهو يواصل حديثه الجاد وأقتراحه في التعامل مع المشكلة
:- نتفرج على اللى بيتفرجوا عليه ولو لقينا أى أفكار هدامة أو غريبة عن مجتمعنا لازم نكلم فيها ونوضح لهم الصح من الغلط .. ومش الأفلام بس .. لأ الألعاب والأغانى وكل ابليكشن أو ويب سايت بيتعاملوا معاه
هرشت في جانب رأسها تفكر بتعقل ثم أيدته مؤكدة
:- هى مهمة صعبة علينا بس دول ثروتنا وثروة البلد .. أمانة ربنا اللى لازم نراعيها
قبضت على كفها يؤكد على كل كلمة يقولها
:- لازم نكون لهم أصحاب أقرب من أصحابهم نفسهم .. بدون خوف أو منع أو توبيخ أو تقليل منهم .. لكن باللين والحب نعرف كل أسرارهم ونوجههم للصح
أومأت برأسها مؤيدة تفكر بشرود وقالت مؤكدة
:- عندك حق .. بصراحة أنا نفسى بحب أفلام الأنيميشن ديه .. الرسوم والألوان المبهجة والموسيقى .. جذابة جدا وتقريبا أغلب الأفلام قصص حب
قال بإتقاد موضحا
:- بيدسوا السم في العسل .. مش كل الأفلام ديه وحشه أو مسيئة لكن كمان مش كلها مناسبة لأعمارهم .. ده غير الاتجاه الجديد اللى قلتلك عليه لدعم المثلية .. ومش معنى كده أن الطفل هيتحول لشاذ لمجرد المشاهدة لكن ممكن بعضهم يتهور ويقرر يجرب .. أو على أقل تقدير هيتقبل فكرة وجود الشواذ في المجتمع وده ضد دينا الحنيف
:- فهمت يا يوسف .. أحنا نعمل اللى علينا وربنا يحفظ أولادنا من كل شر
ضغط على كفها القابع داخل راحته بقوة مؤازرا ثم بدل الموضوع لشئ من المرح مائلا عليها يتساءل بحيرة مصطنعة
:- قولتيلى بقى روبنزول عملت إيه؟.
ضحكت بشقاوة وهي تقترب بدورها منه تجيب بهمس :- حبت يوجين واتجوزوا وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا أولاد ومجابوش بنات
تعالت ضحكاتهم وهم يتبادلون الأحضان غافلين عن باب الغرفة الذي انفتح ولم ينتبه له يوسف سوى على صوت غلقه ليتفاجأ بحمزة يقطع المسافة بين باب الغرفة والفراش ركضا ثم قفز فوق الفراش جالسا فوق ذراع والده المحتضن شمس ثم انزلق بجسده الصغير بينهما في ثوانى معدودة
تبادل الاثنان النظرات بينهما بصدمة ثم نظرا نحوه بتأنيب ويوسف يعاتبه بحزم
:- مين أذن لك تدخل .. أنا مش قلت ميه مرة طول ما الباب مقفول محدش يدخل غير لما أسمحله
تمدد حمزة على ظهره بينهما مشبكا أصابعه في الهواء وبرر بطفولية
:- خبطت على الباب وسمعتك بتضحك فدخلت
حدق يوسف في وجه شمس الزامة شفتيها تمنع ضحكتها أن تنطلق من جوفها ثم عاد يناظر طفله الصغير وقال بحدة
:- قوم اتعدل واتفضل أخرج بره عقابك معايا عسير .. مش على مخالفة كلامى وبس .. لا كمان على مشاغبتك وشقاوتك طول النهار
اعتدل الصغير قاطبا حاجبيه ونهض يقف بينهما فوق الفراش وقال بحمائية طفولية يناظر والده ويدافع عن نفسه بمنطقه الطفولى
:- والله كنت بتضحك يعنى صاحى .. ليه ما أدخلش بقى؟.
اتسعت مقلتا شمس وكتمت ضحكها بكفها على نبرة الصغير ودفاعه إلا أن يوسف كان متماسك وهو يجادل صغيره بنفس منطقه وبنبرة حازمة
:- أفرض إنى صاحى ده معناه أنك تدخل براحتك .. طول ما الباب مقفول ممنوع نهائى دخول حد منكم .. قولت الكلام ده قبل كده ولا لأ
نكس الصغير رأسه معترفا بخطئه :- قولت
أردف يوسف مستمر في تأديبه للصغير
:- طيب .. يعنى مفيش مبرر تكسر كلامى .. ثانيا مشاكستك لصفا وشد شعرها والبوس اللى داير توزعه عليهم
:- ماما قالت دول أخواتك
قالها حمزة يدافع عن نفسه وهو يشير نحو والدته
رمى يوسف شمس بنظرة يائسة وقال موضحا لابنه
:- أيوه .. أخواتك لكن البنات غير الصبيان واللعب معاهم يبقى بالهداوة والأدب .. من غير لمس ولا بوس .. ده عيب وحرام
مط حمزة شفتيه أمامه ممتعضا بشكل طفولى شهى لا يعرف بما يجيب أو يجادل وعينيه تحيد نحو والدته لتنقذه من هذا الموقف
تنحنحت شمس ومدت كفها تمسك بذراع ابنها وقالت مهادنة تلطف الأجواء عن الصغير
:- خلاص يا بابا .. حمزة فهم ومش هيعمل حاجة تزعلك تانى .. مش كده يا زوز
أومأ برأسه سريعا فواصلت ببسمة لطيفة :- أتأسف لبابا بقى
نفذ الصغير من فوره وكأن والدته أوجدت له المخرج من هذا المأزق وقفز فوق ساقى والده يجلس براحة ملتصق بصدر والده يتأسف بصوت خافت متلون بمسكنة طفولية
:- آسف يا بابا .. مش هعمل حاجة تزعلك تانى
مط عنقه يلمس وجنة والده بقبلة قوية مست قلب يوسف المتقمص دور الغاضب أمام طفله .. تنحنح بخفة ثم قال بحزم يكمل دوره
:- هتسمع الكلام وتلعب بهدوء وأدب
أومأ الصغير مؤيدا بقوة فقال يوسف بمهادنة وهو يمسح على صدر صغيره بحنان
:- أنا بحبك وعاوزك تبقى أحسن واحد في الدنيا .. ولما تسمع الكلام والناس تحبك أنا هكون مبسوط بك
:- أوكيه يا بابا
قبل يوسف رأس طفله ووجنته وحين رفع رأسه تفاجأ برأسين آخريين يطلان من خلال فتحه الباب الموارب .. فرمق زوجته لائما
:- أومال أنتِ نيمتى مين بالظبط يا أم العيال
التفتت خلفها لتتفاجأ بدلوف توأماهما ووقوفهم أمام باب الغرفة الذي أغلق خلفهم وقال حسن بأدب مبررا
:- أحنا دخلنا لما سمعنا صوت حمزة هنا
شاركه حسين التبرير بعفوية
:- هو قام من جنبنا ومرجعش قلقنا عليه وقومنا نشوفه
أخرج حمزة طرف لسانه مغيظا لهم بمكر طفولى دون أن يلاحظ والداه
زفر يوسف بقوة ناظرا إلى السماء يطلب العون ويشكو بهمس :- مفيش فايدة .. يا رب صبرنى
أخفض رأسه يناظرهم بجمود ونبرة صوته حازمة
:- أنا شايف أننا بندلع أوى من ساعة ما وصلنا هنا
خبط حسين على صدره عدة مرات وقال يسترضى والده
:- معلش يا بابا يبقى سماح المرة ديه
تقدم التوأمان نحوهم واعتلوا الفراش فضمتهم شمس إليها بحنو وحسن يسأل والده بمكر طفولى ليبدل الموضوع ربما ينسى والده غضبه
:- أحنا هنروح لجدى سليم بكره يا بابا
وكالعادة أكمل حسين كلام شقيقه كما اعتادا أن يفعلا أن يكمل كلا منهما حديث الآخر
:- أصل إحنا مالحقناش نلعب مع محمد ابن خالى حسام
رمقهم يوسف بنظره عتاب ثم قال موبخا وقد فهم خطتهما
:- السؤال ده عشان أنسى دخولكم من غير أذن مش كده
ناظر كلا من التوأم الآخر ثم قالا بنفس واحد مشيرين نحو شقيقهم الأصغر يرجعوا أصل التهمة إليه :- أحنا آسفين .. بس حمزة
:- خلاص
قاطعهم يوسف بنفاد صبر وحمزة يضحك بمرح متنعما بحضن والده يغيظ شقيقيه بتلاعب حاجبيه الصغيرين ويوسف يستطرد حديثه
:- أولا أيوه بكره هتقضوا اليوم في دار جدكم سليم  أحنا يا دوب عدينا نسلم عليه وأحنا داخلين البلد .. ثانيا لينا قعدة طويلة جدا لأنكم بتدلعوا وتستعبطوا ومحتاجين إعادة تأديب وتربية
أسرع حسين مدافعا وهو يشير نحو أخيه الصغير  :- لا يا بابا أحنا بنسمع الكلام .. لكن حمزة آآ
:- يا دى حمزة .. الشماعة بتاعتكوا ده
قالتها شمس بضجر مدافعة عن آخر العنقود وهي تميل لتحمل حمزة من حضن والده لتضمه إليها بحنو بينما قال يوسف يناظرهم بلوم
:- أنتوا الكبار العاقلين .. يعنوا المفروض تنصحوه مش تعملوا زيه
:- آسفين
صرح بها التوأمان في وقت واحد  منكسين الرؤوس بينما قال حمزة بعفوية بعد صمت وتفكير
:- هو ممكن أبوس ميرا بنت خالى حسام
حدق يوسف في وجهه بنظرة زاجرة فرفع كفيه الصغيرين يسحب كلامه :- بهزر .. بهزر
:- تمام أظن وقت النوم جه .. يلا اتفضلوا على أوضتكم
صرح بها يوسف وهو يهشهم بيديه كما يهش الذباب، صاح حمزه بدلال طفولى متشبثا بأحضان والدته
:- أنا هنام جنب ماما حبيبتى
رفع يوسف حاجبه معترضا في حين أسرع التوأمين  يستميلان والدهما ويحتضناه :- وأحنا هنام جنب بابا
:- وحشنا النوم جنبك يا بابا
همس يوسف لنفسه يبرطم :- هو جيل منيل
أسرع الأطفال باتخاذ أماكنهم فوق الفراش بين والديهما دون الانتظار لمزيد من الجدال
استسلم يوسف لهم مؤجلا الحديث لوقت آخر فمهما تشدد معهم يعود ويميل إلى تدليلهم .. تدليل دون إفساد فهو لا يتهاون في الخطأ
تمدد مكانه على طرف الفراش ثم مد يده ليطفأ الأنوار وقبل أن يفعل كان حسين يعلن احتجاجه بعد أن وجد نفسه ينام بين شقيقيه بعيدا عن والديه
:- أنا عاوز أنام جنب بابا
تدحرج بجسده فوق جسد حسن وجسد والده حتى كاد يسقط من فوق الفراش لولا ذراع يوسف التي حجزته وضمه إليه ثم قام بزحزحه جسده قليلا بعد أن تحرك حسن قليلا لمنتصف الفراش مفسحا له المجال
ضم يوسف توأميه تحت ذراعيه بحنو وقال بمرح لشمس التي تحتل طرف الفراش الآخر
:- أبقى فكرينى أجيب سرير خمسة راكب يا شمس
تعالت الضحكات الطفولية بشقاوة تشع بهجة وسرورا في أرجاء الجناح، ضم يوسف أولاده إلى صدره يستشعر دفء قربهم حامدا الله على نعمته بعد أن كان وحيدا في الحياة أبدله الله بهذه العزوة وهذا الدفء الأسرى الذي يتنعم به الآن
شدد من ذراعيه حول أجسادهم الصغيرة مرددا في نفسه
:- يا ولاد الأيه .. حضنكم أحلى حضن في الدنيا

************
نهـاية الفصل
في انتظار رأيكم في الفصل 🌸

Continue Reading

You'll Also Like

1.8M 114K 200
**Story is gonna be slow paced. Read only if you have patience. 🔥** Isha Sharma married a driver whom she had just met. She was taking a huge risk...
3.1K 248 46
مشاهد يوميه قصيره بقلمى ساره مجدي ٧ / ١٢ / ٢٠٢١
2.9M 190K 89
What will happen when an innocent girl gets trapped in the clutches of a devil mafia? This is the story of Rishabh and Anokhi. Anokhi's life is as...
7.4K 172 13
-⚠️Smut⚠️ -Omegaverse -Funny -Mpreg -Emotional -Heart warming -Music you can listen to while reading -Enjoy (^•^)