بارانويا | «جُنون الإرتياب» (...

By Ahlam_ELsayed

7.2K 464 2.3K

مُنذ الصِغر ونحنُ نعلم جيداً أن الخطان المتوازيان لا يلتقِيان أبداً ، فـ هل مِن المُمكن أن تتغير تِلك القاعِد... More

♡ إقتباس ♡
الفصل الثاني : إضطِراب
الفصل الثالث : حادِثة صُدفة
الفصل الرابع : غريبًٌ مُصاب
الفصل الأول : البداية
الفصل الخامس : الجانِب الأخر للجميع.
الفصل السادس : هروب.
الفصل الثامن : ليلى تكلمَت.
الفصل السابع : أجواء غير مُعتادة.
الفصل التاسع : كوثر تقلق.
الفصل العاشر : نِزاعات وتغيُرات
الفصل الحادي عشر : شِجارين في آنٍ واحِد
الفصل الثاني عشر : غُموض بين السُطور
الفصل الثالث عشر : بداية البداية
إعتذار بسيط♥ملحوظة الإعتذار قديم
الفصل الرابع عشر : خارِج عن المألوف.
الفصل الخامس عشر : شعور مُختلِف
الفصل السادس عشر : التهور والإندفاع
الفصل السابع عشر : تجمُع عائِلي
الفصل الثامن عشر : فضول أم شفقة.
الفصل التاسع عشر : عاد لـ ينتقِم
الفصل العشرون : هادِم الملذات ومُفرِق الجماعات
الفصل الواحد والعشرون : أشياء جديدة
الفصل الثاني والعشرون : أهُناك أمل؟
الفصل الثالث والعشرون : مِشوار العِلاج
الفصل الرابع والعشرون : ضّي الشمس
الفصل الخامس والعشرون : مأساة.
مهم ♥
الفصل السادس والعشرون : المرض النفسي ليس جنونً
الفصل السابع والعشرون : نبضات
صور تقريبية للأبطال♥
الفصل الثامن والعشرون : إنكشف السِتار
الفصل التاسع والعشرون : لن أترُككِ للظلام
هام🇵🇸♥.
الفصل الثلاثون : عُصفورً جريح.
الفصل الواحد والثلاثون : مرحباً بالمشاكِل
الفصل الثاني والثلاثون : قبل الطوفان بساعات
الفصل الثالث والثلاثون : فضيحة على الملأ.
الفصل الخامس والثلاثون : نُزهة مليئة بالحقائِق
الفصل السادس والثلاثون : سابِق ولاحِق
الفصل السابع والثلاثون : بنفسِج برائِحة التوت.
الفصل الثامن والثلاثون : لا مفر مِن الحقيقة
الفصل التاسع والثلاثون : لن يمُر مرور الكِرام.
الفصل الأربعون : ليلةً لا تنتهي.
الفصل الواحد والأربعون : لأجل وردتي.
الفصل الثاني والأربعون : خُيوط مُتشابِكة.
الفصل الثالث والأربعون : أُريدك بجانبي.

الفصل الرابع والثلاثون : يومًا لك ويومًا عليك

102 6 25
By Ahlam_ELsayed

{بسم الله الرحمن الرحيم}

' صلوا على خاتِم الانبياء مُحمد ﷺ '

ڤوت + كومنت قبل القِراءة لأستمِر♡.

فضلاً تجاهلوا الأخطاء الإملائية إن وجِدت♥

.
.
.
قراءة مُمتِعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

'متى ستُعلِن الحرب لأجلي؟ .. حينما تُدركين حجم العِشق الكامِن في فؤادي لكِ ، حينها فقط ... سأهدِم البِلاد وأجعلها رمادًا لأجلِك'.

.................

مرت عشر دقائِق في هدوءٍ مرير ، حمحم نوح في حرج مِما حدث للتو ، ونظر إلى صديقه بأعين مُشتعِلة تُطلِق شرار ، همس له بدر مُدافِعًا عن نفسِه.

"متبُصليش كِدا بقى! كُنت بقلِب في الفون إيدي داسِت على التسجيل بالغلط؟ ، وبعدين ما إنت كُنت هتعرّفهُم ألاه".

سأل والِد سُكينة إبنته التي كانت تجلِس منزوية على نفسِها في خوف.

"الكلام اللي سمعتُه ده بجد يا سُكينة؟ رهان وخِطة وكُل ده حقيقي!؟".

إصطنعت هي الدهشة وقد حاولت تبرير الأمر له.

"بتقول إيه يا بابي؟ إزاي أصلاً تصدق الكلام ده عليا؟! ، نيللي دي واحدة حقودة وبتغير مني عشان أحسن مِنها ، ده غير إنها كانت غيرانة إني خدت نوح مِنها ، عشان كِدا حاولِت تبوظ علاقتي بيه و..".

قاطع نوح كِذبتها نافيًا جميع أقاويلها ببرود تام.

"نيللي مين اللي غيرانة عشان خدتيني مِنها؟ ، ليه هو إنتي مفكراني عيل بريالة عشان تاخديني مِن حد!؟ ، وبعدين نيللي كانِت مُرتبطة بواحد وبتحِبُه كمان .. ياريت تبطلي كِدب وحوارات ، عشان أنا عرِفت كُل ألاعيبك خلاص".

دافع والِدها عنها رُغم شكوكِه أنها حقًا فعلت هذا الشئ ، ألا إنها لاتزال إبنته وحيدته في النهاية ، ويجب أن يُحسِّن مِن صورتِها أمام الجميع.

"وإنت إيه اللي خلاك واثِق أوي مِن كلام نيللي دي؟ مِش جايز فِعلاً تكون بتدّعي على بنتي!".

إبتسم نوح بسُخرية مِن دفاع والِدها العقيم ، نظر لها نظرة هي وحدها من تعرِف معناها ، وقال في ثِقة كبيرة.

"يبقى نروح عند دكتورة نِسا ونكشِف عليها ... والمياه تكدِب الغطاس ، ولا إنتي إيه رأيك يا سوسو؟".

وقف والِدها صارِخًا بِه في عُنف وغضب.

"إنت ولد حقير ومتربِتش .. لو مِش عايز تتجوِزها يبقى خُد أهلك وإطلع برا حالاً ، إنما متجيش تِطعن فيها عشان تِثبِت حاجات مُعينة في دماغك!".

وقف نوح أمامه ولازالت البسمة الساخِرة تُزين ثغره ، تحدث شارِحًا ما في نيته.

"متفهمنيش غلط .. أصل لو أنا لمست بِنتك هيبان ، ساعِتها أُقسِملك إني هتجوِزها وأشيلها فوق راسي كمان ، إنما هي عشان كدابة فمِش هتوافِق تروح لحد".

رمقها والِدها مردِفًا بغليان داخلي ، وهو ينتظِر أن تُدافِع عن ذاتِها.

"ما تتكلمي يا هانِم؟ كدبيه أو قولي الحقيقة حتى!".

شهقت هالة شهقة قد إهتزت الجُدران لأجلِها ، بعدما قامت بربط الأحداث معًا ، لتستنتِج في النهاية أن ولدها قد أخطأ مع تِلك الفتاة ، وقد أصّر على الزواج مِنها ، فقط كي يُصلِح خطأة ، تحولت أعيُن الجميع على هالة ، التي تسائلت بصدمة وخيبة أمل.

"إنت بتصلح غلطك معاها يا نوح؟ صارحني يابني باللَّه عليك وفهِمني".

تنهد نوح فليس هذا ما كان يُخطِط له مُطلقًا ، لولا ما حدث مع ليلي ورحيم ، لكان الأن إنتهى كُل شئ في هدوء ودون عِلم عائِلته ، ولكِن بِما أن الجميع قد علِم ، لا مانِع مِن تفسير الأمر لهُم.

"ده اللي سُكينة أقنعتني وأقنعِتنا كُلِنا بيه يا أُمي ، أنا ولا لمستها أصلاً .. وأديني أهو بكشِف كدبِتها قُصادكُم كُلكُم  ، ها يا سُوسكا مُستعِدة تروحي لدكتورة وتطلعيني كدّاب ولا ...".

هُنا وقد إنقطع أخِر خيط مِن خيوط تماسُكِها ، إنهارت سُكينة في نوبة مِن البُكاء وهي تتحدث بكلِمات غير مُتزنة أبداً.

"أنا .. أنا عملت كُل ده .. عشانك ، أنا حبيتك بجد يا نوح بس .. إنت ... إنت كُنت واخِدني مُجرد تسلية ، كان لازِم أعمِل الكِدبة دي عشان تتجوزني ، بابي أنا مغلطتِش ص ..".

صمتت حينما هوت كف والِدها فوق وجهها ليرتطم جسدها بالأرض ، صاح بِها غير مُصدِقًا وقاحتها ، لا يستوعِب ما وصلت إليه مِن إنحطاط وتدني.

"إخرسي .. وكمان ليكي عين تبرري لِسة؟ ، أنا مِش قادِر أصدق اللي بسمعُه! إنتي يا سُكينة تعملي كُل ده عشان تخلي واحِد يتجوِزك؟ ، بتغصبيه على جوازُه منِك بأقذر طريقه مُمكِن حد يفكر فيها ، مفكرتيش لو كنتي بقيتي مراتُه كان هيبُصِلك إزاي؟ ، حياتِك معاه بعدين هتبنيها على كِدب وغِش وخداع ، كُنتي هتربي عيالك على الحقارة دي؟ ، أنا قصّرت معاكي في إيه عشان تبقي بالسواد ده؟".

مسحت سُكينة دموعها بعُنف وهي تصرخ في والِدها بحِقد شديد.

"بلاش طريقتك دي اللي بتحسسني إنك مثالي ، إنت بتدّعي المثالية .. مراتك سابِتك وطفشِت عشان مقدرِتش تتعايش مع نزواتك وخيانتك ليها كُل شوية ، أخدتني مِنها بالرشاوي وهدِدتها لو حاولِت تقربلي هتخلص عليها ، وكُنت طول الوقت سايبني لوحدي وسهران برا في حفلاتك ، وجاي دلوقتي تسألني قصّرت في إيه؟ ، الأولى تِسأل نفسك إديتني إيه عشان مطلعش كِدا؟".

رُغم إطمئنان هالة أن ولدها لم يفعل إثمًا في حق تِلك الفتاة ، ولكِنها أُم في النهاية ، وقد رق قلبها لسماع مأساة سُكينة ، هي لا تُحِبها أبداً وتراها فتاة مُنحلة بِلا أخلاق ، لكِن الأن قد إستوعبت جُزءًا بسيط مِما أوصلها لهذا المستوى.

ذهبت هالة تِجاه سُكينة الجالِسة أرضًا بسبب قوة الصفعة ، مدت لها يدها كي تُساعِدها على النهوض ، ترددت سُكينة مِن هذا اللُطف المُفاجِئ ، لاحظت هالة إستغرابِها فقالت بينما ترفعها عن الأرض.

"أنا صحيح مِش بطيقك ولا بستلطفِك .. بس ده ميمنعش إني حاسة بيكي ، ومع إنِك بتكدبي كتير وكُنتي هتضيعي إبني بسبب كدبِك ده ، لكِن دلوقتي إنتي مبتكدبيش .. وده يعرفنا إنِك ملكيش ذنب ، واللي بتعمليه ده ناتِج عن تربية في بيئة غير سوية ، مع أب قاسي وأناني وأُم ضعيفة وسلبية".

نظرت هالة نحو والِد سُكينة وهي تقول بشجاعة.

"قبل ما تحاسِبها على غلطها .. إسأل نفسك إيه وصلها إنها ترتكِب الغلط ده مِن الأساس ، بِنتك عندك أهيه إحمد ربِنا إنها جت على قد كِدا ، لو كان حد تاني غير نوح كان زمانها ضاعِت مِنك للأبد".

أشارت هالة إلى زوجِها و ولدها .

"يلا بينا مِن هِنا".

رافقها صُبحي إلى الخارِج ، بينما تبِعتها ماجدة وليلي التي كانت تستنِد على خالتِها ، وكوثر سبقتهُم مع حفيدتها نحو سيارتها ، وقفت ورد تُطالِع سُكينة بنظرات مُشفِقة ، لن تنكِر أن هذه الفتاة جعلتها تشعُر بمدى بؤوسِها ، رُغم ما تعيش بِه مِن ترف ورفاهية ، ألا أن الإنسان لا يحصُل على كُل شئ بالفِعل ، جذبها رحيم مِن معصمِها إلى الخارِج ، بينما وقف نوح وقال قبل أن يرحل رِفقة بدر.

"حافِظ على الباقي مِن بِنتك .. يا عالِم كان جرالها إيه لو وقعت مع واحِد غيري".

••••••••••••••

صفع أنور جبهته قاظِمًا غيظه مِن أفعال من حوله.

"أنا متحاوِط بناس مبتفكرش بعقلها حقيقي .. واحِد معرفش يفصِل الكهرباء وإعترف عليا مِن قبل أوِل قلم حتى ، والتاني الكبير العاقِل دخل بوظ الخِطة وسابهُم وهرب ، حرام عليك يا عمي بجد هتشل؟!".

تأفأف محمود بضجر مِن تذمُر انور المُستمِر ، فهُو على هذا الحال مُنذٌ أن إجتمع كلاهُما في مكتب أنور ، وقال بلا مُبالاة.

"متقارنيش بحِتة عيل شمام .. مِش هو ده اللي جِبتُه وقولتلي إنُه هيخلص في رمشِة عين!؟ ، أديه باعك وخلع أهوه".

سخِر أنور على الوضع اللذان أصبحا فيه.

"قال يعني إنت اللي مشيت على خطِتنا بالحرف؟ ، أومال لو مكُنتِش قولتِلك تروح وتعطلهُم .. تقوم رايح تعترِفلها إنك أبوها قُصادهُم وخليتها يُغمى عليها؟! ، حقيقي أنا حطيت إيديا في الشق مِنك".

صاح محمود وقد إرتفع ضغطِه مِن لوم أنور له.

"ما خلصنا بقى يا أنور ألاه؟ أنا إتصرفت كِدا مِن حُرقتي يا أخي ، لما أشوف بنتي بيتكتب كِتابها وهي مفكراني ميت .. مُتخيل هقف ساكِت يعني؟".

أراح أنور جسده فوق الأريكة ناظِراً إلى سقف الغُرفة.

"اللي يشوف كلامك ده ميصدقش إن دي كانِت رغبِتك زمان! ، لما قولت لأُمي تعرّف ليلى إنك موتت ، وخدت بعضك وروحت إستخبيت في الصعيد".

وكأن هذا ما ينقُصه أن يقوم أحدهُم بتذكيره بِما مضى ، ولكِن على من يكذُب؟ هو لم ينسى ما حدث حتى الأن ، لا ينسى كيف قام بالخلاص مِن زوجتِه بعد كشفِها لخيانتِه لها ، لم ينسى كيف قام بإشعال النيران في المنزِل وهي بداخِله ، وأخذ إبنته خارِجًا وأرغمها أن تقِف وتُشاهِد ، كأنُه يُريها أحد الأفلام المُرعِبة ، مع صوت والِدتِها وهي تصرخ بألم تستنجِد بِه ، تود لو ينتشِلها أحدهُم قبل أن تأكُلها النيران ، ولكِن كان قد هرب بالفِعل تارِكًا هذه الذِكرى المُخيفة ، تتربع داخِل خلايا ليلى مُسبِبةً لها جُرحًا لا يطيب.

••••••••••••••••

ذهب رحيم في الصباح إلى عملِه ، بعدما حاول أن يُهاتِف ليلى مِئات المرات ، ولكِنها لا تستجيب له وإكتفت بإغلاق هاتِفها تمامًا ، حتى أنها إختارت أن تذهب وتبيت مع خالتِها ، فتركها تفعل ما تُريد كي لا يزيد مِن حُزنِها.

دلف إلى مكتب المُدير مُباشرةً ، وعلى غير العادي إستقبله بتِرحاب وإبتسامة بشوشة ، قد جعلت القلق يدّب في أوصالِه.

"نورت مكتبي يا دُكتور رحيم ، إتفضل إرتاح .. تحِب تِشرب إيه بقى؟".

عقد رحيم حاجبيه بغرابة وشك ، ثُم تحدث ببرود.

"معلِش أنا مِش جاي عشان أتضايف! ، أنا جيت أقولك إني وصلت لحقيقة وفاة ممدوح خلاص ، وكمان ياريت تمضيلي على إستقالتي ، لإني ميشرفنيش أشتغل في مكان زي ده ".

تزعزعت إبتسامة المُدير وهو يرى جدية رحيم ، وهو الذي أراد أن يأخُذه في صفِه حتى يتخلص مِن نبشِه خلفه ، ولكِن ها هو رحيم قد هدم أي جدار أمل له ، بإعترافه أنُه قد إكتشف حقيقة مقتل ممدوح ، لاحظ رحيم إطالة صمتِه فعرِف أن تفكيره ينجح ، لذلِك إستمر في حديثه.

"ممدوح مات بسبب جرعة مُخدِر زيادة ، واللي معروف إن النوع ده مِن المُخدِر مِش مُصرّح بإستخدامُه في المصحى ، تفتكِر بقى مين عطالُه المُخدِر ده وليه؟".

هندم المُدير بذلته مُصطنِعًا عدم إهتمامه وهو يُجيب.

"وأنا هعرف منين؟ جايز يكون كان بيتعاطى .. متِنساش إنُه دخل المصحى بسبب إدمانُه".

هز رحيم رأسه مُفكِراً وهو يتجِه كي يجلِس بإسترخاء شديد.

"تصدق إنت صح .. بس إنت نسيت حاجة مُهِمة أوي؟ ، حتى لو ممدوح كان بيتعاطى .. هيتحصل على المُخدِر ده إزاي؟ ، وهو أساسًا مكنش بيُخرُج برا باب المصحى ، يعني المُخدِر موجود فعليًا جوا المصحى ، وبيتم إستخدامُه على المرضى ودي جريمة".

صاح المُدير بغضب غير مُبرر ، فقد ضاق ذُرعًا مِن حديث رحيم الموتِر للأعصاب.

"بلاش تتهمني يا دُكتور إتهامات باطلة وملهاش أي أساس مِن الصِحة ، أنا معنديش أي نوع مُخدِر غير مُصرّح بيه هِنا ، روح دور بقى مين اللي قتل ممدوح بعيد عني".

إبتسم رحيم بسمة ماكِرة وقال بخُبث وقد وصل لمُرادِه.

"وإنت جِبت منين إنُه إتقتل؟ وأنا كُل كلامي كان بعيد عن القتل!".

هل أصبحت الغُرفة أضيق أم أن هو فقط من يشعر بهذا؟ ، حل المُدير أزرار بذلتِه وقد أحاطه الإختناق فجأة ، وكأن جُدران المكتب تقترِب لتبتلِعه بجوفِها ، وقف رحيم وإقترب مِنه بخطوات مُميتة مُردِفًا.

"خلي بالك على نفسك اليومين دول .. عشان أنا لما بحُط حاجة في دماغي مبسكُتش غير لما أنهيها".

ربت فوق صدرة بقوة كتهديد صريح ، وما كاد يخرُج حتى إستدار مُضيفًا بسُخرية.

"وبلغ كاظِم بيه وفريدة هانِم إني مُستعِد نتقابِل في المحكمة".

ترك المُدير يُلملِم ما قام هو ببعثرتِه ورحل ، وأثتاء سيرِه في الممر المؤدي نحو الخارِج لمح تِلك المُمرِضة التي أبلغته بوفاة ممدوح ذاك اليوم ، قام بندائِها فأتت إليه سريعًا ، بينما كانت تعابيرها قلِقه على غير العادة.

"خير يا دُكتور فيه حاجة؟".

سألها دون سابِق إنذار.

"عندِك حاجة تعترفيلي بيها؟ لو عندِك ياريت تريحي ضميرك وتحكيلي ، عشان لو ده محصلش وإكتشفت بعدين إنك ليكي يد في حاجة بس .. مضمنلكيش ردة فعلي هتكون إيه تمام؟".

لم تومأ أو تعطيه أي رد فِعل ، كانت تستمِع لتحذيراتِه برجفة في جسدِها ، وهي تستعجِب من أخبره أنها لها يد فيما حدث؟ هل رأها؟ ، إبتعد رحيم ليترُكها لعذاب التفكير يأتي بِها ويذهب دون هوادة.

.......

إنتظر رجُل الأمن خروج رحيم مِن المصحى ، ثُم لحِق بِه قبل أن يصعد إلى سيارة الأُجرة.

"رحيم بيه إستنى لو سمحت".

تزقف رحيم يُطالِعه بإستفهام فأكمل هو بتردُد.

"من يومين كِدا فيه واحِد جِه سأل على حضرِتك ، هو قالي يعني إن بِنت أُخته تعبانة وإن فيه ناس دلّوه عليك عشان تعالِجها ، بس شكلُه مكنش مُريح .. وقولت لازِم أقولك يمكِن تِطلع على معرِفة بيه أو حاجة؟".

عقد رحيم حاجبيه بغرابة ، فمن الذي سيأتي ليسأل عنه هو تحديداً مِن بين جميع الأطباء داخِل المصحى.

"طب إوصفلي شكلُه جايز أعرفُه!".

بدأ يصِفه له وهو يُحاوِل تذكُر كُل تفصيلة لعلها تُفيد.

"كان طوله متوسِط ولابِس جاكيت طويل أبيض ، وكان مداري شعرُه بكاب .. كمان لاحِظت علامة زرقة جمب عينُه كإن حد ضربُه".

وعلى هذا الوصف قهقه رحيم بسُخرية ، وقد تأكد بعد هذا الوصف مِن هوية الشخص ، شكر رجُل الأمن وأخبره أنه مُمتن لإخباره بما حدث ، كما أنُه أعطاه رقمه الشخصي في حالة أتى الغريب مُجدداً فيُهاتِفه ، وحينها سيتولى هو أمره.

••••••••••••••••••

دق جرس المنزِل فذهبت شمس كي ترى من الزائِر ، بعدما طلبت كوثر مِنها ذلِك وهي تقِف في المطبخ ، فتحت الباب لتجِده أمامها بهيئته الغوغاء وشعرِه البُندقي المُبعثر ، مُستنِداً بكتِفه على الجِدار يُطالِعها في شرود ، إستنفرت شمس حالته الغريبة تِلك مُتسائِلة.

"خير؟ جاي ليه؟".

إعتدل في وقفتِه ونظر لها بقرف ناطِقًا.

"ده سؤال تسأليه لضيف جايلكُم؟ إنتي بترمي دبش مِن بوقِك!".

تأفأفت شمس بملل فهي تود الذهاب وإكمال دراستِها ، فأول إختبار لها سيكون غداً ولا يجِب أن تنقُص درجاتها.

"لو سمحت إنجِز ورايا إمتحان ومُذاكرة كتير ، وإنت معطلني".

تحدث بتذمُر مِن صدِها له اليوم على غير العادة.

"إنجِز؟! طيب ياستي هنجِز ، كُنت جاي أستأذِن تيزا كوثر إني أخدِك ونروح نجيب ليلى ونخرج شوية".

وضعت شمس القلم الذي بيدها داخِل كعكتها ، وردت بنبرة بِها بعض السُخرية.

"بقولك عندي إمتحان بُكرا وليلي كمان .. هنُخرُج إزاي ونسيب مُذاكرِتنا؟".

شد القلم مِن شعرِها لينسدِل فوق كتفِها في مظهر فوضوي جذاب ، ورد مُقترِحًا.

"إحنا مِش هنقضي النهار بطولُه برا! ، ده هُما ساعتين هنروح أي مكان سوا نغير جو وبعدها نِرجع وتذاكروا ، أهو مِنها يبقى جِبنا ليلى وغيرنا مودها .. وبرضُه قضينا وقت مع بعض".

أتت كوثر وهي تتسائل عن هوية الضيف.

"مين يا شمس .. هو إنت يا صايع! ، اللي رماك علينا على الصُبح كِدا؟".

قهقه بدر مُجيبًا في مرح.

"جيت أستأذنِك أخطف شمس ساعتين زمن ، هنروح ناخُد ليلى ونُخرُج كُلِنا .. ها قولتي إيه يا تيزا؟".

لن تنكِر أنها لو كانت في وقتٍ أخر ، بالطبع مُستحيل أن توافِق ، ولكِن هي تعلم أن بدر يُحاوِل إخراج حفيدتها مِن قوقعتِها ، كما أنُه سيُساعِد ليلى هي الأُخرى كي تتخطى الصدمة التي تعرضت لها أمس ، هزت رأسها بموافقة وأردفت مُحذِرة.

"مفيش مانِع .. بس هُما ساعتين يا بدر ، لو إتأخرت عن ساعتين هبلغ البوليس إنك خطفت حفيدتي بجد".

أومأ لها في طاعة وأدب ، دُهِشت شمس لموافقة جدتها بتِلك السُرعة ، فنطقت بنفور.

"إنتي وافقتي إزاي بالسهولة دي؟ وبعدين أنا مِش موافقة أنا عندي مُذاكرة و...".

قاطعها بدر بحزم فهو لن يقبل رفضها بعدما وافقت كوثر ، لن يفوت تِلك المُعجِزة هكذا.

"بقولِك إيه هاتي الملازِم بتاعِت المادة وإبقي ذاكري برا ، وخلي بالِك مِش هقبل إعتراض يلا".

•••••••••••••

وبعد نِصف ساعة كانا يقِفان معًا ومعهُما التوأمان أمام منزِل خالة ليلى ، طرق بدر الباب ولم ينتظِر كثيراً حتى طلّت ليلى مِن خلفِه ، كانت مُمسِكة بأحدى أيديها كِتاب ، وفي اليد الأُخرى كوبًا مِن الشاي الأحمر ، سُعِدت حينما رأت صديقتها ، إنقضت تُعانِقها بيديها المُمتلِئتان ، وهي تُرحِب بِها.

"شموسة حبيبتي نورتي البيت".

وقف بدر ينظُر إلى شقيقه في حرج ، فردد سامي بنبرة عالية.

"هو إحنا شفّافين ولا إيه؟ مفيش أي ترحيب لينا!".

إبتعدت ليلى عنها وقد لاحظت أخيراً وجودهُم معها ، فقامت بإفساح الطريق لهُم كي يدلفون وهي تُرحِب بِهُم.

"لأ إزاي ده إنتوا أهل البيت ، إتفضلوا يا أهلاً نورتونا".

جلسوا جميعهُم لتأتي عزيزة مُقدِمةً لهُم أطباقًا مِن الأُرز بالحليب ، وهي تتبسم لهُم في إشراقتِها المعهودة.

"أهلاً وسهلاً إتفضلوا حاجة بسيطة كِدا ، لو أعرف إنكُم جايين كُنت عملت الواجِب".

قابل بدر حنانِها ولُطفها بشُكر وإمتنان.

"متتعبيش نفسِك حضرِتِك .. إحنا جينا عشان ناخُد ليلى تُخرُج معانا شوية ، ده بعد إذنِك طبعًا؟".

لم تكد عزيزة تُعلِق حتى سبقتها ليلى برفضِها.

"مينفعش يا بدر أنا ورايا إمتحان و..".

قاطعتها شمس تِلك المرة وهي تِحاوِل إقناعِها كما أقنعها بدر.

"هنروح ساعتين بس يا ليلي مِش هنغيب ، وعندِك باقي اليوم تذاكري فيه ، لو عايزة مُمكِن تجيبي المُلّخصات ونذاكِر سوا برا؟".

أرادت أن ترفُض هذه الفِكرة وقد تعجبت لموافقة شمس عليها ، فشمس مِن الطالِبات المتوفِقات ، كيف تترُك دراستِها وتستبدِلها بالتنزُه والترفيه؟ ، لاحظت سارة عدم رغبتها فطالعتها بتعابير حزينة ، وطلبت بنبرة لطيفة.

"عشان خاطري يا أبلة ليلى توافقي .. إحنا كمان عندِنا إمتحانات بس هنُخرُج معاكُم".

كيف تستطيع الرفض أمام هذا الوجه الملائكي ، وتِلك النظرات المُنكسِرة ، فوافقت بعدما إستأذنت خالتها ولم تعترِض الأُخرى ، مُتمنية أن يُغير هذا مِن حُزنِها ولو قليلاً.

••••••••••••••••

عاد رحيم إلى المنزِل مُرهقًا بِلا سبب ، يكفي ما سمِعه مِن فرد الأمن ، فأنور لن يهدأ حتى يُدمِره بأي شكلاٍ كان ، وقبل أن يدلُف إلى حُجرتِه أتته مُكالمة مِن بدر ، أجاب ببعض الملل.

"نعم يا بدر؟".

صاح بدر دون مُقدِمات.

"من غير رغي كتير خُد بعضك وإركب أي مواصلة ، وتعالى عند الحديقة الدولية ، معايا مفاجأة عشانك يا زميلي".

وما كاد رحيم يستوعِب حديثه حتى أنهى بدر المُكالمة ، وقف ناظِراً إلى الهاتِف بصمت ، وأراد أن يتجاهل ما قاله صديقه ، ولكِن رؤيته لشقيقته وهي ترتدي حجابِها إستعداداً للخروج جعلته يتراجع ، حينما رأته سألته.

"شمس كلمِتني وعايزاني أروح معاك للحديقة الدولية!".

رُغم أنُه لا يرغب في الحديث معها ولكِنه رد بفتور.

"وبدر لِسى قافِل معايا وقالي أروحلُه على هناك ، بس أنا مِش فاهِم عايزينك معايا ليه أصلاً؟".

رفعت أكتافِها كعلامة على عدم مِعرفتِها ، أخبرها أن تنتظِره حتى يُبدِل ثيابه ويذهبا معًا.

وقفوا في الشارِع الرئيسي يُشيرون إلى سيارة أُجرى ، والسيارة التي توقفت أمامهُما أخرج نوح رأسه مِن نافِذتها يبتسِم بسماجة ، موجِهًا حديثه إلى رحيم بإستفزاز.

"إتأخرتوا كِدا ليه يا جماعة .. مِش عيب تخلوني أستناكُم كُل ده؟ ، يلا إركبوا مفيش وقت".

نظر له رحيم بأعيُن تُطلِق الشرار ، بينما ورد حاولت إخفاء بسمتها على أفعال نوح ، وصعدت إلى السيارة ، طالعها رحيم بصدمة فقاطعته قائِلة ببرائة.

"إيه؟ ركبت عشان بس منِتأخرش عليهُم!".

زفر رحيم بغضب يُحاوِل إخفائه وصعد جوارِها لتنطلِق السيارة بِهم نحو وجهتهُم.

•••••••••••••••

إجتمع المُدير داخِل مكتبه بكُل من له يد في موت ممدوح ، أولهُم كان كاظِم وفريدة ، وأيضًا تِلك المُمرِضة التي رأت كوته بعينيها ، وأخيراً الطبيب الذي تولى أمر إخفاء جسد ممدوح بعيداً عن الأعيُن لأيام ، قبل أن يكتشِف رحيم حقيقة موتِه.

أخرجت فريدة عُلبة حمراء اللون مِن حقيبتها ، أخذت لُفافة تبغ وأشعلتها وهي تستنشِقها ببرودة ، نطقت بعدما نفثت دُخانِها بعيداً.

"ومجمعنا التجميعة دي ليه بقى إن شاء اللَّه!؟ ، هو جالك وهدِدك إنت .. إحنا دخلِنا إيه؟".

فقد المُدير ثباته أمام برودتِها وعدم مُبالاتِها بما يدور حولهُم ، وصاح ضاغِطً فكية بإستنكار.

"يعني إيه دخلُكوا إيه؟ إنتوا أساس الموضوع ، متنسيش إنكوا إنتوا اللي طلبتوا مني أخلص عليه بأي شكل! ، ومترتاحيش أوي كِدا .. رحيم ذكر أسمائكُم في كلامُه ، قال إنُه جاهِز يقابلكُم في المحكمة ، وده يأكدلنا إنُه معاه دليلي قوي مخليه واثِق مِن تحركاتُه".

أطفأت فريدة سجارتِها وهي تعتدِل فوق مقعدِها ، بعدما كانت مُسترخية تمامًا مادام لم يذكُرهُما رحيم ، إبتسم المُدير بتشفي حينما رأى تبدُل ملامِحها مِن الثِقة إلى أُخرى قلِقة ، نطقت تُحاول إعادت قوتِها.

"يمكِن قالك كِدا عشان يخوفنا مِش أكتر؟".

أيد كاظِم حديثها بأمل .

"صح صح .. أصل يبقى غبي لو راح شرّح الجُثة مِن غير موافقِتنا! ، لازِم موافقة منِنا الأوِل ولا إيه؟".

نفى المُدير وهو يُفكِر وقد بدأ يشعُر بالصُداع يُداهِم خلاياه العصبية.

"مِش عارِف .. أنا بقيت حاسِس إن رحيم ده عزرائيل ، واقِف يراقِب خطواتنا مِن بعيد .. ولما الفُرصة تسمحلُه هياخُد أرواحنا كُلِنا ، رحيم طِلع مِش سهل زي ما توقعتُه ، كُنت فاكرُه مُجرد دُكتور بيشتغل وبس وأخِر همُه حالِة المرضى شكلها إيه ، بس ظني مكنش في محلُه أبداً".

نظر كاظِم إلى المُمرِضة والطبيب اللذان كانا صامِتان مُنذٌ بداية الجلسة ، وقد لاحظ أن المُمرِضة تفرُك كفيها بغير راحة ، وتقضُم شفاهها حتى جعلتها تنزُف مِن التوتُر ، فهاجمها بسؤال.

"مالِك مِش على بعضِك ليه مِن ساعة ما قعدنا؟ ، إنتي مخبية حاجة عنِنا؟".

هل تقول أن رحيم قد زعزع دواخِلها بكلِماته ، أم تصمُت وتحتفِظ بِما حدث لنفسِها؟ ، رأت جميع الأعيُن تُحاصِرها في إنتظار رد منطقي يُسكِتهُم ، إختارت هي أن تتكتم على حديثها مع رحيم وتُجيب بكذِبة ما.

"طبيعي أخاف .. أنا إتحطيت معاكُم في المُصيبة دي بغير إرادتي ، ولو الموضوع ممشاش زي ما رتبنالُه ... كُلِنا كِدا هنِلبس أساوِر".

أقنعتهُم بردِها بالفِعل فجميعهُم خائِفون ، تذكرت فريدة أنور فنطقت سريعًا وكأنه طوق نجاتهُم مِن الهلاك.

"بس لِسة عندِنا أنور المُحامي .. ده أملنا الوحيد ، هو قالِنا إنُه قادِر يخرجنا مِنها زي الشعرة مِن العجين".

إتسعت إبتسامة المُدير وقد تجددت أماله وقال.

"وسيبانا نِحرق في أعصابنا! كلميه فوراً خليه يجي على هِنا".

••••••••••••••••

إنتهى.

عاملين إيه أولاً؟ ، الفصل المرادي ممكن يكون درامي شويتين تلاتة ، بس كل ده بيخدم القصة طبعًا فأتمنى متكونوش زهقتوا في نص الفصل ، وهعوضكو الفصل الجاي هيبقى مليان مومنتات لطيفة بين الأبطال ، وأخيراً عرفوني رأيكُم في الرواية كلها عمومًا.

أشوفكم على خير يا حبايبي.

متنسوش الفولوا عشان يوصلكوا أي جديد بنزله.

وداعاً.

Continue Reading

You'll Also Like

92.6K 3.6K 41
ماذا أذا وجدت ذاتك فيٰ عالم ملئ بالسموم والخبث والمكر؟؟ ماذا أذا وجدت ذاتك وسط عالم لايعلموا شئ عن ألانسانية؟! ماذا أذا أصبح عالم البشرية غريب كليا...
2.9M 86.5K 59
قصة رومانسية بقلمي ملك إبراهيم
12.2K 448 12
و لكن ماذا يفعلوا إذا كانت كُل الطُرق تؤدي إلى الظلام!، حتى طُرق الهروب منه، كانت أيضًا تؤدي لنفس العَتمة،أنطلقوا لهذه الدُنيا طامحين، مُحلقين، يريدو...
138K 12.5K 45
- أكنت سلطانًا و لست عبدًا؟ قال بابتسام : - و برغم هذا فإني أقسم أنكِ ملكتيني!