صـــه || HUSH

By merry_ah

95.4K 7.2K 7.8K

{K.TH&J.JK} -حيثُ تحتضِنُ العاصمة لندن القصر الشامِخ لأعظم عائلة سحرة في التاريخ، عائلةُ السيد كيم، دافنةً... More

{مَــدخَــلْ.}
{إعلان الرواية.}✨
{ رَقصَـة - الـرَجُل المُقنَـع. }
{ خَفـيفُ اليـد - عَـرضُ الضـاحيـة }
{ مَتـاهة - عَـرينُ الأخـوَين }
{ عَـشاء - دَاكِـنُ الـعَينين وَثَـقيلُ الـصَوت. }
{ فُرشـاة - أشقَـرٌ مَخملـي. }
{ دَعـوَة - غمـوضٌ وفضـول. }
{ المَاضي - سِـرٌ مَكنون. }
{ تَفسيـرات - قناعُ الأرنَـب. }
{ نَـوايا - ابنُ الـدوق. }
{ حقائق - تِلك الإشارات. }
{ الجناحُ الغربي - مواجَهة أولـى. }
{ ذاتَ الحُسن - سِـرُّ الليدي. }
{ هَمَسـات - قرارُ الـوَريث. }
{ زِيـارة - مكنونـاتُ قَلـب. }
{ تشتُّـت - خطُّ البدايـة. }
{ حِكايـات - الطريـقُ لِلمجـد. }
{ أفكَــار - ثعـابينٌ فضيّـة. }
{ صحـوَة - انطِلاقـة جـديدة. }
إعلانُ الباب الثاني/ فصلُ الصيف.
{افتتاحيّـة -أرنبُ القَصـر.}
{بنينُ الـعتمة -مَـلِكُ الرُقعـة.}
{طلَـب -شوكـولا حُلـوَة.}
{خطـوة -غُــرابٌ داكِــن.}
{لُـعبة -نبـضٌ قديـم.}
[وعـود- رابِطـةُ كيـم.]
{التـوأم-همـسٌ وتـاروت.}
[جـولَـة- ذاتَ الكـراميـل.]
{خفايا -الماضي والحاضر.}
{الشـروق-ما يقبـعُ في القلـوب.}
{خيـوط -على الأعتـاب}

{مُفتـرَق-الـرحلة والنتيجـة.}

1.1K 95 139
By merry_ah



━━━♔━━━

-28-

[من الأفضل دومًا التعرُّض إلى لسعةٍ صغيرة من اللهب قبل أن يفورَ إلى جحيم آنسة إيميليا.]

━━━♔━━━

.

.

.

┓♠━━━━━⚜━━━━━♠┏

تمايلت خُصلاتٌ من الذهب فوقَ بشرةٍ حنطية لتلمعَ كخيوطِ الشمس الدافئة في الصيف، حيثُ كان النور يفرش السماء الصافية والأرض المُخضرّة في ملكية قصرِ كيم. كان الصباحُ قد أطلَّ والشمس أشرقت أخيرًا في البعيد، فتُحيي الأزهار وأوراق الشجر المتراقصة تحتها بمنظرٍ مُنعش، فلا شيء أكثر حيويّة من رؤية المساحاتِ الندية والاستماع إلى وقعِ المياه المتساقطة من النافورة التي تُزيّن الحديقة الخلفية للقصر العظيم.

سُمِعَ صوتٌ خافت من بين الحفيف لقلمٍ فحمي يخطُّ على ورقةٍ ما، وسرعان ما ستشاهِد جسدًا متوسط البُنية يجلس على المقعدِ الخشبي الطويل الذي يُقابل الحديقة الواسعة، تمامًا حيثُ يُمكنه أن يتأمل المنظر من هناك بسلام. نبيلٌ مميز بهالةِ الذهب يضع ساقًا فوق الأُخرى، وقميصه الكُحلي الخفيف يعانق معصميه بزخرفةٍ من الدانتيل في كُمّيه. كان يحمِلُ دفترًا مُغلّفًا بالجلدِ البُني القديم بين يديه، وإحداهما تتحرّكُ بخفةٍ ودقة فوق الورقةِ المُسمرة التي يضع فيها حدود رسمته.

عدستاه الداكنتان من البُن المُر كانتا هادئتين كطبيعته التي وجدت السلام وتمسّكت به، تُركزان وحسب في الخطوطِ الدقيقةِ التي تدرّب مرارًا عليها حتى أصبحت لا شيء أمامَ هذا الرجل الذي يسترخي في مكانه ببساطةٍ حتى لو كان يرسُم أكثر التفاصيل تعقيدًا. كانَ مشهدًا جميلًا لمُشاهدته، فهو يبدو مُسالمًا أكثر حتى من الزهرِ المتمايل حوله، ويُحافظ على وجهه الذي ارتسمت فيه كُلُّ معاني الرخاء والهدوء كما لو أنه مُنغمسٌ في لحظته في متعةٍ داخلية سريّة عن الآخرين. 

ارتأى الذهبي جيمين أن يُخصص وقته الصباحي في الرسمِ قليلًا كما كان يفعل حين لم يكُن يتوجّب عليه إدارةُ الدروس للإيرلين، وحيثُ يغوص فقط في عالمه وسطَ لحنِ الطبيعةِ هذا حين لا يكون لشيءٍ أيّ صوت غيرَ الحفيفِ والقطرات المتساقطة في البعيد، حينَ يبدو العالم فارغًا بوجودك وحدك وحسب.. وكأنَّك تملك كُل الوقت للجلوس والتأمُّل بعيدًا عن أيّ نوعٍ من الأفكار، ولربما كانت هذه هي طريقة الأشقر للحصولِ على الاتّزان أيضًا.

كان صباحًا هادئًا بالنسبةِ إليه، ولكن أُذنيه التقطتا صهيلًا بعيدًا للحظة وهنالك وقعُ حوافر تقتربُ من الأفق ليقتحم المشهد. هذا ما جعل قلمه الفحمي يتوقف عن الحركة، وارتفعَ ناظريه بخفةٍ نحو المصدر حيثُ الشرق على يمينه. لمعت خيوطٌ من الذهب أمام جُفنيه حين تحركت خصلاته قريبًا من عدستيه الّتين بانتا فاتحتين تحت تأثير الشمس، وشاهدَ جيمين جلدًا حالكًا يلمع كسيارةٍ كلاسيكيةٍ أنيقة.

كان خيلًا أسود مُهيب في البعيد، دفعَ باسترخاءِ الأشقر حينَ ضيّق عينيه الهادئتين بصمت وكأنه يحاول أن يتعرّف على مالكه من تلك المسافة، فكِلا الإيرلين يملكان خيلًا ملكيًا حالكًا، ولكن جُفنيه رفَّا باندهاشٍ صغير لمّا رأى رأسًا بلونِ شعرٍ فاتح يُباغِت ناظريه، فراحَ يُحدق في لحظةِ إدراك بأنه يرى الآنسة إيميليا تمتطي الحصان مع.. الإيرل جونغكوك؟

ذلك المشهد لم يكُن طبيعيًا له، فالجميع يعلم بأن الإيرل الأصغر لن يُشارك خيله الخاص مع أيِّ أحد، والآن هو يفعلها مع الآنسةِ التي أظهرَ استياءه من وجودها؟ هدأت تلك العيون الثعلبية التي تراقب الحدث بصمتٍ تام من بعيد، ترتسم في وجهه تعابيرٌ مُتفحصة وهو يشاهد الآنسة تقفز على مهلٍ من فوقِ الحصان الذي وقف ثابتًا كما لو أنه مُدرّبٌ بشكلٍ خاص لإطاعة الإيرل، الذي كان يُراقبها بوجهه البارد المُعتاد فيما كانت تستقر هي على العُشب.

كان يبدو أنها أبطأت لتعتاد على السيرِ مجددًا بعد امتطاءها للخيلِ لأوّل مرة، ولكنها لم تجرؤ على لمسِ جونغكوك بل قامت بترتيبِ هندامها والنظر نحوه لتُبادله نظرةً دامت لثانية فقط، لأنها قامت بالانحناء له على الفور في وداعٍ له والتفتت سريعًا لتُغادر من هناك. فِعلتها الصغيرة هذه جعلت الأشقر يُدقق بهدوء في نظراتِ الإيرل نحوها حين بدأت تتجه نحو القصر، وسرعان ما تحرّكت تلك العيون الكحيلة لتنظُر في البُن الجامد من بعيد.

لم يكُن جيمين بحاجةٍ إلى أكثرِ من هذه النظرة ليُدرك شيئًا مهمًا، فذلك الوجه الساكن للإيرل الأصغر دفعه إلى مُبادلته التحديق للحظات.. ثم يومئ له برأسه احترامًا من هناك في تحيّةٍ له، لكنّ جونغكوك حدّق به ببرودٍ وحسب، ثم شدَّ اللُجام على خيله الذي تحرّك فورًا كي يأخذه بعيدًا مُجددًا بعد أن أوصلَ الآنسة إلى وجهتها، فراحت النسمات تُلاعب الخصلات الحالكة للحنطاوي المُبتعد الذي أشاحَ بوجهه وانطلق في طريقه.

راقبَ الأشقر سيّده يرحل ببساطةٍ عن المشهد وقد اتّبعته عينيه بهدوءٍ تام، يُراقب توهج الشمس على الجلدِ الحالك للخيل ومالكه المُظلم الذي بقيّ ظهره مترائيًا لجيمين حتى ابتعد في الأُفق يأخذ معه صوت وقع الحوافر على العشب، ثم تحرّكت أنظاره نحو إيميليا التي كانت تقترب من القصر بخطواتها الحذرة، كما لو أن هنالك فكرةً في رأسها تمنعها عن التركيز، فقد بدت تعابيرها له صامتة وعينيها شاردتين أمامها لدرجةٍ منعتها من الانتباه لوجوده حتى. 

في اللحظةِ التي رفعت إيميليا عينيها من بعيد توقفت في مكانها على الفور لثانية، فقد وقعت عدستيها الفاتحتين على الوهج الذهبي لخصلاتِ الأشقر الهادئ الذي يجلس هُناك ويُحدق فيها مُسبقًا، كما لو أن تلك العيون البُنية الثعلبية ترى كُل شيءٍ عبرها. لم يكُن شعورًا جديدًا لها، ولكنها بكل تأكيد لم تتوقع أن تجده أمامها حالما تعود، ومع الإيرل جونغكوك!

رفَّ جُفناها بخفةٍ وقتها ورفعت بيدها نحو شعرها المموج في كعكةٍ فوضوية لطيفة بسبب النسمات التي لاعبته طويلًا، وسحبت الربطةَ الناعمة الحريرية لتتحرر خُصلاتها التي انسكبت فوق ظهرها كشلالٍ فاتح توهج تحت الشمس كما لو أنها كانت شقراء دومًا، وتمايلت بعض الخيوط لتؤطر خدّيها ويظهرُ له طبيعة شعرها الحقيقية بعيدًا عن التصفيفِ الأنيق الذي تلتزم به يوميًا حين يراها في العادة.

بدأت إيميليا تقترب على مهلٍ من المدخل حيثُ يجلس جيمين، بتوجُّسٍ هادئ كما لو أنها تحاول أن تتجنّب ذكرَ أيِّ شيءٍ يخصُّ ما رآه. كانت تبدو بمنظرٍ أقلُّ رسمية، وذلك ناسبها ليكونَ صادقًا. لا بُد أنها فِعلة جونغكوك بطريقةٍ أو بأُخرى، وهذا ما جعل الأشقر يتنهدُ بقلةِ حيلة ويضعُ بسمةً على شفتيه المُمتلئتين دفعت تلك العيون للتقوّس بخفوتٍ مُسالم رغم رسمهما العابث، فشاهدت إيميليا وجهه البشوش مُرّحِبًا بها حين اقتربت خطواتها على العشب.

ضمّت شفتيها للحظةٍ وهي تحاول أن تجمع شعرها الطويل بيديها لتجد ما تُلهي نفسها به، فتتمايل خُصلاتها المموجة فوق قميصها النقي كما لو أنها تتوهج بالألوان الفاتحة. كان عليها أن تُلقي التحيّة مذ أنها ستكون فظة لو رحلت وحسب بعد أن رآها، ولكنها ما أن اقتربت منه حتى سمِعت صوتًا مُفعمًا بالرخاء يُحييها.

[أرى أن بعض العلاقات الإجتماعية بدأت تتحسّن! صباحٌ سعيد لآنستنا الصغيرة.]

كانت قد فرقت شفتيها توًا، لكن كلماته الموسيقية كلحنٍ عذب سبقتها في ذلك. رمشت إيميليا للحظة وهي ترى إيماءةً صغيرة من رأسِ الأشقر الذي يسترخي في مكانه كما لو أنه يجعل من نفسه جزءًا من أيّ مكان يزوره، فهو بدا مُتفتّحًا كالحديقةِ الخلابة التي تُضفي سحرًا على وجوده الهادئ. شعرت إيميليا بالارتباك على غفلة حينَ قال ذلك، فمن الواضح إنه يُشير إلى ما رآه للتو، ولكنه لا يملك أدنى فكرة عن الذي قاله لها الإيرل جونغكوك..

قال أنه سيُحطّمها حين تحاول هزيمته، فهل هذا يُعتبر تقدّمًا حقًا في أيِّ علاقة؟ 

لقد هربت منه فورًا ما أن أعادها إلى القصر ولم تتلفّظ بأيِّ كلمة طوال الطريق إلى هنا من بعدها، فهو بدا صامتًا جدًا ومُختلفًا بطريقةٍ ما لها حين التزمَ بهدوئه. بللت شفتيها للحظة كي تحاول أن تتناسى ذلك اللقاء الغريب حاليًا، وراحت تقترب خطواتها المُترددة من الكرسي الخشبي الأنيق في محاولةٍ منها لردِّ تحيّته بكُلِّ ما امتلكته من هدوء كي تتصرّف على طبيعتها المُعتادة، حتى لو علِمت أن الرجل أمامها لن يُخدع بذلك.

[صـ صباحٌ سعيد. أهذا ما يبدو عليه الأمر؟]

ترددت لمساتها على شعرها الطويل كما لو أنها تحاول تهذيبه أمام النبيل الذي مسحها بنظرةٍ واحدة سريّة، فالشرودُ في عينيها وتعبيرها الذي يبدو مضطربًا كما لو أن رأسها في مكانٍ أخر غير مكانه أخبره بأن الأمر ليس كما يظنّه تمامًا، لأن كلماتها الأخيرة بدت تتعثّر قليلًا في حروفها وكأنها تتساءل حقًا ما إن كان ما خاضته يُعتبر شيئًا جيدًا.

إنها لا تفهم أساليب الإيرل جونغكوك أبدًا، لا تعلم لمَ يفعل ما يفعل تمامًا كشقيقه الأكبر، ولكن الوريث على الأقل.. لا تعلم، شيءٌ ما مختلف بخصوصه كما لو أنهما يبدوان مُتشابهين باختلافٍ غريب، ولهذا كانت تفكر طوال الوقت بشأنِ دعوته المفاجئة لها وأمر اللُعبة الصغيرة بينهما، ومن الصعب حقًا أن تُخفي ذلك أمام رجلٌ تعلم بأنه سيكشفها ببساطةٍ حتى لو حاولت بجد، فما الفائدة إذن؟

رُبما لاحظ جيمين استسلامها بسهولة حين رأى الحيرة واضحةً في معالمها، ولكنه في الحقيقة لم يجعلها عُرضةً للأضواء، بل راحَ يُحافظ على ابتسامته ببساطة كما لو أنه هداها واحدةً هانئة بالسلام الذي تفتقره دواخلها، وبدا لها تقوّس عينيه المُبطنتين صادقًا لدرجةِ أنها توقفت مكانها للحظة لتُشاهده يصرف انتباهه عنها نحو الدفتر الجلدي بين يديه.

رمشت إيميليا حين تداخلت خُصلةٌ مشرقة صغيرة بين رموشها في محاولةٍ منها أن ترى من هناك ما يفعله الأشقر، وسرعان ما سقطت عينيها على الورقة المُسمرة وحركةِ يدِ جيمين الخفيفة فوقها كما لو أنه بالكاد يلمسها بقلمه الفحمي. لم تكُن أول مرة تشاهده يرسُم في الواقع، ولكنها كانت أول مرة تُدرك بأنه يملك هذا الدفتر القديم الذي تفاجأت قليلًا لرؤيته، على الرغم من أنه شيءٌ بديهي لكونه مُدرّس الرسم.

الشيءُ الذي جذب انتباهها وقتها حقًا كان ما يرسمه على تلك الورقة، أهي.. نوعٌ من الآلات؟ ما هذه؟ بالكاد تراها واضحة من مكانها، وهذا نجح تقريبًا في مُقاطعةِ أفكارها عن الحديث الذي دارَ بينهما وبين الإيرل جونغكوك، فلتكون صادقة.. إنها لم ترى أبدًا لوحةً حقيقية لهذا الفنان الغامض.

يا لها من خفة عظيمة! إنها لا تعرف حتى كيف تنساب الخطوط في قلمه، وهذا دفعها للحظةٍ إلى النظر مُجددًا في وجهه، وترى تعبيره المُسترخي كما لو أنه يتأمّل في الصورةِ في رأسه ويرسُمها مأخوذًا بالتفاصيل التي سيخلقها بنفسه على الورق، وهذا ذكّرها بإحدى نقاطِ قوّته.. أن ينسابَ وينغمس في عالمه الخاص الذي يشفيه ويحافظ على هدوءه هذا. 

انزلقت بعض الخصلات الذهبية لتُلامس جُفنه بهداوةٍ تجعله يبدو كلوحة بحدِّ ذاته، فمن العجيب أن يملك أحدهم كُلّ هذا الاستقرار والثبات الذي لا يجعلك تشعُر بالثُقل أبدًا، ليسَ مثل الإيرلين. هدأت إيميليا قليلًا بعد أن تمكّنت من الانغماس في المشهدِ معه كما لو أنه يُجبرها تقنيًا على أن توافق جوه ببساطة، وهذا ما لم تعُد تتفاجأ بشأنه. حتى لو كان الرجل الذي أخافها مُسبقًا، فهو بطريقةٍ ما منذ ذلك اليوم لا يُشكِّل أيّ تهديدٍ لها، بل بدأت تشعر وكأنه.. العكس تمامًا.

شعرت وكأنّ هنالك حملًا ينزلق من فوق كتفيها حين أرخت جسدها بِبُطء يخضع لجو جيمين وكأنه مركزٌ عظيم للجذب، ووجدت نفسها بحاجةٍ إلى أن تجلس قليلًا بعد جولتها الأولى على الخيل، فقدميها تبدوان لها غير طبيعيتين. تنهدت بخفوتٍ سرّي قبل أن يتحرّك جسدها كي تجد لنفسها مكانًا على المقعد الخشبي بالقرب من الأشقر، ونعم إنها المرة الأولى لها لتتّخذ قرارًا كهذا، ولكنها ربما.. احتاجت إلى أن تكون متواجدة مع شخصٍ مثله لسببٍ ما.

شعر جيمين بها وهي تقترب لتُشاركه المجلس، ولكنه لم ينظر إليها لكيلا يجعلها تتردّد في ذلك، وسرعان ما جلست هناك بصمت لتُريح نفسها أولًا وتمدُّ ساقيها بخفة على العشب كي تُحدق فيهما للحظة. توارى إلى أُذنيها صوتُ الحفيف الخافت في البعيد، واحتكاك قلمِ الفنان في الورقة عندما بدأت تهدأ تدريجيًا لتستعيد تركيزها. رُبما كان شيئًا غريبًا، لكن وجود هذا الأشقر يجعل الأمور مختلفة بطريقةٍ ما لا تفهمها.

تحرّكت عدستاها بخفةٍ نحو الدفتر الذي يحمله بين يديه، ومن بين أصابعه التي تُمسك به برخاء استطاعت أن تلمح رسمته. رفَّ جُفناها للحظة ولم تجد نفسها قادرة على أن تغضَّ بصرها عن ذلك في حال اعتبرها خصوصيته، لأنها رأت شراعًا، أعمدةً خشبيةً ونوافذ متهالكة، إنها.. سفينة. كان يرسمُ سفينةً ما بتفاصيلٍ تُخيف أيَّ أحد من دقةِ تفاصيلها! وكأنها ترى نُسخة مُصغّره وليست فقط رسمة، ولكن أليست هذه..؟

إنها تذكُر جيدًا القصة التي أخبرتها بها جانين، لقد تمّ ترحيله من موطنه وانتهى به المطاف هنا، فهل هذه رُبما.. تكون جزءًا من ذكرياته؟ السبيلُ الذي خطفه من أرضه؟

لم تعلم ما كان عليها أن تُفكّر فيه في تلك اللحظة، فإن كان هذا مهمًا له لمَ عساه يتركها تُشاهده أثناء الرسم دون أن يُعيق ناظريها على الأقل عن الورقة؟ شعرت بأنها تخطّت شيئًا يُعتبر إحدى خصوصياته، أعني حتى لو كان الرجل الذي يقتحم أذهان الآخرين ويسرق منهم خصوصيتهم إلا أنها لم تكُن تحب فعل ذلك. تشتّت ذهنها لدقيقة ولم تكُن تعلم ما ستفعل سوى أنها بقيت تُحملق في السفينة الفحمية ذات الخطوط الدقيقة وكأنها تستطيع أن تسمع الرياح تهبُّ في أشرعتها.. أو أن تُشاهد ارتطام الأمواج في مقدمتها الضخمة، وربما تشعُر بملوحة البحر ذو النسمات الباردة على بشرتها.

غريب.. يُمكنها أن تشعر أن بإمكانها رؤية التموّج الصغير في الورقة. أيُمكن أن تكون أيُّ رسمة حيّة إلى هذا الحد؟ لقد انتابها الفضول الآن لأن ترى اللوحة التي حاول رسمها لها في أولِّ لقاءٍ بينهما.

في لحظةٍ ما تحرّكت عيونُ البُن الهادئة فجأة نحوها، فشعرت بتركيز حدقتيه على وجهها الذي تجمّد حينَ أدركت أنه علِم بتحديقها وراح ينظُر فيها بتساؤلٍ عن أمرها، وهذا ما جعلها تنتفض على الفور وتُشيح بوجهها بعيدًا عن دفتره كما لو أنها رمت بأنظارها على أيِّ شيءٍ عشوائي تجدهُ أمامها، وبدأت في تأمُّل الزهور الملوّنة قُرب المقعد كما لو أنها لم تكُن تفعل شيئًا، حتى أن يديها أسرعتا نحو شعرها لتجمعانه على أحدِ جانبيها وتبدأ في محاولةِ تصفيفه.

رُبما هي تحاول أن تُخفي معرفتها بماضيه بشكلٍ أكثر من المطلوب، فعلى الرُغم من أنها تكتسب إلهامًا غريبًا من قصته إلا أنها تشعر بالسوء بشأنها في الوقت نفسه لدرجةِ أنها لن تستطيع أبدًا أن تذكُر شيئًا منها له. إنها ليست مثله ولن تواجهه بفعلِ الأمر نفسه الذي فرضه عليها، بل راحت تبحثُ عن أيِّ شيءٍ قد يقود المحادثة بعيدًا عن أفكارها. لم تجد سوى نهايات شعرها الفاتح لتعبث بها بين أصابعها، وشرعت في تقسيمهن كي تُرتبهن في ظفيرةٍ أنيقة.

[أظن أنني أفسدتُ حياتي للتو، هـ هل تظنُّ أن عليّ الهرب من بريطانيا؟]

انطلق صوتها على عجلةٍ منها لتُغطي على تحديقها برسمته بأيِّ شيءٍ يخطُر لها، ولكنها رُبما لم تُفكر جيدًا فيما كان عليها قوله، ولهذا ما أن عرضت الموضوع الذي كان يدور في رأسها أمامه دون إدراكٍ منها حتى سقطت في لحظةِ إدراك صامتة. توقفت أصابعها عن صنعِ الظفيرة لوهلة وقد حدّقت في العشبِ تحتها وكأنها تسأل ذاتها حقًا ما إن كانت قد أفصحت للتو له عمّا دارَ في ذهنها ببساطة هكذا. 

يا للهول.. هل تسعُ حفرةٌ ما هنا لتُخفيها؟ ما الذي سيظنّه عنها لو مازحته بهذه الطريقة الطفولية؟! لا بُد أن حظها لم يُقرر أن يتحسّن بعد.

ضمّت شفتيها معًا بندم فور أن أدركت أنها تراخت في دفاعها معه، وحاولت أن تُلهي أصابعها البطيئة في صُنع ظفيرتها لدرجةِ أنها لم تنظر حتى نحوه. في المقابل كان الأشقر يُحدق فيها بهدوء للحظات وكأنه يقرأ كُلّ حركةٍ قامت بها، بل وحفِظ حتى التردد في صوتها وعجلتها في طرحِ موضوعٍ عشوائي أمامه، لكنه علِم بأنه ليس عشوائيًا أبدًا طالما نطقت به بهذه الطريقة التي تركتها مُرتبكة بعدها.

يا لها من طفلة.. ظنّت بأنه سيشعر بالسوء لو ذكّرته بماضيه أو حدّقت في هذه السفينة المهترئة؟ لا ينكُر أن ذلك جعله يبتسم أكثر حتى من مزحتها الصغيرة، إنها حتمًا تُحمِّل الأمور أكبر من حجمها. انجرّت زوايا شفتيه في بسمةٍ تجعل عينيه تتقوسان بهداوة قبل أن يعاود النظر في دفتره حيث يضع رأس قلمه على حدودِ الورقة. 

[أفهمُ من هذا بأنكِ قُلتِ شيئًا لا يسمعه إيرلنا الغالي كثيرًا؟]

سايرها بكل سهولة في الحديث لدرجةِ أن جُفنا إيميليا رفّا للحظة في تفاجؤٍ من صوته العفوي الذي لطالما تميّز برنّته الأريحية لشدّة خفّته، كما لو أنه لا يُعير اهتمامًا لفضولها الصغير، فيُمكنها أن تنظر كما تشاء، وتصرّف على هذا النحو الطبيعي فيما هو يُضيف لمساته الأخيرة على اللوحة البسيطة هذه بالنسبة إليه. في الواقع إن إدراك إيميليا لسؤاله جاء مُتأخرًا، لأنها كانت تتساءل ما إن كان تحديقها في رسمته عاديًا له، والآن تجمّدت كمُجرمٍ تمّ الإمساك به بالجُرم المشهود حين كشفها جيمين بتلك البساطة.

بالطبع.. ماذا كان عليها أن تتوقع؟ اه.. بديهيته مُزعجة حقًا في بعض الأحيان! عضّت إيميليا على شفتها السُفلى بصمت وهي تحاول بجدٍ ألا تجعل أصابعها تتوقف عن صنع جديلتها، فتنساب خصلاتها بين أصابعها المُترددة وكأنها ترغب في عضِّ لسانها الآن، فماذا عساها تقول له؟ هذا الرجل لا ينفع معه أي شيء حرفيًا.

بقيت مُرتبكةً في البداية وهي تظن أنه استنتج ذلك فقط لأنها تطرّقت إلى الموضوع، لا تعلم بأنه قرأ وجهيهما مذ أن قامَ الإيرل بإيصالها إلى هناك. يا له من أمرٍ مُحرج لتقوله له، فهي كانت في لحظةٍ من الحماس أو الانفعال وقتها، حين قامت ببساطة بإخبار الشاب الذي يحتلُّ بريطانيا بأنها ستهزمه، ولكنها لا تنكُر أن جزءًا منها رغب بسماعِ رأي الأشقر في هذا الأمر.

بللت شفتيها قليلًا وراحت تُحدق في خصلاتها المتمايلة بنعومةٍ فوق كتفها فيما تقوم هي بظفرهن، فانسابت بعض الخصلات القصيرة التي لم تتمكّن من التمسّك مع الأخريات على وجنتيها بخفة. لم تعرف حتى كيف يُمكنها أن تُرتّب الكلمات في رأسها، فاختارت أن ترميها كما هي بدون أن تضع تفكيرًا إضافيًا فيها.

[لقد.. أخبرته بأني أريد هزيمته.]

تعثّرت حروفها للحظة وكأن صوتها يجد الطريق للخروج من بين شفتيها صعبًا، فيا له من أمرٍ طفولي لتقوله دون أن تملك ما يُساعدها في إثباتِ ذلك أمام رجلٌ كالإيرل. لا تعني بأنها ستتقبّل الخسارة ببساطة ولكن.. فكرةُ أنها قالت ذلك في وجهه في لحظةِ اندفاع تجعلها ترغب بالهرب إلى غرفتها. تريدُ أن تصفع جبهتها بشدة لولا أنها تجلس بالقرب من جيمين الآن، فلا بُد أنه يعتبرها مُجرد أضـ..

انطلقت أنفاسٌ صغيرة من بين شفتيه، ورمشت إيميليا للحظة تتوقف عن التفكير وحدها حين سمعت قهقهاتٍ خفيفة ورجولية هادئة تنبع من صدره، شيئًا عذبًا كمقطوعةٍ لطيفة على المسامع لدرجةِ أنها لم تُجفلها أو تفاجئها، بل كانت كنسمةٍ تُلاطف أُذنيها برنّةٍ مرِحة وعابثة. على الفور علِمت بأن الأشقر قام بالقهقهة ببساطة كما لو أنه موضوع ممتع جدًا له، ولكن لـ لمَ يضحك؟! هل يبدو طموحها أحمقًا لهذه الدرجة حقًا؟ رُبما هي قامت بقفزةٍ خرقاء فعلًا.

التفتت من فورها نحوه بعينين مُتسعتين كما لو أنها لا تُصدق بأنه يجد هذا مُمتعًا، فظهرت عدستاها الفاتحتان وتعبيرها المُندهش الذي يُحدق فيه بصمت لترى عينيه المُقوستين لدرجة أنها لم تعُد تريانهما، وكأنّ أساريره انفرجت برؤيةِ شيءٍ حماسي جعل الرضا يشقُّ وجهه بابتسامته العريضة تلك. 

[يا لها من عزيمة! أُحيي شجاعتكِ آنسة إيميليا!]

هتفَ من فوره باستمتاع كمن يُشاهد مسرحيةً بلغت المشهد المثير للاهتمام له، حتى أن أنفاسه هربت من بين حروفه دليلًا على صدقِ إعجابه بالحدث. لوهلة سقطت إيميليا في شرودها وقد توقفت أصابعها فوق خصلاتها بصمت ما أن حدّقت في وجهه دون أن تستوعب حقًا ما يقول. مهلًا لحظة، إنه لم يكُن يسخر من فكرتها.. بل مسرورٌ لأنها قالت ذلك؟

لم يكُن يبدو كمن يعبث بل كان جادًا لدرجةِ أنها ظنّت بأنها أبلغته بإنجازٍ ما وليسَ بغلطةٍ قد تُكلّفها الكثير لاحقًا، كانت إحدى المرات القليلة التي شاهدت فيها إيميليا وجه جيمين الحقيقي بعيدًا عن استرخاءه الهادئ لدرجةِ أنه ناظرها بابتسامةٍ كبيرة تُظهِر أسنانه. إلى أي درجة هو راضٍ عن هذا؟ لم تتوقع ذلك أبدًا..

حملقت في وجهه باندهاشٍ تام وكأنها فقدت القدرة على الحديثِ فجأة، فهل هذا المجنون يُشجعها على شيءٍ مجنون قالته هي بدورها؟ راحت تبحثُ عن كلماتٍ مُناسبة لقولها بعد أن جعلها هذا غير قادرة على ترتيبهن، فظهرت عُقدةٌ صغيرة بين حاجبيها وكأنّ جسدها قامَ للحظةٍ بالالتفات باتجاهه كمن وضع تركيزه في المحادثة، وتمتمت بشرودٍ حائر أمام هذا الوجه البشوش.

[لستَ.. متفاجئًا؟]

إنها متأكدة أنّ أيًا من سيسمع ذلك سيعتبرها هوجاء لتحدي الإيرل، حتى لو لم يكُن جيمين يعلم بأمرِ اللُعبة، ولكن فكرة الهزيمة بدت ممتعة جدًا له لدرجةِ أن ابتسامته استقرت برضا في وجهه، وأمال رأسه بخفة جانبًا لتتبعه خصلاته الذهبية بنعومة وكأنّ سؤالها هذا كان غير منطقيًا أكثر مما تلفّظت به منذ لحظات، وهذا جعلها ترمش في وجهه حائرة. راقبته ينقر على ورقته بطرف قلمه الفحمي، وناظرها بتلك العيون البُنية المقوسة التي عادت لتظهر بعد أن خفتت ابتسامته لتكتسب طبيعتها الهادئة مُجددًا.

[مُتفاجئ؟ ولمّ عساي أن أتفاجأ لأن شجرةَ تفاحٍ أزهرت التفاح؟]

تحدّث بأريحيةٍ كما لو أنه كان شيئًا متوقعًا منذ البداية، كما لو أنه يُفكر أن عدم وصول الأمر لهذه النقطة هو ما سيكون غريبًا وقتها. في تلك اللحظات حملقت إيميليا فيه بصمت دون أن تملك القدرة حتى على رسمِ شيءٍ فوق تعابيرها، فقط.. إلى أي مدى توقع هذا الرجل الأحداث؟ أهو يدرُس البشر بهذه الدقة المخيفة دائمًا؟ هل.. ينجح أيُّ شيءٍ حتى في مفاجأته؟ 

شعرت وكأنّ تلك الصفة يتشاركها مع الوريث حين ناظرت في عيني الفنان الهادئة وتذكّرت الثبات في الحدقتين السوداويتين للإيرل الأكبر، حيثُ لا يبدو وكأنّ هنالك شيئًا سيغافلهما أبدًا، وكأنهما يسبقان الجميع بعدة خطوات مُسبقًا وينظران من هناك وحسب. راقب جيمين مدى الشرود الذي تلبّس إيميليا للحظات وكأن عقلها بدأ يكتفي من التفكير وصارَ يقع في الصمتِ أكثر دون أن تجولَ فكرةٌ واحدة فيه بعد أن أدرك أن كلّ شيءٍ يأتي عكس ما يتوقعه تمامًا.

لم تكُن تفهم كيف يفكر هؤلاء الرجال، فشعرت بأنها بحاجةٍ إلى أن تهدأ قليلًا وتعاود التفكير بنفسها بعيدًا. لاحظ الأشقر مدى الارتباك الحائر في تعابيرها، وهدأت بسمته أخيرًا لتظهر رسمةُ الثعلب في عينيه الّتين راقبتا عبث أصابعها المُترددة في خُصلاتها حيثُ كانت على وشكِ أن تُنهي ظفيرتها. من الطبيعي أنها لن تفهم مقصده مُباشرةً، لذا تنهّد بهدوء سرّي وأشاح عينيه عنها يبتغي إيجادَ شيءٍ سيُساعده في إيصال مُبتغاه إليها. 

حرّك إحدى يديه قليلًا، وهذا جذب ناظري إيميليا على الفور مذ أنه تعمّد الإشارة إلى الأسفل، إلى شيءٍ يقبع قُرب قدميها لدرجةِ أنها أخفضت ناظريها تبعًا لاصبعه، وهناك.. حيّتها زهرةٌ مُصطبغة بالأصفر المُشع، ذات بتلاتٍ ناعمة تحتضن نفسها في هيئةٍ ساحرة وجميلة، وهي تتمايلُ بلُطفٍ مع النسمات الصغيرة وأطرافِ العُشب القصير. رمشت إيميليا للحظاتٍ وكأنها لم تعرف ما خطبها، ولكن إجابة الأشقر سبقت سؤالها ببساطة.

[هذه الزهرة.. لو زارتها النحلة فماذا ستُهديها؟ الرحيق، ستحصل على الرحيق مهما كانت عدد المرات التي جاءت لزيارتها فيها، ولو قطفناها نحن وقُمنا بتجفيفها، سنستعملها لصنع العطور، ولو قُمنا بطحنها ستحملُ فيها فوائدًا طبية، لكنها لن تمنحكِ ما ستعطيكِ إياه زهرةٌ غيرها مهما قُمتِ بطحنها مرارًا.. فستمنحكِ الفائدة ذاتها في كلِّ مرة وفقًا لطريقةِ استخدامكِ لها.]

رفَّ جُفنا إيميليا للحظة، وتوقفت أصابعها عند نهاية شعرها الذي بدا أخيرًا كظفيرةٍ سميكة من الخيوطِ الفاتحة. أهو.. يحاول إخبارها بالسبب؟ ارتفعَت العدستان المُغمّستان بالعسل نحوه لترى وجهه المُفعم بالسلام يُحدق في الزهرةِ أولًا، ثم ترتفع بُنيتاه لتلتقي بعينيها المشوشتين من مثاله هذا، فهي لا تعتقد بأنه يتحدّث عن الزهور أصلًا، ولهذا رأت تلك البسمةَ الخافتة ترتسم على شفتيه ببساطة حين علمَ بأنه حصلَ على تركيزها الآن.

سحبَ يده بهدوءٍ نحو حضنه، وبدا أن الحرارة الدافئة في بُنيتيه ينظران بترحيبٍ هادئ بالفضول الصغير في عيني الآنسة التي لم تفهم مقصده بعد، وراحَ يشرح لها برويّةٍ بصوته الموسيقي الذي لا يفشل أبدًا في احتواءه على دفءِ راوي القصص في أُمسيةٍ مُريحة قُرب النار.

[الطرق والظروف المختلفة هي ما حددت ما سينتُج من الزهرة، ولكن ما سيخرج منها هو ما كان موجودًا داخلها أصلًا. تذكّري إن كُل ما يحتاجه المرء يجده بداخله، فأنتِ كونٌ عظيم من الاحتمالات ومُعجزة الربِّ العُظمى، وسيكون هنالك دومًا ما يخبّئه بداخلكِ بكُل تأكيد، لكنه لن يظهر بشكلٍ سحري بالأماني أو الترجّي، بل عليكِ أن تبحثي أنتِ عنه.]

رمشت إيميليا للحظةٍ وقد شعرت أن لمعةً صغيرة أضاءت عدستيها لمّا اتّجهت تلك الكلمات فورًا لصدرها بشكلٍ غريب عوضًا عن أن تكتفي به أُذنيها وحسب. راحت تُحدق بصمت في وجه جيمين، ولكنها تلك المرة بدت وكأنَّ الحيرةَ غادرتها لتُستبدل بتفكيرٍ عميق وكأنها أمسكت برأسِ الخيط للتو، فيما كان الأشقر يُبادلها النظر ببساطة وكأنه كان ينتظر هذا التغيير في طريقة نظرها إليه.

إذن.. إنه يُخبرها ألا تتفاجأ أو تستنقص مما يخرُج منها لأنه يُعبّر عن رغباتها الحقيقية؟ لأنه كان موجودًا فيها ولم يظهر حتى استطاعت أن تكشِفه؟ لقد وعدت نفسها مُسبقًا بأن تتقدم.. ولكنها لم تكُن تتوقع أنها ستقفز بطموحٍ عالٍ مُباشرةً، وهذا فقط.. أما يدلُّ على أنها مجنونة أو شجاعة، لكن.. إذا كانت الرغبة في الوصولِ عاليًا تحت ظروفٍ شحيحة يُعتبر جنونًا من قِبل الآخرين، فهل سينفع أن تتحلّى بعقلانيتهم التي شيّدوا قوانينها وحسب؟

هل.. كان من المفترض أن تشعر بالتحدي والرغبة بتجاوز أفضل الأشخاص في محيطها فطريًا؟ لأن مجرد التنافس مع نفسها لن يكون كافيًا، بل أن تطمح لتحاوط نفسها بأفرادَ أكفّاء ليرفعوا من انتاجها ويُلهموها. إذن هل.. هل كان الإيرل جونغكوك يحاول أن يقودها نحو شيءٍ ما مُسبقًا؟ إنه لم يكُن.. يتصرّف بلؤمٍ فقط؟

عقدت إيميليا حاجبيها بخفة للحظة، فهي احتاجت أن تُراجع تلك الفكرة في رأسها قليلًا. انزلق ناظريها من وجه جيمين حتى باتت تُحدق بصمت في مساحةِ المقعدِ الخشبي بينهما، وراحت تُفكر ما إن كان ذلك الإيرل البارد قد حاول أن يجعلها تُفكر بهذه الطريقة بدلًا من أن تخافه حقًا، لكن هل هو ينتمي لهذا النوع من الأشخاص؟ إذا كان الأمر كذلك.. فهل هو ينتظر منها عرضًا حقيقيًا وجادًا خلال التحدي؟

لاحظ جيمين التغيُّر الذي طرأ على تعابيرها، وكأنها الآن تعلم في أيِّ إتجاهٍ عليها أن تُفكر، فبدلًا من أن تبدو تلك العدستين مشوشتين.. أصبحتا تُحدقان بتركيزٍ في عمقِ أفكارها. إنه يعلم بأنها تحاول ربطَ كلِّ ما تتعلمه معًا، فلم يكُن ينوي أن يُكرر دروسه عليها، ولهذا ظهرت ابتسامةٌ هادئة على شفتيه المُنتفختين، وعاود التقاطَ قلمه الفحمي بخفةٍ ماهرة بين أصابعه حين أردفَ مُضيفًا.

[تعلمين.. أحيانًا نكون قد سمعنا كُلّ العبارات التشجيعية، كُلّ الحروف التي من الممكن أن تجعلنا نفكر بإيجابية ونكونُ مُدركين لكُلِّ ما يتمُّ نُصحُنا به مُسبقًا. سنسأمُ منها حين يُخبرنا إياها العديد من الناس في محاولةٍ لجعلنا نشعر بالتحسُّن، فالحقيقةُ أننا لا نكون بحاجةٍ إلى سماع ذلك مرارًا بل فقط إلى.. شيءٍ صغير نتذكّره فيه لنفهمه أكثر.]

لم يكُن مُعيبًا أبدًا أن ننسى الأهداف أو الوعود التي قطعناها على أنفُسنا، لكن عدم تحقيقها بسهولةٍ وسُرعة لا يعني أن نُفلتها. رُبما كان ذلكَ أول ما جاء في ذهنِ إيميليا، ولهذا بدت صامتة وهادئة في مكانها بعد أن شعرت وكأنها تلقّت ما تحتاجه لتُفكر بشكلٍ صحيح. حدّق فيها الأشقر لثوانٍ وقد علِم أنها مأخوذةٌ الآن بالأفكار والخطط التي بدأت تُصّب في رأسها تلقائيًا بعد أن عانى من الفراغ بسبب حيرتها.

رؤية ذلك جعلته راضيًا، فهذه الصغيرة بدأت تُمسك بزمامِ الأمور أسرع من قبل، وذلك ما جعله يطمئن بأن توقعاته لا تزال في محلّها. أشاح بعينيه عنها لتُقابله السفينة الفحمية على الورقة المُسمرة، وصارَ يُحرِّك قلمه بخفوتٍ فوق حدودها التي كانت واضحةً جدًا في رأسه حتى هذا اليوم، ثم تمتم في رضا هادئ للآنسة التي تجلس بقربه.

[أفترض بأن لديكِ موعدًا لتتجهزي من أجله آنسة إيميليا؟]

يُمكنها الآن أن تنطلق، يُمكنها أن تذهب وتكون مع الإيرلين لو استمرّت في التركيز بهذه الطريقة، وستتمكّن من أن تعود بمنفعةٍ جيدة من رحلتها معهما طالما استطاعت أن تستنج ما أوصاها به خلال هذه المحادثة. في تلك الأثناء كانت إيميليا تُحدق في الفراغ بتركيزٍ كما لو أن أفكارها ترتبت بشكلٍ غير متوقّع فجأة، ولم تكُن ترغب بخسارة هذا، فشدت يداها بحزمٍ على ربطةِ شعرها كي تجمع أطراف خصلاتها في عقدةٍ صغيرة في نهايةِ الظفيرة، وتمكّنت تلك المرة من أن تُعطي إجابتها بصوتٍ أوضح.

[نعم.]

كانت نبرتها مختلفةً جدًا عمّا قدمت به إلى هنا، لأن تلك العينين الفاتحتين عرفتا كيف ومن أين تنظران بدلًا من أن تبقيا تائهتين. رُبما هي ليست بالمقومات الجديرة بعد، لكنها تعمل على ذلك، ولهذا السبب لا يُمكنها التوقف الآن. كانت لحظةٍ خاطفة حين نهضَ جسدها من فوره فجأة، وهذا ما جعل الأشقر الهادئ يرمقها بنظرةٍ وحيدة كي يرى رأسها ينحني له على عجل، فتنزلق ظفيرتها معها للحظةٍ قبل أن تستقيم مُجددًا.

لم تكُن تنظر إليه.. وهذا يسُرُّه تمامًا بمعرفةِ أنها تنظر إلى البعيد في رأسها الآن. انعكست هيئتها في حدقتيه البُنيتين حينَ استقامت إيميليا بوجهٍ هادئ، ومن ثم التفتت تُعطيه ظهرها كي تُسرِع في العودةِ إلى القصر نظرًا لخطواتها التي تأخذها على عجلٍ متوجِهةً إلى غرفتها، فتوارى صوت خطواتها على العُشب وقتها ولم يتمكّن جيمين إلا من رسمِ بسمةٍ مُتّسعة أكثر بسببِ سرعةِ وسهولة إتقادِ هذه الآنسة.

تنهد بخفوتٍ مع النسمات، وتقوّست تلك العيون الهادئة للحظات حين انطلق همسٌ سرُّي من بين شفتيه المجرورتين براحةٍ مُسالمة
[إبقي مُزهرة يا آنستنا الصغيرة، سيحتاج أحدهم إلى الاستمتاعِ بسحركِ يومًا ما.]

≽⌘≼

ضربَت عجلةٌ خشبية حجارةً صغيرة في الطريق، فطارت بخفةٍ بعد أن صنعت هزة خافتة في العربة التي مرّت على الطريق الحجري حيثُ طرقت عليه حوافِر الخيول، وارتفع وقعُها في الشارع واحدةً بعد الأُخرى لتمرَّ عبر المشاهد الليلية للعاصمة لندن. لقد حلَّ مساءُ هذا اليوم أسرع من المُعتاد، حيثُ غطى الظلام السماء مُبتلعًا الشمس في البعيد، وبدأت أنوارُ العاصمة الإنجليزية تتلألأ في شوارعها التي تدبُّ بالحياة في هذا الوقت.

تمسّكت يدين نحيفتين بدفترٍ قديم وصغير ينامُ في حضنها، وهناك عدستين فضوليتين من العسل تنظُران عبر النافذة إلى الخارج. كانت إيميليا تجلُس في إحدى العربات المُريحة التي تنتمي لعائلة كيم، على القماش النبيذي الذي يُغلّف مقاعدها من الداخل وكأنها غُرفةٌ أنيقة بجوٍ عتيق بتواجدِ الستائر الصغيرة بلونِ الدم القاني على النافذتين هناك، ورائحةُ القماش النظيفة والفاخرة تملأ المكان. انسابت أصابعها النحيفة بين خصلاتها القصيرة التي انزلقت بخفةٍ من كعكتها الصغير فوق رأسها وأبعدتهُن عن ناظريها كي يتسنّى لها النظر جيدًا.

كانت وحيدةً دونَ رفيقٍ هذه المرة، تكتفي بالجو الهادئ وصوتِ وقعِ الحوافر المتداخلة التي تجرُّ العربة، كما أنها تستطيع سماع بعض الموسيقى الكلاسيكية الخافتة عبر الزجاج من راديو بعيد في إحدى المحلات المُضاءة، والقليل من ضجيجِ العابرين الّذين يخوضون في الطُرقات الحيّة للعاصمة. إن لندن خلابة ليلًا، فالكثير من الرجال والنساء يجولون الطرقات بثيابهم الفاخرة، والآخرين بملابس متواضعة، ولكنهم جميعًا يستمتعون بجو العاصمة، حيثُ تُنار المباني الأنتيكية والمتاجر الحيوية.

لم يتسنى لها أن تستمتع هي بتلك المشاهد، لأن العربة كانت متوجهة لشارعٍ فاخر أكثر، بعيد ومُشددٌ في الحراسة. استطاعت إيميليا أن ترى بعض الشرطة بثيابهم المُهندمة التي يبرز فيها علم بريطانيا العُظمى عبر النافذة، وشاهدت الأنوار الذهبية تزداد كما لو أنهم اقتربوا من مبنى كبير استطاعَ أن يُنير الشارع بأكمله، وهكذا علِمت أنهم وصلوا إلى المكان المقصود من دونِ أن تنظر إليه حتى.

سمعت صهيل الخيول يرتفع على غفلة، وتوقفت عجلات العربةِ من فورها لتستقرَ أخيرًا في مكانها. استطاعت أن تسمع خطوات الحوذي تُسرع نحو بابها، وفورَ أن رأت المقبض يتحرك حتى أخذت أنفاسها بهدوء لتحاول أن تستعد جيدًا، فهذه أول مهمة رسمية لها! وعليها أن تحافظ على تركيزها الكامل.

فُتِحَ باب العربة ليظهر الشارع الرطب أمامها، وهبّت في وجهها نسماتٌ عليلة من الليالي الصيفية للعاصمة لتملأ رئتيها برائحةِ الجدران الأنتيكية للمباني القريبة. قامت بحملِ دفترها في صدرها، ثم تمسّكت بباب العربة بهدوءٍ لكي ترتجل على مهل منها. وضعت قدمها التي لمعت فيها كريستالة صغيرة من حذاءها المُنخفض والناعم بلونِ الحنطة على الدرجة الخشبية للعربة، وقفزت منها ليرفَّ طرفُ بنطالها الواسع والصحراوي قبل أن تستقر على الأرض.

وقفت بهدوءٍ تُصلِح هندامها للحظة وتتأكد من رتابةِ قميصها الحنطي الذي تتوسطه زركةٌ ناعمة بحجرٍ لامع صغير، ثم ارتفعَ ناظريها نحو العربةِ التي سبقتها إلى المكان. كانت فاخرةً وتلمعُ كما لو أنها فخرُ لندن التي يتهافت الناس لرؤيتها بدلًا عن رمزِ العاصمة بيغ بين، حتى أن جيادها المحتشين بالسواد يمتازونَ بثباتٍ يجعلكَ تشكُ بأنها عربةُ العائلة الملكية لبريطانيا.

رأت الحوذي يُسارع لفتح بابِ العربةِ المُزيّنة بالذهب على خشبها الفاره، وسرعان ما انحنوا جميعًا بأدب إلى الشخصيتين المُهمتين في الداخل. سمِعت الحوذي يُغلق باب عربتها في اللحظةِ نفسها التي رأت فيها جسدًا عظيمُ الهالةِ يرتجلُ بهدوءٍ من تلك العربة الملكية، رجلٌ بشعرٍ فاحِم وعيونٌ كحيلة احتوت كُلّ الدهاء. كان الوريث تايهيونغ الذي انتصبَ بفخر وهو يمسح سترته الفاخرة التي امتازت بنقشٍ خفيف يختبئ بلونها الداكن، وقميصٍ أسود ذو رقبةٍ مُزركشة يُنافس لونَ خصلاته المُنسابةِ إلى الخلف بتصفيفةٍ أنيقة.

ما هي إلا ثانية حتى ارتجلَ جسدٌ آخر من العربة، واحدٌ يحملُ من الصمتِ ما يجعلك تظن أنه شبحٌ قاتم. كان الإيرل جونغكوك ذو الخصلاتِ القصيرة قد تبِع أخيه من فوره، يحمِلُ برودَ العاصمة الضبابية في وجهه الهادئ ذو النظرةِ الثاقبة، لم يكُن ليّنًا ولكنه يُشارك شقيقه ذلك الحضور المُهيب. لمعت سلسلةُ من الذهب في جيبِ سترته حيثُ تتمايل من هناك بوهن، وقد بانَ عُنقه من فتحةِ القميص العلوية المنقوشةِ بالذهب وهو يتجاوز الحوذي كمن يُحب تجاهل الحضور غير المهم في محيطه، وهذا ما جعله يبدو مغرورًا أكثر حتى من الوريث.

رأت رجُلًا ببذلةِ رمادية يتبعهما خارج العربة على الفور، الرجلُ ذو الوجه الجامد والعيون الصارمة الذي لا يؤتِ بأدنى حركةٍ غير ضرورية. لقد كان دونغهي، الحارس الشخصي المُهم للإيرلين، حيثُ قامَ بالوقوفِ خلفهما بصرامة والإشارةِ للعربة بأن تنتظرهم هناك.  أحيانًا تتعجّبُ من كون هذا الرمادي هو الحارس الشخصي الوحيد لأهمِّ رجُلين في لندن، فهي تخيّلت أنهما سيكونان مُحاطين بفريقٍ كامل من الحرس أو ما شابه، لكن يبدو أنهما لا يُفضِّلان ذلك.

وقفت إيميليا هناك للحظة وهي تُشاهد الإيرلين يقفان معًا في ذلك الشارع الفاخر الذي يُضاء ببهرجةِ من الأنوارِ المختلفة في المساء، والتي تجعله يبدو كمشهدٍ في قصةٍ مُصوّرة، وقد كانا بالفعل مركزَ كُلِّ تلك التفاصيل البديعة. تمشيا معًا إلى المدخل الذهبي العظيم لذلك المبنى الضخم الذي لم يُسعفها الوقت لتأمله، فالنظر إلى الأعلى سيُصيبها بالدوار ولن تستطيع حتى إدراك كامِل جماله، ولكن هيكله بكل تأكيد هائل ويُشير بوضوح إلى فخامةِ التصميم الإنجليزي، إلا أن هذا كان الشي الوحيد الذي امتلكت الوقت لملاحظته قبل أن تُسرِع خلف الإيرلين.

لم تكُن تريد أن يظنا بأنه من السهل تشتيتها بالتحديق، ولكن تلك كانت الحقيقة مذ أنها لم تحضُر أبدًا إلى مثلِ هذه المواقع الفاخرة من العاصمة، وقد كان عليها أن تجمع شُتات نفسها وتُركّز في عملها بدلًا من أن تنشغل بالتحديق في محيطها الجديد. احتضنت دفترها الصغير جيدًا كما لو أنها تستمدُّ منه القوة قبل أن تخطو خلف الإيرلين وحارسهما إلى الداخل، حيثُ داست على سجادةٍ نبيذية فاخرة قُرب المدخل الذي يبدو وكأنه يبرُق بوهجِ الذهب.

 للحظةٍ فقط.. ألقت إيميليا نظرةً خلفها كما لو أنها تتأكد من شيءٍ ما كان يجولُ في ذهنها لفترة، ورأت الحوذيين يقومان بإبقاء العربتين جاهزتين في الخارج. كما توقعت، لم يحضُر معهم أيَّ شخصٍ آخر. هذا غريب، في العادة كان ليُرافقها المُقنع ما دامَ أنها خارج القصر، ولكن لمَ لم يحضر هذه المرة؟ أهذا لأن الإيرلين بنفسيهما متواجدين معها؟ 

عاودت إيميليا النظر أمامها وهي تُفكر في ذلك التساؤل الصغير، ولكنها لم تملُك خيارًا إلا أن ترمي بهذا جانبًا وتتبع السادة إلى الداخل. على الفور استنشقت رائحةَ الأقمشة الفاخرة والسطح المعدني للأبواب والثُريّات المُنظّفة حديثًا، فأطلّت من خلفِ الظهر الحديدي لدونغهي كي ترى ما يقبع أمامهم.

كان المدخلُ واسعًا ويلمعُ كما لو أنها تنظرُ في سبيكةٍ ذهبية عملاقة، حتى أن الثريات تمتازُ بوهجٍ حولها كحالِ الزينةِ المنتشرة في المكان. بعض السجاداتِ النبيذية وعلمُ بريطانيا ما استقبلهم هناك، وسرعان ما شعرت إيميليا أنها حتمًا لا تنتمي لهذا المكان الذي ينبضُ بوهجٍ ملكي.

[سيدي الوريث!] 

رمشت بخفةٍ بعد أن انتزعها صوتُ رجلٍ ما عن التحديق في محيطها، ونظرت أمامها حيثُ رأت جسدًا يُسارع إلى استقبال الإيرلين بابتسامةٍ عريضة. كان رجُلًا في منتصف الأربعين يرتدي بذلةً أنيقة ورسمية كما لو أنه كان في حفلةٍ راقصة، ويمتاز بوجهٍ طولاني وعظمتي وجنتين بارزتين. كان يُصفف شعره البُني إلى الخلف وينحني باحترامٍ كأيِّ نبيلٍ آخر أمام الأخوين الّذين رمقانه بنظرة ما أن وصل.

استطاعت إيميليا رؤيةَ شابٍ يُسرع خلف سيده الأكبر ببذلةٍ مُشابهة لخاصته، وسرعان ما انحنى بأدب ريثما كان النبيل يُرحّب بالإيرلين بوجهٍ بشوش بعد أن تأكد أن معاونه يقف إلى جانبه.

[سأتذكّر هذا اليوم المجيد الذي قابلتُك فيه شخصيًا، أيّها الوريث العزيز. اسمح لي أن أُرحّب بك وبسيادة الإيرل العظيم بنفسي.]

كان الرجل قد مدّ يده المُغلّفة بقفازٍ أبيض نحو تايهيونغ بالفعل وبدا في صوته الغليظ بعضُ الارتباك رُغم بسمته الواسعة، فرمقت العيون الكحيلةُ للوريث تلك اليد في الهواء للحظة كما لو أن هذه زلةٌ شائعة للرجال الّذين يقابلونه لأول مرة، ولكنه بكُلِّ بساطةٍ قام بالإيماء برأسه بهدوء.

[سيد فيتزجيرالد.]

ها هو صوتُ تايهيونغ العميق والغامض يُجيب تحيّته برسميةٍ تامة وعلى شفتيه ارتسمت بسمةٌ تفيضُ بالسيطرة التي تُجبر أيَّ شخصٍ آخر على الخضوع، وهذا ما شعر به الرجل المدعو بفيتزجيرالد الذي قامَ على الفور بسحبِ يده إلى الخلف ببسمةٍ تُخفي ارتباكًا خلفها، فتلك العدستين الداكنتين الّتين تنظُران فيه تُطيحُ بأيِّ وصفٍ سمعه عنهما قبل هذه اللحظة.

عضّت إيميليا شفتها السُفلى بخفةٍ وهي تُشاهد الوريث عن قُربٍ لأولِ مرة خلال عمله، فهو حقًا يبدو كبابٍ مُغلق يُجابهك بمقبضه الحديدي ما أن تقترب منه، وهذا ما أدركه السيد فيتزجيرالد سريعًا حيث راحَ يُشير للإيرلين بأدبٍ نحو وجهتهم داخل مسرح لندن. تقدم تايهيونغ أولًا بهدوء يتبعه جونغكوك الصامت الذي رمقته بنظرةٍ للحظة، فهي لا تزال تتذكّرُ الحدث الذي شاركته إياه صباحَ اليوم.

ابتلعت ريقها وهي ترى دونغهي يتبع سيديه وهذا ما جعلها تُسرع خلفه كما لو أنها ستضيع بدونهم، فمجردُ الوقوفِ في مسرحٍ رمزي كهذا مع أهمِّ رجُلين في لندن بدافع العمل معهما يجعلها تسمع نبضات قلبها المُرتبكة في أُذنيها. تجاوزَ الرجال الممر الواسع الذي قادَ إلى مدخلٍ ذو رأسٍ مقوّس في الأعلى.. ومن هنا استطاعت إيميليا أن تنظُر من خلف كتفِ الحارس الرمادي، وسرعانَ ما اتّسعت عيناها الفاتحتين.

لمعَ الذهب في عدستيها على الفور ليملأهما، وتشبّعت بمشهدٍ من الأنوار المتلألئة التي أطلّت من مسرحِ لندن. تجمّد جسدها في مكانه وهي ترفع برأسها إلى الأعلى حيثُ امتدّ السقف إلى ما لانهاية، مُزيّنًا بالرسوماتِ الفنيةِ العتيقة التي تظهر بسببِ توهج الثريات الفاخرة والعملاقة التي تنسدل من الأعلى. استطاعت أن تشعُر بمؤخرة رأسها تُلامس بدايةَ ظهرها لشدّة ما رفعت ناظريها، وشعرت بهيبةِ المكان تنصبُّ فوق ظهرها.

هناك أعمدةُ عظيمةُ الحجم تحمل المبنى من الداخل، وتواجدت شُرفاتٍ أنيقة بينَ كُلِّ عمودٍ وآخر حيث تحوي المقاعد العلوية لضيوف الشرف. ابتلعت إيميليا ريقها وتجوّل ناظريها في تلك الشُرفات العلوية الفارهة وتصميمِ الأعمدة الفني، لقد كانَ المكان عظيمَ المساحة لدرجةِ أنه يُمكنها أن تخمّن أن هنالك على الأقل ألف مقعدٍ هنا، فالمقاعد السُفلية المنتشرة في صفوفٍ مُنتظمة أمامها كانت كفيلة باستيعاب العديد من الضيوف، كانت واسعة ومُريحة، مُغلّفة بقماشٍ نبيذي فاخر وتبدو جاهزة لاستقبال الحضور.

والمسرح.. اوه المسرح.

كانت إيميليا مُنتصبةً في مكانها وهي تُحدق بخشبةِ المسرح الضخمة في الأمام، فهي كريمةُ المساحة وخشبها يلمعُ لدرجةِ أنه كان يعكس صورةَ الستارتين العملاقتين على جنبيه وكأنهما شلالين من النبيذ. هذا.. كثيرٌ جدًا عليها، فهي لم تكُن في مكانٍ ضخمٍ كهذا عدا عن قصر الإيرلين، ولكن هذا.. مكانُ الملوك! المكان حيثُ تُعرض كل الأعمال المسرحية العظيمة والعروض الفارهة، وهي هنا.. مع الإيرلين كيم لتكون جزءًا من عرضهما، إنها لم تحلم بهذا أبدًا في حياتها.

[آنسة إيميليا، يُمكنكِ أن تقومي بعملكِ براحة.]

رفّ جُفني إيميليا حين انتفضَ جسدها بخفةٍ فورَ أن سمعت صوتًا مألوفًا يُحادثها، واحدًا لن تُخطئه حتى لو لم تنظر إلى مالكه. تحرّكت عدستاها حيثُ وقع العسل فيهما في جُحرين عميقين من الظلام، إنه الوريث الذي كان يلتفت برأسه ليُحادثها وسط شرودها. أدركت إيميليا للتو ذلك الموقف ولاحظت أن السادة كانوا يُحدقون فيها مُسبقًا، حيثُ كانت هي مُتأخرةً عنهم بأمتار بعدما كانت مأخوذةً بالمكان العظيم هذا.

كان السيد فيتزجيرالد ومعاونه الشاب يُحدقون فيها بتساؤل مذ أنهم لا يُدركون إنها تجربتها الأولى، وكانت العيون الثاقبة لدونغهي ترمقها ببرود رُغم أنه لم ينبس بكلمةٍ لا تؤتِ نفعًا بالنسبةِ لدوره. شعرت إيميليا على الفور بُثقلِ الانتباه المُنصبِّ عليها، حيثُ لمحت العدستين الداكنتين للإيرل جونغكوك تلتفان نحوها أيضًا، ولكنها وجدت نفسها تُحدق في الكحيلتين الهادئتين للوريث تايهيونغ.

كان عليها أن تُجيبه سريعًا، لكن تكوّم المشاعر في حنجرتها جعلتها فقيدةَ الكلمات. تغيّرت نظرةُ الوريث للحظةٍ فقط لتكون الوحيدة من لاحظت المعنى فيهما، وكأنه يسألها ما إن كانت سمعته، وهذا ما جعلَ حلقها يجِف وقامت على الفور بالانحناءِ بنصفها العلوي باحترامٍ له كي تؤكد على أنها تلقّت أمره. يبدو أن الرجال هناك ظنّوها غريبةَ الأطوار، ولكن الإيرل تايهيونغ قامَ ببساطةٍ بتجاهل هذا الموقف والاستمرار في مسيرته، وهذا أوجبَ على السيد فيتزجيرالد أن يمضي بقيادةِ الإيرلين إلى الداخل غيرَ مُباليًا بأمرها. 

لقد كانت لحظةً واحدة فقط، ولكنها استطاعت أن تلمحَ نظرةً صامتة من الإيرل جونغكوك، واحدةً يلفُّها الغموض كما لو أنه يُراقبها جيدًا قبل أن يقومَ بتجاهُلها والالتفات للمُضي خلف شقيقه حين تمشيا معًا وخلفهما حارسهما الشخصي. بللت إيميليا شفتيها واستقامت ببطء بعدما صرفَ الوريث الانتباه عنها بمُضيه إلى الأمام، ولكنها متأكدةٌ من أنه لن يُفضل تصرّفًا كهذا منها حين يتعلّق الأمر بالعمل.

ابتلعت ريقها لتُخفّف من التكوّم المزعج في حنجرتها، واحتضنت دفترها الصغير بحرصٍ في محاولةٍ منها أن تجمع شُتات نفسها وتُركز في عملها سريعًا قبل أن يتمّ توبيخها. يا ربّ السماوات.. إنها لم تقُم بعملٍ ضخم كهذا من قبل ولا أن تتفحّص مسرحًا كبيرًا من أجل العرض، وليس أيّ مسرح.. مسرحُ لندن بعظمته!

راقبت الرجال يبتعدون باتّجاه القاعةِ الخلفية التي تختبئ وراءَ المسرح، وبللت هي شفتيها في محاولةٍ لأن تتمسّك بإدراكها وتجعل أفكارها تستقر. لا يُمكنها أن تفشل أو أن تُحبِط الإيرلين بأيِّ شكل، ولو حدث أيُّ خطأ.. ستواجه بعد ذلك عواقبًا وخيمة. حسنًا إيميليا.. إنه وقت العمل، عليكِ أن تُقلّبي في رأسكِ كُلّ ما تعلمتيه من عائلتك ولا شيء آخر، حتى لو كان هذا أكبر مسرحٍ عملت فيه عائلتك منذ الأزل.

رفّ جُفني إيميليا للحظة حين فكرت في ذلك، مسرحٌ كبير؟ هذا صحيح.. الأمرُ مختلفٌ تمامًا عن بقيةِ المسارح هنا.

يبدو أن هنالكَ شيءٌ ما تركَ وقعًا فيها، وهذا جعلها تُسرع في رفعِ ناظرها حيثُ خشبةِ المسرح حين وجدت في ما يُخيفُها فكرةً ما. إن المسرح كبيرٌ فعلًا، ومن مكانها هذا لا يُمكنها أن ترى كُلّ ما سيحصُل على الخشبة لو تخيّلت أن الإيرلين يقفان هناك. ناظرت حولها ووجدت أنها تقف حيثُ الصف الأخير من المقاعد، فابتلعت ريقها وراحت تتقدم بخطواتها على السجادةِ النبيذية الفاخرة لتقترب أكثر من المسرح.

ارتفع ناظريها وراحت تدرُس في ذهنها المسافة من هناك، ووجدت أنه سيكون من الصعب أن يُلاحظ الحضور أيّ شيءٍ غيرجسد الإيرلين، فبعد كلِّ شيء يقوم المُشاهدين بالتركيز أكثر على مؤدي العرض ومن السهل أن يخدعهم ذلك خصوصًا لو كان مؤديا العرض رجُلين معروفين بخفةِ يديهما. 

ضيّقت عيناها للحظة وراحت تسيرُ أكثر نحو المسرح وكأنها ترغب في رؤيةِ في أيَّ صفٍ بالضبط من المقاعد سيكون من السهل على الحضور أن يلاحظوا أيّ شيءٍ على الخشبة، وهذا ما جعلها تستمرُّ في اتّخاذ خطواتها حتى المقاعد الأمامية. رُبما كان الصفُّ الخامس من المقاعد الذي جعلها تُحدق في خشبة المسرح جيدًا وكأنها تُفكّر في أن من يُشاهد العرض بانتباه سيتمكّن من لمحِ شيءٍ أو اثنين. أصبحت تعابيرها المُرتبكةُ أهدأ حين راحَ ذهنها ينشغل في التفكير، حتى لو كانت متوترةً سرًا، ولكن الانشغال في هذا يُساعدها على أن تهدأ.

توقفت خطواتها قُرب الصفِّ الأمامي من المقاعد، ووقفت هناك تُحدق في خشبةِ المسرح القريبة، أدركت وقتها أنها واسعةٌ جدًا ومن السهل أن يلاحظ أيّ شخصٍ سيجلس هنا ما سيحدث. تفحّصت عدستاها الفاتحتان تلك الخشبة العملاقة التي بدت أكبر حتى مما رأتها في البداية، حتى أن الستارتين النبيذيتين ضخمتين جدًا أمامها. الأمر لا يشبه العروض في المسارح الصغيرة ولا على الناصيات التي تتمكّن فيها من مراقبةِ المؤدي بسهولة، فهنا سيتمكّن أناسٌ من المشاهدةِ بوضوح وآخرون سيستمتعون وحسب بالعرض، وعليها أن تستغل ذلك.

[وكما ترى سيدي الفاضل.. ستكون لديكَ رؤيةً واضحة من هنا دون أن تعيقك الأضواء.]

رفَّ جُفنيها حين سمِعت صوت السيد فيتزجيرالد في محيطها مُجددًا، وارتفع ناظريها نحو زاويةِ المسرح حيثُ دخلَ النبيل بابتسامته الواسعة ليقودَ الإيرلين فوقَ الخشبة التي قرعت عليها خطواتهم. كان يبدو أن الوريث يسيرُ بهدوء ويديه خلف ظهره المُنتصب وهو يرمي بأنظاره الهادئة وبسمته البسيطة في الأرجاء، بينما كان القاتم خلفه غيرُ مهتمًا حقًا بسماعِ الكثير من الأحاديث، وهكذا كان جونغكوك ينظرُ ببرودٍ فقط في محيطه.

اه.. إنهما خُلقا حتمًا للأضواء، فمُشاهدتهما من هناك فوق خشبة المسرح تجعلها تُدرك أن حضورهما كافٍ ليملأ المكان برمّته حتى لو حضرت لندن بأكملها إلى العرض. كما توقعت أيضًا.. أن الرؤية هنا من الصفِّ الأمامي كفيلةٌ لأن تسمح لها بمُراقبةِ أيدي الإيرلين، ولكن شيءٌ ما قاله السيد فيتزجيرالد جعلها تلتفت برأسها قليلًا لتنظر نحو الأعلى حيثُ سقف المسرح.

كان هنالك صفّين من الأضواء المُنيرة التي ينامُ بعضها الآن، فهي مُخصّصةٌ فقط للعروض والمسرحيات لإضفاء التأثيرات الضوئية. هذا جعلها تتساءل ما إن كان المسرح يملك خصائصًا مشابهة لما كان يُنبهها شقيقها إليها، وذلك ما دفعها إلى معاودةِ النظر نحو أرضية خشبةِ المسرح أمامها. 

اقتربت إيميليا بخطواتها الهادئة كي تنحني بجسدها وتُسلّم ثقلها إلى رُكبتيها، وبدأت في أن تجوّل ناظريها في أرضيةِ المسرح التي ترتفع عن أرضِ القاعة بمترٍ أو اثنين تقريبًا. في العادة ستحتوي المسارح على أرضية مخفية أسفلها لتخبئ بعض المستلزمات للعروض السحرية أو المسرحية و ما شابهها، ولهذا قامت إيميليا بمدِّ يدها نحو خشبةِ المسرح وقرعت بخفةٍ عليها كي تستمع جيدًا إلى الصوت الذي ستُنتجه.

تلك الطرقات الصغيرة لم تُنتج صوتًا يدلُّ على أن الفراغ بداخلها أجوف، وهذا ما جعل إيميليا تُفكر في أن ذلك سيكون في مصلحةِ الإيرلين مذ أن لا أحد سيتوقع أن يخبئا شيئًا لعرضهما أسفل المسرح كما يفعل السحرةُ الآخرون، فوظيفة صانعي الأدوات تكونُ بحمايةِ أسيادهم من الشكوك أيضًا وجعل العرض حقيقيًا بما فيه الكفاية. لا تعلم كيف قامَ من كان يحتلُّ المركز المُهم هذا قبلها بعمله، ولكن سيتوجّب عليها أن تستمر بذلك المستوى من عمله بكُل تأكيد.

تلك الفكرة جعلت الارتباك يزحفُ مجددًا إلى قلبها بعد أن استطاعت بالكاد أن تجعله يهدأ بالانشغال بالتفكير بعملها، ولكن كلّما أدركت أهمية هذا كُلمّا جعلتها الشكوك تتجمّد وتترك الكلمات والمشاعر مُعلّقةً في حنجرتها. احتاجت أن تأخذ دقيقة لتتنفسَ بعُمق وتحاول أن تفكر بجديّة أكبر ناحية عملها هنا، ولكن قدميها تسمرتا مكانهما للحظة بسبب ثُقلِ تفكيرها.

[أولُّ مرة؟]

رفّ جُفنا إيميليا لمّا غافلها صوتٌ عميق وهادئ لينتشلها من شرودها، وهذا جعلها ترفع رأسها على الفور لتجد ساقين طويلتين تقفان على المسرح أمامها، مما دفعها إلى أن تتساءل عن كيف اقترب منها بدونِ أن تسمع خطواته على الخشبة. ارتفت عيناها الفاتحتان وتلاقيا مع عدستين داكنتين تنظُران فيها بثباتٍ رهيب كأعمدةِ هذا المبنى العظيم، ووجهِ هادئ موّجهٍ نحوها إلى الأسفل.

 كان الوريث تايهيونغ الذي تلمع خصلاته الحالكة كسيارةٍ كلاسيكية عتيقة تحت الأنوار، يقِف ويضع يديه خلف ظهره بجسدٍ مُنتصب يُقابل جسدها الصغير الذي تجلسُ فيه على ركبتيها أسفل الخشبة. ابتلعت إيميليا ريقها وهي تنظُر في هالةِ الفخامة التي تحاوط جسده الرتيب حيثُ لا يُمكنك حتى أن تجد ذرةَ غُبارٍ واحدة أو شيئًا صغيرًا من القماش المُجعد في ثيابه، فهو يبدو مثاليًا تمامًا ليقف على خشبة المسرح الفاخرة تلك.

وجدته يُحدق في عينيها المُرتبكتين كما لو أنه يقرأ التردُّد فيهما، وبقيت هي ترمش في وجهه كما لو أنها أدركت للتو بأنه كان يُحادثها. أكان يعني أن يسألها ما إن كانت مرّتها الأولى في المجيء لمكانٍ كهذا؟ في العمل على عرضٍ مهم؟ ولكن إجابتها بكل الأحوال ستكون واحدة. بللت شفتيها بهدوء وراحت تحاول أن تجد صوتها بعد فترة الصمتِ تلك، فأومأت له بأدب وخرجت حروفها مُترددة للحظة.

[نـ نعم.]

كانت أول مرة تستطيعُ أن تسمع القلق في صوتها بنفسها أمامه، فهي لم تتمكّن من أن تُخفي ما يُخيفها في تلك اللحظات التي أدركت فيها أن العمل معه يعني عدم ارتكاب الأخطاء مهما كلّف الأمر، وشخصٍ مُبتدأ مثلها.. لا يبدو مناسبًا للمهمة. لاحظَ الوريث ذلكَ فيها وقام ببساطةٍ بالتحديقِ في وجهها بهدوء، كما لو أن تلك العينين الكحيلتين ثابتتين دومًا على هدفهما، ولكنهما بطريقةٍ ما.. لم يصنعا ثُقلًا عليها. توقعّت بأن يُظهِر بعض الانزعاج منها حين أظهرت عدم كفاءتها بالتحديقِ في محيطها بتلك الطريقة مُسبقًا، ولكنه فقط.. يُناظرها بهدوء.

رمشت في وجهه للحظة وكأنها أدركت بأنه كان يقف أمامها لسبب، فهو يبدو كمن يتوقّع منها شيئًا الآن بعد أن ماتت المحادثة القصيرة بينهما. لاحظت الحجرين الداكنين في عينيه ينظران بهدوءٍ نحو عنقها، وهذا ما جعلها تتبعُ نظراته إلى الأسفل، حيثُ وجدت قلادة الصليب تظهرُ فوق قميصها بعد أن انسابت من بين القماش حين انحنت. 

حدقت للحظاتٍ في تلك السلسلةِ الفضية، وشعرت أن في خاطرها شيءٌ يجولُ تواقًا لأن يخرُج للعلن، شيءٌ ما.. ترغب حقًا في قوله له. ضمّت شفتيها معًا وكأنّ دواخلها حائرة في أن تظهر لوريثِ كيم الغامض الذي لا تعرف عنه شيئًا حقًا، ولكن وقوفه هناك بهدوء، تحديقه فيها وشعورها بأنه يتوقّع شيئًا منها جعلها تقفز في قرارها.

رُبما ستكون مُخطئةً جدًا، وربما ستندم أيضًا، ولكنها أصبحت تميلُ إلى قولِ ما تشعرُ أنها بحاجةٍ إليه مؤخرًا، ولن يختلف هذا فقط لأن الوريث تايهيونغ من يُجابهها، الرجل الذي حاولت دومًا أن تتفاداه وشقيقه.

[أيها الإيرل الوريث، هل.. في قلبك مخاوف؟]

انطلق صوتها منخفضًا بعد أن دفعت الكلمات ببطء من بين شفتيها، كما لو أنها لا تعلم حقًا ما إن كان عليها أن تستفتح محادثةً ما معه كما تفعل مع الذهبي جيمين. إنها لا تعرف طباع هذا الرجل جيدًا ولا كيفَ يُمجّده من حوله، ولربما كان هذا دافعها الذي جعلها تُحادثه الآن. لا تعلم إن كان سؤالها نابعًا عن مخاوفها هي حين جاءت إلى هنا أو ما إن كانت طريقتها في محاولةِ اكتشافه، ولكنه شيءٌ بين الاثنين، وهذا ما لم يجعلها تندم حقًا لطرحه عليه حتى لو كانت مُترددة.

كان الوريث ينظُر فيها بصمتٍ وهو يراقبها تُحدق في سلسلتها الصغيرة حول رقبتها في الأسفل، والصمتُ الذي صنعه بينهما كان كفيلًا بجعلها تتوتّر للحظة وتتساءل ما إن كان حقًا سيوبّخها الآن، فتمسّكت أكثر بدفترها الصغير الذي تحتضنه في صدرها في محاولةٍ لأن تُفكر بإجابةٍ بديلة لو لم يعجبه سؤالها.

[رجلٌ يخفي خوفًا في قلبه هو رجلٌ لم يتصالح مع الذي يُفقده شجاعته آنسة إيميليا، فالخوف هو وهمٌ يولدُ من قيمةَ الأشياء لنا.]

رفّ جُفنا إيميليا حين غافلها صوته الهادئ بإجابةٍ واثقة، حيثُ تنسابُ كلماته بثباتٍ عكس التردد في صوتها المنخفض. ارتفع ناظريها سريعًا نحوه من جديد كي تجد تلك العيون العميقة تُحدق فيها ببساطة من مكانه في الأعلى كما لو أنه قام بمنحها إجابةً بديهية. الطريقة التي ينظُر فيها إليها.. متّزنةٌ جدًا كما لو أن هدوءه مُعدٍ جدًا، وهذا جعل تعابيرها المرتبكة تسترخي قليلًا.

إذن هو حقًا لا يُمانع أن تُحادثه؟ إن إجابته لها جعلتها تعقدُ حاجبيها للحظة وهي تستقيمُ أخيرًا في مكانها، وتُصبح الآن واقفةً على قدميها أمامه أسفل خشبةِ المسرح التي يعتليها. ناظرته إلى الأعلى وقد تمايلت خُصلاتها الفاتحة القصيرة على وجنتيها، واحتضنت دفترها إلى صدرها لتبتلع ريقها وتحاول أن تدفع نفسها في تلك المحادثة بعد أن وجدت تجاوبًا منه.

[إذن ماذا لو.. لم نرغب في تذكُّر هذا الخوف؟ أن نتناساه وحسب ونمرُّ عبره لكيلا يتسبّب بالألم؟]

رُبما فكرّت بألا تختلط كثيرًا مع الإيرلين سابقًا، ولكن الآن في هذا الوقت.. كانت ترغبُ حقًا في أن تتعلم طريقةً تجعلها تتفادى الألم والخوف وتمرَّ عبرهما دون أن تواجههما فعليًا، طريقةٌ لتجعلها تهدأ حين تتعقد الأمور، ومن أفضلُ لتطرح هذا السؤال عليه من رجلٍ أخبرها مُسبقًا أن تتخلى عن خوفها كما لو أنه شيءٌ بسيط لفعله؟ ولكن يبدو أن سؤالها هذا لم يكُن في قاموس الوريث. لاحظت عينيه الكحيلتين تتضيّقان بخفة كما لو أنه يعلم أنه ما من طريقةٍ كتلك، وراح يُجيبها ببساطةٍ كما لو أن كُلّ ما تتساءل بشأنه بديهيٌّ له.

[من الأفضل دومًا التعرُّض إلى لسعةٍ صغيرة من اللهب قبل أن يفورَ إلى جحيم آنسة إيميليا.]

رفّ جُفناها للحظةٍ وهي تُحدق في وجهه الهادئ الذي يُبادلها النظر بثباتٍ لا يميل، وشعرت أنه جعلها تتذوّق للتو حقيقةً كانت تحاول ألا تلتقطها من المائدة. هدأ تصلُّبُ جسدها وراحت تُفكر في منطقه، فهو يرى أن مواجهةَ أيِّ شيءٍ في بداياته يميلُ إلى أظهارِ نتائجٍ أفضل لاحقًا، لكن لو تركته وقامت بتجاهله سوف.. يكبر اللهيب ويصنعُ جحيمًا لا تعرف الفرار منه. يا لها من طريقةٍ ليُخبرها أن تواجه مخاوفها فورَ اكتشافها إياها، لكن قولَ ذلك أسهل من فعله.

عبثت أصابعها بطرفِ دفترها الصغير كما لو أنها لا تملك حقًا إجابةً لتلك الحقيقة، وهذا ما جعل الوريث يميلُ برأسه بخفةٍ نحو جانبه الأيسر كما لو أنه يُحدق جيدًا في التردّد الذي يظهر في عينيها ولم يُعجبه ذلك. ظهرت ابتسامةٌ صغيرة وواثقة على شفتيه، ثم أجبرها على النظر نحوه مُجددًا حين حادثها بفخرٍ لا يخبو.

[والآن سؤالي لكِ، هل أبدو لكِ كرجلٍ يخاف من الخوض في الجحيم؟]

رمشت إيميليا للحظة وكأنها لم تستوعب السؤال في البداية، وراحت تُبادله التحديق كما لو أن تعابيرها تُظهر الحيرةَ من مغزى سؤاله. وجدته يبتسم في وجهها ببساطةٍ كما لو أنه لا يُمانع اكتشاف إجابتها حتى لو أخبرته عكس ما يتوقع، وكانت تلك العينين داكنتين جدًا وصامتتين كما لو أنهما تعرفان ما تخبئان وما تُعلنان. إنه يحمِلُ الثقة والاعتزاز كبصمتين دائمتين في هالته، ولم تعتقد إيميليا أن هنالك إجابةٌ أخرى غير التي ستمنحها.

حتى لو فكرت ألفَ مرة.. فهي ستهزُّ رأسها نفيًا كما فعلت للتو له، حيثُ تنظُر في عينيه مُباشرةً وتوضح له بذلك بأنه لا يبدو أبدًا كرجلٍ سيخاف من الجحيم، بل لا يبدو وكأنه يملك مخاوفًا حتى. تلك الإشارة الصغيرةُ منها جعلت ابتسامةَ الوريث تتسع بهدوء حتى تقوّست عينيه بغموض، وراحَ يرفعُ رأسه بشموخٍ يفرِضُ حضوره أكثر أمامها وكأنه ملكٌ يعرف قدرَ نفسه.

[ولهذا أنا أقف هنا.]

لقد وقفت إيميليا حائرةً تمامًا أمام هذا الرجل، صامتةٌ ولا تشعر بأنها ستتمكّن أبدًا من مُجابهته في نقاش. لقد كانت إجابته تُخبئ العديد من المعاني الخفيّة، كما لو أنه يُهديها سرًا حين جعلها تُجيب على سؤاله بنفسها. لم تكُن تعلم ما إن كان يُشير لوقوفه على خشبةِ المسرح فقط أم أنه يعني وقوفه على قمّةٍ يراه الآخرون فوقها دونَ أن يعلموا حقًا ما فعل ليُصبح هناك ولكن.. شيءٌ ما بخصوصِ النبرةِ التي اختارها بعنايةٍ جعلتها تُدرك أن الأمر أكبر من ذلك. 

كان فخورًا بنفسه، مُعتزًا بها ويُدرك جهودها وموهبتها تمامًا، وهذا ما جعل إيميليا تجد في صوته الهادئ الكثير من الثقة المتزنة. راقبت ذلك السكون في عينيه الثابتتين وتساءلت عن الثمن الذي دفعه من أجله، عن الرحلةِ التي خاضها لتجعله يقف بشموخٍ لا ينكسر بكتفيه العريضين فوق تلك القمة. وجدت نفسها تتأمّلُ منظره من الأسفل قبل أن تنسابَ كلماتها لاشعوريًا من بين شفتيها، كما لو أن الطفلة التواقة لصعودِ القمّة تطلبُ البصيرة. 

[ولكن ماذا ترى هناك؟]

إنها تعلمُ أن الجميع يتسابقُ نحو القمة، هناك من يُمجدّها وهناك من لا يراها أصلًا، ولكنها تتساءلُ عمّا يراه شخصٌ مثله من قمته هو، وذلك الفضول ظهرَ في عينيها الّتين أخذتا قبسًا من هدوءه خلال هذه المحادثة. لم تكُن تُدرك وقتها بأنها خالفت إحدى قوانينه، حيثُ أخبرها مُسبقًا بأنه لا يُحب الفضول حقًا بشأنِ ما يخصّه، ولكن في تلك اللحظة التي وجد في عينيها توقًا لمعرفةِ إجابته.. قررَ منحها إجابةً غامضة ليُحافظَ على رأيه الخاص.

[كُل شيء.. فهذه هي لعنتي.]

رفّ جُفنا إيميليا للحظة.. وشعرت أن قشعريرةً غريبة أجبرت الشعيرات الصغيرة خلف رقبتها على أن تنتصب حين رأت النظرة العميقة التي رمقها بها للتو، وكأنّ الكهفين الداكنين في عينيه نفخا ريحًا باردة في وجهها فجأة. هذا.. إنها متأكدة من أنها قرأت هذا النص في مكانٍ ما، ألم تكن هذه.. إجابة المحقق العظيم شيرلوك هولمز لصديقه المُقرب الدكتور واتسون في إحدى مغامراتهما؟ أينوي أن يتركها مع تلك الإجابة حقًا؟ رُغم أنها.. لا تنكُر أنه أحسنَ استخدامها للتو، فهو خاطبها بلغةِ الكُتب التي قالت له مرةً بأنها تجدها أنيسةً لها.

ابتلعت ريقها سرًا وهي تشعُر بمدى الثُقل الذي صنعته بتلك الإجابةِ البسيطة، بينما تجددت ابتسامته هو حين علِم بأنها أدركت اقتباسه لمقولةِ شخصيةٍ خيالية لن تُخطئ في تذكُّرها. لم تعلم لمَ اختارَ أن يُجيبها باقتباسٍ ما، بل واستخدام كلمة (لعنة) حين تحدّث عن قمّته، رُبما كان ينوي أن يتجنّب منحها إجابةً شخصية كما توقعت.

تركُها مشوشةً جعل شيئًا ما يومضُ برضا في تلك العيون الغامضة، فشاهدته يحاول إنهاء محادثتهما هناك حين التفتَ جسده بهدوء ليُظهرَ لها ظهره العريض وكأنه كان على وشك المغادرة وتركها هناك كما لو أنه يعلم مُسبقًا بأنه لن تملك شيئًا لتقوله، ولكنه توقف في مكانه مجددًا للحظةٍ جعلت إيميليا تتعجّب وتنظُر في شعره الحالك من الخلف حين لاحظت أنه قامَ بمُقاطعةِ فعلته بنفسه.

حلّت لحظةٌ غريبةُ من الصمت الذي جعلها تميلُ برأسها تساؤلًا بشأنه، فهي ظنّت بأنه اكتفى من محادثتها، ولكن ما فاجأها هو ظهور صوته العميق على غفلة وكأنه يحمِلُ أناقة وشعورِ الجاز القديم.

[يومًا ما ستكونين في موقفٍ يجعلكِ ترين نفسك بين الحضور، وستشاهدين على المسرح ضوءًا مسلطًا على الفراغ. لن يكون هنالك أحد، ستلتفتين وتبحثين عمّن يُشاركك تلك الرؤية لكنكِ لن تري أحدهم ينهض ليحتلّ ذلك النور، ووقتها فقط ستدركين إنكِ من خُلقتِ بمقوماتٍ تسمح لكِ بالذهابِ لسرقته. إنهم لم يروا النور لانهم لم يُخلقوا من أجله، ولهذا فإنكِ الوحيدة من ترينه. ستعرفين إنه كان مكانك ومسؤوليتك منذ البداية، وسيكون ثقيلًا جدًا ومُتعِبًا حين لا يراه الآخرين وسيُكذبونكِ، لكنه سيكون بثقلٍ أخف حين تُفكرين بإنكِ تملكين ما يدفعكِ لرؤيته دونًا عنهم.]

شعرت إيميليا وكأنَ كلماته انسلّت إلى قلبها مباشرة، وجسدها استرخى في مكانه أثرَ التفاجؤ وقتها، فهي حملقت بشفتين مُتفرقتين بالوريث الذي حادثها دون أن ينظُر فيها تلك المرة. كانت أول مرة تشعرُ بكلماتِ الوريث تنصبُّ في صدرها بتأثيرٍ غريب ومواسٍ، وكانت أول مرة أيضًا تُدرِك فيها أنه يقوم بنصحها بشكلٍ حقيقي. لقد غافلها هذا تمامًا وأجبرها على أن تُحدق فيه دون أن تتمكّن من التفكير بشيءٍ آخر أو أن تُبدي أدنى ردّ فعل، وكان ذلك حين لمحت رأسه يتحرك.

التفتَ الوريث تايهيونغ بهدوءٍ برأسه نحوها ليرمي بنظرةٍ صامتة في عينيها الفاتحتين من فوق كتفه، ولم تكُن هنالك لمحةٌ حتى من ابتسامته السابقة في وجهه، فلم تجد سوى الجدية والثبات الذي استقبلها ما أن خاطبها بسؤالٍ وجدَ طريقه ليعلقَ في ذهنها.

[إذن ما الذي قررتِه؟ ماذا تريدين أن تري من قمّتك أنتِ؟]

رفّ جُفنيها حين رماها بذلك التساؤل الجاد، ولم تكد تشعُر بتكوّم الكلمات في حلقها حتى التفتَ الوريث بهدوءٍ عنها وراحَ يُكمل طريقه ببساطةٍ ليعود من حيثُ جاء، متجهًا نحو السيد فيتزجيرالد الذي يخوضُ محادثةٍ من جانبٍ واحد مع الإيرل جونغكوك الذي لا يبدو وكأنه سيقوم بالرد قريبًا. تركها تقف هناك وحيدة في مجابهةِ الشعور الذي خلّفته كلماته، وراقبته وهو يعاود الانضمام إلى السادة على خشبة المسرح من بعيد.

إن هذا.. غريب، شيءٌ ما داخلها تغيّر حين تحدثت إليه. ثقلٌ ما كان يأكلها من الداخل ولكن الآن.. تشعُر وكأن هنالك أمورًا أهم وأكبر من أيّ همٍ حملته يومًا. هل لاحظ الوريث ارتباكها وخوفها الشديد من ارتكاب الأخطاء حين راقب تصرفاتها ولهذا قرر الاقتراب لخلقِ حديثٍ معها؟ هل كان حقًا.. يولي اهتمامًا؟ 

القمة.. كيف يراها رجلٌ مثله حقًا؟ لم تستطع إلا أن تُراقب الظهر الشامخ لوريثِ عائلة كيم، الساحر الأعظم الذي يثق به من حوله بشدة ويُمجدونه. إنها حتمًا تراه.. بعيدًا، ساطعًا وفي قمةٍ أخرى عن جميع من سبق لها معرفتهم، لربما الآن.. يُمكنها أن تفهم حقًا تأثيره على محيطه الذي يُخضعه له بكلِّ بساطة.

هدأت تلك العيون العسلية المُرتبكةُ أخيرًا، وحدقّت بصمتٍ في ظهرِ وريث العائلة المُمجد من الخلف كما لو أن كُلّ مشهدٍ أمامها أصبحَ باهتًا في عينيها إلا هو، حيثُ ماتت عظمةُ المكان الضخم حولها وفقدت تركيزها في الأفرادِ الآخرين هناك لأنها استطاعت أن تتذكّر ولعَ أحدهم به، شخصٌ ما يافع كان يُحادثها طوال الوقت عن الإيرل تايهيونغ ذو الموهبة الفريدة بوهجٍ لا يخبو.

كان هُنالك صبيٌّ مرّة، صبيًا صغيرًا يُحبك أيها الوريث تايهيونغ، رُبما لم تعرفه أبدًا في حياتك، ولكنها الآن تمكّنت من النظرِ إليكِ لأوّل مرة بالطريقة التي كان ينظر فيها نجمِ نيفيرلاند إليك ومعرفة السبب.

يا له من رجلٍ... صلب.

┛♠━━━━━⚜━━━━━♠┗

.

.

.

انتهى!

أصبحنا قريبين جدًا من العرض المرتقب! لا تنسو تتركولي توقعاتكم يا حلوات وتشوفوني دعمكم حتى نحضر العرض سوا~

إلى لقاءٍ قريب، بيس!~

Continue Reading

You'll Also Like

215K 12.5K 77
ترجمة للكاتبة : _microcosmo_ كيم جونغكوك صغير عائلة كيم، والذي يكبره ستة إخوة يفرطون في حمايته ويكونون صارمين في بعض الأوقات. كيف ستكون في حياته معهم...
29K 3.6K 11
"مِن مَن تهرب القطة الصغيرة؟" توقفت لوڤينا عن السير لتنظر خلفها بحدة عندما تقابلت عينيها مع أعين إبن جيون و الذي يكون من العائلة المعادية لعائلتها عا...
544K 35K 22
{ Sexuel contact} جنيرالٌ مخدرمٌ أنتَ أوقعتنِي بينَ سلاسلِ عشقكَ الأبدية و أنا مجردُ أنثى عذراء سقيتُ بعسلِ علاقتناَ الآثمة و بللت إطار علاقتنا بدمو...
238K 9.1K 27
[ ADULT CONTENT ]. _ كنت سعيدة انني سأكمل دراستي وأدخل الجامعة حتى تلقيت صدمة غيرت كل مخططاتي. _ _ العد العكسي لنهاية حياتكِ قد بدأ.. احذري. _ _...