أنوبيس

Od HabibaMahmoud25

98.4K 5K 4.5K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... Viac

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.

1.3K 99 130
Od HabibaMahmoud25

الدمنتور: مخلوق خيالي في سلسلة هاري بوتر للمؤلفة البريطانية ج. ك. رولنغ الدمنتورات كائنات شبحية تتغذى على الذكريات السعيدة للبشر، وتجبرهم على استعادة أسوأ ذكرياتهم بالمقابل. كما يمكنها في حالات خاصة أن تنتزع منهم أرواحهم عن طريق تقبيلهم، فتترك الجسد فارغًا من الروح.

________________

"اعتراف الآخرون لك بأنهم ˝خائفون جدًا˝ هو اعتراف حميمي جدًا، أكثر حميمية من اعترافات الحب، وأكثر مأساوية من اعترافات الخيانة، وأكثر خطورة من اعترافات المحكوم عليهم بالاعدام"

_ مُنى سلامة ♡.

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

ماليكا

انهيت صلاة الفجر وعدت للفراش من جديد بنصف وعي، لقد باغتتني ضربة من النعاس الآن، أتقلب في الفراش منذ الساعة الثانية عشر لا أستطيع النوم من كثرة التفكير، لقد بعث لي ليونار رسالة يطمئنني بها بشأن الفتيات لكنني لا أشعر بالراحة، هل يكذب؟

هل هو من يخطف الفتيات ويكذب عليَّ؟
هل جميع الفتيات على قيد الحياة؟
هل هن بخير بالفعل؟

الأسئلة تضرب رأسي بقوة كطفل صغير لا ينفك عن طرح الأسئلة دفعة واحدة جانب إذن أمه ليستكشف العالم من حوله.

- ليكا هو ليو هيجي؟

قالها فريد الذي ينام جانبي كما يفعل دائما عندما آتي إلى هنا بعدما صعد جانبي ودثرته بالغطاء فهو كان يشاركني الصلاة، فسحبته لداخل حضني وأنا أمط شفتي للأمام للتعبير عن دون العلم فظهر العبس على وجهه اللطيف.

لا أعلم أي سحر ألقاه على الصغير!، لقد أحبه فريد كثيرًا، إنه يتحدث معه عبر تطبيق رسائل الوتساب على هاتف "ماهر" وكأنهم أصدقاء مقربين في نفس السن!

- ليو قال هيعمل ليا كوكيز وأنا قولت ليه، هقول لتيتا تعمل ليه مكرونة علشان هو بيحبها.

- نام ياه، نام، نبقى نشوف موضوع المكرونة ده الصبح، الله يخربيت أم ليو.

قلتها بنبرة مازحة من الخارج لكن ضجرة من الداخل حتى يتوقف عن الحديث ويتركني أنعم بساعتين نوم هادئ، لقد بقى يتحدث عنه طوال الوقت، ليو يحب المانجا، ليو يحب حلوى التراميسو، ليو لديه مهرة يُدعى "شهرزاد" بيضاء اللون سوف يجعله يمتطيها، ليو، ليو، ليو

هذه العلاقة لا تُريحني بالمرة.

ابن أخي ذو الخمسة أعوام يُصادق واحد من أكبر زعماء المافيا، يا لها من سعادة!.

سمعت صوت إهتزاز هاتفي ليعلن عن وصول مكالمة لي، من الوقح الذي يتصل بي في هذا الوقت؟

مددت يدي من أسفل الغطاء بعدما زفرت بضيق عندما تذكرت أنني أعرف وقح واحد في حياتي: "ليونار المُهيري" وأنا أريد الاطمئنان على الفتيات.

ظهر اسمه كما هو متوقع في جهة الأتصال، فانزلت قدمي برفق من فوق الفراش ثم ابتعدت عن فريد الذي سقط في النوم بسرعة انطلاق رصاصة من فوهة مسدس مثل ما أفعل، ثم نهضت من الفراش بهدوء.

فتحت المكالمة الثانية بعدما انتهت الأولى وعاود الأتصال وأنا أدلف للشرفة، فسمعت صوت تنفسه العالي المضطرب وكأن النفس يخرج بصعوبة بالغة كمن تلتف حية حول عنقه، فقطبت جبيني وقلت بنبرة خافتة:

- ليونار.

_ ليو ماليكا، أنا ليو.

رمشت بأهدابي عدة مرات في حيرة ومنعت نفسي من الصراخ في وجهه، مالي أنا والاسم المحبب لقلبك أيها المختل المدبلج؟ قلت على مضض:

- ليو، البنات كويسين صح؟

- ليو لا يريد البقاء على قيد الحياة، أنا خائف ماليكا، خائف من أنوبيس ماليكا، إنه يشبههم.

قالها بنبرة خافتة متهدجة بصوت مخنوق وكأنه يمنع حاله من البكاء، فشعرت بالذعر يقتحم قلبي ويكبّله بسلاسل حديدية ثقيلة، ثم اضطربت أنفاسي واختنقت.

هل هو من يخطف الفتيات؟
أنوبيس؟!

_ أنا أقف منذ نصف ساعة فوق هذا المبنى بعدما هربت من الجميع، لكنني لا أستطيع القفز، ليس لأنني خائف لكن فارس لا يمكنه العيش بدوني.

- أنوبيس هو اللي بيخطف البنات؟

قلتها بنبرة مرتعشة بعدما عاد لي صوتي من جديد، عندما خطر على بالي إنه ربما مُصاب بأضطراب تعدد الهاوية.. آه، إنه بالفعل مصاب به!

يقول أنوبيس يشبههم!
يا الله ساعدني.

- أقسم إن شمس هو من فعلها وأنا حررتهن، لما لا تصدقيني؟

هل لأنك رجل مافيا مثلًا؟
تبًا، لقد سحقت خمسة سيارات بطريقة مختلة امام انظاري!
هل قال إنه يقف فوق بناية؟

- ليونـ.. ليو إنت فين؟

- قلبي يؤلمني بشدة، العالم لم يحبني ماليكا، حتى صغيرتي أخذها مني، أنا لم أرغب في كل هذا، كنت سعيد قبل أن يُقبّلني الدمنتور .. لم يحدث إن أعود بخير، قبلة الدمنتور لا ترياق لها .. غنّي لي ماليكا، عَلَّ نبضات قلبي تهدأ.

_ إنت بتحب المكرونة الوايت صوص ولا الريد ولا البينك؟  أصل فريد فِضل يتكلم عنك طول الليل وقال هيقول لخالتو عزة تعملك مكرونة، بتحب نوع إيه؟

قلتها بنبرة متسائلة هادئة بعدما اجبرت رأسي على التفكير في شيء ما كي أشتت ذهنه، بعدما تخيلته يقف فوق سطح مبنى شاهق الأرتفاع على حافة السور، يمسك بالهاتف الموضوع فوق أذنه بطرف أنامله، يتطاير شعره الأسود الكثيف بفعل الرياح التي تقذفه بلسعات برد كسوط، ينظر للعالم من أعلى حيث يبدو صغير للغاية.

ويفكر في الطيران.

- حقًا؟! هل سوف تفعلها من أجلي؟!

قالها بنبرة حماسية عالية من الأنفعال والسعادة المباغتة التي ضربته كموجة عالية جاءت فجأة بعد سكون هادئ لسطح البحر واغرقته بها، ثم استطرد بعدما أخرجت صوت يدل على الأيجاب من فمي تعقيبًا عن سؤاله بقول:

- أحب البيضاء أكثر، لكنني أحب كل شيء يتعلق بالمعكرونة، لذا يمكنها صنع أي شيء .. لكنني حزين الآن لا أستطيع القُدوم، لن يحبني أحد وأنا حزين.

- لا متقلقش عادي، فريد هيضحكك.

قلتها وأنا أحرك رأسي بمعنى لا وكأنه يشاهدني بنبرة حاولت جاهدة أن اجعلها مرحة، فسمعت صوت ضحكته الخافتة قبل أن يقول بسرور:

- حسنًا، أنا قادم الآن.

أضافها وأغلق الهاتف بسرعة وتركني واقفة متجمدة كمن سكب دلو ماء مُثلج فوق رأسه، متوسعة العينين، بثغر ساقط أثناء نظري للسماء التي بدأ شعاع من الضوء الصغير يحتل كيانها الأسود ليخلي الطريق أمام الشمس الذهبية لترتفع للأعلى معبرة عن قدوم يوم جديد ومشرق.

إنه قادم الآن .. الآن!
مراد سوف يقتلني، يا الله ساعدني.

ماذا أفعل؟
هل أتصل به ليعود ويلقي بحاله من فوق البرج؟!
تبًا، كان ينقصني هذا المختل المدبلج الوقح في حياتي.
أحيانًا أشعر أنني ابتليت بهذا المخلوق بسبب ما أفعله بالبشر.

حسنًا ماليكا، إنتِ ضربتي العديد من الرجال في مسيرة حياتك، لذا لا داعي لتمثيل البراءة

أذكر ذلك العجوز الذي خلصه الجميع من بين يدي، حيث أنني كنت أقف في شرفة الدور الأول وسمعت فتاة تصرخ وهي تتمسك بالرجل وتقول إنه بدون أخلاق.

- أنا يا بنتي، حرام عليكِ بتتبلي على واحد قد أبوكِ.

قالها الرجل بنبرة عالية محمومة وصوت باكِ، فركضت للأسفل ولم أعي بحالي وأنا أصنع من وجه الرجل كيس ملاكمة لأنني أعلم أن أحدًا لن يساعد الفتاة وسوف يصدقوا الرجل الذي تتقطر البراءة من عينه الخبيثة.

حسنًا، أنا ضربته لكنه بلا أخلاق.

ماذا أفعل الآن؟
بالأساس من يأكل معكرونة بالصلصة البيضاء الساعة السادسة صباحًا؟

تبًا، أنا أفعل ذلك!

أرتديت إسدال الصلاة أبيض اللون ذو نقشات حمراء اللون خاصتي وصعدت بخطوات مهرولة لشقة خالتي، وضعت المفتاح بالقفل ودلفت على عجالة وأغلقت الباب خلفي بخفوت كي لا يستيقظ مراد، ثم أطلقت صرخة عالية عندما رأيت زوج من العيون ينظروا إليَّ من جهة الأريكة من بين الظلام المخيّم على المكان.

- المفروض أنا اللي أصوت، إنتِ جاية تسرقينا ولا إيه؟!

قالها مراد بنبرة مازحة بعدما ضحك عليَّ عندما صرخت، فقلّبت عيني بسخرية وقبل أن أرد عليه رد سخيف تذكرت تلك البلوة المدبلجة التي وقعت فوق رأسي وقلت له بتساؤل:

- إنت منزلتش الشغل ليه؟

- لسه ساعة بعدين مستني ماما تعملي فطار.

- هعملك أنا، تفطر إيه؟

قلتها بتساؤل وأنا ابتسم له بهدوء خارجي منافي لما أشعر له داخلي حيث أن هناك أشخاص تجري وتضرب فوق رأسها بنحيب داخل رأسي من فرط التوتر، يجب عليَّ التخلص منه.

- إنتِ سُخنة؟

قالها مراد بنبرة قلقة بعدما نهض من مجلسه وتقلصت المسافة بين حاجبيه في حيرة ووقف أمامي يتفحص وجهي بأهتمام؛ بالطبع حرارتي ارتفعت بفعل القلق لكن أعلم ما يقصده.

أنني سوف أتنازل وأصنع له الفطار بدلًا من الصراخ في وجهه بـ

- إنت اتشليت ما تعمل لنفسك؟!.

تبًا لك أيها الوغد المدبلج المختل، لقد جعلت هذا الوغد الصغير يسخر مني.

مضحك جدًا، قبل مُلاقاة ليونار كان مراد الوغد الكبير لكن مرحى لقد فاز عليه ليونار الآن!

- أعملك لانشون ولا جبنة؟

قلتها بتساؤل وأنا أخطو تجاه المطبخ فلحق بي وجلس فوق المقعد الخشبي خلف الطاولة الصغيرة المربعة ذات الأربع مقاعد وقال وهو يحك أسفل ذقنه المشذبة:

- هو أنا كان نفسي في فطار سخن بس ماشي أي حاجة منك حلوة.

- خلاص هعملك بيض بالبسطرمة.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أحرك رأسي بتفهم، فقال بنبرة متوترة وأنا أُخرج البيض والبسطرمة من البراد بعدما تحركت تجاهه:

- بلاش بسطرمة خليها بيض بس.

كتمت ضحكة كانت ستخرج من حنجرتي صاخبة عندما تذكرت آخر مرة صنعت له فيها هذه الطبخة، لقد احرقت البسطرمة وصار البيض وكأنه مصنوع بالبصل المقلي المحمص الذي يشبه خاصة "الكشري".

قلت له بنبرة هادئة لكنها خبيثة لأتلاعب به حتى أرى رد فعله الحديث، فهو في السابق كان سيسخر من طبخي - استغفر الله العظيم- الجميل بشدة:

- بس إنت بتحبه بالبسطرمة.

- مبقتش بحبها يا ماليكا.

قالها بنفاذ صبر وهو يخبط بكفيه أثناء وضعهم فوق بعض على الطاولة، فانطلقت ضحكة من حنجرتي عندما فشلت في كبتها وأنا أضرب كفي ببعض مرة واحدة، فشاركني الضحك وهو يضع يده على وجهه بدون تصديق قبل أن ينهض من مجلسه ويعود للداخل.

فتحت الخبز وفردت به ملعقة من "المايونيز" ووضعت البيض الذي صنعته فوقه، ثم فردت معلقة جبن سائلة في الآخر ووضعت شريحة من لحم الدجاج الدائرية (لانشون فراخ) ووضعت الصحن فوق الطاولة أمام مراد الذي عاد من جديد.

- رامز صاحبي خلّف، جاب حمزة.

قالها مراد وهو يمسك الشطيرة من فوق الصحن ويحرك يده بها ناحية فمه، فابتسمت بهدوء ولم أعلق على الأمر أثناء إتجاهي ناحية باب المطبخ لأخرج، فصديقه هذا تمت خطبته في نفس الشهر الذي خطبني به مراد، لذا أنا أعلم ما يرغب في توصيله لي.

- ماليكا استني.

قالها مراد بلهفة وهو ينهض من مجلسة بسرعة فوقع المقعد الخشبي للخلف وأصدر صوت عالي مرّر رجفة سرعة لجسدي من المفاجأة.

- كفاية بُعاد بقى يا ماليكا، خلينا نبدأ صفحة جديدة.

قالها مراد برجاء وهو ينظر لي نظرة حزينة أثناء مد يده باللعبة المخملية الحمراء الداكنة التي يقبع بداخلها خاتم خطبتي الذهبي؛ أغمضت عيني ببطء فوق الذكريات السعيدة التي جمعتنا سويًا حيث تم عرضها أمام عيني جميعها في ثواني، تلاعبت بي مرارًا سابقًا لكن ليس اليوم؛ فتحت عيني ببطء وقلت بنبرة خافتة:

- مش هقدر، أنا أسفة.

ركضت للخارج إلى غرفة خالتي لأهرب من أمامه، لا أعلم ماذا حدث؟
لكنني لم أغضب منه، لم أشعر برغبة في الصراخ في وجهه كما كان يحدث، وكذلك لم أشعر برغبة في العودة له.

لا أعلم ماذا أشعر، مشاعري جميعها متخبطة.
أشعر وكأنني أغرق داخل المحيط وكلما حاولت الصعود لسطح الماء تضربني موجة عاتية لتبقيني بالأسفل.

هل أحب عامر؟
لا أعلم، لقد رأيته منذ شهرين فقط، هذه ليست مدة كافية للوقوع في الحب.

أم الحب يحدث في لحظة كما يقولون؟

- بسم الله الرحمن الرحيم، في إيه يا بت.

قالتها خالتي غزة بجزع وهي تضرب بيديها فوق موضع قلبها، فتذكرت فجأة أمر ليونار عندما وقع بصري عليها وهرولت ناحية الفراش لأخبرها بكل شيء.

- يا ماما مش أنا قولتلك تكوي القميص الرمادي .. إيه ده في إيه؟!

اضافتها مراد بنبرة حائرة عقب صراخه بالجملة السابقة وهو يدلف للغرفة بعدما انتفض جسدي أنا وخالتي ونظرنا له بخوف كمن أُمسِك به يسرق الملابس من فوق سطح المنزل، فنهضت من فوق الفراش بسرعة وقلت له وأنا انظر للقميص المتكسر الذي يقبض عليه في يده ويبدو وكأنه خرج من فم تمساح للتو:

- أنا هكويه.

- لا، أكيد لا، إنت عندك مرض ملهوش علاج ومخبية؟

قالها مراد بنبرة قلقة وليست مازحة وهو ينظر إلى وجهي بتفحص من جديد بعدما تقلصت المسافة بين حاجبيه بشدة فصار حاجبيه كأنها حاجب واحد ذو خط طولي، فهذا الشيء الذي توصل له عقله من تغيري المفاجئ، واللطف الذي أتعامل به معه، فهو كان وغد، وأنا عنيدة ومتعبة كما يقول.

بالتأكيد لن يعلم إن هناك مختل مدبلج يريد معكرونة بالصلصة البيضاء قادم في طريقه إليَّ وأنا أحاول التخلص منه!

- عسل اوي.

قلتها بنبرة ساخرة بعدما تماسكت من جديد بعدما حاولت إعادة وتيرة نبضات قلبي لوضعها السابق، وأنا ابتسم له ابتسامة بغيضة أثناء نزعي للقميص من بين أنامله، ثم خرجت لأقوم بكويه له.

___________________________𓂀

طُرق باب بيت منزلي بعد دقيقتين من نزول مراد، فانتفض قلبي من احتمالية رؤية مراد لليونار وهو يصعد، مشيت بخطوات متوترة تجاه الباب أثناء تلاعب عقلي بي عن طريق صُنع مشهد رعب خام تجسد أمام عيوني حيث يظهر ليونار أمام الباب وخلفه مراد الذي تحول بؤبؤاه السودوان للهب شمعة.

يا الله ساعدني، يجب أن يكون ليونار بمفرده حتى لا يبيت مراد بالمشفى.

فتحت الباب ببطء فظهر ليونار أمام عيني بحالة مذرية، متهدل الكتفين، شعره الكثيف مبعثر، قشرة دم جافة بمنتصف شفته السفلية تدل عن تمزيقه لها، جروح عديدة على عظام قبضة يده من الخارج، عيونه حمراء ذابلة، يرتدي سترة سوداء واسعة بنطال قطني أسود.

يبدو وكأن الذي يقف أمامي بقايا ليونار والباقي منه قد تلاشى.

- مرحبًا قاسية الفؤاد.

قالها بنبرة خافتة عندما رفع عينه الحمراء من فوق الأرض وقابلت خاصتي، ثم ضغط بأسنانه فوق شفته السفلية، مع ارتعاش جفنيه فشعرت إنه على وشك الأنفجار في البكاء.

_ لـيـو.

قالها فريد بصوت عالي حماسي وهو يمر من جانبي ركضًا واحتضن ساق ليونار الذي رفعه فوق ذراعه وطبع قبله فوق وجنته ثم مر من أمامي بعدما أبتعدت خطوتين من وجة الباب لكي أفسح له الطريق.

تابعته بعيني حتى دلف رفقة فريد إلى الشرفة وجلس فوق المقعد وهو يدغدغ فريد الذي ارتفعت ضحكته عاليًا قبل أن تخفت ضحكاته داخل طبلة أذني بسبب ابتعادي عن المكان عندما دلفت للمطبخ حيث تصنع خالتي الطعام، وقلت لها بنبرة ضائقة تنم عن ما احمله داخل صدري من ما يحدث:

- أنا مش مرتاحة من وجود راجل غريب في شقتي كده، اللي بنعمله ده غلط يا خالتو.

- ده مش غريب يا بت ده جوزك.

قالتها خالتي بنبرة مازحة ثم انفجرت بالضحك عندما رأت ملامح الصدمة التي أحتلت وجهي بعد حديثها، فقلت لها بنبرة ساخرة بعدما اخرجت صوت من حنجرتي لا يخلى منها:

- آه ومالو مش عيب.

- هتشوفي يا بت يا ماليكا، أنا من وقت ما شوفت صورة الواد ده وقلبي بيقولي إن ده جوز بنتك.

- بعد الشر، اتغطي يا خالتو وإنتِ نايمة علشان هو مرتبط بصاحبتي أصلًا.

قلتها بنبرة هازلة من الخارج، ومرتعبة من الداخل بعدما تزتزل كل عضو داخل جسدي عندما تخيلت حالي لثانية واحدة زوجة ليونار المُهيري: زعيم المافيا، القاتل، المختل، المدبلج.

أفضل الموت على ذلك.

أخرجت هاتفي من جيبي لأرى هل رأت شهد رسالتي أم لا؟ حيث أنني بعثت لها رسالة لأطمئن على الفتيات لكنها لم تجيب فشعرت بالخوف عليها فنحن صرنا مقربين في آخر فترة، نتحدث بشكل دائم، لقد أحببتها بشدة أكثر من ذي قبل.

لا أعلم كيف يمكن لفتاة بيضاء مِثلها أن تظل محافظة على نقائها وَسط كل هذا الخراب الذي يحاوطها؟

الفتاة لديها طيبة داخل قلبها تسع العالم بأكمله، أقسم إنها ألطف فتاة عرفتها في حياتي لهذا حاولنا إخراجها من حالتها السيئة التي تلبستها كفيرس حديث انتشر في الجو وأصابها بعدوي فبقى بالداخل لمدة كبيرة حتى يتمكن جسدها من تشكيل جنود أقوياء لمحاربة هذا المرض الجديد عليه.

- اعملي لجوزك كوباية شاي ولا حاجة يشربها.

- يا خالتو إنت ست كبيرة مش قدي.

قلتها بنبرة متوعدة وأنا أضم قبضة يدي أمامي لأقوم بتهديدها بالضرب بطريقة مازحة تعقيبًا على حديثها الهازل السابق، ثم ضغطت زر غلاية المياة الكهربية لأصنع له قهوة سريعة التحضير فهي ما لدي هنا، فأنا لا أحب القهوة لذا ليس لدي آلة صنع قهوة لأصنع له واحدة على الطريقة الأمريكية كما يُحبها.

أخذت خالتي القهوة بعدما صببت الماء ودلفت للداخل بها لكي تتعرف عليه وتركتني كي أقوم بتقليب المعكرونة العائمة داخل المياه.

عادت خالتي من جديد بوجه مشرق من السعادة ووقفت تصنع الطعام وهي تدندن أغنية قديمة بتمزّج واستمتاع وكأنها تعد طعام لزوج ابنتها الذي تحبه أكثر من الجميع!

لا أعلم كيف يحبه الجميع بهذه السرعة؟
لقد أحبه فريد وخالتي وجميع الفتيات صديقتنا من قراء شهد في لمح البصر!

ألا يرى أحد الجانب المختل الذي يتلبسه؟!
تبًا، إنه مخيف نوعًا!
السايكوباتي يمكن أن يتصنع اللطف كذلك، هل يتصنع اللطف؟
أم إنه بالفعل مصاب بالفصام؟
ليو هو اللطيف، والآخر مختل؟

مازلت أتذكر تلك النظرة التي ارتسمت على عينه عندما شاهد مقطع أنس الجندي في المطبخ يوم احتفال مولد شهد، تلك النظرة لا يمكن أن تخرج إلا من قاتل متسلسل وجد فريسته التالية.

صدح رنين هاتفي فأخرجته من جيب سروالي القطني الواسه فظهر اسم نيلان في جهة الأتصال، عقد حاجبي بحيرة قبل أن أجيب:

- ماليكا إزيك، ليونار كويس صح؟

- آه، هو مش بيرد عليك؟ ادهولك؟

قلتها بنبرة متسائلة بحيرة تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة مرتعبة أنفاس لاهثة وكأنه كان يركض لوقت طويل دون توقف، فأخرج صوت ينم عن النفي من فمه قبل أن يقول بصوت هادئ بعدما عادت الراحة لقلبه:

- لا، أنا مهكر تلفونه بس هو كان قافله، ولما كلمك أتفتح فعرفت إنه جالك، ممكن متخلهوش ينزل لحد ماجي؟

- ماشي.

أغلقت معه الهاتف وأنا أخرج من المطبخ لأقي نظرة على فريد الذي يلعب مع ليونار، لعدم شعوري بالرحة لترك طفل صغير معه بمفرده، ربما يفعل له شيء غير جيد، هذه العلاقة تجعل قلبي يشعر وكأنه تلفاز فقد إشارته فصار لا يصدر منه غير صوت وش عالٍ.

لا أشعر بالأطمئنان لتركه معه فالعالم ملئ بالذئاب التي لا ترحم حتى الأطفال.

يا الله، أرجو أن تكون تلك الأفكار داخل رأسي فقط، ففريد اللطيف لن يتحمل أن يتم خدش برائته من الشخص الذي يظنه قطة لطيفة وليس ثعلب يتلاعب بضحيته قبل أن يغدر بها.

تقلصت المسافة بين حاجباي عندما وجدت ليونار نائم فوق الأرجوحة وفريد ينام فوق صدره ويده تدلى للأسفل، ويقبع بين أنامله المرتخية الساقطة فوق قدمه هاتف ليونار ليبدو وكأنه سقط بالنوم أثناء اللعب.

اقتربت منهم ورفعت يد فريد لكي أحمله وأضعه فالفراش، فاستيقظ ليونار وارتجف جسده في لمحة خوف من المفاجأة، زممت شفتي بضيق بسبب إيقاظي له بهذه الطريقة المفزعة.

- أنا سوف أحمله، إنه ثقيل عليكِ.

قالها ليونار بهدوء وهو ينهض من مجلسه أثناء حمله لفريد برفق ثم نظر لرأسه التي تستقر فوق صدره بابتسامة واسعة وعيون برقت لبرهة وكأن السعادة مرت كشعاع من قلبه لعينه قبل أن يمر من أمامي للداخل.

- إنت بتعمل إيه؟!

قُلتها بنبرة مذهولة أكثر من متسائلة وأنا انظر له بثغر سقط بعدما وضع فريد فوق الفراش الخاص بي وتسطح جانبه وكأنه بمنزله، فأغمض عينه وشد الغطاء حول جسده وهو يقول ببساطة:

- هنام ساعة وابقي صحيني.

- قوم ياه من هنا، قوم قبل ما ارتكب فيك جريمة، ما تنتحر ولا تتنيل أنا مال أهلي.

قلت الجملة الأخيرة لحالي عقب حديثي الذي خرج بانفعال خافت حتى لا يستيقظ فريد من نومته؛ فأخرج ليونار صوت يدل عن النفي من فمه تزامنًا مع تحريك رأسه بتراجيديا وهو يقول:

- واحسرتاه يا قاسية الفؤاد، واحسرتاه، ألن تشتاقي إليَّ إذا مت؟

- يا ابني هو إنت من بقيت أهلي؟! هو أنا خلفتك ونسيتك؟!

- لاحقًا ماليكا، يمكن للحديث أن ينتظر.

قالها وهو يتقلب في الفراش وظهرت حركه قدمه من أسفل الفراش للأعلى حتى صعدت لمعدته فضمها وأغمض عينه ببرود.

استدرت واتجهت ناحية المكتبة الضخمة الخاصة بي والتي تحتل منتصف الحائط، أمسكت مزهرية مصنوعة من الخزف الأبيض والتفت أنظر تجاهه نظرة قطة شرسة لم يمر يوم على ولادتها لصغارها فصارت تخرج صوت زمجرة متأهب كلما مر أحد جانبها حتى تعطي له إشارة إنها لن تترد في الأنقضاض عليه.

قفز ليونار من الفراش في نفس اللحظة وركض للخارج، فلحقت به وأنا أشعر صعود نتوءات لفقاعات فوق جدار جسدي من الداخل بعدما احترق من نِيران الغضب المُتَّقدة.

رجل غريب دخل بيتي، ونام في فراشي ودثر حاله بغطائي!
تبًا ماليكا، تبًا لقلبك.
هذا رجل مافيا يا امرأة!
لما لم تدعيه يلقي بحاله من فوق البرج اللعين؟!

لقد أحببت مقاطع التمرينات الذين يظهر بهم، فهو صار بعد مقطع الزومبا يصور مقطع كل أسبوع على مجموعة شهد معظمها مقاطع بها حركة مثل الركض والرقص والقفز وأنا أحببت المقاطع وصرت انتظرها، لكن بالله ماليكا هل هذا سبب كافي؟!

- مرحبًا خالتي.

قالها ليونار الذي دلف للمطبخ وجلس على المقعد الخشبي بسرعة، فالتفتت خالتي ونظرت له بابتسامة تلاشت ببطء عندما حرمت نظرها إليَّ وقطبت جبينها حيث أنني كنت أرفع يدي بالمزهرية عاليًا استعدادًا لقذفه بها كالقنبلة، فتجمدت لثانية في تردد قبل أن ألقيه بها على كل حال فخالتي تعرف مدى قوة غضبي.

- أيتها القاتلة! يا إلهي، ما الذي فعلته لكِ يا امرأة، كل هذا لأنني أردت النوم ساعة؟!

قالها ليونار بنبرة التمثيل التراجيدي خاصته بعدما التقط المزهرية في كف يده بحركة سريعة بارعة كلاعب كرة سلة ووضعها أمامه فوق الطاولة، فعقدت ساعداي أمامي بعدما حبست شهقة الانبهار وقلت له بجمود:

- برة، اطلع برة.

_ ماليكا عيب كده.

قالتها خالتي بنبرة منفعلة وهي تنظر لي جاحظة العينين وكأنني طفلة صغيرة أتحدث مع أحد الكبار بأسلوب غير لائق.

- هل رأيتي خالتي؟! تلك القاسية، أنا لم أفعل لها شيء، إنها حتى لا تريد أن تُبقيني لآكل شيء، آه، أنا لم آكل شيء منذ قبل أمس سوى بضع حبات من المكسرات.

قالها ليونار بنبرة درامية صاحبها صوت بكاء مصطنع مع تضيقه لعينيه وكأنها ممتلئة بالدموع، ثم وضع مرفقة فوق الطاولة ونزل برأسه فوقه قبل أن يهتز جسده وكأنه يبكِ بحرقة تحت نظراتي المزهولة!

- كده يا ماليكا تخلي الرجل يعيط؟ خلاص يا حبيبي امسحها فيا، هحطلك تاكل حالًا عيوني.

قالتها خالتي بنبرة ضائقة لا تخلى من المزاح وهي تبتسم بهدوء أثناء نظرها له ثم استدارت ناحية المُوقد وسكبت له الطعام في صحن ووضعته جانب رأسه فوق الطاولة، رفع ليونار رأسه قليلًا َ قبل أن يعتدل في جلسته وهو ينظر لي بفم مزموم وعقد ساعده أمامه وقال بحنق:

- صالحيني، صالحيني يا مفترية.

خلعت خفي المنزلي المصنوع من البلاستك وانحنيت بجزعي العلوي التقطه من الأرض واتجهت ناحيته كالقذيفه لأوسعه ضربًا في نفس اللحظة التي نهض بها وهو يطلق صرخة عالية من فمه، وقف خلف خالتي التي وقفت حائل بيننا وقالت:

- خلاص، خلاص يا ماليكا.

- ولاه إنت عايز مني إيه ياه؟ عايز مني إيه؟ إنت عايز تجنني؟ أنا عايزة أعرف أنا بتعاقب بيك ليه؟ أنا عملت إيه في حياتي علشان اتبلي بيك؟!

صرخت بها وأنا أقفز من أمام خالتي لأصل له أثناء تحريكي يدي بالخف المنزلي لأضربه به من فوق جسد خالتي، فابتعد للوراء وجلس على الأرض حشر حاله في المنطقة الصغيرة بين البراد وخزانة الأواني، ضم قدمه لصدره وأنزل رأسه لركبتيه واحاطها بيديه كطفل صغير!

ابتعدت خطوة للوراء ونظرت له بثغر مفتوح من ما يفعله، فضحكت خالتي بخفة، ووضعت يديها فوق وجنتها وهي تحرك رأسها بدون تصديق قبل أن تقول بهدوء وكأنها تتحدث مع فريد:

- خلاص قوم كُل المكرونة هتبرد، متخفش مش هتعملك حاجة.

رفع رأسه للأعلى ببطء ورمقني بنظرة خوف وهو ينهض بهدوء شديد يشبه التصوير البطئ، وأتجه ناحية الطاولة بخطوات مترددة حذرة أثناء تعليق نظراته بي حتى وصل للمقعد وجلس فوقه، نظر للأعلى وهو يحك أسفل شفتيه بإصبع السبابة بشكل طولي مع صدور ارتعاش طفيف جانب زاوية فمه، فعلمت إنه يحاول كبت ضحكته حتى لا تنفجر ويفسد المشهد التمثيلي الذي يتقنه ببراعة.

_ مش بتاكل ليه؟

- لا أحب الأكل بمفردي.

قالها ليونار بهدوء تعقيبًا على سؤال خالتي التي جلست على المقعد المقابل له تحمل كوب من الشاي بلبن الذي لا تتخلى عنه في الصباح بعدما لاحظت جلوسه ساكنًا أمام الصحن.

أتجهت ناحية الموقد وسحبت بعض من المعكرونة بصحني المفضل وجلست جانب خالتي لآكل رفقته حتى يذهب من هنا واتخلص منه، لإن بالتأكيد خالتي عزة لن تأكل الغذاء في الثامنة والنصف صباحًا.

أمسك شوكته بهدوء وبدأ في الأكل وبعد لقمتين توقفت يده التي كانت في طريقها لفمه وسكن لبرهة شارد العينين وكأنه تذكر شيء قبل أن يترك الشوكة ويركض للخارج، فنهضت من مجلسي بتوجس وقبل أن أخرج سمعت باب المرحاض يغلق ودوى صوته عاليًا في بسبب هدوء الصباح.

- أنا آسف.

قالها ليونار بنبرة هادئة مرتعشة وهو ينظر أرضًا بعدما خرج من المرحاض مبلل الوجه والشعر وكأنه وضع رأسه أسفل صنبور المياه بعدما أفرغ ما في معدته، ثم أتجه ناحية باب الشقة وهو يضغط على شفته السفلية.

- استني.

قلتها له بسرعة وأنا أخطو ناحيته، فتوقف واستدار بجسده بحركة بطيئة، رفع عينيه الامعة من الدموع المحبوسة داخل مقلتيه لتعبر عن الأضطراب الذي يحدث داخله، فقلت له بعدما تنفست بعمق مطولًا:

- إنت مكملتش المكرونة، تعالى كملها بعدين رَوّح.

- معدتي ترفض الأكل ماليكا.

_ بلاش أكل تعالى أعملك ينسون يريح معدتك.

قالتها خالتي وهي تبتسم له بهدوء تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة متعبة بعد جهد كبير ليلقي بالكلمات من فمه، فحرك رأسه ببطء وعاد من جديد دلف للشرفة.

تنهدت خالتي بحزن قبل أن تتحرك لداخل المطبخ، فلحقت بها وأنا أخرج هاتفي من جيبي، بحثت عن اسم نيلان ثم هاتفته ووضعت الهاتف فوق اذني وأنا أشعر إن نبضات قلبي بدأت في الأعتدال بعدما ارتفعت فجأة.

ماذا كنت سوف أفعل اذا هبط من هنا وانتحر؟
أعلم إنه سيئ، لكنني لن أستطيع المُضي قدمًا وإنا أعلم أنني ربما كنت أقدر على إيقافه.

فليذهب، ينتحر، أو يُقتل لكن بعيد عني.

أنا لا أريد عقدة ذنب أو هدية على طبق من دهب أقدمها لأفكاري السلبية حتى تمسكها بسعادة سيكوباتي قبل أن تهبط بها بلسعات من جلد الذات فوق عقلي الذي يصرخ من الضجيج.

- أنا تحت البيت قاعد في العربية، في حاجة؟ هو كويس صح؟

قالها نيلان بعدما رد على الهاتف بسرعة البرق وكأنه منتظر مكالمتي بأحر من الجمر، حركت رأسي بالنفي وكأنه يراني قبل أن أقول بخفوت بسبب الفضول الذي يأكل عقلي:

- لا مش كويس، هو في أيه؟

- شوية حوارات كتير كده، هو بيفصل مننا كده كل فترة، أنا طالع بعد إذنك يعني؟

أغلقت معه المكالمة عندما وافقت على صعوده لمنزلي ثم أخبرت خالتي بضيق بشأن الأمر، فحركت رأسها بالموافقة بهدوء أمسكت الغلاية الكهربائية وزادت المياه بداخلها لتصنع واحد لنيلان وكأنني أخبرتها إن صديقتي المقربة صاعدة لمنزلي!

حوارات كتير!
تبًا ما هذا الشخص الوقح؟
أنا أرغب في معرفة الحوار بالتفصيل الممل، أليس من حقي بعد كل هذا أن يتم اشباع فضولي؟!
أشعر برغبة عارمة في تكسر عظامه.

فتحت الباب وجدت نيلان يحتل المنطقة أمام نظراتي وتظهر رأس فارس من الخلف يظهر على معالم وجهه الأضطراب، افسحت لهم الطريق وأنا أشير بيدي ناحية الشرفة، فخطوا من أمامي حتى دلفوا للشرفة واختفوا بالداخل فلم يتبقى سوى رائحة عطر فارس التي احتلت الشقة.

أحب هذا العطر، إنه مماثل لذلك الذي يضعه ليونار، لكنه اليوم يضع واحد مختلف.

ما الذي أفكر به؟
هناك ثلاثة رجال بمنزلي، تبًا ماليكا!
ماذا تركتي لفتيات الليل، فقط ينقصك إشعال سجارة وإطلاق ضحكة فجة صاخبة من فمك.

دلفت خالتي للمطبخ من جديد بعدما خرجت وهي تحمل حاوية فوقها كوب من الينسون بعدما القت نظرة فضول على فارس وليونار قبل أن يختفوا.

ما هذه الخالة التي امتلكها؟
لو كانت أمي لعاقبتني مدى الحياة.

- خالتو أنا هنزل انادي عمو حسين من تحت.

- إنتِ عايزة مراد يقتلنا؟ اتهدي يا بت وروحي شوفيهم يشربوا إيه وودي الينسون لجوزك.

قالتها خالتي بنبرة متهكمة تعقيبًا على حديثي وهي تزجرني بنظرة مهددة، فنفخت وجنتي بشدة قبل أن اطلقها بصيحة عالية وكأنني أطلق نيران من فمي، أصدرت خالتي شهقة عالية بطريقة ساخرة وتفلت على كتفها الأيسر ثلاث مرات قبل أن تقول:

- يا أمي، خوفتيني يا بت.

حملت الكوب وخرجت من المطبخ وأنا أطرق بقدمي فوق الأرض بعنف من شدة غضبي بعدما احرقت أعصابي؛ زوج مَن؟!

ليتني لم أخبرك خالتي بشأن قدومه لمنزلي، تبًا.
لا أعلم كيف تفكر رأسها؟

هناك شاب يفكر في خطبتي، والآخر في علاقة مع صديقتي المقربة حاليًا، كيف؟!

دلفت للشرفة ومددت يدي للكوب لليونار الذي يجلس فوق الأرض العالية بين نيلان وفارس، فأخذه مني بآلية دون حتى النظر لي وكأنه إنسان آلي تحرك، وهو يقول بنبرة ألم ظهر بها حزنه إلى أخوته:

- أخبرها كل شيء، يا إللهي!  لقد فعلت كل ما بوسعي حتى أبعدها عن كل هذا الألم .. اللعنة، سأقوم بحرقة حيًا لقد جعل قلب صغيرتي يتألم .. آه، أشعر أنني أتخبط ككرة إسكواش لم يرحمها الحائط ومضارب اللاعبين.

ابتعدت من أمامه ووقفت في فتحة باب الشرفة بسبب فضولي اللعين الذي ينخز عقلي وكأن هناك نجار يدق مسامير فوق عقلي حتى أعلم ما الأمر؟

أحاط نيلان كتف ليونار بيديه وقال له بنبرة بها بعض المرح وهو يحرك يده أمامه بتمثيل وكأنه يرى مشهد حي أمام ناظريه:

- ألم أخبرك؟! أنا ساحر عظيم، أنا الذي يمكنني التحول إلى أي شيء أفكر به بمجرد طرعقة بسيطة من أصابعي كَـحيوان أسطوري ضخم ألا يمكنني أن أتحول لشيء لين يتلقفك لصدره ويضمك بلطف قبل أن تصدم وتتألم؟!

ابتسم ليونار بهدوء وحرك رأسه ناحيته يرمقه بامتنان قبل أن يندفع بجسده لداخل ذراع نيلان الذي ضمه بشدة إليه مطولًا بحنان أخوي بالغ قبل أن يفصل العناق بهدوء.

سحب فارس ليونار في عناق سريع بغتة قبل أن يخرج بشكل كامل من بين ذراع نيلان وربت على ظهره عدة مرات أثناء تعليقه لنظراته بنيلان بعيون ضيقة اظهرت غيرته الملحوظة منه قبل أن يفصل العناق بهدوء ويطبع قبلة فوق جبهة ليونار ويقول برجاء:

- ممكن متمشيش وتسيبني تاني علشان بخاف؟

- آسف لقلبك أخي، لا تخف لن أتركك.

قالها ليونار وهو يضم فارس له من جديد فتشبث به فارس بقوة وهو يغمض عينيه بطريقة تعبر عن مدى الرعب الذي تلبسه في الساعات الماضية وكأنه كان يمر بأسوأ كوابيسه على الأطلاق.

فصل ليونار العناق بهدوء وتنهد بعمق قبل أن ينظر إلى نيلان الذي قال بنبرة ساخرة وهو يضع هاتفه المضيء على صورة أمام نظراته.

- صغيرتك كويسة وزي الفل أهي خارجة مع عمي هارون تفطر برة بعدما عملها ضفيرتين في شعرها، بص بتاكل بانكيك بالشكولاتة ومصورة نفسها علشان تغظني الوغدة.

أمسك ليونار الهاتف من بين أصابع نيلان بلهفة ونظر للصورة بتمعن قبل أن يبتسم ابتسامة عريضة ظهرت معها أسنانه بابتهاج تلبسه فجأة وكأن ما شاهده على الهاتف هو تعويذة السعادة الأبدية اُلقيت عليه وخدرته.

صدح صوت هاتف نيلان ليعلن عن مكالمة هاتفية له، فانتشل نيلان الهاتف من بين أصابع ليونار بسرعة ونهض من فوق الأرض بسرعة وهو يرد على المكالمة بصوت خافت أثناء ذهابه ناحية زاوية الشرفة.

- يا إلهي! لقد وقع آخر بيدق في فرقتنا الصغيرة! اللعنة، لقد وقعنا تابعًا من قِبل جيش مُشعوِذات، وكنت آخر أمل لنا أيها الوغد.

قالها ليونار وهو ينظر إلى ظهر نيلان بنظرات ضائقة من فعلته الشنعاء وكأنه ضغط زر مفعل نووي قصف بلدة.

- تشربوا إيه؟

قالتها خالتي من جانب أذني بطريقة مباغتة، فاصدرت صرخة خافتة من أثر المفاجأة حيث أنني كنت مندمجة معهم وكأنني أشاهد مسلسلي المفضل، فقال لها نيلان الذي أغلق المكالمة بسرعة بعدما تمتم كلمات مقتضبة واستدار لنا من جديد:

- نشرب إيه؟ إحنا يادوب

_ تمشوا صح؟

قاطعته بها بعفوية خرجت مني بطريقة فاجئتني شخصيًا، وكأن عقلي تحكم بلساني، فحرك نيلان رأسه بنفي وقال برزانة وكأنه يلقي محاضرة كيمياء:

- نفطر .. أنا جعان مكلتش حاجة من إمبارح، آخر حاجة كلتها خمس ست سندويتشات همبرجر وإنتِ عارفة الأكل اللي من برة مش بيشبع.

_ فعلًا شكلك خاسس وهفتان خالص، ثواني.

قالتها خالتي بعدما نظرت له بثقب أثناء تضيقها لعينها وكأنها تأخذ مقاسات جسده، قبل أن تدلف للداخل من جديد بابتسامة واسعة، زفرت مطولًا وأنا أهم للألحاق بها لكنني توقفت عندما سمعت ليونار يقول في رسالة صوتية بلغة إنجليزية من بين أسنانه:

- أنظر أيها القائد "آريس" لأن أخيك تخطى كل حدوده، أخبره إذا لديه مشكلة معي فليواجهني لا يفعل مثل النساء ويلعب من خلف ظهري، أو يبتعد عن طريقي، وإلا لن تجد شيء لتدفنه جانب أبيك بعدما سأفعله به، لن أكون رحيمًا كما فعلت مع أبيك الوغد بقتلي له سريعًا، هذا آخر تحذير، لا تخرجوا وحوشي .. لا تَـخــرجــوا وحــوشــي .. فلن يقدر أحدًا على مجابهة وحشًا واحدًا منهم وأنا لدي الكثير .. سحقًا لكم جميعًا.

حل الصمت بعدما بعث ليونار رسالته لذلك المدعو آريس ( ابن القائد آريس الذي قتله ليونار وأخذ ابنه لقبه وعمله من بعده) إلا من تنفس ليونار العنيف الذي ضم قبضة يده بشدة، فأمسك فارس كف ليونار بهدوء وفتحها برفق قبل أن يصدر صوت هاتف ليونار ليدل عن وصول رسالة له.

- ماذا أنوبيس؟ ما الذي فعله أخي لك؟ هو لم يفعل شيء، فقط صادق ابنه "رع"، ماذا في هذا؟ ألا تصادق فتيات؟ وماذا عن هيدا ابنه "هاديس"، على الأقل أخي قام بطلب زوجها من قيصر منذ ساعة على الرغم من ما فعلته أنت معه، لكنه رفض وتعلل بخطبتها .. أوه أخي المسكين يتألم كثيرًا، هلًا أقنعت قيصر بزواج أخي من شهد، من فضلك أنوبيس؟

أنهى الرجال المدعو آريس كلامه بتصنع واضح للحزن ظهر به مدى تلاعبه، فضغط ليونار زر التسجيل وقال بنبرة ساخرة ببساطة:

- حسنًا سأقوم بإقناعه إذا وافقت على زواجي من أُمِكَ.
___________________________𓂀

في اليوم التالي.

وصلت الشركة رفقة ليونار الذي مر عليَّ وجلبني معه من منزلي أمام النيل، مازلت أشعر بعدم الأرتياح من ما حدث أمس، أشعر بالذنب يلتف حول عنقي، من الواضح أنني بدأت أتنازل عن العديد من مبادئي منذ أن خرجت من منزلي.

أحادث شاب عبر رسائل.
دلف رجل غريب منزلي.
قضيت يوم في منزل صديقتي وبت معها في منزلها.
والأكبر من كل ذلك، الفتاة عائلتها غير نظيفة!
أصادق فتاة عائلتها قتلة والأدهى أنني أحببتها.

لم يعلم مراد شيء بشأن الأمس، لقد ذهبوا سريعًا بعد تناول الطعام، أو بالأحرى تناول نيلان الطعام، فليونار لم يأكل سوى شوكتين دسهم فارس في فمه بصعوبة وأكل فارس المثل حيث إنه لم يأكل شيء إلا بعد أن يدخل الطعام في فم ليونار مما جعلني أشعر ببعض من الغيرة!

أحببت علاقتهم ببعض، فارس وليونار بينهم تناغم غريب، يبدو وكأنهم نفس الشخص، لكن الفرق هذا يتحدث بالفصحى والآخر يتحدث باللغة العامية الدارجة، لكنهم يبدوان متماثلان بطريقة مخيفة!

نفس الملابس، نفس طريقة المزاح، يضحكوا على أشيائهم فقط من يضحك عليها وكأنهم يبعثوا رسائل تخاطُرية لبعض، نفس كل شيء حتى الشكل شبه متطابق وكأنهم توأم .. فقط ليونار شعره أكثف وأشد سوادًا، في تقديري هذا شعر أمه.

اللهم أرزقني صديقة تكون لي أختًا وكأنها ولدت من رحم أمي، وبارك لهم في علاقتهم يا الله.

رددتها داخل عقلي وأنا أدلف خلف ليونار للمكتب فرأيت باسل الذي يجلس في منتصف الأريكة بملابسه سوداء اللون، وشهد تجلس فوق المقعد أمام المكتب ترتدي قميص أبيض واسع للغاية طويل تصل أكمامه لمنتصف ساعدها، بنطال أسود واسع ذو العديد من الجيوب التي إحداها يكون عند الركبة من الجانب (كارجو) وحذاء رياضي أبيض اللون ذو رقبة عالية.

وقفت ونظرت له بعيونها الحمراء المماثلة للون أنفها من أثر البكاء، فالحزن يظهر في جميع اختلاجات وجهها الجميل الهادئ المشرق سابقًا، لإن وجهها الآن تحول لنهار معتم بالغيوم.

- صالحني يا حيوان، مش مصدقة إني هونت عليك اوي كده.

قالتها شهد بنبرة شبه باكية وهي تنظر إلى ليونار الذي لف حول المكتب وجلس فوق مقعده ببرود بعدما أشارت لي بيدها كتحية ففعلت المثل.

- مش أنا حقير وبتكرهيني؟ أهو بعدت عنك خالص  مش ده اللي أنتِ عايزاه؟

قالها ليونار بنبرة جامدة وهو ينظر لسقف المكتب وتحركت المنطقة أسفل رقبته لتدل عن ابتلاعه الغصة داخل حلقه، فنزلت دموع شهد التي كانت تحاول كبتها وقالت من بين شهقاتها:

- عارفة إني زعلتك بس بجد مش هاين عليا أجي اعتذرلك بعد اللي إنت عملته .. كنت عايزاك تيجي إنت تصالحني .. استنيتك إمبارح طول اليوم ومجتش .. مش قادره أصدق إنك عاملتني بالطريقة دي .. أنا بجد زعلانه منك .. قلبي واجعني اوي.

نهض ليونار من مجلسه بانتفاضة كمن مسه ماس كهربائي ولف حول المكتب جلس في المقعد المقابل لها وهو يمسك عُلبة المحارم الخشبية ويمد بها يده ويقول بنبرة ندم بعدما ضغط على شفته السفلية بقوة:

- ممكن متعيطيش علشان خاطري.

- يعني تزعلني ومش عايزني اعيط.

قالتها بنبرة صارخة قبل أن تقذف علبة المحارم في وجهه، فاغلق ليونار قبضة يدة بشدة وضرب بها فوق المكتب الذي أهتزت الأشياء فوقه وكأن زلزال ضرب المكتب وقال لها بنبرة هادرة مماثلة لخاصتها:

- عايزاني أشوفك بالمنظر ده ومتعصبش؟ لابسه لبس زي الزفت ومع مين أبرهام أخو آريس ولوحدك؟!  إبرهــــام! عارفة كان ممكن يعمل فيكِ إيه؟ عارفة لو كان حصلك حاجة؟ كان هيحصل إيه في عمي؟ عارفة كان هيحصل فيّا إيه؟ كلهم بيكرهونا عايزين يوقعونا ويكسرونا .. محدش فينا هيستحمل إن يحصلك حاجة يا شهد. 

- في واحد قالي إن أمي خاينة وبابا اللي بحبه أكثر من أي حاجة في الدنيا قتلها! وإنت بدل ما تسمعني وتشوف مالي زعقت في وشي .. وكمان مديت أيدك عليا!

قالتها بصراخ في وجهه فوقف متحفزًا وقال لها باستنكار بنبرة عالية بعدما رفع شفته بتشنج وهو يفرد كفه الذي تظهر جروح حمراء فوق عظامها أمام وجهها أثناء ذلك:

- دلوقتي أنا اللي غلطان، هو أي حد يقولك حاجة تصدقيها زي الهبلة كده؟! مش تيجي تفهمي مننا؟ بعدين أنا ضربتك!! أنا خبطت ايدي في الحيطة جنبك.

- جت في قلبي.

قالتها بهدوء وهي تعقد ساعديها أمام صدرها ثم عادت للخلف بظهرها لتجلس معتدلة باستراحة مع رفع حاجبها الأيسر بنذق، نظر له بثغر مفتوح وعينين متوسعتين مما قالته، وكأنه يخبرها حقاً؟!

حركت رأسها عدة مرات وكأنها تجيب على سؤاله الذي نبثت به معالم وجهه، افترقت شفتاه في ابتسامة عريضة هادئة قبل أن يقول لها بنبرة رخيمة:

- اعتذر بشدة لما فعلته صغيرتي، أقسم أنني لم ولن أفكر حتى في إحداث ألم صغير بكِ، كيف بالله يمكن إن اضربكِ؟ آسف لعدم قدرتي على التحكم بخوفي، لقد ارتعبت صغيرتي، كل ذرة داخلي انتفضت خوفًا عليكِ .. لن أتحمل أن يمسك أحد بسوء.

أغمض ليونار عينه وهو يعيد خصلات شعره للوراء ثم انحنى بجسده بعدما وضع مرفقه فوق قدمه استطرد:

- كنت أرغب في مصالحتك، لكنني ظنتت أنكِ سترفضين الحديث معي، ظننت إنك تك.. تكرهينني.

- مقدرش أكرهك، أنا عملت كل ده علشان بحبكوا اوي.

قاطعته بها شهد مسرعة بلهفة وهي تحرك رأسها يمنى ويسرى بعنف عدة مرات ترفض حديثة، فابتسم ليونار بهدوء وهو يعود بظهره للخلف، قالت شهد وهي ترمقه بنظرة ضائقة.

- هو أنا خلاص عفوت عنك، بس لو جبتلي فرايد تشيكن وبيتزا مكس جبن وبطاطس وفطيرة نوتيلا وخرجتني هصفالك أكتر. 

ضحك ليونار عاليًا وهو يضرب كفيه ببعض بدون تصديق، ثم حرك رأسه بالموافقة على طلباتها وهو يقول:

- ها هي الشمطاء تعود من جديد، رغباتك أوامر سمو الأميرة شهودة.

ما هذا التمثيل؟
إنه حقًا يحتاج إلى جائزة الأوسكار لأدائه، إذا كنت تحبها لهذه الدرجه لماذا تقوم بخيانتها؟
أم إنه لا يخونها؟
يا الله ساعدني، ماذا أفعل؟
يجب أن اخبرها بشأن تلك الفتاة "هيدا" فنحن صديقتين.

_ شهد ممكن امشي؟ بما إنك هتخرجي مع ليو.

قالها باسل الذي وقف من مجلسه ووضع الهاتف الذي كان مُنكث الرأس فوقه يتحدث مع أحد ما طوال الوقت، حركت شهد رأسها، فابتسم باسل باتساع وأخرج من جيب سترته السوداء حلوى دائرية ملونة باللون الوردي ذات عصا بلاستيكية "لولي بوب" فتح ورقتها التي اصدرت صوت خرير ألهب أعصابي ثم دسها في فمه وهو يتراقص وغني:

"اوووه اوه ماماويه
في الغابة أنا وبومبا ماشيين مزأططين"

- رايح فين يا مهزأ؟

قالها ليونار بنبرة ساخرة وليست متسائلة وهو يعيد خصلات شعره للوراء ويرمقه بنظرة غريبة وكأنه يشاهد بطريق راقص، استدار باسل عندما وصل للباب وقال ببساطة بعدما أخرج الحلوى من زواية فمه بعدما كان يحشرها بين ضروسه وجدار فمه من الداخل وكأنه لم يتم سبّه منذ ثواني:

- ما إنت عارف أهو.

- جميلة هتتسبب في موتك.

- سأخوض حربا من أجلها.

أمسك ليونار اللوحة الخشبية المزخرف بها اسمه عقب حديث باسل الذي خرج بسعادة بالغة، ورفع يده بها وقذف اللوح تجاه باسل الذي خرج بسرعة من المكتب فارتطمت اللوحة بالباب ووقعت فوق الأرض على وجهها وكأنها تغطي وجهها بسبب شعورها بالخزي من عدم إتمام مهمتها التي ارسالها لها.

- هل إنتِ بخير صغيرتي؟!

قالها ليونار بنبرة رخيمة هادئة إلى شهد التي كانت تنظر للخارج بعيون شاردة وكأنها تحلق في عالم آخر لا نراه.

حركت رأسها ببطء تجاهه بعد ثواني وكأن حديثه وصل إليها متأخرًا وجسدها حاول جاهدًا محاربة التيبث وقاتل ببسالة حتى فاز بالتحرك أخيرًا وقالت بألم:

- كُنت سعيدة كَفراشة تَخفق بِجناحيها بِمرحٍ في الأجواء، أرى العالم كُلّه زهور زاهية تتفتّح يجذبني رحيقها الأخَّاذ؛ لكنني لَم أرى الوحش القابع بجانبها.

أغمضت جفنيها فوق بؤبؤ عيونها الأزرق، فتحررت الدموع المعتقلة بالداخل ببطء وهدوء كسجين تحرر أخيرًا سنوات من الأعتقال، فخُيّل إليَّ رؤية دخان خارج من دموعها الساخنة وكأنها تدفقت من ينبوع ماء ساخن بحفرة بمنتصف الصحراء، ثم فتحت عينها من جديد استطردت:

- كنت أظن إن لم أوذي أحد لن يؤذني أحدًا، لكن كل هذا هراء .. أمي لم تفعل شيء لأحد حتى ينتزعوني من داخل حضنها ويقتلوها، لماذا قتلها ليو؟ هي لم تفعل له شيء.

أنهت حديثها مع ارتفاع شهقاتها اهتزاز جسدها بعنف وكأنه هاتف أصابه فيروس بسبب عطل داخل أنظمته بسبب الحالة الغير طبيعية الدخيلة عليه، فهذه الفتاة لم يدخل الحزن قلبها قط:

- بالله صغيرتي، أغدقي حنانك على روحي وارحميها، فهي تصرخ بالداخل من رؤية دموعكِ ..  يمكنني قتله من أجلك أقسم، لكن فقط اخبريني بذلك لكن اقشعي أولئك السحب الملبدة بالماء من فوق سماء عيونك.

قالها ليونار بنبرة تأن ألمًا وهو ينظر لها برجاء بعدما انحنى بجزعه العلوي واسند مرفقه فوق فخذه، فتأهب جسدي بارتياب وسقط فكي، إنه يتحدث عن القتل وكأنه ذاهب لتأدية مباراة كرة قدم ليس أخذ روح شخصًا ما.

هل قُتلت أمها حقًا؟!
لهذا كانت حزينة كمن دهس قلبها قطار في الأيام السابقة؟

- أنا مش كده مش هعرف ابقى زيكوا لو طلبت منك تقتله هبقى شبهه وده مش هيرجعلي ماما يا ليو.

قالتها شهد بنبرة يأس بعدما حركت رأسها بالنفي عدة مرات ثم مسحت دموعها المنهمرة فوق وجنتيها، وافرغت أنفها المحمر.

نهضت من مجلسي وخرجت للخارج لأصنع لها مشروب شكولاتة حتى تسعد قليلًا، فأنا أشعر بالحزن لأجل تغير حالتها بهذا الشكل.

لقد كانت مضيئة كالشمس في الصباح، تطلق إشعاعها في كل مكان، مفعمة بالحيوية، الحب، النشاط واللطف، عندما يقع بصرك عليها تظن إنها أسعد إنسان في الكون بل هي السعادة بذاتها، كانت عيونها الزرقاء تضيء بحماس دائمًا.

تذكرت المرة الأولى التي رأيتها بها منذ قرابة العامين في معرض الكتاب، فقد ذهبت لحفل توقيع الجزء الثالث من سلسلة روايتها الورقية حيث إنها تنشر ورقي وإلكتروني بعدما صارت كاتبتي المفضلة فجأة.

فقد حصلت على جميع روايتها الورقية هدية في عيد مولدي ثم بدأت اللعنة، لقد سحرني قلمها وصرت أقرأ لها روايتها الألكترونية كذلك على الرغم من حبي الشديد وتمسكي للروايات الورقية لكنني تنازلت من أجلها أجبرت صديقاتي على القراءة كذلك من شدة حبي لها.

شهد تعتبر حالة خاصة بالنسبة لي فقد أحببتها بشدة قبل حتى أن ألتقي بها من خلال تعليقاتها ومنشوراتها والحالات التي تضعها على مواقع التواصل الإجتماعي، لذا عندما علمت بشأن حفلة التوقيع قررت الذهاب بدون تفكير.

- ماليكا؟

قالتها شهد بنبرة حماسية وهي تركض تجاهي عندما وقع بصرها عليَّ، ثم ضمتني لها بطريقة سحقت عظامي كعادتها التي علمتها فيما بعد، ثم قالت عندما رأت الدهشة تظهر على وجهي من معرفتها بي، فهذه أول مرة تراها عيني!

- عرفت من صورتك، كنت متأكدة إنك هتيجي، أنا بتابع كل بوستات الرواية اللي بتنزليها على الجروبات.

أكملت حديثها وهي تسحبني لأقف جانبها هي وأبيها هارون الذي يقف ينظر بعيون صقر ثاقبة ناحية صف من الشباب و"خوفو" يلملم الروايات الخاصة بشهد منهم ثم خطى تجاهنا ووضعهم أمام شهد التي بدأت في توقيعها لهم ثم بعد ذلك أعادها خوفو لهم من جديد حتى لا يقترب رجل من شهد.

قالت شهد مرارًا إن أبيها يغار عليها بشدة بدرجة تجعله يفكر في حبسها داخل صندوق زجاجي كي لا يقترب رجل منها، لكنني ظننت إنها تضخم المواضيع، لكن الآن أعلم إنها لم تفعل.

- خدي دي، أنا محضرهالك من زمان.

قالتها شهد وهي تعطيني نسخة خاصة من روايتها ذات غلاف مقوى، فهي بها مشاهد أكثر بين الأبطال تم حذفها حتى لا يمل القارئ، وهي تقوم بطبع نسخ خاصة للقراء المقربين منها.

علمت ذلك بعدما حكيت لصديقتي مشهد أعجبني وأقسمت إنه غير موجود في نسختها، فعلت إن من أهداني النسخ من قراءها المُقربين.

فتحت غلاف الرواية فظهر أمامي توقيعها مزين باللون الأحمر وكتبت أسفله:

" شكرًا لكِ ماليكا على كل الدعم الذي تقدمينه لي، أحبكِ كثيرًا"

_ آنسة شهد ممكن صورة.

قالها شاب تقدم ناحيتها بابتسامة واسعة وهو ينظر لها ويحمل نسخة من روايتها في يد والأخرى يمد الهاتف لها، فأخذ أبيها هارون الهاتف منه وهو يبتسم له بسمة مخيفة ولف حول الطاولة وقف جانب الشاب وأحاط كتفه بذراعه مما أدى لشعور الشاب بالأرتياب منه.

- يلا الضحكة الحلوة.

قاله أبيها وهو يرفع ذراعه بالهاتف في موضع إلتقاط الصورة، ثم صدر من الهاتف صوت يدل عن الأنتهاء بعدها أعطى الهاتف للشاب الذي أرتجف جسده برعب من نظرة هارون المرعبة وهو يحرك بؤبؤ عينه المتوسعة على محجريهما ببطء ناحيته أثناء ذلك.

ركض الشاب من أمام هارون فجأة وهو يحمد الله أن النظرات لا تقتل، أعتقد إن هارون مازال يأتي له في كوابيسه ليلًا حتى الآن.

_ بـابـا.

- قلبه؟

قالها هارون وهو ينظر لشهد بحب أبوي عميق، تعقيبًا عن حديثها الذي خرج بنبرة ضائقة وهي تعقد ساعديها أمامها، فقالت له بضجر وهي تنفخ وجنتيها:

- متخوفش القراء.

ابتسم هارون لها وهو يمد يده داخل جيبه ويخرج لوح من الشكولاتة أثناء اقترابه منها ثم مد يده به لها، فأخذته منه بسعادة طفل أعطته أمه حلوى كي يتوقف عن البكاء

___________________________𓂀

جلست جانب شهد التي انضمت إليَّ على الأريكة وكلتانا تمسك في يديها كوب ورقي يحتوي على مشروب الشكولاتة الساخنة بعدما هبط ليونار من الشركة ليحضر لها شيء، نظرت لها بسعادة وهي تتحدث بحماس في عدد كثير من المواضيع في نفس اللحظة كعادتها.

حمدت الله داخلي على عودة شهد من جديد، لقد عاد لها ذلك البريق المحيط بها دفعة واحدة وكأن روحها تحررت من سجنها.

- هو إيه اللي حصل مع البنات؟ هما كويسين؟

قلتها بنبرة مهتزة بعدما ضغط عليَّ عقلي لفعل ذلك مرارًا وتكرارًا كصدى طنجرة نحاسية وقعت فوق أرض المطبخ ليلًا لكن قلبي لم يريد تغير حالتها النفسية السعيدة كما حدث الآن.

تنهدت شهد بعمق قبل أن تخبرني بنبرة حزينة ودموع تجمعت داخل مقلتيها من جديد إن الفتيات تم أنقاذهم بالفعل، لكن ليسوا بخير أبدًا، حالتهن النفسية مذرية منهن من تصرخ طوال الوقت، وأخرى لا تتحدث بتاتًا فقط عينيها متوسعتين وجامدة كالصخرة.

لكن عمها قاسم جلب لهن أطباء نفسيين وممرضين وقلب المنزل مشفى من أجلهن حتى يصبحن بخير.

- بس كده؟ شمس ده مش هيتحبس طبعًا، أصل هيتحبس إزاي؟ ما هو منهم، شبهم.

قلت كلماتي بقهر وألم شعرت به داخل قلبي وكأن خنجر اخترق قلبي، لم يكن حديثي موجه لها، كان حدث مع النفس.

كيف يمكن للظلم أن ينتصر؟
هل انتهت الفتيات؟

- أكيد مش هسكت، هما هيسكتوا، بس أنا شهد المُهيري.

قالتها شهد بنبرة واثقة مؤكدة، فنظرت لها بانتباه بعدما سحبتني من مثلث برمودا الذي سحبت داخله وأدار جسدي داخل دوامات مياه بعنف، استطردت بلغة عربية فصحى فهي تتحدث مثل ليونار أوقات بسبب قربهم من بعض:

- إذا كان طرزان التقط لغة القرود عندما عاشرهم، هل تظني أنني لم التقط بعض السموم مِن من حولي؟!

قاطع حديثنا ليونار الذي دلف للمكتب بعدما طرق الباب، وهو ممسك بحقيبة هدايا ورقية كبيرة، والأخرى بها صندوق صغير داخله حلوى الجبن "تشيز كيك" وضعها فوق الطاولة الصغيرة أمامنا ثم مد يده داخل حقيبة الهدايا وأخرج منها دمية على شكل بطريق لطيف، بطريقة مسرحية وهو يخرج صوت من فمه وكأنه يقدم فائز جائزة نوبيل.

- أنا كبيرة ها، كبيرة .. مش طفلة يعني.

قالتها شهد بنبرة متهكمة بعدما وقفت ووضعت يديها في خصرها ورمقته بنظرة حانقة، فأعاد ليونار خصلات شعره للوراء وقال بمراوغة وهو يضع الدمية في الحقيبة من جديد:

- حسنًا سوف أعطيه للصغار.

خطفت شهد الحقيبة من بين يديه بسرعة وجلست من جديد أخرجت الدمية واحتضنتها كطفلة صغيرة حصلت على دمية العيد الخاصة بها، فلاحظت التماع قرط أذنها الذي يتشكل في هيئة أرنب، والذي ابتاعه خوفو لها عندما كان برفقتي بفعل انعكاس الضوء عندما تحركت بجسدها تهدهد الدمية.

ضحك ليونار عاليًا على فعلتها وهو يحرك رأسه بدون تصديق ثم قال لها بنبرته الرخيمة وهو يعود لمكتبه من جديد:

- حتى عندما تشِيخي وتُصبحي جدة حونة لديكِ عدد هائل من الأحفاد الرائعين، ويغزو اللون الأبيض خصلاتك البركانية الثائرة، ستظلي صغيرتي المدللة، وسأظل أجلب لكِ دُمى وألعاب تشبهكِ.

ابتسمت شهد بسمة واسعة أظهرت الحفرة العميقة بمنتصف وجنتها وهي تضع يديها بخجل أمام وجهها، فضحك ليونار بخفه ثم فتح حاسوبه المحمول بدأ في قراءة ما كتبته شهد في روايتها التي سوف تُنشر بمعرض الكتاب القادم.

عادت شهد من جديد للتحدث في أشياء كثيرة، وطلبت مني السفر رفقتها غدًا فصديقتها اتفقوا معًا على السفر إلى الجونة وهي متحمسة بشدة لذلك لإنها ولأول مرة سوف تسافر بمفردها - أو بالاحرى رفقة باسل فقط لإنه المامبا الحامي لها- بعدما اقنعت أبيها بطريقتها المعتادة السهلة: وهي البكاء حتى أذعن لها لأنها بالنهاية سوف تكون بحماية باسل.

- معرفش أصلًا هما خايفين من إيه؟ شكلهم طلعوا عصابة أي كلام أنا كنت بخرج لوحدي و لا حد خطفني ولا عبرني، نفسي اتخطف اوي.

قالتها شهد بحماس وهي تهز جسدها بسعادة حماسية وكأنها تتخيل المغامرة التي سوف تحصل عليها إذا تم خطفها بالفعل، فأخرج ليونار صوت ساخر من فمه بعدما نظر لها بطرف عينه ببطء بسبب صدمته من ما قالته:

- أنتِ عايزه تتخطفي؟!

حركت شهد رأسها بالموافقة ووقفت من مجلسها تمثل له الحكاية التي في رأسها حيث إن الخاطف - الوهمي- ابن كبير زعماء المافيا ولديه عداء مع مملكتهم، سيقوم بخطفها تحت تبادل اطلاق النيران ثم يذهب بها لمنزله الخاص انتقمًا من أبيها لكنها لن يقدر على مقاومة عينيها الساحرة.

_ هي ساحرة فعلًا بس الساحرة شمطاء بتاعة توم وجيري.

قاطعها بها ليونار بنبرة ساخرة، فزجرته بنظرة مهددة قبل أن تستطرد الحكاية حيث إنه الشاب سيخوض حربًا من أجلها ويقف أمام أبيها وأبيه ويتزوجها رغمًا عن الجميع.

- طيب ما ابن زعيم العصابة بيحبك منغير فرهدة أنتِ غاوية تعب؟!

قالها ليونار بنبرة ضجرة وهو يقلّب عينه بسخرية في محجريهما من حكايتها، فقالت له مسرعة:

- إيه!!
- ايه؟!

- إنت بتحبني يا قطتي؟

قالتها بنبرة خبيثة وهي تجلس من جديد أثناء تضيق عيناها المعلقة به، فظهر تعبير ساخر على وجه ليونار وكأنه يقول لها: لا تدعي الحماقة!

عاد ليونار للقراءة من جديد، وكذلك عادت شهد للثرثرة بشأن منتجات الشعر والملابس التي تليق على لون خصلاتها الحمراء، قبل أن يلتفت لنا فجأة جعل جسدي يجفل قبل أن يصرخ:

- اللعنة .. أيتها الســـاحرة الشمطـــاء، لماذا؟، لماذا قتلتي بطلتي المفضلة؟
آه يا إلهي، ما ذنب بطلتي الجميلة بحزنكِ مني؟  وماذنب القراء؟ لقد قتلتها إيتها المشعـــوذة الشريــرة .. أعديها واقتلي البطل وإلا سأقتلنكِ وأضع رأسكِ ديكورًا في غرفتي أنت وباقي نساء العائلة.

رفعت حاجبها العُلوي وتشنج وجهها قبل أن تقول بنبرة متهكمة وهي تضع يدها في خصرها بطريقة لا تليق على وجهها البريء ولا مظهرها المهندم بتاتًا:

- اشمعنا بقى أقتل البطل؟ كل ده علشان بتغير على البطلة.

- تبًا لكِ ولنساء العائلة، أنا من وصفت لكِ ملامح "ليكاتا" و ألهمتك بها، ثم ماذا فعلتي بعدها؟! لقد وصفتي بطل بملامح أخي بكر الوغد بدلاً مني، لقد خدعتني اخبرتني أنكِ ستوصفين ملامحي .. هل أمتلك عينًا زرقاء يا محتالة؟! عيوني ســوداء أيتها الفاسِــقة.

قالها بنبرة صارخة في وجهها بعدما أحمر وجهه من الأنفعال وكأن الأمر حقيقي وهي أعطت حبيبته لرجل آخر، فإعدلت في جلستها بشموخ ورفعت كتفها بتكبر وكأنه تخبره إنها الكاتبة وتفعل ما تشاء.

- بتغيري ها؟

قالها ليونار بنبرة خبيثة وهو يراقص حاجبيه لها على شكل أمواج لمشاكستها، فضيقت شهد عينها ورمقته بنظرة ضائقة.

ضحكت بخفة عليها حيث إنها بالفعل تغار، تقوم الفتيات على المجموعة بنشر صورته بشكل دائم  ومقارنة ملامحة هو وفارس بأبطال الرواية لكنها أوقفت نشر صور الرجال بعدما أصبحت المجموعة عبارة عن منشورات غزل في أبناء عمومتها.

- أنا بفكر اكتب رواية وافضحكوا فيها، وأخليك إنت البطل بس هطلعك مختل، إنت ليه مش مختل؟ هكتب الشخصية ازاي دلوقتي؟

قالتها بتساؤل بعد حديثها الحماسي الذي خرج بشكل مفاجئ كعادتها، فنظر لها ليونار ببلاهة وثغر مفتوح، ثم بعد برهة من الوقت أسدل أهدابه الكثيفة فوق بؤبؤ عينه الأسود وفتحها ببطء وهو يثبت نظراتها بخاصتها بشكل مريب.

نهض من مقعده وتقدم تجاهها وهو يبتسم ببطء ابتسامة ظهرت لي مخيفة ومختلة وكأنها خارجة من مهرج قاتل ثم بدأ يصفر لحنًا ما حتى وقف خلف الأريكة التي نجلس فوقها من ناحيتها، فرد أصابعه الكبيرة فوق حافة الأريكة من خلفها من دون لمسها.

فقامت شهد من مجلسها فجأة ورفعت يديها التي تحمل حقيبة يدها للأعلى وهبطت بها فوق كتفه وهي تقول بنبرة ساخرة:

- اقعد يا اهبل، اقعد.

- يعني ماقنعتكيش خالث؟

قالها بنبرة مازحة وهو ويفرك كتفه مكان الضربة بسبب ثقل حقيبتها التي تبدو وكأنها تضع داخلها صخور، فهزّت شهد رأسها بالنفي بعد أن أخرجت صوتًا ساخرًا من حنجرتها.

- عاد البطل إلي مجلسه وهو يجرجر أذيال خيبته،  بعد لملمت الباقي من أجزاء كرامته المتبعثرة على البلاط المصنوع من الخزف الصيني بمكتبه.

قالها ليونار بأَسَى هو يحرك رأسه بحزن أثناء عودته للمكتب من جديد، فارتفعت ضحكات شهد على طريقته، فنظر لها ليونار وهو يضيق عينه بشر قبل أن يفتح عينيه على محجريها، وانتفض فجأة من مجلسه كمن جلس فوق مسمار مما أدي لإنتفاضها هي الآخري من المفاجأة.

- هذا؟ هذا؟ سحقــاً لكِ .. يا إلهي هذا حتى لم يصل لأرفف خزانتي بعد!

قالها بنبرة مهتزة وهو يشير أصبعه ناحية القميص القطني الأبيض ذو الرسومات الذي ترتديه شهد، فابتسمت باتساع بطريقة ملهبة لأعصابه وقالت وهي تعدل قميصها بتكبر:

- قمر صح؟ بسم الله ما شاء الله لايق عليا خالص، لا بجد، الأوردر المرادي في شوية تشيرتات تحفة، خدناها كلها حتى بتوع فارس برضو خدناهم.

- حسنًا عديهم إليَّ إذا كنتِ تريدي الإحتفاظ برأسك فوق جسدك.

قالها لها بتهديد وهو ينظر لها بشر مع انشقاق وجنته عن ابتسامة مختلة، فنظرت له بثقة وقالت بمراوغة وهي تبتسم ببرود وكأنها لوح من الثلج:

- حسناً إذا كنت تريدهم فلتطلبهم من عمك هارون، أعتقد إنه سيستجيب لطلبك بكل .. هـــدوء.

- فلتذهبوا للجحيم جميعًا يا معشر نساء العائلة، حتى ملابسي يا فاسقات لا يمكنني الإستمتاع بها.
يوماً ما سأتحرر منكن جميعًا، سأقوم بحبس أعمامي في مكان ما، بعدها سأجعل حياتكن جحيمًا.
سوف أعاملكن كما كان يُعامل العبيد قديمًا، سأجعل واحدة تقف جانبي تمسك عنقود من العنب والأخرى تطعمني إياه في فمي واحدة تلو الأخرى.

تمتم بها بنبرة التمثيل التراجيدي خاصته وهو يمثل الكلمات بيده عن طريق تحريك يده عند رقبته للتعبير عن القتل، ثم أصابعه وحرك يده ناحية فمه بتلذذ وهو يتخيل المرأة تطعمه حبات العنب بأصابعها.

- هو ده أخرك؟ هي دي أحلامك؟ هتعذبنا وهتخلينا نأكلك عنب في بُقك؟ .. يا ماما دي حدوتة تخوف خالص.

قالتها شهد هازلة منه بعدما ضحكت عاليًا على ما قاله، فرمقها بنظرة متهكمة وهو يتمتم بالدعاء على نساء العائلة بقهر.
________________________ 𓂀

ترجلت من سيارة ليونار التي تقودها شهد بعد توقفها أمام باب القصر، قررت شهد السفر إلى الأسكندرية لقضاء يوم في منتصف البحر ورفضت كل حديثي بشأن عدم السفر معها، فأذعنت لها.

لكن هذا ليس سبب مجيئنا هنا، نحن هنا من أجل "نجمة" إحدى الفتيات التي تم خطفهن بواسطة الحقير شمس، فقد أخبرت "سيرا" زوجة هارون شهد عندما هاتفتها لتخبرها بشأن السفر، إن نجمة حاولت الأنتحار ولا تسمح لأحد من الإقتراب منها كلما حاول أحد تصرخ، وطلبت من شهد العودة لإنها الشخص الوحيد التي سوف تستجيب الفتاة لها بسبب حبها لشهد، فهي من قُراءها المتفاعلين.

- نجمتي.

قالتها شهد بنبرة محببة عندما دلفت لغرفة الفتاة في الدور الأول وبحثت عنها في أنحاء الغرفة ولم تجدها، جثت على ركبتيها ويديها جانب السرير ورفعت الشراشف فظهر الفتاة بالأسفل.

تجمعت الدموع داخل مقلتاي وشعرت بألم مريع داخل حلقي عندما مررت نظراتي على النجفة ذات الخمسة مصابيح التي يتدلى منها شرشف أبيض اللون معلق حول أذرعها ومعقود من الأسفل بشكل دائري مُجهز للأنتحار شنقًا، وعلى الأرض يقبع منقلب للخلف مقعد صغير مستطيل بدون ظهر يستخدم للجلوس أمام الخزانة الخاصة بالتزيين "تسريحة"، ثم نظرت للفتاة التي ترتجف أسفل الفراش.

_ هاتي أيدك يا نجمة، متخافيش أنا شهد.

قالتها شهد بنبرة هادئة وهي تمد يدها للفتاة بالأسفل، مدت الفتاة أناملها المرتجفة بعد ثواني وعانقت كف شهد التي سحبتها للخارج برفق حتى صارت أمام الفراش فعانقتها شهد بقوة قبل أن تنفجر الفتاة في البكاء بقهر وهي تتمسك بها بشدة.

عدلت المقعد المقلوب ووقفت فوقه، حللت الرباط من حول الأذرع المعدنية، ثم مسحت دموعي التي انسابت فوق وجنتي بظهر كفي وأنا أهبط من فوقه من جديد.

_ تيجي ننشف شعرك؟

قالتها شهد بعدما هدأت الفتاة وهي تمسح فوق خصلات شعرها المبلل الذي تنبعث منه رائحة لافندر جميلة حيث يبدو إنها تحممت قبل أن تقرر الأنتحار، فحركت الفتاة رأسها بهدوء فهي لا تتحدث لكنها لم تفقد صوتها فهي تصرخ بصوت عالي، لكن فقط تصرخ.

نهضت شهد من فوق الأرض العارية وانحنت لتمسك بذراع نجمة لتساعدها على النهوض ثم أجلستها فوق الفراش.

- دي ماليكا صحبتي متخفيش، هي طيبة.

قالتها شهد وهي تمُسّد شعر نجمة برفق بعدما تمسكت بها عندما ابتعدت شهد خطوة عنها لتجلب مجفف الشعر الحراري وهي تنظر لي بخوف.

- هو فين وأنا هجيبه، خليكِ إنتِ جنبها.

- في الدولاب اللي في التويلت.

قالتها شهد وهي تشير ناحية المرحاض، فدلفت للداخل وفتحت أحد الأدراج أسفل الحوض فوجدت المجفف، أخذته وعدت من جديد للخارج، ذهبت ناحية الخزانة المعدة للتزين وأخذت فرشاة للشعر من أحد الأدراج.

- نظرت له ليكاتا وقالت بنبرة ساخرة

" يا فتى ألم يعلمك أحد الأدب"

قالتها شهد بنبرة تمثيلة وهي تعقد حاجبيها وتنظر أمامها بملامح مضائقة أثناء تمثيلها لمشهد من رواياتها تحت نظرات نجمة الذي سيطر الشغف عليها، استطردت بعدما غيرت نبرة صوتها لتشبه الرجال:

" لا لم يعلمني أحد الأدب"

"أوه يا رجل، لما لم تقل هذا الحديث من قبل فأنا أرغب بشدة في أن اصير أم"

- قالتها ليكاتا بنبرة ساخرة قبل أن تمد يدها وتقبض على خصلات شعره بشده ثم تنزل ناحية ركبتها بعدما رفعت قدمها بزاوية تسعين درجة، ويصدح صوت سحق انفه بخفوت.

قالتها شهد بتمثيل الحركة وكأنها تمسك رأس الرجل وتنزل بها ناحية قدمها، في نفس الوقت الذي وصلت المجفف بالكهرباء وصعدت للفراش من الخلف لأقوم بتجفيف شعرها، مددت يدي بهدوء أمسكت خصلاتها حتى أرى رد فعلها، فجفلت ونظرت بفزع للخلف لكن جسدها تراخى عندما وقع بصرها عليَّ وعادت لتنظر لشهد من جديد حتى تكمل المشهد التمثيلي خاصتها، فبدأت بتجفيف خصلاتها البنية الطويلة الناعمة برفق.

- أعملك ضفيرة زي دي.

قالتها شهد بتساؤل وهي تشير ناحية تسريحة شعرها الأحمر حيث يُعقد في جديلتين مشدودتين من أول رأسها لآخره، فحركت نجمة رأسها بالإيجاب مرة.

- ترجعي لأهلك؟

قالتها شهد بهدوء وهي تخلل خصلات نجمة بأصابعها في مهارة ودقة حيث تقسم غرتها إلى ثلاثة أقسام، فاستدارت نجمة لها برأسها مما أدى لأنسياب الخصلة فوق أصابع شهد بارتخاء، وحركت رأسها برفض عدة مرات بعدما اضطرب وجهها وعاد الخوف لملامحها.

- خلاص بلاش، تيجي نروح البحر؟ مش إنتِ بتحبي البحر بتاعك في إسكندرية؟ محدش هيشوفنا.

قالتها شهد بهدوء وهي تبتسم لها بسمة مطمئنة،
فأعادت نجمة رأسها للأمام تنظر بشرود للحائط قبل أن تُحرك رأسها بالموافقة، فعادت شهد لما تفعله بسعادة حتى انتهت ثم طبعت قبلة حنونة فوق رأسها.

تبًا، الفتاة تخاف من العودة للمنزل!

ربما تظن إن أهلها سوف يلقوا اللوم عليها هي، هي التي من لم تحافظ على حالها من رجلين كل واحد منهم ضعف حجمها ثلاث مرات، هي من تسببت فكل ذلك من البداية، ليتها قُتلت قبل أن تجلب لهم العار!

لهذا تريد الأنتحار، لكن ما ذنبك يا فتاة؟

هل يتم الحكم على الخِراف إذا تربّص لهم ذئب؟

_ إيه رأيك البنطلون ده، ولا ده أحلى؟

قالتها شهد بتساؤل وهي تمسك في يد سروال رياضي واسع مريح واليد الأخرى سروال أزرق من قماش الدينم واسع كذلك وتعرضهم أمام نظر نجمة بعدما ذهبنا إلى غرفتها.

اختارت البنطال الأزرق ومدت أناملها أخذته من شهد ودلفت للداخل لكي تبدل ثيابها لكنني شعرت إن الملابس التي اختارتها شهد لم تعجبها لذا قلت لشهد بتساؤل وأنا أمسك هاتفي في يدي بعدما دخلت على أحد مواقع الأنترنت:

_ معاكِ الأيميل بتاعها.

فتحت شهد عينها بانبهار وكأنني اخبرتها سر صنع "سلطع برجر" بعدما بدى عليها إنها شعرت كذلك إن الملابس لم تعجب نجمة، لذا التصقت بي ومدت يدها وبحثت عن صفحتها فوجدت صورها في يوم عيد مولدها التاسع عشر قبل الخطف بساعة حيث نشرت صور له تحمل الرقمين ترتدي تنورة برتقالية ذات نقشة باللون الأسود وقميص قطني أبيض بأكمام.

- بتحب الاسكرتات.

قالتها شهد بعدما رأينا أكثر من صورة لها ترتدي تنانير بها، ثم دلفت للحجرة الخاصة بملابسها والتي تبدل بها نجمة ملابسها سمعتها تعطيها شيء آخر.

عدت من جديد أجول بنظراتي على منشوراتها، معظمها اقتباسات من أبطلها المفضلين الذي معظمهم من روايات شهد وعن أميرات ديزني؛ أميرتها المفضلة "روبانزل" فهي تنشر الكثير عنها.

توقف إصبعي على صورة لوجهها، مغمضة العينين، تظهر تجاعيد خفيفة حول العين وتبتسم بسعادة بالغة لتعبر عن مدى كون ابتسامتها حقيقية وليست مصطنعة فقط لألتقاط الصورة، تبدو وكأنها تمتلك العالم بين أناملها بل وكأنها أكبر نجمة مضيئة في السماء.

انزلت هاتفي للأسفل عندما ظهرت النجمة المسلوبة من السماء، ترتدي تنورة بلون زهرة الافندر، وقميص قطني واسع مطبوع عليه رسمة باللون البنفسجي الفاتح، تسحب أكمامه ليختفي كفها ومعظمها ذو العلامات الررقاء بالداخل، تبدو جميلة .. ومضطربة.

وكأنها ممثلة فاتنة تقوم بأداء مشهد حزين في أحد الأفلام، شعرت بوخز الدموع في مقلتي والحزن يجثم فوق صدري، سمعت صراخ روحها الذي يقول:

كنت سعيدة كروبانزل عندما تحررت واكتشفت العالم من حولها بعيون منبهرة مُشعة، كنت أحلم برؤية المصابيح في السماء تُضيء من أجلي، لكنني لم أكن أعلم إن نجمي سينطفئ.

مُنذ صِغري أهوى حكايات الأمِيرات، أتخيَّل حالي إحداهُنّ، أمير جذَّاب يدلف مُمسك بِحذاء زجاجي برَّاق، يسلُب قلبي ويَنتَشِلُني مِن بؤسي؛ لكن لم يكن من نصيبي سوى بُطولة حكاية ذات الرداء الأحمر التي سُحقت بين أنيَاب الذئب.

ضُرب في رأسي صوت أم روبانزل الساحرة عندما عادت لها روبانزل حزينة ومهلكة عندما قالت لها:

"حاولت احذرك من قسوة العالم، الناس دي حقودة وأنانية وشريرة، لما بيلاقوا أصغر شعاع من الشمس بيلمع، لازم يتِّطفي!"

- ماليكا خدي البسي ده إنتِ ستايلك زيي هيبقى حلو عليكِ، من الكولكشن اللي سرقاها من ليونار.

قالتها شهد وهي تمد يدها لي بقميص واسع أبيض اللون ذو رسومات مماثل لذلك الذي ترتديه وبنطال يشبه بنطالها، فأخذتهم منها ودلفت حجرة الملابس لتبديل حِلتي النسائية التي لن تكون مريحة بتاتًا بالنسبة لي في السفر وخرجت من جديد.

_ شهودة ياولا أهي جاتلك ياولا .. دي شقية ولاعيبة ياولا.

قالها فارس بغناء وهو يطرق على باب غرفة شهد فهذه العائلة لا تدخل بمكان إلا بأحداث عُرس، فتحركت شهد وهي ترقص وتطرقع أصابعها حتى فتحت له الباب وشاركته الغناء:

- أجنن حتتي لو أميل ويا الهوي.

ضحك الاثنين معًا عندما تلاقت نظراتهم ثم تفاجئ فارس من وجود نجمة ورفع يده للأعلى كتحية لها ثم لي، فردت له التحية بخجل لكنها لم تخاف من وجوده.

هبطنا للأسفل رفقة فارس عندما عرض على شهد الجلوس معه حتى يأتي الجميع ويعود ليونار حيث إننا تركناه بالمكتب لإنه مرتبط بموعد مهم.

شعرت بالحيرة عندما خرجنا من القصر بأكمله ومشينا في طريقنا حتى وصلنا لمبني صغير من طابقين ودلفنا بالداخل بعدما ظننت إننا سنبقى بالداخل.

- عاملة إيه دلوقتي؟

قالها فارس بنبرة ودودة إلى شهد بعدما جلسنا بغرفة المعيشة وجلست نجمة جانب شهد محتضنة ذراعها بشدة وكأنها طفلة متمسكة بذراع ولدتها بعدما خرجت لأول مرة أمام الجميع، فربتت شهد على قدم نجمة حتى تعيد لها الطمئنية من جديد بسبب خوفها المفاجئ من المكان قبل أن تتنهد بعمق وتقول:

-  بحاول اتعافى.

- لو أقدر أنقل كل الوجع اللي في قلبك لقلبي كنت عملت.

قالها بنبرة حنونة وهو يبعثر نظراته على وجهها بابتسامة واسعة مريبة، تبدو وكأنه يهيم بها عشقًا!
لماذا ينظر لها هكذا؟!

ابتسمت شهد وأهتز بؤبؤ عينها في عدم راحة وهي تمسك جديلتها بتوتر، فتابع فارس حديثه وهو يتابع بعينه حركة يديها فوق شعرها:

- علفكره أنا هاخد حقك من أبرهام ابن الأوغاد ده.

- هو معملش حاجة، كل ده علشان قالي الحقيقة؟ اللي هو فاكر إنها الحقيقة.

قالتها بنبرة متهكمة بعدما زفرت بضيق وحركت بؤبؤ عينيها بسخرية على الجملة الأخيرة، فضم فارس قبضة يده، وتحركت وجنته بطريقة توحي بأنه يسحق أسنانه قبل أن يقول بانفعال:

- هو كان قاصده يكسرنا ويزعلك، أقسم بالله لقعده شهور في السرير بحق كل دمعة نزلت من عينك يا شهد .. هما بيطلعوا أسوأ ما فيا، يشربوا بقى.

جفل جسد نجمة من نبرته العالية، فرمقته شهد بنظرة قاتلة وهي تربت على ظهرها برفق حتى تعود لها الراحة المسروقة منها، فأزدرم فارس ريقه بتوتر واعتذر بهدوء للنجمة وهو يبتسم لها بسمة مطمئة.

- أنتِ عملتي piercing جديد؟

قالها فارس بتساؤل وهي وينظر بشغف إلى أذنها التي تحتوي على ستة أقراط صغيرة جانب بعضهم البعض متفرقين على شحمة أذنها والعظمة الداخلية.

كيف لاحظ ذلك؟!

- حلو اوي، كل حاجة عليكِ حلوة.

قالها فارس بهيام بعدما لامست شهد شحمة أذنها بأناملها في حركة تلقائية بعد حديثه، وحركت رأسها دلالة على الإيجاب، فاتسعت ابتسامته وقال لها بنبرة عاشق يتأجج لهيب قلبه برؤية حبيبته:

_ يافاتِنَ الحُسنِ
إن الحُسنَ يأسرنِي
كالبدرِ وجهك
والعَينينِ تسحرُني.

تبًا.. تبًا.. تبًا.
إنه بالفعل يغازل حبيبة أخيه!
كيف يفعل هذا بأخيه؟!

اضطربت معالم وجه شهد في عدم راحة واضحة وأحمر وجهها وكأنها محمومة، حاولت مداواة الأمر بابتسامة متوترة وهي تقول بنبرة جاهدت أن تخرج مرحة:

- إنت بقيت بتحفظ شعر كمان؟

- بقيت بقرأ وبحفظ شعر وحاجات كتير .. كنت الأول لما بمسك كتاب بشعر بالغثيان لكن علشان عيونك بقيت أفضل أعيد في كتاباتك وأغرق فيهم زي ما غرقت فيكِ منغير ملل أكني بقراءهم للمرة الأولى.

قالها مفسرًا بنبرة هائمة وهو ينظر لها بعينين ملتمعتين في انبهار وكأنه يرى الشمس متجسدة أمام نظراته.

تبًا ما هذا؟
أيُحبها الاثنين؟
هذا يحدث فقط في الأفلام، الإخوان يحبان الفتاة نفسها.

نهضت شهد بعدما تمتمت برغبتها في الذهاب للمرحاض وخطت للخارج بعدما مرت من أمام فارس الذي نظر في أثرها بحزن والدموع تلتمع في مقتليه بعد أن تجمعت بسرعة خارقة وكأنها كانت تختبئ لتفاجئه، مد أنامله ومسح دمعة هربت من عينه سريعًا وقال بصوت متحشرج من أثر كتمان البكاء:

- أنتِ أكيد مش هتفضلي جوة لحد ما ليو يجي، تعالي أنا مش هاكلك.

استدارت شهد بعدما عبرت الباب ونظرت له وهي ترفع حاجبها للأعلى وتضع يدها في خصرها وقالت بنبرة ساخرة ممازحة:

- و انت فاكرني هخاف منك ولا إيه؟ ها ها ها، قـول قـول قـول!

- آه تخافي مني متخافيش مني ليه؟

رد عليها بمثل طريقتها بعد أن وضع يديه في خصره يقلد حركاتها وأضاف عليها التحرك بخصره للأعلى وللأسفل وكأنه يرقص، فأطلقت شهقة هازلة منها وهي تحرك شفتيها بتشنج وترمقه بنظرة وكأنه دمية متسخة سقطت من صغير في الطين.

- تعالي احكيلك حاجة تضحك.

قالها فارس وهو يحرك يده ناحية الأريكة بعدما ضحك الاثنين بخفة على ما يحدث، فعادت بسرعة بخطوات مهرولة في حماس، ثم نظرت له بتحفز ليحكي لها:

نهض فارس من مجلسه وعاد من جديد بعدما وضع قدمه أسفله ليجلس جلسة مريحة له قبل أن يسرد عليها ما حدث بين ليونار وخوفو وباسل.

كان باسل وخوفو يتشاجروا مع بعضهم البعض كعادتهم بسبب مشاركتهم الغرفة مع بعض، فخوفو يضع قوانين للمكوث معه.

ممنوع إصدار صوت وهو نائم.
ممنوع إمساك الهاتف وهو نائم لأن الضوء يزعجه.
ممنوع على باسل إن يدلف الغرفة بعده وهو نائم إذا أراد أن يبقى على قيد الحياة.

كان باسل يتحدث مع جميلة مساءً بعدما نام خوفو ولأن نومته خفيفة استيقظ على الفور وهجم على باسل كَـدُبٍ مفترس أستل هاتف باسل من بين أنامله والقاه من الشرفة وعاد للنوم من جديد بهدوء وكأنه لم يفعل شيء.

اغتاظ باسل بشدة وقرر الثأر لكرامته المبعثرة على الأرض كسلة تفاح وقعت من يد فتاة صغيرة وتبعثرت الثمرات فوق العشب، وفي الصباح دلف لمرأب السيارات وانتقم من حبيبة خوفو.

بعد ربع ساعة وصل خوفو للمرأب حتى يذهب للعمل وجد زجاج سيارته الغالية على قلبه مُحطم، فاشتعل فجأة كعين مُوقد قرب منها أحد عود ثقاب مشتعل، وعاد ركضًا بسرعة فهد إلى الغرفة من جديد حيث يقبع باسل وبدأ الشجار العنيف بينهم الذي انتهي بربط خوفو لباسل في الشجرة الحديقة.

_ الراجل فيكوا يفكوا، والله هربطه مكانه.

قالها خوفو بنبرة مهددة لأخوته المتفرجين قبل أن يعود للمرأب حتى يذهب لعمله رفقة هارون، عندما أتى ليونار من منزل أمه -لإنه كان في هذا الوقت مازال يمكث معها لكنه عاد الآن- ذهب لرؤية باسل الذي حاول بدأ بسرد صفات الشجاعة التي يمتلكها ليونار ثم أضاف:

- يعني ينفع تسيب أخوك الصغير مربوط كده؟! فين بقى الدفاع عني؟ فين ها؟! يعني أروح لمين دلوقتي؟

قالها باسل بنبرة باكية مصطنعة، فحرك ليونار رأسه باقتناع واقترب منه ليفك الحبال الغليظة التي تربط جسده بالشجرة وهو يقول:

- حسنًا، سأفعلها لكن إذا أخبرت الوغد الكبير أنني من فعلها سوف أقطع رأسك واضعها ديكورًا في غرفتي.

استدار ليونار ببطء بعدما شعر بوجود شخص ما خلفه وهو يبتسم ببلاهة، فوجد خوفو الذي ينظر له نظرة حاصد أرواح وجد الروح الهاربة منه منذ مدة قبل أن ينقض عليه ويبتلع روحه، وربطه جانب باسل.

في المساء جاء عمه صالح وقام بحل رِباط باسل  وأقسم على أن يبيت ليونار مربوط بالشجرة_ بعد أن اطمئن على حالته الصحية وشفائه من أثر الحادث السابق بشكل كامل_ لأنه لم ينسى بعد ما فعله به ليونار به لأنه تلاعب به وهو يركض خلفه عندما علم بموضوع جميلة حيث كان يبطئ من سرعته ليتلاعب به ثم يسرع من جديد.

قضى الجميع معه الليل بمرح حتى الصباح، مما جعل عدم الرضى يتسلل لقلب صالح فقرر اللعب مرة أخرى.

هبط إلى ليونار وهو يمسك كلاب الحراسة الخاصة به وطلب من خوفو أن يحل وثاق ليونار، ثم أطلق كلابه تجري وراء ليونار بعدما تحرر.

اعطى فارس هاتفه إلى شهد بعدما بحث عن المقطع، فاقتربت من نجمة الجالسة بالمنتصف لأشاهد من يحدث رفقتهن.

_ يلا الصقفة معايا.

قالها صالح لأبنائه وهو يصفق فصفق الجميع معه قبل أن يبدأ في الغناء بطريقة مرحة:

❞ أنا إيه ذنبى؟ أنا إه ذنبي؟
حدفت لى المنديل البمبى.
حسرة عليها، آه، حسرة عليها
يا حسرة عليها. ❝

أخذ يكرر" حسرة عليها" بمشاركة الجميع أثناء صدوح صرخات ليونار الذي ظهر في المقطع وهو يركض ويقوم بصفع وجهه عدة مرات بحركة شعبية حتى وصل للسور وتسلقه كالقرود وقفز من فوقه خارج المنزل.

ارتفعت ضحكات شهد عاليًا بعد انتهاء المقطع كذلك ضحكت أنا وابتسمت نجمة لأول مرة منذ رأيتها، فنظر فارس لشهد الي مسحت بأناملها دمعة في زاوية عينها من أثر الضحك وقال بعبث:
 
- براحه عليا شوية علشان أنا غلبان.

توقفت شهد عن الضحك وصارت وجنتيها عبارة عن تفاحتين حمروتين من شدة الخجل، تزامنًا مع اقترب ليونار الذي دلف مع نطق فارس الكلمة بوجه غاضب ناحية فارس ثم صفعه على رقبته من الخلف بعنف وهو يقول:

- ويحك أيها السافل.

أطلق فارس سبّة نابية من فمه وتأهب جسده ونهض من مجلسه فركض ليونار للخارج ولحق بها فارس ثم صدح صوت صياح وتهشم أشياء تزامنًا مع دلوف نيلان بوجه مشرق ويحمل حقائب بلاستيكية وصناديق مربعة للطعام فوق بعضها البعض.

اقترب وهو ينظر لشهد ويغني بمرح:

- مره سألت الفيل النونو .. إنت كبير قوى ليه ومتين؟ .. شال زلومته وقال بعيونه أنا باكل والعب تمارين.

صفقت شهد بيديها بحماس تزامنًا مع صدوح ضحكتها قبل تقف على حين غرّة وركضت تجاهه خطفت الصناديق منه وعادت من جديد لمجلسها وهي تحتضن الطعام وكأنه كنز ثمين.

- لا يا ماما هاكل معاكِ.

قالها نيلان بنبرة متهكة بعدما أخرج صوت ينم عن الضيق من فمه ورمقها بنظرة تقطر غيظ.

- دي شاورمة شهد.

قالتها بنبرة قطة تنظر إلى مُحتضنتها ببراءة بعدما سرقت غداءها، وهي تحرك رأسها عدة مرات وتشدد أصابعها على الطعام.

جلس نيلان على الأريكة الجانبية حيث تلتصق ثلاثة أرائِك جانب بعض على شكل مربع ناقص ضلع ضخم وقال بلامبالاة:

- ماشي شوفي مين بقى هيوديكِ مطاعم جديدة.

أخرجت صوت يدل عن الحنق من حنجرتها وهي ترمقه بشر قبل أن تفتح أول صندوق واستلت منه قطعة صغيرة مقطعة من الشاورما مدت يدها بها له، فضحك عاليًا قبل أن يأخذها منها.

فتحت شهد جميع الصناديق فوق الطاولة وأخرجت الباقي من الحقائب البلاستيكية بعدما تخلت عن المزاح، التقطت قطعة ووضعتها في يد نجمة بهدوء ثم وضعت كفها أسفل كف نجمة ورفعت يديها تجاه فمها برفق كي تأكل قبل أن تطبع قبلة لطيفة فوق جبهتها.

عاد ليونار رفقة فارس من جديد بعدما بدل كلًا منهم حِلته بملابس متطابقة والتي تتكون من سروال أسود واسع به العديد من الجيوب يشبه الذي ترتديه شهد "كارجو"، مطبوع عليه من الخلف من الأسفل حتى الركبة كلمة بحروف فرعونية، عبارة عن طائر  وموجة وطائر آخر وقدم وريشة.

𓅃
𓈖
𓅱
𓃀
𓇋
𓋴

علمت إنها حروف كلمة "أنوبيس" فيما بعد بعدما احتل الفضول عقلي وحروف فارس مختلفة عن خاصته حيث مكتوب كلمة "حورس"، ويرتدي قميص قطني واسع أبيض مطبوع في منتصف ظهره بشكل طولي نفس الحروف، حذاء رياضي أبيض اللون برقبة عالية، اعجبني هذا النوع من الملابس عليه يبدو وسيمًا، استغفر الله العظيم.

- حلو اوي الطقم ده، إزاي فلت من إيدي؟! هات بتاعك يا فارس وخد التشيرت اللي أنا لابساه علشان أعمل ماتشينج مع ليو.

قالتها شهد بنبرة متعجبة بعدما نظرت إلى ثيابهم وهي تفتح ثغرها بانبهار، فأخرج فارس صوت من حنجرتة يدل عن الضيق وقال لها بتهكم وهو يعقد ساعديه أمامه:

- ما تاخدي بتاع ليو وتعملي ماتشينج معايا و لا أنا ابن البطة السوداء يعني؟!

- أنا موافق، واخد اللي هي لابساه واعمل ماتشينج مع ماليكا، ونعمل سيشن وتنزل الصور وتكتب "ملامحك كلها مني يادوب الاسم متغير"

قالها ليونار بنبرة مراوغة وهو ينظر لي بابتسامة واسعة أظهرت أسنانه البيضاء، فاخرجت صوت ساخر من فمي وتمتمت بسخرية من جميع الرجال:

- هكتب ملامحك كله منه يادوب الوغد متغير.

- واحسرتاه على قاسية الفؤاد.

قالها بنبرة التراجيدية وهو يجلس جانب نيلان، فأخذ فارس صندوق من الطعام وجلس جانب ليونار ثم وضعه فوق قدمه وأعطى ليونار قطعة  قبل أن نشرع في تناول الطعام سويًا.

دلف باسل بابتسامة بلهاء مرر نظراته عليها قبل أن يأخذ شطيرة وجاور باقي أخوته، تمسكت نجمة بذراع شهد بارتياب قبل أن ترخي قبضتها عندما فقال له ليونار بنبرة هازلة:

- أنا قولت مش هتيجي معانا.

- ما جميلة هتيجي معانا، عاليا كلمتها.

قالها باسل ببساطة بعدما حرك رأسه بالأيجاب يؤكد ظن ليونار ثم قضم من شطيرته بلامبالاة بعد أن رمقه ليونار بنظرة مقززة من اخمص قدمه حتى رأسه.

- عايزين نعدي نجيب باستا بالبيستو صوص لخوفو علشان بيحبها.

قالها ليونار بنبرة خبيثة للتعبير عن حب خوفو إلى ريحان لأن المكون الأساسي لصلصة البيستو الإيطالية هو الريحان، بعدما دار حوار بينهم بشأن القادمين معنا وعلِم إن عبدالرحمن ذهب لجلب أخوته رفقتهم بعدما هاتفتهم عاليا زوجته، فضحك الجميع بخفة، وقالت لهم شهد بحماس وكأنها تفكر في لون الفستان الذي سوف ترتديه في العرس:

- طيب هلبس الفستان أمتى؟

- مش هيتجوزوا.

قالها ليونار ببساطة بعد أن ابتسم بهدوء بسمة حزينة، فقال فارس بنبرة ساخرة إلى شهد التي عقدت حاجبيها بدون فهم ودهشة عقب حديث ليونار:

- احنا اتكتب علينا نحب وبس زي اللعنة، اللي قلبك يدق ليها مينفعش تتجوزها، أو مش شيفاك.

- آه من وجع القلب لما يتعلق بشخص مستحيل يبقى ليه.

قالها نيلان بنبرة مازحة ليكسر الصمت الذي احتل المكان فجأة إلا من صوت قداحة ليونار الذي أخرجها من جيبه وبدأ في فتحها واغلاقها بطريقة جعلتني ارغب في صفعه، فتبعه فارس يقول بمرح

- وآه لما يحاول يعمل كل حاجة عشان يشوفو وهو برضو مش حاسس بيه.

- و آه وألف آه لما ميقدرش يبعد عنه وهو عارف إنه بيأذيه. 

هذا كان باسل الذي تبع فارس بنفس النبرة المرحة، بعدها نظر الجميع لليونار بنظرات شغوفة متحفزة، فضحك بخفة وقال بعبث:

- إلاجابة كل ما سبق.

_ هتسافروا من غيري يا شوية أوغاد؟!

قالها ذلك المدعو رائف بعدما دلف فجأة وهو ينظر لأخوته بنظرات ضائقة وقبل إن يرد أحد عليه صدحت صرخة من فم نجمة وارتجف جسدها بعنف وهي تنظر إلى رائف برعب وكأنها تنظر إلي إبليس متجسد أمام عيونها بعدما اُزيلت الغشاوة من فوق بؤبؤها.

يتبع..

★ متنسوش التصويت (vote) 
________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.

للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

                        

Pokračovať v čítaní

You'll Also Like

10.3K 579 15
❝ I Love You ❞ ❝ But I - I Don't Even Know You ❞ Ishita lands up in Raman's house due to unforeseen circumstances. She lies her way into the house, b...
5.9K 128 6
The POV's will switch a bit. RUN, DON'T LET IT CATCH YOU!" I scream to the other scientists. Loud, blood curdling screams were heard everywhere. The...
38.4K 4.4K 36
[Complete] A flirty, romantic adventure & feel-good read! *** Lana Asfoor was content to live with the status quo and ignore her piling debt. Ignora...
16K 574 29
i've been watching you from afar and you've never seemed to notice me letters au