"عـودة"
وهـَا أَنـا قـد عُـدت لـِرؤية عَينـاكـَ.. عَينـاكـَ التـي هَربتُ مِنـهم كُـل تـِلـك السـنوات...
لـَم أَكـن أَعلـم أَن عَودتـي بعد كـل تـِلـك السـنوات سَيفتحُ لـِي بابـاً مِن الذكـريات التـي جَاهدتُ طويـلاً علـىٰ أن أَنسـاها...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكأن قد سُكب على رأسها دلو من الماء البارد فتوقفت الدماء عن الجريان بأوردتها وشل جسدها عن الحركة وأردفت قائلة بعدما لملمت شتات قلبها:
_ ايه هتتجوز ازاي؟.
وهو ذلك الآبله الذي لا يفقه شيء ولا يعلم كم تَكّن له من الحب فى قلبها .. نطق بما مزق قلبها أكثر:
_ هو ايه اللي ازاى!.. بحب زميلتي في الجامعة وهتجوزها، "نهلة" إنتِ عارفاها.
تمالكت نفسها أكثر وردت عليه بعدما وضعت ذلك القلب أسفل قدميها داهسة عليه بوحشية وكأنها لم تحبه يومًا:
_ مبروك يا "فارس".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذت قراراها بالفرار والهرب من نفسها قبل أن تهرب منه .. أرادت الذهاب وفقط هي لن تتحمل البقاء معهم فى المكان نفسه .. من كان لها كل شيء ومنذ ذلك الوقت وأصبح بالنسبة لها لا شيء .. بل أصبح كمن لم يكن.
_ بابا أنا عايزة اسافر برة اكمل دراستي ممكن؟..
عقد والدها ما بين حاجبيه وأردف قائلًا محاولًـا منه ليعرف ما أصاب تلك الفتاة.. هل هي جُنت لذلك القرار؟.. كيف لها أن تقول ذلك.. كيف لقلبها أن يقسىٰ تاركًا خلفه ذكرياتها وأجمل أيامها.. كيف؟..
_فجاءة كده يا "فريدة" ؟!.. ومالك بتعيطي ليه؟.
قست على قلبها أكثر ومحت ذاكرتها منه ومن كل ما يجمعها فى هذا البيت وتحاملت على نفسها أكثر وأردفت قائلة بعدما كُسر ذلك القلب أشد كسرة.. والأكثر من ذلك من صاحب تلك الكسرة؟..
_ مافيش حاجه يا بابا.. بس بعد إذنك جهز للسفر في أسرع وقت قبل الدراسه علشان الحق التقديم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_" فريدة"قومي يا بنتي وصلنا مصر.
وبعدما هربت هي كل تلك السنين وعندما لم يتبقى أمامها سوا العودة مع والدها حيث عائلتها .. حيث ذكرياتها .. حيث كل شيء هربت منه سابقًا.. ها هي تعود مرة أخرى مُجبرة على ذلك ..
ولكن عودة لن تكون كسابق عهدها .. بل هى لن تعود كما كانت أبدًا.. هي الأن قاسية وناضجة وحارقة كالجمر ..
أردفت قائلة له بملامح جامدة تدل على مدى ما وصلت إليه تلك الفتاة من قوة ونضج يجعلها قادرة على المواجهة .. مواجهة اي شيء:
_ اه حاضر .. يلا يا بابا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان هو يقف خارجًا وقد نضجت ملامحه أكثر .. فَـ هو الأن رجلاً عاقلًا .. وقويًا وأكثر هيبة فقد وصل هو إلى منتصف العقد الثالث من عمره ..
يقف شامخًا بهيبته الطاغية تلك ينتظر أن يخرج له عمه الحبيب بل والده الروحي وتلك الفتاة الصغيرة والتي قام هو بتربيتها والإعتناء بها إلى أن إتخذت ذلك القرار بالذهاب ..
وأثناء إنتظاره صدح صوت هاتفه برقم صديقه المقرب ذلك الرجل الذي قد وصل أيضًا لمنتصف عقده الثالث والذي وأن قام بالرد عليه أردف قائلًا:
_إيه يا "مراد"؟!.. أنا في المطار إسبقني أنت على الشركة وهحصلك.
_ اه عمي" أدهم" رجع من ألمانيا ومستنيه ... بقولك طيب سلام أنتَ دلوقتي يلا.
خرج هذا الرجل والذي وصل لمنتصف عقده الخامس بهيبته وخلفه إبنته تلك الفتاه التي شارفت على إنتهاء عقدها الثاني .. وعندما وجده أمامه ناداه بصوتٍ مرتفع مُشتاق يحمل بين طياته الحنين له:
_" فــارس" تعالي يلا يا "فريدة".
ركض ناحيته مُحتضنًا إياه ومرحبًا به بحرارة فها قد عاد مرة أخرى والده الروحي وصديقه وعمه الحبيب..
إتجه بنظره لتلك الفتاة الواقفة أمامه .. أهي نفسها تلك الفتاة الصغير ..؟ لقد زاد طولها قليلًا وإزادت جمالًا أكثر عن قبل أهي نفسها حقًا..؟
_ إزيك يا" فريدة" عامله ايه؟.. حمد الله على السلامة.
حسنًا إن كان الوضع مثل سابقه كنت سأتخذ من ذراعيك ملجئًا لي .. ولكن لم نعد فَـ الأن أنتَ لم يعد مُرحبًا بك .. أنتَ أضحيت غريب عني .. أنت الأن ...؟ لا شيء...
_كويسة .. الله يسلمك.
ماذا ..!؟ أهذا ردك بعد كل تـِلك السنوات ..؟ نعم!..وماذا تنتظر أنتَ يا رجل فَـ أنتَ غريب عني الأن ..
_"فريدة" إنتِ كويسه؟.
سؤال متوقع من والدها والذي كان شاهدًا على صداقتها وإرتباطها الروحي بإبن عمها .. ذلك الشاب الذى كان رفيقًا لها فى جميع مراحلها العمرية ..
_ أه يا بابا أنا كويسة .. يلا نمشي بقى.
ردت عليه بذلك الكلام وإتجهت إلى السيارة فأمر هو رجاله بوضع الحقائب فى السيارتين وإتجه هو بجانب السائق وهي بالخلف بجانب والدها تنظر بشرود للخارج ... وكان بين الحين والأخر ينظر لها فى مرآءة السيارة بتعجب..!
"فريدة السيوفي" فتاة مرحة ومشاغبة قليلًا فى السابعة والعشرون من عمرها .. طبيبة جراحية ممتازة فى عملها .. ومن هوايتها العزف على "آلة الكمان" تعشقه منذ الصغر وأصبحت بارعة به.
"فارس السيوفي" شاب فى الرابع والثلاثون من عمره هادىء الطباع وجاد جدًا فى طباعه ولكن عنيف جدًا أمام من يقترب لأحد من عائلته .. درس الهندسة المعمارية وهو الأن يدير أعمال العائلة بأكملها.
"أدهم السيوفي" والد "فريدة" رجل وصل لمنتصف عمره الخامس.. هادىء جدًا اب جيد لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماذا كنتَ تنتظر أنتَ؟..
هل تخيلتَ يومًا أن كل شيء سيعود كما كان؟..
أنتَ خَسِرتَني .. خَسِرتَ صَداقتي ..
خَسِرتَ كُل شيء .. لم ولن يعد أي شيء كما كان ...
لن نعود مثلما كنا أبـدًا...