Nuckles land | أرض نوكلس

By Rawan--Almasri

55.7K 7K 1.5K

عندما يقرر وريث عرش مصاصي الدماء أن يتمرد على قرارات عائلته، وأن يقحم في حياته أشخاصاً لا يتقبلهم بنو جنسه.. ... More

أرض نوكلس
قبل البدء
1 |خطوات في الجحيم|
2 |مصاص دماء، بشري، ذئب|
3 |الوريث الذي يعود لملكه|
4 |حياة ضائعة|
5 |الشاب الذي يعيش في الظل|
6 |حقد الأشقاء|
7 |معركة الملكيين|
8 |حاكم العائلة|
9 |القائد الذي لا يخسر المعركة|
10 |صاحب الابتسامة الجميلة|
11 |مدينة مصاصي الدماء|
12 |محادثة "إخوة"|
13 |الوثيقة ذات الحواف الحمراء|
14 |مصاص الدماء في الجامعة|
15 |ملاك عائلة هييل|
16 |الأم التي لا تملك أطفالاً|
17 |مسكن الأطفال البدائيين|
18 |شهرين في المنزل|
19 |مزرعة الخيول|
20 |مجموعة الملكيين|
21 |الغريب|
22 |الوريث الذي لم يرغب بذلك|
23 |قرار العشر سنوات|
ملاحظة
24 |أرض مصاصي الدماء|
25 |الحكام المختلفين|
26 |وحش|
27 |انهيار|
28 |شاب فاسد|
29 |مدينة الشياطين|
30 |خدوش|
31 |قبل خطوةٍ من الموت|
32 |مدربة ابنة الحاكم|
33 |عناق في الظلام|
34 |الطفلة التي كبرت بسرعة|
35 |رجال مثقلون بالحب|
36 |شركة زد المعمارية|
37
38 |حياة بلا حدود|
39 |حديثٌ عن الحب|
40 |عائلة الأعمال الأسوأ|
41 |حصان ذو لونين|
42 |مرحباً بكِ في عالمي|
43 |الوريث المختل|
44 |مهووس|
45 |البطل الذي ذهب بعيداً|
46 |جانب لطيف|
47 |ليلةٌ مزينةٌ بالأضواء|
48 |رقصات الليالي المقمرة|
49 |ذكريات مصاصي الدماء|
51 |انهيار الرجل القوي|
52 |قريبة وآمنة|
53 |الفتاة التي تحمل الحب|
54 |النهاية|

50 |فجوة أربعين عاماً|

683 102 42
By Rawan--Almasri

حينما وصلوا للقصر، كان الظلام يخيم عليه، كان يبدو كبقعةٍ سوداء داكنة وسط غابة أشباح، لم يكن هناك أي صوتٍ على الإطلاق لأن كل قاطني القصر والخدم ومعظم الحرس كانوا في وسط المدينة، أوصلا الحصان لمكانه، كان العجوز بجانب الحظيرة نائماً في كوخه الصغير، لم يوقظه آلفيس واكتفى بوضع الحصان في مكانه والاطمئنان على حصانه..

راقبته وهويحيط عنق أورفير بذراعيه ويخبرها بأنه آسف لأنه لم يذهب معها اليوم، ثم أشار لسيما حتى يدخلا للقصر، دخلا من البوابة الأمامية للطابق الأرضي، حيث المساحة المشتركة، لم تكن تعرف إن كان عليها الصعود لجناح عائلة بلود أم البقاء معه، ولكن ضوء غرفة الجلوس في الجانب الأيسر المضاء لفتهما على الفور وسط الظلام الحالك، وكان آرمور يجلس على أريكةٍ في الصالة، يعقد يديه بين ركبتيه، وينظر نحو الباب..

"آرمور؟" قال آلفيس باستغراب، لم يتبين ملامحه بسبب الظلام الحالك، سمع همهمة واضحة ليضيف بسخرية "هل انتهى موعدكَ السري؟"

"كنتُ أنتظر ابنتي، وكما توقعت، ستعود معها.."

"لماذا؟" قال آلفيس، الاستهزاء واضحٌ في صوته، وحينما شعرت سيما أنهما سيعودان لشجارتهما المعتادة قاطعته على الفور وقالت بسرعة بنبرةٍ مرحة "هل عرفت أنني سأرجع بهذا الوقت؟"

"حسناً.. لأكون صادقاً، عرفتُ أنه لن يترككِ تبقي لوقتٍ أطول، بما أنه دعاكِ للمجيء فهو سيعيدك، كلنا نعرف ما يحدث عند منتصف الليل مع مصاصي دماء بحالة نشوةٍ غبية.."

"أوه.. أجل، أخبرني عن ذلك."

"كنتُ أعرف أنكِ ستعودين بهذا الوقت، وأردتُ أن أتحدث معكِ.." قال وهو يقترب، يتقدم منها بشكلٍ مبالغ مما جعله مخيفاً قليلاً لأن عينيه كانت حمراء قليلاً، لم تكن تراه هكذا إلا نادراً، كان ذلك غريباً، هل أغضبه شخصٌ ما؟ هل كان أيضاً يشعر بشكلٍ سيءٍ بسبب اكتمال القمر، كان ذلك مستحيلاً لأنه ملكي، ولكن لم كان بهذا الشكل..

تراجعت خطوةً للوراء، ولكنه فاجأها حين عانقها بقوة، انصدمت من ذلك، توقفت عن الحركة لثوانٍ قبل أن تقول "هل أنتَ بخير؟"

"أجل.. انتظري للحظة.."

"ما الأمر؟" سألته بتردد وهي تبادله العناق، لم يكن يفعل ذلك في المعتاد، أن يعانقها دون سبب، وعينيه الحمراء، وغيابه الغريب، كل شيء حول آرمور كان غريباً اليوم..

"أريد أن أخبركِ بشيءٍ ما، خبأتُه عنكِ طوال السنوات الماضية، أخشى أنكِ ستكونين غاضبةً بعدها بما يكفي حتى لا يتسنى لي عناقكِ مرةً أخرى، لذلك.. دعيني أفعلها، وكأنها آخر مرة.."

"ماذا؟" سألته بتردد، ولثانية، خشيت أن تكون الذكريات التي رأتها للتو مجرد كذبة، وأن هناك شيئاً آخراً لا تعرفه، كان ذلك كافياً لترتجف، نظرت لآلفيس الذي كان يراقبهما بصمت، ثم قررت أن تتبع إحساسها، وتسير مع اللحظة، فرفعت ذراعيها، تحيط والدها بشدة، وتعانقه بقوة، رغم أنها كانت متأكدة أنه مهما فعل، فذنب هذا الرجل مغفور، مهما فعل، لم تكن تهتم حقاً لأي شيء، ولكنها عانقته، وكأنها آخر مرة، تشعر بجسده القوي بجانبها، يحتويها بدفئه، ويملأها بمشاعره..

"هل أنت بخير؟"

"أجل.. أنا لم أكن بخير مثل اليوم."

"متأكد؟"

"أجل.." قال بصوتٍ هامس، لم تكن حقاً واثقةً بإجابته، لأنه لم يكن يبدو جيداً، كان كريستوفر يملك عادةً بأن تحمر عينيه حينما يغضب، وأخبرها آرمور من قبل أن هذه نقطة ضعفٍ لم يستطع كريس التغلب عليها رغم سيطرته المطلقة على نفسه، ولكن آرمور لم يكن هكذا، ولم يكن بالتأكيد يشرب دماء أي بشري، لذا.. لم كان عاطفياً للحد الذي يجعله يفقد السيطرة بهذه الطريقة؟

"ماذا حصل؟ أنتَ تقلقني.."

لم يجبها، بقي في مكانه لدقائق شعرت بها طويلةٌ جداً، وفي النهاية ابتعد عنها، ينظر لعينيها الزرقاوتين بمحبةٍ بالغة قبل أن يتنهد ويقول "أنا أعلم أني تبنيتُكِ بظروفٍ قاسية، لقد جلبتُكِ لمنزلي وأنتِ مريضةٌ للغاية، وفاقدةٌ للذاكرة، وقد عاملتُك بقسوة وبدون عاطفة، وأعتقد أنكِ تكرهينني لفعلي ذلك.."

"لا تتكلم بهذه الطريقة، ومن فضلك لا تعد الأمور القديمة.."

"لقد كنتِ تحتاجين أماً، وحتى حين عدنا بالقصر، أعلم أن ميردا فعلت ما يكفي، ولكنكِ كنتِ تحتاجين أماً، أخبرني لوسيوس عدة مرات أن علي أن أتزوج لأجلك، ولكني كنتُ أرفض، آسف لأنني أناني.."

نظرت له بحاجبٍ مرفوع، لم يكن تفهم لماذا يطرح هذا الأمر بالذات، ما إن أنهى جملته حتى شعرت بالضوء يخفت، التفتت ناحية الصالة التي كانت مصدر الضوء الوحيد في القصير، ورأت شخصاً يقف بجانب الباب، يحجب الضوء القادم من الداخل، كانت امرأة، طويلة القامة، بجسدٍ نحيلٍ واهن، وشعرٍ طويلٍ داكن، ولكنها لم تتبين ملامحها لوقوفها بعكس الضوء، لم تعرف من كانت، ولكنها كانت متأكدةً أنها لم ترها بالقصر من قبل، حتى قبل أن ترى وجهها جيداً..

"من هذه؟" قالت باستغراب وهي تلتفت لآرمور، شد على يده بخفة، استطاعت أن تتبين توتره بلغة جسده بالكامل..

"لقد رفضتُ ما أخبرني به كريستوفر، ورفضتُ عروض الزواج التي قدمتها لي أمي، لأني كنتُ متزوجاً بالفعل، ولكن.. كان هناك أمرٌ ما دفعني لأخبئ الأمر.."

"متزوج؟" قالت بصدمة، فتحت فمها غير مستوعبةٍ الأمر وهي تنقل نظرها بينهما وتابعت بسرعة "انتظر.. أنتَ كنتَ متزوج، وتخفي زوجتك، وموعدكَ الغريب اليوم كان معها.."

"أجل.."

"هذه مزحةٌ جيدة، هل اليوم هو الأول من أبريل؟ هل فوتَ الزفاف لتقوم بهذا المقلب؟" قالت باستهزاء، ترفض تصديقه، تصديق وجود تلك المرأة أمامها، ونبرته الجدية، العاطفية..

"اسمها ليا، زوجتي منذ أن غادرت منزل عائلة بلود، منذ ثمانين عامٍ أو أكثر، وهي مستذئبة.."

شعرت بالصداع في رأسها مجدداً، ولكن هذه المرة ليس بسبب الذكريات، ولكن بسبب كل الأفكار، ليا، مستذئبة، موعده اليوم، مغادرته لمنزل العائلة، ولاي..

لم يكن المستذئبون يعيشون لوقتٍ طويل، كانوا يملكون قدراتهم الخاصة، وقد ثرثروا حول الأمر بضعة مرات على اعتبار أن المستذئبين ومصاصي الدماء كانوا دوماً مرتبطين ببعضهما في عقول البشر، أخبرها أن المستذئبين لا يعيشون طويلاً، ولكنهم قادرون على القتال والتحول والسمع والإبصار بطرقٍ أفضل من مصاصي الدماء..

"لاي.." قالت بصوتٍ هامس، واقتربت المرأة للأمام، تسير بخطواتٍ بطيئة، وكأن أطرافها واهنة، كانت تملك أعيناً زرقاء مدورة ولكنها قاسية، وملامح حادة لم ترها من قبل، ولكن بشكلٍ ما، كانت تشبه الذئبة التي عاشت معها كل حياتها..

"أنتِ محقة.." أجابها مؤكداً شكوكها، وتحرك آلفيس بغير راحةٍ في الصالة يشعل الأضواء لترى الصورة بشكلٍ أوضح، يوقظها من اعتقاداتها الخاطئة حول أحلام اليقظة..

"أنتِ حقيقية؟ أنتَ لا تمزح؟" سألت وهي تنقل نظرها بينهما، فتحت المرأة فمها لتتكلم، ولكنها أغلقته مجدداً لأن صوتها لم يخرج..

"هي تريد أن تخبركِ بالكثير من الأمور، ولكنها كانت بشكل الذئب لأكثر من أربعين عاماً، لمجرد عودتها الآن، فهذا لا يعني أنها قادرةٌ على التحدث بسهولة.."

"لأكثر من أربعين عاماً؟ كانت تدعي أنها ذئبة عادية؟" قالت باستنكار، وقبل أن يتسنى لها أن تتابع جملتها انهارت المرأة على الأرض، تحرك آرمور بسرعة يسند الجسد الواهن بذراعيه، ويساعدها حتى تجلس على أريكةٍ قريبة، وزفر قائلاً "لا أعتقد أنها قادرةٌ على استعمال أطرافها البشرية بسرعةٍ أيضاً.."

"توقف عن الثرثرة حول هذا.." صاحت بصوتٍ عال، ورمش آلفيس بصدمة ،لم يرها منفعلةً أو غاضبةٍ من قبل، مشت للأمام نحو أريكة لاي وهي تحدق بالمرأة من قريب ثم قالت بسرعة "هذه المرأة اسمها ليا، وهي زوجتك، وهي نفسها ذئبتكَ لاي؟"

"أجل.."

"هي نفسها الذئبة التي تلازمكَ مثل ظلك، وتحدثها كل الوقت، وتعاملها كعشيقتكَ، وتتركها معي حينما تريد أن تذهب لمكانٍ ما لأنكَ تعرف أنها ستحميني، وستفعل ما تريده تماماً.."

"أجل.. لاي كانت تملك كل وعي ليا، ولكنها فقط لم تتحدث مثل البشر.."

"حسناً.. لنقل أني أفهم هذا، رغم أني لا أفهم.." كانت تحدث بسرعة، وانفعال، وبشكلٍ ما.. لم تكن غاضبة كما كان يظن، كانت مصدومةً وحسب..

"لماذا تركتَ زوجتكَ في شكل الذئب لأربعين سنةً كاملة؟"

"لأن حياتها قصيرة، ونحن نريد أن نبقى معاً، لأطول وقتٍ ممكن.."

الكلمة ضربت رأسها، فقدت القدرة على التعبير تماماً، شعرت وكأنه يعطيها رسالة، يذكرها بمحادثتها مع آلفيس منذ ساعات، بأن الحياة الطويلة لمصاصي الدماء تعني فقط بأنهم سيخسرون من يحبون سريعاً جداً..

التفتت لآلفيس الذي كان ينظر نحوه بأعينٍ متسعة، الإجابة ذكرته بالأمر نفسه، ربما كان آرمور مجنوناً، ولكن لو كان آلفيس مكانه، لأراد أن يبقي سيما بجانبه، بأي شكلٍ كان..

"أنا رفيقها المقدر، المستذئبون يعرفون ذلك، وأنا أحبها بشدة، لم نكن نعيش جيداً، وكنتُ أعلم أنها سترحل قريباً، لذلك قررنا بأن تبقى بشكل الذئب حتى تعيش لوقتٍ أطولٍ معي، حتى تعود لشكلها الطبيعي بعد سنوات دون أن تكبر، وقد اتفقنا على فعل ذلك في هذا اليوم، بعد أربعين عاماً، في منتصف الشهر السادس، عند اكتمال القمر، وفي الساعة التي يتوسط بها القمر السماء.."

لم تجبه، اكتفت بالنظر لهم، ثم ابتلعت ريقها وهي تلتفت لآرمور الذي زفر وقال "أنا مجنون، ولكن لا يمكنكِ أن تلوميني، لقد أردتُ أن أبقى معها لوقتٍ أطول، وقد عقدنا هذا العهد، لم يكن يمكننا أن ننكثه حتى عندما أصبحتِ موجودة، كان هناك عشر سنوات، ونكث العهد بيننا قد يؤذي لاي، كان يجب أن تعود لاي في الوقت المتفق عليه، وحتى عندما أتينا لأرض نوكلس، أصبحت الأمور أصعب، ولكن كان يجب أن نحقق ذلك..

تعاهدنا أن أبقى أنا وليا معاً لعشر سنوات لكل خمسين عاماً، هذا يعني أنها ستبقى أربعين سنةً بشكل لاي، ثم ستعود لصورتها البشرية..

كان من المخطط أن أغادر منزل العائلة مجدداً حتى تعود ليا وتتحسن ثم أعرِّفها بصفتها زوجتي، ولكن بسبب انتقالنا لأرض نوكلس أصبحت الامور معقدة، ولكن مازال علينا أن نمضي خلال هذا..

أنا آسف، أعلم أنكِ غاضبة لأنني لم أخبرك، كان الأمر صعباً علي تماماً، لذلك لم أستطع أن أشاركه مع أي أحد، أنتِ الشخص الوحيد الذي يحق له أن أعتذر منه، أنا لا أهتم للبقية، في الغد سأعرفهم عليها وأقول أن هذه زوجتي، ولن أهتم إن سألوا من هي أو من أين جاءت، ولكن أنتِ.. أدين بالكثير من الاعتذارات لك.."

لم تكن تفكر بنفس طريقته تماماً، كانت أفكارها في مكانٍ آخر تماماً، التفتت لآلفيس مجدداً الذي بدا متجمداً مكانه، لقد هاجم تلك الذئبة من قبل، وهاجمته، وكان من الواضح أنها تكرهه وتتصرف وكأنها تفهم كل شيء وكل المشاكل التي تدور حولها..

"لو أردتُ أن أبقى برفقة مصاصي الدماء لوقتٍ طويل، كم علي أن أضحي حتى يحصل هذا؟" سألته سيما فجأة بلا مقدمات لينظر ثلاثتهم لها باستغراب، لم تكن هذه ردة الفعل التي توقعها آرمور، ظن أنها ستكون غاضبة وساخطة وكارهة، ولكنها كانت تفكر بالأمر بشكلٍ مختلف، تسقط الموقف على نفسها، وتفكر كيف عليها أن تفعل نفس الشيء لتكون معهم، مع هؤلاء الأشخاص الذين تحبهم، مع آرمور وكريستوفر وميردا ولوسيوس، كيف عليها أن تفعل شيئاً مماثلاً لتبقى مع آلفيس..

لم تكن مصاصة دماء، ولا مستذئبة، ولا إلف، ولا حتى ساحرة، كانت مجرد بشرية، وكانت ستموت قريباً، لم تكن تملك أي تضحيةٍ تقدمها لتكسب أربعين عاماً إضافياً برفقة من تحب كما تفعل لاي، ولم يسعها سوى أن تشعر بالحسرة على ذلك..

"لا تسألي عن ذلك.." قال آلفيس بهدوء، نبرته باردة كالعادة حينما لا يكونون لوحدهم، وأخفض آرمور عينيه يحدق بالأرض..

"لم؟"

"لأن هناك إجابةٌ واحدة جميعنا نعرفها، ولكن لا يسعنا وضعكِ في ذلك.."

"ماذا؟"

قالت باستغراب فتنهد آرمور وقال "لنتحدث عن الأمر بوقت لاحق، في الوقت الحالي، آمل أن تتفهمي أمر لاي.."

"أحتاج وقتاً لأفكر بالأمر وأستوعبه، ولكن.. لا يسعني الرفض والمعارضة أصلاً، لا يمكنني أن أفعل أي شيء سوى أن أتفهم.."

"حقاً؟"

"لقد كنتَ تعيش معها، وقد ساعدتني حينما كنتُ على وشك الموت، أقحمتُ نفسي في حياتك، لا يحق لي أن أتدخل بأمورٍ كانت في موجودة بالفعل.."

"أنتِ مسالمةٌ أكثر مما توقعت.." قال آرمور مازحاً، ليس وكأنها كانت تصرخ بوجهه منذ قليل، تنهد آلفيس وأجاب"لقد استعادت ذكرياتها بالكامل، لذا.. هي ممتنةٌ وحسب، بما يكفي حتى تتقبل تصرفاتكَ الغبية، وتخبئتكَ للأمور المهمة.."

نظر نحوها بأعين متسعة وسأل"استعدتِ ذكرياتك؟"

كان كلاهما مصدوم من الآخر، ولكن الفتاة لم تكن تريد التركيز على حقيقة لاي بقدر ما أرادت التفكير بالأسباب، نظرت لآلفيس متجاهلةً سؤال أبيها تماماً وقالت "ما هي الإجابة؟ كم علي أن أضحي لأجل أن أعيش معكما حياةً كافية.."

"أي وقتٍ هو كافٍ بالنسبة لي، أخبرتُكِ بذلك بالفعل، ولا أريد وضعك في ذلك.." رد آلفيس بهدوء مجدداً لتحرك رأسها نفياً وترد "قلتَ أن هناك إجابة، هناك طريقة، ما هي؟"

"ما أعرفه هو بشريٌ واحد، عرفتُه من ثمانين عاماً، ولم يتغير أو يتقدم بالعمر كثيراً، ولكن لا يمكنني أن أقول أنه سعيدٌ بذلك.. "

"آلفيس.." صاح آرمور بغضب، التفت لزوجته المرهقة ولابنته للتي تنظر له بتساؤل وتابع بتردد "أريد أن تكون سيما معي لأطول فترةٍ ممكنة، ولكن.. ليس بهذه الطريقة.."

"هذه هي الطريقة اللعينة الوحيدة.."

هذه المرة كان آلفيس من يصرخ، كان الشخص الذي يفقد أعصابه، ربما حاول أن يبدو هادئاً قدر المستطاع في حديثه مع الفتاة، ويريها أن الأمر عادي للغاية، وأن الجميع سيموتون بلا موعدٍ محدد، وأنه لا يعد الأيام بل يهتم بعيشها معها فقط، ولكن ذلك لم يكن حقيقة حقاً، لقد أرادها أن تعيش، حين ينظر لها ويراقبها، كان يعرف تماماً بأنه يثمن هذه اللحظات، وتريدها أن تدوم لأطول فترة ممكنة..

"أبقِ نفسك خارج الأمر، لم يتدخل أحدٌ بكَ عندما فعلتَ هذا الهراء مع زوجتك، لذا دعني أقرر أنا وحبيبتي وحدنا.."

"حبيبتك؟" قال آرمور باستهزاء ثم زفر وتابع "حبيبتكَ هي ابنتي، لستُ مستعداً لتعريضها للخطر لأجل مشاعركَ المجنونة.."

"لستَ مستعداً لتعريضها للخطر، ولكنكَ مستعدٌ لرؤيتها تكبر، وتموت..."

شعر بالحرقة في صدره، كان غاضباً حقاً، ربما كان بوسعه تقبل الحقيقة قبل ساعات وحسب، ولكن حين رأى أن شخصاً لا مبالياً مثل آرمور ضحى لهذا الحد من أجل حبيبته وزوجته، لا يسعه سوى التفكير بأنه سيفعل المثل، سيضحي، حتى وإن كان آخر أمر سيفعله..

"دعها تقرر إذاً."

قال آلفيس بتحدي وعض آرمور شفتيه يطلب منه الصمت، تنهدت سيما وتابعت "لستُ طفلةً صغيرة، هل يمكنكما أن تتوقفا عن التحدث حول حياتي وموتي وكأن الأمر لا يعنيني؟"

أراد آرمور أن يعترض، ولكن لاي، أو ليا، أمسكت بيده وطلبت منه الصمت، كان ذلك غريباً، رؤية آرمور بجانب امرأة لم يكن أمراً معتاداً كثيراً..

"الرجل الذي يعمل في الإسطبل ليس مصاص دماء في الأصل، بل بشري، عرفتُه أنا وكريستوفر منذ ثمانين عاماً، وقد كان دوماً هكذا.."

"كيف؟"

سألته بثبات ليبتلع ريقه، كان يفكر بالأمر حتماً من قبل، ولكن طرحه صعبٌ للغاية.

"تم عضه من قبل المعديين، وصار مصاص دماء، بدائي طبعاً، ولكن بدلاً من تركه يهاجم البشر ويفقد السيطرة، دربه دانييل، وقدم له دماءه...
نحن ملكيين، لا أحد يشبهنا، كل شيء بنا مميز ومقدس حتى دماءنا، لذلك لدينا بعض الميزات، مصاص الدماء الذي يشرب دماء ملكي سترتفع رتبته، إن كان بالمرتبة الثالثة سيصبح بالثانية، وإن كان بالثانية سيصبح بالأولى.. "

قاطتعه "وإن كان بدائياً.. سيصبح مصاص دماء عادي.."

"أنت محقة، ولكن لا يوجد ضمان لأي شيء، وليس هناك إثبات على الأمر سوي ذلك الرجل، وليس هناك طريقة نعرف أن هذا حقيقي سوي أن دانييل جربه ونجح، وربما يجربه أي شخصٍ آخر منا ويفشل.. ليس هناك قاعدة، ولكن هناك فرصة، ويمكننا أن نجرب."

"لا.. اللعنة، لن نجرب.." قال آرمور بغضب، ونظرت له زوجته بلوم، رفع آلفيس حاجبيه معاً، كان يشعر وكأن ذلك الرجل موجودٌ في هذه الحياة ليجعل حياته أصعب، بدايةً من رحيل كريستوفر بسببه، وكل المعوقات في علاقته مع سيما، وفي النهاية.. كان يمنعه حتى من تجربة فرصته الوحيدة للبقاء مع حبيبته لوقتٍ طويل..

اقترب منه غاضباً، سحبه من قميصه حتى أجبره على الوقوف وقال بين صرير أسنانه "ما اللعنة؟ ألا تهتم أنها ستموت بينما ستبقى أنتَ بعدها لمئة سنة أخرى ربما؟"

"هل تفكر كم سينكسر قلبي وقتها؟"

"إذاً لم تعترض على كل شيء..؟"

لم يعترض آرمور على طريقة آلفيس الفظة بالتعامل معه، شعر بأنه يختنق، ولم يكن في العادة سيقبل بهذا التصرف، لكنه اكتفى بالوقوف والنظر نحوه وهو يرد "لأنني لا أملك أي ضمانات، لن أجعل ابنتي فأر تجارب لشيءٍ لا أعرف حتى كيف حصل سوى أنه حصل وحسب، سوى أن دانييل كان محظوطاً بما يكفي ليفعله، لن أدع ابنتي تعاني.."

"تعاني؟ هل تهذي بسبب تقدمكَ بالعمر آرمور بلود؟ أم أنها الصدمة بسبب عودة حبيبتك؟"

زفر آرمور بضيق لانه لم يكن يعرف كيف يتواصل مع آلفيس بسوية، وضع يده فوق يد آلفيس بقوة، وأجبره على إنزالها تاركاً قميصه مجعداً بشدة، بينما تراقبهم سيما لتعرف إلى أين ستصل المحادثة، ولم تكن المرأة المستذئبة تملك القوة للتدخل في هذه اللحظة

"مع من تظن أنكَ تتحدث؟ لقد عشتَ حياتكَ في سجنكَ الأسود تعذب مصاصي الدماء، لقد كنتُ الشخص الذي يخرج ويرى ويتعامل مع البدائيين ويرى كيف يعانون مثل مدمني مخدرات مهووسين يعانون من أعراض انسحاب، لقد كنتُ الشخص الذي رأيتُهم وهم يهاجمون أحبابهم وأصدقائهم، ورأيتُ كم ألمهم، لستُ مستعداً لجعل ابنتي تعيش كل ذلك الألم، ولا يوجد أي ضامن أنها ستبقى معي لوقتٍ أطول، أو ستصبح مصاص دماء عادي مثلنا.. نحن حتى لا نعرف إن كان ذلك العجوز يعاني حقاً، وكيف يسيطر عليه دانييل.."

"لقد كنتُ في سجني اللعين، ولكني كنتُ أفضل منك، حين تخرج.. كنتَ تقتلهم.. أما أنا.. حين خرجت.. ساعدتُ بصناعة أرض لهم..
أنا لن أسمح لرجلٍ بلا أمل أن يتحكم بمستقبل فتاةٍ مثل الملاك، فقط لأنه خائف أن أمراً ما لن ينجح.."

"ولن أسمح لشابٍ أرعن أن يقرر مصير ابنتي فقط لأنه متهور لا يكترث للألم ويريدها أن تبقي معه، أريد أن تعيش ابنتي بصحةٍ جيدة ولو لفترةٍ قصيرة على أن تعاني وتعيش معي حتى شيشوختي.."

كانوا يصرخون بوجه بعضهم البعض بغضب، شعر آلفيس بسيما تضع يدها على كتفه وتدفعه قليلاً للوراء حتى تقف بينهما، استجاب لها بهدوء ونقلت نظرها بينهما وهي تقول"لم تناقشون مصيري وحياتي وموتي وألمي وأنا واقفة؟ هل أنا مزحةٌ بالنسبة لكم؟ سأقرر ذلك بنفسي. "

ابتلع آرمور ريقه، كان يعرف تماماً أن تلك الفتاة لم تعد الطفلة الصغيرة التي تطاوعه أياً كان ما يقوله، لقد كبرت، لم تعد طفلة، وكان عليه أن يسمعها ويحترم قرارتها، مثل بقائها مع آلفيس، أو أياً كان ما تقوله الآن، حتى ولو كان ذلك يكسر قلبه..

في المقابل.. ارتجف آلفيس لثوان، كان آرمور محقاً رغم بغضه لما يقوله، وعلى الأرجح ستسمتع ابنته له، من سيضحي بصحته وسعادته في سبيل أن يعيش حياةً أطول، ومع من؟ مع رجل مسموم مثله؟؟

كل الأشخاص الواعيون سيختاروا أن يموتوا بسعادة على أن يعيشوا حياةً طويلةً مجهولة ربما تكون محفوفةً بالكثير من الألم..

كان كلاهما ينظر لها، لم يتجرأ آلفيس أن يخبرها أن توافق لأنه نفسه لم يكن مقتنعاً بذلك، ولهذا السبب لم يطرح الأمر قبل أن تتحدث عنه، ولم يتجرأ آرمور أن يخبرها أن ترفض، لأنه كان يريدها أن تعيش لوقتٍ أطول..

كان كلاهما ينتظر إجابتها، لأنهما يعلمان أنها لن تطلب وقتاً للتفكير وستقول ما تريده الآن، لم يتجرأا على التفكير بأي خيار، ولكن نظراتهما كانت تقول "لا تتركينا، وعيشي لوقتٍ أطول، ولكن بصحةٍ وسعادة."

«هناك دائماً خيطٌ من الخوف في قماش الطمأنينة»

...

To be continued

R.M

...

تصبحون على سعادة جميعاً❤️

Continue Reading

You'll Also Like

5.3K 581 5
دع عنك يا هذا ذكوريتك المتعصبة جانبا فلا يدخلن إلى هنا أشباه الرجال وأمثالهم فقد نصبت طاولة مستديرة لحوار مصيري يضع كل ملك أمام خيارين إما التخلي عن...
85.3K 4.9K 22
عُـقـود مِـن الـعيشِ وَحيـداً بيـنَ طَـياتِ الـظِلال مُكَـبلٌ بـذكـرياتِ حُـبه الأول حَـتى تَـقـتحمَ حَـياته الـمقيتـة فـتاةٌ ذَاتَ دَمٍ مُـميزٍ جَ...
83K 2.3K 48
#بقلم احمد آل حمدان وفي يوم رحل زوجها، فقالت: وأنا ماذا أفعل عندما أشتاق إليك؟!، لم يُجبها زوجها "بحر" عن سؤالها، و اتجه نحو الباب مغادرًا، أدار قبض...
397K 24.3K 37
Highest ranking #1 رفيق #2الفا عندما تبلغ الثامنه عشر من عمرك ، من المفترض ان تجد رفيقكَ الأبدي ، والمقدر لك هذا ان كنتَ من المستذئبين ، ولكن ما الذ...