روايات احلام/ عبير : لا احد س...

By Rano2009

82.3K 1.7K 46

الملخص " لن تكوني زهرة في حديقتي أبدا" كان يردد لها هذا بينما يجمع الأخريات الأشد جرأة منها في باقات زاهية سر... More

1/ ضيف بلا مزايا
2/ وحدها في الحديقه
٣/ طعم لسمكه اخرى
4/حبي لك ويشبه ورده حمراء
6/ ابتسامة النصر
7/جيده ولكن ...
8/ وانت بعيد
9/ هزيمه جديده
10/ عدت الى قلبك
١١/ الاول والاخير(( الفصل الاخير))

5/ الحفله الراقصه

5.6K 142 0
By Rano2009


أواخر تشرين الثاني(نوفمبر) والحفلة الراقصة التي ستقام بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الجريدة التي يعمل بها جان مدير تحرير الأخبار فيها وقد أقترب موعدها , لورين متحمسة جدا لرفقة جان الى هذه الحفلة, وحماسها يزداد يوما بعد يوم وتعتبر موعدها نعمة كبرى.
نزلت لورين الى السوق برفقة والدتها وأنتقت ثوبا جديدا يليق بالمناسبة المرتقبة, اشترت فستانا من المخمل الأحمر , يظهر جمال وتناسق تقاطيع جسمها , دون أكمام , وقبة مفتوحة مستديرة تكشف عن قسم كبير من الرقبة والصدر , وستعيرها والدتها عقدها اللؤلؤ المكون من دورين لتجمل به صدرها.
في طريقهما الى المنزل أخبرت بريل أبنتها لورين أن أبن جيمس سيعود الى أنكلترا خلال الأيام القليلة المقبلة.
قالت لورين مندهشة:
" لم أكن أعرف أن عنده أبنا شابا".
" أنا متأكدة أنني أخبرتك ذلك, وقلت أيضا أن اسمه ماتيو".
" ما شكله؟ هل هو متزوج؟".
" رأيت صورته عند جيمس , شاب وسيم شعره كثيف ويشبه والده بوجهه المستدير البشوش .... أنه غير متزوج ولكن جيمس يتوق أن يراه مستقرا وهو في هذا العمر , أخبرني والده أن لديه صديقة حميمة في الخارج وهو يعرفها منذ سنتين أو أكثر, ماتيو مهندس مدني يقوم ببناء الجسوء في خارج أنكلترا".
وعندما وصلتا الى المنزل دخلت لورين الى غرفتها وأعادت تجربة فستانها الجديد وهي مسرورة فرحة, وقفت في غرفة والدتها تعيد النظر اليه في المرآة عندما سمعتا صوت سيارة جان تقف في المدخل , دفعت بريل لورين الى غرفتها وقالت:
" أسرعي يا عزيزتي وبدلي ثيابك... لا تدعيه يراك في الفستان الجديد قبل الحفلة , نريد أن نفاجئه".
بدلت لورين بسرعة فائقة وعادت الى ثيابها التي كانت ترتديها في السوق, ونزلت من غرفتها باتجاه غرفة الجلوس , التقت جان في طريقها , بصحبة فتاة أخرى غير مارغو ولكنها تفوقها أناقة وأنوثة وأكثر شموخا وتكبرا , لم يدع جان الفتاة تتكلم بل دفعها بسرعة الى داخل غرفته وأغلق الباب دونهما.
قالت لورين في نفسها: أنه وردة جديدة في حديقته... وأحست وجعا أليما في قلبها وحزنا في كيانها , بقيت الزائرة الجديدة مدة طويلة معه في الغرفة , لم تسمع لورين الضحك المعتاد أو الثرثرة وحتى الموسيقى... الهدوء يخيم كليا على جو الغرفة , وكانت تفضل لو تسمع الضجيج والقهقهات ورائحة السكائر تنساب عبر الباب المغلق أكثر بكثير من هذا الصمت المخيف... الذي غالبا ما يلف المحبين والعاشقين.
وبعد مدة طويلة خرج جان بصحبة الفتاة وأوصلها الى الباب الخارجي مودعا , وعاد الى غرفة الجلوس حيث التقى لورين وبادرها قائلا:
" أهلا لورين".
لم تجب, نظرت اليه نظرة حادة غاضبة وكأنها لا تصدق ما الذي يجري حولها, حدق اليها وقال متسائلا:
" لماذا؟ هل تغارين؟".
قالت بنزق:
"ولم أغار؟ أنت لا تعني لي شيئا البتة , لا تخدع نفسك وتعتقد أن سحرك لا يقاوم ... فأنا لست وردة في حديقتك...".
كانت لورين تريد أن تسخر منه ولكن الألم كان يعصر فؤادها , دخلت الحمام تحتمي فيه وأطلقت لدموعها العنان , وبقيت تغسل وجهها من الدموع المتساقطة رغما عنها حتى هدأت نفسها وارتاحت , دخلت سريرها تحاول النوم ولكن النوم جفاها...
وفي صباح اليوم التالي التقاها جان وهو في طريقه الى عمله, قال يخاطبها كأن الحديث بينهما لم ينقطع منذ البارحة:
" اذا كنت تصرين على معرفة ما كنا نفعل البارحة... كنا ننجز بعض الأعمال الصحافية...( وسعت لورين عينيها غير مصدقة) واذا نظرت الى يا آنسة فارس هذه النظرة كأنك لا تصدقين ما أقول, فحماقتك لا حدود لها...".
احمرت لورين خجلا بل غضبا, وصعقت من وقاحته في مخاطبتها وركضت تلملم أذيال الخيبة والمهانة.
وبعد بضع ليال قالت بريل تحادث أبنتها:
" لقد قابلت ماتيو...".
" ماتيو؟".
" أنه ابن جيمس , هل تذكرين؟ أنه شاب مهذب وقد دعوته للعشاء مع جيمس في الأسبوع القادم, في الليلة التالية للحفلة الراقصة لأهل الصحافة".
" صحيح, حسنا. سأكون جاهزة للقائه".
وصل موعد الحفلة الراقصة, كانت لورين تترقب بلهفة كبرى حلول الموعد كطفلة صغيرة, أرتدت ثيابها بمساعد ة والدتها وبحماس واضح, كانت تلبس تنورتها عندما سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتها , وعلى الفور فتح الباب وأطل جان برأسه دون أن ينتظر السماح له بالدخول , فتشت لورين عن روب المنزل لتستر به نفسها ولكنها كانت قد علقته خلف الباب.
ضحك جان ببراءة وقال:
" هل ستذهبين هكذا الى الحفلة؟ ستكونين أجمل الفتيات وأكثرهن أغراء".
صرخت لورين بصوت غاضب:
" وماذا تريد الآن؟".
" جئت لأعلمك أن هوغ سيمر عليك ليصحبك الى الحفلة".
غطت وجنتيها بيديها من الخجل وبانت جيبة الأمل في عينيها:
"ولكن... ولكن كنت أعتقد أنني سأذهب برفقتك...".
هز كتفيه وقال:
" أسف, لقد غيرت مارغو رأيها في آخر لحظة... تريدني أن أرافقها ... وما تريده مارغو تحصل عليه...".
ثارت ثائرتها وشدت على قبضة يدها بانفعال ظاهر, لم يعد يهمها أن تخفي غضبها أو أنفعالها.
بصقت في الهواء وقالت:
" أنت شهم وشجاع, أنك تحافظ على مواعيدك وأرتباطاتك وتفي بوعودك".
" من يسمعك( كان يحدق بها بنهم وخبث ويتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها) يعتقد أن أملك قد خاب...".
بقيت برل صامتة تراقب ما يجري حولها دون أن تتكلم , ولكنها أخيرا قالت بحماس:
" نعم ,لقد خاب أملها فعلا , كانت تريد أن تذهب الى الحفلة برفقتك أنت".
استدارت لورين تخاطب والدتها وقد ازداد غضبها أضعافا لتعليق والدتها:
" هذا ليس صحيحا , لا يهمني أن أرافقه".
فتحت بريل فمها مستغربة كليا ما يجري, ولكنها لم تتكلم.
قال جان:
" أهكذا؟ يراودني خاطر أكيد أن أتصل بمارغو وأعتذر منها وأصحبك أنت فقط لأثير غضبك وأزعجك".
ضحكت بريل ضحكة متكلفة في محاولة لتهدئة الجو وقالت:
" لا , لا تفعل , لا يهم الآن أن نزيد الأمور سوءا , سيصحبها هوغ".
استدار جان وخرج:
" مساء الخير يا سيدة فارس( والتفت الى لورين) سأراك في الحفلة فيما بعد".
" لا أريد أن أذهب, آسفة يا أماه ولكن حماسي قد تبخر ولم أعد راغبة في الذهاب".
قالت بريل:
" من الواضح أن أملك قد خاب يا صغيرتي , ولكن لا بأس , سترينه هناك وربما سترقصين معه أيضا...".
أنهت لورين أرتداء ثيابها وتحضير نفسها , ألقت نظرة أخيرة على نفسها في المرآة وشاهدت تعابير وجهها الحزينة , قالت في نفسها :أنا لا أريد رفقة هوغ وهو أيضا لا يريد صحبتي , كلانا يتطلع الى رفيق آخر... تجمعنا المصيبة الواحدة.
بدأت والدتها تطري محاسنها في محاولة لرفع معنوياته , استعارت لورين منديله الأحمر وربطته في شعرها متحدية.
قالت بريل:
" لماذا؟ اتركيه منسدلا أكثر ويضفي عليك جمالا فوق جملك ".
" لا أريد, أنه يضايقني وينساب على وجهي ويثير عصبيتي".
استقبلت لورين هوغ بفتور ظاهر وابتسامة متكلفة , كانت جامدة النظرات حائرة... ترد على مجاملته بكلمات تافهة لا معنى لها , قاد سيارته الى الفندق حيث ستقام الحفلة , أوقفها في المرآب , وجدت سيارة جان تقف بالقرب من سيارة هوغ , نزلت من السيارة بعد أن لفت نفسها بمعطفها الواسع , وأنتظرت هوغ حتى أقفل السيارة ومشى صوبها ووضع ذراعه وقادها الى داخل الفندق . دخلت لورين الى غرفة السيدات لترتب زينتها وتخلع معطفها وقالت تخاطب هوغ:
" سألقاك هنا بعد دقائق قليلة".
ألقت لورين نظرة أخيرة على المرآة تطمئن الى جمالها وأناقتها , كانت تظن ثوبها جميلا ولكنها بعد أن شاهدت أثواب الأخريات حولها وجدت أن فستانها يبدو بالمقارنة عاديا جدا.
قالت مارغو حين شاهدت لورين في غرفة السيدات:
" أهلا يا آنسة فارس".
كانت موردة الخدين وسحرها طاغيا بفستان أبيض واسع محلى بالكشاكش , ترتدي معه جزمة بيضاء , وتضع كذلك وردة بيضاء في شعرها.
"مساء الخير يا آنسة فرنش".
" هل هوغ معك؟".
" أنه ينتظرني في الخارج".
"حسنا علي أن أجد جان, أنه شاب لطيف , خفيف الظل ... قال أنه لا يمانع في تبديل المرافقين لنا في آخر لحظة, جان راقص ماهر بينما هوغ لا يجيد الرقص... كان لا بد من مرافقة جان بدلا من هوغ كي أتمتع بالرقص في هذه الحفلة ... وأنت لا ما مانع عندك يا آنسة فارس!".
تصرفات مارغو سخيفة وطفولية للغاية مما جعل لورين تشعر بأنها تكبرها بمئة سنة أو أكثر, ابتسمت لورين وهزت رأسها موافقة دون أن تجيب بكلمة واحدة , ثم تبعت مارغو الى خارج غرفة السيدات وشاهدتها وهي تحيي هوغ وترفع له يدها ثم تدخل الى قاعة الفندق حيث ستقام الحفلة الراقصة , وغابت وسط الجموع.

حاول هوغ اللحاق بمارغو ولكنه توقف حين لمح لورين تقترب منه, كانت خيبة أمله كبيرة أكبر من خيبة أملها... هكذا أعتقدت لورين .
أمسك هوغ بذراعها ومشى واياها في القاعة الكبرى حيث دخلت مارغو, كان يأمل أن يلتقي جان ومارغو لينضم اليهما, ولكنهما كانا في وسط القاعة ضمن مجموعة من الزملاء الصحافيين, جلس الجميع حول طاولة مستديرة يضجون بالضحك ويثرثرون.
قالت لورين في نفسها: لا أحد يستطيع منافسة مارغو ... رغباتها تنفذ على الفور, جلست مع هوغ الى طاولة صغيرة ونظرت باتجاه طاولة جان فوجدته يحدق في وجه مارغو التي كانت تردد نكتة للمجموعة , ضحك الجميع من جديد , كان الرجال يحيطون بها أحاطة السوار بالمعصم.
شعرت لورين بالغيرة القاتلة أكثر من أي وقت مضى, كادت تختنق من شدة أنفعالها وغضبها, حاولت أن تبتسم لمرافقها رغما عنها , ولكنها وجدته يحدق بمارغو من أقصى الغرفة.
قالت بعصبية واضحة:
" أريد بعض الشراب يا هوغ".
اعتذر عن اغفاله هذا الأمر وقام على الفور لتلبية طلبها , بقيت لورين تجلس منفردة وسط المدعوين, نظر اليها جان من بعيد نظرة باردة قاسية وشعرت كأنها دمية لا تروق لأحد.
نظرت حولها وهي تفكر في طريقة للهرب من الحفلة قبل عودة هوغ , كانت واثقة بأنها لو فعلت هذا فلن يفتقدها رفيقها أبدا, كل ما سيفعله هو أن يمشي باتجاه مارغو وينضم الى مجموعة المعجبين.
حضر هوغ وبيده كأس شراب الكرز, تناولته منه وشكرته بابتسامة خفيفة ولكنه لم يلحظها , أخذ سيكارة من علبته بتأن وجلس قربها يدخن, انسابت الموسيقى الراقصة وشاهدت لورين جان يسير برفقة مارغو الى حلبة الرقص ويبدو عليه المرح.
أحست لورين تشنج هوغ وهو يراقب جان يراقص مارغو ويتثنى بها مع تناغم الموسيقى برشاقة وانسجام تام, أما هي فكانت تراقبهما بشعور المغلوب على أمره , لا تستطيع أن تفعل أي شيء حيال نجاح مارغو باقتناص جان والأستيلاء عليه.
قال هوغ كأنه يقوم بواجب وهو مجبر عليه:
"هل ترقصين يا لورين؟".
قامت تسايره ودخلت واياه الحلبة , كانت تتعثر في حركتها وتجاوبها مع الموسيقى مما جعلها تطأ رجلي هوغ مع كل خطوة, وأقتصر الكلام بينهما على الأعتذار عن تعثرهما... ضحك هوغ أخيرا من ارتباكها وانتهت المعضلة مع نهاية الرقصة, عادا الى طاولتهما وكأنه ارتاح من عملية أنهكت قواه.
" هل تريدين كأسا ثانية؟".
كان هوغ يريد الهروب ولو لدقائق.
" لا شكرا, يمكنك أن تشرب أنت".
قام هوغ على الفور وتركها من جديد, غاب طويلا , تعجبت لورين من تأخره, نظرت الى طاولة مارغو فوجدته يقف قربها يضحك ويثرثر وهو بادي الأنشراح.
والآن حان الوقت لتهرب من الحفلة, وماذا ستنتظر ؟ لقد هجرها رفيقها ونسي وجودها , جملت حقيبتها وحاولت النهوض...
"ماذا تفعل فتاة شابة جميلة مثلك في حفلة راقصة دون رفيق؟ هل تحتاجين لشراب؟".
حضر رجل آخر وقال:
"هل تراقصينني؟".
حضر جان من ورائها ووضع يده على كتفها وصرخ بالشباب الذين تحلقوا حولها:
" أبعدوا أيديكم عنها. أتركوا هذه الفتاة وشأنها".
" وهل هي رفيقتك؟".
قال آخر:
" ربما هي آخر صديقة له".
قال أحدهم:
" لا , أنها ليست على مزاجه , هي نحيلة أكثر من اللزوم".
قال جان بلهجة آمرة:
" هيا يا لورين".
قامت لورين طائعة وقد بدأ قلبها يسرع في ضرباته وهي تسمعه يناديها لأول مرة باسمها ويرفع الكلفة بينهما, أحاطها بذراعيه ودفعها دفعا الى حلبة الرقص.
" شكرا لمساعدتك , لكنني لا أرغب أن أرقص".
" هذا مؤسف لأنك سترقصين غصبا عنك".
" لا يمكنني , أنا لا أجيد الرقص... يمكنك أن تسأل هوغ... ".
شدها اليه بقسوة وبدأ يعلمها كيف تتثنى مع الموسيقى , واستغرقت العملية ثوان قليلة وهو يضغط ضغطا خفيفا ويعلمها أن تتجاوب مع الأيقاع , شعرت كأنها خفيفة يطير بها يمينا وشمالا كما يريد....
"هيا تكلمي".
" وماذا سأقول؟".
" أن الصحافي لآ مبادىء أو أخلاق لديه وهاجسه الأول الجنس الآخر...".
" أنت تقول الحقيقة...".
تابعا الرقص ودار بها وسط الراقصين, ضاعت في الزمن والفكر والأحاسيس وهي بين يديه وتعطل عقلها عن العمل كليا.
شدها اليه بقسوة وتمتم في أذنها:
" قلت لك من قبل وأكرر قولي الآن, أنت حمقاء درجة أولى ...".
" وماذا فعلت الآن؟".
رفع يده ومر بها على شعرها الأملس وتحسس المنديل الذي عقصت به شعرها الى الخلف وقال:
" لقد ربطت شعرك فقط لأزعاجي أليس كذلك؟".
" نعم".
تنفست بصعوبة بعد أن ضغط بأصابعه ضغطا خفيفا على رأسها .
الموسيقى حالمة وحنونة والجو عابق خانق بعد أن انخفضت الأنوار في القاعة, فجأة عانقها جان بخشونة حتَى أنَت من الألم , رفع رأسه عنها وقهقه , ابتعدت عنه تريد الأفلات من قبضته ولكنه صمم على الأحتفاظ بها بين ذراعيه القويتين... ولما أنتهت الرقصة وتوقفت الموسيقى وسطع النور في القاعة من جديد نظرت لورين اليه وقد التهبت وجنتاها من شدة الخجل , ولكنه كان رابط الجأش كأن شيئا لم يكن.
" أريد أن أذهب الى البيت".
" لا يمكنك ذلك الآن , يجب الأستماع الى الخطب والأنخاب.. . ذهابك الآن غير لائق".
مشى بها الى طاولتها حيث شكرها بانحناءة كبيرة ساخرة وتركها وانصرف, عاد هوغ بعد قليل يحمل لها كأسا من شراب الكرز وضعه أمامها وقال:
" أرسل لك جان هذا الشراب وقال أنك بحاجة اليه(ابتسم) قال أنه يرسله لك مع حبه... وبالطبع فهو لا يعني ما يقول".
بقي الشراب أمامها دون أن تشربه ولكنها وجدت نفسها مضطرة لذلك وقت شرب الأنخاب , وذاقت طعمه فوجدته أمر من العلقم في حلقها وهي تتذكر ما قاله جان حين أرسله اليها.
تصافح الجميع وتبادلوا التهاني والتمنيات بهذه المناسبة من حياة الجريدة... ثم عاد الرقص من جديد وأمتلأت الحلبة بالراقصين والراقصات والهازجين والهازجات.
اعتذر هوغ من لورين وذهب ليراقص مارغو, وبعد قليل شاهدت جان يخطو باتجاهها , حبست أنفاسها هلعا وأمسكت بحقيبة يدها وهي تفكر بالهروب من أقرب منفذ الى الخارج , ولكن جان أدرك معنى حركتها وأسرع خطاه وأمسك بذراعها على الفور.
" ولماذا تهربين؟لماذا لا تشاركين الآخرين في المرح والأنشراح؟".
" لا أعرف كيف(قالت وهي تشد على أسنانها من غيظها) فأنا معلمة مدرسة ومحتشمة جدا...".
" بهذا الثوب الفاضح( جرها الى حلبة الرقص) وهذا الجسم المتناسق... لا يمكن لأحد أن يتكهن بأنك معلمة مدرسة محافظة. هيا ارقصي وتجاوبي وأفعلي كما يفعل الآخرون, أنسي نفسك هذه الليلة وتمتعي بوقتك, لا تكوني متزمتة رجعية...".
وأخيرا تركت نفسها تنساب مع الموسيقى وتركت له زمامها يسيرها كيفما يشاء...
" هذا ممتاز (قال مشجعا) كم أنت سريعة الفهم وتتعلمين بسرعة فائقة ( أقترب منها أكثر) أنت خلابة وساحرة".
أعتقدت أنه يسخر منها ويجاملها , ولكنها تجاهلت هذا التفكير وتابعت الرقص وهي تتجاوب مع حركاته وسكناته لأن شعورها الداخلي كان شعورا ممتعا جديدا.
وحين توقفت الموسيقى أحست بقوة سحرية تجذبها الى رفيقها وتتركها دون أرادة, أو رغبة في مقاومته , وضع يده حول خصرها ورفع رأسها بيده الأخرى, ونظر الى عينيها نظرة نفاذة أضاعت ما بقي من صوابها , وقادها الى طاولته حيث كانت مارغو تجلس مع هوغ, أجلسها لترتاح وكأنه شعر بضعفها وتخاذلها, غمرها حبه وملأ كيانها , أحست أنها تعيش زمنا مختلفا عما أعتادت ... تعيش ساعة في العمر تساوي عمرها كله.
قال جان.
" مارغو... سنبدل الرفقاء, هل لديك مانع؟".
بان الغضب على وجه مارغو ولكنها ابتسمت ومدت يديها نحو هوغ وقالت :
" لا مانع لدي يا حبيبي,هوغ هو رفيقي أليس كذلك؟ أنت لست الحصاة الوحيدة على الشاطىء( وتمتمت في أذن لورين) أنا أستطيع أن أسترده متى أرغب, والى ذلك الحين فأنا أعيره لك يا آنسة فارس(رق صوتها كأنها قطة تموء) سيكون بأمان معك ولا خوف عليه برفقتك يا آنسة فارس...".
رفع جان حاجبيه ساخرا, وابتسم وهو ينظر الى خطوط كفه كمن يقرأ خطوط المستقبل وقال:
" لا تكوني واثقة جدا مما تقولين, فأنا لست شيئا للأعارة والتأجير , أنني أنسان أملك نفسي ولست ملك أحد".
أعجبت لورين بجرأته في محاولة التملص من براثن مارغو لأستعادة حريته... ولكنها كانت تعتقد أن معركته خاسرة في النهاية ... وكما قال جان في بداية السهرية ( ما تريده مارغو تحصل عليه...".
نهضت مارغو غاضبة وجرت هوغ خلفها الى حلبة الرقص بينما وقف جان يراقبهما ****ا مبتسما.
" هل تشربين شيئا يا لورين؟".
هزت رأسها موافقة وتمتم في أذنها وهو يمشي ليجلب لها كأس الشراب:
"أسمي جان...".
" شكرا ... يا ... جا...ن... يا جان".
شرب جان كأسه وأنتظر أن تنتهي من شرابها , ثم قال كمن نفذصبره:
" أريد أن أرقص".
مشت معه فضمها ورقصا صامتين رقصة حالمة هادئة ... تمتم جان في أذنها:
" وتقولين أنك لا تجيدين الرقص؟".
" من الغريب أنني أرقص معك بليونة لم أعهدها في نفسي من قبل ...".
ابتسم ابتسامة عريضه , ولما انتهت الرقصة قالت لورين:
" أعتقد أن علي أن أعود الى البيت".
" هل تمتعت بالحفلة؟".
" نعم, تمتعت بها كثيرا ولكن أرجوك أن توصلني الى البيت".
حملت معطفها وركبت قربه في سيارته وقادها في صمت ثقيل, حين وصلا أقفل محرك السيارة وبقيا على صمتهما, أحست بتشنج وتوتر في كل عصب من أعصابها لوجوده قربها , أمسك بذقنها بين أصابعه وأدار رأسها اليه, جنت ضربات قلبها وازداد خفقانه, وصلت يده الى عنقها من الخلف وأفلت المنديل الذي عقصت به شعرها , وللحال انسدل على كتفيها ووقع المنديل الى أرض السيارة.
مد يده بحنان وضمها اليه, غاصت في بحر العاطفة الهوجاء وغرقت في لججه , حاول أن يتراجع قليلا ولكنها تشبثت به كما يتعلق الغريق بدفة النجاة, وهي مسحورة مسرورة وقد أفلتت لأحاسيسها العنان فطارت بها الى السماء السابعة... ولم تعد تريد أن تفكر بشيء... تراجع كل منهما الى مقعده وبقيا صامتين مبهورين.
تمتم جان:
" يا الهي...".
وكررها عدة مرات.
أسندت لورين رأسها الى مقعدها وأغمضت عينيها وبقيت صامتة, وبعد وقت قليل تمالكت توازنها واستعادت طبيعتها المحافظة وارتبكت كثيرا وهي تستعيد في ذهنها ما حل بها وما شعرت به...لقد استسلمت لعواطفها كليا وتركت نفسها على سجيتها دون رادع , ارتبكت أكثر لأنه أحس تجاوبها مع عاطفته دون الحاجة بها الى الأفصاح ... لقد لمس تعلقها به وحبها الذي لا يعرف حدودا.
أدركت أخيرا أنها دخلت حديقته بارادتها ... دخلتها دون أذنه, دخلتها رغم معارضته السماح لها بالدخول.
قالت وهي شاردة الذهن:
" آسفة, لقد دخلت حديقتك سهوا, لقد كبرت وأينعت تحت رعايتك الخبيرة في الورود , أليس كذلك؟ بقي أن تقطفني وترميني كالأعشاب اليابسة( حاولت أن تفتح باب السيارة لتخرج) سأوفر عليك التعب, سأخرج من الباب الصغير الخلفي وسأغلقه ورائي , كن مطمئنا فلن أدخلها مرة ثانية( خرجت من السيارة وأكملت ) شكرا لأيصالي الى المنزل وعمت مساء".
" عمت مساء يا لورين".
صوته دافىء هادىء ومتوازن وهو يودعها ... أدار محرك سيارته من جديد وغاب وسط العتمة..

Continue Reading

You'll Also Like

658 138 27
الجو غائم ؛ السماء مكفهرة ، تنذر بهطول أمطار غزيرة ، مع عاصفة رعدية شديدة .. مكان مقفر و خال ،فيلات راقية متطرفة وسط حدائق أشبه بالغابات .. شارع طويل...
33K 779 16
منقول / مكتملة رواية للكاتبة : كارول مورتيمر 📖☕💖 المليونير الإسباني اليخاندرو سانتياغو رجل وسيم جدا ، يحصل دائما على ما يريده . عندما اكتشف أن لدي...
5K 465 36
اتعلمِ ما يحزننى .. أنهم جادلونى بكِ مراراً ، كثيرا ما أصمت ولا أتكلم وكثيرا ما أتألم .. وما اتوجع ، ولكن ما أصعب أن يكون الوجع وجع القلب . أوهمتك با...
3.3K 186 42
"العشق هو ماء الحياة والعشيق هو روح النار "