8/ وانت بعيد

5.4K 125 2
                                    


آخر يوم من الفصل الدراسي والجميع تعبون مرهقون ينتظرون العطلة بفارغ الصبر, لقد انتهت أمتحانات الفصل, والتلميذات ينتظرن موسم الأعياد والميلاد لينلن بعض الراحة من هموم الدراسة , أرادت لورين أن تطرح موضوع الصحافة عليهن للمحادثة وفي اعتقادها أنه سيطرد الملل من رتابة الدراسة , ويجلب بعض البهجة والمرح لنفوسهن , دخلت الصف وقد ملأت حقيبتها بالجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية.
من الصف الأول التكميلي الى صف المتخرجات , تجاوبت التلميذات معها بحماس ورغبة , فرشن الجرائد على الأرض ودرسن أسلوبها وتبويبها وحاولن تصنيفها وتحديد أهدافها ونوع قرائها.
لاحظن كيف تكتب القصة الواحدة بطرق مختلفة بين جريدة وأخرى , فانَ أسلوب السرد وتراكيب الجمل وقصرها , وعدَدن مقاطع الكلمات وحروفها بين المجلات الأسبوعية والجرائد اليومية.
قصصن تقارير الحوادث التي مرت بهن ووضعنها على ورق مقوَى وعلقنها على خشبة الأعلانات في الصف, استطاعت لورين أن تقودهن في آداء هذه التمارين باتباع الملاحظات التي قدمها جان , وكذلك ناقشت واياهن بعض الآراء , مثلا: كيف تساعد الجرائد اليومية في تكوين الرأي العام؟ كيف يمكن لبعض الجرائد المأجورة أن تدس معلومات مغرضة على أنها حقائق مسلم بها؟
" في الفصل المقبل سيكون عليكن تقديم تقرير عن صناعة الصحافة ( ثم أقترحت) في الوقت الحاضر عليكن دراسة ما أمكن من الجرائد اليومية ومطالعتها بما تسمح به ميزانية كل تلميذة لشراء الجرائد".
في فرصة الساعة العاشرة أخبرت لورين صديقتها آن عن تجربتها المثيرة , تجمع حولهما بعض المعلمين والمعلمات ينظرون اليها باشمئزاز وعدم رضى, فهمت لورين أن الموضوع لا يروق لهم.
قالت أحداهن:
" لا أحد يجرؤ على تقديم ما قدمت في صفوفها".
أيقنت الآنسة فارس أن القصة ستصل الى مسامع المديرة قبل المساء, لأن أحدى المعلمات سألتها:
" هل أستأذنت المديرة لتقديم هذه التجربة في صفوفك؟ لا يمكنك أن تعتبري هذا الموضوع من ضمن المنهاج المقرر..".
اعترضت الآنسة غريمسون وهي معلمة متقدمة في السن وصديقة للرئيسة قالت:
"عملك لن يفيد التلميذات للنجاح في الأمتحانات الرسمية , وهذا في رأيي ما ينتظر الأهالي مقابل الأقساط الباهظة التي يتكبدونها في تعليم بناتهم".
قالت لورين تدافع عن نظريتها:
" ربما أنت على حق, فالموضوع لا يدخل في صلب المنهاج ولكنه يساعد الفتيات على استعمال عقولهن وتفكيرهن ويتيح لهن فرصة للتعرف على ما يجري حولهن في العالم الخارجي... خارج أسوار هذه المدرسة القديمة والمحافظة".
قالت آن:
" يا ألهي كم تغيرت أفكارك , لديك جرأة كبيرة لم أعرفها فيك من قبل, ربما هو من تأثير صديقك الصحافي عليك...".
" لقد ساعدني جان كثيرا في تغيير بعض آرائي ( هزت رأسها بمرارة) وعندما يجد الوقت لذلك, فالحسناء اللعوب مارغو تأخذ معظم أوقات فراغه".
نظرت آن اليها آسفة:
" لا بد أنك تجابهين منافسة عنيدة , أنها حسناء فاتنة, أنيقة الملبس وتملك جاذبية لا تقاوم ولا ينقصها سوى الذكاء.... وعندما تتحلى الفتاة بجميع تلك الصفات فلن تحتاج للعقل".
أخبرتها لورين ما حصل معها حين كانت تعمل على هذه الملاحظات في غرفة جان, وكيف حضرت مارغو واستولت على أنتباهه عنوة....
عبست آن:
" ولماذا رغب في أبقائك معه؟".
" فقط ليزيد من لهيب غيرتها... أليس كذلك؟".
" ولكنه لا يحتاج لذلك. فهي دائما تشده اليها متى رغبت , وحتى حين تنبهر برجال آخرين لا تتخلى عنه , لقد اعترف هو بذلك , هناك لغز محير , على كل يا عزيزتي , تخلصي منه وأطرديه من كيانك وتفكيرك ... هذه نصيحة من صديقتك آن , أبعديه عن حياتك وركزي أهتمامك على ماتيو, هو متيم بحبك , وينتظر أشارة منك ليتقدم لطلب يدك , أنه شاب طيب وتتمناه كل فتاة".
انتهى الفصل , وبقي أسبوع واحد قبل حلول عيد الميلاد, نزلت لورين الى السوق واشترت ما يلزمها من الهدايا , وقفت في الصف في موقف الباص تنتظر دورها لتصعد عائدة بمشترياتها الى البيت , اقتربت سيارة جان من الموقف وفتح لها الباب قائلا:
" أدخلي يا لورين".
دخلت بسرعة وشكرته , وضعت مشترياتها قربها في السيارة وتابع سيره وسط الظلام والأزدحام.
" هل تنتظرين العيد بفارغ الصبر؟".
" تقريبا , وأنت؟".
" تقريبا (ردد نفس كلماتها , ضحكا سوية ثم أكمل يقول) أنا ذاهب غدا".
كانت تعرف ذلك جيدا, ذهابه يقلقها ويزعجها ويطرد النوم من عينيها , وكيف ستفرح أو تمرح وهي تشتاق لرؤية وجهه وسماع صوته البعيد عنها؟
" وهل تشفقين على صحافي وحيد يا لورين وتقبلين دعوته للعشاء؟".
فوجئت بدعوته وطريقته في الكلام, وبقيت دقائق تفكر بما تجيب,
| أذا كنت مشغولة فلا تهتمي , لن أحزن كثيرا وأنت تعرفين جيدا أن عواطفي بليدة".
أجابته بتردد:
" ليس لدي ما أفعله, شكرا, يسرني أن أرافقك خاصة وأن ماتيو لن يحضر هذا المساء".
" ومارغو مشغولة في تجربة ثوب العيد الجديد".
ضحكا سوية من جديد ثم قال:
" نحن وحيدان , كلانا بعيد عن رفيقه المختار".
هزت رأسها موافقة واستدارت بوجهها تتلهى بالنظر عبر النافذة , وتشاهد المارة محملين بالهدايا والأكياس والمشتريات ينتظرون في صفوف طويلة دورهم للصعود الى الباص والذهاب الى بيوتهم.
" هل تمانع والدتك؟".
" لا , سيحضر جيمس للعشاء وبالطبع سيفضلان الأنفراد , بعد العشاء, لديهما موعد للسهرة عند صديق".
" سأمر عليك في السابعة والنصف".
قال وهو يدخل سيارته الى المرآب.
" سأنتظر سماع جرس الباب بفارغ صبر".
" بل سأقرع على باب غرفتك قرعا عنيفا خاصة اذا تأخرت دقيقة واحدة, ثم سأفتح الباب وأخطفك".
كانت السعادة تغمرها وهي تخبر والدتها بموعدها للعشاء مع جان, نظرت اليها بريل متعجبة وسألتها:
" وهل يعلم ماتيو؟".
" ماتيو؟ وما شأنه؟ على كل لن يحضر هذا المساء , وكذلك فهو لن يمانع".
" فقط كنت أتساءل يا صغيرتي... أنا ووالده...".
ركضت لورين هاربة من المطبخ حتى لا تسمع تكملة الحديث. لورين وماتيو... وماتيو ولورين... من الواضح أنهما ربطا الأسمين سوية...
أرتدت لورين ثوبها الذي أحضرته لحضور الحفلة الراقصة , كان ثوبا رقيقا وقد أعجب جان به, خرجت من غرفتها والتقته في الممر ينتظرها. نظر الى ساعته وقال:
" خمس دقائق قبل الموعد المحدد, هذا مدهش لفتاة في مثل جمالك...".
" أنا لا أحب سماع المديح".
نزلت السلالم ركضا لترتدي معطفها وتخرج معه.
" هذه مشكلتي الكبرى معك".
تمتم وهو يتبعها:
" وأنت تبدو وسيما".
" وأنا لا أحب سماع المديح".
ثم ضحكا سوية, نظر اليها وسألها:
" لا أعرف سببا لمرحك وأنشراحك ( كان ينظر اليها بخبث) ستخرجين معي وليس مع ماتيو...".
" وهل أبدو بديلة مناسبة لمارغو؟".
" لا يوجد بديل لها".
ردد الكلمات كأنه يردد دعابة في التلفزيون.
كلماته أزعجتها وخففت من فرحتها, قالت:
" الى أين سنذهب؟".
" الى مطعم الصنوبرة, مطعم حديث ذهبت اليه في دعوة صحافية أنهم يقدمون طعاما شهيا وجوَه ودي".
المطعم حديث البناء , أنواره خافتة وجوه مريح, كانت الفرحة تغمر لورين وهي تجلس بجوار جان في أريكة لأثنين وفي زاوية منعزلة, لائحة الطعام مطبوعة على شكل كتاب أنيق , ألقت لورين نظرة سريعة على الأسعار وقالت:
" من الواضح أن الطعام باهظ الثمن يا جان".
" أنا سأدفع يا لورين, هيا أختاري ما تريدين, أنها فرصة سانحة , نادرا ما يخرج الشاب مع فتاته الثانية( ابتسم أبتسامة عريضة واقترب بوجهه منها) عليك أن تقتنصي هذه الفرصة وربما لن تسنح لك مرة ثانية".
ولماذا؟ هل ستطلق العزوبية وتتزوج؟".
راقب جان لائحة الطعام التي بين يديه بامعان ثم قال:
"ربما".
" هكذا أذن( غمرها الأسى والحزن) توصلت مارغو معك الى المستحيل... لو أوقعت بك وأحكمت الطوق حول عنقك وقامت بتدريبك لأصبحت الزوج المطيع المكافح, ابتسم ابتسامته المرحة ونظر الى لائحة الطعام من جديد كأنه يقرأ نكتة وقال:
" أنت على حق, كل أمكانياتي ستنفجر بعد أن أضع خاتم الزواج في بنصر فتاتي".
حضر الخادم وطلب جان الطعام بينما حدقت لورين حولها في الحاضرين , معظمهم من العشاق الشباب , نظرات الحب والوئام تلفهم, حسدتهم على تفاهمهم بينما قررت أنها وجان يجلسان متباعدين أكثر من أي أثنين في المطعم.
قال جان:
" والآن بعد أن راقبت المحيط حولك بتمعن أدهش الصحافي الخبير , أخبريني يا آنسة فارس عن ملاحظاتك...".
هزت رأسها نفيا وسرت لأن الأنوار الخافتة ستخفي أحمرار وجهها , ولكن ارتباكها فضحها وأصر جان على معرفة رأيها قائلا:
" هيا أخبريني... لقد أثرت فضولي , ما رأيك؟".
" جو مشحون بالعواطف , وهذا يؤثر كثيرا على الآخرين".
" ماذا أيضا ؟( نظر الى العشاق المتهامسين وابتسم أبتسامته المرحة ) فهمت سبب أرتباكك وهذا شيء يسهل تداركه".
اقترب منها حتى ألتصقت ذراعه بذراعها , تراجعت لورين قليلا .
أنزعج جان وقال:
" ولماذا فعلت ذلك؟".
" وكيف نستطيع أن نأكل ويدانا متلاصقتان؟".
ضحك جان لتعليقها وقال:
" هذا كل ما في الأمر, أذن سنعود ونتقارب وقت تناول القهوة( نظر اليها يستفزها) أنا دائما مستعد للأقتراب ما أمكن من فتاة فاتنة".
كلمات قاسية وجارحة , هي بالنسبة اليه فتاة, أي فتاة, فتاة دعاها للعشاء حين تعذر عليه العشاء برفقة مارغو.
أنتهيا من تناول الطعام وشرب القهوة, أحست بيده تلامس شعرها المنسدل وتداعبه بحنان, ثم زحف بذراعه وأحاط خصرها , تشنجت ولم تدر ما ينتظرها , تمتم باسمها بحنان: لورين... لورين.
استدارت اليه ولاحظت أنهما ليسا وحدهما , لقد انتصب رجل طويل أمامهما.

روايات احلام/ عبير : لا احد ســــواكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن