Nuckles land | أرض نوكلس

By Rawan--Almasri

55.7K 7K 1.5K

عندما يقرر وريث عرش مصاصي الدماء أن يتمرد على قرارات عائلته، وأن يقحم في حياته أشخاصاً لا يتقبلهم بنو جنسه.. ... More

أرض نوكلس
قبل البدء
1 |خطوات في الجحيم|
2 |مصاص دماء، بشري، ذئب|
3 |الوريث الذي يعود لملكه|
4 |حياة ضائعة|
5 |الشاب الذي يعيش في الظل|
6 |حقد الأشقاء|
7 |معركة الملكيين|
8 |حاكم العائلة|
9 |القائد الذي لا يخسر المعركة|
10 |صاحب الابتسامة الجميلة|
11 |مدينة مصاصي الدماء|
12 |محادثة "إخوة"|
13 |الوثيقة ذات الحواف الحمراء|
14 |مصاص الدماء في الجامعة|
15 |ملاك عائلة هييل|
16 |الأم التي لا تملك أطفالاً|
17 |مسكن الأطفال البدائيين|
18 |شهرين في المنزل|
19 |مزرعة الخيول|
20 |مجموعة الملكيين|
21 |الغريب|
22 |الوريث الذي لم يرغب بذلك|
23 |قرار العشر سنوات|
ملاحظة
24 |أرض مصاصي الدماء|
25 |الحكام المختلفين|
26 |وحش|
27 |انهيار|
28 |شاب فاسد|
29 |مدينة الشياطين|
30 |خدوش|
31 |قبل خطوةٍ من الموت|
32 |مدربة ابنة الحاكم|
34 |الطفلة التي كبرت بسرعة|
35 |رجال مثقلون بالحب|
36 |شركة زد المعمارية|
37
38 |حياة بلا حدود|
39 |حديثٌ عن الحب|
40 |عائلة الأعمال الأسوأ|
41 |حصان ذو لونين|
42 |مرحباً بكِ في عالمي|
43 |الوريث المختل|
44 |مهووس|
45 |البطل الذي ذهب بعيداً|
46 |جانب لطيف|
47 |ليلةٌ مزينةٌ بالأضواء|
48 |رقصات الليالي المقمرة|
49 |ذكريات مصاصي الدماء|
50 |فجوة أربعين عاماً|
51 |انهيار الرجل القوي|
52 |قريبة وآمنة|
53 |الفتاة التي تحمل الحب|
54 |النهاية|

33 |عناق في الظلام|

743 102 18
By Rawan--Almasri

مساء تلك الليلة، فتحت عينيها ليقابلها سقف غرفتها الغارق بالظلام، عرفت أن الليل قد حل، مما دفعها لتضع يدها على عنقها بتردد، تتحسس مكان ضربة آلفيس، كانت واثقةً أنه لم يستخدم ربع قوته، ومع ذلك فقد تركها مغمىً عليها لساعات..

نهضت بصعوبة، تشعر بألمٍ في ظهرها وكتفها وجسدها بالكامل تقريباً، ووسط الظلام لمحت الهيئة التي تجلس على كرسيٍ مكتبها، مستندٌ بيده على الطاولة وينظر لها، بأعين مصاص دماءٍ سوداء تلمع حتى في الظلام..

"أبي.." قالت بتردد، لم تكن تنادي آرمور بهذا الاسم إلا فيما ندر، كانت تتعمد ألا تناديه تقريباً، ولكنها حين تضطر فهي تقول له أبي، وكان يسمعها، ويشعر بها تسقط في قلبه قبل حواسه..

"سيما.."

نهض من مكانه ليجلس على السرير بجانبها، عينيها تطالعه ببراءة، تتنظر منه أن يصرخ بوجهها ويوبخها كما فعل آلفيس، تنتظر منه أن يقول شيئاً حول آلفيس نفسه، ولكنه فقط تنفس بعمق، راقبت ما تستطيع أن تراه من ملامحه من ضوء القمر المتسرب من النافذة، كان وجهه يرسم تعبيراً حيادياً، لم تستطع أن تفهمه..

"أخبرتني ميردا أنها كانت تعلمك.."

ابتلعت ريقها ولم تجب، لم تناقشه بالأمر من قبل، ولكن ميردا أخبرتها أنه سيرفض، وقد أخذت كلام المرأة بثقة لأنها تعرفه منذ فترةٍ طويلة..

"من كان يعرف بذلك أيضاً غير ميردا ولوسيوس؟"

"كريستوفر.."

"توقعت.." تمتم ساخراً، يشعر بالقهر من نفسه لأنها كانت تخفي عليه ذلك، وأضافت بسرعة "شاهدنا صدفة وطلبت منه ميردا أن يلتزم الصمت، لم أخبره بنفسي.."

"كان سيفعل ذلك لو لم تطلب منه، لم يكن يحب أن يخبرني بأي شيء.."

لم تجبه مجدداً، كانت تكره أن تناقشه حول أي شيء متعلقٍ بكريستوفر، لأنها كانت قريبةً منه طوال العشر سنوات الماضية، وكان يمكنها أن تقدر أن آرمور قد أساء له أكثر مما فعل الأصغر.

"لو عرفتُ بذلك في وقتٍ سابق لمنعتُكِ.."

"لا تفعل.." خرجت الكلمة بسرعة ثم تراجعت قليلاً وأضافت بصوتٍ هامس "من فضلك.."

في حالاتٍ مثل هذه، كان يجهل إن كانت حقاً قد بلغت العشرين، فطفلة العشر سنوات التي كانت تلعب الورق مع كريستوفر كانت تشبهها أكثر من ذلك..

"مازلتِ تتدربين حتى الآن؟؟"

"أتغيب عن حصص تاريخ مصاصي الدماء من المدرسة وأذهب لمركز التدريب، هذه الحصص الوحيدة التي لا يحاسبونني بها، يظنون أنني أذهب لأنني غير مهتمة ولكنني كنتُ أقرأ الكتب لاحقاً في المنزل.."

"كم كان عمركِ عندما بدأت ميردا تدربك؟"

"منذ البداية.."

كان غافلاً عن ذلك لعشر سنواتٍ كاملة، ولم يكن بوسعه سوى أن يلوم نفسه، لو كان هناك ما يستحق اللوم عليه، لأنه من كان يذهب لفتراتٍ طويلة ويتركها برفقة ميردا، لم تكن ميردا أمها، وقد نبهه لوسيوس منذ البداية أن الفتاة تحتاج إلى أم، لذا علمتها ميردا ما كانت ستعلمه لأطفالها، أن يكونوا محاربين بارعين من البداية.

"لو أنني عرفتُ قبل ذلك لأوقفتُكِ، لا أريدكِ أن تتعبي، أو تتعرضي للخطر.."

أعاد الجملة مجدداً وأخفضت رأسها تشد على يدها، لم تكن تتعب، لم تكن بخطر، كانت بالحقيقة سعيدةٌ جداً، ولكن آرمور لم يكن ليفهم ذلك، لذا التزمت الصمت..

"أخبرني آلفيس أنه لولا ذلك لكنتِ ميتةً بالفعل ولما استطاع مساعدتكِ في الوقت المناسب، أثنى على تدريبكِ وحركاتكِ، لذا أعتقد أنه بعد عشر سنوات لم يعد بوسعي أن أوقف أي شيء، ولا يمكنني أن أطلب من ميردا أن تتوقف بعدما حصل اليوم.."

نظرت نحوه بأعينٍ لامعة، كانت سعيدة أنه اتخذ قراراً مثل هذا، رغم أنها تعلم في قرارة نفسها أن آرمور الذي تعرفه سيعاقب ميردا باعتبارها أحد أتباع عائلته، ولكنه لن يتجرأ أن يقسو بسبب لوسيوس..

"من الجيد أنكِ بخير، احظي بقسطٍ كافٍ من النوم.."

قال وهو يقبل رأسها ثم خرج من الغرفة، كان عليها أن تشعر بحنانه عليها، ولكنها شعرت بالضيق يحتل قلبها، كان ذلك مزعجٌ جداً، بشكلٍ لم تستطع تحمله..

نهضت من مكانها لتستحم، بينما تضع جسدها تحت المياه كان بوسعها أن ترى الدماء تتساقط من كتفها لتملأ الأرض باللون الأحمر، تذكرت ما حصل بالتفصيل، هجومهم عليها، وكيف غرس أنيابه في كتفها ولكنها تداركت الأمر قبل أن يتعمق لتبعده عنها..

وضعت قماشةً على الجرح تشد عليه بخفة ثم بدلت ملابسها وخرجت من غرفتها بدون أن تجفف شعرها، تسير نحو مكتبة كريستوفر التي كانت تحل مكانه هنا، تمنت لو كان كريستوفر موجوداً، لم تكن الأمور لتسير على هذا النحو بأي شيء.

فتحت الباب بهدوء حتى لا يصل الصوت لغرفة آرمور، كانت المكتبة غارقةٌ بالظلام أيضاً، رفوف الكتب التي ترتفع حتى السقف كانت تحدق بها، وبالشاب الذي يجلس على الكرسي بجانب النافذة يحدق بالخارج، بنفس الطريقة التي كان يفعلها كريستوفر دوماً..

"لم أتيتِ؟"

سألها بدون أن يلتفت لتبتلغ ريقها، ورغم أنه لم ينظر لها فقد لاحظ ذلك، كان لديه سمعٌ قويٌ بالفعل..

"تعرفين أنني سأكون هنا بعد يومٍ طويلٍ مثل هذا."

"استيقظتُ للتو.."

حرك الكرسي ليتلف نحوها أخيراً، في وسط الظلام، كان بالتأكيد يراها، كانوا كائنات الظلام، ولم تكن ستتأقلم مع ذلك أبداً..

"كيف تشعرين؟"

ذلك السؤال التي أرادت أن يسأله آرمور، ذلك السؤال الذي لم ينطقه حتى بعد مرورها بتجربةٍ مريعة، اهتم فقط بكبريائه اللعين، أن ميردا فعلت شيئاً من وراء ظهره..

مشت بسرعة لتقف مقابلاً له، نظر لها باستغراب ثم وقف يستند على المكتب وينظر لها، كان أطول منها بكثير، وجدها مجرد فتاةٍ بريئة تحدق به بعيني قطة، وتقف أمامه مباشرةً..

"عانقني.."

عينيه اتسعتا لثوانٍ عديدة على ما قالته، ثم حاول الحفاظ على تعابير وجهه لأنها كانت قريبةً منه بالفعل لترى ملامحه وكم تؤثر عليها..

"لم تقولين هذا؟"

"لأنني مازلتُ حتى الآن خائفة، جسدي يرتجف، لا يمكنني أن أوقف ذلك بنفسي.."

تمتمت بضياع وهي تلف يديها حول جسدها لينظر لها باستغراب، كان يعلم أن آرمور قضى النهار كله معها بالفعل.

"لم لم تقولي ذلك لآرمور؟"

"لأنه لن يفهمني، لقد كنتَ هناك، لقد رأيتَ كل شيء، لم أتجرأ أن أخبره أنني خائفة، لأنني خشيتُ أن أزيد من قلقه علي ويخبرني ألا أغادر المنزل مجدداً، لم أرد أن أشعره بأنني لم أستطع التعامل مع أمرٍ مثل هذا، فيكون رده بأنه لا يريدني أن أجرب ذلك مجدداً، كان يحادثني ببرود ولكنه كان خائفاً وقلقاً أيضا.

ولكني خائفة وقلقة، ليس بوسعي أن أهرب من ذلك، لا أعرف كيف أتصـ.."

"أنتِ تثرثرين كثيراً.." قاطعها بينما يمد يده نحوها، يسحبها إليه ويحيطها بذراعيه بقوة، رغم أنها من طلبت منه ذلك، ولكنها ترددت، إلا أنه لم يتركها، بقي هكذا، هادئاً جداً، خلال الثواني الطويلة التالية، لا يسمع سوى صوت أنفاسه الباردة وأنفاسها السريعة في المكان.

لم يعانق فتاةً من قبل، ربما لم يعانق أي شخصٍ في الحياة سوى مرةً أو اثنين، وليس بهذه العاطفة التي يحملها الآن..

كان بوسعه أن يشعر بنبضات قلبها القوية، لم يكن يعرف ما الذي عليه قوله، لم يخض تجربةً مثل هذه من قبل، أن يكون طرفاً ضعيفاً، وتهاجمه تلك الكائنات المخيفة التي تسعى لقتله قبل أي شيءٍ آخر..

كيف يكون ذلك الشعور؟ أن تكون مهزوماً ومهدداً وعلى وشك فقدان حياتكَ بالكامل، أن تشعر بالألم ولكنكَ تقاتل باستماتةٍ لتحافظ على حياتكَ رغم أنكَ تكره الألم..

حاول أن يتخيل ذلك، أن يضع نفسه مكانها حتى يفهمها، ولكنه لم يستطع، لم يكن هكذا، لم يكن هذا التخيل يشبه آلفيس بين لا بشخصيته ولا بقوته، ولا بطريقة تعاطيه مع الأمور، لذا لم يكن بوسعه سوى أن يتبع ما قالته حرفياً، ويعانقها، دون أن يجد أي كلمةٍ يواسيها بها..

"لا بأس، أنتِ على ما يرام الآن.." همس بما يمليه عليه قلبه، ليشعر بها تمسك قميصه بكلتا يديها بقوة حتى تجعد تماماً، ترتجف بالكامل، لقد كان هناك، لقد رآها تعاني، ربما كانت محقة فهو الشخص الوحيد الذي يفهم ذلك الآن، حتى وإن لم يعشه، وإن لم يستطع تخيل نفسه مكانها، ولكنه يعرف كيف كان الأمر، وكيف مر عليها..

"لقد كنتُ خائفة، شعرتُ بالألم، والرعب، لم أرد أن يتكرر ذلك مجدداً.."

"لن يتكرر، ستكونين بخير.."

لم تعلم لم كانت تشعر بالأمان برفقته الآن، صحيحٌ أنه الشخص الذي أنقذها، ولكنه بدوره وبخها وصرخ بوجهها، تشاجرا تقريباً، وقد سبب لها الكثير من الألم أيضاً.

ربت على ظهرها، ورفع يده ليلمس عنقها ليشعر بها تتراجع للوراء قليلاً، توقف لثانية يحدق بها قبل أن يقول "استديري.."

وضعت يدها على ذلك المكان تشد عليه بخفة تخفيه عن نظراته مما جعله يشعر بالقلق يتسلل له، لو أنه وجد هناك علامة أنياب فسيقلب المدينة بحثاً عن أولئك الشابين، وسيجعلهما يتمنيان الموت حقاً..

"سيما.."

كانت المرة الأولى التي يقول بها اسمها بشكلٍ مباشر، أدارت عينيها في المكان تحاول أن تتجنب النظر له ليقول "ماذا هناك؟"

لم تجبه مما دفعه ليتحرك من تلقاء نفسه، يستدير وراءها وبيده أزاح خصلات شعرها الطويل ليرى عنقها من الخلف، وتجمد بمكانه للحظات قبل أن تتحرك تعيد شعرها وتخفيها.

استدارت نحوه وقالت بجدية"توقف عن النظر إلي هكذا."

"كان ذلك بسببي.."

"لقد مر ذللك."

"لم تعترضي، ولم تتذمري!"

"لقد ساعدتني.."

"وآذيتك.."

"أعلم ذلك.." أجابته بتردد، لم تكن نفسها تعلم سبب لجوئها إليه رغم أنه قد آذاها تقريباً، كانت تعلم أنه لن يكون قادراً على وضع وجهٍ آخرٍ على ملامحه لأجلها..

لأن جزءاً منها كان يعلم أنه كان شخصاً قاسياً من الداخل، لم يكن بوسعه أن يتصرف بلطف..

لقد رأت أشخاص مختلفين بحياتها، كريستوفر كان مقرباً جداً منها ومن آلفيس، كان يتصرف بقسوة في كثيرٍ من الأحيان، ولكنه كان يملك جانباً حنوناً، وداخله كان هشاً ولطيفاً للغاية..

أما آلفيس فقد كان قاسياً حقاً، كان يعرف كيف يؤذي الآخرين، ولم يكن يهتم حين يسبب لهم الألم، كانت تلك القساوة التي يظهرها للعالم حقيقيةٌ في داخله.

لذلك لم تفهم لم كانت تلتجئ لهذا الشخص القاسي، ذو القلب الحجري، آلفيس لم يكن يملك اللين الذي يحتاجه شخصٌ مثلها حالياً، كان صلباً من الداخل، حتى أنها تجد صعوبةً بأن تضع رأسها على صدره وتسمع ضربات قلبه..

ولكنه فعل.. أطلق تنهيدةً طويلة وسحبها لعناقه مجدداً يضع رأسها أسفل كتفه ويربت على ظهرها بخفة، لم تتمسك به هذه المرة، وإنما التزمت الصمت، تحاول أن تداري ما تبقى من مشاعرها السيئة بمزامنة أنفاسها المتسارعة مع الهدوء المحيط به.

"أنا آسف.." قال بتردد لترفع عينيها تنظر إليه باستغراب فتنهد وأضاف "لا تنزعجي لأنني أقولها بدون عاطفة، أنا لم أعتذر لأحدٍ من قبل."

"ولا مرةٍ في حياتك؟"

تساءلت بفضول وهي تبتعد عنه ليحرك رأسه إيجاباً فرمشت عدة مرات تحاول استيعاب ذلك قبل أن تسأل مجدداً "ولا أي مرة؟ ولا حتى والديكَ أو إخوتكَ الأكبر.."

"لا"

"لم تتشاجروا؟"

"تشاجرنا آلاف المرات، ولكنني لم أعتذر.."

"حقاً؟"

"لم تكن علاقتي بهم جيدة."

قال بهدوء ليجدها تنظر له بنفس النظرات المستغربة فضحك وقال "توقفي عن النظر لي كزومبي.."

"أنتَ مصاص دماء.."

"إلهي.." قال وهو يضع يده على رأسه، وبشكلٍ ما.. وجد نفسه يضحك على ذلك قليلاً، الأمر الذي دفعها لتبتسم مجدداً، كان آلفيس يعرف كيف يضحك ضحكةً حقيقةً إذاً..

"أنتِ تتصرفين بطريقةٍ غريبةٍ أحياناً.."

"لأنني أقضي معظم الوقت وحدي، أعتقد أنني أشعر بالملل من التصرف كراشدة.."

قالت وهي تتراجع لتجلس على إحدى الأرائك في منتصف الغرفة، وبدوره أشعل شمعةً صغيرةً على الطاولة مضيئةً المكان متجاهلاً الأضواء في السقف، وهو يجيب "أنتِ محقة، مازلتِ في العشرين."

"وأنتَ تتصرف كعجوز تضيء الغرفة بالشموع، هناك كهرباء كما تعلم.."

"هذا النوع من الأضواء يزعجني، طالما لستُ مضطراً للتعامل معه، فأفضل الابتعاد عنه."

"ليس لديك هاتف؟" قالت بفضول، فهي لم تره يمسك واحداً من قبل، رغم أنها رأت كل حكام أرض نوكلس يفعلون.

"لدي، ولكنني لا أستخدمه، لا أحبه كثيراً."

"أين هو؟"

"لا أعلم، في مكانٍ ما في غرفتي، عندما أحتاجه سأبحث عنه."

ضحكت قليلاً بسبب ذلك ثم تنهدت طويلاً وهي تنظر للسقف، جلس على كرسي المكتب مجدداً ينظر نحوها من وراء لهب الشمعة الصغيرة حتى قال أخيراً "أنتِ تضحكين كثيراً اليوم."

"هل أفعل؟"

"أكثر من المعتاد، هل هذه ردة فعل عن تعرضكِ لمحاولة قتل؟"

"أجل.. لقد بكيتُ للتو، وقد رأيتُ أن شيئاً لم يتغير.. ولكن على أي حال.." صمتت لثوانٍ ثم نظرت له وأضافت بتردد "شكراً لك، كان ذلك مريحاً.."

عينيه اتسعتا قليلاً، لم تتوقع أن تقول له هذا، كانت تبدو محرجةً بعض الشيء، وجهها محمرٌ قليلاً، وتساءل إن كانت جادةً بذلك، لم يخبره أي شخصٍ طوال حياته أنه كان مريحاً، أو أنه تصرف بلطفٍ تجاه أي شيء، كان يجرح الآخرين دوماً، ولقد جرحها هي أيضاً حين حاول إنقاذها، ولكنه أدرك أن بوسعه أن يداوي قليلاً أيضاً.

"أنتِ مثيرةٌ للاهتمام يا فتاة.." قال فجأة ليحمر وجهها أكثر، زفر مرجعاً ظهره للوراء بينما ينظر نحوها ويقول "لقد عشتُ لسنواتٍ طويلةٍ للغاية، ولكنكِ تجعلينني أقول وأفعل أشياء لم أفكر بها من قبل."

"هل هذا جيد؟" سألته ليحرك كتفيه ويرد "لا أعلم، ولكنه يمنحني شعوراً جيداً، وحتى الآن.. هذا جيد."

"هل تقول أنني أمنحكَ شعوراً جيداً؟"

لم تعلم كيف أتتها الجرأة لتسأل هذه الأسئلة، ولكنها ربما لن تحظى بأي فرصةٍ مطلقاً ليخبرها آلفيس عن مكنونات نفسه، لذا أرادت أن تستغل ذلك.

"ليس أنتِ، وإنما .. النظر إلى نفسي حين أكون معكِ يمنحني شعوراً جيداً، أتصرف بطريقةٍ مختلفة."

"طريقةٍ مختلفة؟"

"يمكنني أن أقول.. أنني لا أكرهني حين أكون معك."

بدا على وجهها الدهشة ليضحك باستهزاء يمرر يديه في شعره الطويل يعيد خصلاته بعيداً عن عينيه وهو يقول "تجاهلي أفكاري المجنونة من فضلك، لقد بدأتُ أهذي.."

"هل تكره نفسك بالعادة؟" سألته بهدوء متجاهلةً تماماً طلبه بتجاهل أفكاره، زفر بضيق وبدا عليه عدم الراحة قبل أن يضع ذراعه على الطاولة مسنداً رأسه عليها ويقول "أنا لا أكره نفسي، أنا أشتاق لنسخةٍ قديمةٍ مني، لا يمكنني العودة إليها.."

"أي واحدة؟"

"قبل أن يتهرب إخوتي وأصبح وريث عائلة بين، قبل أن أكرههم تماماً، رغم أنني في ذلك الوقت كنتُ شخصاً سخيفاً تماماً، لا مبالياً، فارغاً من كل شيء، وفاسداً تماماً، أنا أفتقد هذا الشخص الذي كان لا يهتم لأي شيء، لأنني الآن متعبٌ من كل شيء، وأشعر بالصداع لأنني أعطي لعنةٍ لأي تفصيلٍ صغيرٍ حولي، وأكره هذه الحياة تماماً.."

كان يفكر بهذه الأشياء منذ وقتٍ طويل، منذ أكثر من مئة سنة، ولكنه لم يقلها لأحدٍ على الإطلاق، ربما لم يقلها لنفسه وهو ينظر للمرآة، ولكن حينما نطقها بصوتٍ عالٍ، شعر أنها حقيقةٌ تماماً..

"ربما تقول هذا، ولكنني لا أتمنى أن تعود لذلك الشخص الذي كنتَ عليه، سخيفاً وفارغاً وفاسداً، ربما أحب أن تكون آلفيس الذي يهتم.."

"حسناً.. لم أحب ذلك الشخص أيضاً، والسبب الذي يجعلني أفتقده أنني لا أحب ما أنا عليه الآن بنفس القدر."

"إذاً.."

"البقاء معكِ يجعلني في مكانٍ ما في الوسط، بعيداً تماماً عن كلٍ منهما، لا أكون بذلك السخف والمراهقة الغبية التي كنتُ عليها، ولا أتصرف كراشدٍ مثقلٍ بالأعباء، أكون شخصاً طبيعياً، لا يحمل أي أفكارٍ أكبر من قلبه، وينظر للطرف الآخر واضعاً كل اهتمامه في محادثةٍ بسيطة مهما كانت سخيفة، وأتفاعل مع كل شيء دون أن يثقلني، أنا لا أكره ذلك.."

ابتسمت قليلاً لكلماته، عينيه تلمع بحنو في الظلام، كان يتحدث بمودةٍ أخيراً، كان يحب نفسه لمرةٍ في الحياة، وكانت السبب في ذلك..

"لا تتغير مطلقاً إذاً.." قالت بهدوء، وابتسم بخفة، لم يقل لها أي شيءٍ بعد ذلك، بقيا في المكتبة وسط الصمت والهدوء حتى غفت على الأريكة وبقي جالساً على الكرسي حتى الصباح..

ولكنه كان يفكر بكل ما حصل في الأيام السابقة، كيف استطاعت هذه الفتاة أن تفعل الكثير في فترةٍ قليلةٍ جداً، وكل الكلمات القديمة التي دارت بينهما كانت تتزاحم في رأسه..

"لا تتغير مطلقاً إذاً.."

"ابقي قريبةً وآمنة، وسأتكفل بكل شيءٍ آخر.."

«اغفر لعائلتكَ لأنهم لم يحبوكَ بالطريقة التي كنتَ تريدها، واغفر لنفسكَ لأنكَ بحثتَ عن الحب في جميع الأماكن الخاطئة.
-﮼انذرنيكوس»

«المكان الذي أتيتُ منه، لا أريد العودة إليه
المكان الذي نذهب إليه، لا أريد الوصول له
هذا الطريق جميلٌ جداً، آمل ألا ينتهي هذا الطريق أبداً»

...

To be continued

R.M

...

تصبحون على سعادة جميعاً❤️

Continue Reading

You'll Also Like

279K 19.5K 51
.. كل ما اردته هو حب ابي لكنني لم احضى به قط وعوضاً عن ذلك وجدت نفسي في عالم آخر، عالم دائماً ما عشقت القراءة عنه في الكتب وهاتفي .. ووجدت نفسي بين...
4K 437 32
الثلاثون من ابريل عام 2090م بعد الإبلاغ عن حادث إختطاف من طرف مجهول عصر اليوم الحالى أسرعت الشرطه إلى المزعوم أنه موقع الإختطاف . . . . لم يتم العث...
1.1M 52.2K 27
اغرقيني في حبك دعيني ارتشف من عشقك لاتحاولي ابعادي لأنني أصبح متملكا هذا لا يعجبك "كوني عطر حياتي لذلك فل تقبلي بي حتى و ان كنت مصاص الدماء " 🍷احب ا...
83K 2.3K 48
#بقلم احمد آل حمدان وفي يوم رحل زوجها، فقالت: وأنا ماذا أفعل عندما أشتاق إليك؟!، لم يُجبها زوجها "بحر" عن سؤالها، و اتجه نحو الباب مغادرًا، أدار قبض...