𝖙𝖍𝖊 𝖈𝖔𝖑𝖉 𝖉𝖆𝖓𝖈𝖊 ꕤ...

By _Amiss_Ar

836K 47.4K 16.8K

كل سنة تختار شجرة الاقدار مجموعة من الفتية والفتيات لتجمع بينهم في رابطة زواج مقدس ، إنهم شبان من نخبة فصائل... More

◦•●◉✿ البداية ✿◉●•◦
◦•●◉✿ مقدمة ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 1 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 2 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 3✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 4 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 5 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 6✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 7✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 8✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 9 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 10 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 11 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 12 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 13 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 14 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 16✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 17✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 18✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 19✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 20 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 21 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 22 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 23 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 24 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 25 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 26 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 27 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 28 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 29 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 30 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 31 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 32 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 3 3 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 34 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 35 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 36 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 37 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 38 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 39 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 40 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 41 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 42 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 43 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 44 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل الأخير ✿◉●•◦
تنويه

◦•●◉✿ الفصل 15 ✿◉●•◦

16.3K 1K 457
By _Amiss_Ar




بدت آنسيا مذعورة في البداية وهي تراقب جايد يغمس أصابعه في شرائح اللحم ويتناولها دون استخدام الشوكة والسكين الموضوعين أمامه .

لم يكتفي بقطعة واحدة بل ظل يحشو فمه بالقطعة تلو الأخرى الى أن أنهى الصحن .وقف بجانبه الهيكل العظمي المكلف بخدمته وسأله بصوته العجائبي الشبيه بطقطقة العظام :"المزيد يا سيدي ؟".

حرك جايد رأسه بالإيجاب وعيناه تنظران الى آنسيا براحة تامة .وبسبب تعطش آنسيا لتناول هذا اللحم الذي ظلت تعتقد أنها لم تتناول مثله طوال حياتها ، فكرت أن جايد ربما كان يشجعها على تناول المزيد .

وهذا ما دفعها الى انهاء طبقها ثم طلب المزيد أيضا .كانت تقاوم لتكون متأنية في تناولها للطعام باستخدامها للشوكة والسكين، حيث كانت منتبهة للعيون المتسعة التي كانت تراقبها هي وجايد بذهول تام .

ظلت أطباق الآخرين سليمة حيث لم يجرؤ أي منهم على لمس طبقه بينما أعينهم تستنكر في صمت .إنهم حقا يعتقدون أن الطعام مسموم أو ربما هو كذلك حقا .لكن آنسيا كانت واثقة من شيء واحد ، لو كان طعامها مسموما لم يكن جايد ليسمح لها بتناوله دون أن يمنعها .إلا إذا كان يدرك أن السم لن يؤثر بها مثله تماما ، فلطالما تحدث عن مدى تميزها .وهذه الأفكار وحدها دفعتها لطلب الطبق الثالث دون أن تهتم بالعواقب .

كانت شهيتها كبيرة وكلما تناولت المزيد كلما شعرت بقوة رهيبة تتجمع بداخلها .تدفقت دمائها بغزارة داخل عروقها وانفجرت أوردتها بطاقة هائلة جعلتها تشعر أنها قادرة على مواجهة أي خطر يمكن أن يكون مخبئا من اجلها في هذه اللحظة .

عندما وضع الهيكل العظمي المسؤول عن خدمتها طبقها الثالث أمامها .سألته مستثارة وهي تبتلع قطعة جديدة :"ما نوع هذا اللحم ؟".وفكرت إذا كان نوع من الطرائد الذي لا يعيش سوى في المستعمرة .

لاحظت ابتسامة سريعة تنفلت من شفتي زوج ليانا الذي تبادل نظرة مع زوجته وهو يحاول أن يكتم أنفاسه .لقد كانت نظرته تفوح بالسخرية وكأنه قد سمع أغبى سؤال في حياته .وهذا ما جعل أسنان آنسيا تطقطق من الغيض .كانت تكره أن تكون الحمقاء الوحيدة في المجموعة .

ولم تكن ليانا وزوجها فقط من كانا مركزين معها لدرجة أن يسمعا تساءلها الخافت، بل لاحظت أن الجميع قد أمالو رؤوسهم الى الأمام قليلا وكأنهم يسعون الى كتم رغبتهم في الضحك .

أجاب الهيكل العظمي بسرور وكأن تبادل الحديث مع آنسيا هو كل ما كان يتوق إليه :"يو يو يا سيدتي العزيزة .ببالغ سعادتي أستطيع أن أخبرك بأنك بصدد تناول لحمي المتواضع ".حدقت آنسيا ببلاهة ولم تفهم ما كانت حفنة العظام المتقافزة امامها تقوله .

"ماذا تقصد بلحمك ؟". استفسرت آنسيا وقد شعرت بالحماقة التامة لتبادلها الحديث مع كائن يتحرك بالسحر .

أطلقت كتلة العظام صرخة مرحة فتناثرت عظامه في الهواء وأضحى شكله فوضويا ثم سرعان ما عاد الى هيأته الأصلية وهو يتراقص قائلا :"القطعة التي تناولتها للتو كانت تنتمي الى فخذي .أوه فخذي الجميل الذي التزمت من أجله بتمارين رياضية صارمة من أجل أن أجعل منه فتيا وخاليا من الشحوم المقرفة .أما هذه القطعة ".وأشار بأصابعه العظمية الى شريحة مدورة من اللحم الذي لايزال الدم الطازج يتلألأ بين أليافها :"هذه القطعة الجميلة كانت بطني يوما ما .بطنا مسطحة مثيرة ".

شعرت آنسيا بالغثيان من كلمات الهيكل العظمي .إنه حتما يسخر منها ، لكنها رغم ذلك سألته :"هل كنت كائنا حيا في السابق ؟".

رقص الهيكل وهز مؤخرته العظمية بمرح بالغ ، ثم سرعان ما تحولت البهجة في صوته الى أسى حتى كادت آنسيا تظن نها قد رأت دموعا تنزل من الثقبين المجوفين اللذين يفترض أنهما كان عيونا يوما ما .

"منذ أسبوع فقط كنت كائنا حيا حقيقيا ".تنهد الهيكل وقوس عظامه الى الأمام بكآبة :"كنت فتاة جميلة مثلك .وكنت أمتلك أجمل جسد يمكن أن تحلم به أي فتاة .والآن أنا مجرد لحم في طبق ".

نظرت آنسيا الى جايد فوجدت أن وجهه كان ممتقعا رغم أنه كان مستمرا في تناول طعامه وعيناه مثبتتين على الصحن، لكنها رغم ذلك عرفت أنه يسمع حديثهما ، أما الآخرين فبدت ردة فعلهم مختلفة كأنهم مستمتعين بالعرض الذي تقدمه لهم .

ارتبكت آنسيا ودفعت الصحن بعيدا عنها بأصابعها المرتعشة وهي تفكر إن كان كلام الهيكل حقيقيا .هل الطعام اللذيذ الذي أمامها ينتمي حقا الى هذا الكائن البائس .

سألته بحذر قبل أن يغادر:" هل كنت بشريا أم آرينش ؟".

رقص الهيكل بحزن وهو يردد :"مجرد فتاة من البشر .مجرد فتاة صغيرة ". وقبل أن يغادر الى مكانه أشار الى المنطقة التي كان يفترض أن تكون أذنيه حيث علق زوجين من الأقراط الصدئة وقال بنبرة أليمة :"الفتاة أحبت الأقراط أكثر من أي شيء آخر .ظنت أنها عندما ستكبر ستحصل على علبة كاملة من الأقراط الذهبية والفضية بأحجام وأشكال رائعة ".تهدج صوته وأضحى كالبكاء المتقطع :"لكنها بالكاد حصلت على قرطين قبيحين صنعتهما بنفسها باستخدام سلك قديم وجدته في القمامة .كانت فتاة فقيرة وتعيسة ".

ظلت آنسيا متجمدة في مكانها من الصدمة .ابتلعت كوبين من الماء في محاولة منها لدفع كتلة صلبة ظلت عالقة في حلقها .

مالت الى الأمام وسألت جايد بصوت عال :"هل ما قاله صحيح ؟ هل ما قدموه لنا هو لحم بشري ؟".

كان جايد يعرف الحقيقة المظلمة التي يعرفها كل سكان المستعمرة .اللحم البشري يساعد الآرينش على مضاعفة قواهم وهذا ما يدفع بعض المميزين منهم على اعتماده كوجبة رئيسية .

وجايد واحد من الآرينش الذي لا يعتبر البشر سوى وجبة لا أكثر ولم يكن له أي مشاعر من الذنب اتجاه هذا الأمر .كما يمكن لأي آرينش أن يتحول الى وجبة خاصة بالنسبة إليه في أي وقت ممكن .لكنه أدرك وبشكل ما أن شعور آنسيا سيكون مختلفا اتجاه هذا الأمر ،خاصة وأنها لم يسبق لها أن تناولت لحما نيئا من قبل .

حافظ على قسمات وجهه خالية من التعابير وهو يهز كتفيه لآنسيا بلا مبالاة .وقبل أن يجيبها أطلقت آنسيا شهقة وهي تفرك جسدها بشكل محموم .أضحى وجهها محمرا بينما ظهرت بقع حمراء داكنة فوق رقبتها وذراعيها وجزء من ساقيها المكشوفين .

"جايد ".صرخت آنسيا بعينين مذعورتين وهي تستمر في فرك جلدها بعنف حتى ظهرت بعض الخدوش فوق جلدها .بينما استمرت البقع في التمدد في المنطقة التي كانت تفركها .لكنها رغم ذلك لم تستطع التوقف بسبب الهياج الذي طال جسدها .

أمسك جايد بذراعيها ليمنعها من الاستمرار في الفرك وقال بصوت هامس :"لا تقلقي ". تناول كوبا من الماء ورش فيه بعض الملح بشكل خفي عن أعين الآخرين وناوله لآنسيا .ولم يمضي سوى بعض الدقائق لتتوقف رغبتها المشحونة في فرك جسدها .لكن البقع لم تختفي بل استمرت في التمدد بشكل أعمق .

أراد جايد أن يطمئن آنسيا بأن ما تعرضت له مجرد رد فعل تحسسي لجسدها بسبب اللحم البشري النيئ الذي تناولته للمرة الأولى في حياتها ، لكنه لم يكن راغبا في افساد المتعة الكبيرة التي تجلت أمامه .فعيناه أضحتا لامعتين من الإثارة وهو يستمتع بالفزع الذي كسى وجوه باقي الأزواج .حيث صارت وجوههم شاحبة من الذعر وهم يحدقون في أطباقهم التي تنتظر منهم تناولها .

نظر الى أصابع آنسيا حيث لمح نقطة واحدة أخيرة متبقية من نقاط المأدبة .أمامهم خمس دقائق فقط للتحلي بالشجاعة وتذوق أطباقهم كما يفترض بهم .قطعة واحدة ستكون كافية ، لكنها كافية أيضا لنشر السم في أجسادهم إن كان موجودا .وبسبب الذعر المتزايد في أذهانهم لم يفكروا كثيرا في الأعراض التي ظهرت على آنسيا بل اعتقدوا تماما أن ما حصل هو بفعل السم .

لم تكن آنسيا خائفة وهو ما أشعره بالراحة .بل بدت حائرة وهي تسأله مجددا :"هل ما قاله الهيكل حقيقيا؟ ".توسلته بعينين معذبتين وهو ما أشعره بوخز مؤلم في صدره .صحيح أن رغبتها في اللحم كانت لا تقاوم لكنه من شجعها على تناول المزيد ،حتى وهو يعرف أنها لن تكون سعيدة عندما تعرف ماهية هذا اللحم .لكن رغبته في أن تصبح فتاته أقوى كانت أكبر من شعوره بالذنب .

"تعلمين أنهم يسعون الى توتيرنا ".أجاب جايد بطريقة مبهمة .فلم يكن من الأشخاص المحبين للكذب كما لم يكن راغبا في إخبارها الحقيقية .لكنه على الأقل أعطاها شيئا لتتمسك به وقد لاحظ أن ثقلا قد انزاح من فوق كاهلها وهي تعود لتجلس في مقعدها .

ففكرة أن كل هذا كان مجرد عرض لتحويلهم الى كائنات مرعوبة وقلقة كانت أكبر فرضية محتملة في ذهنها .ولهذا تقبلتها بسهولة تامة .

أخذت إيليار قضمه صغيرة من طبقها ورشفة وحدة من العصير قبل أن تتراجع الى الخلف .لم تكن قلقة من التسمم فقد كانت تعرف أن ما ظهر على آنسيا هو مجرد حساسية ، لكن شهيتها كانت معدومة .فلطالما كانت علاقتها بالطعام سيئة حيث بالكاد تتناول الكمية الكافية لبقائها على قيد الحياة .

تبعها بافي وقد كان ذكيا كفاية ليعرف أن الطعام خال من السموم فتقدم ببهجة ونظرة سخرية مرتسمة فوق تعابيره .ظن أنه محاط بالحمقى بسبب خوفهم الغير مبرر .الغبي وحده من لا يستطيع التفريق بين أعراض الحساسية والتسمم .وبابتسامة راضية مرسومة فوق شفتيه أمسك بالسكين والشوكة وهم بتناول طعامه .خمس دقائق ستكون كافية لينهي طبقين كاملين من اللحم .سيكون ممتنا لتزويد جسده ببعض الطاقة .فقد كان الوحيد الذي أدرك سبب شراهة جايد في الطعام .إنه ذكي كفاية ليكون مستعدا .

تذوق الجميع قضمه واحدة فقط مثل إيليار وتراجعوا الى الخلف منتظرين بتوتر بالغ ما سيحدث لاحقا .

بينما استمر بافي في تناول الطعام وهو يدندن لحنا مبتهجا بداخله .وبالكاد أنهى شريحة كاملة من اللحم حتى بدأ جسده في التشنج .امتقع وجهه وسال مخاط أبيض من بين شفتيه .أضحت ابتسامته خافتة وهو يفكر في مدى غبائه .كيف لم يخطر في ذهنه أنه ليس من المفترض أن تحتوي كل الأطباق على السم .يكفي طبق واحد من أجل الإثارة ، وببالغ الأسف كان طبقه هو الاستثناء .

استمر في الابتسام وصوت إيليار الصارخ يتردد في أذنيه .كان قلبه خاليا من أي نوع من المشاعر ولم يشعر باي شفقة على نفسه وهو يرى الموت يتقدم نحوه فاتحا ذراعيه .بل تقبل الأمر ببساطة .لكن شعورا مفاجئا باغته وهو يتطلع الى إيليار التي كانت تتحدث الى شخص ما بكلمات غير مفهومة وهي تحرك ذراعيها بحركات سريعة .ورغم أن فترة زواجه بها كانت قصيرة إلا أن تلك الفتاة الغريبة قد نجحت في تكوين شيء بداخله .شيء لم يستطع أن يجد له تفسيرا .لم يكن حبا بكل تأكيد لأن شخصا مثله من المستحيل أن يشعر بهذا الشعور المعقد .لأنه لم يكن قادرا على الشعور بأي نوع من المشاعر على الإطلاق .

تلك كانت لعنته الخفية .المرض الناذر الذي أصابه منذ ولادته وجعل منه شخصا مختلفا .

ولم يكن مرضه يتعلق بالمشاعر فقط بل قد أصاب عينيه أيضا بتشوه دائم .فلم يكن قادرا على رؤية ملامح الأشخاص بشكل صحيح .فكل ما كان يراه هي مجموعة من التموجات الفوضوية .وكان يعتمد في علاقاته بشكل أساسي على حاستي شمه وسمعه القويتين .

واصل التحديق في وجه زوجته وتمنى لو تمكن من رؤية وجهها بشكل واضح ولو لمرة واحدة .أخبروه بأنها أبشع فتاة في العالم .وتوقع من الانطباع السيئ الذي أخذه عنها أنه لن يتحمل وجودها بقربه ولو لدقيقة واحدة .خاصة أنه يمقت العلاقات الجديدة ، فقد ظل مكتفيا بأصدقائه الذين تعرف عليهم عندما كان طفلا صغيرا فقط، ومنذ ذلك الحين لم يكن له أي علاقة جديدة مختلفة عما اعتاده .

لكن إيليار استحوذت على اهتمامه منذ أول جملة نطقت بها .فكل أفعالها، وكل الأشياء التي تقولها، وكل أفكارها ،كانت مختلفة عما اعتاده .حتى أنه كان يفشل في توقع حركتها التالية وهو شيء بدا له في غاية الروعة .مثل معادلة صعبة عليه البدأ في فك شفراتها .وهذا ما أيقظ ذهنه بشكل كامل .

ولأول مرة شعر بشيء سيئ في قلبه .أيمكن أن يكون حزينا ؟ لم يعرف الإجابة لأنه لا يعرف كيف يبدو الحزن ، لكنه كان يعرف أنه لا يرغب في رؤية تلك الفتاة تموت فقط لأن زوجها قد مات .إنها القوانين التعيسة التي أضحت تخنق المستعمرة مؤخرا .

طوى ذراعيه فوق صدره واستمر في الجلوس بنفس طريقته المعتادة وقد بدا متقبلا للموت كأنه مجرد حدث عادي عابر .تحول السائل الأبيض بين شفتيه الى رغوة كثيفة بلون العفن وامتلأ رأسه بالضباب الثقيل .وعندما ظن أخيرا أنه قد أوشك على اختبار ما يدعونه بالموت أحس بأشياء مثل السكاكين تخترق ضلوعه .

اندفعت آنسيا نحو جايد وتمسكت بظهره وهي تحاول سحبه عن جسد بافي .كانت مخالبه التي تبرز من أطراف قفازاته الجلدية محشورة بعمق بجسد بافي ، الذي كان يصدر أصواتا مثل الغرغرة، بينما عيناه جاحظتان .أخيرا سحب جايد مخالبه والتفت نحو آنسيا التي كانت تحدق به بنظرة غضب مريعة .

جعد جايد حاجبيه بضيق عندما أدرك أن آنسيا تظنه يقتل بافي .هل تراه كقاتل محتمل .هل هي أيضا ترى الشر الكامن بداخله .تراجع قليلا ليسمح لها برؤية بافي الذي كان قد استعاد وعيه بعدما تخلص من الكثير من السوائل بداخله .

توقفت الموسيقى وتغيرت الأضواء لتبدأ المرحلة الثانية من السهرة .

وقف بافي بمواجهة جايد وقد ظل الاصفرار يغزو عينيه وقال بنبرة عادية وكأن عودته من الموت هو أمر يحدث كل يوم :"يفترض أن أعيد لك الخدمة في وقت لاحق أليس كذلك ".

رد جايد متهكما :"من الأفضل لك أن تفعل ".

تبادل الرجلان النظر لجزء من الثانية قبل أن يغادر بافي رفقة إيليار وهو يدرك تماما أن جايد كان يقدم الخدمة لشقيقته لا أكثر .ورغم ذلك سيعيد له تلك الخدمة لأنه يكره كثيرا أن يبقى مدانا لأحد .

انعقد لسان آنسيا وهي تنظر الى جايد ثم قالت أخير وبسخط بالغ :"يبدو بأنني سأفقد عقلي وسط كل هذا الجنون .أتستطيع أن تشرح لي ما حدث لتو ".

"بسبب كثرة السموم التي تناولتها تشكل بداخلي ما يشبه الترياق لكل أنواع السموم تقريبا ". قال جايد وهو يحرك ذراعيه المتصلبتين.

سألت آنسيا بحيرة :"إذن لماذا لم تعالج نفسك سابقا ".

لوى جايد شفتيه في ابتسامة دافئة :"للأسف علاجي مصمم للآخرين فقط ".

أمسكت آنسيا برأسها وقد شعرت بالسخونة قد بدأت تتصاعد بداخلها بينما عادت البقع الداكنة لتنفجر فوق جلدها مثل الفطر .لم تكن تشعر بالراحة وتمنت لو كان في إمكانها أن تتخلص من ثيابها وتستلقي داخل حوض من المياه الباردة .

قالت وهي تفرك ذراعها :"أبدو قبيحة ".

احاطها جياد بين ذراعيه ومسد شعرها بحنان :"مهما حدث فستظلين أجمل فتاة رأيتها في حياتي ".انتفخت وجنتي آنسيا وأضحى طرف أنفها لامعا بينما رفعت رأسها نحوه محاولتا أن تفهم مدى صدق ما كان يقوله .فتابع وهو يفرك خصلات شعرها بلطف :"لا تقلقي ستزول الأعراض بعد نهاية هذا اليوم ".

أحيانا كانت تعتقد بأن جايد يملك جينات السحرة ، لأنه كان ماهرا في استخدام سحر الكلمات القادرة على إذابة قلبها .

تقدما معا ليختلطا بالآخرين فقال جايد قبل أن يترك آنسيا :"علينا أن نفترق ". وقد بدا صوته معذبا وكأنه غير راغب في ترك آنسيا حتى لثوان معدودة ."تجولي قليلا في الأرجاء وثرثري قليلا ...".

لم تترك آنسيا جايد ليكمل كلامه قبل أن تقول :"لا أحب هؤلاء الأشخاص ".وقد بدت غير راغبة في التجول برفقتهم والتظاهر بحديث ودي معهم كأنهم أصدقاء .كان هذا التناقض يثير أعصابها .

لم يقل جايد شيئا لكنه اكتفى بعناق صغير مفعم بالمشاعر حيث جعلتها نبضات قلبه السريعة تشعر بالثقة .كما غمرتها رائحته الحلوة ومدتها بالكثير من الراحة .

غادر جايد وهو يوزع الضحكات الجذابة وعيناه تمسحان الأرجاء في يقظة تامة .انتابت آنسيا بعض الغيرة وهي تلتفت بعيدا في محاولة منها لصب تركيزها على أي شيء آخر غير جايد .فقد اعتادت أن تكون تلك الابتسامات موجهة لها وحدها وهذا ما اشعرها ببعض الحرج .وتساءلت كيف استطاع جايد في هذه الفترة القصيرة أن يسلب عقلها .

"هل سبق لك أن قتلتي من قبل ؟ّ".

باغتها السؤال دون أي مقدمات .ورأت زوج ليانا يتقدم نحوها بابتسامة متشنجة ونظرة قلقة مثبتة على وجهه الخزفي .وقف أمامها بذراعين متصلبتين وكأنه يخبرها أنه ليس هنا لإثارة المتاعب .

كرر:"أقصد على سبق أن قتلت مستذئبا من قبل وتناولته كطعام ".

وللحظة امتقع وجه آنسيا وشعرت كأن قلبها قد سقط بين قدميها .ولم تنجح في إخفاء اضطرابها رغم أنها حاولت جاهدة أن تستمر في الابتسام وتبدوا كأنها تتبادل كلاما رائقا .عادت صورة ذاك المستذئب الى ذهنها وبشكل وقائي تراجعت الى الخلف عندما أدركت أخيرا أن المستذئب الذي أمامها كان يشببه كثيرا .وهذا السبب الذي دفعها الى الشعور بالوخز كلما نظرت اليه .

بحثت بطرف عينها عن جايد ولم تستطع رأيته من الزاوية التي كانت تقف بها ولم تشأ أن تستدير كي لا تثير من حولها الشكوك .

"ما الذي تحاول أن ترمي إليه؟ ".سألت آنسيا وهي تحاول أن تبدو لامبالية دون أن تنجح في ذلك، فقد كانت فاشلة في التظاهر .

"أمتلك حاسة شم مميزة تمكنني من شم روائح كل الأشياء التي قمتي بتناولها من قبل .لأنها كما تعلمين تغدوا جزءا من جسدك ".توقف قليلا وحدق اليها بتركيز :"وبين تلك الروائح شممت رائحة والدي ".

باغتت الذكرى آنسيا مثل صرخة من الجحيم .كانت تلك الحادثة من الأشياء المروعة التي ترفض استدعائها .عادت صورة ذاك الرجل توخز ذهنها فتراكم الحقد والغضب في صدرها وأضحى جسدها ساخنا مثل جمرة ملتهبة .كانت الذكرى أكثر مما كانت قادرة على تحمله ففقدت السيطرة على جسدها لجزء من الثانية وذلك كان كافيا لتشعر بالنبض يرتفع خلف أذنها ولتسمح للشيطان باحتلال مكانها .ومع المزيد من الألم  تمكنت من السيطرة عليه بصعوبة .

كان المستذئب لايزال يحدق اليها بهدوء كأنه يحاول أن يقرأ ما يجول في ذهنها من أفكار ، فبادلته التحديق بنظرات قاسية وهي تقول :"أوه ذاك الوغد كان والدك إذن ".ابتسمت وهي تدرس ردة فعله :"استمعت بتمزيق لحمه عن جسده .كان مقيدا بالسلاسل وواصلت تناوله لأسابيع بينما سررت برؤيته يتعذب .كان شعورا لذيذا للغاية ".
تمزق قلبها من الألم وتمنت لو كان ما قالته حقيقيا .فلو كانت قد منحت فرصة لتعذيب ذلك الحقير كما ينبغي لما ظلت تلك الذكرى تألمها بهذا الشكل المرعب .

تصلب فك المستذئب وضيق بين عينيه مفكرا حيث بدت الصدمة جلية على وجهه .زفر براحة وقال بنبرة باردة :"لقد استحق هذا ".تغيرت تعابير آنسيا من القسوة الى الحيرة فلم تكن ردة الفعل هذه هي ما كانت تتطلع اليه .

تابع مفسرا :"لقد كان شخصا حقيرا .كان يختفي لفترات طويلة قبل أن يعود للظهور في المستعمرة .كنت أكره عودته فوجوده كان يجعلني أختنق .أعرف أنه كان يؤذي بني جنسه في الخارج .وأتوقع أنك واحدة منهم ".

زفرت آنسيا بضيق وقد بدأت في الشعور بالضيق من تلك الذكرى البائسة .إنها آخر شيء ترغب في تذكره .وخاصة أن هذا الفتى هنا يحاول التظاهر أنه يكره والده وهو متعاطف معها تماما .

تابع المستذئب حين لم تقل آنسيا شيئا وبدت نبرته يائسة :"كنت راغبا في التخلص منه قبل أن يؤذي المزيد من الآرينش .لكنه كان من أقوى المستذئبين في ديريا وأنا أتساءل ...".أمعن النظر في آنسيا وبدا عليه الشك والحيرة وهو يقول :"كيف تمكنت من قتله ؟ ".رفع نظره الى جايد وفكر قليلا فلم تكن الرائحة تنبعث سوى من آنسيا :"هل ساعدك شخص ما ؟ّ".

رفعت آنسيا حاجبيها :"لا أحتاج الى المساعدة للقتل ".حركت أصابعها كأنها تعزف الموسيقى وتابعت :"فأنا بارعة في ذلك أكثر مما يمكنك أن تتخيل ".

قال المستذئب أخيرا وقد بدا غارقا في عذاباته ولم ينتبه كثيرا الى ما كانت آنسيا ترمي إليه :"كان ينصب الأفخاخ للآرينش ثم يقوم ببيعهم في المزاد الأسود .لابد أن هذا ما حاول فعله معك ".لمعت عيناه وبدا متعاطفا كليا مع آنسيا :"لن تتخيلي عدد الأشخاص الذين قمتي بإنقاذهم لمجرد تخلصك من ذاك الشيطان ". وفكر أنه واحد من أولائك الأشخاص .

شعرت آنسيا بالراحة عندما أدركت أن الوقت المخصص للإختلاط قد انتهى وأن اللعبة قد أوشكت على البدأ .فهذا أنقذها من حوارها المزيف مع ريكار الذي لم تكن تشعر بالراحة في وجوده .فكلما نظرت نحوه ترائى لها وجه والده الذي كاد يحطم حياتها وحياة صغيرها كاي .

أبعدت الأفكار الكئيبة من ذهنها حين جلس جايد بالقرب منها في الأريكة الثنائية المخصصة لهما .في وسط المكان ، وضع بساط دائري أبيض اللون وعلى حواف الدائرة وضعت ارائك ثنائية باللون الأحمر .

في وسط الدائرة وضع سهم أسطواني مثبت بقاعدة .كان هناك هيكل عظمي يقف أمام الأسطوانة وبمجرد أن انتهى صوت عزف الموسيقى الحماسية الخاصة ببداية اللعبة ، حتى وقف الهيكل العظمي الذي كان يرتدي عجلات براقة في قدميه وبذلة طويلة بذيل يصل الى الأرض مع قبعة أسطوانية ، ثم أدار نفسه بشكل استعراضي لينظر في عيني جميع الحاضرين قائلا :"أهلا بكم أيها السادة في لعبة جرأة أم حقيقة ".

أطلق صرخة مرحة وهو يدير السهم بكل قوته :"لنرى من الشخص المحظوظ الذي سيبدأ اللعب أولا ".

ومن الطريقة التي انتصب فيها شعر رقبته ظن جايد أن آنسيا التي تجلس بجانبه وهي تتململ باضطراب ستكون أول من سيلعب .ومن حالتها الحالية لابد أنها ستختار الخيار الذي سينهي حياتها .

توقف السهم مشيرا بأحد أطرافه نحو ريكار، ذاك المستذئب الذي رآه جايد سابقا وهو يتحدث الى آنسيا أما الطرف الآخر وكما توقع جايد تماما كان يشير الى آنسيا .

وبإحساسه الذي لا يخطئ أدرك جايد أن نتائج اللعبة تم التخطيط لها في وقت سابق وعرف أن هناك شخص واحد مستهدف وهي آنسيا .

وهكذا قام بتسوية وضعية جلوسه بينما عيناه الصيادتان تحومان فوق وجه ريكار المبتسم وقد تحفزت كل خلية من خلاياه في وضعية الهجوم .

Continue Reading

You'll Also Like

101K 4K 17
دانييل فتى لطيف و رقيق للغايه لكن والداه يتفرقان ليختار عيش مع ابيه ظان بانه سيتلقى دلال منه و من عائله والده ولكنه اختار الاختيار خاطئ و صحيح بنفس و...
42.6K 1.3K 30
"Y.O.L.O" stands for : YOU ONLY LIVE ONCE كارتر جونز ، الطالب المجتهد و النموذجي في المدرسة ، كيليان هندرسون ، الفتى المشهور المثير للمشاكل و سيء ال...
2.7K 746 15
قاتله مستأجره درسة طب الجراحه كي تبرع في تشريح جثث قتلاها.. اعتزلت لفترة لتعود و هي حاكمة اكبر مافيا في ايطاليا و وريثت عائلة ألكسندر العائله الحاكمه...
1.7M 59K 40
سما : شو وخر اديك عني أمير: فصليه وشرط مو اني يمشي بوامر احد سما دفعته من صدره بقوه أمير : عصبت لزمتها بقوه من ايدها وركعتها راشدي سما : بقيت ابجي و...