𝖙𝖍𝖊 𝖈𝖔𝖑𝖉 𝖉𝖆𝖓𝖈𝖊 ꕤ...

By _Amiss_Ar

836K 47.4K 16.8K

كل سنة تختار شجرة الاقدار مجموعة من الفتية والفتيات لتجمع بينهم في رابطة زواج مقدس ، إنهم شبان من نخبة فصائل... More

◦•●◉✿ البداية ✿◉●•◦
◦•●◉✿ مقدمة ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 1 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 2 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 3✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 4 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 5 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 6✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 7✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 8✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 9 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 10 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 12 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 13 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 14 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 15 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 16✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 17✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 18✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 19✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 20 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 21 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 22 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 23 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 24 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 25 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 26 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 27 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 28 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 29 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 30 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 31 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 32 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 3 3 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 34 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 35 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 36 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 37 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 38 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 39 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 40 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 41 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 42 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 43 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل 44 ✿◉●•◦
◦•●◉✿ الفصل الأخير ✿◉●•◦
تنويه

◦•●◉✿ الفصل 11 ✿◉●•◦

21.9K 1.2K 266
By _Amiss_Ar


"جايد ".

صرخت آنسيا وهي تستيقظ ماسحتا قطرات الدماء التي كانت تسيل من بين شفتيها بينما لاتزال أسنانها تحرك قطعة اللحم المحشوة داخل فمها .

رمشت بضيق وهي تشد على الملاءة التي تغطي جسدها .أغمضت عينيها وفتحتهما عدت مرات كأنها تحاول أن تتذكر أين هي .مررت أصابعها على الفستان القصير الذي كانت ترتديه .عبست وهي ترفع رأسها الى بيتي التي كانت تحدق إليها بوجه بلا تعابير كأنها تنتظر حدوث شيء ما .

"أين زوجي ؟".

سألت آنسيا وهي تحاول استخراج قطعة اللحم العالقة بين أسنانها .وسرعان ما اكتسب وجهها لونا أحمر محتقن بسبب الحرج الشديد الذي داهمها .

زوجي .كيف استطاعت أن تنطق تلك الكلمة بكل تلك البساطة ؟جعلها الأمر تشعر بصدمة شديدة .هل تقبل عقلها هذا الزواج بهذه السرعة ؟

استدركت قائلة :"أقصد ...جايد ...".

ثم جلست حائرة وهي تنظر الى بقايا الغرفة الجميلة التي على ما يبدو أنها قد فقدت سحرها الذي زينت به في الليلة السابقة .

"زوجك .أجل ".ردت بيتي بتلقائية ولم يبدو عليها أنها قد انتبهت للارتباك الذي ظهر على آنسيا ."يبدو أن جايد قد عانى من بعض الصعوبات في الليلة السابقة .هل تتذكرين ما حدث ؟".

لمست آنسيا رأسها وكأنها تبحث عن زر ما لتعيد تشغيل الذكريات المنسحبة من ذهنها :"ليس حقا .الأشياء مشوهة بذاكرتي ".عادت الى ذهنها صورة جايد العاري فارتعش قلبها قليلا .هل حدث حقا شيء كهذا ؟عادت اليها صورة أخرى لجايد وأنفاسه الحارة تحرق رقبتها بينما تشعر بدغدغة لذيذة .

نزعت الملاءة عن جسدها بعنف خوفا من أن تسمح لتلك الصور بالتأثير عليها .سيكون الأمر محرجا .

وقفت قليلا ومشت بضع خطوات لتصفية ذهنها قبل أن تعود وتجلس بجانب بيتي .

"صور غريبة تعبث بعقلي .لا أستطيع تحديد إن كانت حقيقية أم محض وهم ".

"أمر طبيعي ".قالت بيتي دون أن تتغير ملامحها الجامدة ما جعل آنسيا تتساءل بداخلها إن كان لهذه المرأة قلبا حقيقيا ينبض بين ضلوعها أم تم تعويضه لها بصخرة بدلا من ذلك .فكل شيء كانت تتفوه به كان خاليا من أي نوع من المشاعر .

"مشروب الحب هو من بين المشروبات القوية التي يختلف مفعولها من شخص الى آخر. يعتمد ذلك بدرجة كبيرة على نوع المشاعر التي تكنها الى الشريك قبل ذاك ،ونوع الأفكار التي تراودك ،وطبيعة حالتك الجسدية .إنه أمر معقد ولا يصعب التحكم في نتائجه .شخصيا أرفض تقديم المحلول لأي كان حتى لأصحاب الرقصة الباردة .أفضل طرقا أخرى ".

رفعت بيتي رقبتها بهدوء لتتفحص السقف فاستطاعت آنسيا أن تلاحظ طبقة رقيقة تحيط بهما مثل الفقاعة .لابد أن بيتي لا ترغب في أن يعرف أحد آخر بما تتحدثان به وهذا ما جعل آنسيا يقظة لأنها بدأت تدرك أن وجود بيتي هنا لسبب ما .

فركت آنسيا بتوتر قطعة اللحم التي كانت تمسكها بطرفي اصبعيها ثم حدقت اليها قليلا لتصرخ منزعجة :"هل تناولت لحما نيئا ؟".جعدت آنسيا شفتيها بتقزز وهي تبصق بقايا الدماء العالقة في فمها وأمسكت ببطنها كأنها راغبة في التقيؤ .

"يا له من سخف .أنا لست وحشا لأتناول لحما نيئا ".

رددت آنسيا كلمات والدها كطفلة تحاول تكرار ما تسمعه في بداية تعلمها للنطق .كانت الكلمات مجوفة وبلا معنى بالنسبة إليها .فاللحم المطبوخ سيء .سيء جدا .وغير مشبع .كما أنه يجعل بطنك تؤلمك طوال الوقت .لكنها لاتزال متأثرة بكلمات والدها وتحملها فوق ظهرها كأنها وصيته الأخيرة .رغم أنها قد كسرت تلك القاعدة بين الفترة والأخرى لأسباب متعددة خارج عن إرادتها .كان جزئها المستذئب يرحب كثيرا بتلك الفرص أما جزئها البشري فكان يرفض تقبلها .

عبر ظل طفيف وجه بيتي بمجرد أن ذكرت آنسيا اللحم المطبوخ فاستقامت في جلستها ثم مالت باتجاه آنسيا كما تفعل عادة عندما تتحدث عن أمر في غاية الأهمية :"اهدئي قليلا آني ".

صدمت آنسيا بشدة لاستخدام بيتي لتعبير "آني " ، بدلا من "آنسيا ".

التفتت اليها بعيون مشوشة وتائهة فتابعت بيتي عندما نجحت أخيرا في الحصول على انتباه آنسيا :"حدث أمر سيء في الليلة السابقة .فقد جايد السيطرة على نفسه كثيرا فكدت تفقدين حياتك بسبب ذالك ".

حركت آنسيا رأسها بالنفي محاولتا التذكر دون جدوى فتابعت بيتي حديثها :"ما حدث ليس خطأه بالكامل يا آنسيا .بل الجزء الأكبر كان بسببك .جسد جايد قوي جدا بالمقارنة بجسدك .أنت في غاية الضعف .بل لم يسبق لي ان رأيت مستذئبة بمدى هشاشتك يا آنسيا وهذا أمر في غاية الخطورة بالنسبة لك وبالنسبة لجايد أيضا ".

ارتعشت أصابع آنسيا وكأنها ترفض ما تسمعه :"لست ضعيفة ".عضت على شفتيها مزمجره ."أتعرفين مستذئبة أخرى استطاعت أن تنجو وحيدة بين البشر كل هذه الفترة ؟ أتعرفين واحدة ؟".

"واثقة من كونك حالة فريدة من نوعها يا آني.لكن هنا ، الأمر مختلف ولكي تبقي على قيد الحياة عليك أن تتحلي بمهارات مختلفة .أهمها القوة الجسدية .على سبيل المثال كنت ستستطيعين تحمل عضة جايد لك حتى أنه كان بإمكانك إيقافه وإتمام ليلتكم بسلاسة ".

توقفت بيتي قليلا :"أتظنين أنني لم ألاحظ الانجذاب القائم بينكما .أنتما زوجين جميلين لكن الأمر لن ينجح ببنيتك الجسدية الحالية .الأمر لا يتعلق بقوة جايد وحدها بل أيضا في اللعنة التي ستدمر حياتكما إن لم تتخلصي منها بأسرع وقت ممكن ".لمعت عيناها ببريق مظلم وهي تتابع :"الفشل لن يؤذي بحياتك أنت فقط بل سيدفع جايد ثمن ذالك أيضا ".

سألت آنسيا بضيق وكأن هذه المحادثة برمتها لم تعجبها :"أتقصدين أننا سنموت ؟".

"لن يترددوا في التخلص منكما إن بدا لهم أن هذا الزواج لن ينجح .وليلتكما الأولى كانت نذير شؤم كبيرة بالنسبة لكما .خاصة بعدما امتلأ الكهف بصرخات جايد المرعوبة .ذاك الفتى الذي يعد من أقوى الآرينش الموجودين في ديريا والذي لم يسبق لنا أن رأيناه في حالة ضعف أو هشاشة من قبل .يُعتقد أن زواجكما أثر به بشكل سيء .ويُعتقد أيضا أنكما حالة فاشلة أكيدة وهو ما عليكما أن تثبتا خطأه بأسرع وقت ممكن .لأن الوقت قد ينفذ منكما ".

"من هؤلاء ؟ّ".سألت آنسيا وقد بدت تائهة من استعمال بيتي لصيغة المجهول طوال الوقت ثم تابعت عندما رأت ارتفاع كتفي بيتي لعدم فهمها عما كانت تتحدث :"أقصد من هم الذين يعتقدون ؟الذين يرغبون في التخلص منا ".

"أنا أيضا لا أعرف من يكونون .إنهم غير مرئيين يتحكمون في الأشياء من خلف الظلال .إنهم حكام الآرينش الأصليون .أنا ،ثيميسون ،وكل القادة الآخرين لسنا سوى منفذين لقوانينهم .ليس لنا أي دخل فيما يحدث أو سيحدث ".

شعرت آنسيا بالحماقة وهي تستمع بذعر الى بيتي :"أي عالم مجنون قد تورطت بداخله بحق الجحيم ".

"ليس بهذا السوء ".قالت بيتي وهي تخرج القليل من المياه الباردة وسط كفها وتمدها الى آنسيا لترطب وجهها .

"المستعمرة أفضل بكثير من الفيروس والجوع والهرب من الصيادين .واثقة من أنك تعرفين تلك الأشياء أكثر من أي شخص آخر .إننا داخل عالم خطير هذا كل ما في الأمر وليس بيدنا سوى أن نحتار الأقل خطورة ".

أحست آنسيا بالانشراح بمجرد أن لمست القطرات الباردة وجهها ففكرت أن بيتي قد دست به مهدئا ما :"حسنا أن مستعدة لبدء التدريب منذ الآن .ماذا تقترحين ؟".

ضيقت بيتي بين عينيها بشكل طفيف غير ملحوظ وهي تستعد للتطرق للنقطة الأكثر أهمية والسبب الذي جاءت للتحدث به الى الآنسيا بالدرجة الأولى :"مهما تدربت لن يكون الأمر كافيا إن لم تبدئي بتغيير نظامك الغذائي أولا".

"كيف ذالك ؟". سألت آنسيا بانزعاج وقد كانت تعرف الإجابة بالفعل وتتوق اليها وتمقتها في نفس الوقت .

"عليك أن تبدئي في تناول اللحم الطري دو الطاقة العالية يوميا كوجبة رئيسية ". بمجرد أن أنهت بيتي كلماتها كانت تعرف ما سيحدث لاحقا ولهذا سارعت في الحديث قبل آن تتفوه آنسيا بعنادها المعتاد :"واثقة من أن رو لم يكن سيضع قاعدة اللحم المطبوخ إن علم بعودتك للعيش في المستعمرة ".

تجمدت آنسيا في مكانها وسألت بحذر :"هل تعرفين والدي ؟".

ظهرت مشاعر طفيفة على ملامح بيتي صدمت آنسيا :"أعرفه أكثر منك يا آني .كما أعرفك وأعرف والدتك أيضا ".خفضت نبرة صوتها الى حد الهمس كرد فعل تلقائي رغم أن لا أحد كان سيتمكن من سماعهما :"ما سأخبرك به الآن يجب أن يبقى سرا بينننا لأنه قد يتسبب في أذيتي وأذيتك وأذية كاي أيضا ".

ذعرت آنسيا لسماعها لاسم أخيها فحركت رأسها بالإيجاب بذهن متقد وعينان مفتوحتان على وسعهما .

"رو كان يعد أخا لي .رغم كوني كنت أكبره بالعديد من السنوات إلا أن الأمر لم يقف عائقا بين صداقتنا .كنا نفهم بعضنا بشكل جيد .كما كنت أدين له بحياتي .لولاه لما كنت على قيد الحياة الآن .كنت مصدومة بشدة عندما هرب من زواج القدر وتزوج بوالدتك البشرية .لم يخبرني بأي شيء رغم أنه لم يكن بيننا أي أسرار وخاصة سرا بهذه الخطورة .لاحظت أنه بدا حزينا وانطوائيا في تلك الفترة وكان ينفعل كلما تم ذكر اسم جوردي أمامه ".

ارتعشت أصابع بيتي فضغطت بشدة عليها كأنها تحاول تحطيمها :"لم أفهم سبب نفوره منها .كانت تبدو رائعة وقد وقعنا جميعا في فخها.ساحرة جميلة وجذابة قامت بجذب قلوبنا إليها وإيقاعنا في شرك سحرها .تلك كانت موهبتها أساسا .خدعتنا جميعا ماعدا رو الذي كان الأذكى بيننا .الآن فقط تفهمت سبب هربه بعيدا عنها .لم يجد حلا آخر .فحتى أنا لم أفهمه ولا أسرته ولا أصدقاءه الآخرين .كان وحيدا وتعيسا ".

تنهدت بعمق وكان قلبها يغلي بمثل غليان ذاكرتها :"لم التقي برو بعد هربه بفترة طويلة .فما فعله أدى الى عقاب جماعي للمستعمرة .حدث شرخ في شجرة الأقدار وتم إغلاق البوابات الأربع لديريا .أصبحنا منعزلين تماما عن العالم وفقدنا أي اتصال بالخارج .بعد فترة وجيزة بدأت مواردنا بالنفوذ .نفذ الطعام ونفذت الأدوية وكثرت الجثث في كل مكان .بعدها لجئنا لتناول بعضنا البعض .القوي كان يتناول الضعيف .عدنا الى قوانين الطبيعة البدائية ونشبت حرب مريعة ...".

شهقت بيتي وبدأت الدموع في الانسياب من عينيها مثل مطر غزير وكأنها كانت تحبسها بداخلها لزمن طويل .تفاجأت آنسيا من هذا الجانب من بيتي الذي لم تتوقع وجوده بين طيات ملامحها الباردة .سرت رجفة بداخلها واختنق حلقها وهي تتذكر بعض الصور التي أطلعها هوغو عليها .لقد رأت لمحة صغيرة مما حدث وقد جعلها الأمر تشعر بذعر لا مثيل له .

"لقد فقدت أطفالي الثلاثة بسبب الجوع ".ازداد نشيج بيتي أما آنسيا فقد شهقت من الصدمة واضعتا راحة يدها لتغلق فمها المفتوح .وهي التي كادت تفقد حياتها وحياة أخيها بسبب الجوع أيضا .

بعد برهة قصيرة جفت دموع بيتي واختفى الألم من وجهها وعادت للتحدث بنبرتها العادية ما جعل جوف آنسيا يتمزق حزنا و شفقة على هذه المرأة ا، لتي تخفي من خلف ملامحها المتجمدة قلبا ممتلئا بالأسى والألم .لابد أنها قد تدربت طويلا على هذا القناع القاسي كالسكاكين الذي تبدو به الى العالم الخارجي .

"فتحت البوابات أخيرا بعدما فقدت المستعمرة أكثر من نصف سكانها وأغلبهم من الأطفال .كان الناجون عبارة عن جثث متحركة عاجزين عن التفكير .قضت سنوات السجن على تفكيرهم السليم .كانوا يتوقون الى الحرية والطعام والهواء المختلف .نسو أمر العداوة بينهم وبين البشر ونسو أمر الفيروس وكل ما يتعلق بمخاوفهم السابقة .مندفعين برغبتهم في العيش ، ركضوا بلا حذر في الخارج واقعين بحفاوة وسط أحضان الصيادين .فقدت زوجي وما تبقى من عائلتي بتلك الطريقة ".

" هل هذا كله بسبب والدي ؟ّ".سألت آنسيا بصوت متهدج .

نظرت بيتي الى آنسيا ملاحظتا الدموع التي بدأت في التجمع في عينيها فقالت مطمئنة :"رو لم يكن يعلم بما سيحدث .سيكون من الحماقة أن نحمله ثمن الفوضى التي حدثت .هروبه كان فقط الشرارة التي أيقظت الجحيم ".

تلونت عيني بيتي بظلال سوداء وتاهت نظراتها :"إننا بداخل الفوهة يا آني وأي شيء .أي شيء .مهما بدا صغيرا يمكن أن يطلق الشرارة .لهذا أخبرتك أن تخفي أمر اللعنة التي بداخلك لأنها قد تكون السبب الذي يبحثون عنه لإيقاظ الجحيم من جديد ".

تصبب عرق بارد من جبهة آنسيا وهي تستمع الى كل تلك الأشياء المروعة التي لم تدرك عنها شيئا .انتظرت بصمت وهي تراقب بيتي التي بدت غارقة في التفكير ثم سرعان ما تابعت حديثها :"والدك ليس السبب يا آني مهما قال الآخرون ذلك .فالجميع حتى أسرته يعتبرونه سببا في العذاب الذي عاشوه .فبعد أن انتهت المأساة أضحى لرو الكثير من الأعداء الراغبين في الثأر منه .آرينش محملين بالغضب والكراهية هدفهم صب كل ألمهم وعدوانيتهم على الشخص الذي اعتبروه السبب الرئيسي في معاناتهم .كنت غاضبه منه بدوري وذهني مشوش نحوه ،لكن اخلاصي لرو تغلب على غضبي فعملت على إيجاده قبل الجميع .كان رو في تلك الأثناء سعيدا بحمل زوجته حتى أنه كان يفكر بالعودة لزيارة المستعمرة وإخبار عائلته بشأنك .لم يكن له أي فكرة عما حدث ولا بحجم الخطر الرهيب الذي كان يحدق به وبأسرته ".

رفعت آنسيا ركبتيها فوق طرف السرير وأحاطتهما بذراعيها وكأنها راغبة في تذكير نفسها بأنها بخير :"إذن ، هل قمت بتحذيره ؟".

حركت بيتي رأسها :"ساعدته في التخفي لسنوات طويلة حتى شعر أعداءه بالملل والفتور وسرعان ما عادوا الى حياتهم الطبيعية بعد عودة المستعمرة الى ما كانت عليه ".

ابتسمت بيتي ناظرتا الى آنسيا :"أنا من ساعدت والدتك أثناء ولادتك .كنت أول من حملك بين يديه عند خروجك لهذا العالم لهذا أكن لك مشاعر خاصة يا آني .كأنك طفلتي ".لمعت عيني بيتي وطفت مشاعر لطيفة فوق ملامحها ."ساعدتها في ولادة كاي أيضا .كانت آخر كلماتها إلي بأن أعتني بك .لم يتنفس كاي عند ولادته لدى ظنته ميتا .لم يصرخ إلى عندما لفظت أنفاسها الأخيرة ".

شعرت آنسيا بالدوار لكل تلك الأشياء الجديدة والغريبة التي كانت تسمعها .رغم أن بعضا من تلك التفاصيل كانت تعرفها بالفعل . داهمتها بعنف ذكرى والدتها الميتة ووخزتها كالدبوس الحارق وسط قلبها :"أعرف كل هذا .لكنني لا أتذكر وجودك .أليس الأمر غريبا ؟". سألت بشك بينما كان عقلها يحلل بعض الأمور التي لم تتمكن من فهمها .

"لن تتمكني من تذكري لأنني كنت أمسح ذاكرتك بعد كل لقاء .وجودي بجانبكم كان خطرا كبيرا وأنت كنت مجردة طفلة .كنا نخشى أن يشك أحد بك ويقرأ أفكارك .لكنني موجودة كثيرا بذكرياتك .كنتي تحبينني كثيرا وتنادينني بالعرابة ".ضحكت بيتي وكانت تتمتع بضحكة جميلة ."أتمنى كثيرا لو تمكنت من تذكر جلساتنا المسائية حول طاولة الشاي وتناولنا لكعكة الفريز التي كانت تعدها والدتك .آه كم كنت تكرهينها وتغضبين حين ترين استمتاعنا بتناولها ".

تورد خدي آنسيا وهي تتذكر كعكة والدتها .كانت تحاول تذوقها في كل مرة ترى فيها سعادة والدتها واستمتاعها بتناولها وكانت تتوق لتعرف سبب ذلك .تلك التفاصيل لا يستطيع أن يتذكرها سوى شخص عاش معهم تلك اللحظات بالفعل .لكن المرأة التي امامها هي ملكة السحرة .لابد أنها شخص قوي وربما لديها طرقها في انتزاع الذكريات من آنسيا والتظاهر بكل تلك الأشياء .

وقفت آنسيا على قدميها للتخلص من الخذر الذي طال جسدها طوال المحادثة وسألت بنبرة قاسية :"إن كان الأمر كما تدعين لماذا لم تقومي بمساعدتي عندما كنت مجردة طفلة ؟".

تشوشت آنسيا من مظاهرالألم الصادقة الذي بدت على ملامح بيتي التي قالت بنبرة حزينة :"لسوء الحظ عندما تم اختياري كقائدة للسحرة صارت خطواتي مراقبة خارج حدود المستعمرة .كانت زيارتي اليك لتشكل خطرا كبيرا على كلينا ".واكتفت بيتي بالصمت بعدها ولم تخبرها بأنها كانت تعرف كل أخبارها من هوغو الذي وكلت إليه مهمة مراقبتها .كما كان هناك جايد أيضا الذي كانت مطمئنة لوجوده بالقرب من آنسيا وحبه لها .

"آني أعرف أنك ستشكين في ما أقوله لك .فأنا أعرف كيف قام رو بتربيتك .الشك هو أصل كل شيء ولا تقبلي الأمور كما هي فحسب ...أحفظ كلمات رو ...".

تفحصت وجه آنسيا لترى مدى تأثيرها عليها .يجب أن تكسبها لصفها .أن تجعلها تثق بها .من أجل مصلحتها .

"سأخبرك قصة صغيرة عني وعن والدك ".توقفت بيتي قليلا لتستجمع افكارها فقد كانت تكره هذه الذكرى ."كنت في مهمة تنقيب خارج المستعمرة رفقة زوجي وبعض الأعضاء من الفرقة التي كنا ننتمي إليها .كنا قد انتهينا من المهمة وعائدين الى المستعمرة .كان الجو في غاية الجمال ما جعل أمزجتنا رائقة وفقدنا معها بعضا من حذرنا .أو فقدت حذري أنا على الأقل .لم أفهم كيف حصل الأمر .كان سريعا ومباغتا .لم أستوعب ما يحدث الا حين بدأ الجميع في الصراخ .كان كلب بوكسر خرج من العدم وكان يعض على ذراعي .مهما فكرت في الأمر لا أستطيع أن أجد تفسيرا لتمكنه من شم رائحتي أو عن الطريقة التي ظهر بها دون أن نستطيع تحديد وجوده .ربما كان تائها وانعزل لفترة طويلة في الغابة ما جعل حواسه مشوشة .ربما هجومه علي كان من قبل الصدفة فقط ".

حركت رأسها باستهجان وكأنها لاتزال غير متقبلة لما حدث :"شلني الرعب وأنا أنظر الى ذراعي التي بدأ الفيروس في الزحف بداخلها .لم أكن مدربة على أمر كهذا .هرب الجميع نحو المستعمرة وتركوني وحيدة هناك أعاني ولم يتجرأ أحد على الاقتراب مني أو مساعدتي .حتى زوجي ، فقد فضل حياته على حياتي ".ضحكت بسخرية مريرة ."كان بيننا حب كبير .كان يخبرني بأنه يفضل الموت على أن يعيش من دوني .لكن الفيروس أظهر لي الحقائق الغير مكشوفة .تبخرت كل الأوهام التي كنت أحملها بداخلي لسنوات .استسلمت وتجمدت هناك منتظرتا الموت بهدوء .الى أن ظهر والدك .لم يكن سوى فتى في الرابعة عشر من عمره حينها .فتى نحيل وفي غاية الشجاعة .بل كان يتمتع بجرأة وصلابة لم يتمتع بها أحد من قبل .كان مستعدا وسريعا .ربط ذراعي وقام بفصلها عن جسدي وبعد أن أوقف النزيف قام بمساعدتي على الوصول الى المستعمرة ".

ضحكت بمرارة :"تفاجئ الجميع وخاصة زوجي عندما ظهرت من جديد في المستعمرة وأنا لاأزال أتنفس وأن موتي كان شيئا بديهيا لا يقبل إعادة التفكير".

حدقت آنسيا في ذراعي بيتي بحذر كانا يبدوان سليمين تحت فستانها دو الأكمام الطويلة كما كانت ترتدي قفازات وهو ما يجعل التعرف على ما تحته يبدو أمرا مستحيلا. راقبتها بترقب وهي ترفع أكمامها وتنزع القفازات لتظهر من تحته ذراع معدنية .

"ظللت منعزلة لفترة طويلة في إحدى حجر المشفى .لم يقم أحد بزيارتي طوال تلك الفترة سوى رو .إنه من كان يسليني بحديثه الطريف ويكسر وحدتي .امتنع زوجي عن زيارتي ولم يسمح لأطفالي كذلك برؤيتي ظنا منه أنني لاأزال معدية .ورغم خروجي ظل الجميع ينفرون مني لفترة طويلة قبل أن يدركوا ان الفيروس اختفى من جسدي بشكل كامل بمجرد أن قطع عضوي المصاب ".

وقفت بيتي متوترة حين سمعت صوت فرقعة :"احدهم يحاول دخول الغرفة .ربما زوجك قد عاد ". مررت أصابعها على فستانها ثم مسحت على وجهها لتعود في هيأة بيتي ملكة السحرة ، منعدمة الملامح .

قالت لآنسيا بصرامة وكأن الود الذي كان بينهما قبل قليل كان مجرد مزحة :"سنبقي تعاملنا رسمي أمام الجميع .إياك أن تخطئي وتتحدثي إلي بشكل ودي .تذكري آنسيا بلار ".

وقبل أن تغادر خارج الفقاعة قالت دون أن تلتفت الى آنسيا :"سأفعل ما في وسعي لمساعدتك ".

عندما غادرت بوابة الضباب سمعتها آنسيا تستجوب بنبرة قاسية شخصا كان يحاول التلصص عليهما من المدخل .لم يكن جايد .وعندما سمعت الكلمات المتدبدبة والغير واثقة التي حاول المتلصص نطقها قفزت على قدميها بسعادة وهي تنادي :"إيليار".

كانت إيليار ترتدي فستانا أبيض قصير مثل فستانها وتقف متشنجة أمام بيتي التي تنتظر جوابها .قالت آنسيا وهي تمسك ذراع إيليار :"إنها صديقتي ".

جفلت آنسيا من تحديقة بيتي العميقة والمخيفة في الآن نفسه وكأنها تذكرها بما عليها فعله .انتهزت إيليار فرصة تشتت انتباه آنسيا فنزعت ذراعها من قبضتها وركضت بعيدا . لم تكن قادرة على النظر الى آنسيا وربما غير راغبة ذالك .

صرخت آنسيا وهي تحاول اللحاق بها :"إيلي توقفي أرجوك ".

أوقفتها بيتي قائلة بحزم :"ليس لدينا الوقت لهذا .علينا الالتحاق بالآخرين من أجل النذور ".

ورغم أن آنسيا لم تستعد بعد صديقتها إلا أنها قد بدت سعيدة ومرتاحة بما حدث فقد تأكدت من أن إيليار لاتزال مكترثة لأمرها وهو السبب الذي دفعها لتلصص عليها .كي تطمئن بأنها بخير .

لاحظت بيتي سعادتها فبادلتها بنظرة متوعدة واستخدمت صوتها الزجاجي لتمنعه من المرور من حولهما :"كنت قد اخبرتك أن تكتسبي الصداقات من أجل مساعدتك على التخلص من اللعنة .لكن الوقت لازال مبكرا على ذالك .من الأفضل لك أن تحذري من الآخرين في هذه المرحلة من الأيام المقدسة .لأنها مرحلة شديدة الصعوبة وتتطلب البقاء متيقظة .لا تثقي بأي كان إلا بزوجك ".

لم تكترث آنسيا كثيرا لتحذيرات بيتي فقدت بدت لها مبالغ فيها وشعرت بالانشراح بمجرد أن خرجت من الكهف نحو ضوء شمس الصباح الدافئة .

كان الكهف يقع في منطقة جميلة ممتلئة بالكائنات اللطيفة .فراشات .طيور.أرانب بيضاء تتنطط بين العشب ونحل طنان يصدر موسيقى مريحة أثناء تقافزه بين الزهرات المرحبة .

كان الجميع ينتظرون في الخارج ماعدا جايد الذي لم يظهر بعد .بدا لآنسيا أن باقي الأزواج مرتاحين أكثر من الليلة السابقة ففكرت أنهم ربما قد مرو بليلة ناجحة أفضل مما فعلت هي وجايد .كان بافي هو الأكثر راحة بين الجميع حيث بدا وجهه خاليا من أي نوع من القلق .رفع رأسه نحو السماء مستمتعا بالهواء الخفيف الذي كان يداعب بشرته ورأسه يميل بانسجام مع النسمات كأنه يرقص .صحيح أنها لم ترى بافي سوى لمرات معدودة لكنها قد كونت فكرة عنه .فقد بدا لها كشخص صارم يكره أن يفشل في مهماته أو يترك الأشياء غير منجزة .

تذكرت كيف بدا مستميتا ليقتل بيجي في ذاك اليوم وكأن تركه سيعد وصمة عار ستعلق فوق كتفه .ربما يعتبر هذا الزواج أيضا مهمة عليه النجاح في تخطيها بنجاح و هاهو يبدو رائقا بتخطيه عقبته الأولى .إنه فتى شديد الدهاء ويحاول أن يبدو عقلانيا وهذا ما جعلها لا تثق به .فشخص مثله لا يمكن التنبؤ بأفعاله .

شعرت بالحزن على صديقتها فمن الواضح أن بافي لم يكن مكترثا لعروسه فكل ما يهمه هو تنفيذ المهمة فحسب .وهذا ما دفعها لتقوية عزمها على إعادة صداقتها مع إيليار بأسرع وقت ممكن .

لن يكون أمامها حل سوى إخبارها بأمر اللعنة .ورغم تذكرها لوجه بيتي المتوعد إلا أنها متأكدة من أن إيليار ستحمي السر .لقد فقدت عينا فقط من أجل إنقاذها .كما أنها ليست بالفتاة الثرثارة ، بل قد تساعدها في إيجاد حل لورطتها .وسيسعدها أن تجد شخصا تتحدث معه عن الشر الذي يسكن أعماقها والذي يرعبها حد الموت .

اخذت قرارها .وكانت تلك أول نصيحة من نصائح بيتي تقوم بدفعها جانبا .

في مكتب ثيميسون الفخم استلقى جايد فوق الأريكة الجلدية المخصصة للزوار .كان يعبث بالأنبوب المطاطي الشفاف الذي يغذي جسده بالمصل .كانت أفكاره كلها متجهة نحو آنسيا غير عابئ بما كان يحدث من حوله .عندما انتهت آخر قطرة من المصل اقتلعه من ذراعه ووقف متأهبا للمغادرة .

"أريد كبسولة ".

"لا يمكنني تقديمها لك ".رد ثيميسون ."تأثيرها سيئ على شاب بمثل قدراتك .فرغم قوة مفعولها إلا أن أعراضها الجانبية مريعة ".

أصر جايد :"لا أهتم .أعطيني إياها فحسب ".

تابع ثيميسون تحذيراته باستمتاع:"ستجعلك ضعيفا ".

هز جايد كتفيه بلا اكتراث :"سأتدبر أمري ".ثم مد يده نحو المعالج ."هل ستقدمها لي أم لا ".

"لا ".

طوى جايد قبضته :"لا يهم .لدي طرقي الخاصة في الحصول على تلك الكبسولات كما تعرف ".

"أعرف هذا .لكنني لن أكون الشخص الذي يقدمها إليك ".

استدار جايد وهو يهم بالمغادرة وعندما كاد يصل الى الباب قال ثيميسون :"أصبحوا يعرفون بما حدث في الليلة السابقة .قد تتعقد الأمور".

انتبه جايد الى الفقاعة التي كانت تعزل حديثهما فلوى شفتيه ساخرا :"أنا لا أخشاهم كما تعلم يا ثيميسون ".

ابتسم ثيميسون فلطالما كان معجبا بشجاعة جايد وتهوره الذي يتخطى الحدود :"رأيت أن علي تحذيرك مما هو قادم فحسب ".

"أوه كم أنا ممتن لتحذيرك ".تابع جايد بسخرية مريرة ."من الأفضل أن تعرف بأنني لم أتزوج من آنسيا لأن القدر هو من حددها من أجلي .تزوجتها لأنها الفتاة الوحيدة في العالم التي أرغب بها .وأنا لا أكترث بالنتيجة التي تتوقون اليها من خلال هذا الزواج.أو ما يتوقون إليها ".

اقترب جايد من الطاولة التي كان يجلس ثيميسون بقربها ويده تحمل كوبا من الدماء التي كان يرتشفها ببطء ونظرة استرخاء مرتسمة على ملامحه .كانت هناك ثلاث أكواب أخرى ممتلئة بالدماء الطازجة التي لاتزال دافئة .

قال ثيميسون مشجعا :"تم استخراجها للتو ".

تردد جايد قليلا ثم أمسك بالكوب تلو الآخر وارتشفهم دفعة واحدة .فكر أنه من الأفضل له أن يكون ممتلئا عن آخره قبل أن يلتقي بآنسيا مرة أخرى .

قال قبل أن يفتح الباب ويغادر :"لو كان القدر قد اختار فتاة أخرى من أجلي كنت سأترككم جميعا لتتعفنو ".

ضحك ثيميسون وهو يرتشف ما تبقى من كوبه وهو واثق من أن جايد كان ليفعلها..فلم يكن الفتى الذي يمكن للقوانين بأن تقيده .وهذا هو السبب الأول الذي جعله مميزا بالنسبة إليه .

رفع نخبه وارتشف ما تبقى من كأسه متمتما :"لحسن حظنا أن القدر كان لجانبنا ".

عندما طال غياب جايد اقترحت بيتي أن يقوموا بانتظاره أمام شجرة الأقدار .كان باقي الثنائيات الذين غادرو الى المخيم متواجدون هناك قبلهم .قضمت آنسيا أظافرها بتوتر وهي تتطلع بين الفترة والأخرى الى التلة بحثا أن أي أثر لجايد .وقد داهمها قلق شديد بسبب تأخره .

أطلقت صرخة صاخبة غير مدركة للعيون التي استدارت نحوها عندما رأت جايد يقترب منها ومن خلفه المعالج .قفزت نحوه وعيناها تبرقان من الشوق كأنه قد غاب عنها لزمن طويل .فكل ثانية كان يغيب فيها عنها كانت تمر ثقيلة ومنهكة .

بدا وسيما .وسيما ومتألقا بدرجة مثيرة .

انزعجت من الطريقة الباردة التي استقبلها بها .فوقفت بجانبه مراقبتا طقس النذور بشرود تام والنار تكاد تلتهم أحشاءها .فكل الحماس الذي كان بداخلها اختفى وحل محله الألم والإحباط .

كان الطقس عبارة عن وعود يعطيها كل طرف من الزوجين للطرف الآخر أمام الشجرة .

من بين الوعود التي أدهشت آنسيا كان ما تفوهت به إيليار وبافي لبعضهما .حيث قالت إيليار بأنها ستتقبل وجوده أما هو فرد بأنه سيقوم بواجبه .وكلا الوعدين كان مبهما وغير محدد ويمكن أن يعني أي شيء .لكن الغريب أن الشجرة قد تقبلتهما .وأزهرت زهورا جميلة في المكان الذي لمساه معا كدليل على التقبل .

أما ريغن فقد كان وعده الأكثر تأثيرا في الجميع خاصة أنهم يعرفون مدى نفور جولينا منه حيث قال بأنه سيضحي بحياته من أجل زوجته التي ردت عليه بشكل غير واضح بأنها ستدعمه .ولم تتقبل الشجرة نذرها فغيرت كلمت الدعم الى مساعدة فلم تتقبلها الشجرة مجددا وأخيرا قالت بأنها ستنظر جديا في أمر حبه لها لتزهر لها الشجرة بالقبول .

توترت آنسيا بشدة عندما حل دورها .ولم تجد أي شيء لقوله وهو ما جعلها ترتبك بشدة .بسط جايد راحتي يده فوضعت كفيها بداخلهما ونظرت الى عينيه المتألقتين فشحب وجهها وخفق قلبها بجموح .

قال جايد :"أعدك بأنني سأحميك دائما حتى من نفسي ". أثرت فيها كلماته بقوة ما جعلها تشعر بالدوار كأنها على وشك أن تفقد وعيها .وبلا تردد وبشكل تلقائي خالص نابع من قلبها وببساطة شديدة قالت :"أعدك بأنني سأحبك دائما أكثر من أي شيء آخر ".

أمسكا بفرع الشجرة معا فأزهرت أجمل زهرتين رأتهما في حياتها .

عندما نظرت الى جايد كانت عيناه متسعتين بشكل مفجع .

وبأصابع مرتعشة وضعت يدها فوق صدره مترجيتا أن تشعر بنبضات قلبه لكنها لم تشعر سوى بالخواء .كانت عيناه متحجرتان في مكانيهما ونبضه متوقف .

فصرخت باسمه بأعلى صوتها وهي تحتضنه :"جايد ".

Continue Reading

You'll Also Like

1.9M 90.7K 43
إما أن تلعب أو أن تكون اللعبة . و أوليفيا سقطت في لعبة لا تعرف قواعدها ، لا تعرف اطرافها او نتيجتها . لعبة ؟ إنها حرب . " ساعطيك خياران أوليفيا ،...
1.5M 54.4K 41
جينرال اسبانيا الصارم " إليخاندرو ثيوبالد " ماذا لو وقع بحب فتاة في الثانوية .. مقتطف :- أشعل سيجارته لتسحبها من يده بغضب و قالت بنبره حاده " متعمد...
273K 15.3K 81
إليانورا إيزابيلا بيانكي فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا ولم تغادر "منزلها " منذ 5 سنوات. انفصل والداها عندما كانت في الخامسة من عمرها، ومنذ ذلك الحين تع...
101K 4K 17
دانييل فتى لطيف و رقيق للغايه لكن والداه يتفرقان ليختار عيش مع ابيه ظان بانه سيتلقى دلال منه و من عائله والده ولكنه اختار الاختيار خاطئ و صحيح بنفس و...