أمضت ثلاثة ايام وهي تحاول العثور على مبررات وجيهة لتلغي موعدها مع رورك ماديسون ، فمدت يدها ست مرات الى الهاتف لتخابره وكانت تتراجع في كل مرة لعلمها بانه قادر على نقض اعذارها الواهية .
كذلك لم يمكنها طلب اي مساعدة من بلانش لاعتقادها بان تيشا قبلت الدعوة كمحاولة منها للتصالح مع جارها ، بل ان عمتها فرحت باذعانها هذا والى حد لم يترك لتيشا اي حل سوى ان تذهب معه .
وصل رورك في تمام السابعة ولكن تيشا تقصدت الا تكون مستعدة ، ودخلت غرفة الجلوس بعد مرور نصف ساعة على وصوله وهي تعرف جيدا ان قفطانها الزيتي والازرق المائل الى الخضرة ، كان يعزز لون عينيها المتوهجتين بنور المعركة المقبلة .
تسريحتها وحدها استغرقتها ثلاثة ارباع الساعة ، عقصت شعرها الطويل فوق رأسها كي يتوهج في الضوء الاصطناعي كتاج من الفرو ، وقد اضافت هذه التسريحة سنوات الى عمرها واضفت عليها مظهر امرأة مجربة .
" بدأت أظن انك سوف تلغين موعدي ."
قال لها رورك ناهضا وهو يبدو كامل الاناقة في بدلة السهرة السوداء .
ثم سار متمهلا الى حيث تقف ومطلا عليها بقامته الفارعة المهيبة ، ومحتويا اياها بنظرة اعجاب وقحة .
فسألته بعذوبة
ـ وما الذي دعاك الى ظن كهذا ؟
فلمس باصبعه حجر اليشب الاخضر المتدلي من اذنها وأرسله يتأرجح ، بصوت أجش وهمس ـ
ربما ذلك العرق الصغير النابض في عنقك هو الذي اخبرني بانك لست رابطة الجاش کما تبدین .
حين استدارت وقال بصوت أعلى ولصالح بلانش -
-تأخرنا ، من الافضل ان نمضي .
فاضطرت تيشا الى اخماد الغضب الذي قفز الى عينها و استدارت إلى عمتها لتتمنى لها ليلة طيبة وكان صعبا عليها جدا ان تبتعد عن يده القابضة على ذراعها ، وقال وهي تمس خد عمتها بشفتيها
-لن نتأخر في العودة يا بلانش .
- استمتعا بسهرتكا معا . ثم غمرت نيشا وهمست لها مداعبة
ـ تذكري ، عشرون دقيقة ثم أشعل ضوء المدخل.
فعبقت تيشا وهي تنظر الى مرافقها بسرعة وتقول لعمتها.
ـ الليلة لن تكون هناك حاجة الى ذلك .
كانت تعلم انه لن تكون هناك تحيات مسائية متلكئة خارج الباب .
وسألها رورك بعد دقائق وهو يفتح لها باب السيارة
-عنا كنتها تتحدثان ؟
ـ أنها مزحة عائلية . أجابته متحاشية لقاء عينيه اللامعتين وهي ترفع تنورتها الطويلة ليستطيع اغلاق الباب .
كان غروب الشمس الذهبي قد صبغ الافق بلون الكريم والعنبر الداكن وتظاهرت تيشا بتأمله حين اخذ رورك مكانه خلف المقود .
وقال رافعا حاجبيه بتهكم
ـ انت لا تقنين اننا سنتلكأ في توديع بعضنا في نهاية السهرة ؟
واردف حين استدارت اليه مستغربة
ـ لقد اخذت كفايتي من اضواء المداخل التي كان يشعلها آباء وأمهات نافدو الصبر .
ـ ماذا ؟ اما كانت هناك بنادق مصوبة اليك ؟
- کلا ، بلا بنادق . وبسرعة ادار السيارة وارجعها الى الوراء خارجا بها من الممر .
- ارجو ان يحتفظو لنا بالطاولة المحجوزة للعشاء . فأجابها رورك وهو يخفي ابتسامة عمقت الخطوط حول انفه وفمه .
-أخذت احتياطي بتعيين الساعة الثامنة موعدا للحجز ، في حال تأخرت في ارتداء ثيابك .
- ارجح انك اكثر اعتيادا على نوعية ثانية من النساء ، الست كذلك ؟
- لك ان تسميه قانون ماديسون .
كان واضحا انه يهزأ بمحاولاتها في تحقيره ، فأعلنت قائلة .
- الحق عليك ، فانت لم تجد من المناسب ان تعلمني بالمكان الذي سنذهب اليه ، وكان من الصعب ان اختار الثوب المناسب وانا لا اعلم هل سنذهب الى مكان صغير يبيع الهامبرغر ام الى مطعم ستيك فاخر .
ـ لقد تبين لك بوضوح اني لست معدما كالصبيان الذين اعتدت الخروج معهم ثم زحلق بصره على لباسها الفخم واردف
- أمل الا تصابي بصداع من كل ذلك الشعر المكوم على رأسك .
فردت محتدة
ـ الصداع لا يأتيني الا من الشخص المرافق لي ، كما ان شعري لن يثقل رأسي ولن اتعثر بالتالي واحرج موقفك أمام الناس .
ـ الفكرة ما خطرت لي اطلاقا لكن حاذري من القاء طعامك في حضني بطريق الخطأ والا اضطررت لاسقاط طعامي على رأسك الجذاب .
كان في صوته نبرة فولاذية لم تلحظها تيشا من قبل ، أرغمتها ، أكثر مما ارغمها تحذيره ، على الجلوس صامتة بقية الوقت .
آن رورك ماديسون لم یکن مستعدا فحسب لمبارزتها بالكلمات بل ايضا للرد على النار بالمثل ، ومن دون اي مراعاة لانوثتها .
وفي مراب المطعم ، قصدت تيشا ان تترجل من السيارة قبل ان يتمكن رورك من الوصول الى جهتها ليفتح لها الباب ، وضاقت عيناها قليلا لما رأها واقفة ورأسها مرفوع بتحد ! فان كان قد اصدر مرسوما يقضي بخلع القفازات فسوف تعامله بالمثل وحتى النهاية.
وأعلن هو قائلا - أفهم من هذا انك لا تريدين الاطلاع على التصرفات الاجتماعية اللائقة التي يعامل بها الرجل المرأة ليكن اذن ما تريدين .
وكان لحفيف تنورتها الطويلة ونة ملكية متعالية حين استدارت ومشت مسرعة أمامه .
انما لسوء الحظ ، تعذرت عليها السرعة بسبب كعب حذائها العالي فسرعان ما لحق بها وسار الى جانبها بخطوات متوازنة وهو يبتسم لتعبير وجهها الممتعض .
ولما بلغا مدخل المطعم سبقها بخطوات وحيث فتح الباب وعبر منه ، تاركا اياها تمد يدها بسرعة الى المقبض لكن الباب انغلق في وجهها .
وحين لحقت به الى داخل المطعم كانت وجنتاها متوردتين رمقها بعينيه البنيتين بنظرة خاطفة لكنها استطاعت ان توصل رسالته الى تيشا وكأنما تقول .
- واني اتصرف بناء على رغبتك فتحملي النتائج .
وقبل ان تستطيع قذفه بجواب قاطع كان رئيس الخدم يقدودهما الى طاولتها .
وما كادا يجلسان حتى جاءت عاملة المطعم ، فطلب رورك عصير بندورة وتجاهل تيشا تماما مما حمل العاملة على ان تسألها ما تريد فردت من بين استانها
- عصير برتقال .
صوبت الى رورك نظرة كسهم المسموم لكن قائمة الطعام امام وجهه كانت كدرع حمته منها .
ففتحت تيشا القائمة الخاصة بها بغضب ارجف يديها الى حد جعل الحروف تتراقص امامها .
انفجرت حاقة فدفعت بالقائمة جانبا وقالت بصوت كالفحيح فيها نظر اليها رورك بحاجب مرتفع.
- هذا مستحيل ! من الافضل ان تأخذني الى البيت لأني لست مستعدة لتقبل هذا !
ازاحت مقعدها بعيدا عن الطاولة وهمت بالنهوض لكنه امرها قائلا -اجلسي .
ثم كرر بنبرة اقوى ۔ اجلسي والا اجلستك بالقوة !
وادركت تيشا انه كان كريها الى حد لن يأنف فيه عن تنفيذ تهديده فجلست بتردد .
وراحت ترقب بغضب مستعر الابتسامة المتمهلة التي انتشرت على وجهه الملوح ومن دون ان تصل عينيه البنيتين . . . وغمغمت بوحشية.
- انت تثير الاحتفارا