ᴅᴏɴ'ᴛ ᴛᴇʟʟ ᴀɴʏᴏɴᴇ ᴀʙᴏᴜᴛ ᴍᴀʀɪᴀ...

By asoum_an

1.1M 54.9K 53.7K

ترغب ماريا روزا بدأ حياة جديدة متخلية عن أكاذيبها الصغيرة السابقة إلا أن قدرها يختم بقدر فتاة أخرى وكذبة أكبر... More

𝚌𝚑𝚊𝚙𝚝𝚎𝚛2:كاذبة سيئة
𝚌𝚑𝚊𝚙𝚝𝚎𝚛3:كالرَجل كَإِبنته
𝚌𝚑𝚊𝚙𝚝𝚎𝚛4:الحب أم المال؟
cհαթԵҽɾ5:ميلانو
cհαթԵҽɾ6:لقاء
chapter 7:صوفيا سولارا
chapter 8:هوس جديد
𝙲𝚑𝚊𝚙𝚝𝚎𝚛 𝟿:العشاء الأخوي الأحمر
chapter 10:الشَقِيقة المزيفة
chapter11:أُرِيدك
chapter 12:بين الأسوأ
chapter 13:فتى الدراجة
chapter 14:غريبين وغرفة واحدة
chapter 15:واحد وعشرون زهرة
chapter16:الإخوة الحمر
chapter 17:المهمة الأولى
chapter 18:رافقيني
chapter 19:إستعراض
chapter 20:الطائر المحاكي
chapter21:إجعل مني إستثناء
chapter:العقد
chapter 23:حُلم مدفوع
chapter 24:الأرشِدُوق وزَوْجاته الثَلاثَة
chapter 25:موعِد مع الشَيطَان
chapter 26:هدية
Part 27:يوم سيء
Part 28:هدنة
chapter 29:حلم صغير
chapter30:ثِقِي بي
31:MI ROSA

𝚌𝚑𝚊𝚙𝚝𝚎𝚛𝟷: شقراء غير محظوظة

186K 3.6K 2.8K
By asoum_an

قصر عائلة آل سولارا/ميلانو

أغوست سولارا

"القهوة, حضري الكثير من القهوة ميلي. سأعود منهكة اليوم"همست إيزابيلا مارسيلي بتعب نحو سكرتيرتها من خلال الهاتف وهي تتجاوز البوابة الرئيسية لقصر عائلة سولارا.

"الحقيبة والهاتف سيدتي" تحدث رئيس الحرس يقف مقطوب الوجه أمامها.

هي تأتي مرة في كل أسبوع على مدى عشر سنوات والإجراءات الصارمة للعبور لم تختلف عن أول مرة بل إشتدت منذ السنة الماضية.

كانت إيزابيلا إمرأة في بداية الثلاثينات بقامة قصيرة وشعر بندقي قصير و عينين رماديتين,قد أجهضت طفلها الثاني قبل أن يكمل الشهر بسبب مشكلة في عنق الرحم قبل أسبوعين وقد عادت للعمل قبل أربعة أيام تعمل ساعات الصباح فقط ,تلك كانت مرتها الاولى في العمل مساءا بعد وقت طويل. لم يكن تأجيل الموعد أمرا ممكنا وهي تعمل مع أغوست سولارا,حتى وهي تضع طفلها الأول قبل سنتين اضطرت لمقابلته بعد يومين من الولادة وإكمال الجلسة.

وضعت الحقيبة والهاتف جانبا تتجاوز الحارس الذي إبتعد عن طريقها سامحا لها بالدخول.وراء الباب الرئيسي كان مدخلا خاصا ملئ بالحراس والآلات الماسحة للمعادن.كان عليها أن تمشي لمدة عشر دقائق متواصلة قبل أن تجد بوابة القصر الفعلية.

وقفت في الطابق السفلي تنظر لأعلى السلالم بشرود تنتظر الخادمة التي تتجه إليها من بعيد

"كالعادة سيدتي" قالت الخادمة وتجمعت ملامح إيزابيلا بخيبة.

كانت طبيبته النفسية منذ عشر سنوات وتطلب منها أربعة سنوات كي يثق بها ويسمح لها بخوض الجلسات داخل قصره بدل الصالات الخاصة في نوادي الغولف التابعة له. ومنذ ذلك اليوم وهي تأمل أن تحظى بثقته التامة ويسمح لها بدخول الطابق العلوي -جناحه الخاص الذي لا يسمح لأي شخص بتجاوزه.

ولكن لا يبدو أن اليوم الذي تأمل من أجله هو اليوم.

تنهدت تنظر لساعتها التي تشير للخامسة واربعة دقائق.حملت المذكرة الجلدية مخرجة قلمها الخاص من الروابط داخله بينما ترخي جسدها على الكرسي الجلدي خلفها,أغوست كان أول شخص يقوم بإستشارتها بعد أن تخرجت كطبيبة نفسية وهي في سن الاربعة وعشرون .كانت أكبر منه بخمس سنوات كما هي أكبر عن صديقه كريستوف والذي يكون زوجها الآن. كان هو من عرفها عليه وألح عليها أن تقابله رغم ترددها وعدم خبرتها في الميدان.

أغوست كان في التاسعة عشرة فقط دفعه موت والده المفاجئ و وراثته أملاك عائلة سولارا أن يطلب المساعدة التي تجاهلها منذ سنوات.

كان مريضا

لمست أصابعها الكلمات المتقاطعة في ظهر المذكرة بهدوء "الهوس,الريبة,الحذر الدائم,الشك,الهوس القهري",تهمس بآخر كلمة وهي تنظر للساعة التي تشير للخامسة وخمس دقائق وصوت الخطوات الثقيلة تصف أمام الباب.

ابتسمت بتكلف أمام الرجل الشامخ أمامها.

"أنت في الموعد... مجددا"تكلمت تنظر لأغوست الذي جلس على الأريكة مقابلها بينما يوصد حارسه الشخصي الباب عليهما من الخارج.كرهت أن تجلس في الغرف الموصدة خصوصا المكاتب ولكن الرجل الذي أمامها ليس شخصا عاديا.

رغم السنوات الطويلة التي قضتها في علاجه كانت متأكدة أنه يرغب في تفتيشها كل مرة تدخل للمكتب.

"أنا دائما في الموعد" كانت عينيه الزرقاوتين تمشطان بنيتها كماسح ضوئي.

"اتمنى لو أنك لست كذلك.. لكان عملي قد إنتهى". مزحت تلعب بالقلم بين يديها بتوتر من العينين الزرقاوتين التي تتبع حركاتها بتركيز. مهما حاولت أن تكون إحترافية وجوده وكأنه من يعاينها وليس العكس كان يفقدها رباطة جأشها.

كان عبقريا,عقله لم يكن يتفاعل بالطريقة الطبيعية وهذا ما جعل أعمال عائلته تتضاعف في أول سنة له كرئيس المجلس في الشركة. لكن لعبقريته خط ضئيل يفصل بين الذكاء الفائق والجنون.

وهذا كان عملها,أن تجعل هذا الفاصل الدقيق أن يصمد.

يراها كل يوم إثنين على الساعة الخامسة وخمس دقائق,ينهي عمله في تمام الخامسة في مكتبه في الطابق العلوي والخمس دقائق هي المدة التي تتطلبه للوصول إلى المكتب في الطابق السفلي.

مهما حصل كان يصل في الموعد.

"كيف كان يومك سيد أغوستينو"سألت

"جيد"أجاب بجفاف

"علمت أنك إشتريت حقوق المجمعات القريبة من الشركة,قبل أشهر كان من المستحيل أن يضع أي رجل أعمال يده عليها لكن ها أنت المالك الجديد. تهاني الحاره"

"كريستوف من أخبرني" أردفت وهي تنظر لملامحه المستنكرة,كريستوف كان صديقه المقرب الوحيد وشريكه في النوادي.

"طبعا كريستوفر من أخبرك" تهكم صغير خرج من كلماته المنفعلة وهو يخرج السكين الجيبي من بنطاله متجها للمكتب.

"أنا طبيبتك سيد أغوستينو أخبار مهمة كهذه يجب أن أعرفها أولا" قالت تتبع يده التي تحمل قطعة خشب صغيرة سبق ونحت نصفها مظهرا جناحا لطائر بثلاث رؤوس.

منذ آخر شهرين علمت من تصرفاته أن هوسه بدأ ينضج مجددا.حتى وهي تعالج حالات مشابهة لم ترى حالة معقدة مثل الرجل الذي أمامها.كان يشعر بالملل والرتابة أكثر من المعدل الطبيعي ,لاشيء يثير انتباهه أو يعجبه.لكن عندما يحصل ويثير إنتباهه أي شيء مهما كان صغيرا يصبح مهووسا وحالات شكوكه وارتيابه تشتد.

أول مرة إلتقت به في حديقة القصر كان لا يستطيع التوقف عن جمع الاحجار اللامعة حتى أنه لم ينظر إليها طوال المدة التي تحدثا بها وهو ينقب بعينيه على الارض,بعدها بسنة أصبح مهووسا باللون الاسود وكره رؤية أي لون اخر في الملابس او الاثات ما جعل شقيقته ووالدته يلجئون اليها طلبا للمساعدة.كان هوسه يشتد لدرجة منع شقيقته من ارتداء أي لون غير الاسود امامه

"الألوان تزعجه وتغضبه" هكذا وصفت والدته حالة الهوس التي كانت تصيبه وهو يرى لونا اخر.

طوال تلك السنوات اختلفت الأشياء وتغير هوسه من الاثاث ,الالوان,جمع شتائل الاوركيد النادرة,الرسم إلى النحت والمجسمات الخشبية.

كان مهووسا بالمجسمات منذ السنة الماضية وتوقف بعد إختفاء أخته صوفي لكن على مايبدو هوسه قد عاد مجددا.ولكنها كانت ممتنة رغم ذلك.في أغلب حالات الهوس التي عالجتها مريض الهوس القهوي يصبح مهووسا بالأشخاص والذي يكون خطيرا للطرفين ولا
ينتهي بخير في معظم الحالات,وهذا كان ليصبح كارثيا بالنسبة له وقد كان يعلم ذلك لهذا يعيش منعزلا عن الناس خصوصا النساء.

إختفت عن وسطه منذ مدة طويلة الأن وهي لا تعلم مدى سوء حالته

"كيف حال السيدة سولارا؟"سألت تحاول معرفة سبب هوسه المفاجئ.

وحدها المشاعر الغير مرغوبة ما تجعله يعود لشيء قد تركه من قبل.

"مستقرة" أجاب يشد الضغط على السكين المغروس في خشب البلوط

 منذ إختفاء شقيقته صوفيا السنة الماضية و والدته تعاني نوبات صرع متواصلة أدت أخر نوبة لدخولها في غيبوبة استمرت لشهرين 
من بعدها أصبحت طريحة الفراش 

"هل الأعمال تسير بشكل جيد؟"سألت. كانت تعلم أن أعمال عائلة سولارا في أوج إزدهارها كما لم تتدهور منذ أن أصبح رئيسا.لكنها شعرت أن هناك خطب ما ودفعه للحديث عنه هو أصعب شيء في العمل معه.

"نعم"نبس يمسح على المجسم الصغير الذي يحمل نسر بجناحين وتلات رؤوس والذي أنهى نحته للتو.

"ماذا يعني النسر بثلاث رؤوس؟" سألت,النسر الأسود برأسين كان رمز الجامعة الدولية لميلانو ورمزا لا ماديا للنوادي المخملية التي تخص الشخصيات المهمة أيضا,كانت أول مرة التي ترى فيها رمز الثلاث رؤوس وعلمت أن أغوست لا يثير انتباهه شيئا عابرا.

"شعار أخوية إسكاربوك,النسور الحمراء بثلاث رؤوس"توقف أمامها يضع المجسم على الطاولة بجانبها سامحا لها بحمله.

وضعت المجسم جانبا تنظر لعينيه الفارغتين وملامحه الجامدة,كانت محقة كان يعلم بشيء لا تعلمه,الشيء الذي يجعله يغذي هوسه وارتيابه.

"أي أخبار عن صوفيا؟"سألت وتمنت أن لا يكون ما تفكر به وهي تنظر لهيئة الرجل الذي أمامها وهي تتصلب

"ميتة" أجاب بفراغ جاعلا من جسدها يهتز بذعر.

"منذ متى ؟"

"السنة الماضية"

"وجدو ما تبقى من جسدها المتحلل في كوخ مهجور خارج المدينة" أردف يحاول التحكم في انفعالاته

"كنت تعلم؟" علمت أن تدهور حالته في الأشهر السابقة لم يكن بسبب اختفائها فقط

"قبل أسبوعين  "أجاب

"وجدت الفاعل؟"

"عضو من الأخوية إسكاربوك من قتلها"

تجمدت إيزابيلا وهي تنظر لأغوست أمامها الذي تحيم عينيه الشاردتين في الهواء وتلعب يده اليمنى بالسكين الجيبي ممزقا به الجلد العلوي الرقيق للكرسي الذي يجلس عليه.

مهما كان هذا الشخص علمت أنه هوسه الجديد ولن يتوقف حتى يقتله.

قبل خمسة أشهر

قرية فرانشاكورتا/ماريا روزا

"أسوأ الثمار تلك التي لا تنضج أبدا "

نظرت للعبارة المزخرفة في سقف المدخل الرئيسي بالجبس الأبيض ملونة بلون فيروزي مموه بالابيض الكريمي . اعتلت شفتي إبتسامة متهكمة وأنا أهمس بالعبارة لنفسي للمرة الثانية هذا الصباح كما أفعل كل يوم وأنا أقف أمام حانة لابيرجولا. في مدخل الحانة مكتب صغير يكاد يكون مكانا لاستقبال ولكنه ليس كذلك ، السيدة بيرجولاتي تستعمله كحاجز للمرور . الدخول لحانة لابيرجولا يكاد يكون أصعب من تجاوز أماكن التفتيش في عربة القطار بدون تذكرة .

لم تكن حانة عادية كانت مركز للرهانات الأمر الذي لا يعد قانونيا في فرانشاكورتا ,القرية التي أعيش فيها منذ عشرين سنة.

"في ماذا أساعدك ؟" تكلمت المرأة العجوز بوجه مقبوط تنظر لثمار البرتقال والتين الشوكي .التمويه المثالي لدفع الشبهات عندما تأتي دورية الشرطة إلى الحانة . الامر الذي يحدث عادة بعد أن يخسر رجل مخمور جميع مدخراته على حصان أو كلب أو ديك خاسر . كانت إمرأة في أواخر الستينات على حد علمي ،تزوجت من قبل في عشرينياتها عندما عاشت في روما ولم تتزوج مرة أخرى منذ اعتزالها هي وشقيقها هنا في فرانشاكورتا.

إمرأة بتقاسيم حادة وعيون ضيقة تغلق على عيني لا أستطيع تحديد إن كانوا يمزجان بالأزرق أو الرمادي . وجه طويل وشعر قصير رمادي بالكامل وشفتين مغروستين بالكاد يظهران وهي تتحدث . لم تكن سيدة لطيفة أبدا كما لا يمكنني وصف أخيها الشقيق السيد بيرجولاتي أيضا ولكنها كانت محكومة بماضيها واتصالها بالعالم الذي تركته قبل أربعين سنة فقط . على عكس اخيها الذي كانت تصرفاته الحنقة نابعة من جهله وإندفاعاته وحساسيته تجاه سكان القرية .

 كلاهما ظنا أنهم افضل من الجميع ولحد ما كانا على حق .

خرج والدي من السجن قبل ستة أشهر بسراح مشروط بعد أن إعتدى على رئيسه في المصنع الذي رفض دفع مستحقاته بشكل كامل بعد الحادثة التي مضت قبل سنة من الإعتداء . رئيسه السيد إنريكي پيير كان فرنسيا يكاد يتكلم الإيطالية بلهجة مفهومة الأمر الذي لا يستسيغ فهمه رجال أميين مثل والدي والعمال في مصنع النسيج . كرهه للسفر بين مرتفعات القرية إلى روما البعيدة للوقوف على شراء الآلات الجديدة سمح للأخطاء أن تقع . وعندما تخطئ لا يهم خطأ من بقدر ما يهم من يتحمل المسؤولية . آلة النسيج التي كان يعمل عليها والدي تفككت بشكل مفاجأ وسقط جزء كبير منها على قدمه اليسرى مسببا تمزق الانسجة بشكل كامل .

إعاقة لن يشفى منها أبدا .

 تحمل السيد بيير المسؤولية الأمر النادر الذي لا يفعله المرؤوسون الذين يهز رؤوسهم مرؤوسين آخرون, إنريكي كان رئيس والدي ولكنه لم يكن رئيس أحد اخر. العشرات من الرؤساء الأعلى منه إستنكرو تحمله للمسؤولية ولكنهم كانوا تحت الامر الواقع وأجمعوا ان يدفعو لوالدي نصف راتبه مدى الحياة فيما أعفي السيد بيير من ثلاثة أشهر من مستحقات عمله .

حتى مع نتوءات قدمه التي كان يحاول المشي عليها قسرا دون استعمال عكاز واستخفافه بالعلاجات التي قدمه الطبيب كان والدي سعيدا . رجل كسول مثله لم يحلم أنه سيرتاح يوما ما دون أن يحتاج للعمل مرة أخرى. الثمن الذي قدمه بدى له زهيدا امام متعة الشراب طوال الليل والنوم طوال النهار .

"سأقدم قدمي الثانية بكل فرح إن وعدوني بدفع مرتبي بالكامل " كان يمزح بشأن هذا طوال الوقت دافعا جدتي لشتمه "الكسل وسادة للشيطان والرجل الذي لا يعمل هو الشيطان بذاته " كانت تقول لكن ذلك لم يصل لمسامعه أبدا .في المرات القليلة التي يكون فيها في المنزل يكون مخمورا والكلمات المعدودة التي تخرج من فمه من غير محاولة إستفراغه الدائمة تخرج غير مكتملة قبل أن يغرق في النوم . لم يكن يسمع لأحد أو يهتم بأحد , الشيطان الذي وصفته جدتي توهم أنه في الجنة .

بعد سنة من روتينه المقدس : الشرب ,النوم والمراهنة . دخل إلى المنزل في أحد الأيام وقميصة مغطى بالدم ونام وكأنه لم ينم لأيام . وفي اللحظة التي أشرقت الشمس داهمنا رجال الشرطة وأخذوه . تبين لنا في وقت لاحق أن الكثير من أصدقائه شجعوه على مواجهة السيد بيير وأخد تعويضه بشكل كامل وأن ما يعطونه إياه كان ينقص بسبب أطماع رئيسه نفسه . أصدقائه الذين يكونون سكيرين ومراهنين أيضا .

الطمع وضع شركا للشيطان وأوقع به في جهنم .حوكم والدي بعشر سنوات من السجن لأنه كان ثملا والشركة لم ترد أن ترتفع سيط الحادثة وتعرف حادثة قدمه أيضا بين الفروع الاخرى للمصنع . بعد إعتقاله لم نذهب إلى أي جلسة من محاكمته التي أقيمت في ميلانو. لأنه كان مكلفا لنقل ثلاثة أشخاص عبر القطار . أمي وأنا وأخي جيوفاني الذي أكمل التلات سنوات وأصبح من الضروري دفع تذكرة كاملة من أجله أيضا. سمعنا الحكم من بعيد وعبر الرسائل التي أرسلتها المحكمة إلى المنزل ، تألمنا من بعيد أيضا . حوكم والدي ولم يستفق السيد بيير من الغيبوبة التي سببها له . وكل تعويضاته من المصنع أصبحت تخص تعويضات رمزية لدفع فواتير مشفى السيد بيير .

"أبحث عن شخص ما فقط .سأدخل وأخرج بسرعة" . منذ خروج والدي من السجن ومن الليلة الاولى التي أراه فيها بعد سبع سنوات كنت أتي إلى هنا . يوميا لمدة ستة أشهر ولسبب ما في كل مرة كنت متوترة . كل مرة أتيت إلى هنا كانت تنظر إلي وكأنها المرة الاولى التي تراني فيها . ظننت أنها تدعي ذلك في البداية ولكنني أظن الان أن الوجوه العديدة للفتيات اليائسات اللتين يأتين للبحث عن أزواجهن أو والدهن هنا يتشابهن . ووجهي الجميل كما يصفه الجميع ليس إستثناء عندما يتوقف الأمر عند اليأس . اليأس والعار يجعل الجميع متشابها . وحده وجه اليأس واحد و يستنسخ .

"الجميع يبحث عن شخصا ما عزيزتي " زمت شفتيها في تقاطع رفيع تضيق عينيها أمامي بينما تضع حبتين من العنب الأبيض داخل فمها . كانت تحاول تذكر وجهي الأمر الذي يجب أن أتجنبه كل يوم .

أن أكون وجها منسوخا أفصل أن يتعرف علي . ماريا روزا فيغو إبنة السكير ألفونسو فيغو الذي يدين للجميع بالمال .

"لن أتأخر . أنا قريبة أحد الرجال في الداخل عائلته تبحث عنه " تكلمت أضع قبعة الصوف على وجهي أحجب ملامحي عنها .

"ما إسمك ؟" سألت تفتح الخزينة مخرجة مجلد أسود سميك يكاد يكون ممتلئا . جميع المديونين وأصحاب المشاكل كما يصفونهم الإخوة بيرجولاتي يكتب إسمهم هناك وفي اللحظة التي يدخلون فيها إلى الحانة لا يتم السماح لهم بالخروج منها حتى يدفعون ما يدينون به أو بشكل أدق حتى تأتي إبنة يائسة أو زوجة متعبة لتدفع وتحمل الجسد الثقيل للحمولة الزائدة إلى المنزل .

"صوفي سولاري " لم يكن هذا الإسم الذي ولدت به لكنه الإسم الذي أهرب منه من الحياة دائما . من دائني والدي وسخرية رفيقاتي بشأن إسمي الذي يناسب امرأة كهلة . ولكنني أستعمله كلما أتيت إلى هنا لسبب آخر . الدخول إلى هناك كصوفي سولاري كان أسهل من أن يتعرف علي كفرد من عائلة فيغو. لن يتركني الدائنين ولا السيد بيرجولاني أن أخرج لا أنا ولا والدي من هنا دون دفع الديون .

"دقيقة ,دقيقة" همهمت تضغط على بذور العنب التي تصدر صوت فرقعة رطبة داخل فمها المليء بالأسنان البلاستيكية . صوت ليس ممتعا للأذن أبدا وليس مشهد مرغوب في ساعة مبكرة من الصباح خصوصا وأنا لم أتناول الفطور اليوم بعد. أول شيء فعلته عندما استيقظت على صوت أخي الصغير جيوفاني وهو يخبرني أن والدي لم ينم في البيت وأن والدتي تطلب مني البحث عنه هو إرتداء حذائي والخروج إلى وسط المدينة التي تبعد ساعة من المشي عن منزلنا الذي يتواجد على التل في الحدود الخارجة على فرانشاكورتا . عندما كانت الفتيات يتذمرن في المدرسة من القرية الصغيرة المملة التي نعيش فيها لم يكن منزلي حتى في وسطها . لم نستطع تحمل حتى تكلفة منزل في وسط القرية .

نحن لا نستطيع تحمل تكلفة أي شيء.

حاولت أن أهرب بنظراتي نحو الداخل حيث صوت أحاديث العمال المتذمرة وأصوات ارتطام الممسحات على الأرض . رأيت أحد العمال يحاول امتصاص السائل الفسفوري الفاقع بالمسسحة من الأرض . سائل أعرفه جيدا . لم أكن لأحكم على كلمات الشتائم والمسبات التي يطلقونها في الصباح الباكر . تنظيف قيء شخصا آخر كان أسوأ شيء للقيام به .

نظفت لعشرات المرات وراء والدي في أوقات متأخرة بالليل حيت لازمتني الرائحة طوال الليل تمنعني من النوم . ونظفت من ورائه في أوقات مبكرة في الصباح حيث لم أستطع أكل أي شيء طوال اليوم .بسبب إنشغال والدتي الدائم بالعمل كنت المسؤولة عن إعداد الطعام للكثير من الأحيان . ولا توجد لدي الرفاهية لتنظيف الأرض بممسحة إلكترونية . تصنع والدتي فوط قطنية للمطبخ وللتنظيف وأستعملها طوال الوقت .حتى وأنا أحاول أن أبعد يدي عن القيء يكون الأمر مستحيلا أن لا أفعل . والايادي التي تلمس رائحة كتلك تجعلني أكره إستخدامها في الأكل . حتى إستخدام الشوكة كان صعبا ,كان يتخيل لي أن الرائحة تستطيع التدفق من راحة يدي للمعدن ثم إلى الطبق .

"لا يوجد أي سجل لإسمك هنا " نبست تنظر إلى باهتمام تحاول قراءة ملامحي التي أخفيها عنها .

السيدة بيرجولاتي كانت تسجل أسماء أقارب المحتجزين والمديونين بعد خروجهم. الأمر الذي كنت اعلمه جيدا لهذا خرجت من الباب الخلفي كل مرة .وحتى مع عدد المرات التي أتيت إليها إلى هنا لم يسجل إسمي ولا مرة ولكن إسمي الحقيقي كان هناك .مرتين , المرة الاولى عندما خرج والدي من السجن وذهبت لإحضاره وفي أول يوم له شرب قنينتين من الويسكي دون أن يدفع وراهن على كلب هجين خاسر ولأنني لم أعلم دخلت بإسمي الذي يربطني به وتم حبسي معه حتى أحضرت والدتي المال وأخرجتنا معا . حبست مع والدي المغمى عليه الذي اراه لاول مرة بعد سبع سنوات .المرة الثانية كانت خطأ غير مقصود .بعد أن إعتدى والدي على والدتي وأخذ جميع مدخرات المنزل لذلك الأسبوع كي يذهب للحانة لم ترغب والدتي أن تذهب إليه وأقسمت أن لا أذهب إليه أيضا لكن بعد مرور يوم ونصف على غيابه ظن جيوفاني أن الأربعة قطعة نقدية التي تكاد تساوي تلات أورو قد تستطيع إخراجه وبدل ذلك حبس معه . ما دفعني للذهاب بسرعة ولسوء الحظ السيد بيرجولاتي من كان في المدخل ذلك اليوم وعلى عكس نظر وذاكرة أخته كان يحفظ إسمي ووجهي عن ظهر قلب . "الشقراء تعيسة الحظ" هكذا كان يدعوني وأنا أحمل والدي الثمل من الحانة كل مرة.

"أنا قريبة بعيدة لرجل هنا .سأدخل وأخرج بسرعة " . أبعدت قبعة الصوف عن وجهي كي أبعد الشكوك عني بعد أن تأكدت أنها لم تتعرف علي .

"لا تتأخري . الطابق الاول لزبناء، ستجدينه في الطابق الثاني مع الآخرين " تكلمت تبصق حبيبات العنب التي لم تمضغها بشكل جيد في منديل ورقي رامية المنديل بجانبي وكأنه لا شيء .

لم يكن هذا جيدا . كان من الأسهل أن أجده في الطابق الأول كما إعتدت وأجره بخفاء للباب الخلفي الذي تركه بييترو مفتوحا من أجلي . لكن الطابق الثاني كان مهمة صعبة يجب أن أمر بجانب المطبخ الذي يمتد في الجهة الزجاجية المقابلة للسلالم في الطابق الثاني والأسوأ من ذلك مكتب السيد أنطونيو بيرجولاتي أول غرفة في الطابق الثاني التي تكون مفتوحة دائما لرؤية من يأتي ويذهب في الطابق الثاني .

نزعت الحذاء الرياضي المتسخ من قدمي ما إن صعدت السلم تجنبا لأي صوت مسموع . أمشي على أطراف أصابعي بحذر بينما عيني مغروزتين على السيد أنطونيو الذي يبدو أنه على الهاتف. لولا تلك المكالمة التي كانت تشد انتباهه لكان لاحظني في اللحظة الأولى . كان يشد على الهاتف المحمول بين أصابعه القصيرة بينما يحك بتدرج أماكن الصلع في رأسه وابتسامته التي تشق وجهه تظهر سنه المغلفة بالذهب. همهمة مستمتعة هربت من فاهي حبستها واضعة يدي على فمي بعفوية ما إن وصلت لبداية السلم. كنت محظوظة اليوم كي أصادف محادثته الغرامية مع السيدة فيسوريا من المكتبة في اخر الشارع . وحده الحب كان يجعل رجل حذق وحذر كالسيد بيرجولاتي يتشتت انتباهه.

كان الطابق الثاني عبارة عن ردهة طويلة وضيقة دون أثاث وغرفة واحدة في نهاية الممر مغلقة. وشرفة موصدة بالحديد من الداخل ,الأمر الذي دفعني للتفكير في عدد الرجال المخمورين الذين حاولوا الخروج من شرفة الطابق الثاني التي تبعد على الأقل سبعة أمتار عن الأرض . المسافة الكافية لكسر قدم أو تهشيم جمجمة أو الأسوأ السقوط على سيارة السيد أنطونيو الذي سيجعل الديون تزيد فقط . وكنت متأكدة أن الاحتمالات الثلاث قد وقعت من قبل دافعة السيد أنطونيو بوضع شباك حديدي على الشرفة.

كان هناك تلات رجال في بداية الردهة . رجل يدخن بهدوء بينما يجلس على الارض ويتصنت على السيد بيرجولاتي ورجل آخر أنحف منه وأصغر من الرجال التلات يغني بهمهمات غير مفهومة والذي يبدو أن الشراب مازال حديثا في عروقه .الرجل التالت كان نائما على الارض بعيون مفتوحة لا تتحرك. تجاوزت الرجال التلات الذي تجاهلوني بشكل كامل وكأنني طيف متحرك يمر بجانبهم نحو الرجل الاخير الذي ينام بالعكاز الخشبي بجانبه أمام الشرفة. كنت لاعرف والدي من بين عشرات الرجال المخمورين في الظلام و الذين يشبهونه في كل شيء.

التعرف عليه لم يكن مقتصرا على شكله. شعر رأسه الفاحم الذي يخالطه البياض في الجوانب وقصر قامته وبطنه البارزة كانت تلك معالم يتشاركها الكثير من الرجال في أواخر الأربعينات في إيطاليا . وليس بقدمه التي بترت قبل تلات سنوات في السجن بعد محاولته المتواصلة في المشي عليها متجاهلا كلام الأطباء .

كنت لأعرفه دون أي تردد لأن التعرف عليه كان أسهل شيء في العالم . لأنه الوحيد الذي سينظر الي بتعالي ودون أي شعور بالذنب أو الخزي وأنا أحاول إخراجه من بركة القيء التي يجلس عليها والتي انظفها بعد ذلك. كنت أرى الحسرة الندم والعار في وجه الرجال التلات وفي وجه أي رجل اجده بجانبه عندما أدخل إلى هنا لكن ليس هو .

التعرف عليه كان سهلا. الأمر السهل الوحيد الذي استصعبه ,كرهت أنني أعرفه وتمنيت لسنوات أنني لا أفعل ويأتي يوم يتغير فيه وأخبر نفسي أن الرجل الذي كنت أحمله للبيت كان مجرد طيف مظلم لوالدي الذي مازلت أريد أن أتعرف عليه. والدي الذي أجده في المنزل عندما أستيقظ وليس الرجل الذي أحتاج أن أبحث عنه في كل صباح متمنية أن يكون ميتا في زقاق ما على أن يكون يتنفس جامعا الديون في مكان آخر.

أمسكت ذراعه أوسدها على ذراعي بينما يرفع جسده من الأرض يرمي بثقله علي ويمسك بالعكاز باليد الاخرى .

"بسرعة ودون أي صوت " همست كما تعودت أن أفعل كل مرة أحاول إخراجه من هنا. حمل شخص آخر عبر السلالم لم يكن سهلا كالمشي على أصابع قدمي العارية ولكنني بشكل ما وصلت لاخر الدرجات من السلم. متأملة أن يكون الباب الخلفي مفتوحا.

كان بيترو الابن الوحيد للسيد بيرجولاتي من طليقته الثانية. درسنا معا من الفصول الاولى في الإبتدائية إلى آخر سنة في الاعدادية. كان شاب جامح وصعب المراس لكنه كان صديقا جيدا أو كما أظن . لم أكن لأصفه باللطيف ولكنه كان شخصا جيدا أفضل من والده أو اي بيرجولاتي قد عرفته. لم نتحدث من قبل بعد ذهابي إلى ثانوية خاصة بالبنات ولكنني وجدت نفسي أتكلم معه في الهاتف بعد أن رأيته صدفة في المطبخ وأنا أحمل والدي المخمور . ومن تلك اللحظة وهو يساعدني في إخراجه دون ملاحظة والده أو عمته عبر الباب الخلفي. لكن اليوم كان مختلفا جرت العادة أن أرسل له رسالة نصية قبل أن أذهب للحانة كي يترك الباب الخلفي مفتوحا لي ولكنني نسيت تماما اليوم ولم أجد هاتفي تحت الوسادة في الصباح المكان الذي أضعه فيه دائما.

قبل أن تطأ قدمي أرضية الطابق الاول صادفني بيترو. كان يضع سماعات موصلة بهاتفه الحديث الموضوع في جيب بنطاله الجينز بينما يمسح حبيبات العرق الصغيرة التي سببتها حرارة المطبخ في قميصه القطني الرمادي. على عكس والده كان رأسه مملوء بالشعر الذي يميل للاشقر الشيء الذي اخمن انه ورثه من والدته. شعر يصل لنهاية رقبته من الخلف ويغطي عينيه الرماديتين من الامام. كان يبدو متفاجئ لمصادفتي كما كنت أنا. كانت تلك المرة الثانية التي نتقابل بعد أول مرة قبل ستة اشهر. في اليوم الذي عرض علي المساعدة مقدما لي رقم هاتفه. كان يترك الباب مفتوحا ويخلي الطابق السفلي لي كلما أرسلت له إعلان عن قدومي والتي على غالب يكون من كلمتين "أنا في طريقي " "سأغادر المنزل الان " ورده يكون "حسنا" أو وجه مبتسم. غير ذلك لم نتحدث عن اي شيء لم يسألني عن والدي وكنت ممتنة لذلك لحد ما ولم اشكره بشكل صحيح الأمر الذي أعلم أنه لا يحبه وهو السبب الذي جعله لا يسألني من البداية. عرفته بشكل كافي كيف أعلم أنه كره أن يشعر أن أحدا مدينا له.لأن أي شيء أقوم به إتجاهه يشعر أنه مدفوع لرد الدين فقط وهذا كان يشعره انه لا يختلف عن عمته التي تقف ليل نهار في مدخل الحانة مع مجلدها الاسود. كنت في أول سنة في الاعدادية عندما أدركت هذا. أول سنة بعد حرمان عائلتنا من عائدات والدي واضطرار والدتي للعودة إلى العمل في مكانين مختلفين,كنت أضطر أن أغيب على المدرسة لبعض الأيام كي اعتني بجيوفاني الذي أمضى طفولته مريضا بالسل المزمن. وبيترو الوحيد الذي سمح لي باستعارة ملاحظاته والنسخ منها.في نهاية تلك السنة الدراسية حملت ملاحظاته إلى منزلهم في الشارع المقابل للحانة مرافقة الملاحظات بقطعة من كعك البرتقال التي صنعتها بنفسي كمبادرة للشكر لكنه رمى بالكعك الملفوف في المنديل المطرز الخاص بجدتي في الحديقة ما إن ودعني وفتح الباب الداخلي للمنزل الأمر الذي ظن أنني لم أراه لكنني فعلت. وعذرته لسبب ما,لكن جدتي لم تفعل. ظلت تلومني على إختفاء منديلها المفضل طوال الصيف .كنت محرجة من سؤاله عن المنديل الذي أعلم أنه ذهب ذلك اليوم مع القمامة. لهذا تحملت لوم جدتي وادعيت أنني أضعته فقط .

"ماريا روزا " كان من المفترض أنه ينادي بشكل عفوي على إسمي وهو يراني أمامه دون إشعار مني ولكن موسيقي الميتال الصاخبة في أذنيه جعلت صوته يشبه لحد ما صراخا ,الصوت الذي حاولت طوال الساعة السابقة أن أتجنبه.

"هذه أنت ماريا روزا ؟" صدح صوت السيد أنطونيو من ورائي وأنا ارى ملامح پيترو تتغير للأسف والذنب بعد أن خلع سماعتيه يسمع لوالده يتجاوز السلالم ليصل إلي .

" أنت ذكية جدا لشقراء جميلة " قال يكمم أنفه بأطراف قميصه عندما وقف بجانب والدي والذي جعلني أركز في الرائحة التي التصقت بي أيضا. كان يكره الشقراوات كلا طليقتيه كن شقراوات ولكن عينيه تحوم حول الشقراوات دائما وهذا الذي جعله يلاحظني ويتذكرني من أول يوم . كنت شقراء تعيسة الحظ كما قال بالفعل.

"ماريا روزا فيغو! فعلنا هذا الأمر العديد من المرات لا تستطيعين الخروج دون دفع دين والدك" تكلم ترتفع حاجبيه الكثيفين في زاوية واحدة اعلى جبهته فيما يكتنز شفتيه في دائرة مغلقة سامحة لشاربه النحيف المحلوق أن يستدير بين شفتيه كالحاجز.كان صاحب شكل سخيف على عكس بيترو الذي يتجاوز طولا عشرات السنتمترات و يفوقه وسامة.

ولكن حتى هذا الرجل السخيف كان يفوقني قوة الآن,وجود شخص كوالدي بجانبي كان يضعفني ويكسرني ويجعلني لقمة سائغة في كل مكان ,الشيء الذي كرهته. كرهت ومقت والدي للكثير من الاسباب منذ آخر عشر سنوات لكن وضعي في هذه المواقف كان السبب الأقوى .

"ولا يوجد هناك استثناء في حانة آل بيرجولاتي " أردف بعد أن رأى تجمد بيترو أمامي كصورة مغناطيسية .

دائما ما يكون إستثناء .كنت متأكدة أنه لو سمحت لنفسي بالخروج عن الحدود المسموحة لإبتززته بعلاقته مع زوجة صاحب المكتبة أمام بيترو دون حياء وأصنع هذا الإستثناء بنفسي لكنني لن أستطيع . صنع الاستثناءات لم تكن من إختصاصي. كنت دائما محكومة بالذنب والعار الذي غرس داخلي من الولادة. حيث الزوجة التي تخون زوجها مع صديق مقرب له يعد أقل إحراجا من العار الذي ألبسته لي عائلتي كوحمة يحملها إسمي أينما ذهبت.

"إبنة فيغو" "ماريا روزا فيغو" " إبنة السكير ألفونسو " "إبنة المديون" "إبنة المجرم" "إبنة الأعرج ألفونسو"

كان والدي وسمعته واسم عائلتي مشهور وسط القرية أكثر مني.

تحرك بيترو من أمامي نحو المطبخ ما إن أصبحت نظرات والده تشتد عليه. كان هذا السبب الذي جعله يعمل في الحانة من البداية كره تذكير والده له بفواتير سيارته ورسوم الجامعة لهذا قرر العمل لديه. تحمل نظرات والده التي يكرهها من أجلي لم يكن أمر سيتحمله ولم أكن أنتظر منه ذلك وددت لو أهرب من نظراته التي تخترقني بشدة أيضا.

لكن مرة أخرى هناك حمل أثقل من نظراته يتكئ على جسدي فاقدا الوعي.

"لنرى كم يدين لنا والدك منذ آخر مرة أنسة فيغو" أخرج مذكرة صغيرة من الجلد البني يضع أصابعه القصيرة على لسانه النصف ممدود يبللها ببزاقه ويحرك الأوراق الكثيفة بالفواتير الملتصقة على الصفحات الصغيرة والتي تحمل بندا للدفع على كل مراهنة. وهناك رأيت إسم والدي بحروف متباعدة بقلم حبر سائل من الأطراف وكأنه يضع حرف مد أخرى لاخر حرف من إسم العائلة فيغو .

"الفونسو فيغو" تمتم وكأنه ينشد الحروف بين لسانه بنبرة مستمتعة. السيد أنطونيو كان حنقا ورجلا فذ وشديد الملاحظة ومتعته الوحيدة هي جمع الديون والمواقف التي تذكره كم هو حنق الأمر الذي يحبه أكثر من أي شيء. أن يثبت لنفسه لنفسه .

"بكم يدين لكم؟" تحرك لساني لوحده دون أن أفكر. كان السؤال روتينيا تحفظه عضلات لساني عن ظهر قلب.

كوني إبنة لفيغو جعلني أردد كلمات مشابهة طوال الوقت وأنا معه : " بكم يدين لكم؟" "كم قنينة شرب؟" "أين بند الرهائن ؟" "آسفة" "شكرا لتفهمكم" . جمل ومحادثات كهذه كانت تشملني دون أن أدركها.

كان الروتين ,روتين يوم واحد من حياة ماريا روزا فيغو.

"الأمر المعتاد.. قنينة ويسكي وقارورتين من نبيذ العنب المعتق" تكلم يحرك الصفحة التي تحمل إسمه لصفحة أخرى تحمل تفاصيل صغيرة بخط غير مفهوم. كانت تلك حيلة أخرى لأصحاب الحانات . زرت ما يكفي من الحانات طوال الستة أشهر كي أعرف جميع حيلهم . لكن حيلتهم المفضلة كانت بنود الرهائن دائما الفخ الذي وقعت فيه أكثر من مرة ولكنني تعلمت.

"هذا فقط؟" سألت . تمنيت لو أن الشراب كان كل شيء لكنني كنت متأكدة أن كمية الشراب الكبيرة التي شربها قد دفعته للمراهنة بلا شك. كنت أستطيع تمييز إن راهن أو لا فقط من نوع الشراب وكميته.

"مراهنتين .واحدة بقيمة عشرين أورو وأخرى بقيمة عشرة أورو" .

لم أستطع تفهم مراهناته المتكررة مهما حاولت.حتى أسوأ الأشخاص حظا سيفوز في مراهنة واحدة على الأقل إن راهن كل يوم لمدة أشهر. وحتى أغبى الاشخاص كان سيتوقف عندما تتراكم ديونه وخيباته.

لكن ذلك لم ينطبق أبدا على السيد ألفونسو فيغو في الاوقات التي لا يكون فيها مخمورا يكون نائما أو فاقدا للوعي . لا مكان للمشاعر أو التفكير في رأسه .

"أرني بنود المراهنة" أصررت أنظر للصفحات التي يضعها بين سبابته معلما إياها. عندما يتعلق الأمر بالمراهنات معظم صاحبي الحانات يضعون بنود قديمة غير مدفوعة لشخص آخر .كان تلك حيلهم التي أصبحت أعلمها جيدا.

تقول جدتي أنه يمكنك الكذب على الأموات فقط ,لكن أصحاب الحانات كالسيد أنطونيو يملكون قولا أخر: " يمكنك الكذب على الأموات والمخمورين أيضا "لأنهم لا يتذكرون ما يفعلونه على كل حال ويتقبلون أي فعل قد اتهمتهم بفعله بسبب قلة الحيلة وضبابية ذكرياتهم.

أما أنا فأقول يمكنك الكذب على اي أحد, ولا أحد أغنى أو ألطف أو أكثر إيمانا أو مثالي كي لا يكذب .

خرجت همهمات ساخرة من فمه الكبير المليء بالأسنان كسمكة قرش دموية بينما يقدم لي البنود. فحصت إسم المراهن والساعة والتاريخ لتجنب أي التباس مع طابع الحانة وتوقيع والدي.

"70 يورو " أخد البنود مني مرة أخرى.

تنهدت بتعب أضع والدي على الارض الذي ما إن جلس على الأرضية حتى ارتمى رأسه على البلاط الخشبي ككرة مطاطية فاقدا للوعي.

"النبيذ الأبيض صنع محلي لهذا أضفت خصما" تكلم يمرر لسانه على الفراغات الظاهرة بين أسنانه الكبيرة.

"ليس لدي سوى 50 اورو الآن سأضيف البقية غدا" تحركت يدي نحو الحذاء الرياضي الذي لم يتسنى لي الفرصة لأقوم بإعادة ارتدائه بعد أن تم القبض علي. أحمل قطعة بلاستيكية مكممة في جانب الداخلي للحذاء حيث ورقة الخمسين اورو التي كنت ادخرها منذ بداية السنة.

"لا تقسيط ولا استثناءات" صرخ يضع يديه كديك رومي على أطراف حزامه بحنق وغرور.

تنهدت أنظر للساعة المقابلة لي في الحائط ,كانت الساعة العاشرة بالفعل.الوقت الذي يجب أن يكون فيه جيوفاني في المدرسة وجدتي في الحمام وأنا أجهز الطلبات للزبائن الذي وعدتهم للعودة لملابسهم قبل الظهيرة.

"هذا مؤسف قابلت السيدة فيسوريا صباح اليوم وشيدت دون توقف كم أنت شخص متفهم وجيد ورجل تفتخر به فرانشاكورتا " كذبت أنظر للرجل الذي إنتفخ جسده وبرزت عينيه بالفخر والإعتزاز.

الرجل الذي يحاول الاستفادة من الآخرين بسبب غروره يخدعه الاخرون بغروره أيضا وكما أخبرني السيد بيرجولاتي .لا استثناءات عندما يتعلق الأمر بالمال.

"أمم" نظف حلقه بتخمة بينما تلعب عينيه الجاحظتين في الهواء باستمتاع

"السيد فيسوريا إمرأة تخجلني بإطرائاتها لا أظن أنني رجل يرتقي لتلك الإطرائات لكنني سأجعلها تمر هذه المرة" كنت متاكدة دون شك أنه لم ولن يرتقي لأي إطراء مهما كان .مهما نظرت إليه لم أكن لأجد أي شيء جميل أو جيد لا في شكله أو شخصيته. لم أعرف السيدة فيسوريا من قبل بشكل جيد غير أن السيد فيسوريا كان زوجها الثاني والذي كان أرمل قرر الزواج ليضع صورة امرأة تعادل الامومة في منزله الذي يحتوي خمسة فتيات .درست مع اثنين منهن وكن يكرهنها بشكل خاص.الأحاديث الوحيدة التي جمعتنا كانت بعض الجمل البسيطة وأنا أستعير كتابا ما من المكتبة أو أعيده.

مددت ورقة الخمسين يورو على مضض أنظر إليه يقوم بوضعها في جيبه وكأنها لاشيء بينما يمزق بنود الرهائن وورقة الدين أمامي.

مررت من المدخل الذي دخلت منه منذ مدة طويلة من التسللات أنظر للسيدة بيرجولاتي التي بدت أنها تذكرت والدي.

"لا أريد لهذا السكير أن يعود إلى هنا ,استقال عاملين في الأشهر القليلة فقط بسبب تقيأه في كل مكان كبالوعة المجاري" صرخت من ورائي وأنا أتجاوز المدخل.

أنا أيضا لا أريده أن يعود . لكن لا معنى لرغباتي أو ما أريده أيضا.يستطيع العمال الإستقالة لكنني لا أستطيع ومازلت مضطرة كي أنظف فوضاه كل يوم. حتى في الأيام التي لا أنظف فيها القيء من الارضية أضطر لغسل ملابسه المملوءة بالسوائل : النبيذ ,حموضة معدته التي يفرغها في كل مكان وتعرقه. تنظيف ملابسه ليس أسوأ من تنظيف ما يفرغه.

كلاهما كان يجلب لي الغثيان .

وأنا أقطع الشارع نحو الضفة الاخرى إستطعت رؤية بيترو ينظر إلي من المدخل. بالنظرات التي تمنيت أن لا أراها على أي شخص أعرفه. كنت أتفهم نظرات الشفقة التي اراها في عيون الأشخاص الذين عرفوا والدي ورأوني كابنته فقط ولكن تقبل نفس النظرات من أشخاص يعرفونني كان الأسوأ. كانوا ينظرون بتنقيص وشفقة لماريا روزا لا إبنة فيغو السكير.

لماريا روزا الشقراء قليلة الحظ.

___________________________

هاي غايز 💋

عيد حب سعيد لكم ,كل عام وأنتم الحب اعزائي❤

أتمنى يعجبكم الفصل الأول والثاني سأنشر فصلين بالتتابع في اليومين القادمين وبعد ذلك النشر سيكون أسبوعي

نوع الرواية:غموض,نفسي,جريمة,رومانسي✨

أعطوني رأيكم عن الفصل الأول,كيف كان؟👀

وكيف تظنون ماريا روزا ستتورط مع البطل؟👀

ماهو إنطباعكم عن أغوستينو سولارا؟👀

ماهو إنطباعكم عن ماريا روزا؟👀

أحبكم❤

Continue Reading

You'll Also Like

901K 63.3K 51
تم تغير اسم الرواية من مجنوني الأنباري الى سجين الحب من بين الناس جميعاً، وفي شدة العتمه التي كانت في قلبي عندما غَدُرتُ من الحبيبه والصديق، ولم اعُد...
46.9K 2.9K 10
𝙵𝙸𝚁𝚂𝚃 𝙻𝙾𝚅𝙴 𝙳𝙾𝙴𝚂𝙽'𝚃 𝙰𝙻𝚆𝙰𝚈𝚂 𝚆𝙸𝙽 . أخرجتُ نفسًا ساخنًا وثقِيل، اُحدق نَاحيته بعِيون نَاعسة « هل تعلم أن الأوزمِيُوم ثَانِي أثقَل...
21.5M 1.3M 49
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
110K 6.6K 26
"هناك أسرار كثيرة في الغابة، ولكن بعضها يبقى مخفيًا عن العين المجردة. وكلما تعمقت في الأشجار الكثيفة، كلما اكتشفت أن الأشياء ليست كما تبدو على السطح"...