رَسائِل غونزاليس|TK

Da zxitll

20.2K 1.2K 1.1K

و إن كانت أَنامِلُ الموتى تعزِفُ بالأبجديةِ بجدّيةٍ، و حتى بحينِ أنّني عشتُ نصفَ عُمري أضعُ الطَّوابع التي جَ... Altro

الرّسـالـةُ اللّا أخيـرة: لِقـاءٌ مـا بعد الوَداع.
١. بِلا أيِّ رِسـالـة.
٢. تُزهِـر رسـائلِـي بك فقط.
٣. عِند انحناءِ الشَّفقِ القُطبي.
٤. في اللّا شـيء و أنت كُل شيء.
٥. تَبُجُّ بَحتُك الحَسناءُ كُلَّ ما بي.
٦. و إنَّني لتوَّاقٌ رُغم أننَّي لم أنَل.
٧. و ثُمَّ أنّني لم أكُن، فهل تكُن؟
٨. كالمُتَنَعِمِ بِأهازيجك في المساء.
٩. و كثيراً ما أفَقتُ و أنت مُحاذٍ لي.
١٠. اللَّيلةُ التي نسيتُ بها ظلّك مُجدداً.
١١. و المُزْنُ التي كادت أن تَسلِبَني مِنك.
١٢.جَعَلَتني أستفيقُ بُرهةً كشُعلةٍ وضّاءة.
١٣. أمـدًا بعيـدًا حتى غِبت عن ناظِري.
١٤. و ترجِعُ إليَّ بعد أن داهَمَتك المَنايا.
١٥. حتى ادْلَهم الفَجرُ مع مَطلَعِك.
١٦. إلى أن استَعدتُ روحك و أنا أُدفَنُ.
١٧. حَيًّا حتى باتَ طَيفي يزورك وَلِعًا.
١٨. مُحلِّقًا و إن بقيتُ أُلملمُ أوراق رسائلي.
١٩. و أُبقيك حائرًا بعد أن زُرتَ قَبري.
٢٠. حتّى اكتسى الثَّلجُ حرائِق الجَشعِ.
٢١.و التَحفتُ بجفنيك وسط زُرقةِ المحيط.
٢٢. البردُ قارسٌ رُغم أنّه الرَّبيع.
٢٣. و إرتعاشةٌ في دفئك و ما بين ذراعيك.
٢٤. تمزقت الأجنِحةُ فما بالُ السَّماء؟
٢٦. أتيتُ و معي وَهج الخريف.
٢٧. هل لمحتُ ابتسامةَ المُحيط؟
٢٨. و بهجةُ فؤادك بعدَ كُلِّ هذا الحنين.

٢٥. لا وَجع بعد كُلِّ ذلك الوجَع.

292 26 14
Da zxitll

ـ

"تايهيونغ"

عدتُ إلى وعيي _بينما كنتُ مُنغمِسًا بعزفه تمامًا_ بعد أن نطق باسمي

و كالعادة.. عزفك مُبهرٌ بحق
قلت بينما هُو كالكمينِ الذي تتربص به عيناي

"تايهيونغ"

أجل؟

"لننطلق الآن"

إلى أين؟

"اليابان بالطّبع"

ماذا؟ الآن؟

"و حالًا، جهزوا العربة"
قال ليصرخ على الحُرّاسِ بعدها، لما هُو مُستعجِلٌ هكذا؟

أخذتُ كُل ما احتجتُ له و انطلقنا لنصل إلى محطةِ القطار تاركين فرنسا و بُؤسها خلفنا

ها نحنُ نصعد القطار لأستوعب الأمر فوجهتُ نظراتِ الدّهشةِ إلى ماتيو و قبل أن أنطق قال هو بعد أن قرأ ما بجعبتي عبر عيناي لتخالجه ابتسامةٌ قبل قوله:

"أنا أعلم"

إذن لماذا؟
لقد استوعبت أنّنا سنتوجه للسفينة لنصل إلى اليابانِ مُبحرين، أيّ أنني سأرى البحر أساسًا بدونِ الحاجة لذهابنا لليابان

"هل تود أن نرجع إذًا؟ ألا تُريد أن تطأ أقدامك أرضنا تلك؟"

بلى.. أود ذلك

"لنذهب"
ابتسم ليشدّ على ذراعي و يسحبني إلى أحد المقاعد لنجلس و لم تمرّ دقائق حتى بدأ القطار بالتّحرك، شعرتُ ببهجةٍ غريبةٍ بينما أُودّع هذه الأماكن _مُؤقتًا_ عبر أحد نوافذ القطار المُحاذيةِ لي

كُل الموجودين بالمقطورة التي نجلِسُ بها نُبلاء من الطبقةِ الغنية، لكن مُتعجرفين بالوقتِ نفسه

أحدهم كان ثَمِلًا جدًا و أخذ يُحدِث ضجةً بالمقطورة، و بالوقتِ ذاته التفتُ لجونغكوك لأرى ثلاثة نساءٍ مُجتمعاتٍ حوله و يُلقين ضحكاتهن عليه و يُمسِكن بيده، يال الخزي و يال رائحة العطور الفواحة يجب أن أبتعد من هُنا قليلًا

تحركتُ مُبتغِيًا أن أتجول لبعضِ الوقت، لكن حظي عَثِرٌ كالعادةِ لأنني اصطدمتُ بأحدهم.. إنه ذلك السكير آهٍ يال التعاسة

أنت وسيمٌ أيّها النبيل، لكن يجب أن تنتبه لخطواتك أكثر

قال مُترنحًا و هو يُمسك بخصلاتِ شعري فابتعدتُ مُبتغيًا أن أُكمل طريقي و أتجاهله و قبل ذلك لمحتُ ذراعًا تلكم ذلك الثمل لتسقطه أرضًا فوجهتُ نظري سريعًا نحو الذي فعل ذلك و كما توقعت.. إنّه ماتيو..

جونغكوك.. ما كان عليك فعلُ ذلك..
قلت أهمس بعد أن تنهدت

"لِنعد"
أمسك بذراعي بقوةٍ بينما نظراتهم تكادُ تخترقنا و النصف الآخر يتهامسون و من بينهم سمعتُ أحدهم يقول:

لا أُصدق أن النبيل ماتيو قد تعدى بالضرب على الرجل!

شعرتُ بغضبٍ شديد فأرسلتُ له نظرات الحقد ليصمت و لكن هؤلاء المتعجرفين لا يوقفهم شيء، فالنساء اللاتي كُنّ يتوددن لماتيو قد انقلبن ضدّه الآن

لقد خيبت ضني فيك حقًا أيها النبيل ماتيو، كُنت أُخطط للزواجِ منك و أُخبر والدي عنك و لكن الآن سقطت من ناظِراي و لم أعُد أراك كنبيلٍ حتى
قالت إحدى المُتعجرفات ليتضاعف غضبي بينما ماتيو لم ينطق بشيءٍ و تجاهلهم فحسب ليصرخ أحدهم بعد كلامِ تلك المُتعجرفة:

صحيح، نحن لن نعتبرك من الطّبقةِ النبيلةِ بعد اليوم!

أجل أجل، سمِعتُ بأنّه قد سُجِن من قبل!

و قد قتل ابني في أحد المعارك!!

لم أعُد أحتمل ضجتهم هذه، و التهم التي يلقونها على ماتيو واحدًا تلو الآخر فوقفتُ و أنا أشتعل غضبًا لأرد عليهم بنبرةٍ يملؤها الحقد الشّديد:

إن كُنتم نُبلاء حقًا، فلن تُحدِثوا جلبةً على شخصٍ لم يُجرم بحق أحد..

من قال أنه لم يُجرِم؟! لقد ضرب الرّجل!

و قتل ابني!

لقد ضرب الرجل دفاعًا عني! فالرجل أراد مُضايقتي بالمقامِ الأول، أما بالنسبةِ لابنكِ يا سيّدة هل شهدتِ بعينيكِ أنه هو من قام بقتله حقًا؟! و أنتِ يا آنسة، إن كُنتِ تودين الزواج منه حقًا بالبداية فأنتِ تكذبين و لم تحملي له ذرة شعورٍ أساسًا؛ لأنكِ لو كُنت قد أحببته حقًا لما أنزلتِ من مُستواه هكذا! يال العار

قلتُ ذلك دُفعةً واحدةً لِأُخرسهم عن الحديث، فجلستُ و جلس الجميع بصمتهم عدا امرأةٍ كبيرةً بالسّنِ أخذت تنظر إليّ باستمرار و نظراتِ ماتيو التي باتت تتحدث إليَّ فتجاهلتها و أخرجتُ رأسي من نافذةِ القطار لأشتم الهواء العليل فرأيتُ ذلك المشهد أخيرًا ليتلاشى كُل الغضب.. كُل البؤس.. و كُلّ أمرٍ سيء..

إنّه البحر.. إنّه المُحيط..

ماتيو، البحر!
قلتُ بصوتٍ مسموعٍ ليُمسك بيديّ

"ادخل، هذا خطِر"

ألا تسمع؟! أرى البحر يا ماتيو إنني أراه أخيرًا!

"تبدو كالطّفل حقًا"

تجاهلتُ ماتيو و كُلّ شيء، شعرتُ أنني تنفستُ بُرهةً من الزمن
شعرتُ أنّني في الخيالِ للحظة، لكنه الواقع يا تايهيونغ
أنت ترى البحر أخيرًا..

خُصلات شعري تتطاير هُنا و هُناك، و وجهي قد تجمد من الهواء الذي يضربه مع تحرك القطار، و الطّيور قد جهزت نفسها لتسافر معنا

أدخلتُ رأسي بعد أن رأيتُ أننا نقترب من النّفق، ضحكتُ في وجه ماتيو تعبيرًا عن السّعادة التي أشعر بها و أنا أُعدل خصلات شعري بينما هو يُبادلني بابتسامةٍ فقط و ها هي المشاكل قد عادت من جديد لأسمع تلك المرأة العجوز تصرخ و هي تُشير إليّ بـ:

شبح، إنه شبح!!

لهذا كانت تُحدّق بي؟ صحيح رُبما هي علمت عن قصة موتي المزيفة و تظن أنني ميّت حقًا..

إنه شبح السيّد غونزاليس، أنا أعرفه إنه هو لقد عاد إلى الحياة!!

أُمي اهدأي لا وجود للأشباح..

كلا، لقد رأيتهم يحملون التابوت الذي كان به إنه ميّت حقًا صدقوني!

سيدتي، انتظري سأشرح لكِ الأمر
قلت بعد أن حاولت أن أقترب منها

لا تقترب! قلبها ضعيف جدًا لا تقترب!!
صاحت ابنتها بهلع

أمي أمي!!
صرخت بعد أن فقدت المرأة وعيها

لقد قتلها، لقد قتلها!!

ماذا؟ هي فاقدةٌ للوعي فحسب
قلت

اخرجا من هُنا، لا نريد تواجدكم معنا!
صاح أحدهم

صحيح صحيح، أخرجا فورًا!

" نخرج؟ ألا ترون أنه لم يتوقف بعد؟، و إن توقف فنحن لسنا مُجبرين على الخروج لأننا و بكل بساطةٍ لم نفعل شيئًا، أنتم تقومون بتضخيم المواضيع فحسب"
نطق جونغكوك بكل برود بينما هو مُغمض عينيه و يضمّ ذراعيه بكل هُدوء

لقد اقتربنا لقد اقتربنا!
صاح أحدهم ليتهيأ الجميع بالنّزول لتصرخ تلك الآنسة مُجددًا:

أُمي لم تستيقظ إنها لا تتحرك لقد قتلها حقًا!!

وقف جونغكوك بكلّ هدوءٍ و ذهب نحوها و أمسك بمعصم المرأة العجوز لتنطق تلك الآنسة:

ماذا تظنّ نفسك فاعِلًا؟

تجاهلها جونغكوك ليتفحص المرأة أكثر ليقول بعدها:

" قلبها ينبض، إنها على قيد الحياة ليس هُنالك داعٍ لِكُلِّ هذه الجلبة"

ماذا تعرف أنت!قلبها ضعيفٌ جدًا!

"ستستيقظ قريبًا"

تدّعي أنك طبيب؟مُثيرٌ للسُّخرية..
لم تُكمل فوالدتها قد استيقظت حقًا، خبأتُ نفسي قليلًا فقط لكي لا تراني و تهلع مُجددًا و لكن حصل ما لم أكن أتوقعه..

أنت السيد غونزاليس صحيح؟..

التفتُ لأرى أنها المرأةُ العجوز نفسُها بعد أن اقتربت مني، ماذا يحصل الآن؟..

استغربتُ لأرد عليها بكُلِّ احترامٍ و أدب:

صحيح هذا أنا سيّدتي، أنا غونزاليس نفسه..

آه أنا سعيدةٌ جدًا لأنك بخير، لقد افتقدناك حقًا
قالت بعد أن وضعت كفها على خديّ و وجها يفيضُ بهجةً، كيف تغيرت فجأةً هكذا؟ و من هذه المرأة؟

تساؤلاتٌ كثيرةٌ بداخلي لتقطعها نبرةُ ابنتها قائلةً:

أُمي ماذا دهاكِ! لقد قُلتِ أنه قد توفي!

ما هذا الكلام يا ابنتي؟ السيّد غونزاليس على قيد الحياة ألا ترين هذا الوسيم الواقف هُنا؟

تجمد ثغرُ ابنتها عن قولِ الهُراءِ لتُكمل العجوز قولها لي:

كانت الأوضاعُ مأساويةً بدونك يا سيّدي..

بقيتُ مُستغربًا حتى قرّر فاهي أن ينطق حُروفه أخيرًا:

عُذرًا سيدتي و لكن من أنتِ؟

كُنت أعمل خادمةً لديكم بالقصر

هل تعرفين والدي إذن!

كيف لا أعرفه!،بالطّبعِ أعرفه و أيضًا على ذكره لديّ رسالةٌ لك من والدك الرّاحل

رسالةٌ من والدي؟!
ذُهِلتُ حقًا، و استعدت الدّموعُ لتخرج من مخبأ جفني لكنني منعتها و ما إن أخرجت هي الرِّسالة من جيبها و أعطتني لِأُباشر بقراءتها حتى حطمت الدّموع الحاجز الذي أغلقته عليها لتنهمر فورًا ..

ابني العزيز، أنت الآن في الرابع و العشرين من عُمرك تقريبًا و لا أعلم كم عُمرك الآن و أنت تقرأ هذا..
لكن أتمنى أنك ستقرأه حقًا و أنك بخيرٌ و ما تزالُ على قيدِ الحياة، لا تستسلم أتفهم؟لا تستسلِم مهما حدث و واجه الأمر بكُلِّ ما تملك. لقد طلبت منّي ذات مرةٍ أن أُخبرك بكُلِّ شيء و أن لا أُخفي عنك شيئًا و لكن إن لم أُحقق لك ذلك فماتيو سيفعلُ حتمًا، إنّه بجانبك صحيح؟ لقد وعدني بذلك، أقسم بأنّه سيهتمُ بك و سيبقى بجانبك مادام على قيدِ الحياة و أنا أثِقُ بأنّه لن يُخلِف وعده. بُنيّ، مهما قسى عليكُما البُؤس لا تتركاه يغلبكما البتّة و بل اقضيا عليه بأنفسكُم ، الحياةُ لُعبةٌ تتحكمون بها مهما صَعُبَت ستتمكنون من الفوزِ مرارًا و تكرارًا، لا بأس بالفشل في العديد من الأحيان و لكن المُصيبةُ إن استسلمتُم بينما لم يتبقَ سوى القليل على الفوز، ستجد السّعادةَ أنت و ماتيو عاجلًا أم آجِلًا. احزر ماذا وضعتُ بجانب الرِّسالة.. أحد معزوفاتِ جدك الذي يعيشُ باليابان، جرّب أن تعزف عليها ذات يوم و اذهب إلى هُناك و ستجد آلاتٍ و معزوفاتٍ مُختلفة. يوجد الكثير حقًا..

والدك المُحِب
إلى ابنه الوحيد،
تايهيونغ..

شعرتُ بطاقةٍ هائلةٍ بعد أن انتهيتُ من قراءةِ رسالةِ والدي.. شعرتُ بقوةٍ لم أشعُر بها قطُّ من قبل، إنّه الدّافع الذي لطالما وددتُ سماعه من والدي..

_صوت الصافرة_

خذوا أمتعتكم فورًا، أوشك القطار على الوُقوف
صرخ أحدهم

شكرتُ العجوز و التفتُ لجونغكوك لأُهديه ابتسامةَ نصري ليردها بابتسامةٍ باردةٍ ليقف و يحزم الأمتعة جميعها لآخذ عنه حقيبتي و ها نحنُ نهبِطُ من القطارِ أخيرًا _بعد أن توقف تمامًا_

آه، نسيمُ البحر عليل..
نامت غِشاءُ مُقلي و رفعتُ رأسي عاليًا آخذًا نفسًا عميقًا

"لنصعد السّفينة"
نطق جونغكوك بصوتٍ خفيض

من قال أنه يُمكنكم الصّعود؟ أنسيتم ما فعلتموه بالقاطرة؟
قال أحد المُتعجرفين

سيصعدون

ثيوس؟
قلتُ بعد أن ظهر هو من العدم

سيد ثـ ثيوس...
قال ذلك المتعجرف بتعلثم

نعم أنا هُو، و الآن اسمحوا لنا بالإنصراف
تقدّم ثيوس لنمشي خلفه بعد أن لمحتُ ماتيو يبتسم على الذي حصل للتّو لأتبسم أنا أيضًا

و النّاس منهم من يُودّع بعضهم البعض، و منهم من يُعانقُ و يُقبّل البعض كان مشهدًا مُمتلئًا بالحنينِ نوعًا ما، بدأت العابرة بالإبحارِ بعد عدّة دقائق من صعودنا

"لقد كان يعمل ثيوس مع غارسيا، لذلك من البديهيّ أن يهتابون منه"

و غارسيا كان معروفًا حقًا و ذو رُتبةٍ عالية..

" نفتقده فعلًا"

شربنا شيئًا نروي به الظمأ و أخذ ثيوس الطيّب أمتعتنا لنأخذ نحنُ وقتنا

اقتربتُ من حاجز السفينةِ لكي أرى البحر عن قُرب، إنّه كالحُلمِ حقًا
آهٍ يالَ زُرقته..

جونغكوك، هل يبدو البحر دائمًا بكُلِّ هذه الزُّرقة؟

حدّق بعينيّ ثُمّ قال:

"بحرُ عينيك، أجل"

هيا أجبني

"أجبتك، لا أرى بحرًا سوى بحرُ زرقاوتيك"

آهٍ منك،سأسألُ ثيوس لاحقًا إذًا
تجاهلته و عدتُ لأتأمل البحر ، و كالعادةِ لم يكبح ثغري نفسه عن ابتسامةٍ طفيفةٍ حينما استوعبتُ مديحه ذاك

"البحرُ مُتقلبٌ جدًا، يتغيّر لونه مرارًا على حسبِ حالِ الطّقس"

جيّدٌ أنه صفو المزاجِ اليوم،لكي أراهُ على زُرقته..

"ليس حقًا"

هاه؟

"ليس بذلك الصَّفاء"

أنت غريب

"أتودّ مني أن أضع قطرةً من عطر الغاردينيا في البحر؟"

لماذا؟

تجاهلني و أخرج العطر مُبتغيًا أن يضع قطرةً في البحرِ و لكن ما إن أراد أن يسكُب حتى سُكِب كاملًا لأصرخ عليه كردةِ فعلٍ مني

انظُر ماذا فعلت..

"لا بأس نحنُ ذاهبون إلى حيث الزهرة تسكُن على أيّ حال"

متى سَنصِل؟

"يبدو أنّك مُستعجِلٌ حقًا"

مُتشوّقٌ لرؤيةِ اليابان..

"دعني أُخبرك عن طفولتنا قليلًا، حينما أخذنا غارسيا للبلدةِ و نحنُ صِغار"

نعم أخبرني؛ لأنّني و للأسفِ لم أستطع التَّذكر

"لطالما صعدنا أسقف المنازل"

و لما؟

"نُصلح الأسقف المُتسرِبة أو نُنظف المداخن أحيانًا"

أحقًا ؟و لكن لماذا و نحنُ بذلك العُمر الصَّغير؟

"أردنا التجربة مع أطفال البلدةِ الفُقراء، و لكن أتعلم ماذا؟"

ماذا؟

"لقد كُنّا سُعداء جدًا بذلك الوقت"

جيّدٌ إذًا، هذا هُو المُهِم

"لقد كُنا نُغني مع الأطفال بعضهم يكبرنا سنًّا قليلًا و النصف الآخر يصغرنا أو مُقاربين لعُمرنا، ذهبنا لذلك المخبزِ كثيرًا و زرنا المكتبة كذلك"

لذلك هُم يعرفونني بتلك البلدة؟

"أجل بالطّبع"

ليتني أتمكن من التّذكر..

"و لكن ألم تستعد ذكرياتك بالكاملِ قَبلًا؟"

ليست كُلّها

"لا بأس، ستستعيدها شيئًا فشيئًا"

ما قصةُ تلك العجوز؟

"يبدو أنها مُصابةٌ بالخرف"

ليس هذا، هل تعرفها؟

"أوه أجل، في البداية لم أتعرف عليها و لكن تذكرتها فيما بعد"

واضحٌ أنّها عَمِلت لدينا لوقتٍ طويلٍ جدًا

"نعم، لقد كانت مُخلِصةً فعلًا"

أتعلم،جيّدٌ أنك سكبت عطر الغاردينيا بأكمله، أستطيعُ أن أوقن أنَّ البحر صافٍ تمامًا الآن

"أتُريدُ الزُّجاجة؟ لازالت الرائحةُ عالِقةً بها"

بالطّبع..

ساعاتٌ تفصلنا حتى ينجلي ذلك البُؤس الذي جلبته فرنسا و ما بِها، ليس كُلُّ ما بها و لكن بعضُ الذي بها.. أخذتُ الزُّجاجةَ من يدِ جونغكوك لأبدأ باستنشاقِ تلك الرائحةِ الزكيةِ _و التي تُذكرني برائحةِ جونغكوك _ و أنا أتأمل تضارُب الأمواج

إن غطستُ و غرقتُ عميقًا، فهل سيُشبه الغرق الذي غرقته حينما كُنت غارِقًا في عُمقِ الخيال؟ هل سأشعُر بنفس الشُّعور؟ و هل سألتقي بماتيو و هُو يمشي تلك الخُطوات

إنّها تساؤلاتٌ فحسب، غير أنَّ ماتيو هُنا بجانبي الآن
لا داعِ للغَرق

لا داعِ لعُمقِ البحرِ ما دُمتُ ساقِطًا بعُمقٍ أكبر، ماتيو يا أُعجوبة دُنياي
أنت تحِلُّ محلَّ البحرِ و جميع المُحيطات

يالَ العجبِ و العُجاب.

انقشعت الغُيوم، لذلك هُو البحرُ قد اكتسى بِزُرقةِ السَّماءِ تمامًا، بينما لا عِلم لنا ما يحصلُ بالقاع حتمًا

البحرُ عالمٌ آخر، يجرفُ بنا بين شعور الحُبِّ و الهلعِ و الغُموض

غامضٌ جِدًا، و لكنه بهيٌّ في آن
هل تذكرتُ أحدهم تَوًّا؟

صحيح، ماتيو يُشبهه..
يُشبه البحر
هُو يقول عيناي فقط
لكن أقول أنّه بأكمله.

أتيتُ و معي وهج الخريف أيُّها المُحيط
أتيتُ مُحمَّلًا بألفِ شُعورٍ و شعور
أتيتُ و معي شخصٌ يفيضُ عَظَمةً بجانبي
و أنت تزيدني أطنانَ الشُّعور

هنيئًا لك أيُّها البحر..
هنيئًا لأنّك قد سلبت شخصًا مثلي أنا

"أنا أحسِد البحر"

هل تقرأ ما بِعقلي؟

قهقه قليلًا ليقول:

"كلّا و لكنك ذهبت بذهنك بعيدًا و أنت تتأملُ البحر"

إذن دعني أُكمِل تأمُلي
ابتسمتُ بخفةٍ و أنا أوجه نظراتٍ مُطولةٍ لجونغكوك هذه المرة ليقول هُو:

"عُذرًا يبدو أنّك قد أخطأت بيني و بين البحر"

ليس كذلك،أنا أتأملُ البحر فِعلًا

"و سأتأمّلُ مُقلتيك بالمُقابل"

ماتيو هل تعرف هذه الأهزوجة؟
قلتُ بعد أن تذكرتُ فجأةً و أخرجتُ الورقة من جيبي لأُعطيه

"أجل بالطّبع،سمعتُ جدك حينما عزف عليها بآلةٍ عريقةٍ بها أوتارٌ أيضًا، كان العزفُ جميلًا جدًا بحق"

أودّ سماعها أو تجربتها..

"ستفعلُ حتمًا"

سيّد ماتيو سيّد غونزاليس المائدةُ جاهزة،ادخلا للدّاخل من فضلكما
قال ثيوس بعد أن جاء من الدَّاخل

"نحنُ فخورون بك و مُمتنون جدًا يا ثيوس"
قال جونغكوك بعد أن وضع يده على كتفه لأبتسم أنا

فعلًا لقد اتّبعت خُطا غارسيا بجدارة، لو كان هُنا فقط سيفيضُ فخرًا حينما يرى إلى أين وصلت

أنتُما تُحرجانني، و الشُّكر لكُما أيضًا
قال ثيوس ببعضِ الخجل

دخلنا للدّاخلِ لِنُشبع المعدة و نتبادل أطراف الحديث، بينما أنا بقيتُ أُفكر بالرائحةِ العالقةِ مع مشهد البحر، لابد من أننّي هائمٌ تمامًا

ركزتُ على المائدةِ بعيدًا عن جحودِ نظراتهم الساخرةِ أو الحاقدة و ها قد بدأوا باحتفالاتهم المُعتادة، كم أكره صخبهم و نفاقهم

لابدّ من أنَّ جونغكوك لاحظ انزعاجي فسحبني من ذراعي للخارجِ و على سطحِ السَّفينة و قد كانت الشَّمسُ تُودّعنا لهذا اليوم، بقيتُ واقفًا مبهورًا بالمشهدِ الذي أراه..

خيوطها الذهبية و هي تنسابُ مُلتحمةً بزُرقةِ الأمواجِ الهادئة، و النُّجومُ التي بدأت تبلجُ شيئًا فشيئًا كُلما أظلم المكان

نحنُ نتأملُ الغُروب الآن صحيح و لكنني ودعتُ الشَّمس بعينيّ جونغكوك بعدما باتت تومِضُ بريقًا ذهبيًا حتى تلاشت، رأيتُ الغُروب بعينيه أيضًا

فيالَ لذةِ الشُّعورِ المُبهِج للقلب
النُّجومُ لن تعرف مكانتها بعد أن ترى كُلّ هذا الحُسن الذي بك يا ماتيو..

-
-

Continua a leggere

Ti piacerà anche

206K 9.2K 39
_هلي أحن أليكم ثم أتذكر أنكم ظلمتوني فأصمت وجعآ _ماكنت أحسب هلي يرجون لي ألمآ لاكن رموني بسهمآ هد أركاني *********** _هل انته عوضي عن كل أحساس وحش حس...
519K 24K 23
🔹أنا لها شمس🔹 دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحال...
22.1M 1.4M 50
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
700K 28.3K 45
مراهقه دفعها فضولها للتعرف على الشخص الخطأ وتنقلب حياتها بسبب هذا الفضول.