خلف باب الرداءة

By CriticsTeam

4.6K 501 878

تترابط مليارات من الأعصاب والناقلات، وتسير ملايين السيالات العصبية في ماكينة الأفكار المسمّاة بالعقل، وكلّ ذل... More

بداية الرحلة
حب غير مشروط
الوردية الزائدة
مقلب عنيف
شبه ثكلى
غباء واستخفاف
مواكبة التّـطور
رواية ايكادولي: نفلة الحظ
اِنتحار المنطق

العبثية

181 34 61
By CriticsTeam

هدوء يعم المكان بقبو المنزل حيث المقر السري الذي يجتمع به مُلهم بطلابه الخمسة المتطلعين لما سيحدث تاليًا.

ثمّة كتاب جديد سيتم تحويله لكتاب مبتكر، وهذا ما يجعلهم متحمسين داخليًا وكأن ضرامًا خفيًا يشتعل في أفئدتهم.

فكان كلّ منهم يشغل تفكيره في ماهية الكتاب القادم وعن كمّ الدروس التي سيتعلمونها في هذا اليوم مع أستاذهم القدير مُلهم.

«هيا همزة، دورك برمي النرد هذه المرة، ليكن اختيارًا موفقًا.» دوى صوت مُلهم بأركان القبو ليتخللهم الحماس أكثر من ذي قبل خاصةً همزة ذات العينين التي تخرج نجومًا من بُنّيّها لكثرة اتقادها وحماسها.

لقد كان الجميع يراقب أفعال أستاذهم الذي استقام وأحضر النرد حتى تقوم همزة باستخدامه، كان يحب حماسهم وشغفهم نحو ما يقومون به فهو يشعر بالانتماء وسطهم بسبب توافقهم حول ذات الاهتمام.

عاد بعدما أحضر النرد من درج مكتبه ثم جلس على مقعده الذي تموضع حول طاولة دائرية تجمعهم جميعًا.
«هيا همزة بالتوفيق برميتك.» كان هذا راء الذي تحدث واثقاً بابتسامة جذابة تشجيعًا لهمزة بعيون خضراء لامعة إثر لفضوله وحبه للاكتشاف والتعلم الدائم.

ليقوم الجميع كذلك بتمني التوفيق لهمزة التي كانت ترد عليهم بشكر خجول بينما تمسك ظفيرتها البنية بخفة لتتفادى التوتر والحرج.

قام الاستاذ مُلهم بإعطاء النرد لهمزة التي استملته بكلِّ رحبٍ «قومي برميه عشوائيًا، لنرى ما عليه الدور.» اخبرها الاستاذ مُلهم لتهمهم بنعم خافتة.

قامت همزة واخيرًا برمي النرد لينظر الجميع بترقبٍ وأنفسٍ مسلوبةٍ رجعت إلى طبيعتها عند ثبوت النرد عند الرقم سبعة.

«رقم مميز كعزيزتنا همزة، أحسنتِ الصنع.» قال الاستاذ مُلهم مصفقًا بخفة وحماس ليتبعه الآخرون بنفس الفعل فتبسمت همزة بفخرٍ ممزوجٍ بالخجل.

استقام الأستاذ مُلهم للبحث عن الكتاب الذي يصادف نفس الرقم بمكتبته السرية ويحضر منه كتاب «غريب» الذي جعل الشبّان يتأهبون أكثر من ذي قبل.

«سنضع لمساتنا السحرية لتطوير هذا الكتاب وتحويله لشيء مبتكر عن طريق فرز النقاط المبهمة والمستفزة به.»
قال الأستاذ مُلهم ليوافق الجميع على ما قاله.

«في البداية سأقص أحداث الرواية بشكل مبسط وملخص لمن لم يقرأه من قبل.»
أكمل الاستاذ مُلهم ليصب تركيز الجمع معه.

«رواية الغريب هي رواية غريبة كاسمها تمامًا، فالبطل غريب الطباع، وُلد في مجتمع غريب، وعاش حياته بغرابه، تصرفاته وأسلوبه، كل شيء به ينم على الغرابة المريبة.»

«سمعت من قبل انها تنتمي للمذهب العبثي في الأدب، وبالحقيقة لم أفهم هذه النقطة بشكل جيد.»
قالت تاء بعدما رفعت يدها بخفة وسمح لها مُلهم بذلك، ذات الروج الفاقع ويبدو أنها مطلعة على الرواية من قبل.

«نعم ذلك صحيح، المذهب العبثي يعني وجود الإنسان ما هو إلا عبث ، بمعنى أن أفعاله وتصرفاته كلها ليس لها معنى، إنّما الإنسان يجترّ فقط أفكاره وأفكار من سبقه بعد أن فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي.»

«وذلك جاء ردّ فعل بعد أن صارت الآلة مسيطرة على حياة الإنسان لدرجة العبودية لها، كان الإنسان قبل ذلك يحاول أن يفعل العكس.»
شرح الاستاذ مّلهم الملم بجميع المعلومات حتى يطفئ أسئلة طلابه الفضوليين جميعها.

«بطل الرواية يدعى ميرسو، ذو الشخصية العبثية التي لا تبالي بشيء بداية من الرواية لنهايتها، يرى أفجر الأفعال بسيطة، كالقتل بدون ذرة تأنيب ضمير حتى.» قال مُلهم وبدأ باللف حول الطاولة التي يجلس عليها طلابه.
«كان تائهًا بتفكيرٍ مضطربٍ لا يعلم ما الهدف من حياته، يقتل هذا ويرتكب الشغب هناك، وهذا غير واقعي بتاتًا.»
وقف بنهاية هذه الجملة معطياً لهم ظهره، متوقعاً ردة فعل من أحدهم.

«ألا يوجد شخصٌ ما ليرشده؟ ما الذي أوصله لتلك الدرجة من اللامبالاة؟»
وهذا ما جعل مُلهم يبتسم بخفية إثر سؤال دال المتوقع والاندفاعي كما اندفاع شعيراته المجعدة دلالة على اتقاده الفضولي.

«ايها الأبله، لا تنسى رفع يدك قبل التحدث مرة أخرى ومقاطعة استاذنا.»
سمع مُلهم همس ألف الموبخ لأخيه التوأم دال، فبالرغم من كونهما توأماً إلى أنهما مختلفان بشكلٍ كبيرٍ.

فدال مندفع ومتهور وصريح على غير ألف الأكثر عقلانية وهدوءً منه، ولكنهما يشتركان في صفة حب التعلم والفضول والبحث والتنقيب.

«هذا ما كنت سأتطرق له، لقد كان غير مهتم بحياته ولا كيفية سيرها ولا بمصيره المستقبلي، ولا يلقي بالًا بأي شيء، فقط يتنفس ويرتكب الجرائم دون أدنى ندم ... أليس هذا مبالغ به؟»
التفت لهم مُلهم يؤكد لهم صحة أسئلة دال.

«هو صاحب فكر مشبوه لا يجب أن يتم عرضه أمام الملأ، فنحن كقراءّ إن لم نكن متيقظين لكل جملة تمر أمام أعيننا سيؤثر هذا في وعينا بشكل كبير» قال مُلهم موجهًا حديثه للجميع بعدما وضع الكتاب على حافة الطاولة.

«إنها سمومٌ يتم زرعها برأس القراءّ حتى يُخيل لهم أن هناك أناسًا حقيقيين بهذا العبث والجحود، هذا غير واقعي يا شباب.»
كان حديث مُلهم بهذه النقطة أقرب للنصائح لهم، فقد حرك يديه وتحدث بثبات وصوت عالٍ دلالة على حديثه الجدي.

«إنها رواية تحمل في طياتها الكثير من الفلسفة العميقة التي تدرس شخصية جافة عديمة المشاعر كميرسو غريب الأطوار، فتم استخدامه كرمز للعبثية والركود، شخصية هامشية التفكير صارت بطلًا عبر تفكيرها المميز والمتفرد بسمومها!.»
حديثه أقرب للتعجب من الحال التي آل لها ميرسو بطل الرواية الغريب.

« قام الكاتب بعكس شخصيته المتخبطة لنا عن طريق تشخيص ميرسو ومعاناته، فالكاتب بعامة الحديث واختصاره لم تكن حياته عادية، كانت غير سوية نسبة إلى ما لاقاه من شؤمٍ بحياته.»

«ولكن يا أستاذ مُلهم هذا ليس سبباً مقنعًا يدفعنا لنتجه إلى العبثية، أقصد أننا كبشر مخيرون دائمًا لأي طريق نسلك، هناك الكثير بالفعل.»
كان هذا راء الذي رفع يده اليمنى قبل الإجابة بينما يعدل من ثبات نظاراته بتركيز وجدية.

«معك حق بكل تأكيد، فنحن نتميز بالعقل عن كافة المخلوقات، واختياراتنا متعددة بالفعل واختيار العبث والركود ما هو إلا ضعف وجبن يدل على اضطراب الشخصية»
أكمل مُلهم موافقًا لحديث راء ثم سكن عدة لحظات وأكمل:

«تضمنت الرواية بالأخير فلسفة دينية، حيث ثمة راهب يَعِظ ميرسو ولكنه يتجاهله بلا مبالاته، فتفاجأ الراهب من ذلك الشخص الذي يجهل معنى الحياة، حتى أنه لا يؤمن بوجود الله، كان خالياً من الداخل بشكل مخيف، لا يدري عن تاريخ وفاة والدته ولم يشعر بالحزن عليها ايضًا، كان بليداً وغير مكترث بما يحدث له أو حوله اطلاقًا.»

«والآن يمكنكم طرح آرائكم حول ما ناقشته الرواية من وجهة نظركم، أنا أستمع لكم.»
كان هذا أخر ما قاله مُلهم قبل أن يجلس على الطاولة ينتصف بين طلابه.

«تناقش الرواية رغبة الإنسان العظيمة في التفرقة بين معنى الحياة وهدفه فيها وكيفية عيشها، ودراسة اللاوعي الخلقي الذي ينتج شخصية كهذه، فكيف لشخص ما أن لا يدرك أهمية حياته!؟»
كانت هذه تاء التي تمضغ علكة بتفكير واستنكار نهاية حديثها فهمهم لها مُلهم بموافقة.

«أعتقد أنها تناقش كيف أن التفكير العبثي يخلف مصائباً لصاحبه كي يصبح وحيدًا وبعيدًا عن مجتمعه، لقد كان ميرسو مفرطًا في اللاشعور الوعي، لقد كان يبالغ في جموده وجحوده، لذلك لم يكن هناك من هو قريب منه.»
هذه المرة كانت همزة هي من تحدثت، ليرفع مُلهم حاجبيه إعجابًا بما وصل إليه طلابه من وعي.

«ناقشت معرفتنا حول معضلة فلسفية تصيب عقل الشخص وتحاكي مأساته النفسية، فلا يجب أن يصل الفرد لتلك الحالة من العدم والفراغ مهما مرّ من عقوبات ومشاكل.»
كان هذا ألف الذي تنبثق الثقة بين ثنايا حديثه ونظراته البنية.

«رائع! أحببت ملاحظتكم، والآن ما الذي يحتاج إلى التطوير برأيكم؟»
قال مُلهم ناظرًا للجميع بتأملٍ وترقب؛ فهذه النقطة تعبر عن أهم محطة في جلستهم.

«أعتقد أن ما سنحاول تطويره هنا هو اللاواقعية، والمبالغة في وصف الشخصية بكونها جامدة، فقام الكاتب بإنكار واقع الموضوع وتجاوز الحد المتزن بوصف الشخصية والتعمق بشعورها.»
كان المتحدث راء الذي تحدث بتردد في البداية وعندما أومأ له مُلهم في منتصف الحديث علا صوته ليرادف الثقة.

«أجل هذا ما كنت أريد الوصول إليه، جيد الوصول لهذه الفكرة راء، أحسنت التفكير، وهذا ما سنحاول تطويره وسأخبركم كيف.»
قال مُلهم واقفًا لتتبعه الأعين الفضولية كلها.

«سننصح ونقترح للكاتب ألّا يتعمق بالتفاصيل ويجب عليه أن يبعد عن المماطلة كذلك، فكان التركيز الأكبر بالرواية حول الصراع الداخلي الذي يمر به ميرسو دون تصوير واقعي بحت لشخصيته، ونقترح كذلك عدم المبالغة في وصف الشخصية بكونها جامدة.» أكمل مُلهم بالتزامن مع تحركات جسده وخطواته العشوائية حول الطاولة دلالة على حماسه وتأكيداً لكلامه الموفق.

«كما وأن الرواية تضمنت شرحًا للمجتمع وعلاقة الأفراد به وكذلك جرائم القتل عمدًا أي جوانب المجتمع السلبية وهذا ما يدفعنا للتنويه عن وجوب وجود الواقعية لأنها تخص ظواهر كهذه كما ووجب اقتراح الابتعاد عن الغير منطقية بالأحداث.»
تنفس أخيرًا بنهاية حديثه.

«وبالتطرق إلى إجابة الأسئلة التي تراكمت بأذهانكم الآن بسبب عدم الواقعية وطرحتها من قبل، ألا وهي ما معنى الحياة؟ وهل هي بلا قيمة وعبثية لهذا الحد؟» سأل مُلهم ليرى سرحان طلابه في الإجابة والبحث عنها بدواخلهم، وهذا ما أراده فتركهم عدة لحظات صامتة.

«هذا السؤال لا بد أن يطرحه كل إنسان لنفسه عندما يعاني من مصاعبٍ أو يصطدم بمشاكل، فالموت سيوافينا عاجلًا أو آجلًا، فنحن وُهبنا عقلًا نفكر به يختلف عن الحيوان، نحن خلقنا لشيء أعظم في هذه الحياة وليس من أجل العدم.»
كانت هذه كلمات لا تُقدر بثمن لطلابه الذين هم أعلم الأشخاص بمدى أهميتها.

«فالعدمية الأخلاقية التي أصابت ميرسو كانت تجعله يفترض أنه لا يوجد فرق بين الصح والخطأ، تجعله يشكك بكل من حوله، تقنعه بأن لا قيمة لجوهره، أن وجوده لا معنى له.»
الجميع أومأ برأسه موافقًا عند هذه النقطة الهامة التي اختصرت جميع الأحاديث.

«لكل منا رسالته بهذه الحياة، والتي هي عبارة عن رحلة ندرك فيها ذواتنا وتقربنا من الله، ويجب أن ندرك ذلك بكل جوارحنا حتى لا نصاب بالفراغ الروحي والتعاسة أو حتى الاكتئاب الوجودي.»
كان هذا رأي دال الذي تحدث مقاطعًا أستاذه مُلهم مرة أخرى؛ فالطباع لا تتغير من أول تنبيه.

«أوافقك الرأي دال، فنحن نعيش بفضل عواطفنا ومشاعرنا تجاه الآخرين، لذلك لا يجب أن نتجرد مما هو ملاصق لغريزتنا فهذه هي فطرة الإنسان بكل الأحوال.»
كان هذا آخر ما بجعبة الاستاذ الملم مُلهم عن الرواية لطلابه.

«هذا نهاية حديثنا لليوم، أتمنى منكم أن تكونوا مدركين لكل كلمة طُرحت بهذه الجلسة، فخورٌ بكم على تطوركم الملحوظ، ألقاكم بالجلسة القادمة بمشيئة الله.» أنهى حديثه ليضع الكتاب برفه الخاص، ويخرج بعد أن رأى نظرات طلابه الراضية والسعيدة بينما يكتبون

كانت معكم ستيلا ذهبية النقد.

Continue Reading

You'll Also Like

65.1K 587 8
تتحدث القصة عن بنت بصراوية بل صدفة تتلقي بشاب من أهالي الانبار هههه ما احرك عليكم القصة او ملاحظة تحتوي على أحداث جريئة
598K 20.7K 19
زينب اني كملت جملتي وشفته عيونه حمر شرار كلت هوا شمورطني غير الساني وماحسيت غير لما اندفعت وايدي تثبتت وهوا يحجي وعيونه دم تريد تطلع م̷ـــِْن العص...
6.8K 753 9
يُقالُ دَومًا وَ لِرُبما إلى ما لهُ نِهايةٌ : أن العائلةُ سَندٌ لـ أبناءها لكنَ عائلتي لَم تَكُن سندٌ لَي كانوا كـالبلاءٌ كانوا وحوشٌ ظالمين ظلمونَ...
2.3M 71.5K 26
عندما تقابل عائلة والدها للمر الاولى ستلتقي بالكثير من الأشخاص ذات نية مختلفة و اغلبهم اتفقوا على التخلص منها لكنهم لا يعرفون مع من يتعاملون فهي الاق...