التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إ...

By SamaSafia

102K 2.7K 90

رواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للع... More

الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرين
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الثانى والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون
الفصل الثانى والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصــل الأخيــر
الخـاتمــــة

الفصل الثالث والثلاثون

1.7K 52 0
By SamaSafia

خلال أيام كانت الحياة تسير فى تناغم وهدوء الجميع يتحضر للفرح أو يسعى إليه كحال مدحت الذى انتظر عودة حسام بفارغ الصبر لتحديد موعد استقبال منزل العزازى للنقيب مدحت كنسيب منتظر وعريس لأصغر بناتهم

ولم يكن انتظاره هادئاً أو فى صمت بل طارد حسام بالمكالمات الهاتفية ليل نهار أثناء سفره حتى حدد موعد عودته وأصر مدحت أن يكون موعد عودة حسام هو نفس يوم الزيارة

********************

فى غرفة حسام الذى وصل لتوه إلى المنزل وأنعش نفسه بحمام دافئ يزيل عنه أثر عناء الطريق ثم خرج إلى غرفته بملابسه المنزلية المريحة لتستقبله نسمة بابتسامة واسعة ومدت ذراعيها تتشبث بعنقه معانقة إياه بلهفة

ضم خصرها بحنان يبادلها اشتياقها وسعادتها بعودته سالماً ثم ربت على ظهرها بخفة ولم يستطع منع نفسه عن مناغشتها قائلاً

:- يا ترى سببه إيه الحضن ديه ... ما سلمتى عليا أول ما وصلت

ابتعدت عنه بجذعها تتطلع إلى وجه بعتاب ثم قالت بدلال

:- وهو لازمن يكون فى سبب لاچل ما أحضن چوزى اللى لسه معاود من السفر ... چبت الجسوة ديه كلاتها منين يا ولد العزازى

قرص وجنتها الناعمة بخفة وتحرك نحو الفراش مجيباً بإرهاق

:- من الجعدة ورا الدركسيون تلات ساعات متواصلة

تشبثت بذراعه تمنع تقدمه نحو الفراش وأسرعت تقف أمامه واضعة يديها فوق خصرها تتمايل يميناً ويساراً قائلة بغنج

:- إيه رأيك خسيت صُح ... بيجولوا اللى غايب بيلاحظ الفرج أكتر من اللى يشوفك كل يوم

وقف أمامها باستسلام يتأمل خصرها المحدد وجسدها المتفجر الأنوثة بمنحنياته الخطيرة المغرية وقد لاحظ تغير طفيف فى وزنها فهو لم يغيب سوى لأربع أيام فقط

ابتسم برضا فى وجهها فهو يعشقها فى كل حالاتها، هو يعشق الروح التى تسكن هذا الجسد المتفجر الأنوثة أمام عينيه ولكنه مرهق ويحتاج للنوم فلن يخضع لإغرائها الأن

ربت على وجنتها مشجعاً وقال بمجاملة ومبالغة كبيرة حتى يرضيها :- براوة عليك يا نسمة صُح خسيتى كتير

قفزت تتعلق بعنقه بشقاوة وهتفت بانتصار

:- شفت كيف مراتك شاطرة ... ولسه مش هيائس وهرجص زومبا لحد ما بجى كيف المليكان (المنيكان)

قهقه حسام ضاحكاً وقال ساخراً

:- زومبى!! .. مش دول الموتى الأحياء اللى بياچوا فى الأفلام وياكلوا البنى الأدميين ... استمرى يا نسمة استمرى ويا ريت تحودى على الرجص الشرجى أهو يبجى مُصلحة

زمت شفتيها بانهزام لفشلها فى الرقص الشرقى وقالت بتأفف

:- أهو ديه نجطة ضعفى الوحيدة ... بس أحاول يا حبة جلبى بص إكده

رفعت ذراعيها عن عنقه تتلاعب بهما فى الهواء وتحرك كفيها فى دوائر ثم بدأت تتمايل بخصرها فى عدة اتجاهات بغير انتظام ولا إيقاع وشفتيها تدندن بنغمات لا علاقة لها بحركة خصرها فتعالت قهقهات حسام المستمتعة وأحتوى رأسها بين كفيه ثم مال عليها يلثم شفتيها بخفة هامساً بحرارة

:- والله اتوحشت خفة دمك يا نسيم الچنة

قطبت جبينها بامتعاض وقالت معاتبة

:- خفة دمى بس

داعب ذقنها بأنامله ومقلتيه تتأمل ملامحها الجميلة بشغف قائلاً بخفوت موضحاً

:- يا مخبلة ... الچسم فانى وبكره تكبرى وتعچزى وتبطرخى (تسمنى) أكتر وأكتر ووشك يكرمش (يظهر تجاعيده) وتبجى كركوبة وأنا أنحف وكرمش وأبجى مش جادر أجف وأتسند عليك بالك وجتها مش هحبك ... لاه هفضل أحبك كيف ما أنى ... الروح عمرها ما تشيخ تفضل كيف ما هيه لحد ما تجابل وچه رب كريم ... وأنا بعشج روحك وهعشجها لأخر يوم فى عمرى

دفعت رأسها إلى صدره تطوق خصره بقوة وقبلت كتفه بحب وهى تضم نفسها إلى جسده أكثر وأكثر، تتشمم رائحته التى اشتاقت إليها

وهمهمت فى صدره :- ربنا يعطيك طولة العمر يا حبة جلبى وتفرح بعويلاتك (ولادك) وولادهم كُمان

ربت على ظهرها بحنان وقبل رأسها ثم تحرك نحو الفراش من جديد وقد تمكن منه التعب فلحقت به وتشبثت بذراعه هاتفه برفض

:- رايح على فين يا حبة جلبى؟

تثائب بكسل وجلس فوق الفراش قائلاً بإرهاق

:- هنام شوية يا نسمة چسمى تعبان ... لفلفت كتير الكام يوم اللى فاتوا لاچل ما أخلص الشغل فى أجل وجت ممكن وأعاود على البلد .. أنتِ خابرة محبش أبعد عن الدار كتير

قلبت شفتيها بتذمر وقالت مؤيده وهى تقترب لتقف بجواره

:- ولا أنا أحب إنك تسافر من أساسه بس نعمل الشغل وأحكامه

تمدد فوق الفراش يفرد ظهره مردداً بتكاسل

:- هرتاح شوية جبل ما يوصل العريس أبو نص عجل ديه

جلست على طرف الفراش بجواره وتساءلت بتعجب

:- نص عجل كيف!! .. باينه راچل زين

أرخى جفنيه يستسلم لراحة جسده التى بدأت تتسلل إليه على فراشه الشخصى الذى إعتاد عليه وقال موضحاً

:- واد مطيور كل ساعة والتانية يتصل يسأل ميتى هتعاود وميتى نتجابل .. وكيت وكيت وأنا محبش الحديت الكتير

مسدت ساقيه بنعومة وابتسمت بجذل قائلة بتفاخر

:- وماله لازمن يبجى مطيور ومسربع ... ديه فرح بنت سليم العزازى حجها تاخد عجله وجلبه كُمان

جاء صوته محذراً للتوقف عن الحديث بخفوت ناعس :- نسمة

تفهمت رغبته واحتياجه للراحة والنوم ولو أنها لا ترغب فى تركه لكن راحته أهم لديها، مالت فوق جسده تقبل وجنته بدفء مرددة

:- نام وأرتاح يا حبة جلبى

تنهد بخفة وتقلب على جانبه مغمض العينين فنهضت بهدوء وغادرت الغرفة مع طفلهما وتركته ينعم بنوم هادئ

*******************

فى بهو منزل أحمد السمرى جلس وحيداً يتناول كوب من الشاى الثقيل ويتفكر فى حياته الجافة الخالية من المشاعر، يقارن بين حياته الباردة وحياة شقيقة وتمسكه بزوجته لما يجمعهم من ود حتى والدته أصبحت تُظهر مشاعر ونعومة تقرباً من والده ورغبة فى كسب وده ورضاه من جديد

أما هو فيشعر بالخواء من داخله وكأن صخر الجبل يجثم على صدره وقلبه توقف عن النبض إلا من دبيب بسيط يغذيه حب بناته

رفع عينيه نحو ساعة الحائط أقترب موعد عودة الفتيات من المدرسة، أصبح حريص على تواجده كلما استطاع فى هذا التوقيت لينضم إليهم على الغداء فى محاولة منه ليتقرب من الفتيات خاصة الكبار لعله يستطيع تغير تفكيرهن وإنقاذهن من أفكار والدتهم العتيقة

مرت دقائق ثم ظهرت نجوى تتقدم نحوه وخلفها صغرى بناته (فجر) تسحب خلفها دمية قماشية من يدها وقد تشعث شعر الدمية وتلون وجهها بشخابيط من عدة أقلام ملونة

ابتسم بحنان على مظهر الصغيرة ذى الشعر القصير المجموع على جانبى رأسها كأذنين قطة جميلة، ضحكت بفرحة حين لمحته وهرعت نحوه ركضاً حتى اندست بين ذراعيه المفتوحين لها بضحكة طفولية فرحة تقدر بملايين الجنيهات بعد أن تركت دميتها المشعثة تحت قدميه

رفعها فوق ساقيه وضمها إلى صدره يقبل وجنتها المكتنزة بحنو ويداعبها برفق متسائلاً بذهول عن حال الدمية التى يرثى لها

:- بتعملى إيه فى العروسة المسكينة ديه؟

:- روسة اشى

قهقه بمرح على طريقة نطقها للحروف والتى مازالت فى مرحلة التكوين وجادلها بنعومة

:- العروسة تمشى ... إكده بتمشى ولا بتتسحل

مال عليها يقبل وجنتها المكتنزة من جديد فرفعت كفها الصغير فوق شاربه الكث الذى يخدش وجنتها الناعمة بجبين مقطب وفم ممطوط متذمر، تأمل ملامحها الجميلة وتعبيراتها الطفولية اللذيذة متسائلاً بحب

:- أنتِ كيف حلوة إكده يا بت يا شجية أنتِ

دغدغ جسدها فى أكثر من موضع فارتفعت ضحكاتها العالية تنشر بعض الدفء والحياة بين الجدران الباردة ثم حاولت هى دغدغدته بدورها فقهقه عالياً بسعادة وأناملها الرقيقة تداعب عنقه ومعدته مقلدة حركاته معها، ضمها إلى قلبه باحتواء وحنان

بناته هن مصدر الحب الوحيد في حياته الجافة ورغم إنه مقصر فى حق البنات الكبار فقد كان يُغرق نفسه فى العمل هرباً من مشاكل وتذمر زوجته الدائم وللأسف كانت الضحية تشوية تفكير الفتيات الذى تشرب من فكر والدتهم وجدتهم

راقبت نجوى زوجها يداعب ابنته ويشاكسها باستمتاع فقالت ببرود وحدقتيها تتفحصه بدقة

:- شيفاك رايج يعنى وعمك سعيد طايح فى البلد بعد ما خد الزعامة منيك

توقف عن مداعبة الصغيرة والتفت إلى زوجته يحدجها باستغراب، هل تستكثر عليه تدليل بناته أم إنها غاضبة من ضياع الزعامة منه فقد كانت تصبو إلى أن تصبح زوجة كبير البلد

مال أرضاً يلتقط الدمية من فوق الأرض وأعطاها لابنته الصغرى التى استكانت فى حضنه وضمت دميتها إليها ثم تسائل بجفاء يُفصح عما يدور بعقلها وأبت هى أن تنطق به

:- أنتِ زمقانة (زعلانه) لاچل الزعامة ضاعت ولا لاچل بلاعب فچر

اندفعت تجيب بتسرع وقلة عقل وحركة جسدها الذى مال للأمام يؤكد على انفعالها

:- التنين .. البنتة مش لازمن تتچلع بدل ما عيارها يفلت ... والزعامة طول عمرها لك من بعد الحاچ عدلى كيف تتركها بسهولة إكده تضيع من يدك

حاوطت جسدها بذراع وأسندت مرفقها الأخر عليه ثم وضعت كفها على خدها تردف بتأنيب وندب

:- ضاعت هيبتنا وكل حريم العيلة بيسألوا كيف ده حُصل ... كله من بنت البدرى اللي رچعت دار السمرى من تانى بعد اللى عملته والصلح اللى چوز خالتى عمله وجلب (قلب) رچالة العيلة عليه ... مش خابرة كيف خالتى تهملها تعاود الدار بعد ما هربت وحطت راسنا فى الطين

زفرت بحنق تستطرد نفث غيظها وسموم عقلها

:- أجل ما فيها كان فاروج حش رجبتها من فوج أكتافها ولا لاچل ما أنها أم الرچال وچابتله بدل الواد تنين تبجى لها سطوة وحظوة حدا چوزها

راقبها أثناء حديثها بإمعان ثم أجلس ابنته بجواره تلعب بدميتها و أعاد النظر نحو زوجته وذراعه تضم ابنته إلى جسده برفق ثم أجاب على حديثها بهدوء شديد فهو أعلم بما يدور فى رأسها وقد أعتاد على مثل هذه المهاترات معها

:- شوفى يا نچوى ... البنتة كيف الصبيان محتاچين اللين شوية والشدة شوية والأهم إنى أنا اللى محتاچ لحنيتهم وچلعهم اللى مش عاچبك ديه بدل ما الدار تبجى باردة وميتة من غير روح

رمقته بنظره غضب ممزوج بالصدمة من تصريحه الصريح بالجفاء بينهما وهو يواصل حديثه بنفس الهدوء

تانى هام أنى ولا يفرج معاى زعامة ولا غيرها أنا المهندس أحمد السمرى اسمى وحده يكفى ومش غرور لا سامح الله لكن ثجة واستحجاج (استحقاق) بشهادة الچميع ولله الحمد

أراح ظهره إلى ظهر الأريكة التى يجلس عليها يحدق فى وجه زوجته بحسرة على عمر ضاع دون طائل والتى كانت تعض على شفتها مرة وتلوى فمها مرة أخرى غيظاً وكمداً من حديثه وهو يواصل

:- وتالت هام بجى وده الأهم مرات أخوى عاودت الدار معززة مكرمة لأنه حجها بعد ما عاشت طول عمرها بعيد عن أهلها ومتعرفش عنيهم شى .. وخوى ردها الدار لاچل بيناتهم عشرة ومودة مش لاچل صبيان ولا بنتة ... فاهمة يا نچوى

كانت تعض شفتيها من الداخل ممتعضة أثناء حديثه وحين صمت استمر بينهما تواصل بصرى صامت حتى أشاحت بوجهها بعيداً عنه وقد فشلت فى مواجه منطقة

أرخى جفنيه بقنوط من إصلاح حالها وسكن بحزن يلتف حول قلبه القابع بصمت كمن فقد خفقاته أو نسى كيف ينبض

انصرفت من المكان بعد دقائق وتركته مع ابنته الصغرى واختفت بالداخل حتى تعالى صوت صاخب فى حديقة المنزل يعلن عن عودة الفتيات

كانت في المقدمة نوارة التى تركت حقيبتها أرضاً وأسرعت إلى والدها وقفزت على مسند الأريكة القريب منه تحاوط كتفيه بذراعها الصغير ولثمت وجنته بحب ثم هتفت بسعادة فى شكل سؤال

:- هتتغدى أمعانا اليوم يا أبوى؟

حاوط خصرها الصغير بذراعه وجاوبها بلين وهو يتأمل تقاسيمها المحببة لقلبه :- إيه رأيك أنتِ يا نوارة الدار

اندفعت تجيب بدفء مشاعرها نحو والدها وهى تميل عليه وتحتضن كتفيه :- يا ريت يا أبوى .. يا ريت تجعد أمعانا طوالى

ضحك برضا ولثم وجنتها ثم برر بهدوء

:- والأرض والمزرعة يا نوارة

:- يبجى إحنا نروح أمعاك يا أبوى

قهقه من جديد وهو يربت على ظهرها برفق ثم نظر نحو ابنتيه الأخريات اللاتى وقفن أمامه يراقبن حديثه مع نواره

ابتسم فى وجوههن ثم سأل بمرونة يجذبهم للحديث معه

:- إيه رأيكم يا بنات فى الحديت ديه

جاوبته سندس ببساطة بمنطق قريب من تفكير والدتها

:- حديت إيه!! .. نروح أمعاك الشغل!! ... لاه يا أبوى خليك أمعانا فى الدار أحسن البنتة مكانها الدار

أومأ متفهماً ثم وجه نظره نحو الكبيرة جامدة التعبيرات وسألها باهتمام :- أخبارك إيه يا سلمى؟

جاوبت باقتضاب تؤكد على طاعتها لكلامه

:- زينة يا أبوى .. بذاكر وأنچح

لانت ملامحه بحيرة مع هذه الفتاة، صحيح أنها اصبحت تنجح فى الدراسة بدرجات النجاح لكنها مازالت غير مقتنعة بالتعليم

هز رأسه بخفة يطالعها بحنان وحدثها بلين

:- خابر أنك بتنچحى وراضى بدرچاتك اللى يا دوب تنچحك ... أنى بسألك على حالك فى حاچة ناجصاكى ... بديك تتحدتى فى شى

طأطأت رأسها خجلاً وقالت بخفوت :- لاه يا أبوى كتر خيرك

تفحصها بتعاطف وحيرة فى التعامل معها يشعر بتحسن طفيف فى تفكير سندس أما سلمى فهى جامدة المشاعر ومنغلقة التفكير، قاطع اجتماعهم صوت نجوى الذى تعالى من خلفهم تأمر بجفاء

:- أنتوا وصلتم .. يلا بدلوا خلجاتكم طوالى بدل الوجفة اللى ما لهاش عازه ديه لغاية ما الوكل يچهز أبوكم رايد يشوف شغله

تأملت جلسة نواره فوق مسند الأريكة وذراعها تحاوط جسد والدها بينما غفت فجر بجواره ورأسها على ساقه فأردفت باستياء

:- نوارة اتحشمى وجعمزى (اقعدى) عدل ... بلا مسخرة بنتة

ناظرها أحمد بنفاد صبرعلى أسلوبها الجاف مع بناتها وقال بصوت صارم ونظره مشتعلة

:- هملى البنتة يعملوا ما بدالهم ... إحنا فى الدار ما أحناش جعمزين على المصطبة ولا فى الغيط

ازدردت ريقها بغيظ من توبيخه لها أمام بناتها بينما بدأت الفتيات فى الانصراف إلى غرفهم بصمت كئيب فوالديهما دائماً ما يختلفان وحين تهدأ الأمور بينهما يجمعهما صمت مشحون

*******************

فى بدلة زرقاء أنيقة حديثة التصميم أظهرت رشاقة جسده ولون بشرته الفاتح بخصلاته البنية وقف يعقد ربطة عنقه أمام مرأة الزينة ثم تناول ساعة يده ووضعها حول معصمه ثم وقف يتأمل انعكاسه داخل المرأة

يغلق زر سترة البدلة ثم يفتحه من جديد، يتخير أفضل طلة له فهو فى طريقة لأهم لقاء سيقوم به فى حياته

زفر بعمق ثم لامس خصلات شعره المصففة بعناية وداعب نفسه غامزاً بعينه اليسرى لانعكاسه

:- والله وبقيت عريس يا دوحة

تنهد من جديد بحرارة ثم استدار يخرج من غرفة النوم إلى صالة شقته الصغيرة حيث طاولة مستديرة تتوسط الصالة موضوع فوقها علبة من الشيكولاتة الفاخرة وبجوارها باقة من الزهور الملونة كان سبق وطلبهم من المحافظة

عدة طرقات قوية مزعجة على الباب دفعته ليتحرك ويفتح الباب وجد نُصحى أمامه، ابتعد عن الباب يفسح له طريق الدخول قائلاً بمشاغبة

:- إيه خبطة المخبرين ديه يا عم نُصحى ... أنت جاى تقبض عليا

:- العفو يا سيادة النجيب ... لامؤاخذه أتعودت على إكده

تأمل نُصحى أناقة مدحت التى أظهرت وسامته وأردف بإعجاب

:- بسم الله ما شاء الله ... عريس صُح الصُح يا سيادة النجيب

وقف مدحت يعدل من وضع سترته وتسائل بجدية

صحيح ياعم نُصحى ... شياكة مش كده :-

:- إكده وأبو إكده كُمان

قالها نُصحى بنبرة عالية وقوية وهو يشيح بيده فى الهواء كمن سمع وصلة طرب أسكرته فهتف مشجعاً المطرب بحماس، ابتسم مدحت بسعادة وقال بلهفة

:- طيب يلا بينا عاوز أوصل فى الميعاد بالظبط

:- البوكس چاهز وتحت أمر چنابك

تجمد مدحت فى مكانه يناظر نُصحى بصدمة وردد بتيه أنقلب إلى حده

:- بوكس ... أنا رايح أخطب مش أقبض على العروسة ... قلتلك هاتلى عربية توصلنى يا نُصحى

ناظره نُصحى ببلاهة وأقترح ببساطة

:- تحب أچبلك توكتوك ... سريع وفى ثوانى هتكون فى فيلا العزازى

مسح على وجهه بنفاد صبر، لا يرغب أن يعكر صفوه أى شئ فى هذا اليوم المميز وقال جازاً على أسنانه وهو يشير إلى ملابسه الفاخرة

:- حرام عليك هتجلطنى ... بص كده بذمتك الشياكة ديه تركب توكتوك

:- لاه ما يصحش قالها نُصحى بهدوء ثم برر ببساطة

:- أصل الواد محچوب صاحب العربية البيچو اللى أتفجت معاه أتأخر عليا .. جولت أتصرف أنا وچبتلك البوكس أهوه برضو هيبة

زفر بعمق وهو يحرك رأسه بقلة حيلة مردداً

:- لا حول ولا قوة إلا بالله .. طب أتصرف ازاى أنا دلوقتِ

رفع رأسه يناظر نُصحى وأشار إليه مردفاً

:- أقولك اتصل باسماعيل وقوله النقيب مدحت عاوزك فى مشوار دلوقتِ حالاً

أمر چنابك :-

كاد نصحى ينصرف لولا أن استوقفه مدحت قائلاً بعصبية من تصرفات نُصحى المستفزة

:- على فين يا نُصحى ... كلمه على الموبيل بسرعة

:- أمر چنابك

نفذ نصحى الأمر ومدحت يدور حول نفسه، يتحسس جيوب سترته يشعر أنه نسى أمراً ما، تأكد من علبة الشيكولاتة والزهور ثم استدار يبحث عن ضالته التى لا يتذكرها

هتف نُصحى بصوته الجهورى بعد أن أنهى اتصاله

:- خمس دجايج ويبجى إهنا يا مدحت بيه

أومأ مدحت بخفة دون أن ينظر نحوه وهو يعتصر ذاكرته حتى تذكر فجأة فهرع إلى غرفته ينثر قطرات من عطره المميز قوى الرائحة على سترته ثم وقف يتأمل نفسه فى المرأة مرة أخيرة ببسمة أمل وتفاؤل لبداية حياة جديدة

********************

انتهت فرح من ارتداء فستان زهرى اللون رقيق مزركش بزهور صغيرة متناثرة ذو أكمام طويلة وحزام رقيق يحدد خصرها الدقيق وينسدل على كامل جسدها باتساع حتى كاحليها

دارت حول نفسها عدة مرات فاردة ذراعيها فى الهواء وشعرها يتطاير حولها بحرية، توقفت فجأة تلهث من السعادة وعينيها مسلطة على انعكاسها داخل المرأة، جميلة رقيقة بابتسامة مشرقة جذلة وهتفت لنفسها

:- أنا مش مصدقة .. خلاص الحلم هيتحقق مدحت .. دوحة .. دودح هيطلب أيدى النهارده ... ياااه أنا بحلم باليوم ده من يوم ما شفته

ضمت يدها إلى صدرها أثناء حديثها وهى تتأمل نفسها بشرود، قطع خلوتها وشرودها صوت مشاغب يأتى من خلفها متهكماً

دودح .. ده لو سمع الأسم ده أكيد هيطفش من أولها :-

شهقت فرح مفزوعة وزمت شفتيها ثم التفتت تواجه شقيقتها الكبري وقالت بتحدى بعد أن فاقت من فزعها

:- أيوه دودح ... أنا حرة فيه أناديه زى ما يعجبنى .. أنتِ مالك يا أم مخيمر

ظهر الاستنكار والرفض على وجه شمس ثم قالت بتفاخر وغرور مصطنع وهى تتقدم للداخل

:- مخيمر ... ابنى أنا ابن شموس وچو كبير البدرية جبلى (قبلى) يبقى اسمه مخيمر

قهقهت فرح وتحركت تضم شقيقتها إلى صدرها بحب هاتفة بمرح بردوا مخيمر .. ميخو :-

شاركتها شمس الضحك ثم وقفت تتأملها بإعجاب وهى تزيح شعرها للخلف ليظهر إشراقة وجهها وقالت بشقاوة

:- مفيش فايدة فيك هتفضلى مجنونة على طول كده .. قعدتك مع نسمة بوظت دماغك

تحركت تجلس على طرف الفراش فى نفس الوقت التى دلفت فيه نسمة الغرفة حاملة رضيعها بين ذراعيها ودافعت عن نفسها بامتعاض بعد أن سمعت كلمات شمس الساخرة

:- دلوك مش عچبك نسمة .. لولا نسمة ونصايح نسمة مكنتيش حامل دلوك من چو حبيب الجلب

شاكستها شمس وهى تتصنع التعب وتملس على بطنها ببطء

:- من غير نصايح ولا غيره چو ميقدرش يقاوم جمالى وأنوثتى الطاغية

وضعت نسمة طفلها فى منتصف الفراش وضحكت باستهزاء ثم مالت نحوها تهمس بتحدى

:- طب عينى فى عينك إكده .. بأمارة الجميص الأحمر وآآ

أسكتتها شمس بكتم فمها بكفها وناظرتها برجاء لتصمت معاتبة بهمس :- ششش ... اللحق عليا إنى بحكيلك كل حاجة

:- يا جماعة خليكوا فيا أنا ... ده يومى أنا على فكرة

هتفت بها فرح متذمرة وهى تقف تناظرهم بغضب وكفيها فى خصرها، هدأت الفتاتان وحولوا اهتمامهم إلى فرح

:- لمى شعرك الأول وبعدين نظبط الميكب

قالتها شمس بينما قالت نسمة

:- ومتحطيش فى بالك أنك هتتدخلى عليهم حسام مجفل من زن مدحت عليه

شهقت فرح معترضة وهتفت برفض وتوجس

:- يعنى إيه مش هشوف مدحت ... وحسام مضايق منه ليه!!

أعتدلت نسمة فوق الفراش بجوار رضيعها وجاوبتها

:- فضل يزن فوج دماغه بالمكالمات ويتصل به كل ساعة حسام جفل منيه

قطبت جبينها وتهدلت أكتافها خوفاً متسائلة بخفوت وإحباط

:- يعنى حسام ممكن يرفضه

نهضت شمس بجوارها تضمها بعد أن انطفأت الفرحة من وجهها، كما نهضت نسمة تمسك بذراعها تطمأنها

:- لاه ما تخفيش حسام كان معاود تعبان وبده ينام ويرتاح ... يا حبة عينى ما بيرتحش غير فى الدار .. لما يصحى ويفوج مزاجه هيتعدل وكل حاچة هتمشى على خير إن شاء الله .. وبعدين ما أنتِ خابرة سلو بلدنا مفيش عروسة بتشوف عريسها جبل جراية الفاتحة على الأجل

دفعتها شمس أمامها برفق نحو طاولة الزينة قائلة بحماس

:- تعالى أسرحلك شعرك ونكمل الميكب بتاعك ... أنتِ النهارده عروستنا ومش هتفرق هتشوفى مدحت ولا لأ بكره تبقوا مع بعض طول العمر لغاية ما تزهقوا من بعض

ابتسمت فى وجه شمس وتحركت معها ثم جلست أمام مرأة الزينة ولكن القلق بدأ يعصف بها وهى تنظر لوجهها المتوجس داخل المرأة ثم نظرت نحو نسمة داخل المرأة بعد أن شرعت شمس فى تصفيف شعرها وقالت لنسمة برجاء

:- نسمة ... حسام هيصحى أمتى فاضل نص ساعة على ميعاد مدحت

ربتت على صدر طفلها برقة وحنو تحاول دفعه للنوم وجاوبت فرح دون أن تنظر إليها

:- هصحيه حالاً .. حسام هيلبس فى عشر دجايج ما تجلجيش

رفعت فرح عينيها داخل المرأة دون أن تحرك رأسها إلى وجه شمس التى تقف خلفها تصفف شعرها وسألتها معاتبة

:- ويوسف مش هيحضر المقابلة؟

ابتسمت شمس بنعومة حين ذكر اسم زوجها وحدقت فى وجه شقيقتها الصغرى تطمأنها وتعبر عن سعادتها

:- چو تحت من بدرى بيلعب شطرنج مع بابا .. كلنا حواليكى وفرحانين بيكِ يا حبيبتى

بدأت جفون الصغير فى الارتخاء حتى غفا فى النوم فنهضت نسمة من جانبه واقتربت من فرح تتأمل وجهها وقالت بسعادة

:- زى الجمر يا فرح ربنا يتملك على خير يا حبيبتى ... هروح أصحى حسام وأبل الشربات يا عروستنا .. ديرى بالك على حماده يا شمس أهوه تتدربى شوية

تنهدت شمس بفخر وألقت نظره على الصغير المستكين فى هدوء بينما اتسعت ابتسامة فرح وهى تتأمل نفسها وقد أوشكت شمس على الانتهاء بعد أن رفعت جزء من شعرها عالياً فى عقدة بسيطة وتركت الجزء الأخر يتهدل بنعومة على ظهرها

**********************

خرج حسام من غرفته بعد أن أرتدى جلبابه الصعيدى وعقد شال عمامته البيضاء فوق رأسه وخلفه زوجته، وقف فى الرواق حين وجد شقيقاته فى انتظاره

مال رأسه جانباً قليلاً يتفحص شمس بحنان أخوى فهذه أول مرة يراها بعد أن علم بحملها، أخفضت عينيها حياء بابتسامة خفيفة

فتح ذراعه لها وقال يدعوها للاقتراب بتفاخر

:- جربى يا ست أخوكى

اقتربت منه بخجل فقبل رأسها بدفء مهنئاً

:- مبارك عليك الوليد .. يا رب تعجلى وتركزى بجى هتبجى أم خليص ولو أن چوزك مبسوط بكِ وكل ما أسأله عليكِ بيمدح فيكِ ... رفعتى راسى يا بت العزازى

ضمت نفسها إلى جسده وقبلت كتفه بامتنان، بعد أن أشعرها بالفخر والرضا وقد استطاعت محو خطأها القديم من مخيلته وحصلت على مسامحته التامة

:- الله يبارك فيك يا أخوى ... وربنا يقدرنى وأشرفكم على طول

مسد على ظهرها برفق وعينيه تتحرك نحو العروس التى وقفت ساكنة تشبك أصابعها أمام جسدها بتأدب

تأملها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها بإعجاب ثم مال نحو زوجته مازحاً وعينيه لم تفارق وجه شقيقته الصغيرة الجميل

:- ديه باين الراچل كان عنديه حج يتخبل يا نسمة ... كان حجنا سميناها جمر مش فرح

ترقرقت الدموع بعينيها وركضت إلى حضن شقيقها تحتضنه بحب وقد أطمأن قلبها إلى موافقته، ربت على ظهرها ورفع رأسها ليقبل جبينها بحنو ثم حدق فى عمق عينيها يداعبها بكلماته

:- مش لازمن أسألك رأيك إيه ... ما هو باين فى عينيكِ مش إكده

رفعت عينيها تتطلع لوجه بحب وقالت صادقة فى نيتها وهى أعلم أن حب شقيقها وخوفه عليها لن يزولا ولن ينقصا أبداً

:- لو أنت مش موافق يا أخوى .. أنا تحت أمرك وطوع لك ولأبوى

مسد على ظهرها بحنو مردداً :- ربنا يبارك فيكِ يا عروستنا

بوق سيارة ارتفع من أمام بوابة الفيلا فتركهم حسام لاستقبال الضيف وانطلقت الفتيات تلاحق بعضهن البعض ليشاهدوا لحظة دلوف العريس إلى المنزل

*******************

ترجل مدحت من السيارة التى أقلته فى كامل أناقته داخل حديقة فيلا العزازى، فتح الباب الخلفى وتناول باقة الزهور وعلبة الشيكولاتة الفاخرة ثم توجه إلى باب المنزل حيث يقف حسام بملابسه التقليدية الصعيدية بهيبة ووقار وبجواره يوسف بابتسامة متسلية وهو يلاحظ ارتباك مدحت الواضح وهو يتقدم نحوهم

تصافحوا فيما بينهم ورحبوا به بكل كرم وود وفى لحظة ارتباك وضع مدحت باقة الزهور والشيكولاتة فى يد يوسف الذى ضحك بمرح وقال يناغشه

:- هدية مقبولة يا سيادة النقيب .. بس ديه ليا ولا أوصلها لحد معين

اهتزت ابتسامة مرتبكة على ثغره وقال بتلعثم

:- لا ديه ليك .. أقصد ليكم .. كلكم يعنى

اتسعت ابتسامة يوسف ومد حسام كفه يربت على ظهر مدحت يهدئه ويشاكسه فى نفس الوقت رغم جدية نبرته

:- اتفضل يا حضرة الظابط .. مالك متخربط إكده ليه!! .. أول مرة تخطب عاد

أومأ مدحت موافقاً بتوتر وقال بنبرة أهدأ نسبياً

:- ديه حقيقة فعلاً .. أنا أول مرة أخطب وأخر ومرة إن شاء الله

ضحك يوسف بمرح بعد أن وضع باقة الزهور وعلبة الشيكولاتة من يده على طاولة جانبية وقال ممازحاً

:- أكيد أخر مرة ... ما هو مفيش عاقل يكرر الغلط ده مرتين

ناظره حسام بنظره معاتبة فشقيقاته بنات أسرة كريمة وشرف، يهفو إليهن أى رجل، أردف يوسف بجدية

:- أهدا يا حضرة الظابط ... أنت هنا بين أهلك وبيت الحاج سليم بيت كرم ومفتوح للناس كلها بكل ود واحترام

حرك حسام رأسه باستحسان بعد كلمات يوسف ثم دعا مدحت إلى قاعة جانبية مخصصة للضيوف حيث ينتظر الحاج سليم بوجهه البشوش وهيبته الجادة، تقدم مدحت نحوه مصافحاً بود ثم جلس بالقرب منه بعد أن دعاه الحاج سليم لذلك

دار حوار هادئ بين أربعتهم حتى هدأ توتر مدحت قليلاً وشعر بالألفة بينهم فتنحنح بخجل والتفت نحو الحاج سليم وأعاد طلبه للزواج من ابنته الصغيرة

انتبه ثلاثتهم إلى الحاج سليم الذى أومأ برأسه وهو يحرك حبات مسبحته مع حركة شفتيه الهامسة بالحمد والشكر لله ثم رفع وجهه بابتسامة رصينة فى وجه مدحت وقال بصوته الرخيم

:- أنت شرف لأى عيلة يا سيادة النجيب ... لكن بتنا لساتها صغار وطريج الدراسة طويل ... بالشكل إكده فترة الخطوبة هتكون طويلة جوى

شارك حسام فى الحديث معقباً بحمية حفاظاً على سمعة شقيقته ومستقبلها التعليمى

:- وده شى مش مجبول .. ومش فى عرفنا الخطبة تطول وتبجى بسنة واتنين وتلاتة كُمان

بدل مدحت نظره بينهما بارتباك ثم قال بنبرة جادة

:- وأنا معاكم فى الكلام ده ورافض الخطبة تطول ... أنا اللى فكرت فيه نعمل خطبة كام شهر نوضب فيهم نفسنا وبعديها نتجوز على طول

:- والدراسة!!

قالها الحاج سليم مستفسراً بهدوئه الرزين

التفت مدحت بجسده نحو الحاج سليم يحدق فى عينيه مؤكداَ وكفه فوق صدره يقطع وعد على نفسه

:- يا حاج أنا شارى ... وأكيد أحب أن مراتى تكمل تعليمها ده شئ يسعدنى وهيكون فخر ليا إنها تكمل تعليمها وهى فى بيتى وهساعدها كمان لو أقدر

تبادل سليم نظره جانبية مع ابنه الذى التقط طرف الحديث وسأله باهتمام

:- حديتك معجول يا سيادة النجيب لكن المهم التنفيذ ... وخصوصى أن مسئولية الدراسة مع مسئولية الچواز وربما عيال هتجطع عليها خط مواصلة التعليم وهى لسه جصادها تلات سنين

تفهم مدحت اهتمامهم وتخوفهم على ابنتهم ومستقبلها فقال يوضح موقفه لهم ونظراته تتجول بين ثلاثتهم حتى يوسف الذى يتابع بصمت تاركاً المجال لأصحاب الشأن

:- يا حاج سليم أنا هنا فى غربة ومحتاج ونس وأهل عشان كده فكرت فى الجواز بسرعة ... وطبعاً مش هلاقى أفضل منكم ومقدر تخوفكم على بنتكم ... لكن أنا شايف أن كل حاجة بالاتفاق ولو فى نصيب هقدر أنا و ... وزوجتى نتفاهم ونخطط لحياتنا مع بعض وخطوة الانجاب ديه ممكن تتأجل لما تاخد شهادتها إن شاء الله

أومأ يوسف بخفة نحو مدحت يشجعه ويطمئنه بينما نظر حسام إلى والده يستشف رأيه رغم قبولهم لشخص مدحت إلا أن خوفهم على مستقبل ابنتهم أهم وأولى

تنحنح يوسف بخفة يستأذن للخوض معهم فى الحديث وسأل مدحت بجدية للحصول على المزيد من التفاصيل لتتكون صورة كاملة عن الزواج

:- وأنت هتعيش بعد الجواز فى الشقة اللى جنب القسم ديه يا مدحت؟؟

التفت مدحت نحو يوسف وأجاب موضحاً

:- لاء ... أنا ناوى أخد شقة أكبر شوية وأحسن إن شاء الله بس الحاج سليم يوافق

أومأ سليم بخفة وعاد يحرك حبات مسبحته وهو يتمتم بالتسبيح، انشرح وجه حسام وقد فهم إشارة والده وقال بود كبير

:- وليه شُجة؟ ... الدار كبيرة والحمدلله وتجدر تسكن معانا يا سيادة النجيب

تهللت أسارير مدحت وأشرقت البسمة على ثغره وقد استشعر موافقتهم على طلبه وتسائل بفرحة واضحة :- معنى كده إنك موافق ... والحاج سليم موافق

ابتسم سليم فى وجهه بإيماءة خفيفة وهنأه يوسف بحماس، فرك كفيه ببعضهما وتنفس بعمق وقد ارتاحت أعصابه المشدودة ثم عاد يجيب حسام على حديثه بأريحية أكبر

:- أنا متشكر أوى على العرض يا حسام بيه ... بس أنا شغلى مالوش مواعيد وممكن أخرج فى أى وقت وأرجع فى أى وقت ومش عاوز ألخبطلكم نظام البيت .. أنا أفضل يكون لينا شقة خاصة بينا نبتدى فيها حياتنا

رفع حسام حاجبيه إعجاب بشخصية مدحت الذى لم يطمع فى شئ ويرغب فى بناء حياته بنفسه لذلك اقترح عليه

:- وماله حجك يا سيادة النجيب والشُجة موچودة وجريبة من إهنا لاچل العروسة تكون چنب أهلها لو احتاچت أى شى

سلط مدحت نظره على حسام بحيرة والذى واصل حديثه ببساطه

:- العمارة اللى على أول الشارع تخص واحد من أولاد عمومنا ... لسه مبنية چديد وهو عامل شُجتين لولاده ... ممكن نأچر منيه واحدة منيهم

تسائل مدحت باستفهام :- وولاده مش هيحتاجوا الشقة دلوقتِ

ابتسم سليم بخفة وأجابه :- ولاده ... واحد فى إعدادى والتانى فى ابتدائى يعنى عنديك وجت تجعد براحتك فى الشُجة

:- أظن كده تبقى محلولة يا سيادة النقيب مالكش حجة

قالها يوسف بمرح فأومأ مدحت موافقاً وقال بحماس وهو يرفع كفيه أمام وجهه

:- على بركة الله نقرا الفاتحة بقى

ضحك حسام بمرح على اندفاع مدحت ولهفته الزائدة وقال بتعقل

:- فاتحة كيف يا ابن الأصول ... الفاتحة ديه لازمن تكون فى وچود أهلك وناسك

تنحنح مدحت بحرج ثم قال موضحاً :- أقصد الفاتحة على الأتفاق والقبول وربنا يتمم على خير

أيد الحاج سليم كلام مدحت موجه حديثه لابنه :- الفاتحة بركة يا حسام

قال حسام وهو ينهض من مكانه ويتوجه إلى باب القاعة

:- وماله نجرا الفاتحة لغاية البنات ما تچبلنا الشربات

وقف أمام القاعة هاتفاً بصوت قوى :- الشربات يا بنات

تعالت صوت زغاريد من الداخل مع هتاف حسام فتهللت أسارير مدحت ومقلتيه مسلطة خارج القاعة يُمنى نفسه برؤية عروسه وكان الحظ حليفه حين ترك حسام باب القاعة مفتوح للخادمة القادمة مع أكواب الشربات وخلفها كانت تقف فرح بجوار شقيقتها وقد زادت السعادة من حسنها وجمالها وفى لحظة خاطفة التقت عينيها بمقلتى مدحت فى نظره تشاركا فيها السعادة والتهنئة باتحادهما القريب

***********************

بعد انتهاء صلاة الجمعة فى مسجد القرية نهض حمدى من مكانه وتناول ميكرفون المسجد ليعلن بصوت عالى متفاخر قبل انصراف المصلين من المسجد

"بعد الصلاة هنتچمع كلاتنا فى مچلس سعيد بيه السمرى كبير السمرية وكبير البلد لاچل ما يحل أى مشكلة لأى واحد فى البلد"

استمع الجميع إليه ثم بدأوا فى الخروج من المسجد تباعاً، وأمام المسجد تكونت حلقات من الرجال سار بينهم جدل كبير ما بين مؤيد ومعترض لزعامة سعيد السمرى للعائلة، أقترح أحد الرجال

:- ما تاچى نروح المچلس مش يمكن يعمل حاچة للبلد

أجاب الآخر بتلقائية

:- ومن ميتى سعيد السمرى بيعمل حاچة للبلد طول عمره ما يهموش إلا مُصلحته وخليص

تدخل أخر متعجباً

:- أنا مش خابر كيف عدلى بيه يهمله إكده وخصوصى فى وچود أحمد بيه وفاروج بيه

عاد الرجل الأول للسؤال :- يعنى ناويين تروحوا ولا لاه؟

جاوب أحدهم ببساطة :- أنا هروح دارى أريح وسط ولادى أبركلى من الحديت الماسخ ديه

وعلى جانب أخر من ساحة المسجد الأمامية كان يقف أحمد وفاروق يتحدثان سوياً بالقرب، اقتحم حديثهما أحد رجال القرية الذى ربما يكبرهم بعدة سنوات وقال مقاطعاً حديثهم بتأدب

سلامو عليكو يا أحمد بيه كان بدى أخد مشورتك فى أمر هام :-

لم ينتبه أيا منهم إلى سعيد السمرى الذى اقترب وخلفه ولديه وبيده عصا والده ذات الرأس الفضية وعلى أكتافه عباءته الكشميرية

وتدخل فى الحديث هاتفاً بغرور يجيب على كلام الرجل

:- اللى بده أى مشورة يحضر المچلس أنت ما سمعتش الحديت بعد الصلاة ولا إيه؟ ... حمدى بيه جالها بعلو الصوت فى الميكرفون اللى ليه حاچة أنا أحلها

تلجلج الرجل فى الحديث حين وجد سعيد أمامه فجأة وقال مبرراً

ديه أمر خصوصى يا سعيد بيه ... ومحتاچ لأحمد بيــ.... :-

قاطعه سعيد وهو يرفع طرف عصاه قليلاً عن الأرض مشيراً بها نحو الرجل وقال بتكبر فى محاولة من لتقليل شأن عدلى وأولاده

:- أى أمر أنى موچود وحاضر .. خليص أخوى عدلى ترك الأمور ديه كلاتها هو وولاده كُمان

تابع أحمد وفاروق الحديث بتحكم أعصاب كبير حتى انتهى سعيد من كلامه فأعتدل فاروق فى وقفته يواجه عمه بوجه جامد خالى من التعبير وقال بقشرة جليدية تغلف صوته وتحجب غضبه

:- عدلى بيه حسه فى الدنيا وهيفضل كبير البلد والچيهة كلاتها طول ما هو على وش الأرض ... ربنا يبارك فى عمره

التفت أحمد نحو الرجل الذى يقف بينهم متحرج بارتباك واضح وربت على كتفه بقوة يطمئنه

:- اتفضل أنت يا عم مختار أنا تحت أمرك فى أى وجت ... ودلوك لو تحب تحضر المچلس أنا هكون موچود أهناك

تهللت أسارير الرجل الذى انتشله أحمد من حرجه ورفع يديه فوق رأسه يحيه بامتنان :- كتر خيرك يا سيد البلد ... كتر خيرك

هرع الرجل مبتعداً هاتفاً فى أهل القرية

:- أحمد بيه هيحضر المچلس ... أحمد بيه السمرى هيحضر المچلس يا رچالة

رفع سعيد حاجبه باستهجان وتسائل بنبرة رافضة

:- أنت صُح هتحضر المچلس يا أحمد!!

دس فاروق كفه فى جيب جلبابه يناظر أولاد عمه بنظره باردة وخاصة حمدى الذى يبدو عليه الغضب أما ناصر فينظر بعيداً غير مبالى بالحديث، أجاب أحمد على عمه بهدوء مستفز

:- أومال يا عمى .. المچلس ديه باسم عيلة السمرى وواچب كلاتنا نكون چارك لاچل ما نحافظ على هيبة العيلة

رفع سعيد ذقنه بحقد يبتلع كلمات أحمد المبطنة ورسم ما يشبه الابتسامة على ثغره وأشار إليه يقول من بين أسنانه بغرور

:- وماله .. ما يضرش اتفضل أركب أمعانا فى عربيتى

مط أحمد شفتيه بابتسامة باردة قائلاً

:- تُشكر يا عمى اتفضلوا أنتوا .. أنا هحصلكم أصلك أنا أحب أمشى على رچليا وسط الخلج

ابتعد سعيد مختالاً بين الناس وخلفه أولاده، ركب سيارته وانصرف بها وحمدى يطلق بوقها بازعاج ليفسح الطريق أمامه من تجمعات أهل البلدة بينما واجه أحمد شقيقه متسائلاً :- هتاچى معاى للمچلس يا فاروج

أجاب فاروق برفض واضح ونفور

:- لاه .. بَعدنى عنيهم اليومين دول .. أنا ردى هياچى عن طريج المحامى بعد فسخهم للعجود اللى بيناتنا مش هسكت على اللى حُصل ديه ... والغرامة هتجع فوق رووسهم

أومأ أحمد متفهماً وودع شقيقه مغادراً، استدار فاروق باحثاً عن أولاده اللذين انطلقوا بعد الصلاة إلى خالهم الذى أدى الصلاة معهم بنفس المسجد وبنفس الصف جنباً إلى جنب مع فاروق

وقع بصره عليهم فاقترب منهم وهنأ يوسف بحمل زوجته

:- مبارك عليك عطيه ربنا يا يوسف ... ربنا يبارك فى ذريتك

:- متشكر أوى يا أبو نسب ربنا يبارك فيك

جاوبه يوسف بابتسامة متفاخرة وذراعه ترتاح حول كتف ياسين ابن شقيقته الذى يقف بجواره، التفت فاروق نحو جلال وقال بود

:- وأنت نويت الچواز على ميتى يا چلال

رسم جلال ابتسامة باهتة على ثغره يتعجب من تبدل الأحوال وأجابه بصوت هادئ

:- فى خلال شهر هيكون فرحى أنا ودكتور طه إن شاء الله

:- بالچودة ... ربنا يتمم على خير يا باشمهندس

شكره جلال ممتناً وتفحص ملامحه بتفكر، فمنذ عدة أشهر لم يكن ليحدث هذا الحوار ولا يقفوا للحديث بهذا الشكل الودى

انتبه فاروق إلى نظره جلال إليه أثناء حديثه مع يوسف فسأل بتعجب :- خير يا هندسة مالك شارد فى إيه؟

:- لامؤاخذة يا فاروق ... بس الحقيقة مش مصدق أنك واقف وسطينا وبتتكلم معانا بعد كل العداوة اللى كانت بينا

زم فاروق شفتيه وهز رأسه بخفة مؤيداً وأرجع الفضل فى كل هذا إلى قلب يمامته التى طارت إلى عش شقيقها هاربة ورغم ذلك حفظت حبه وغيبته فأجبره حبها على قبول الصلح وكانت بمثابة حمامة السلام بين العائلتين ثم قال مفسراً

:- سبحان من يغير ولا يتغير يا باشمهندس ... كان (كأن) رچعت يوسف كانت بالخير علينا

أومأ جلال موافقاً وبين ضلوعه كائن يختنق ويلومه على تسرعه فى الزواج لكن هناك دائماً صوت العقل الذى وبخه على هذا الشعوره وذكره بواجبه نحو ابنة خالته التى تحبه وتحتاجه بجوارها

تنحنح يوسف بخفة وناظر فاروق يأخذ الأذن منه فى الزيارة

:- على المغربية بنات البدرى هيزوروا أمل ... أشتاقولها يا سيدى ومصممين يطمنوا عليها

أومأ فاروق بقبول وأعلن معرفته بالأمر ولم ينسى أن يشدد على لقب زوجته حتى ينبه يوسف

:- وأم ياسين فى انتظارهم من دلوك ... أهلاً وسهلاً بهم فى أى وجت وطبعاً لو حبيت تاچى معاهم أهلاً بك يا يوسف ... الدار دارك

تدخل فارس فى الحديث هاتفاً بحماس

:- أيوه .. تعالى أمعاهم يا خال

ابتسم يوسف فى وجهه ابن شقيقته بحب ووضح ببساطة

:- السواق هيوصلهم ويقعدوا براحتهم وأنا هاجى أروحهم إن شاء الله وبالمرة أشوف أختى حبيبتى

زمجر فاروق بتحذير فعدل يوسف كلامه :- أقصد أشوف أختى حبيبتى أم ياسين

زمجر فاروق من جديد مغاضباً فضحك يوسف بمرح مستمتعاً بمشاكسة زوج شقيقته وهو يضم أولادها بين ذراعيه

******************

أخترق طرقات القرية على قدميه حتى وصل إلى منزل والدة شموع، توقف لدقائق يطالع نافذة منزلها لكن نرجس لم تكن هناك كما أعتاد أن يراها خلف النافذة

تلفت حوله باحثاً عن أحد الجارات يسألها عن حال السيدة المكلومة

وتفاجأ بشابة تهرع نحوه وهى تخفى وجهها بوشاحها الخفيف ثم وقفت ترحب به بأنفاس متقطعة :- مرحب يا أحمد بيه ... أتفضل

أشارت إلى مصطبة أسمنتية أمام منزل نرجس ليجلس عليها ولكنه شكرها بخفوت حرج وقد تعرف على شخصيتها، زوجة رجب صبى المقهى التى تعتنى بنرجس منذ اختفت شموع

سألها ونظره يمتد بعيداً غاض البصر عنها :- كيف حال الست نرچس ... إن شا الله تكون بخير

أجابته بخفوت وهى تخفى جزء كبير من وجهها خلف وشاحها الملون :- الحمدلله ... هديت كتير عن الاول وطول الوجت ساكتة أو نايمة

أومأ متفهماً فواضح أن نرجس قد اتخذت النوم وسيلة للهرب من حزنها بعد أن فقدت الأمل فى عودة ابنتها، تسائل بجدية

:- وحچازى عامل إيه أمعاها؟؟

:- المعلم حچازى طول الوجت فى الجهوة .. بيعاود الدار على الوكل والنوم وبس

زفر بعمق وقال للفتاة وهو يخرج محفظته من جيب الصديرى الصعيدى تحت جلبابه الفاخر

:- ديرى بالك عليها ولو احتاچت أى حاچة رچب ياچى يبلغنى طوالى

مد يده بمبلغ مالى نحوها فتراجعت عدة خطوات رافضة بخجل وصوتها يؤيد ردة فعلها

:- الست نرچس فى عينيا من غير حاچة يا أحمد بيه ... كفاية وجفة شموع الله يرحمها چنبى أنا ورچب لحد ما اتچوزنا

غصة استحكمت من حلقه حين ذكرته بوفاة شموع التى لا يستسيغها ولا يقتنع بها وقال مصراً

:- خديهم وأعطيهم لرچب ويبجى يعدى على لو احتاچ أى شى

تناولت النقود منه بحرج شاكرة ثم ألقى السلام مغادراً، يلقى السلام والتحية على كل من يقابله فى الطريق

وفجأة ظهر محروس يركض فى اتجاهه حتى وصل إليه لاهثاً، وقف أحمد يتفحصه بدقة بعد أن غاب عن الصلاة وسأله مستنكراً

:- ما لحجتش الصلاة ولا إيه يا محروس؟

التقط أنفاسه بقوة وأجاب وصدره يتحرك بقوة من أثر الركض

:- صليت چنابك ... بس مالحجتش أروح الچامع الكبير وصلينا فى الجامع چار بيت حماى

ابتسم أحمد بعفوية وردد متفهماً انشغال محروس بخطيبته:- حماك

ثم بدأ يتحرك ومحروس يجارى خطوته وهو يقص عليه بلهفة أخر ما اتفق عليه مع حماه

:- كنت حدا عم مچاهد من البدرية وحددنا معاد الفرح خليص

:- مبارك إن شاء الله

قالها أحمد ببساطة دون أن يلتفت إلى محروس الذى أسرع الخطى ووقف أمام أحمد يذكره بتوجس أن يخلف وعده معه أو ينساه

:- چنابك وعدتنى تكون شاهد على عجد الچواز

قطب أحمد جبينه يدعى النسيان وشاكس محروس قائلاً

:- أنا جولت إكده .. ميتا ديه!!

:- والختمة الشريفة جولت يا أحمد بيه ... بالك لو ما شهدت على العجد مش هتچوز واصل وهيبجى ذنبى وذنب والعروسة فى رجبة چنابك

قهقه أحمد ضاحكاً وفرد ذراعه على كتف محروس الذى يعتبره كابن له وقال بهدوء ولين

:- فاكر يا محروس وإن شاء الله أشهد على العجد ... ناويت على ميتى؟؟

تهللت أسارير محروس وقبل كتف أحمد محبة وامتنان وجاوب بحماس

:- بعد تلات شهور إن شاء الله ... أخويا كتب كتابه الچمعة الچاية وبعدها هوضب أوضتى وأچيب أوضة النوم وكل حاچة تبجى چاهزة للعروسة

ربت على كتفه مهنئاً وعينيه تتأمل مظاهر البهجة والسعادة على وجه محروس بزواجه القريب وقال مهنئاً

:- ربنا يتمم لك على خير يا محروس

اقترب أحمد من مزرعة عمه سعيد فوجد عدد كبير من أهل القرية ما بين جالس أرضاً أو يقف فى الظل خارج المزرعة وحين لمحوه قادماً من بعيد بدءوا فى التجمع جنباً إلى جنب، توقف بينهم وتسائل باستغراب :- خير يا رچالة واجفين إكده ليه؟

:- فى انتظارك يا سيد البلد

كان جوابهم واحد بحماس ومحبة، طأطأ أحمد رأسه بتواضع بينما هتف محروس يتباهى برب عمله :- ربنا يبارك فيك يا سيد البلد كلاتها

وزع أحمد نظراته بين الناس وهو يربت على صدره ممتناً منهم بعد أن أعلنوا ضمنياً اختيارهم وتضامنهم معه، ابتسم أحمد بخفة فوالده الثعلب العجوز أصاب فى خططه وأثبت دون أى جهد من هو كبير البلدة

****************

اقترب موعد زيارة بنات عائلة البدرى وأمل فى المطبخ تصنع أصناف من الحلوى لهن وتهتم بتحضير واجب الضيافة من أجل بنات عمومتها وزوجة شقيقها

وضعت صينية من الحلوى المنزلية داخل الفرن وإحدى الخادمات بجوارها تمدح فى صنع يديها

:- يا سلام عليكِ يا ست الكل ... أحسن واحدة تعمل روانى فى الچيهة كلاتها

ابتسمت أمل شاكرة والتفتت نحوها تأمرها بلين

:- المهم دلوك تاخدى بالك من الفرن وأنا هطلع أبدل خلجاتى ... أوعاكِ تسهى على الصينية وتحرجيها وما تنسيش تحضرى العصاير وتوضبى فنچاين الشاى

:- تؤمرى يا أم الرچال ولا يكون عنديك فكر ... كله هيبجى تمام

غادرت أمل المطبخ لتبديل ثيابها شاعرة بالسعادة والفخر بعد أن تغير أسلوب الجميع معها منذ عودتها إلى الدار وصدق المثل الشعبى القائل "اللى جوزها يقولها يا عوره الناس تلعب بيها الكورة .. واللى جوزها يقولها يا هانم الناس تزفها على السلالم"

**********************

فى غرفة عدلى الخاصة جلس يقرأ القرآن الكريم على مقعد وثير وفهيمة تقوم بترتيب خزانته بعد أن سمح لها بالاهتمام بشؤونه، مقلتيها تسترق النظر نحوه وهو يضع نظارة القراءة على مقدمة أنفه وهو يقرأ من المصحف الشريف بخفوت

ازدردت ريقها بتأثر، صحيح أنه سمح لها بالدخول إلى غرفته وترتيب ملابسه ورعايته ولكنه لم يسمح لها بالعودة لمشاركته الغرفة من جديد وهذا الأمر يؤثر فى نفسها كثيراً فقد اعتادت على تواجده بجوارها

"هل كان خطأها حبها له وغيرتها عليه، تعترف فى قرارة نفسها إنها أخطأت فى حق أمل والأمور الأن اتضحت أمام عينيها ولمست معدن أمل ودماثة أخلاقها بنفسها ولكن إلى متى يستمر عقابه لها أم أنه استساغ بعدها عنه"

اقتربت تجلس على مقعد يجاور مقعده وتنحنحت بحرج ثم جلست بصمت حتى أنهى قراءته ورفع عينيه نحوها فى انتظار حديثها

ازدردت لعابها بخجل ثم قالت بصوت ناعم مداهنة

:- لحد ميتا هتفضل غضبان علىّ يا عدلى أفتكر عشرة السنين ... والله ما بعرف أنام لحالى بعيد عن فرشتى .. أفتكرلى حاچة طيبة عملتها أمعاك طول السنين ديه

رفع نظارة القراءة من فوق أنفه وأغلق المصحف يضعه على طاولة صغيرة بجواره وقال

:- ماهى أمل نامت أيام وشهور لحالها بعيد عن چوزها ... وابنك فاروج هو التانى نام لحاله بعيد عن مراته .. دلوك حسيتى بحالهم يا فهيمة ... طول عمرك رايدة فراجهم ... عرفتى طعم الفراج كيف دلوك

فركت كفيها ببعضهما بحرج فوق حجرها وتمتت بندم

:- عرفت يا عدلى وعنيا فتحت خليص

رفعت مقلتيها تناظره بتوجس وأردفت بجرأة

:- وأنت كُمان غلطت فى حجها يا عدلى وهملتنى أطلع غلى فيها صُح ولا لاه

تنهد بعمق وأومأ عدة مرات يعترف بخطئه فى صمت ثم وضح بندم

:- يمكن لاچل إكده بعاجبك (بعاقبك) دلوك ... العجاب كان لابد تاخديه من سنين وأنا أتاخرت كتير ... كيف ما أتاخرت فى حاچات كتيره ... الله يرحمك يا أبوى

مدت يدها المكتنزة تضعها فوق كفه المستريح فوق مسند مقعده وقالت بنعومة وتدلل

:- ربنا يسامحنا چميعاً ... وأحنا مالناش غير بعض ونس وسند يا عدلى رچعنى لأوضتى چارك واللى فات مات يا أبو أحمد

تأملها لعدة دقائق بصمت موقن أن خطأهم مشترك فأن كانت هى زادت فى قساوتها فهو تجاهل أفعالها وتغاضى عنها وكانت ذريعته الوحيدة أن أمل لا تشتكى أو تتذمر من هذه المعاملة الجافة، تفحصها بتمعن لوهلة يستشف ندمها وصدق حديثها حول استيعابها للدرس ثم هز رأسه عدة مرات وقال بقبول

:- هاتى خلاجاتك وعاودى مكانك يا أم أحمد

هبت واقفة بلهفة واقتربت منه تربت على صدره بامتنان وانحنت تقبل خصلات شعره البيضاء وهتفت بسعادة

:- هوضب خلاجاتى وأعمل فنچانين جهوة نشربهم سوا يا أبو الرچال

******************

بدلت ملابسها بعباءة منزلية مغربية الطراز بغطاء رأس متصل بها وتطريز أبيض اللون يمتدد على طول العباءة ذات اللون النبيتى الفاتح ووضعت بأريحية وشاح من الشيفون الأبيض فوق رأسها ثم بدأت فى هبوط الدرج بأناقة محدثة صهللة رنانة بأساورها الذهبية التى تتلاعب حول معصمها الدقيق

رفعت فهيمة رأسها نحو أمل حين سمعت صوت الأساور وركزت نظرها عليها تتفحصها بتمعن بملابسها الأنيقة وزينة وجهها الهادئة والأهم ثقتها بنفسها التى طغت على تقاسيمها فأعطتها جمال مميز

كتفت كفيها فوق حجرها أثناء جلوسها فى البهو بجوار عدلى بعد أن تناولوا القهوة سوياً، انتبه عدلى لتقدم أمل فطلت بسمة خفيفة فوق ثغره مادحاً فى ابنة شقيقته

:- ما شاء الله عليكِ يا مرات ولدى ... كل يوم بيزيد حلاكى

طأطأت أمل رأسها بخجل وشكرته بخفوت ثم أخبرتهم بصوتها الهادئ :- بنات عمامى ومرات خوى وصلوا فى الچنينة

:- يا مرحبا بهم يا بتى

قالها عدلى ببساطة وتناول عصاه من جانبه وضع يده فوق رأسها العاجية بينما تحركت أمل نحو باب المنزل الداخلى لاستقبال الفتيات وبعد التحية وتبادل الأحضان والقبلات اصطحبتهم للداخل حيث عدلى الذى اتسعت ابتسامته وهو يتأمل الجميلات اللاتى وقفن أمامه يقدمن التحية والسلام

بدأت أمل تعريفهن واحدة تلو الأخرى وهى تشير إلى كلاً منهم بفخر

:- شمس مرت أخوى ... ندى بت عمى ... وياسمين بت آآآ

:- أصيلة

أكمل عدلى التعريف بصوت حالم وعينيه مركزة على ملامح ياسمين بابتسامة رقيقة مردفاً :- تشبهى أمك كتير ... ما شاء الله عليكِ

حولت فهيمة التى تجلس بالقرب منه مقلتيها بينه وبين ياسمين بغيرة واضحة وتابعت حديثه مع ياسمين يستفسر عنها

:- أنتِ خطيبة دكتور طه مش إكده

:- أيوه يا حاچ عدلى

جاوبته ياسمين برقة صوتها فقال مادحاً

:- ما شاء الله راچل زين ربنا يتمم لكم على خير

حول نظره إلى ندى مشيراً إليها وقال يناغشها :- والحلوة الصغيرة ديه؟؟

قالت ندى بشقاوتها المعهودة :- أنا مش خطيبة حد ... أنا لسه بدرس فى كلية طب بيطرى

هز رأسه باستحسان وواصل مناغشته لها :- زين .. زين كل مزارعنا وإسطبلاتنا تحت أمرك وجت ما تحبى تتدربى ولا تشتغلى شاورى بس

ابتسمت ندى فى وجهه شاكرة، ثم حول بصره نحو شمس وهنأها بود

:- مبارك عليك الموهوب يا بتى ... وباركى لأبوكِ الحاچ سليم ولد الأصول

شكرته شمس بخجل وهى تضع كفها فوق بطنها لا إرادياً، تبادلت الفتيات النظرات الهادئة متعجبين من هذا الاستقبال اللطيف من كبير عائلة السمرى

وجه عدلى حديثه إلى فهيمة التى تتابع بغيظ صامت مناغشته مع الفتيات قائلاً :- سلمى على البنات يا فهيمة وجدمى لهم واچب الضيافة

رسمت ابتسامة مجاملة على فمها وقالت مرحبة ببرود

:- يا مرحب بكم نورتوا الدار ... ادخلى يا أمل جاعة الضيوف وواچب الضيافة هيوصل لحد عنديكم

*******************

اجتمعت الفتيات فى قاعة الضيوف غير مصدقين لهذا الترحاب من عدلى خاصة ممازحته لهن حتى فهيمة توقعوا نظره استهجان أو نفور لكنها كانت هادئة إلى حد كبير

بل وقامت بنفسها بالإشراف على تقديم واجب الضيافة لهن ثم غادرت القاعة لتترك لأمل فرصة الحديث بأريحية مع أقاربها، وضحت أمل لهن كل ما حدث لها منذ عادت إلى المنزل وكيف تبدل حالها إلى الأفضل وبعد عدة ساعات وصل يوسف لاصطحابهن

كانت أمل تشعر بالفخر والسعادة بعد هذه المقابلة وزادت ثقتها بنفسها وزهوها بعائلتها وعزوتها

انفردت مع زوجها فى جناحهم الخاص تتحدث معه بأريحية وفرحة جلية على وجهها ثم بدأت فى طرح طلباتها بنعومة

:- فاروج ... كان بدى موبايل بدل ما كل وجت والتانى أكلم مرات أخوى ولا بنات عمى من موبايلك ولا موبيلات الولاد

فتح ذراعه لها لتنضم تحت نجاحه وقال ببساطة

:- وماله .. أول ما أنزل المحافظة هچيبلك أحدث موبايل كُمان لساكنة الفؤاد

تنحنحت برقة وأراحت رأسها على كتفه بدلال مع خفض صوتها ليزداد رقة مع نبرة الترجى وهى تلقى بطلبها الثانى على مسامعه

:- وكان ليا غرض تانى

:- أؤمرى يا أم الرچال

:- فرح بت عمتى جرب والبنات هينزلوا المحافظة يشتروا الشوار بتاعها

تابع كلامها بهدوء وحين توقفت عن الحديث رفع رأسها عن كتفه وحرك رأسه يحثها على المتابعة بلا تخوف فقالت همساً بتوجس وهى تبتعد بجذعها قليلاً عن مجاله

:- كان غرضى .. أر .. أروح أمعاهم

جحظت مقلتى فاروق رفضاً واستنكاراً وقال بصوت خشن

:- نعم ... تروحى أمعاهم المحافظة!!

قالت مبررة بنبرة عاتبة لتبدل ملامحه ورفضه الواضح دون نقاش

:- أيوه يا فاروج أروح المول أمعاهم ... أنا ما ردتيش أروح وياهم وأنا فى دار البدرى لانى ما أخدتش الأذن منيك ... دلوك أنا بستأذن أهاه

:- تستأذنى ... تستأذنى كيف ومن ميتا بتخرچى من الدار يا أمل

قربت المسافة بين حاجبيها المنمقين ووضحت بخفوت

:- كل حاچة أتغيرت يا فاروج .. وأنا بدى أختار وأنجى (أنقى) كيف كل الخلج ... أخوى بيسمح لمرته تخرچ وسبج عطانى الأذن وأنا فى داره لكن أنا جولت لاه لازمن أذن چوزى

رفع كفيه فى الهواء ثم خبط أحدهم بالأخر هاتفاً بتذمر

:- يا دى أخوكى اللى طلعلى فى البخت

قبضت كفها أمام فمها توجساً من ردة فعله ثم حاولت تطبيق نصيحة زوجة شقيقها وقررت استخدام سلاح الدلال لتصل إلى غرضها ولكن تطبيقها جاء طفولياً ساذجاً وهى تغريه بمزيد من الملابس التى سبق وأعجبته

:- هچيب بيچامات چديدة وخلجات حلوة ... كيف اللى بتعچبك يا فاروج

رمقها بنظره نافدة الصبر وانغلقت ملامحه برفض واضح ثم قال يبعدها عن مجاله :- روحى دلوك يا أمل بدلى خلجاتك وهملينى لحالى

أومأت بطاعة ونهضت تقبل وجنته برقة مرددة :- كتر خيرك يا فاروج

هتف بتذمر :- أنا ما وافجتش ... لسه هفكر

:- وماله يكفينى أنك تفكرى فيا

مسدت على ذراعه بنعومة ثم تحركت أمامه برقة ودلال والتقطت ملابسها متجهة إلى الحمام وهو يتمتم بغيظ

:- أعمل إيه بس يا ربى مع الحرمة ديه ... ما هى لو زنانة ولا نكدية كنت حلفت ما هى رايحة ولا چاية ... بس أتصرف كيف مع حرمة كيف اليمامة إكده ... منك لله يا يوسف

********************

Continue Reading

You'll Also Like

776K 13.9K 19
هل يمكن ان يكون الانتقام بداية للحب ؟ هل يمكن ان يتحول العداء الى عشق؟ هل يمكن ان يتحول العند والتحدى الى طاعة وغفران ؟ اسئلة كثيرة والاجابة واحدة...
407K 12.2K 5
رواية تجمع بين روايه عشق الليث وقاسي ولكن احبني و أسري القلب❤... للكاتبتين .....دينا إبراهيم و وسام أسامه .... دمتم سالمين...
66.2K 3.1K 5
نوفيلا خفيفه من أربع فصول هتنزل كامله يوم 30/6 ، كانت من ضمن احتفاليه جروب "بيت الروايات والحكاوي المصريه"
1M 30.9K 64
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...