الفصل التاسع والثلاثون

1.1K 34 0
                                    

يقود السيارة فى الطريق بين القرى بوجوم، قبضة يده اليمنى تعتصر المقود بعصبية ويتكأ بمرفق اليسرى على حافة النافذة، عينيه تتابع الطريق رغم شرود ذهنه فى عالم أخر

بجواره يجلس والده بشموخ يقبض على رأس عصاه العاجية ومقلتيه تحيد بين دقيقة وأخرى نحو ابنه البكرى الذى كعادته يكتم ألامه وأحزانه داخل بئر صدره الممتلئ بالشجن

زفر بعمق وثبت نظره على الطريق ليقول بعد برهة بصوته الرخيم دون أن ينظر لولده :- حمل مراتك مش أخر الكون ... ومن حجك تعيش حياتك كيف ما بدك

للحظة لم يأتى أحمد بأى حركة وكأنه لم يستمع لكلام والده وفى غضون وهلة نبهه عقله فالتفت بغتة نحو والده يرمقه بشرود والكلمات تتدافع داخل عقله ليستوعب الحديث

أعاد بصره نحو الطريق الغير معبد وتنهد بعمق وقد فهم مقصد والده ولكنه أتخذ قراره بالفعل فحياته لا تساوى شيئاً أمام سعادة بناته، فأجاب بخفوت :- ما عادش ياچى منيه يا أبوى ... أنا كل همى دلوك البنتة وكيف أحافظ عليهم وعلى تفكيرهم

رمقه والده للحظة وقال متعجباً من منطق أحمد الزاهد فى الحياة ونصحه بروية :- ما لهم البنتة!!.. هيتربوا أحسن تربية معززين مكرمين فى دارك وتحت عينيك ... لكن لازمن تبص لحالك أنت التانى يا ولدى ... لساتك فى عز شبابك هتجضى بجيت عمرك راهب ولا إيه!!

اختطف نظره سريعة نحو ملامح والده الجادة ثم عاد يتابع الطريق الترابى أمامة وعدلى يضيف بشئ من الانفعال والتقريع :- بكفاية أنك صبرت السنين ديه كلاتها على عشرة حرمة مش فهماك ولا مريحاك ... البنتة بيكبروا بسرعة وسنة والتانية وكل واحدة منيهم هتتچوز ويبجي لها دار ... وجتها هتلاجى حالك وشك فى وش حرمه مش طايج الحياة أمعاها

أرخى أحمد جفنيه لجزء من الثانية زافراً بضيق، لم يبقى للنساء مكان فى قلبه الذى جف عطشاً للحب والحنان، لقد أعتاد الوحدة والجفاف العاطفى فى حياته ويكفيه حب بناته، قال بخفوت مبرراً :- والله زهدت فى كل الحريمات يا أبوى

رمقه عدلى بمكر رجولى وقال بتلاعب لا يناسب وقاره وهيبته :- هو فى راچل يزهد فى الحريمات .. دول فاكهة الدنيا يا واد

التفت أحمد نحو والده بابتسامة شاحبة وقد انتشله والده قليلاً من تفكيره المضنى بحديثه عن النساء وهو يسرد ذكريات من حياته :-بالك أمك ديه كانت كيف مراتك إكده تُمام ... وحاطة كل تركيزها ومچهودها فيك وفى خواتك ولا كنها متچوزة ولما فكرت أتچوز غيرها أتبدلت كتير وبدأت تهتم بيا وبراحتى وده اللى صبرنى عليها لحد دلوك

اتسعت ابتسامة أحمد رغم شحوبها وقال متحسراً :- أمى واعية واستوعبت الدرس وغيرت من حالها

مال قليلاً برأسه نحو والده وكلتا يديه تقبض على المقود مردفاً بتلاعب :- وكُمان بتحبك وباجية على خاطرك يا حاچ عدلى

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانWhere stories live. Discover now