من خلال اجابات ريوجان استطعت اخيرا وضع قائمة بالمكونات المتكررة في وجبات كيران التي يتناولها، ثم دمجتها مع مكونات اخرى تتناسب مع نظامه و أضفت اخرى للتنويع.
" هل يمكنك اعداد اطباق مختلفة من هذه المكونات ؟ "
فرك كبير الطهاة ذقنه مفكرا و نظره على الورقة بين يده لبرهة ثم رد :
" سوف ابذل جهدي "
بعد كل هذا يمكن القول بأن الجزء السهل من الخطة تم، في حين لا يزال الجزء الأصعب و هو كيفية إقناعه بتناولها قيد التنفيذ ، علي اقناعه بتناول هذه الاطعمة دون اقناعه مباشرة بتناولها ، كيف ؟ كيف سأفعل ذلك ؟
بعد التفكير في الأمر ، كانت مربيتي دورثي تقول لي دائما أن أكثر ما يكرهه الرجال في النساء هو الطلب في صيغة الأمر ، الرجال لا يحبون تلقي الأوامر من قبل النساء لكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك ايصال ما تريدين إيصاله ، فقط استعملي الاسلوب الناعم ، كوني عقلانية ، حسنا ، إن كنت سأستعمل هذا الأسلوب فكل ما علي فعله هو :
اولا يجب علي ان ألهيه بالكلام عندها لن يشعر باللقيمات التي يبتلعها
ثانيا علي التمثيل بأن الطعام لذيذ ليجعله ذلك فضوليا
هذه الطريقة فعالة جدا مع راع ، عندما يكون مريضا و تصبح شهيته منعدمة كنت دائما ما آكل بشراهة أمامه فتصبح لديه الرغبة في تناول الطعام ، أرجو أن ينجح ذلك مع كيران أيضا
اطبقت كفيها ثم دعت متوسلة :
" ارجوك يا الهي اجعل هذا يعمل ، ارجوك "
ثالثا و اخيرا علي أن اجعله ملتزما بأوقات تناول الطعام، علي تلفيق كذبة و جعلها مقنعة ، كذبة مثل ...
" انت لا تعلم ، انت لا تسمع ما يقوله الخدم "
رفع كيران حدقتيه عن مجموعة الاوراق التي كان يقرأها و رآها جالسة أمامه ، عدل نظارته الدائرية ثم سأل :
" ماذا يقولون ؟ "
" لقد بدأوا يشكون في علاقتنا " همست
" لماذا ؟ أعني كيف حدث هذا ؟ "
" كله بسببك! "
صفعت سطح المكتب بكفها ثم سحبت نفسا عميقا ثم استعدت للتمثيل
" لأنك دائما مشغول ولا تتناول الطعام معي إلا نادرا ، انت لا تعلم أن تصرفا كهذا قد يكشف أمرنا و سيدرك الجميع أن ما بيننا هو زواج مزيف من البداية ، عندها ستكون المتضرر بالدرجة الأولى ، هل تريد لهذا أن يحدث ؟"
تراجعت نحو الخلف تريح ضهرها ثم كتفت ذراعيها و اتبعت قائلة :
" أنا حقا لا اهتم لكن انت لن تكون قادرا على الخروج ببساطة من فضيحة كهذه "
تنهد كيران ثم قال مستسلما :
" حسنا ، ما الذي علي فعله "
' مرحى ! لقد انتظرت هذا السؤال بفارغ الصبر'
" تناول ثلاث وجبات في اليوم ، معًا "
ضحك بسخرية ثم رد :
" حسنا ، لكنك تعلمين أنني اشرب قهوتي الصباحية في الوقت الذي تكونين فيه غارقة في منتصف احداث حلمك الوردي "
فكرت سينا في الأمر داخليا :
' هذا صحيح ، كيران يستيقظ مبكرا .. لا! لا يهم ، سأتكيف .. من التكيف ، ستتكيفين يا فتاة! '
حثت نفسها بإلحاح و حزم ثم ردت :
" ليست لدي مشكلة في ذلك "
" جميل ، اذا أراك غدا ، على مائدة الإفطار "
ابتسمت بخفة ثم استقامت و اتجهت نحو الباب خرجت ثم اغلقته ببطء قبل أن تبدأ في الرقص فرحة بإنجازها العظيم مرددة:
" مرحى ! "
ثم استرسلت تمدح نفسها قائلتا :
" انت رائعة يا ابنتي "
" انت رائعة سينا "
" يا روحي أنا "
التفت إلى جمهورها الخيالي ثم قالت : " شكرا شكراً، لا داعي التصفيق ، أنا اخجل " بعدها خطت تتراقص في مشيتها و تدندن بسعادة
" سينا ، عليك أن تستيقظِ "
فصلت سينا جفونها الثقيلة بصعوبة على صوت ماري ثم حدقت في السقف تفكر نادمة :
' كنت اعلم جيدا أن هذا القرار هو اسوء قرار اتخذته في حياتي و لقد تأكدت من ذلك الآن '
رفعت جذعها العلوي المرتخي ثم استرسلت تتذمر :
" ابي لماذا ؟! لما علي أن اضحي بساعات نومي الثمينة من أجله؟ من أجل الشخص الذي سيرد الجميل لاحقا عن طريق قتلي ! حقا؟! "
بعثرت شعرها بانزعاج ثم تنهدت و استقامت من مضجعها ، خطت مترنحة تتأفف مع كل خطوة تخطوها باتجاه الحمام ، بعدها و بالرغم من حصولها على حمام منعش الا انها سرحت شعرها بخمول و ارتدت بمساعدة الخادمات الفستان وعيناها مغمضتان
"اوه! زوجتي العزيزة استيقظت باكراً ، هذا لا يُرى كل يوم"
رفعت سينا حدقتيها ببطء تفحصه من قدميه إلى قمة رأسه ثم زفرت نفسا عميقا و قالت :
" رجاءً ، لا تبدأ الآن كيران ، فقط تحرك، تحرك "
" اعتقد انه عليك العودة للنوم "
" لا! أنا بخير"
" حسنا، اذا هل ستواصلين نومك على المائدة ؟ "
رفعت رأسها ثم رمقته بعينين ذابلتين ناعستين و قالت :
" كيف يمكنك فعل هذا ؟ كيف يمكنك الاستيقاظ بنشاط ؟ أنها الخامسة صباحا! "
" كررت هذا كل يوم فأصبح عادةً و نعم ، هكذا باختصار"
" لكنك تنام متأخرا ، كم ساعة تنام في اليوم ؟ "
ارتشف من قهوته ثم رد قائلا :
" حوالي ثلاث أو أربع ساعات كل يوم و هناك أوقات يمكنني النوم فيها لمدة ساعة أو ساعتين إضافيتين "
" أ-أربع ساعات ! فقط ؟! "
أومئ كيران برأسه
" رباه! ألا تشعر بالصداع ؟ ألا تفقد تركيزك ؟ "
" بلى، يحدث ذلك في بعض الأوقات لكن عندما تعتادين يصبح ذلك عاديا "
بعد تناول الإفطار افترق الزوجان توجه كيران إلى ساحة التدريب للإشراف على تدريبات الفرسان الهواة أما عن سينا فقد اكتفت بالمراقبة من الشرفة ، استمرت التدريبات إلى حوالي الساعة الثامنة ثم انسحب كيران، غير ملابسه و استعد للمغادرة للتعامل مع شؤونه الإدارية
" لا تنسى موعدنا على الغداء "
ذكرته ثم راقبته و هو يتخطى درجات السلالم الواحدة تلوى الأخرى بسرعة
" سوف احاول "
لم يكلف نفسه عناء الالتفات ، رد كيران ثم اختفى خلف الباب
على الجانب الآخر ، دخل ديمتريوس بطقمه الاسود يجر خلفه حاشية ردائه المخملي الثقيل و يستند على عكازه ذو المقبض الفضي بشكل رأس غراب ، تسمع خطاه التي اختلطت و صوت قرع عكازه على الأرضية الرخامية ثم فجأة ، توقف الصوت
" ما الذي أتى بك الى هنا فجأة ؟ "
قالت ، دون رفع رأسها عن الورقة التي كانت تراقص عليها ريشتها المخضبة بالحبر
" أنا هنا للحديث عن أكثر شيء انت مهتمة به "
رفعت رأسها ثم أحد حاجبيها فأتبع ديمتريوس موضحا :
" اريد الاطلاع على قائمة المرشحات التي أعدتها "
ابتسمت الامبراطورة برضا ثم قالت :
" ارى انك اخيرا عدك إلى رشدك و توقفت عن العبث كالمراهقين "
كان الحوار بينهما باردا جدا خاليا تماما من أي عاطفة قد تتولد بين ام و ابنها ، متجاهلا ما قالته والدته فصل ديمتريوس شفتيه و قال :
" سوف أرسل خادمي لاستلامها لاحقا "
بعدها و دون انتظار الرد منها استدار و خطى باتجاه الباب بينما يستند على عكازه الاسود لتقويم خطاه إلى أن اختفى خلف الباب العتيق ثم من الجناح نهائيا
في تلك الأثناء كان الفرسان يجمعون أغراضهم التي استعملوها للتدريب كل ما كنت اخطط لفعله حينها هو المتابعة عن قرب فقط لكنني فجأة وجدت نفسي واقفة هنا استمع الى ثرثرة مايك الذي يبدو أنه يحب مهنة التعليم و هو مصر على جعلي تلميذته ، قال مطمئنا :
تدريب القائد و السيد جيرالدين أقل صرامة مقارنة بسيدي غريغوري ، لا تقلق سيدتي أنا لست صارما مثله
هو يبدو ظريفا حقا عندما يتحدث بحماس و شغف، لا اعتقد أنني أستطيع رفض عرضه
تنهدت سينا ثم قالت :
" حسنا، ما الذي علي فعله؟ حضرة القائد "
ابتسم مايك بخجل من الكلمات المفاجئة ثم استرسل قائلا :
" مع الاخذ بعين الاعتبار أن السيدة تفتقر إلى القوة البدنية يجب عليها أن تحاول تشتيت العدو و تستهدف نقطة حيوية للهجوم ، في العادة ثقب الصدر هو الطريقة الأكثر فعالية يمكن أن تكون دفعة واحدة بالخنجر قاتلة اذا تم إدخاله من خلال الضلوع و دفعه نحو القلب للوصول إلى أعماق الرئتين و تجدر الإشارة إلى أن هذا يتطلب قوة و مهارة كبيرتين ، ابرز المناطق الحيوية التي يمكن استهدافها هي العين ، الرقبة و البطن "
نظرت سينا الى مايك و كأنه غريب الأطوار ثم قالت :
" ما تتحدث عنه الآن هو كيفية التعامل مع الوحوش أليس كذلك ؟ "
اومئ برأسه ثم ناولها السيف الخشبي ، امسكت سينا السيف بكلتا يديها و انتظرت تعليمات الفارس الواقف خلفها
" حمله بهذه الطريقة يخفف الضغط على معصمك و عند رفعه بهذه الطريقة ستكونين قادرة على تحمل وزن السيف دون إجهاد مفاصلك "
" أتعني هكذا ؟ "
" نعم " اومئ موافقا و هو ينظر إلى وضعية حملها للسيف ثم اتبع :
" و الآن حاولي مهاجمته "
نظرت سينا إلى دمية القش المربوطة على الوتد الخشبية التي أشار إليها مايك ثم أخذت نفسا عميقا و زفرته ببطء ، تمتمت مرددة :
" مثلي انك لا تعرفين ، مثلي انك لا تعرفين "
بعدها أحكمت قبضتيها على مقبض السيف و ركضت باتجاه الهدف لكن فجأة! وفي تلك اللحظة شعرت بالأرض تدور حولها ، مال مركز ثقلها نحو الخلف فسقطت على الأرض و حلق السيف الخشبي عاليا ثم عاد وسقط على رأسها
" سيدتي! "
صوت مايك القلق كان آخر ما استطعت سماعه قبل أن يخيم الصمت و منظر السماء الزرقاء كان آخر ما رأيته قبل أن تشوه الصورة و تصبح ضبابية في عيني ، بعدها تثاقلت جفوني و سرعان ما اطبقت لأغرق بعدها في الظلام الدامس
" وصلتني شكاوي المواطنين عن تلاعب الباعة بالأسعار في السوق الشمالي ، هل تعلم شيئا عن هذا أيها الوزير ؟ "
نظف الوزير حلقة ثم قال مطأطأ الرأس :
" صاحب الجلالة، كانت تلك مجرد مشكلة بسيطة، تغافلت عنها لظروف خارج نطاق إرادتي لكن الأهم هو أنني شرعت في التعامل معها شخصيا "
اومئ ديمتريوس برأسه ثم قال :
" مفهوم ، أسمح لك بالانصراف "
انحنى الوزير احتراما ثم استدار و اتجه نحو الباب ، راقبه ديمتريوس و هو يخطو مبتعدا إلى أن اختفى ثم التفت نحو كيران و قال :
" ابقه أمام ناظريك "
" مهلا! " عقد كيران حاجبيها ثم اتبع : " ألا تعتقد انك تبالغ؟ ربما كان يقول الحقيقة "
" حسنا لنفترض ذلك ، لقد تحدثت الصحف اليومية عن الموضوع لأكثر من مرة الا تزال تعتقد أنه صادق ، و إن كان كذلك ما الذي قد يجعله مشغولا جدا لدرجة أنه لا يستطيع قراءة أو الاطلاع على العناوين الرئيسية على الأقل ، أنا احمل بلدا بأكمله فوق كتفي لكنني لم افوت يوما قراءة الجريدة الصباحية "
" تقصد فقرة الفضائح " تمتم كيران
" هل قلت شيئا ؟ "
نفى كيران برأسه ثم تنهد و قال :
" حسنا، ما الذي تريد مني فعله ؟ "
" راقيه ، في حال اكتشفت شيئا ما تعلم ما عليك فعله "
" هل انت جاد ؟! "
رفع ديمتريوس حدقتيه بلون الرماد يحدق بثبات في هيئة كيران الواقف امامه ثم قال :
" أم انك خائف ؟ "
" لست خائفا على نفسي أنا قلق عليك ايها الأبله! انت لن تخرج منها ببساطة " رد بعصبية
" أعلم ، لكن علي فعل هذا ، علي الإطاحة بهم قبل أن يفعلوا ذلك بي ، يجب علي تنظيف ما تبقى من فضلات النظام السابق ، و ايضا .. "
ابتسم و أضاف :
" مهما حدث ، أعلم أنك لن تترك جانبي حتى إن اصبحت هاربا "
ضحك كيران ساخرا و قال :
" من أين تأتي بهذه الثقة ؟ ماذا لو اخترت فجأة الإطاحة بك و الحصول على العرش "
" عندها ستكون امي أكثر شخص سعيد في العالم، كما انني سأكون مرتاحا "
بالرغم من أن ديمتريوس كان يبتسم الا ان نظرة الحزن في عينيه تناقضت و تلك الابتسامة و لقد لاحظ كيران ذلك، صك أسنانه ثم تمتم :
" لن يحدث ذلك ابداً ، أنا لن أسمح لك بأن تكون مرتاحا "
التفت ديمتريوس نحو كيران فور التقاط أذنيه لتلك الكلمات ، حدق فيه بعيون متسعة ثم انفجر ضاحكاً في اللحظة التالية
" هل من جديد حول قضية مقتل القس ؟ " سأل مغيرا الموضوع فنفى كيران برأسه و رد :
"لا ، احتاج الى الاطلاع على التقرير الخاص بالقضية اولا "
" اذا هل تخطط للذهاب إلى أوستن ؟ "
كتف كيران ذراعيه أمام صدره و قال :
" هناك احتمال كبير بذلك "
" ماذا عن زوجتك ، هل سألتها؟ في النهاية هي من أوستن قد تدلك على شيء ما "
اعتدل في وقفته بعد أن كان يستند إلى جانب المكتب ثم قال:
" كنت افكر في ذلك، سأسألها فور عودتي "
" ما الذي حدث ؟! لقد تركتك بخير هذا الصباح "
نظر كيران إلى زوجته بحواجب معقودة ثم أزاح خصلات الشعر عن جبهتها كاشفا عن الضماد الابيض الملتصق بها ، أخذت سينا نفسا ثم استرسلت تسرد دون التوقف لأخذ نفس حتى
"بعد مغادرتك فكرت في طريقة لتضيع الوقت فاتجهت إلى ساحة التدريب فاقترح مايك تعليمي كنت اتدرب على حمل السيف مع مايك ثم فجأة أصبت بالدوار و سقط السيف الخشبي على رأسي ثم أ- "
قهقه كيران ضاحكا مقاطعا غير قادر على التحكم في ضحكه ثم و بعد لحظات من نوبة الضحك الهستيرية سحب نفسا و تحسس موضع الكدمة و سأل :
" هل يؤلم ؟ "
صفعت سينا يده ثم صرخت بعصبية :
" توقف عن لمسه و لن يؤلم "
" حسنا ، توقفت "
دسّ كيران يديه في جيبه ثم اتبع :
" بالمناسبة و قبل تناول الغداء هناك ما اريد الحديث معك عنه"
" الحديث معي ، أنا ؟! "
ردت باستغراب و راقبته و هو يخطو باتجاه جناحه
" الحقي بي، حسنا؟ "
" حسنا "
ما الذي يريد الحديث عنه يا ترى ؟ هل اقترفت خطأ ما ؟ لا! لا اعتقد أنني فعلت ذلك ، حاولت أن أكون مسالمة و مطيعة طوال هذه المدة .. مهلا! ام انه-
فجأة ! دفعت ماري دفة الباب بقوة فارتطمت بالجدار مصدرا صوت ارتطام عاليا ما جعل سينا تنتفض من مكانها فزعة كمن قرصته حشرته
" ماذا؟! ماذا؟! "
هرولت ماري باتجاه سينا ثم توقفت أمام المكتب و أشارت إلى الظرف الذي تحمله
" لقد وجدته في صندوق البريد "
مررت سينا نظراتها على ماري فالظرف ثم امسكته تقلبه بين يديها
" من صاحبه ؟ "
حدقت سينا في ختم الشمع ذو شكل زهرة البنفسج ثم رفعت رأسها تنتظر تفسيرا من ماري ، ابتلعت الخادمة ريقها الجاف بتوجس ثم فصلت شفتيها و قالت :
" أنه من السيدة كاثرين "
" السيدة كاثرين ؟ " عقدت سينا حاجبيها بعدم فهم للحظة ثم وسعت عينيها في اللحظة التالية و صرخت :
" ملاحقة الثنائيات ! "