آنجِيلوس١٩٤٠ || YM

By 00melas

185K 17K 26K

كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الأ... More

مُقدمة
-١- حَانةُ المَوتِ المُفاجِئ
-٢- سُوناتا "مثيرٌ للشفقة"
-٣- سُوناتا الرَّقم واحِدٌ وعشرون
-٤- المَعزوفة الرَّابعة ( اختناق)
-٥- سيمفونية ضَرباتُ القَدر
-٦- المعزوفَة الثالثة عَشر
-٧- تضحية مُوسيقية
-٨- بِجانب البُحيرة
-٩- المَعزُوفة الثّانِية والعُشرون َ
-١٠- الجَاز عَبر شَوارع بِرلين
-١١- مَعزُوفة أُوبِرالية
-١٢- لَيلة كَئيبة
-١٣- تراقُص الأجسَاد
-١٤- نُدبةٌ قَديمة
-١٥- ضَوء القَمر
-١٦- السُقوطُ السَادس
-١٧- السُّوناتا السَّابعة عَشر
-١٨- رِحلة الى مَكانٍ بعيد
-١٩- مَشهدٌ مِن صُنع شِيكسبير
-٢٠- السُوناتا التَاسِعة و الخَمسُون
-٢١- مُوسِيقى الأُورغن الشَهيرة
-٢٢- رِسَالةٌ الى آلفرِيد
-٢٣- الحَرَكة الأُولى
-٢٤- ليلة موسِيقية قَصِيرة
-٢٥- لِقاءٌ بعد فُراق
-٢٦- مَعزوفة الجَرسْ
-٢٧- جُزئية الشِتاء
-٢٨- سيكلوجيات شائعة
-٢٩- السوناتا الأولى
-٣٠- حانةٌ في مَانهايم
-٣١- مُذَكَرة آلفريد
-٣٢- النِهايَة
- مَعزوفَة مُميزة ٢/٢ -

- مَعزوفةَ مُميزة ١/٢ -

5.7K 416 1.3K
By 00melas


Enjoy

***************

~مدينة ستراسبورغ
في الثاني من ديسمبر عام ١٩٤٨~

جيمين

ثَلاث سَنوات قّد مَضت ، حين حَصلت على حُريتي انتقامي و عُدت الى ممارسة حياتي كَبشرٍ يتوق الى يوم غَد

لكن لم أتوقف عن مُحاربة الظُلم و الذي كان قائماً حتى بَعد رحيل هتلر و آلفريد

كَم من الدلائل يجب أن نَجمع و كَم من الوثائق يجب أن نُثبت كي لا يتم تَحريف التاريخ

أنا أحد الضحايا و كم يؤلمني سَماع أحدهم يُنكر مَجازر الحِزب النازي و الَذي حَتى بَعد تَفككه مَازال يمتلك الكَثير من الداعمين

و لكن طالما انا عَلى قَيد الحياة اذاً لن أتوقف عن إظهار جرائمهم الشَنيعة بِحقنا

" أتمتلكين صُورةً لهما أو رُبما صورة جَماعية لكم كَي أضعها العَناوين الرَئيسية إن رَغبتِ "

سَيدة أو رَقم من هذه الأرقام المَجهولة ، ذات قِصةٍ لن يَحمل جِراح تَفاصيلها سِواها

قُتل زَوجها و وَلدها الَوحيد في مُعسكر الإبادة و جُثثهم في مَكانٍ ما في هذا العالم ، لا بُد و أن تُراب أحد المَقابر الجَماعية قد غَلف جسديهما

بَعد انتهاء الحَرب لم أتوقف عن كَوني أنجيلوس  بل بدأت في رِحلة جَمع الأدلة و الشهادات التي تُثبت إدانة هذا الحزب

ليس للوقت الحَاضر فَقط بل لِلمستقبل أيضاً ، من الأجيال القادمة و كي لا نُنسى على مَر الزمان

عادت لي السَيدة مع صورةٍ تّجمعها بزوجها و طِفلها و كم شَعرت بالاسف و الحُزن حين رأيت دموعها على وجنتيها

كم من هؤلاء الضَحايا يُعاني من الوحدة المُطلقة بعد خسارتهم لِعائلاتهم و لم يتبقى لهم سِوى الذكريات

وَقفت و تَقدمت منها و عانقتها بينما أُربت على ظَهرها لَعلها تَستمد القُوة و الصَبر

" لا يَسعني سِوا تَقديم اعتذاراتي عما حَصل لكِ و تأكدي بأن عائلتك تُراقبك مِن مَكانٍ ما "

في كُل مَرةٍ أسمع قِصةً جديدة مِن عائلاتٍ مُختلفة و في كُل مَرة أشكر القَدر الذي رماني في حُضن ذلك الجنرال

و لولا مَلاكي لَكنت الأن أُعاني من الوحدة القاتلة و لم أكن لأعثر على شَقيقي إيثان

" سَيد آنجيلوس أشكرك ، لا أستطيع إلا تَقديم هذه الكَلمة لك تَعبيراً عن امتناني لجميع ما تَفعله "

" هَذه الكَلمة تَكفيني و تَعني لي الكَثير سيدتي "

عَبرت باب مَسكن السيدةِ خارجاً و شعرت و كأنني عَبرت في الزمن عندما نَظرت الى الحياة اليومية خارج ذلك المنزل

أُناسٌ يمضون في حياتهم و أخرون عالقين بين ثنايا الذكريات و معتكفين في بيوتهم مُتشبثين بأملٍ زائِف

تَماماً كَقِصة رافائيل ، لم نَرى جُثته و لَكن مَعرفتنا بوحشيتهم هي كانت الخَبر الأكيد لذا لا بُد وأنه فَقد حياته

لكنها تَبقى احتمالات و أرقام حَرب

ذَلك المَنزل يُشبهني في المَاضي و سيشبهني الى الأبد ، فمهما مَر من الوقت لا تُمحى ذاكرتي و سأمتلك شُعلة الغَضب والحقد ذاتها الى أخر يومٍ في عُمري ؛

.

ستراسبورغ مَدينة فرنسية على حُدود ألمانيا قد اختارها عَزيز قَلبي و ابتاع لَنا مَنزلاً فيها

عند مُغادرتنا ذلك القصر في برلين قَررنا البِدء من جديد ، و محاولة نِسيان ما حَصل عدا عن الذكريات الجَميلة التي جمعتنا في غُرفته و المرسم و ذلك البيانو بجانب البُحيرة

كَم شَعرت بالآسى حين ودعت مَكاني المُفضل لِلمرة الأخيرة و في يومِها بَكيت بين أحضان الجنرال كالطفل الصَغير

هذ المَدينة جَميلة للغاية و لكن أكثر ما أُحب فيها هو عازف الكَمان الكَبير في السن و الذي يقف دوماً في نِهاية الشارع الحجري و يعزف على كَمانه مُطرباً مَسامعي كَما يفعل الأن

السوناتا الأُولى لِلموسيقار ڤِيڤالدي و التَي اعتادت على تَذكري بشارع شتاتسيكا القَريب مِن مَنزلي في بولندا

في ذلك الشَارع حيث سَمعت البيانو لأول مَرة و حِين بدأ حبي له

كَان عِشقي لِلموسيقى يَفوق الحُدود و لَم أظن يوماً بأن عِشقاً أخر سوف يُداهم قّلبي و يغزوه

و في ذات الشَارع كان يعيش رَجلٌ مُسن يَقص القُصص على العابرين عن طِفلته ذات الثماني أعوام المَفقودة

كان يُدعى بالمجنون أو فاقد العَقل ، لكنه لم يكن كذلك بل كان يبحث عن أحدٍ يستمع لِجبال الهُموم على قلبه أو أحدٌ يُخبره أن يتمسك بخيط الأمل الرَفيع

لكن عابري ذلك الشارع و أنا كُنا جَميعنا نَعلم بأنه يبحث عن طِفلته التي قُتلت برفقة والدتها في اقتحام بولندا الأول

و لربما كُنت سأصبح مثل هذا الرَجل ، كُنت لأسير في الشَارع و أسأل المَارة عن عائلتي و أرجو مِنهم إجابةً شافية

كانت الوِحدة لِتُمزقني إرباً و تَنزع روحي عن جسدي ، لكن آلفريد أهداني هَديةً سترافقني الى باقي العُمر

قَد أرسلت له رِسالةً و هو في السِجن يتلقى العَذاب ، ساعدني المُحقق فريدريك في إيصالها له

أخبرته بأنني أقضي أياماً سَعيدة و بأن الهدية التي وعدني بها في ذلك اليوم  قد حصلت عليها و استمتع بها كَما يجب

و تَمنيت له المزيد من العَذاب و القَهر و بأن لا أحد سيتذكره حتى بعد مماته و سيصبح مَجهولاً و منبوذاً بالنسبة لِلجميع

وهنا يقبع تناقضي ، فأنا لن أنسى آلفريد بتاتاً و سيبقى عالقاً في ذاكرتنا انا و يونغي

مَلاكي و مَحبوبي الذي أشتاق له و الذي ينتظرني الأن في مَنزلنا اللطيف في نِهاية الشارع الحَجري 

يونغي يَسعى لِتحقيق أحلامي واحداً تُلو الأخر و لم يَتوقف يوماً عن كَونه سَبب سَعادتي الأول و الوحيد

فَهو اللحن الَذي سأعزفة كُل يومٍ و ساعة دون مَلل 

مّنزل الحُب خاصتنا كان مَلجأي و حيث أهرع في ظُلمة أيامي ، الى أحضانه أشكو له اشتياقي و في أحضانه أنام مُطمَئن البال

اتسعت ابتسامتي حين لاح لي مَنزلنا و شَعرت بِدفئه على الفور و ما الدفء الا من يسكنه و من ينتظر عَودتي

أخرجت مِفتاحي و فَتحت باب السعادة ، وضعت حذائي الى جانب حِذائه و من ثم ناديت باسمه

زَممت شَفتاي و حَاولت كَتم ضِحكتي حين رأيته على تلك الهيئة  المُغرية كما يظن

يرتدي قَميصه الأبيض دون اغلاق أزراره و يضع بين أسنانه وردةً  حَمراء و يرفع حاجبيه بإثارة

صدحت في رأسي موسيقى الجاز لِتُزيد من المَوقف ضَحكاً

أعاد خُصلات شَعره الى الخلف و كَم أُحب وسامته الشَديدة و المُهلِكة لِقلبي

أشار بسَبابته نحوي و ثناها عِدة مراتٍ يَدعوني للإقتراب منه لأفعل و أقف أمامه و مازالت مُحاولاتي في كَتم ضَحكي قائمة

أمسك بالزهرة و وضعها بين خُصلات شعري ثم غَمز لي

لَيست المَرة الأُولى بل هو يُفاجِئني دوماً بهذه الاغراءات الغَريبة

" أهذا نَوعٌ جَديد من أنواع الإغراء يونغي؟ " 

قُلت له ثم وَضعت يدي على فمي حين وَصلت الى حَدي من الكتمان و لم أستطع إمساك قَهقهاتي التي صَدرت بعد جُملتي

" هَل أعجَبك ؟"

أومأت له  و قَبلت وَجنته ثم هَمست في أُذنه و أعطيتها قُبلةً أيضاً

" ألا يُفترض بي القيام بهذا النوع من الأفعال "

سألته ليحاوط خَصري بذراعيه و يَنفي عِدة مَرات

" عَزيزي إن كُنت سأعتمد عليك في هذه الأمور عِندها ستصبح حياتنا العاطفية جافة و باردة "

أغمضت عيناي و كُنت المُبادر الأول في قُبلتنا لهذا اليوم و كان هو المُنتصر فيها كالمُعتاد

الإرتواء مِن شَفتيه كالنعيم تَماماً بل هو النَعيم في حَدِ ذاته

ابتعدت عَنه وألقيت بجسدي على الأريكة مُتعباً فسماع القِصص الحَزينة بات يُسبب لي حالةً من التعب 

" أين كُنت مُنذ الصَباح الباكر جيمين ، لقد استيقظت و لم أجدك بِجانبي"

هَمهمت له و أنا أفهم الأن تَماماً سَبب غَزله المُفرط 

" ألا يجب أن أطرح أنا هذا السؤال ؟ أين كُنت ليلة أمس و لِمَ لم تَعد مُبكراً   "

قَلب عيناه و  وحاول المُراوغة و التَهرب من الإجابة لكنني صَغرت عيناي و نَظرت له دون أن أرمش

" أتحاول بدء شِجارٍ الأن ؟ إن كُنت تَفعل فَلا مِزاج لي اليوم "

" لا تَتهرب و أجبني ، أنا غاضبٌ منذ الأمس و لم أشأ سؤالك  حينها لعلك تأتي لي و تُخبرني عن مُجريات يومك و لكنك لم تَفعل لذا لن تُفلت الأن مِن سؤالي "

جَلس الى جانبي و رفع رأسي ثم وضعه على فَخذه و يده شَقت طّريقها نَحو خُصلات شَعري تُلاعبها بِرِقة

" لن أُفلت مِن سؤالك لكن إجابتي و التي تَعلمها أنت مُسبقاً لن تُعجبك ، بالإضافة الى أنني أرغب بِقضاء اليوم بِرفقتك دون تَحقيقاتك المُملة عزيزي الصَغير"

نَظر لي بِلُطف فَبادَلته بِحدة ، كُنت على وشك الخُضوع لهذه الأعين الجَميلة لكنني جِديٌ و أرغب بِسماع إجابته

" أَجب سؤالي يونغي "

زَفر بِملل و أومأ بِلا حِيلة

"  بِرفقة فيكتور ، كان مُجرد لِقاء عَمل من أجل تَوسيع التِجارة في باريس لذا لا تَشغل بالك "

تَنهدت و جَلست باعتدال ثم أخفضت رأسي و شَددت على قبضتي  أحاول التحكم في غِيرتي الشَديدة

"ما باله آنجيلوس خاصتي حَزينٌ هكذا ؟ أهو بِسبب تأخري عن النوم في أحضانك أمس ، إن كان كَذلك فالتصيبني جَميع اللعنات لأنني أحزنت عيناك "

" أنا لا أُحب فيكتور و قد أخبرتك بهذا مِراراً يونغي و لكنك لا تَستمع لي بل فقط تَفعل مافي رأسك"

فِيكتور هو رَجلٌ قد تَعرف يونغي عليه في أيامنا الأولى في ستراسبورغ و كان لطيفاً للغاية و لكنني أحقد عليه بسبب قُربه الشَديد من محبوبي الذي يَستمتع برفقته أيضاً

كَوب وجنتاي و ألصق جَبهته على خاصتي

" جيمين أيها الطِفل المُتذمر عَلاقتي بِفيكتور لِصالح العَمل
لا أكثر "

" إذاً لِمَ لا تُحضره الى هنا؟ أنا لم أره سِوا مَرةً واحدة و أتوق لمقابلته مِجدداً"

جَعد جِنرالي مَلامحه بانزعاج و بان عليه الرَفض

" لا و يَستحيل "

رَفعت حاجبي و تساءلت عن رَفضه القاطِع
" لِمَ ؟"

" لا أرغب بالتعامل مَعك على أنك صديقٌ لي لا أكثر ، لا يُمكنني التَحكم في عِشقي لك  و أنا أعلم بأن نَظراتي لَك سوف تُبين للجميع بأنني أُحبك "

قّضمت شِفتي السُفلى و جَذبت جَسده نَحوي مُعانقاً إياه ، فهو مُحق مِن الصَعب كتمان مشاعرنا و من المؤلم أن أتعامل مَعه حين لا نكون لوحدنا على أن ما يجمعني به هو صداقة لا حُب

" و بما أننا نَتحدث في هذا السياق سيد جيمين ، اذاً دَعني أُذكرك بأنك أكثر من يخرج من هذا المنزل و بأنني أقضي وقتاً في انتظارك أكثر مما تَفعل أنت "

تنهدت و صُداعٌ في الرأس أصابني حين تَذكرت عَملي و جَميع القِصص التي استمعت لها اليوم

لكل شيءٍ ضَريبة و ضَريبة عَملي الخيري هذا هو جروح قَلبي و لكن الى مَتى ، لا أظن بأنني سأتحمل المَزيد

مَرر ظَاهر يده على وجنتي بنعومة و داعبها ثم صوته الحنون هَمس لي و أشعرني بالأمان

" جيمين لِمَ لا تأخذ استراحة قَصيرة؟ دَعنا نَقضي هذه الأيام سوياً و نَستمتع كما في المَاضي حين تَعزف لي و أستمع لَك ، افتقدك و افتقد كُل ما بِك و أشتاق لهمساتك و غَزلك اللطيف "

" سأفعل أي شيءٍ و كُل شيء لأجلك يونغي  و صَدق كلمات قَلبي يا مالِكُه ، أشتاق لِكل لحظاتنا و أتوق لإحياء جُنون العِشق فينا "

أمسَكت بيداه قبلتهما ثم استقمت برفقته و سَحبته خَلفي نَحو البيانو و جَلسنا على الكُرسي الخاص ، كَتفي يلتصق بكتفه و إحدى ذِراعيه حاوطت خَصري

" فالنبدأ مِن هذه اللحظة ، نُعيد احياء الجنرال آلبير و مَعشوقه العازِف أنجيلوس "

قُلت هذه الجُملة و أغمضت عيناي ثم وضعت أناملي على مفاتيح البيانو 

أعزف السوناتا السادِسة عَشر لِبيتهوڤين ، موسيقى سَعيدة و لطيفة تُذكرني بالجنرال دوماً

كانت هذه المَعزوفة هي أكثر من رافقني حين غاب عني الجنرال منذ زمن و حين انقطعت أخباره و رسائله عني

و كُلما فاض جَوى قَلبي حُباً عَزَفتُ له و مِن أجله

عَزفتها له حين اعترفت له بحبي و عَزفتها له حين عَثرت عليه بعد فُراقٍ أليم

لو أن قِصتي والجنرال تُعرف على مَر الزمن حينها سنكون مِثالاً لِلحب بل و ربما كانت كَلمة الحُب لِتُدعى أنجيلوس

في لحظاتٍ كهذه تَمنيت لو أن والدتي على قيد الحياة ، لكانت ستحبه كَثيراً فمن لا يُحبه و هو بهذا العطاء و اللُّطف

لا أعلم بما سأجيب حين أُسأل عن سَبب حُبي له فَحقاً ما هو السبب الأول؟

أهو حَنانهُ و عَطفه أم وسامته و كلماته المَعسولة التي جَذبت جَميع ما بي له

هو القَمر و الشَمس و النجوم و كُل ما هو جَميل في هذه الحياة ، لا بل هو حَياتي بأكملها 

" لأُقبل هذه الأنامل الجَميلة و ما تَعزفه مِن ألحانٍ تُطرب مَسامعي "

وَضعت رأسي على كَتفه و اخذت نَفساً عميقا مُستنشقاً رائحته العَبِقة

" اشتقت لإيثان "

" أنذهب في الاسبوع القادِم  لزيارته هو و جونغكوك؟ سيكون تايهيونغ سَعيداً برؤيتك بعد كُل هذا البُعد"

ابتسمت بِوسع و أومأت بِفرح

ايثان قَد مَضى وقتٌ طويل و لم يَكن بيننا سوى المسافات و الرسائل ، هو بِخير و جونغكوك يعتني به جيداً و لكني مُشتاقٌ له

الجُزء الأخير من عائلتي يَكبُرُ بَعيداً عَني و في رِسالة جونغكوك الأخيرة لي ، أخبرني بأن إيثان بات يُشابه طِباعي كَثيراً و ذَكر بأن التَمرد و العِصيان هو شيءٌ يجري في دماء عائلتنا لا مَحالة

إيثان كان و مازال بِمثابة طِفلنا أنا و الجنرال ، نَحمل ذات المَشاعر نَحوه و يَشتاق له كما أفعل أنا

نامجون لا يُراسلني كثيراً و في رِسالته الأخيرة قال لي بأنه عاد الى بولندا و أن الرائد هوسوك قد تَزوج من سيدة جَميلة و استقر في فرنسا لأجلها

أصر نامجون بأن أزوره في حال عُدت الى وطني يوماً ما و قال بأن هُناك ما يجب عليه تَوضيحه ثم اعتذر لي في نهاية رسالته على جَميع المخاطر التي وضعني فيها

و رَدي له كان شُكراً على هذه المَخاطر و مُمتنٌ له لإرسالي الى أحضان الجنرال فبسببه أنا أعيش اليوم

كَان الشيء الوحيد الذي أمقت ذاتي عليه هو مَقتل سيباستيان و الذي حاول الجنرال مراراً و تِكراراً إقناعي بأن لا يد لي في موته

أتمنى أن يصل أسفي الشَديد له و لو كنت أستطيع لَعُدتُ بالزمن و أطلقت الرصاصة في رأس آلفريد

" أتُريد الخروج لاستنشاق الهواء؟ "

سألني لأرفع حاجبي مُستعجباً

" الأن؟ قاربنا الى مُنتصف الليل "

" و ماذا في الأمر كي تَستعجب الى هذا الحد ؟ مُنتصف الليل حيث لا أحد و أسير مُمسكاً بِيدك براحةٍ تامة "

مَد لي كَفه لأنظر له لِبضع ثوانٍ قبل أن أُشابك أيدينا ببعضها
و أسير خَلفه

ألبسني مِعطفي و قال لي بنبرة مازحة

" للأسف سيد آنجيلوس سوف ترتدي مِعطفك و ليس فقط تلك القفازات الغبية "

نَظرت له بِطرف عيني مُنزعجاً

" لا يُعجبني ارتداء الكثير من الملابس ، و لا تَقُم بإهانة قفازاتي "

ابتسم بجانبية و أنا على عِلمٍ تام بأن جانبه اللعوب سيظهر الأن

" في الحَقيقة أنا أيضاً أُفَضِلك دون مَلابس "

حَركت رأسي بيأس و قَهقهت فشاركني ضِحكاتي

" مَهما تَقدمتَ في السِن سَتبقى مُنحرفاً كما كُنت "

ديسمبر لم يكن بتلك البرودة المُعتادة ، لربما القُفازات كانت تَفكيني بالفعل أم هو قُربه من أشعرني بالدفئ 

الشوارع خالية و لا يُسمع فيها الا أصوات خُطواتنا ، تَسللت يده الى داخل جيب مِعطفي حيث أضع يدي و شابكهما بقوة لأُخفض رأسي و أبتسم بِخجل

ما زالت أصغر المُلامسات تُعطيني شعوراً و كأنها المَرة الأولى
لَمسة اليد و أول القُبلة و كُل ما يجمعني به لا يُمل مِنه

" أشعر بأنني طِفلٌ حين أكون بِرفقتك جيمين ، أشعر و أنني مَجنونٌ في الحُب فهل تُبادلني هذا النوع من الجنون ؟ "

" انا أفقد عَقلي و وشعوري بالواقع حِين تتصادم نَظراتنا ، جُنون الحُب هو تَعبيرٌ يَصِف ما أشعر به نَحوك "

نَظر لي مُطولاً  و شَعرت بأن نَظراته تَحملُ أمراً ما أو رُبما يُخطط لشيءٍ غَريبٍ كّعادته

" الكَنيسة لا تُغلق أبوابها أبداً "

تَفوه فجأة و قّطع صمتنا لأنظر له باستفهام

" و مالذي تُريده من الكَنيسة أيها الرجل المؤمن ؟"

قهقه بِجمالٍ و نفى ثم جَرى نحو الكنيسة و سحبني خَلفه ، حاولت بِقدر الإمكان مُزامنة خطواته كي لا أقع أرضاً

" حارس الكَنيسة الكَسول لن ينتبه لدخولنا و لكن فالتحافظ على صّمتك "

" لا أفهم المَغزى من مَجيئنا الى الكَنيسة يونغي "

نَظر حَوله و عندما تأكد مِن خُلو المَكان دخلنا الى الكَنيسة الكَبيرة و مَشى بنا الى حَيث يقف القس في العَادة

" أنت لن تَفعل صَحيح ؟ "

قُلت له حين عَلمت بِما يُخطط له ، كان مُحقاً تماماً حين وصف حُبه لي بالجنون فهو حَقاً مَجنون

وقف مُقابلاً لي و أمسك بيداي  مُبتسماً و عيناه تَلمع بِفرح

" لن نتمكن من  الزواج رَسمياً  و لكن من يحتاج عَقداً و حُضور ، مَشاعرنا هُنا و حُبي لَك هو العَقد الذي يجمعنا "

قَلبي يَنبض بِعُنفٍ شَديد و لا أستطيع السيطرة على أنفاسي ، كيف له أن يتفوه بهذه الكلمات دون رَحمةٍ لمشاعري و عِشقي

تَحمحم و أخفض رأسه ثم قهقه

" مالذي يُقال عادةً عند الزواج "

سألني لأبتسم و أرفع كَتفاي جاهلاً الإجابة

" لا عِلمَ لي مَحبوبي فأنا لم أتزوج مِن قَبل "

زَفر بهدوء و قَد شَعرت بِتوتره في هذه اللحظة و كأن ما يحصل هو زواجٌ فِعلي

" لا أعلم ماهي التُرهات التي يتفوه بها الأزواج و لكن دَعني أُخبرك بمدى حُبي لك جيمين ، أحبك الى أخر العُمر ، أحبك الى ما بعد الموت و أحبك الى ما أبعد من القَمر و أعدك بأن قَلبي لن يتوقف عن حُبك فأنت يا ملاكي سَبب نَبضه و أنت يا عازفي جَميع أسباب حياتي و مَعزوفتي المُميزة فهل تَقبل بي باسم الحُب زَوجاً لك؟"

أحرقتني وجنتاي بِسبب دموع فَرحي ، و لِمَ لا أفرح و مَحبوبي يتوق الى ما أكثر من الحُب و يُريد جَمعي به في كُل الطُرق المُمكنة

" مَحبوبي ما هي لُغة الحُب ؟ و أتكفي نَظراتي و توصل لك مَشاعري لك ، أُريدك زَوجاً لي  و لو استطعت لَبُحت بحبي لك أمام العَالم بأكمله و لأخبرتهم بأن عِشقي لك لم يَعد عِشقاً
بل هُيامٌ و أكثر "

ضَمني الى صَدره و انخفضت شَفتاه نحو شفتاي مُتفنِناً بتقبيلي و التهامي

قَبلني و كأنها القُبلة الأخير و كأنه يشكو من الشَوق و كأنه يُعاتب الزمن الذي كان سَبباً في بُعدنا يوماً

بادلته الحُب و الشَوق أضعافاً و حاربته في مَعركة القُبلات و كَافحت كي أفوز بِطعم شِفاهه بين شفتاي

أسرت سُفليته بين أسناني و نَظرت لَه بِخُبث فلِذة  هذه الشِفة قد فاقت الحُدود

" تَباً لِمهابة شَفتاك التي تُماثل نَقباء الحَرب آنجيلوس، و سُحقاً لِتوجسي لأسنانك المُشابهة لِصف الجنود في حَرب رَغبتي "

قال و عاد لتقبيلي و الغَوص بين بَحر شفتاي

و كان سَبب انقطاع قُبلتنا هي شعورنا بأقدام و صَوت الحارس لذا و بِكُل سُرعة فررنا هاربين نَحو مَنزلنا

و حال وصولنا أخذني الى غُرفة رَسمه و مُجدداً هو يُصيبني بالحيرة بسبب أفعاله الغَريبة

" إخلع كُل ما تَرتديه "

هَمهمت له بِصيغة سؤالٍ و مال رأسي جانباً

" تَعرى ثُم استلقي على المِلاءات البَيضاء هُناك "

" الرسم ؟ الأن؟ مِزاجُك غَريبٌ بالفعل "

تنهدت و فَعلت ما طَلب مني ، أُجاريه كي أعلم الى أين سيصل بأفعاله الغَريبة

تَوقعت بأن يأخذني الى سريرنا لكن غُرفة الرسم كانت أخر تَوقعاتي

بِخُطى هَادئة أَقَتَرب مني وَهُوَ يحمل قَطعه قَماشٍ حَرير المْلَمْس بَين يديه

كُنت أسدل جِفناي مُستَرِخِيَا بَينَ المِلاءات البيضاء الناعمة عَلَى الأرض عَارياً

إقشعر جَسدي عَنْدما شَعرت بالمَلمس الناعم لَلوشاح الحَرير وَ الكَبير نَوعاً مَا يمُر على مَعدتي مُتَجَهْاً الى وركَاي حِتى استوطن جِانب خَصَري وَ بَين فَخذاي حيث كَانَ حَوضي

قَوست ظهَري عَنْد شعوري بالقَمَاش الحَريري وَ البارد

إِبْتَسم يونغِي عَنْدما أبصر مُرونة الَقماش وَهُوَ يِنْزلق الى الأَسفل بَسبب نَعومته عَلَى خَصَري المُقوس

أعاد  رَأسه أمام وجهي بَعَد تَأَمَّله تّلوي خَصَر ي  بينما أُحدق فِي عَيَّنْيَه ،

أخفض حَدّقَتَيّه نَحْوَ شّفاهي مُتَمتماً

" دَعه مُنسْدَل عَلَى فِتنة مُنْحَنَيَاتك الآسرة لَحِين إنتهائي آنْجِيلوس، فَقَط لإضافة طَوابع  تَتَزين عَلَى ضَيق خَصرك "

أنهى  حَدِيثه بِقُبلة عَلَى شَفاهي قَبْلَ أَنْ يبتعد

أَوْمَأت  له برأسي بخمول عَلَى حَدِيثه
ثم رَفعت أَحَدٌى يداي فَوَق رَأسي وَ الأخِرى تَركتها تَنسدل بِجَانب خَصري قَبْلَ أَنْ يُميل رَأسي نَحَوه مُحَدقا داخل حَدقتيه بَأغراء

"فَاتِن"

تَمْتَم الجنرال بإِبْتَسامة جانبية وَهُوَ يُغطي يديه فِي الالوان دَوْن يَرَفَع مُقلْتَاه عَن مُنحنياتي

إعتَلاني و لم يقطع تَواصل أنظارنا ، قَضمت شَفتاي حين بدأ بتمرير يديه و الألوان على جَسدي

" أنت لَوحتي اليوم و يداي هي الفُرشاة التي ستنقش حُبنا على مَفاتنك "

تَسير الألوان على جَسدي بهدوءٍ و احترافية و تُزيد من رغبتي في كُل ثانية

" من أين تأتي بهذه الأفكار المُغرية "

سألته و وضعت يدي علي على كَتفيه أطلب مِنه التوقف عن تَمرير يديه فقلبي سينفجر من الإثارة

" إنها أفكارٌ مِن وَحي الحُب ، جَمال جَسدك لا يُساعدني و يخلق في رأسي الكَثير فـ الى مَتى ستبقى فِتنتك بازدياد ؟ "

شابك أيدينا و غزى جسده ما بين فخذاي ، ارتفعت قليلاً و قَبلتُ وجنته و هَمست له

" لا فاتِنَ هُنا سواك مَحبوبي "

" أتعلم ما أنوي فِعله ؟"

نَفيت له وعقدت حاجباي مِن حَرارة أجسادنا العارية و المُلتصقة

" أنوي المُمارسة مَعك أنجيل و تَلطيخ هذه المِلاءات بألوان حُبنا و نَشوتنا ، تَحركات جَسدك أسفلي هي لَوحتي القادمة "

انخفض بهدوء ، هدوءٍ يُثير استفزازي و نَفث أنفاسه الساخنة على شفتاي مُستمتعاً برؤيتي خاضِعاً

" إطبع يديك على جَسدي حَبيبي ، مَرر أناملك على صَدري و كأنك تَعزف لَحناً ما "

قال و حينها فَقدت أخر ذرات صَبري و شَنيت هُجومي على شَفتيه مُمزقاً نَسيجها اللذيذ

" أنا لوحتك جِنرالي ، جَسدي تحت طاعة يديك"

******************

مَدينة تُولوز

تُداعب الرياح خُصلات شَعره بينما يُراقب بابتسامة كَبيرة جونغكوك الذي يبحث بين الأزهار عن أجملها

" إن عَثرت على الأجمل فَلا تَقطفها "

قال تايهيونغ بِصوتٍ مُرتفع كَي يَصل الى الأخر

" لِمَ لا

" لأنها جَميلة إن بَقيت على حالها و لَكن بين يداي ستذبل و يَصيع رونقها"

عاد جونغكوك أدراجه الى حيث تايهيونغ و تَقرفص أمامه يُحدق بِعينيه

" عَثرت للتو على أجمل زَهرة و لكن فالتغفر هذه الزهرة لي فأنا سأقتطفها و أخفيها بين يداي بعيداً عن أنظار الجَميع"

ابتسم الأصغر بِخجل و غَطى وجهه بيديه

" توقف عن قول هذا النوع من الكلام و اذهب بنا الى المَنزل "

" لا تُكابر على مَشاعرك تايهيونغ ، أعلم بِحبك لي"

" اذاً أنت تَعلم بالفعل "

و أومأ جونغكوك ثم تَكلم

" عيناك أجبرتني "

تنهد تايهيونغ و قال ما يَجول في خاطره

" ماذا لو رَفض جيمين أو يونغي رُبما "

قهقه الأكبر سِناً و نفى برأسه ، فهو الأكثر عِلماً بما يجري بين العازف و جنراله

" هما تَحديداً لن يَرفِضا الأمر و لكن ماذا لو فعلا ، عندها ما سيكون موقفك من الرفض تايهيونغ؟"

طَال صَمت الصغير مما زاد من تَوتر الأكبر ، هو يثق بمشاعره و يثق بأنها مُتبادلة و لكن هل تايهيونغ مُستعدٌ للكفاح من أجل هذا الحُب

" عندها سأهرب برفقتك مُجدداً ، فلا أستطيع تَخيل مرور يومٍ دون رؤيتك"

أمسك جونغكوك بيدي الأصغر وقبلهما بعمق

" اذاً تُحبني ؟"

" اذاً أُحبك كَثيراً "

*****************

ستراسبورغ

جيمين

أنامِلٌ قد اختارت تَجويف رَقبتي مُستقراً و قررت العبث بِجلدي و إثارة غَرائزي

" أيمكن لِعازفي الجَميل آنجيلوس أن يُعطيني القَليل مِن وقته"

انتزعت يداي عن مَفتايح البيانو و بدت السوناتا الثامِنة لِبيتهوڤن مُملة جداً أمام صوته العذب

" وقتي بأكلمه لَك فلا تسألني عن مُمتلكاتك "

" ما رأيك في زِيارة مَوطِنُك مُجدداً ؟ "

كُنت أشعر بأنه سيأتي هذا اليوم ، و لكن قَدماي تّمنعني من أخذ هذه الخُطوة فأنا أخاف

" أخشى يا جِنرالي بأن الذكريات ستداهمني مُجدداً و أخشى رؤية طَيف أمي و رافائيل بين حِجار مَدينتي و أخاف من رؤية ذلك اليوم ولَمح وجه آلفريد "

وضع يديه خَلف رَقبتي و شدني نَحو أحضانه

" أنا سأكون مَعك دوماً ، سأرافقك في جَميع رحلاتك و سأطرد جَميع الذكريات السيئة لِتحل مَكانها ذكريات عِشقنا "

" أنا في موطني أيها الجِنرال ، بين ذراعيك يَكون و يَنتمي جيمين "

***********************

يُتبع

Continue Reading

You'll Also Like

33.4K 2K 19
"عندما تغمض عينيك ماذا تري؟ ستختار النور ام ستختار الظلام؟ في يديك هناك لمسه يمكنها الشفاء ولكن في نفس اليدين هناك قوه للقتل هل أنت رجل أم وحش؟" Top:...
479K 31.9K 22
{ Sexuel contact} جنيرالٌ مخدرمٌ أنتَ أوقعتنِي بينَ سلاسلِ عشقكَ الأبدية و أنا مجردُ أنثى عذراء سقيتُ بعسلِ علاقتناَ الآثمة و بللت إطار علاقتنا بدمو...
971 123 14
-ها أنا واقف أمام خياراتي، كرمح لا يدري أين ينطلق أو كرصاصة صدرك غايتها، وقلبك غربتي المحتمة.. -إن كنتِ جبلاً فإني خلقت لاعتلاء الجبال، إن كنتِ إلهة...