حسنًا ..
أنَا إنطِوائي ..
والأسوأ مِن ذلِك إن طلَبت سائِق أُجرة ثُم يبقَى ذلِك السّائِق يُثرثر طوَال الطّرِيق
أعنِي أنَا غرِيب .. وأنتَ غرِيب
نحنُ غُرباء
ولَن نلتقِي مُجددًا بعْد هذَا!
وسأطلُب سائِقًا آخَر
لستُ محبُوبًا أو شخصًا عزِيزًا علَيك!
لستَ صديقِي أو عدوِّي
إذَن إخرَس ولاَ تُثرثِر وأوصلنِي فقَط إلَى مَكانِي المنشُود!
مَا يعنِي هذَا أن تتوَاصل مَع الرّاكِب وتُحاوِل إخترَاق خصُوصِيته ومَوقِع سكنِه وتطرَح معلُوماتٍ عنْك وكأنّنِي أهتَم لذلِك؟ وكأنّك مِن أولوِياتي؟
مَا يعنِي هَذا أن التّوصِيل بالمجّان لكِن بشرْط! إن تزَوجت إبنتُك وإن لَم أفعَل فإن أجْر التَّوصِيل يكُون مُضاعفًا عَن المطلُوب
خُذ جمِيع أموَالِي الورقِية ونقُودي وعُملاتِي الذّهبِية والفضّية والمِعدنِية وبِطاقَة إئتمانِي وشِيكي المَصرفِي فقَط لكِن لاَ تقُوم ببَيع إبنتِك بهذِه الطّرِيقة
وأنَا مُجرّد شَاب تخلّص للتُّو مِن مرحلَة المُراهقَة ودخَل إلَى مرحلَة البلُوغ حيثُ العِشرينيَات
أتعلَم مَا يعنِيه سِن الشَّباب؟ أو اليفاعَة؟
لاَ سِن فسَاد النَّفس وإزهَاق الرُّوح!
لَيس معنَاه أنّنِي يجِب أن أدخِّن الحشِيش وأتعاطَى أو أهرِّب المُخدّرات أو أجرِّب مُختلَف أنوَاع الكحُول
لَيس معنَاه أنّنِي يجِب أن أتعرَّى وأذهَب إلَى النّوادِي وأظهِر عضَلات جسمِي وفَواحِشه
لَيس معنَاه أنّنِي يجِب أن أجرِّب النعِيم بتصرُّفِي كشابٌ سَيء وأفقِد عذريَات الفتيَات
هذَا مَا يزعمَه البعْض، أو الغرْب
هذَا مَا يُرِيده المُجتمَع مِن خرَاب النّفس والإمالَة إلَى إستِلذَاذ الشَّهوَات
ومَا تقُوله عَن النّعِيم هُو بحَد ذاتِه الجحِيم
لاَ يُهِم ..
وصَلت إلَى بُقعة نُزهتِي البحرِية .. أو نُزهتِي الشّاطئِية
جزِيرة بونالو في هاواي، بمِياههَا الفيرُوزِية ورَواسِبها الشَّاطئِية السّوداء المُتكوِّنة مِن المعَادِن الثّقِيلة
يعد شاطِئ بونالو مِن أشهَر الشّواطِئ والأكثَر شعبِية بسوَاد رِماله فِي العالَم
هُنا تجِد العدِيد مِن السّلاحِف البَحرِية الخضْرَاء اللطِيفَة
جَالست كُرسِي الشّاطِئ الخشبِي شِبه المُهترَئ بِصمت
كُنت ساكِنًا .. ولاَ شَيء يتحرَّك بِي سِوى أطرَاف مَلابسِي مِن النّسمَات
أُحرِّك بصرِي بَين الفِينَة والأخرَى فِي شقُوق الغرُوب مُتأملاً
تُداعبنِي الرِّياح وتُجفِّف أطرَاف شعرِي المُبتلّة بِلون الأخضَر البُستَانِي أو العُشبِي أو حتَّى لَون الطّحالِب بينمَا أنَا أدَاعِب أسنَانِي وأعدّها وأتحسّس حِدَّة أضْراسِي بِطرَف لسَانِي كمَا المهبُول
أتَيت إلَى هُنا تَحت وطْأ الضّغط النّفسِي مُحاوِلاً سَد فَجوتِي العَاطفِية بَين مُلاطفَة الرِّياح لِي، دَائِمًا مَا أتهرّب مِن المَنزِل لشعُورِي بعدَم الإنتمَاء، الأمْر برِمته أن حتَّى مَوطنِي لَم يعُد يُشعرنِي بِالآمان لاَ أعلَم إلَى أي بُقعة أذهَب لهَا فِي هذِه الكَوكَب؟
أتعْلم مَا يعنِيه أن مَوطنُك لاَ يُشعِرك بالآمَان؟ ثُم تَغترِب بَاحِثًا عَن مَا يُنقِصك فِي الشّوارِع، تتهَرب مِن واقِعك وكَوارثِك عبْر إفتِعال العدِيد مِن الهِوايَات الجَانبِية
لقَد سئِمت وأُنهِكت حقًا مِن هذِه العَالم الذِي يَستمِر بقذْف سَوائِل مَصائبِه ومِحنته ونكبَته الطازِجة فَوقِي
لَو نبَت الشّيب بِشعْري لَن أستغْرب مِن ذلِك فقَد طِقت ذرعًا مِن هذَا الإكتِئاب
قَاطع إستِجمَامِي وجُود طِفل بوجهٍ مُثلثِي أمَام نَاظرِي .. يَفتعِل أصوَات الضُّراط مَع لُعابِه المُتطايِر فَوق وجهِي
كَيف كَان يمضَغ مَا يَأكُله بطرِيقَة مُستفِزة
رغِبت بتَأدِيبه لكِن سيَعتقِد الجمِيع بأنّنِي شَخصٌ عُنفوانِي
رمّقته بَنظرةٍ عابِرة مبطّنة بالحِنق فتصاعدَت قَهقهاتِه فِي الهوَاء ثُم أخرَج لسانَه وهُو يشِير بإصبعِه علَى مُؤخرته
مَا بالَه؟ وأين وَالِدته؟ دنِيء الخُلق بتصرُّفاتٍ هوجَاء يَفتقِر لِلآدَاب الإجتِمَاعِية العامَة
أظهَرت تعَابِير مُشمئِزة فِي مرمَى الأخَر بينمَا هُو أخرَج حبَّة المعكرُونة مِن أنفِه بعْد أن عطَس وهُو يَأكُلها ثُم قذفهَا بإتِّجاهِي
وفِي خضَم ذلِك كُنت أحاوِل بشتَّى الطُّرق أن لاَ أقُوم بصَفعِه لأن سحقًا تصرُّفاته تثِير فيَضانات حمُوضة مِعدتِي، صمَدت بطمْر غضَبي فِي قعْر قَلبي الوعِر
نفَضت مَا قذفَها مُتقزِّزًا ومُتشائِمًا ..
أتَيت لِلإسترخَاء وقَد تَم إفسَادِه مِن قِبَل طِفل رَأسه يشبَه الأدوَات الهَندسِية؟
وهُنالِك طِفل أيضًا يقفِز فِي الأرجَاء بصِبيانِية ويأكُل فقَاقِيع الصّابُون كمَا المخبُول
مَا بَال الأطفَال اليَوم مَع سُترة الحِمايَة وعوّامَات السِّباحَة خَاصتهِم؟
هُنالِك الكثِير مِن المطبّات الصّخرِية فِي الميَاه، لِذَا يُعتبَر مِن الخطِير السِّباحَة بدَاخلِها
فِي الوَاقِع تَستطِيع السِّباحَة فقَط قلِيلاً ولاَ تتعمَّق فِي الدَّاخِل
لكِن لاَ يُهِم ..
فَلتحِل عليهِم لعنَة فُقدَان الذّاكِرة إذَن أثنَاء إرتطَام رَؤوسهِم بِصخُور المُحِيط
حكَكت كَتفِي بخشُونة عِندمَا شعَرت بلَسع البَاعُوضة فِي حِين غَفلتِي عنْها
عُدت لإستِجمَامِي شَارِدًا أستَمتِع بنَسائِم الخرِيف وخفَّة هَفواتِها نَحوِي مُبصِرًا إصطِفَاف الطّيُور فِي السّمَاء
"الطَّقس جمِيلٌ هذَا اليَوم"
مَن هذَا أيضًا؟
إستَخلَصت نَفسِي مِن قوقعَة أفْكَارِي المُغتربَة عِندمَا إتخَذ مجهُولاً مَا نَفس الكُرسِي الذِي أجلِس أنَا بِه مهجعًا لَه
يُبعدنِي بإنشَات قلاَئِل، يحمِل معَه عُودًا خشَبي بِه نقَانِق مَع شرَاب بذُور الرّيحان بنَكهة اللِيتشي المُتموضِع بَين فخذَيه
أسْتطِيع إستِشعَار هالَة القِطَط المُنبعِثة منْه بفِعل أعيُن القِطَط خَاصتِه المُبتسِمة بتجَاعِيدٍ هِلالِية، بإبتِسامَةٍ لثوِية وحُبيبَات مِن رَمل الجنَّة تَفترِش خدَّيه البَارِزين علَى هيئَة نمَش، بشعَر أملَس حَد العُنق ويبدُو هزِيل البدَن
شِفتَيه مُتشقِّقتَين بندُوبٍ حمْراء، يَرتدِي كنْزة صُوفِية صفْرَاء بِها قَلب أحمَر كبِير يحِيطه الكثِير مِن القُلوب بألوَانٍ مُنوعة
هُو قَال بطبقَة صَوتٍ مَخملِية "لاَ تبدُو مَنبوذًا إنِّما معْزولاً عَن العَالَم ومُتقوقِعًا حَول نَفسِه كمَا هُو المُتوقِّع مِن شَخصٍ كتُوم الطّبع"
بِدايةً، مَلمحِي إعتَلاه الجمُود ثُم نهايةً، أظهَرت تجَاعيد الحِيرة بجبِيني مُستَقطِبًا حَاجبيّ
مَا مقصدِه؟
أيتحدَّث إلَي وعنِّي؟
هُو تفوَّه مُجدّدًا يَحتفِظ بمَلمحِه البَاسِم
"هَالة كئِيبَة تحاوطُك، وإنّمَا مُمِيتة"
أبدَيت علَى قسَمات وجهِي جُرعة مُضاعفَة مِن الحِيرَة
تلفَّظ بِنبرَته الثِّخينَة "لَم تخفَى علَي هالَة الوِحدة التِي أحَاطت بِك كمَا لَو كُنت ملاكًا دُنِس بجشَاعة أبوَيه"
"إلَى ماذَا تطْمَح؟" إستَهجنت مَا ينطِق بِه ناظِرًا إلَيه بنظْرة مُعبأ بالإزدِراء
"تَنبعِث منْك طاقَة مَشؤومة يَا صَاح!"
"إلَى ماذَا تلْمَح يَا هذَا؟"
إستقَام ليقِف أمَامِي، ضيّق عينَيه الصّغِيرتَين ثُم أبسَط كفّه بتُوقٍ شدِيد إلَي "لنُصبِح أصدقَاء، أنَا يانغ جونغوون فِي السّابِعة عشْر مِن العُمر"
أيتودَّد للغُرباء هكذَا هُو دَائِمًا؟
جَال ببصَره فِي الأرْجاء مُحاوًلا إخرَاج كلِماته بتأنّ ثُم قَال بلَكنةٍ مُحرِجة مَحشُوة بِاللطف "إذَن أصدِقَاء نحن الآن صحِيح؟"
بتعَابِير مُتوهّجة .. إستَطلع ردّة فعلِي وإستفهَم ملمَح وجهِي
تجَاهلته بطرِيقَة تُجسِد اللامُبالاَة فاتحًا ساقَي بشكلٍ تقاطُعي، هُو لاَ يعلَم أنّه يتَعامَل مَع مجهُول مزَاجِي مِن الدّرجَة الأولَى بيَد أنّني لَم أجعَل يَده تطفُو فِي الهوَاء أكثَر فمَدَدت يدِي إليهَا وصفَعتها بمُضض
هُو إستدرَك مَوقِفه وإبتعَد عِندمَا شعَر بنفَاذ صبرِي منْه
لاحَظت لُؤلؤتيه الحَالكتَين تبرِق لوهلَة حِينمَا ظَن أنّنِي سأصَافِحه لكِن إرتحَل بِدهشَةٍ مَمزوجةٌ بضَواحِيها حُزنٌ دفِين