امرأة السفّاح

By Merieme_vani

2.1M 33.7K 17.4K

صفقة زواج وحّدت أكبر سفّاحين عرفتهما البشرية وجمعت تلك الباردة المجردة من الشاعر بذلك القاسي الذي لا يعرف الر... More

-المقدمة الرّواية
1-صفقة زواج
2-صِراعُ الذّكريات
4-بداياتُ الخطر
5-الحقيقةُ المُرّة
6-رائحةُ الرّدى
7-شريكُ الألم
8-مهمّة فاشلة
9-سرٌّ من الماضي

3-تضحِيةُ وفاء

99.4K 3.3K 722
By Merieme_vani

عقد كريستوفر حاجبيهِ باستغراب، ثم هزّ رأسهُ دلالةً على رغبتهِ في معرفة ما حدث مع كلارك، فازدرد ذلك الأخير ريقهُ بصعوبة وفاتحهُ في الموضوع باحترام شديد:

"زعيم، لقد تعرّض مصرفنا السّري للسّطو، وقد أدركنا هذا نتيجةً لما بثّتهُ كاميرات المُراقبة قبل أن يخترقها العدو بلحظات..."

هدأت ملامح كريستوفر حين سمع كلام كلارك المشبّع بالحقائق، فإن تحدّث ذلك الأخير عن المصارفِ السّرية التي يُخفي فيها أمواله غير القانونية سيجفّ حلقهُ قبل أن يصل إلى نتيجة مُرضُية، ممّا يعني أنّ المصرف الذي تعرّض للسّطو قبل دقائق لم يكن سوى مخبئٍ لعشرة بالمئة من أموالهِ الطّائلة..

"من المستحيل أن يتوصّل أولئك الرّجال إلى الشّيفرات في غضون دقائق لذا أظنّني قادرة على إنقاذ الوضع."

قالتها كارلين ببرودها المُعتاد فهزّ كريستوفر رأسهُ بالمُوافقة لتنهض بدورها عن الأريكة مُغادرةً الصّالون برفقةِ كلارك إذ مرّا معاً بالأروقة الضّيّقة وصولاً إلى الحديقة الواسعة، ثم وقفَا أمام سيّارة سوداءٍ ضخمة وراحا يجهّزان مُعدّات المهمة معاً....

-"اخبرني كلارك، كم يبلغُ عددهم؟ ثم هل رجالنا السّريين متمركزين الآن في المبنى المقابل للمصرف؟"

طرحت تلك الباردة سؤالها الأخير بنبرةٍ تخلّلها الجد فمنحها كلارك ردّه بأسلوبٍ عملي:

-"أظنّ أن عددهم جاوز العشرين، أمّا بالنّسبة للرّجال السّريين فأجل هم في المبنى المقابل للمصرف.. "

هزّت رأسها بابتسامةٍ عابثة، فقد كان من الضّروري أن يتواجد رجالهم السّريين داخل المبنى الذي يطلّ على نوافذِ المصرف الأمامية لأنّ ذلك يتيح لهم فرصة رصد الضحية ببنادقهم الفتّاكة المثالية....

ركبت كارلين على متنِ سيّارتها السّوداء بهدوء شديد فركب كلارك إلى جانبها لتنطلق بدورها نحو المصرف بسرعةٍ رهيبة، وقد وصلَت إلى وجهتها تلك بعد مدّة لا بأس بها فتوقّفت على بعدِ أمتارٍ من المبنى وسحبت سلاحها على مضض ثم حدّقت بكلارك راسمةً البرود على ملامحها:

"سننظّف المبنى من الدّاخل بحذر، لكن قبل ذلك علينا أن نتأكّد من سلامةِ رجالنا المتواجدين في المبنى المقابل."

أومأ كلارك بهدوء ثم راح يتأكّد من سلامة رجال المبنى بطريقتهِ الخاصة ليُحرّك رأسهُ بعد دقيقةٍ واحدة مُخبراً كارلين بأنّ كل شيء على ما يرام فهمهمت بدورها وباشرت في إلقاء تعليماتها الدّقيقة:

"الوقوف أمام النّوافذ، إثارة الضّجة، الولوج عبر المداخل الظاهرة إضافةً إلى لمس مقابض الأبواب وما شابهها، كل هذهِ الأمور ستكون محظورة علينا."

هزّ الأخير رأسهُ مُجيباً إيّاها بـ"عُلِم" فخرجت كارلين من السّيارة بعدما زيّنت جسدها بشتّى أنواع الأسلحة ليلحقها كلارك رافعاً مسدّسهُ بحذر....

تقدّم كلاهما من السّاحة الخارجية للمصرف، فرصدا مجموعة من الرّجال المسلّحين وهم يحرسون المنطقة بدهاء لذا أعلنا حرباً مُخيفة عليهم، حرب سرعان ما انتهت بموت خصوم وريثة الجلّاد إذ استخدمتْ قنبلة يدوية وأنهت الأمر قبل بدايته حتّى، ثم دون أن تأبه بشيء تسلّلت إلى الجهة الخلفية للمصرفِ عازمةً على تسلّقِ جدارها بهدفِ اِقتحام الطابق الثالث الذي كان أكثر أماناً عن غيرهِ...

عبرت كارلين الممر الشّرقي بهدوء وحذر ثم بمجرّد ما كادت أن تخرج منه وقعت عيناها الحادّتين على إحدى النّوافذ التابعة للدّور الأرضي فجعلت جسمها منخفضا واِلتصقت بالجدار ثمّ مشت بمُحاذاتهِ  إلى أن بلغت المكان المُراد، حينها فقط استقامت في وقفتها وقذفت خطّاف التّسلق إلى الأعلى، ثم تأكدت من تثبيتها له كما يجب وبدأت في عمليتها السّهلة، تلك العملية التي انتهت بوصولها إلى النّافذة الزّجاجية التي توسّطت الطابق الثالث...

دخلت الأخيرة مُلقيةً جسدها على الأرضية برشاقة فلحقها كلارك إلى هناك بسرعة لكنّهما افترقا عن بعضهما البعض ما إن تصادمت أعينهما في حربِ كلماتٍ صامتة، إذ فهما الرّسالة كما يجب فانفصلا وشرعا في البحثِ عن الأشخاص الذين اقتحموا المصرف بفطنةٍ وحذر، وذلك راجع لكونهما مُدرّبين على القتال في المناطق المبنية...

وقفت كارلين عند نهاية الممر بسكون، ثم دون أن تُظهر جسدها أمام العدو أطلقت النّار على أربعة رجالٍ كانوا يبحثون عنها بمسدّساتهم فلقوا مصرعهم أثناء ذلك لتُتابع هيَ عملية اصطيادِ الأرواح بصمتٍ احتلّه ضجيج داخلي....

انتهت بدورها من تصفية الطّابق الذي خلّفت فيه سبعُ جثث فنزلت عبر الدّرج بحذرٍ ثم تجوّلت في رِواق الطّابق الثاني بحركات مدروسة وبمحاذاة الحائط أيضاً، لتخرج بعدها من الرّواق وصولاً إلى منطقةٍ مكشوفة مليئة بالأعداء، منطقة اقتحمتها تحت سائر من النّيران المساعدة كي تُشتّت العدو، وبطبيعة الحال رصاصاتها لم تخذلها لأنّ كل من كان في الغرفة حضرهُ الموت إثر طلقة...

مُجدّداً انتهت كارلين من تنظيف الطّابق بمساعدةٍ بسيطة من كلارك فوقفت على الدّرج الفاصل بين الطّابق الأوّل والثّاني وقامت بإلقاءِ قنبلة يدوية على مجموعة من الرّجال الذين احتلّوا الجهة الغربية ثم وبرشاقةٍ لم تكن بغريبةٍ عنها قفزت من ارتفاعِ الطّابق الثّاني واستقرّت على كتفي رجلٍ كان قد خرج من قاعةٍ ما بصدمة فطرحتهُ هي أرضاً ونحرت عنقهُ دون رحمة ثم ابتعدت عنهُ وراحت تتجوّل في الرّواق الشّرقي، أين صادفت من بعيد رجلين كان من الواضح أنهما خرجا من أجل الإطاحةِ بها....

اِلتصقت بدورها بالجدار جيّداً ثم أطلقت على الرّجلين بغتةً فوقعا أرضاً وزارتهما المنية فوراً لتُتابع  هي تقدّمها تاركةً كلارك يحمي ظهرها إذ قفزت والتصقت بالجدار الأيسرِ للرّواق ثم دون أن تُظهر جسدها بالكامل نظّفت إحدى الغرف من الكائنات التي احتلّتها واستمرّت في فعلِ ذلك إلى أن بلغت آخر نُقطةٍ من الطابق الأرضي...

هناك فقط، أطلقت رصاصة على المقبض ثم ركلت البوّابة ودخلت إلى القاعة لتلمح رسالة غريبة كانت قد كُتبت على الحائطِ بطريقةٍ غامضة فتقدّمت منها عاقدةً حاجبيها ليلحقها كلارك إلى هناك قارئاً ما كُتب بصوتٍ بارد أجش:

"كارلين، أنا لستُ غبيّا كي أسطو على مصرفِ والدك دون أن يكون لي أيّ هدف يُذكر، تذكّري هذا جيّداً يا وريثة الجلاد.."

بمُجرّد ما انتهى كلارك من قراءةِ ذلك الكلام ولجت رصاصة العدو إلى المكان واحتلّت ظهرهُ عِوضاً عن قلبِ كارلين فذلك الأخير كان أشدّ فطنةً من ابنة زعيمه لذا أنقذها ما إن شعر بخطرٍ جسيم يحوم حولها...

تداركت كارلين الموقف بسرعة إذ انبطحت أرضاً وأخفضت كلارك معها ثم علّقت عينيها عليهِ بقلق تخلّلهُ غضب قاتل:

"الأحمق اخترق نظامنا الأمني في المبنى المجاور، يبدو أنّه تخلّص من رجالنا وقام باستبدالهم دون أن نكتشف ذلك."

أنهت كلامها ذاك لتتفحّص جرح كلارك بقلقٍ خفي، ثم ولأنّ عقلها لم يتوقّف عن التّفكير توصّلت بسرعةٍ إلى خطّةٍ بديلة قد تُتيح لها فرصة الخروج بكلارك من المبنى دون أن تتعرّض لرصاص العدو، فكارلين كانت شبيهة بالجنود الملمّين بالتكنولوجيا الحديثة لذا دون خوف أو تردد سحبت من حقيبة ظهرها جهاز تفجير موقوت ومزود بنظام تحكّم عن بعد، وقامت بضبطهِ بحذر ثم وضعته بعناية في زاوية خارجية من نافذة المصرف دون أن تضطر لإظهار جسدها كاملاً أثناء فعلها لذلك...

تأكّدت الأخيرة من تثبيتها للجهاز بشكلٍ صحيح ثم قعدت من جديد وأدخلت أوامرها عبر نظام التحكم عن بعد فاهتز المبنى المقابل بعد دقيقة واحدة وانفجر بطريقةٍ مأساوية ممّا تسبب في ارتياح كارلين وزوال قلقها على أخيها الرّوحي إذ كشفت على جُرجهِ وقامت بتضميدهِ دون أن تعبث بهِ، فهي حتماً لم تقدم على فعلٍ جنوني كمحاولة إخراج الرّصاصة من ظهره لأنّ ذلك الأمر سيودي بحياتهِ دون شك...

ازدردت كارلين ريقها بقلق حين رأت كلارك وهو يتنفّس بصعوبة ثم ما إن تذكّرت الطّريقة التي عرّض بها حياتهُ للخطر من أجلها كوّبت وجهه بيديها وحدّقت بهِ بصرامة:

"كلارك، أنت ستكون بخير، ستكون بخير لأنّك لن تتمكّن من تركي هكذا أهذا مفهوم."

أومأ لها الأخير بابتسامةٍ باهتة وكاد أن يغلق عينيه لكنّها هزّت رأسهُ بتحذير:

"فلتبقى يقظاً، لا تكن جباناً أيّها الأحمق..إن حدث لك شيء ما سأقتلك."

ضحك من كلامها بوهن فتصرّفت بدورها وقامت برفعهِ قليلاً ثم أسندتهُ على كتفها وخرجت بهِ من المكان لتُدخِلهُ إلى سيّارتها التي باشرت في قيادتها نحو المستوصف الخاص بهم بسرعةٍ رهيبة، وطبعاً هي لم تتوقّف عن التّحدثِ إليهِ حتّى أثناء انشغالها بتلك القيادة الجنونية:

"كلارك، أنت أقوى من أن تغادر العالم بسبب رصاصة، عليك أن تكون قويّا فأنا سأتهوّر كثيراً في المستقبل، أخبرني من هذا الذي سيقف إلى جانبي ويدعمني بعدك أيّها الأحمق!"

ابتسم كلارك بجانبية ثم أجابها بضعفٍ شديد فحتّى  صوته كان منخفضاً للغاية حين تفوّه بتلك العبارة الموجزة:

-"ربّما زوجكِ سيفعل.."

-"لا بأس، تفوّه بالحماقات أمامي، المهم أن تبقى يقظاً"

قالتها كارلين وهي تنعطف بالسّيارة لتقتحم ذلك الحي الغريب ثم ما لبثت أن توقّقت أمام مبنىً متوسّط الحجم وترجّلت من السّيّارة لتنقل كلارك إلى داخلهِ فقابلها الطّبيب ماريوس وأسرع إليها مع مساعديهِ لتتكلّم بدورها ببرود:

"لقد أُصيب قبل دقائق، حاولت أن أوقف النّزيف دون أن أعبث بالرّصاصة ولا أعلم إن نجح الأمر، كل ما أعمله هو أنّ كلارك بات أمانة عندك سيّد ماريوس."

أومأ لها الأخير بخوفٍ من النّتيجة التي قد يصل إليها ثم دون أن يُطيل الوقوف أدخل كلارك إلى الغرفة الخاصّة وترك كارلين وحيدةً في قاعة الانتظار فقعدت بدورها بقلقٍ خفي وراحت تتذكّر كيف أصيب كلارك وكيف ضحّى بنفسهِ ليُحافظ على وفائهِ، وفقط أثناء عودة الجملة التي كُتبت على جدران القاعة إلى رأسها تحدّثت بصوتٍ خافتٍ بدا أنّه فرّ من أعماقها عُنوةً:

"لويس جيوردانو، ستدفع الثّمن غالياً أيّها النّتن، انتظر قليلاً فالأيّام بيننا."

•••••••

بعد ساعتين في قصر المالدونادو:

وقفت لورا أمام المرآة الكبيرة التي احتلّت زاويةً من زوايا غرفة سيلينا ثم راحت تتأمّل شكلها الجميل بغرور كريه إذ سرعان ما أن أرجعت شعرها الأشقر الطّويل إلى الخلف وتساءلت بجدّية:

-"بربّك سيلينا، هل أليرون أعمى؟"

تنهّدت سيلينا بخفّة ثم رمت هاتفها جانباً وخصّت لورا بنظرةٍ ساجية:

-"أجل، أظنّهُ أعمى، فهو وبالرّغم من أنّه رأى من هنّ أجمل منكِ إلّا أنّه اختار تلك المسترجلة."

-"كفاكِ سُخفاً سيلينا، جمالي نادر ولا يوجد مثيلاً لهُ في هذا العالم لذا أرجو أن لا تُقارنيه بجمال الأخريات، فهذه إهانة كبيرة بحق."

-"أيّا يكن، دعينا من هذه النّقاشات السّاذجة الآن ولنخرج للاحتفال، فأنا أشعرُ بالاختناق في هذا القصر."

أومأت لورا بهدوء ثم سحبت فستانها الأبيض إلى الأسفل قليلا وخرجت من الغُرفة برفقة سيلينا ليقابلهما ديفيد الذي كان مارّا بالغرفة، فعقد حاجبيهِ وعلّق عينيهِ الخضراوين على ابنتهِ بهدوء:

"إلى أين سيلينا؟"

الأسئلة كانت ولا تزال شيئاً بديهيّا يصاحب البشر عامّة لذا سيلينا لا تنزعج منها ولو قليلاً لكن تلك الأسئلة التي يطرحها والدها تعتبرها استثناء فجميعها مفخّخة ومليئة بالحيلِ الاستجوابية لذا وجدت نفسها تتهرّب من الرّد:

"أبي أرجوك، تنازل عن أسئلتك ليوم واحد فحسب."

أدخل ديفيد يديهِ في جيبي سترتهِ وتابع تحديقهُ بابنتهِ كما لو أنّه لم يستمع إلى ردّها السابق فاستسلمت بدورها وتحدّثت بضجر:

"سأخرج مع لورا قليلاً فقد مللتُ من القصر."

هزّ رأسهُ دون أن يظهر أيّ تعبير على ملامحهِ:

"حسناً لا ضير من ذلك، لكن الحراس سيرافقونكِ."

كادت سيلينا أن تعترِض على ذلك بحكم أنّها ترى في الحرّاس قيوداً يصعب وصفها لكن لورا تدخّلت في آخر ثانية وأجابتهُ بهدوء:

"طبعا سيّد ديفيد، سيكون من الأفضل أن يُرافقنا الحرّاس."

مرّةً أخرى أومأ ديفيد بهدوء ثم غادر المكان واتّجه إلى مكتبهِ القابع في نهايةِ الرّواق فضربت سيلينا رأس لورا بغيظ:

"بربّك لورا لمَ وافقتِ على الأمر! أنا حتماً لن أذهب مع حرّاس أبي، أولئك الحمقى لا يجيدون سوى قتل المتعة"

مسحت لورا على رأسها بخفّة ثم دفعت كتف سيلينا مُوضّحةً:

"كفّي عن التّذمر يا فتاة، نحن سنذهب برفقة الحُرّاس لكنّنا سنشتّتهم ونذهب في اِتجاه آخر لذا لا تقلقي."

ابتسمت سيلينا بخبث خالطتهُ الحماسة ثم دون أن تفكّر بأيّ شيء سحبت لورا من يدها وخرجت بها من القصرِ لتركض معها في الحديقة كما الأطفال ثم ما هي إلّا ثوانٍ قليلة حتّى انتهى بهما الأمر داخل تلك السّيارة الفاخرة، أين تولّت لورا مهمّة القيادة بحيثُ انطلقت  نحو وجهةٍ معلومة بالنّسبة لها ومجهولة بالنّسبة لسيلينا التي اكتفت بمناظرة مرآة السّيارة كنوعٍ من التّجسس على الحُرّاس الذين استمرّوا في ملاحقتهما...

حاولت لورا أن تشتّت الحرّاس بشتى الطرق وأذكاها لكن تلك المهمة كانت أصعب ممّا توقعت بكثير لذا تساءلت سيلينا بملل:

"أخبريني لورا، إلى أين ستذهب؟"

تنهّدت لورا بخفّة ثم منحتها ردّا سريعاً دون أن تحدّق بها:

-"إلى الملهى عزيزتي، وبطبيعة الحال كي نتخلّص من حرّاسكِ علينا أن نتوقف أمام المتجر الذي اتسوق منهُ عادة، هناك فقط سننجح في الهروب من البوّابة الثانية التي تؤدّي إلى حيّ آخر."

-"لكن ماذا عن الحرّاس الذين قد يرافقونني إلى الداخل؟ ثم ماذا عن السّيارة! هل سنذهبُ إلى الملهى سيراً على الأقدام!"

-"تجاهلي أمر السّيارة الآن لأنّنا سنوقف سيّارة أجرة في الشّارع المجاور، أمّا بالنّسبة للحرّاس فيجدرُ بكِ أنتِ أن تجدي حلّا عزيزتي بالنّهاية أنا لا أمتلك حلول الكون أجمع في جمجمتي!"

تأفّفت سيلينا بانزعاج ثم أسندت رأسها على نافذة السّيارة فتوقّفت لورا فجأةً وابتسمت تُعلّق عينيها على تلك المُدلّلة بشيءٍ من المكر:

"فلتتحركِي عزيزتي، لقد وصلنا."

أومأت الأُخرى بصمت وفتحت باب السّيارة لتترجّل منها بسرعة ففعلت لورا المثل، إذ خرجت ووقفت إلى جانبها ثم راحت تنظر إلى الحارس الذي تقدّم منهما ووقف أمام سيلينا مُخفضاً عينيهِ باحترام شديد:

"أعتذر يا آنسة، لكن سيدخل معكِ حارسين من أجلِ الحماية"

نفت سيلينا رافضةً الأمر بصرامة:

"لا أريد فالمتجر محترم للغاية ولا يوجد به خطر، أظنّني سأبدو غريبة أطوار إن دخلت مع حارسين."

كاد الحارس أن يعترض على ذلك لكن تلك النظرة التي رمقته بها جعلته يهز رأسه بصمت، بل عِلاوة على ذلك انسحب ومنع الحرّاس من مغادرة السّيارات فدخلت سيلينا مع لورا إلى المتجر لتُقدِما على تنفيذِ خطّتهما بنجاح إذ أبدتا أوّلاً اهتماماً زائفاً بالقطع الجديدة التي توزّعت في الأرجاء ثم دون سابق إنذار  غادرتا المكان من البوّابة الخلفية، فوطأت أقدامهما أرض حيٍّ آخر يختلف كل الاختلاف عن الحي الذي توقّفتا فيه قبلاً....

ركضت الفتاتان في الأرجاء كمن لا عقل لهما ثم بعد دقيقة واحدة رفعت لورا يدها تُنبّه سائق سيّارة الأجرة الذي توقّف على حدةٍ فحرّكت سيلينا شفتيها بتذمّر:

"لورا توقّفي، ما رأيكِ أن نسرق سيّارة ما بدلاً من ركوب سيّارة أجرة! أشعر أنّ الوضع فيها سيكون مزرياً"

اتّسعت عينا لورا العسليّتين بصدمة لم تتمكّن من إخفائها ثم ما عتّمت أن أمسكت بيدِ سيلينا ناهرةً:

"سيلينا أرجوكِ! دعي أفكارك الإجرامية جانباً ولا تكوني مدلّلة بهذا الشّكل المقرف! إنّها سيّارة أجرة فقط بمعنى أنّكِ لن تخسري حياتكِ إن صعدتِ على متنها!"

أنهت كلامها ذاك لتتقدّم من السّيارة بهدوء  شديد، إذ سرعان ما فتحت بابها وركبتها بابتسامةٍ صغيرة خصّت بها ذلك السّائق الذي ظهر الهرم على تقاسيمهِ فلحقتها سيلينا إلى هناك وجلست بدلعٍ لطيف لتتكلّم لورا بهدوء:

"خُذنا إلى حي نافيجلي من فضلك"

حرّك السّائق رأسهُ وهو يبتسم بلُطف ثم انطلقَ إلى الوجهة المطلوبة بسرعةٍ عاديّة فتأففت سيلينا بانزعاج وحدّقت بلورا هامسةً لها بحذر:

"لمَ يقود هكذا! ثم لمَ قد يرهقُ نفسهُ بالعمل! انظري إلى شكلهِ، من الواضح أنّ المسكين مرهق من القيادة المستمرّة."

ابتسمت لورا بسُخرية ثم أجابتها بهمسٍ مماثل:

"من الطّبيعي أن يعمل فإن لم يفعل لن يجد قوت يومه، المهم دعينا منهُ الآن، ما يهمّنا حقّا هو بلوغ الحي وبدْء الاحتفال."

هزّت سيلينا رأسها بحزن واكتفت بتبنّي الصمت كحليفٍ لها لكن بمجرّد ما لاحظت أنّ لورا أشاحت بعينيها عنها وتفرّغت للتّعمق في خفايا هاتفها فتحت حقيبتها بسرعة وسحبت منها مبلغاً ماليّا كبيراً ثم رمتهُ في السّيارة ظنّاً منها بأنّ السّائق سيجده ويريح نفسهُ قليلاً من العمل المُتعب!

لاحظت لورا ذلك لكنّها ادّعت عدم الانتباه فتأفّفت سيلينا وسحبت هاتفها لتقوم بإطفائه وتزامناً مع ذلك توقّف السّائق عن القيادة ورفع عينيه يعلّقهما على المرآة:

"هل يُساعدكما توقّفي هنا؟"

أومأت لورا بهدوء:

"شكراً لك، الموقع مناسب جدا."

أنهت كلامها لتدفع لهُ ثمن التّوصيلة وتخرج السّيارة بسرعة غريبة فسحبت سيلينا المال من حقيبتها ودفعت له أيضاً ليناظرها باستغراب:

"مهلاً يا آنسة، صديقتك قد دفعت بالفعل!"

هي ولأنّها لم تعلم بما قد تجيبه ادّعت أنّها لم تستمع إلى كلامه بحيث ودّعتهُ بابتسامةٍ لطيفة وخرجت من السّيارة دون أن تأبه بندائه المستمر لها إذ سارت مع لورا في عُجالة حتّى بلغتا الملهى الذي ستُمضيان وقتهما فيهِ....

بمجرد ما عبرتا البوّابة الأولى للملهى اتّسعت عينا سيلينا بصدمة من كمّ الأشخاص الذين صادفونها وصدمتها باتت مضاعفة بعدما ابتعدت عنها لورا وركضت إلى رفاقها لتتركها واقفة لوحدها في أمام المدخل!

شتمت الأخيرة تلك السّمراء الخائنة بغيظٍ ظهر جليّا على ملامحها ثم تقدّمت من البار وجلست على أحدِ الكراسي لتطلب كأس نبيذٍ لنفسها فسلّمها النادل طلبها لترتشف منهُ بملل إلى أن شعرت بجلوس أحدهم إلى جانبها....

وضعت سيلينا الكأس على رخام البار ثم دحرجت مقلتيها نحو الرّجل الذي جلس إلى جانبها فوجدتهُ يناظرها بطريقةٍ مقرفة، يناظرها كما لو أنّه ينوي افتعال جريمة شنعاء في حقّ جسدها لذا حرّكت رأسها سائلةً إيّاه عن سبب تحديقهِ بها ليهزّ كتفيهِ بوقاحة:

"لا تسأليني عن السّبب فهناك عدّة أسباب ولعل أهمها هو جسدكِ...لقد نلت إعجاب أرماندو بالفعل يا فتاة!"

احتدّت ملامحها بمجرد ما اسقبلت مسامعها كلماته السّامة تلك إذ راحت تناظره بشيء من الحقد قبل أن تعلّق بجدّية:

-"اغرب عن وجهي ولا تعبث معي لأنّك لا تعلم بعد من أكون، أنت حتماً ستموت إن تجاوزت حدودك أيّها الأحمق!"

-ن كنت سأموت على يديك الجميلتين فأنا حتما لن أمانع"

ضغطت سيلينا على يديها بغضب ثم نهضت عن الكرسي ونوت مغادرة المكان لكن أرماندو أمسكها من معصمها بقوّة وسحبها إليه ناوياً الاقتراب منها لكن قبل أن يتجاوز حدودهُ معها ظهر ذلك الشّاب الوسيم من العدم وعلّق زرقاويه القاتلتين صوب ذلك الأحمق ثم حال بينهُ وبين سيلينا ليتكلّم بنبرةٍ جادة:

"اخرج من هنا حالاً أيّها الأحمق."

ابتسم أرماندو بتحدٍّ:

-"وماذا ستفعل بي إن لم أخرج"

-"سأخرجك بطريقتي"

رفع أرماندو سلاحه في وجه الشّاب بغضب لكن ذلك الشّاب لم يتحرّك قِيد أنملة إذ ظلّ ساكناً لعدّة ثوانٍ بطريقة خادعة ففجأة وبحركةٍ سريعة اختطف المسدس من الآخر ثم لكمهُ بقوّة وابتسم لهُ باستفزاز:

"هيا الآن، غادر أو اقترب... أنت حر."

مسح أرماندو دماء وجههِ بحنق ثم غادر الملهى وهو يتوعّد للسيلينا في سرّه، سيلينا عينها التي ابتسمت للشّاب الذي أنقذها بامتنان:

"شكراً لك، أنا حقّا ممتنّمة!"

اتّسعت ابتسامة الأخير بسعادة وكاد أن يجيب ساحرة العينينِ على كلامها الرّزين لكن صديقه تدخّل في آخر ثانية إذ سحبهُ مُوبّخاً:

"بيتر، أيّها الأحمق، اليوم ليليتك لا محالة، عمّي ينتظرك منذ ساعات وأنت هنا تحتفل."

ضحكت سيلينا من ذلك الكلام بخفّة وظلّت تتأمّل ظهر بيتر الذي ابتعد عنها مرغماً ثم بمجرّد ما اختفى عن ناظريها رفعت يدها ومسحت على حاجبها بوهن:

"بيتر إذاً.. اسم مضحك لشخصٍ قوي وسيم أيضاً."

هزت رأسها بإحراج ثم تحرّكت من مكانها وتقدّمت من لورا التي كانت ترقص مع أحدهم بطريقةٍ مقرفة فسحبها إليها بشيء من الغضب ثم تحدّثت بلوم:

"لا أصدّق لورا! أنتِ تعلمين أنني غير معتادة على هذا المكان مع ذلك تركتني خلفكِ كالحمقاء! دعينا نعود إلى القصر أرجوكِ!"

تأففت لورا بانزعاج ودفعت سيلينا مُبعدةً إيّاها عنها:

-"لن اذهب سيلينا، يمكنك الذهاب لوحدكِ."

-"هاه! قولي أنك تمزحين من فضلك! أعني كيف سأذهب لوحدي أيّتها الذكّية! لقد تأخر الوقت والسّيارة ليست معنا بينما أنا لم أعتقد الخروج دون سيارتي.."

-"لا تبالغي أرجوكِ، ثم مهلاً! لمَ تُحمّلينني مسؤوليتكِ؟ أتظنينني والدتكِ أم ماذا! عزيزتي سيلينا أنا صديقتكِ ولستُ والدتكِ، والدتكِ في المقبرة الآن أرجو أن تحتفظي بهذه المعلومة في رأسكِ."

احتدّت عينا سيلينا دلالةً على انزعاجها من كلامِ لورا فابتسمت الأخرى بتدارك:

"حسناً لا تغضبي ولا تحاولي إفساد مزاجي، غادري الملهى وأوقفي سيّارة أجرة، هيا سيلينا غادري ولا تهدري وقتي، هناك شاب ينتظرني."

فتحت سيلينا فاها بدهشة نتجت عن كلام الأخرى إذ لم تستوعب بعد حقيقة ما قالتهُ لها لذا دون تردد سألتها بتأنيب:

-"عن أيّ شابٍّ تتحدّثين لورا! أولستِ واقعة لأليرون"

-"لا شأن لكِ سيلي، هيّا غادري عزيزتي، فأنا لا أريد للشّاب أن يراكِ معي فكما تعلمين وجب ابقاء صديقتكِ بعيدة عن عِلاقاتك"

ظلّت سيلينا تناظرها بعدم تصديق في بادئ الأمر لكن حين شعرت بالاختناق غادرت الملهى ووقفت في منتصف الطّريق بانزعاج، ثم ضمّت يديها إلى صدرها بتوتّر لم يغادر محطّتها حتّى لمحت سيّارة أجرةٍ بسيطة وهي تتقدّم منها...

رفعت الأخيرة يدها مُلوّحةً لسائق السّيارة من بعيد، وذلك دون أن تلمح كارلين التي كانت جالسة داخل سيّارتها السّوداء، تعلّق عينيها البنّيّين عليها بينما تفكّر في إيصالها إلى القصر إذ لمحتها صدفةً قبل دقيقة واحدة لذا توقّفت ناويةً مساعدتها فهي حتماً لن تترك فتاة تعرفها وحيدةً في شارعٍ شبه خالٍ....

أوشكت كارلين على مناداة سيلينا كنوعٍ من التّنبيه لكن ما منعها آنذاك هو توقّف تلك السيّارة البيضاء الكبيرة أمامها بسرعة البرق ثم عاودت الإقلاع بمجرد ما اختطف إحدى ركّابها تلك الحمقاء المدلّلة فخرج ذلك العجوز من سيّارة الأجرة وشرع في الصّراخ طالباً النّجدة!

تابعت كارلين ذلك المشهد ببرودٍ شديد ثم دون أن تتوتّر أو تُبدي قلقها ممّا حدث انطلقت بسيٌارتها وراحت تلاحقُ أولئك الحمقى بحيطةٍ وحذر فقد تركت مسافة مُناسبة بينها وبينهم كي لا يشعروا بتواجدها خلفهم....

اختفت تلك السّيارة البيضاء في عُمق إحدى الأزقّة المُدلهمّة فتوقّفت كارلين عن القيادة وترجّلت من سيّارتها ثم سحبت مسدّسها وراحت تمشي في الأرجاءِ وهي تلتصقُ بالحائطِ كي لا تثير انتباهم، ولم تبتعد من هناك حتّى لمحت رجلاً غريباً وهو واقف على يمين بوّابة بناءٍ قديم وأمامهُ مباشرةً رُكِنت سيّارة الخاطفين...

••••••

توقّف سرب هائل من السّيارات الضخمة أمام ذلك الملهى الكبير فترجّل من السّيارة الأولى ديفيد مالدونادو الذي سيطر البرود على هالتهِ ككل مرّة إذ تشبّع بالسّواد وجرّد وجهه من التّعابير....

أدخل الأخير يديهِ في جيبَيْ معطفهِ الأسود الطّويل ثم تقدّم بهدوءٍ مخيف من بوّابةِ الملهى ناوياً إعادة ابنتهِ إلى القصر فهو لم يأتِ إلى ذلك المكان من عدم بل أتى نتيحةً لما أشار إليهِ نظام التّعقب الذي وضعهُ في سوار سيلينا والذي كشف له عن موقعها ما إن وصلهُ خبر هروبها من الحرّاس.

زفر ديفيد بهدوء ثم نوى الولوج إلى الدّاخل لكنّه توقّف نتيجةً لصوتِ ذلك العجوز الذي خرج منهُ متهدّجاً:

"سيّدي توقّف أرجوك!"

اِلتفت ديفيد إلى العجوز بهدوء شديد فانتبه للصّورة التي تعمّد الأخير أن يجعلها مُقابلة لخضراويه، صورة كانت له هو وسيلينا لذا عقد حاجبيهِ باستغراب:

-"من أين لك هذا؟ وأين هي الفتاة!"

-"سيّدي، الفتاة نست مبلغاً ماليّا كبير في سيّارتي لذا عدت إلى هنا على أملِ إيجادها وإعادة المال لها لكن قبل أن أصل إليها توقّفت سيّارة بيضاء أمامها وأقدم مجموعة من الأشخاص الملثّمين على اختطافها."

ضغط ديفيد على راحةِ يديهِ بغضب خفي ثم ما هي إلّا ثوانٍ قليلة حتّى احمرّت عيناهُ بطريقة مخيفة فابتلع العجوز ريقهُ بخوفٍ وتابع:

"حاولت الاتّصال بالشّرطة لكن ما من مُجيب مع ذلك استطعت تصوير تلك السّيارة التي اختطفت الآنسة، كما أنّني عبثتُ بحقيبتها نظراً لرغبتي في التواصل مع أقربائها لكنّني لم أتمكّن من فتح هاتفها."

أنهى كلامهُ ذاك ليسحب هاتفهُ مانحاً إيّاهُ لديفيد فتفحّص ذلك الأخير مقطع الفيديو الذي صوّرهُ العجوز بسرعة ثم صاحَ برجلٍ من رجالهِ:

"انقل الفيديو إلى هاتفك، لديك دقيقة واحدة لتحديد موقعها."

أومأ الحارس بسرعة واستلم الهاتف شارعاً في عملهِ دون توتّر أو خوف فسحب العجوز مبلغاً مالياً من جيبِ سترتهِ وقدّمهُ لديفيد بيدين مرتجفتين لكن ديفيد حرّك رأسهُ رافضاً استلامه:

"احتفظ بهِ لنفسك، ولتبقى مع الحارس هارلوك، هو سيهتم بك وسيردّ لك الدّين، وأرجو أن لا ترفض الأمر."

فتح العجوز فمه بنيّة الاعتراض لكن ديفيد تخطّاه بسرعة ووقف أمام الرّجل المكلّف بمهمة إيجاد  سيلينا ليُناظره ببرود:

"لقد انتهى وقتك بالفعل.."

شابك الحارس أصابع يديهِ ببعض وأجاب باحترام:

"لقد حدّدت الموقع زعيم."

حرّك ديفيد رأسه بهدوء ثم ركب سيّارته بسرعة فلحقه ذلك الأخير واستقرّ على مقعدِ السّائق ليقود بهِ نحو الموقع بسرعةٍ رهيبة....

•••••••

تقدّمت كارلين من ذلك الرّجل ببطءٍ وحذر ثم دون سابق إنذار قفزت عليهِ وتسبّبت في إسقاطه أرضاً إذ استعملت إحدى حركاتها السّريعة في تلاعب بقدميهِ  ثم قبل أن يتمكّن من النّهوض حاصرت فمهُ وجرّدتهُ من أسلحتهِ لتختم الأمر بركلها لوجهه بقوّة كبيرة....

ابتعدت بدورها عنهُ ودخلت إلى ذلك المبنى المهجور فقابلها رجل آخر لم تفكّر مرّتين قبل أن ترفع مسدّسها صوبه لذا رفع يديهِ باستسلام وحدّق بها بجمود:

"من أنتِ! انزلي سلاحك لأنّك ستندمين"

أومأت له بهدوء وأخفضت سلاحها لتُخفيهِ في جيبِ سُترتها فركض الأخير إليها ناوياً ضربها لكنّها قابلتهُ بركلةٍ مميتة لم تكن في الحسبان...

استرجع الرّجل طاقته وتقدّم منها عازماً على مقاتلتها من جديد فهزّت بدورها راحتها اليسرى إلى الأمام ووجّهتها إلى جانب عنقهِ ثم ركلته بقدمها اليسرى إلى الأمام ليقع أرضاً تزامناً مع ملامسةِ قدمها لطرف وجهه....

نهض بدورهُ عن الأرض بغضب ثم عدّل من وضعية وقوفه وحاول مهاجمة كارلين بقبضته اليمنى لكنّها صدّتها براحتها  اليسرى ثم أمسكت معصمهُ وأدارته إلى الأسفل لتُعاود ركلهُ ضاربة منتصف جسمه بقوة كبيرة...

تآوه الأخير بألم وحاول بحزمٍ أن يتقدم من كارلين التي رفعت قدمها اليمنى إلى الأعلى بحركة سريعة وضربه على رأسه ثم أنزلت قدمها إلى الأرض  وأدارت جذعها إلى اليمين لتدفع قبضتها اليسرى إلى الأمام ضاربةً صدر الحارس الأحمق بقوّة قرّبت أجله وجعلتهُ طريحاً للأرضِ الباردة.

سحبت كارلين مُسدّسها من جديد وتوغّلت في ذلك المبنى الكبير فلمحت في الأخير سيلينا وهي مُقيّدة على الكرسي الحديدي الذي تمركزَ في آخر زاويةٍ من القاعة وقد كان رجالُ العصابة يحاصرونها من كلّ النّواحي....

احتدّت عينا كارلين قليلاً ثم دون سابق إنذار هجمت على المكانِ مُطلقةً النّار على الأوغاد وأثناء فعلها لذلك استقرّت رصاصة العدو على كتفها مع ذلك هي  لم تأبه بشيء بل فقط تخلّصت من الجميع باستثناءِ زعيمهم أرماندو الذي كان جالساً على الأريكة بصدمة....

ركض ذلك الأخير نحو سيلينا التي احتلّتها الصدمة ثم ثبّت خنجرهُ على عُنقها وتحدّث بخوف:

-"توقفي...لا تقتربي مني كي لا أقتلها"

ابتسمت كارلين ببرود ثم علّقت مسدّسها صوبهُ وأطلقت رصاصتها جاعلةً إيّاها تمرّ بالقربِ من رأسهِ فصرخَ بفزعٍ وعاد إلى الخلفِ رامياً خنجرهُ على الأرض لتتقدّم الأخيرة منه بسرعةٍ رهيبة، إذ أمسكتهُ من مؤخّرة رأسهِ ثم نطحتهُ وركلت قدمهُ بقوّة فوقع أرضاً لتستغلّ الوضع لصالحها إذ ركلتهُ على فمه بأشد قوتها ثم انحنت إلى مستواه وعبثت برقبتهِ ضاغطةً بإبهامها على المريء الموجود أسفل تفاحة آدم....

"اخبرني، لمَ اختطفت الفتاة."

سألتهُ ببرودٍ مخيف فأغمض عينيهِ مُظهراً ذعرهُ أمامها:

"أردتُ الحصول عليها لكنّها لم تعرني أي اهتمام بل فقط تسبّبت في إهانتي أمام الجميع لذا اختطفتها انتقاماً لذاتي."

همهمت كارلين بتفهم ثم سحبت خنجرها من جيبِ سترتها وغرزتهُ في عين أرماندو الذي صرخ بألم:

-"توقّفي...توقّفي أرجوكِ."

-"لا تخف أيّها الشّاب، عيناك الخائنتين سبّبتا لك المشاكل وأنا الآن أعاقبهما انتقاماً لكَ فحسب."

أنهت كلامها لتفقعَ عينهُ الأخرى بنفسِ الخنجر وذلك حدثَ وسط صراخهِ المتألّم... صراخه الذي طغى على المكانِ بشكلٍ مخيف...

ابتعدت كارلين عنهُ بهدوء ثم حملت مسدّسها وأفرغت رصاصاته الثّقيلة على جسدهِ المُلقى أرضاً لتتقدّم بعد ذلك من سيلينا بقلق عملت على إخفائهِ إذ فكت قديها كما لو أنّها لا تُبالي بما حدثَ معها ثم ناظرتها ببرود:

"هل أنتِ بخير؟"

أومأت سيلينا بهدوء في بادئ الأمر لكن بعد دقيقة واحدةٍ فقط انخرطت في البكاء وارتمت في حضنِ كارلين بخوفٍ وامتنان...

خوفها آنذاك نتج عن تلك التّجربة السّيئة التي خاضتها في حين أنّ الامتنان تولّد في نفسها نتيجةً للخلاصة التي حصّلتها، خلاصة تمثّلت في أنّ كارلين التي كانت تراها كعدوّة قبل يومٍ واحد فقط لم تبالِ بحياتها وأنقذتها من الموت بينما لورا صديقتها المصون التي رفعت من أجلها سلاح العداوة على فتاة لم تُذنب في حقّها من قبل تركتها خلفها واختارت الاحتفال مع شاب غريب بدلاً من العودة  إلى القصر معها.....

ابتعدت كارلين عن سيلينا وأمسكتها من ذراعها بخفّة ثم تكلّمت بنبرةٍ هادئة:

"لم يعد هناك داعٍ للخوف، هيّا دعينا نذهب إلى القصر."

نفت سيلينا بخوفٍ كان قد فرضَ وجودهُ على ملامحها الجميلة:

"أبي.. أبي سيقتلني لا مُحالة، أنا...أنا هربت من الحرّاس وتجاهلتُ أوامره... هو يكره من يخترق قوانينه وأنا فعلت.. لقد عصيته... من المؤكّد أنّه يبحث عني الآن وممّا لا شكّ فيهِ أنّه سيقتلني كما.."

شهقت باترةً جملتها لاعتقادها أنّ تلك الحقيقة التي كانت ستتفوّه بها هي أمر آثم وجب الابتعاد عنه وقد لاحظت كارلين ذلك لذا ربتت على كتفها مُهدّئةً:

-"هو لن يفعل شيئاً سيلينا، أنا معكِ وسأدافعُ عنكِ وإن كانت النتائج ضدّي..."

تزيّنت عينا سيلينا الخضراوين ببريقِ الأمل وراحت تناظر كارلين في صمت ثم أومأت لها واِلتفتت بنيّةِ الخروج من المكان لكن تلك السّيارة الضخمة قاطعت طريقهما بغتةً فأقدمت كارلين على إخفاءِ سيلينا خلف ظهرها وسحبت سلاحها مُعاودةً تعبئتهُ تحسّباً لأي شيء لكنّها توقّفت عن ذلك ما إن لمحت ديفيد وهو يترجّل من السّيارة ببرودٍ مخيف...

تقدّم ذلك الأخير منها وهو يعقد حاجبيهِ باستغراب فتشبّثت سيلينا بظهرِ كارلين من شدّة الخوف إذ شعرت أنّها ستفقد الوعي جرّاء نبضات قلبها المتسارعة....

"من الجيّد أنّكِ وصلتِ في الوقتِ المناسب كارلين! جدّياً أنا لم أتوقّع رؤيتكِ هنا."

قالها ديفيد وهو يحدّق بالجثث المرمية في الأرجاء بهدوء ثم ما عتّم أن ثبّت عينيهِ القاتلتين على كارلين وتابع:

"كُفّي عن الاختباء، أنتِ لم تعودِي طفلة."

لقد كان من الواضح أنّه قصد سيلينا بكلامهِ لكن تلك الأخيرة لم تظهر أمامه بل ضاعفت من قوّة ضغطها على ظهر كارلين فابتسم ديفيد ساخراً:

"لمَ هربتِ وتصرّفتِ بذكاء رغم علمك بأن الغباء سيبقى دائم الاستقرار في رأسكِ؟ ثم لمَ تهوّرتِ إن كنتِ غير قادرة على تحمّل مسؤوليّة أفعالكِ.."

مرّة أخرى سيلينا لم تَظهر ولم تنجح في الرّد حتّى لكن كارلين وفت بوعدها الذي قطعته عليها وتحدّثت بجدّية:

"لقد تحدّثتُ معها بالفعل سيّد ديفيد، هي لن تكرّر نفس الخطأ مرّتين، هذا وعد منّي ومنها."

هزّ الأخير رأسهُ ببرود:

"أجل أعلم، هي لن تكرر نفس الخطأ مرّتين، بل ستكرّره ألف مرّة ومرّة، لطالما حفظتُ تصرّفاتها الساذجة."

خرجت سيلينا من مخبئها ووقفت أمام والدها بينما تُخفضُ رأسها:

"أنا آسفة أبي، أعدك أنّني لن أتصرّف بغباء من جديد."

أومأ لها على مضضٍ ثم تقدّم من كارلين واضعاً يدهُ على كتفها:

"أنتِ لم تتأذي صحيح؟"

نفت برأسها خافيةً عن ديفيد حقيقة الرّصاصة التي اتّخذت من كتفها مأوىً جديداً لها فتنهّد الأخير بالارتياح ثم تحدّث مرّة أخرى بتلك النّبرة الهادئة:

"حسناً إذن، بما أنّ الأمور تحت السّيطرة اصعدا إلى السّيارة كي نُغادر."

حرّكت كارلين رأسها مُظهرةً اعتراضها الصّريح:

-"لقد أخفيتُ سيّارتي خارج الزّقاق، يُستحسن أن أعود إلى القصر بها، وسيكون من الأفضل أن ترافقني سيلينا، هذا إن وافقتَ على الأمر طبعاً."

-"لا ضير من ذلك، اذهبا وسنلحق بكما"

أومأت كارلين بهدوء ثم أمسكت بسيلينا واتّجهت بها إلى الخارج فعبرتا الزّقاق معاً وتوغّلتا في الظلام قليلاً لينتهِ بهما الأمر داخل تلك السّيارة  السوداء الكبيرة، أين تولّت كارلين مهمّة القيادة في حين اكتفت الأخرى بتأمّلها في هدوء:

"كارلين أنا آسفة على كلّ كلمة سيّئة بدرت مني، فقد كنت أحقد عليك بسبب لورا التي لا تهتم لأمري، لقد ظننها تحبّ أخي وظننت أن واجبي كصديقة سيُلزمني على مساعدها، لكنّني اليوم فقط أدركت أنّه باستثنائكِ أنتِ لا توجد من هي لائقة بأخي."

توقّفت كارلين عن القيادة واستدارت قليلاً لتُعلّق بُنّييها على سيلينا دون أن ترسم أيّ تعبير على ملامحها:

"لا مشكلة سيلينا، لا تعتذري فلا شيء يستحق، وبخصوص إليون فصدّقيني هو لن يجد مكاناً لنفسهِ في قائمة اهتماماتي وإن مضت السنون على زواجنا."

ضحكت سيلينا مُنبّهةً:

-"بالمناسبة كارلين، هو ينزعج من تشويهِ الغير لاسمه، ويؤسفي القول أنّ اسمهُ أليرون وليس إليون."

-"مثير للاهتمام، من الجيّد أنّكِ أخبرتني بذلك."

- "كارلين"

همهمت صاحبة الاسم بهدوء فازدردت سيلينا ريقها وتابعت بجدّية:

"إن حدثت معجزة ما وأصبح أليرون هو أوّل وكلّ ما قد يُكتب على قائمة اِهتماماتك تذكري أنّني معكِ وجاهزة لتقديم المساعدة في أيّ وقت."

ارتسمت شبح ابتسامة على محيا كارلين، ابتسامة لم تطردها عنها حتّى أثناء تحريرها للكلمات وجعلها تنسابُ من شفتيها:

"لا أظنّ أنّ ذلك اليوم سيأتِي، لكن ما أضمن لكِ قدومه هو اليوم الذي سألجأ فيهِ إليكِ طالبةً مساعدكِ في التّخلص منه."

ضحكت سيلينا بخفّة فهزّت كارلين رأسها بهدوء ثم انطلقت بالسّيّارة من جديد ليبلغا قصر المالدونادو بعد دقائق قليلة...

ترجلت كلتاهما من السّيارة تزامنا مع عبور وابل السّيارات السّوداء للبوّابة إذ سرعان ما وقف ديفيد أمامهما ورافقهما إلى الدّاخل فاستّقروا بعد دقائق معدودة في الصّالون الذي احتضن كلّ من كيفن وأليرون إضافة إلى فيتوريو وزوجتهِ إيمالينا...

لانت ملامح كيفن ما إن لمح سيلينا لكن قبل أن يلاحظ أحد ذلك أرجع الجمود إلى وجهه ونهض عن الأريكة ليقترب من أختهِ صارخاً:

"لمَ هذا التّهوّر! اخبريني فقط أتظنّين نفسكِ طفلة صغيرة كي تتصرّفي بهذا الغباء! ماذا لو حدث لكِ شيئاً ما أيّتها الحمقاء!"

أخفضت سيلينا رأسها بشيء من الخوف فتلك كانت المرّة الأولى التي يغضب فيها كيفن بتلك الطّريقة لذا تدخّل أليرون ووقف في وجههِ همساً:

"أعلم أنّك خائف عليها لكن لا يجب أن نضغط عليها بهذا الشّكل."

أغمض كيفن عينيهِ بسخط فعلّق أليرون خضروايهِ على أختهِ وأدخل يديهِ في جيبيْ سترتهِ ببرود:

"اصعدي إلى غُرفتكِ سيلينا، سنتحدّث لاحقاً."

ابتلعت سيلينا ريقها بصعوبة ثم هزّت رأسها وصعدت إلى غُرفتها في صمت فغادرت كارلين بعدها وصعدت إلى الجناح ناويةً تخليص كتفها من تلك الرّصاصة التي حصلت عليها قبل مدّة....

"أين هم الحُرّاس الذين رافقوها أثناء خروجها؟"

كسر ديفيد الصّمت بسؤالهِ ذاك فتولّى أليرون مهمّة الرّد بكلّ جدّية:

"الخطأ لا يكمن في إضاعتهم لسيلينا بل يكمن في كسرهم لقواعدِ الزّعيم واتّباع أوامرٍ ليست بأوامره، وهذا ما يعاقبهم يورغن عليهِ في الرّقعة السّوداء."

هزّ الأخير رأسهُ بتفهّم فرفع أليرون من أكمام قميصهِ الأسود وصعد إلى الجناح بخطواتٍ هادئة رزينة إذ ما لبث أن ولج إلى داخلهِ باحثاً بعينيهِ عن كارلين لكنّه لم يجد أحداً..

انتبه بدورهِ إلى بوّابة الحمّام التي كانت مفتوحة نسبيّا فاسترق النّظر من خلالها ليجد كارلين جالسة على أرضية الحّمام بهدوء، ترتدي بنطالها الأسود من الأسفل وحمّالة صدرها من الأعلى!

كتفها العاري كان مليئاً بالدّماء،  فقد كانت تعبث بموضعِ الرصاصة مُحاوِلةً إخراجها والتّخلص منها لكنّها لم تنجح في ذلك لأنّ كلّ رصاصةٍ حصلت عليها في السّابق كان كلارك هو من يتولّى مهمة إزالتها من جسدها فهي من النّوع الذي يُجيد نزع الرصاص من أجساد الغير فقط...

"ضعي السّكين جانبا، سأستدعي الطبيبة حالاً."

اِلتفتت كارلين على إثرِ ذلك الصّوت لتجد أليرون واقفاً خلفها بهدوء شديد فازدردت ريقها بصعوبة وتحدّث بنبرةٍ هازئة:

-"أخرج هذه الرصاصة من كتفي فحسب، أنا لا أرغب في رؤية أيّ كائن جديد.."

-"ستتألّمين."

نطق بهدوئهِ المعتاد فوصله ردّها الهازئ من جديد:

-" بربّك يا رجل، لا تُعاملني كما لو أنّني فتاة رقيقة!"

ابتسم أليرون بجانبية ثم هزّ رأسهُ بهدوء:

-"حسنا إذن أيّتها الخارقة التي لا تشعر بالألم، سأخرج الرّصاصة من كتفك لكن في المقابل لا أريدكِ أن تُصدري صوتاً، فإن فعلتِ سأغرز هذا السكين في عنقك. هل أنتِ موافقة أم تريدينني أن أستدعي الطبيبة؟"

قلبت كارلين عينيها بملل ثم اِلتفتت دلالة على ميلها إلى الخيار الأول فتقدّم أليرون منها وباشر في عمله بكل هدوء وتركيز لكنّه لا ينكر حقيقة تشوّشه قليلاً بسبب  الكدمات القديمة التي ملأت ظهر كارلين، كدمات نتجت عن الضّرب المبرح والحرق دون أدنى شك!

استرجع أليرون تركيزهُ وأخرج الرّصاصة من كتفها ثم عقم الجرح وتحدّث بنبرةٍ هادئة:

"انتهى العمل، يمكنك المغادرة فأنا أرغبُ في الاستحمام."

أومأت كارلين بتفهّم ثم استدارت وخرجت من الحمّام دون أن تُنبس بحرفٍ واحد فلحقها هو وسحب ثيابهُ من الخزانة ثم عاد إلى الحمّام واغتسل  ليخرج بعد دقائق وهو يرتدي قميصاً أسوداً وبنطال من النّفس اللّون...

تقدّم بدورهِ من الأريكة وجلس عليها بهدوء فوضعت كارلين هاتفها جانباً ثم طرحت سؤالها البارد عليه:

-"اخبرني كيف كانت المهمة؟"

-"مهمة عادية، لقد تخلّصنا من مئات الرّجال لكنّنا لم نتوصّل بعد إلى مبتغى وريث آل ريتشي."

هزّت رأسها بهدوء ثم وضعت يدها على جبينها بتعب ملحوظ فتقدّم أليرون منها ورفع يدهُ متفحّصاً حرارتها ليتكلّم بعد ذلك بنبرةٍ هادئة:

"حرارتكِ ترتفع كارلين!"

هزّت كتفيها بلامبالاة فابتعد عنها بسرعة واِلتفت عابثاً بالأغراض الموضوعة على المنضدة ليعود إليها بعد ثوانٍ وهو يحمل الماء بيد والدّواء باليد الأخرى:

"اشربي هذا المسكّن، سيُساعدكِ كثيراً."

أومأت له بهدوء واستلمت المُسكّن مع الماء، ثم ابتلعتهُ بسرعة واستلقت على السّرير مُغمضةً عينيها الحادّتين إذ حاولت تجاهل الألم الذي بدأ يسيطرُ على جسدها فقد أرادت الهروب من تعبها والانتقال إلى عالمِ كوابيها....

••••••••

في صباح اليوم التّالي:

فتحت كارلين عينيها ببطءٍ شديد ثم حاصرت رأسها بيديها مُظهرةً شيئاً من الانزعاجِ على ملامحها، وذلك حدث قبل أن تنهض عن السّىرير وتقفُ رغماً عن تعبها...

دحرجت بدورها مقلتيها نحو أليرون فوجدتهُ نائماً بعمق وقد وضع إلى جانبهِ إيناءً مملوءاً بالمياه، ومُحاصر بضمّادات بيضاءٍ نظيفة!

حسناً، هي تذكُر أنّها نامت البارحة بجسدٍ ملتهب نتيجةً لارتفاع حرارتها أيعقل إذن أنّهُ أحضر تلك الأشياء من أجلها!

انتفضت الأخيرة أفكارها وكذا تلك الابتسامة الصّغيرة التي ارتسمت على شفتيها ثم تقدّمت من الخزانة وسحبت لنفسها ثياباً سوداءً واسعة تمثّلت في بنطال واسع وقميص صوفي إضافةً إلى معطف طويل وحذاء رفيع، فهي تخطط للخروج بعد قليل لذا اختارت ثيابها وفقاً لذلك...

ابتعدت كارلين عن الخزانة بهدوء ثم ولجت إلى الحمام ووقفت أسفل مرشّهِ سامحةً للمياهِ السّاخنة أن تتدفّق على جسدها....

لقد سمحت لها بذلك دون أن تأبهَ بجرحها الذي عقّمهُ أليرون البارحة، ودون أن تأبه بالدّوار الذي انتابها فغتةً بل فقط أراحت نفسها تحت المياه إلى أن انتهت من الاغتسال..

ابتعدت بدورها عن المرش وجفّفت جسدها جيّداـ ثم ارتدت ثيابها وعاودت الخروج من الحمّام فوجدت أنّ أليرون قد استيقظ بالفعل!

ككلّ مرّة لم يتحدّث الأخير ولم ينظر إلى وجهها حتّى بل مباشرةً دخل إلى الحمّام مغلقاً الباب خلفهُ، فجلست هي على الأريكة وابتسمت لنفسها ساخرةً:

"لقد دخل إلى الحمام وهو خالي اليدين، جهّزي نفسكِ إذن عزيزتي كارلين، فهو على وشكِ إمتاعكِ بعرضٍ يفوح بالنّرجسية."

هزّت رأسها بسخرية في نهايةِ كلامها ثم رفعت قدمها اليُسرى على حِساب الطّاولة وسحبت سيجارةً لنفسها لتشرع في التّدخين بينما تتفحّص هاتفها ولم تتوقّف عن ذلك إلى أن خرج أليرون من الحمّام وهو يلفّ ساقيه الطّويلتين بمنشفة سوداء كبيرة...

استقبل أنف الأخير عبق رائحة السّجائر فناظر كارلين بتلك الطّريقة الهادئة التي تمقتها ثم تقدّم منها جاعلاً إيّاه تظنّ أنّه سيبدأ في إلقاء تعليقاتهِ السّلبية عليها ككلّ مرّة لكنّه قتل توقّعاتها تلك عندها جلس مُقابلاً لها وسألها بهدوءٍ شديد:

"هل انت بخير؟"

ذلك السّؤال...

ذلك السّؤال كان لهُ وقعاً خاصّا على مسامعها لذا ولأوّل مرّة منذ دخولها إلى قصرِ المالدونادو رأى الأخير في عينيها بريقاً غريب، بريق يناقضُ البرود وما يحتويه، فهذا ما يحدثُ عادةً مع المرء المحروم حين يستقبل صوتاً تغنّى بسُؤال متلهّفٍ صدوق، سؤال فيهِ من الاهتمام ما هو قادر على معالجة قلبٍ ملتهبٍ مجروح.

أنا لستُ بخير، أنا هنا أحترقُ في صمتٍ يقتلني، الماضي يحاصرني وكوابيسهُ تلاحقني، البرود يعيقني والخوف من الفقد يلازمني، أنا أحترق يا رجل أفلا تراني وتُنقذني!

تلك كانت إجابة كارلين الصّغيرة، إجابة صامتة ترددت في أعماقِ تلك الفتاة التي أُسرتها وريثةُ الجلّادِ في أغوارِ نفسها الحالكة، لطالما رأت أنّ سؤال أليرون نتج عن ما رآه في روحها المحتضرة لا عن ما كابدتهُ من حرارةٍ تافهة، حرارة احرقت جسدها ليلاً بفعلِ رصاصةٍ متطفّلة...

"كارلين! ما الذي يحدثُ معكِ بالتّحديد!"

صراع داخلي وبكاء غير مرئي، اشتياق مَرَضيّ واهمالٌ ذاتيّ، صمت صاخب يليهِ ندم دائم.

تمنّت لو تجيبهُ على سؤالهِ بذلك الكلام لكنّها عِوضاً عن ذلك منحتهُ ابتسامةً باردة تليها إجابةٌ جامدة:

"لا شيء، لقد شردت قليلاً فحسب، أنا بخير."

أومأ لها بخفّة ثم تقدّم منها دون سابق إنذار ووضع يدهُ على جبينها مُتفحّصاً حرارتها ليُتمتم بعدها بهدوء:

"أفضل بكثير ممّا كنتِ عليهِ قبل ساعات."

شكوكها كانت في موضعها الصّحيح إذن!

هو أمضى ساعات من اللّيل في رعايتها ومحاولة إخفاض حرارتها....أليس هذا غريباً!

تُرى أيّ كائن هو أليرون مالدونادو!

أحياناً يجعلها تشتهي قتله وأحياناً أخرى يجعلها تبتسم كالبلهاء نتيجةً لتصرّفاته..

-"شكراً على اهتمامك بي البارحة، لقد أتعبتك معي."

قالتها كارلين بهدوءٍ شديد فهزّ أليرون رأسهُ بخفّة ثم ابتعد عنها بينما يُجيب:

"لا تشكريني كارلين، فاهتمامي بكِ البارحة كان عبارة عن ردّ دين أثقلني، فقد علمتُ من والدي أنّك عرّضتِ حياتكِ للخطر كي تُنقذي أختي."

تلك الإجابة كانت أبشع إجابة صريحة سمعتها في حياتها، فصحيح أنّها لا تُبالي بأليرون ولو قليلاً لكن شعور أن يهتم بها أحدهم بعد سنوات طويلة أمضتها في وحدة كئيبة كان حقا شعوراً جميلاً أسعدها لوهلة لكنّها الآن فقط أدركت أن سعادتها تلك كانت مجرد وهم بائس لا يختلف عن كوابيسها بشيء...

هي وقبل دقيقة واحدة كانت مسرورة لظنّها أنّ أليرون اهتمّ بها فقط لكونهِ مهتم، فأحياناً يُترجمُ البشر أفعال من حولهم باللّغة التي ترضيهم، وأحياناً أخرى يُحلّلونها بشكل عاطفي خاطئ فقط لأنّهم بحاجةٍ إلى ذلك الأمل الزّائف الذي تبثّه في نفوسهم...

استفاقت كارلين من شرودها مُذكّرةً نفسها بحقيقة أنّ المشاعر الجميلة ليست من نصيبها فهي فتاة كرهتها الحياة وطردتها من أراضي الأحلام الجامحة لترميها في قوقعةِ القبح والسّواد لذا لم تجد نفسها إلّا وهي ترد عليه بنبرة باردة خالية من المشاعر...باردة كبرودِ روحها الزائفة:

"الدّين بات على عاتقي أنا سيّد إليون، فسيلينا امرأة وإنقاذي لها ليس بالأمر الجلل لذا جهّز نفسك فأنا على وشك إنقاذك كثيراً مستقبلاً.."

بهذا فقط نهضت عن الأريكة والتفتت بغية المغادرة لكن صوت أليرون الهادئ استوقفها:

"مهلاً كارلين، هلّا توقّفتِ!"

اِستدارت الأخيرة عاقدةً حاجبيها فمسح أليرون على شعرهِ الأسود المُزيّن بقطرات الماء اللّامعة وتحدّث ببرود:

"اسمي يطلبُ منكِ الرّحمة حالاً، أظنّ أنّ الفرق واضح بين أليرون وإليون"

ابتسمت بدورها ابتسامة تكاد تظهر ثم مسحت على حاجبها بخفّة:

"أرى أنّك تعترض لأوّل مرّة سيّد إليون!"

بادلها الابتسامة بنفسِ الطّريقة، ثم وبأسلوب جريء غيّر الموضوعَ وتحدّث بتحذير:

-"دعينا في المفيد الآن، أرجو أن لا تُعرّضي نفسكِ للخطر من جديد!"

-"سأحاول."

أجابتهُ باستهزاء لم ينجح في إخفاءِ حضورهِ من نبرتها فثبّت الأخير خضراويهِ على بُنّييها وراح يُناظرها بشكّ جعلها تتكلّم من جديد بأسلوب مُضحك:

"لا تنظر لي هكذا، فلا ذنب لي إن كان الموت يميلُ إلى اللّعب معي أليس كذلك!"

هز أليرون رأسه بيأس وابتعد عن كارلين ليتقدّم من الخزانة ويشرع في انتقاءِ ثيابهِ فخرجت الأُخرى من الجناح ونزلت إلى الطّابق الأرضي، ثم دخلت إلى قاعة الطّعام في صمتٍ مخيف...

لمحت بدورها سيلينا ولورا من بعيد وقد كان يجلسُ معهما كلّ من ديفيد وكيفن لذا تقدّمت منهم وهي تهزّ رأسها كنوعٍ من أنواع التّحيّة الصامتة فناظرتها سيلينا بابتسامةٍ واسعة ثم راحت تُحرّك الكُرسي الموضوع على يسارها بطفولية:

"صباح الخير كارلين، تعالي لتجلسي إلى جانبي."

أومأت كارلين بإبتسامة صغيرة وجلست إلى جانبِها دون أن تأبهَ بنظرات لورا المميتة التي اخترقتها بها فهي حتماً لا تُريد خوض شجارٍ سخيف معها لأنّها لا تميل إلى استخدام لسانها مع بعض البشر بل لا ترضى سوى بقبضتها.....

شرع الجالسون في تناول طعاهم في صمت ممل لكن ذلك الصّمت الذي لا كرامة له طُرد من القاعة ما إن تحدّث ديفيد واضعاً ملعقة الطّعام جانباً:

"بعد قدوم فيتوريو ويورغن، قرّرت صوفيا أن تعود غداً بنيّةِ الحصول على تدريبها في شركتنا."

ابتسمت سيلينا بعدمِ تصديق فعودة تلك الفتاة المتمرّدة بعد غيابٍ طويل هو أمر رائع بحقّ...

حرفيّا عودة صوفيا شقيقة فيتوريو ويورغن أسعد قلب سيلينا كثيراً إذ ظنّت أنّ تلك الأخيرة لا تزال مجرّد مجنونة تفتقر إلى العقلِ السّليم لكنّها لم تعلم أنّ صوفيا باتت مختلفة...

لقد باتت ناضجة وهادئة فآخر ذكرى لها في إيطاليا غيّرتها بشكلٍ كُلّي....

"يا إلهي لا أصدّق! صوفيا ستعود بعد سنوات من الغياب! من المؤكّد أنّنا سنُمضي وقتاً رائعاً أليس كذلك كيفن؟"

صرخت سيلينا بحماسةِ طفلة حصلت على لُعبتها المُفضّلة، ثم علّقت عينيها على كيفن لتجدهُ شارد الذّهن منقبض الملامح!

كادت الأخيرة أن تطرح سؤالها الاستفساري عليهِ لكن ديفيد استوقفها بكلماته:

"سيلينا، أنتِ لم تعودي طفلةً صغيرة عزيزتي، صوفيا الآن امرأة حكيمة عاقلة لذا لا تُحاولي إفسادها بأفكاركِ الطفولية."

ضحكت سيلينا بخفّة ثم حرّكت رأسها باستهزاء:

"عُذراً أبي لكنّك العاقل الوحيد هنا."

ككلّ مرّة اكتفى ديفيد بالتّحديقِ بها دون أن يقول شيئاً فتحدّث كيفن ما إن استرجع جموده:

"أبي، أريد الانضمام إلى الشّركة وأريد أن أشرف على تدريب صوفيا."

رفع ديفيد حاجبهُ باستغراب:

-"هل أنت متأكّد من ذلك؟ فإن كنت تذكر أنت انسحبت من الشّركة قبل أشهر بحجّة انشعالك في أعمالك."

-"أجل أنا متأكّد أبي، لقد أصدرت شركتي سيّاراتها الجديدة لهذه السّنة وقد تخلّصت من الضغوطات التي كابدتها قبلاً."

همهم ديفيد بهدوء ثم علّق خضراويهِ على سيلينا وتكلّم بنبرةٍ هادئة:

"أنا ذاهب الآن إلى الشّركة، وأنتِ لن تخرجي من القصر ولو بالخطأ أهذا مفهوم؟"

هزّت سيلينا رأسها بملل فغادر ديفيد قاعة الطّعام مع كيفن تزامناً مع دخول أليرون إليها إذ تقدّم قليلاً من المائدة ثم وقف أمام كارلين واضعاً يديهِ في جيبيْ معطفهِ الطّويل:

"أتُريدين الذّهاب لزيارة والدك؟"

أومأت لهُ بهدوء شديد فحدّق بها مُقترحاً:

"دعيني أوصلُكِ في طريقي، فأنا أيضاً بحاجةٍ إلى التّحدثِ إليه."

مرّة أخرى أومأت لهُ بهدوء ونهضت عن الكرسي لتخرج من القاعة برفقتهِ فضغطت لورا على أسنانها بغضبٍ ظاهر:

"الغبية تحاول أخذ أليرون منٌي، لا بأس فأنا سأقتلها وأتخلص منها في غضون أسبوع واحد، الحمقاء لا تعلم بعد من أكون."

هزت سيلينا رأسها بسخرية ثم تحدّثت بعدما ارتشفت القليل من عصيرها:

"لا تحاولي لورا، فاللعب مع امرأة السّفاح ليس من مستواكِ عزيزتي."

فتحت لورا فاها بعدمِ تصديق:

-"مهلاً لحظة هل أصبحتِ مُعجبة بها فجأة!"

-"صدقتِ أيتها الشقراء، لقد أصبحتُ معجبة بها وبشخصيّتها، معجبة مهووسة قادرة على سحقِ كلّ من يخطط من ورائها."

ضغطت لورا على أسنانها بغضب وضربت سطح الطّاولة بانفعال:

"ما الذي فعلته لكِ تلك الفتاة! لا أصدّق أنّها قلبتكِ ضدي بهذه السّهولة."

ابتسمت سيلينا مُوضّحةً باستفزاز:

"تلك الفتاة أنقذت حياتي وشرفي وأنا لست حقيرة كي أردّ لها جميلها بالخيانة، لحدّ البارحة اعتبرتكِ صديقتي وكرهت فتاة لا أعرفها فقط لاعتقادي بأنّها أخذت مكانكِ، لكنني اكتشفتُ الآن أنّك مجرّد حمقاء لا يمكن عدّ الرّجال الذين دخلوا حياتها،  عندما تركتني وحدي من أجل رجل، كارلين التي لم أكف عن إهانتها منذ أن أتت وقفت إلى جابني لذا لا تحاولي إيذاءها كي لا أضمّكِ إلى قائمة أعدائي."

أنهت كلامها لتضع الكأس على الطّاولة ثم نهضت عن الكرسي وصعدت إلى غُرفتها فوضعت لورا يدها على فمها بعدمِ تصديق وغادرت المكان لتصطدم بيورغن في الممر، يورغن عينه الذي عقد حاجبيهِ وسألها باهتمام:

"ما بكِ لورا؟ هل كلّ شيء على ما يُرام!"

نفت برأسها وراحت تدّعي الحزن والضّعف:

"تلك الحمقاء تستمرّ في الاستهانة بي يورغن، وهذا الأمر يقتلني."

عقد الأخير حاجبيهِ مرّةً أخرى ورسم ابتسامةً جانبية على محياه:

-"وهل تمتلك هذه الحمقاء اسماً؟"

-"كارلين، تلك الحمقاء كارلين تستمر في إهانتي، لقد سخرت من تواجدي معكم وأخبرتني أنّني أبدو كالمتشرّدة التي لا منزل لها، لا أعلم ما قد أفعله...تخيّل أنّها قلبت سيلينا ضدّي!"

أخفى يورغن يديهِ خلفَ ظهره وأجابها على كلامها بهدوء:

"لم تبدُ لي الأخيرة كفتاةٍ قد تتفوّه بكلامٍ سخيفٍ كهذا! مع ذلك لا تهتمي بكلامها ولا تحزني بسببهِ، فهذا لا يليق بكِ لورا."

ضغطت الأخيرة على يديها بغضبٍ حاولت إخفاءهُ ثم ابتسمت بملقٍ أجادت تصنّعهُ:

"شكراً لك يورغن، أستميحك عذراً الآن، عليّ الذّهاب."

ابتعدت عنهُ وتخطّته بنيّة الذّهاب لكنّه سحبها من معصمها بهدوءٍ وأعادها إلى موضعها ليناظرها بزرقاويه المخيفتين:

"سيُقام الحفل السّنوي لرجال الأعمال المنخرطين في مجالنا غداً مساءً، لقد سمعتُ قبلاً أنّكِ تميلين إلى مثل هذه الحفلات فما رأيكِ بمرافقتي."

حضور يوغن للحفل السّنوي يعني حضور أليرون دون أدنى شك، لذا هزّت لورا رأسها منتهزةً الفُرصة:

"بصراحة الفكرة رائعة لدرجة أنّني لن أجرؤ على رفضها."

ابتسم يورغن بهدوء ثم هزّ رأسهُ بخفّة وغادر القصر فقلبت لورا عينيها بملل ثم صعدت إلى غرفتها وهي تخطط لفعلِ أيّ شيء قد يجعلها قريبة من أليرون..

••••••

مدينة ليون المكسيكية:

في غرفةٍ مُظلمةٍ سيطر عليها الصمت والغموض، كان ذلك الرّجل البارد الحقود جالساً على أريكةِ الذكريات المفعمةِ بالدّموع، وقد كانَ يُحرّك كأس نبيذه بسكون بينما يسترجعُ أحداث ماضيهِ المشؤوم، ذلك الماضي الذي كان فيهِ مجرّد مراهقٍ أحمق خسر بسببِ ضعفهِ كلّ ما يملك....

لويس بالنّسبة للجميع كان شخصاً مذنباً، لقد كان في نظرهم مجرّد ظالمٍ يركض خلفَ انتقامٍ ليس من نصيبه، لكنّهُ على عكسِ الجميع كان يرى نفسهُ الضّحية التي لم تجد من قد ينقذها...لقد كان تلك الضّحية التي لم تمتد يد الآخر لسحبها من طريق الخطيئة....

لطالما كبر الأخير على مُصطلحِ الحرمان، إذ حُرم من أمّه فحُرم تلقائياً من حنانها، ثم حرم من أبيه فحُرم بديهيًاً من شعور السّعادة الذي كان يحتضنه في يومٍ مضى..

لويس جيوردانو كان كوالدهِ، لقد كان يظنّ أنّ جلّاد المافيا قتل والدتهُ كنوعٍ من أنواع الانتقام الحارق مع ذلك هو لم يحقد عليهِ ولم يدرّب قلبهُ على كرههِ بل فقط أمسك سجلّا خالياً من حبرِ البشر وراح يدوّن ببراءةِ طفلٍ صغيرٍ أحلامهُ التي زيّنتها لمسحة تفاؤلية يمكن استشعارها من غذوبةِ الكلامِ المعبّر عن كوامنِ نفسهِ....

الحصول على أبٍ سويٌ كان حُلمهُ الذي رسمهُ في بدايةِ السّجل، أمّا تذوّق طعم السّعادة فقد كان آخر ما كتبهُ على صفحاتِ الماضي البعيد لكن ما حصل عليهِ في ذلك اليوم بالتّحديد كان جثّة باردة تليها معاناة كبيرة...معاناة حصّلها في ميتمٍ ساد الظّلم في وسطهِ الكئيب....

لقد عاش الأخير وحيداً، عاش في دهليزِ الظلم يُكابد الجوع والحرمان، تماماً كما عاش مع مشاعرِ الخوف والرّغبة في العصيان، لكنّه في الأخير جابهَ الصّعاب وقرر الانتقام ممّن أذاه، قرّر ذلك بعدما رفعَ الرّاية البيضاء أمام حقّ العيش الذي خاص معهُ قبلاً عداوةً حمقاء دامت لسنوات وسنوات....

شعلة الانتقام  تلك تأجّحت بداخلهِ ما إن ظهر رولاند روسيليو في حياته، ذلك الشّخص الذي أنقذهُ وساعدهُ على بناء مملكتهِ الصّغيرة في المكسيك، وذلك الكائن اللّطيف الذي أمسكَ بيدهِ بعد أعوامٍ أمضاها والوحدة في زقاقٍ مخيف...

بعضُ البشر في هذه الحياة يقيسون الحدث على حسب تضرّرهم منه، إذ يتجاهلون العوامل الجانبية ويركزون فقط على الألم الذي سُبّب لهم، يركّزون عليهِ دون أن يأبهوا بما تعرض له الطرف الآخر من حرمان وذلك حقّا ما حدث مع لويس، إذ تناسى السّبب الذي أدّى إلى مقتل والده وركّز على حقيقة أنه قُتِل فحسب...

هو حتماً يعلمُ أنّ كارلين قتلت والده لأنّه قتل والدتها لذا قرّر بعزم أن يقتل والدها انتقاماً لوالده...

معادلة سهلة وبسيطة وأهدافها موضّحة في سجلّ أبيض جديد، سجلّ خاص بأفكارهِ السّوداوية التي سيُحقّقها رغماً عن الجميع.....أو بالأحرى سجلّ غامض خصّ بهِ الفتاة التي يمقتها من بين الجميع.

من الإهداء وصولاً إلى الخاتمة ومروراً بالفصول الوسطى المُفعمة بالأحداث الخفيّة، كل حرفٍ خطّهُ لويس في ذلك السّجل كان لكارلين ومن أجل كارلين فحسب....

-إلى من سفكت دماء والدي نُصب عيني، وإلى الثّائرة التي داست على ضُعفي وسلبتني قوّتي، أعدكِ بأنّني سأهديكِ بدلاً من دمِ أبي دم كلّ من تحبّين، وأعدك بأن أمنحكِ عِوضاً عن ألمي أنا ألمين...

ذلك الكلام كان إهداءً رسمَ لويس جيوردانو أحرفهُ بدماءِ الحقدِ القانية، ولخّص معانيه في بضعةِ أسطر حملت في ثناياها أهدافاً سوداوية قاضية.....

استفاق لويس من شرودهِ على صوتِ خطواتٍ هادئةٍ اصطادتها مسامعهُ رغم بعدها عنه فابتسم بهدوء وندهَ على حارسه هاري الذي بات واقفاً أمامه خلال ثوانٍ قليلة فارتشف لويس رشفةً واحدة من كأس نبيذهِ وطرح سؤالهُ عليهِ بنبرةٍ هادئة:

"أخبرني هاري، هل من أخبار عن الجلّاد؟"

شابك الأخير يديهِ ببعض وأخفض رأسهُ باحترام:

-"لم يتبقّ له الكثير، هذا جُلّ ما استطعنا التّوصل إليهِ."

-"كم عدد رجالي المتمركزين في ايطاليا؟"

لم يفكر الأخير كثيراً بل أجاب مُباشرةً، وبثقةٍ عالية أيضاً:

"حوالي مئة رجل زعيم."

هز لويس رأسه ببطءٍ شديد ثم همس بنبرة لا يمكن نسبها لإنسان طبيعي:

"لقد فقدنا الكثير مع ذلك لا بأس فبعد رحيل كريستوفر سأسيطر على كل شيء يخصه انتقاما لأبي.. بالنهاية لا وريث للجلّاد سوى ابنتِه التي سأتفنن في تعذيبها حتّى تلفظ آخر أنفاسها."

ازدرد هاري ريقهُ بصعوبة ثم علّق عينيهِ على زعيمهِ بشيء من التّردد:

"زعيم، لقد وصلنا على لسانِ جاسوسٍ من جواسيسنا أنّ كارلين لومباردي وأليرون السّفاح قد تزوّجا بالفعل، وعلى ما أظن زواجهما ذاك لم يكن وليد الصّدفة، من المُؤكّد أنّ جلّاد المافيا ينوي تسليم أعمالهِ للسّفاح كي يخلفه بعد موته."

ابتسم لويس لدقائق طويلة دون أن ينطق بكلمة واحدة ثم ما إن شعر أنّه نجح في شحن الغُرفة بمشاعرِ الرّعب والغموض سمح لأفكارهِ أن تترجمَ على شاكلةِ كلامٍ منطوق:

"لا بأس بما حدث ولا ضير ممّا سيحدث، المهمة باتت أصعب من الأول بتدخّل السّفاح لكن النّهاية لا تزال واحدة، نهاية سيُكتبُ في سطرها الأخيرة، جميعهم موتى ولويس جيوردانو هو الفائر الوحيد...."

ضحك بطريقةٍ مُخيفة تسبّبت في ارتعاشِ جسد هاري ثم تابع بنبرةٍ زيّنها الحقد وخطّتها الكراهية:

"الطّبيب المشرف على حالة الجلّاد، أريدكم أن تحتجزوه بعدما وتبعدوه عن عائلته، هدّدوه وعذّبوه، دعوا دماءهُ تراق واضمنوا له أن عائلتهُ ستعيش ما هو أسوأ ممّا عاشه، بتلك الطّريقة فقط سيرضى بالتّمرد وسيحقن كريستوفر بحُقنة الموت السّريع"

••••••

اجتازت تلك السّيارة السّوداء الكبيرة إحدى الطّرقات الخالية بسرعةٍ رهيبة، وذلك راجع للحوار السّلمي الذي دار بين السّائق الهادئ وامرأته الباردة إذ أبعدت كارلين رأسها عن النّافذة وتحدّثت بنبرةٍ خافتة:

"أنتَ تقول أنّ الاتّصال الذي وصلك مهم والاجتماع أهم، إذن لا بأس بمرافقتك، خذني معك إلى موقع الاجتماع وما إن تنتهي سنذهب إلى قصر لومباردي معاً."

علّق أليرون خضراويه عليها بهدوء ثم سألها بجدّية:

"أأنتِ مُتأكّدة من قرارك؟"

أومأت لهُ ببرود وأشاحت بعينيها بعيداً عنه فأكمل الأخير قيادتهُ نحو مقرّ عملهِ بينما يشكر الرّب على عدمِ اعتراض كارلين على الأمر فالدّون كريستوفر لومباردي أوصاهُ قبلاً بأن يُبقي كارلين بعيدةً عنهُ لمدّة قصيرة وذلك راجع للتّدهور الرّهيب الذي شهدتهُ حالتهُ الصّحية.....

لقد رفض الأخير الفكرة في بادئ الأمر لاعتقاده أن معرفة كارلين للحقيقة هو أفضل بكثير من إخفائها عنها لكن كريستوفر أصرّ على قراره وظنّ أنّه سيكون أفضل حالاً بعد مدّة وحينما فقط سيكون قادراً على مصارحة ابنته بكلّ شيء....

تابع أليرون القيادة في صمتٍ رهيب إلى أن بلغَ المقر السّري، أي إلى أن بلغ المكان الذي سيُمضي فيه ساعات طوال بناءً على رغبة الجلّاد...

ترجّل الأخير من السّيارة برفقةِ كارلين، ثم تقدّما معاً  من البوّابة الأولى التي عبراها برأسٍ مرفوع ومشيةٍ مثالية ثم فقط عندما وصلا إلى إحدى القاعات المليئة بالحرّاس حدّق أليرون بكارلين وتحدّث بهدوء:

"قد أتأخّر قليلاً كارلين، تذكّري أنّكِ هنا برغبتك لذا أرجو أن لا تُغادري من دوني."

لم تُجبه بأيّة كلمة ولم تقم بحركةً واحدة حتّى مع ذلك أدرك أليرون أنّها قابلت كلامهُ بالموافقة لذا تحرّك من مكانهِ واختفى عن ناظريها فجلست كارلين على الأريكة وككلّ مرّة رفعت قدمها اليُسرى على حساب الطّاولة ثم راحت تنتظر عودة أليرون دون جدوى لذا سحبت هاتفها بملل واتّصلت بكلارك الذي أجابها بعد ثوانٍ قليلة وقد خرج صوتهُ مُتهدّجاً بفعلِ التّعب:

-"أجل كارلين، هل حدث شيء ما معكِ!"

ابتسمت بدورها مُجيبةً:

-"لا تقلق كلارك كل شيء على ما يُرام، اخبرني أنت كيف حالك؟ هل تحسّنت؟"

-"أجل، أنا أفضل حالاً لكنّني لم أنجح في الوقوف على قدميّ بعد."

-"لا بأس، أعلم أنّك ستنهضُ غداً راكضاً لذا لا تُبالغ.."

-"حسناً دعيناً من السّلبية الآن واخبريني، هل اعتاد صغاركِ على منزلهم الجديد؟"

مرّة أخرى ابتسمت من سؤالهِ ومنحتهُ ردّا هادئاً:

"لم أتفقّدهم بعد، من المؤكّد أنّهم يشعرون بالخيانة مع ذلك لا بأس، أظنني سأسلّمهم لورا الحمقاء كنوعٍ من الاعتذار."

ضحك كلارك بخفّة وأدرك دون أن يسأل أنّ تلك الشّقراء التي تحدّثت عنها كارلين لم تكن سوى فتاة مزعجة تعرّفت عليها في قصرِ السّفاحين....

شرع كلارك في الثّرثرة ككل مرّة وبطبيعة الحال كارلين استمعت إلى ثرثرتهِ في صمتٍ كان كالنّقيض لما أبداه ثم ما إن انتهى كلارك من سردِ حكاياتهِ المضحكة عليها أقفلت الخط واسندت رأسها على الأريكة لتنام دون وعيٍ منها، فالمكان كان هادئاً بحق....

•••••••••

احلولك اللّيل بعدما انقضت ساعات النّهار ببطءٍ شديد، فخرج أليرون من المكتبِ الذي أمضى فيه ساعات طوال ونزل عبر الدّرج الحديدي ليلِجَ إلى القاعة التي ترك فيها كارلين فوجدها جالسة على إحدى كراسي الطّاولة المستديرة بذلك البرود الذي نادراً ما يُفارقها، لذا تقدّم منها بدورهِ ووقف أمامها مُتنحنحاً:

"اعتذر كارلين، لقد تأخّر الوقت بالفعل.."

حرّكت رأسها بدلاً من أن تقول"لا بأس" ثم بعد دقائقٍ معدودة من الصّمت سألتهُ بنبرةٍ هادئة:

"هل توصّلت إلى شيءٍ ما حتّى تأخّرت هكذا؟"

أومأ لها مُتحجّجاً:

"إنّهم آل ريتشي ومن غيرهم! هم يخطّطون إلى اغتيالي في حفلِ غد، ويسعدني القول بأنّ رؤيتهم وهم يحاولون ستكون ممتعة إلى حدّ ما."

عقدت كارلين حاجبيها وأظهرت استغرابها أمام أليرون:

-"هذا غريب، أعني ما غايتهم الحقّة وما سبب العداوة بينكم! لطالما كانت هذه النّقطة سؤالاً غامضاً لم ينجح أحد من زعماء المافيا الأيطالية في تحريرهِ من علامة الاستفهام."

-"قصّة طويلة كارلين، يمكنني تلخيصها في أنّها لعبة ثأر زائف أخفى بهِ آل ريتشي رغبتهم الملحّة في استرجاعِ حقٍّ قديم...ولاسترجاع ذلك الحق على السّفاح أن يغادر الحياة فهم يعلمون أنّهم لن يتمكّنوا من بلوغ هدفهم ما دمتُ حيّاً."

أنصتت كارلين إلى كلامهِ بتركيز كبير، وقد توصّلت في رأسها إلى أفكارٍ عديدة فضّلت أن تحتفظ بها لنفسها إذ سرعان ما غيّرت الموضوع لصالحها:

"غداً إذن ستتعرّض لهجوم، هذا مثير للاهتمام بصراحة لذا أريد أن أرافقك..."

نفى برأسهِ رافضاً طلبها:

-"لن أكون متفرّغاً كثيراً وهذا يعني أنّك تسبقين وحيدة وسط عدد هائلٍ من الرّجال، لذا استبعدي الفكرة من رأسك"

-"مهلاً إليون، لا تخبرني أنّك ستشعر بالغيرة من تواجدي بينهم فقط لأنني بتّ أحمل اسمك الغريب."

قلب أليرون عينيهِ بملل في بادئ الأمر لكنّه سرعان ما علّق ناوياً استفزازها:

"أحقّا تظنّيني سأغار على كارل السّفاح لسببٍ كهذا؟ من أين لكِ بهذا الكلام!"

تأففت كارلين وأبعدت عينيها عن وجهِه هامسةً ببرود:

"مضحك جدا زوجي العزيز.."

كتم أليرون ضحكتهُ بصعوبة:

"جدّيا كارلين لو أخذتكِ معي سيعتبرونكِ رفيقي وإن اضطررتُ إلى تركتكِ لوحدك وسط أولئك الرجال فأنا على يقينٍ تام من أنّني سأعود لأجدكِ تسبحين وسط دمائهم... لقد علمتُ أنّكِ تنزعجين من نظرات الغرباء عليكِ.."

تغاضت كارلين عن كلامه الأوّل وركّزت على ما نطقه في الأخير لتُعلّق بسخرية:

"أرى أنّك أجريتَ بحثاً مكثّقاً كان عنوانه كارلين لومباري سيّد إليون.."

اكتفى الأخير بتجاهلِ كلامها كما لو أنّهُ لم يسمعه ثم رفعَ يدهُ محدّقاً بساعته:

"أخبرني والدك من قبل أن لا نزورهُ بعد حلول التّاسعة لأنّه سيكون مشغولاً، ويؤسفني القول أنّ السّاعة الآن تُشير إلى العاشرة ليلاً."

أومأت كارلين ببرود ولم يظهر عليها الانزعاج حتّى:

"لا بأس، دعنا نعود إلى القصر إذن."

وافقها الرّأي مُباشرةً فخرجا بعد دقائق قليلة من ذلك المقر واستقرّا بنفسيهما داخل السّيارة التي انطلق بها أليرون بسرعةٍ عادية...

•••••••

في قصر المالدونادو:

دلف فيتوريو إلى غُرفةِ نومهِ بهدوءٍ يُمكن اِلتماسه من ملامحه، فوقعت عيناهُ الزّرقاوين المميّزتين بلمعةٍ خضراء على وجهِ إيمالينا التي كانت جالسة على السّرير برفقةِ صغيرها توليو، إذ كانت تُلاعبه تارةً وتشرد بذهنها في مكانٍ بعيد عن الواقع تارةً أخرى....

تقدّم الأخير منها وجلس على طرفِ السّرير فعلّقت بنفسجيّيها عليهِ ليتحدّث بدورهِ دون أن يلتفت إليها:

"الاضراب عن تناول الطّعام ليسَ حلّا إيمالينا، يُمكنُكِ التّعبير عن غضبكِ بطرقٍ أخرى."

ضحكت الأخيرة بينما تلامِس شعر صغيرها بحنان:

"أتقصد بالطّرق الأخرى أن أتصرّف بطفولية وأحاول الانتقام منك بغباءِ مُراهقة؟"

أدار فيتوريو رأسهُ نحوها بهدوءٍ استفزّها:

-"ولمَ الطّرق المبتذلة؟ اقتليني فحسب إن كان الأمر يُسعدكِ."

-"لكم أشتهي فعل ذلك بك، لكن القتل والوحشية، إضافة إلى الاستهانة بأرواح البشر عامّة هي صفاتك أنتَ فحسب."

ككلّ مرّة كانت تعملُ في سرّها على إغضابه لكنّه وكما يفعلُ دائماً حافظ على هدوئهِ أمامها وعاد إلى الموضوع الرّئيس:

"إضرابكِ عن الطّعام لن يغيّر شيئاً، بل سيقرّب أجلكِ فحسب وأنا لن أسمح لكِ بالرّحيل."

ضغطت إيمالينا على غطاءِ الفراشِ بقوّة ثم خاطبتهُ بنبرةٍ مُرتفعة قليلاً:

"وما شأنك أنت بحياتي هاه! هل حقيقة إمساكك بيدي في يوم زفافي ومن ثمّ جعلي زوجةً لك رغماً عن أنفي وبعدها تهديدي بحياة والدي هي أمور قد تتيح لك التّدخّل في حياتي وفي موعدِ رحيلي أيضاً!"

أبعد الأخير عينيهِ الهادئتين عنها وعلّقهما في الفراغ بشرود:

-"أنا لا أتحدّث من أجلكِ إيمالينا، كما وأنّني لا أتدخّل في شؤونكِ البتّة، أنا أتحدّث من أجل توليو فقط..هو لا يستحقّ أن يعيش بعيداً عن أمّه."

ابتسمت إيمالينا بسُخرية حين تذكّرت اليوم الذي بدأ فيه كلّ شيء، ثم استناداً إلى طيف الماضي الأسود  الذي حطّ بذاكرتها وافت فيتوريو بردّها القاسي:

"ماذا عن أبيه، أيستحقّ صغيري أن يعيش بعيداً عن أبيه؟"

••••••••

نهاية الفصل الثّالث>>>>

رأيكم في الأحداث؟ وأرجو أن لا تنسوا الفوت✨

Continue Reading

You'll Also Like

3.5K 192 4
عندما يتطلب من قاتل مأجور قتل حبيبته السابقة .. هل مات العابث ايسر صدره ؟ ، ام لازال يقرع الطبول لها ؟ ~ one shot : the bride
21.6K 1.5K 11
‏أشباهنا الأربعون ،، ‏ليسوا بالضرورة أن يكونوا بشر ‏ربما،، ‏قصائد , نصوص , اقتباسات , و ربما أبطال في روايات .
307K 9.3K 24
الرواية الثانية من سلسلة 🔱جحيم ابن العم 🔱 بطلة سفاحة جميلة ومثيرة قوية لا تهاب أي شيء إسمها يسبقها في كل مكان عيبها الوحيد هو مرضها وهو الانفصام...
2.4K 549 21
افقدتنيِ لذة َ النظرِ لغيْرِكِي، أعميتني عن كل شيئ، وأبْصَرتُكيِ أنتي وحدكيِ ~~» عيناكي والخمر متشابهان.... كلاهما يفقدانني عقلي بطريقته ~* أج...