آنجِيلوس١٩٤٠ || YM

بواسطة 00melas

186K 17K 26K

كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الأ... المزيد

مُقدمة
-١- حَانةُ المَوتِ المُفاجِئ
-٢- سُوناتا "مثيرٌ للشفقة"
-٣- سُوناتا الرَّقم واحِدٌ وعشرون
-٤- المَعزوفة الرَّابعة ( اختناق)
-٥- سيمفونية ضَرباتُ القَدر
-٦- المعزوفَة الثالثة عَشر
-٧- تضحية مُوسيقية
-٨- بِجانب البُحيرة
-٩- المَعزُوفة الثّانِية والعُشرون َ
-١٠- الجَاز عَبر شَوارع بِرلين
-١١- مَعزُوفة أُوبِرالية
-١٢- لَيلة كَئيبة
-١٣- تراقُص الأجسَاد
-١٤- نُدبةٌ قَديمة
-١٥- ضَوء القَمر
-١٦- السُقوطُ السَادس
-١٧- السُّوناتا السَّابعة عَشر
-١٨- رِحلة الى مَكانٍ بعيد
-١٩- مَشهدٌ مِن صُنع شِيكسبير
-٢٠- السُوناتا التَاسِعة و الخَمسُون
-٢١- مُوسِيقى الأُورغن الشَهيرة
-٢٢- رِسَالةٌ الى آلفرِيد
-٢٤- ليلة موسِيقية قَصِيرة
-٢٥- لِقاءٌ بعد فُراق
-٢٦- مَعزوفة الجَرسْ
-٢٧- جُزئية الشِتاء
-٢٨- سيكلوجيات شائعة
-٢٩- السوناتا الأولى
-٣٠- حانةٌ في مَانهايم
-٣١- مُذَكَرة آلفريد
-٣٢- النِهايَة
- مَعزوفةَ مُميزة ١/٢ -
- مَعزوفَة مُميزة ٢/٢ -

-٢٣- الحَرَكة الأُولى

3.8K 438 283
بواسطة 00melas


Enjoy

***************

الرابع عَشر مِن دِيسمبر عام ١٩٤١

جيمين

نَحن أغبياءٌ وحَمقى إن ظَننا بأن السِجن يكون خَلف القُضبان فَقط ، أو التَعذيب يندرج تحت الأذية الجَسدية

فَمن جَرب العذاب النفسي هانت عليه جميع ضربات السوط و الشَفرات الجارحة

و ماذا عن حَرقة القَلب هل تُنافس ذوبان الجِلد عند الموت حَرقاً؟ أوليس كِلاهما ناراً لا تَخمُد الا بِموت ضَحيتها

ناري كانت و مازالت طويلة الأمد بِبُعد الجنرال عني بل وتزداد لهيباً و ألماً مع مرور الثواني و الدقائق و الساعات و الأيام

و حتى الأسابيع فقد مضى حتى الأن شَهران  على احتجازي داخل مَنزل المزرعة برفقة الجنود و قد مضى شَهراً و أخر على انتظاري له  دون كَللٍ أو مَلل

لكن مع تقدم الأيام أعود لحالتي القَديمة قبل لِقائي به ، أعود لوحدتي و أفكاري السوداء و الظلام يُحاوطني من جديد

باطِن يدي لم يعد سليماً بل بات جَريحاً أكثر من السابق حَتى و شفاهي تَمزقت لشدة قضمي لها أثناء تَفكيري المُطول

أضربت عن الطعام فلا رَغبة لي بشيء و جَسدي بات حاله سيئاً كما كان قبل سَنة في هامبورغ و النحالة عادت لِتُسيطر على انحناءاتي المعدومة

سَجنه لي في هذا المَكان لم يكن يُزعجني و لا أهتم حَقاً لكن عدم وجوده بجانبي هو ما يجعلني على هذا الحال

ألا يَشتاق لي كما أفعل أنا و ألا يَحن لرائحتي و لَمساتي مِثلي ، ألا أزوره  في الأحلام كُل ليلة كما يَحصل لي ؟

الأحلام تُصبرني على الواقع الأليم فلولاها لَكَانت روحي فارقت جَسدي مُنذ زَمن

عزيزي الجنرال ما حال أيامك و هل عُدت لمُمارسة حياتك اليومية بشكلٍ طبيعي بعد فراقنا ؟ هل اختفى كُل شيءٍ بيننا بالنسبة لك

أنا ارتكبت خطأً عظيماً لكنه يُغتفر اذاً لِمَ لا تَغفر لِمحبوبك و تعود لِذرِاعيه و تنسى كُل ما حَصل

بُعدُك عني يُرهق قَلبان عَاشقان وجدا من بعضهما مَسكناً و مَلجأً فلما لا تُطيب خاطرهما و تجعلهما يلتقيان من جديد

أنا شَاكِرٌ و مُمتنٌ لذكرياتنا السَعيدة التي لا تُفارقني في صَحوتي و تُعطيني الأمل بِلقاءٍ لربما قريب كما أتمنى فأنا لن أستطيع البقاء في هذا المنزل مُحاصراً بالألم أكثر من ذلك

بجانب تفكيري بالجنرال أنا أُفكر بالهروب يومياً و لكن السُبل مَقطوعةٌ تَماماً فالجنود في كُل مَكان ، اسفل نافذتي و بجانب الباب و في كُل زاوية

أنا و هُم لوحدنا و لك يأتي أحدٌ مِنهم بأي خَبَرٍ عن الجِنرال أو عن وقت عَودته

إيثان يشغل بالي أيضاً لكنه برفقة يونغي لذا أنا مُتأكدٌ بأنه بإمان و في الحقيقة أنا أبغضه قَليلاً فيال حَظه الجميل هو يرى الجنرال كُل يومٍ و لا يشعر بالاشتياق مثلي

أفتقد عيناه و أفتقد شُحوب بَشرته المُهلك و أشتاق لِمسير يديه على بَشرتي و كأنني لَوحةٌ فنية يقوم برسمها بعنايةٍ تامة

رائحته و صلابة صَدره حين أضع رأسي عليه في كُل ليلة و مدى الأمان و الحنان الذي اعتدت على الشعور به حين يكون بجانبي

أفتقد كلامه المَعسول المُتلاعب و أفتقد هَمسه باسم آنجيلوس و بِلقب ملاكي و عَازفي

حتى أنني أشتاق لِتموضع السيجارة بين شفتيهِ و كيف يستنشق سَمعا ثم يَزفر دُخانها بشكلٍ مُثيرٍ لعيناي التي تُراقبه دائماً

أحِن الى عِناقه و التفاف ذِراعيه بقوةٍ حَول خَصري ، و أحن الى غيرته من أي نَظرةٍ تُلاحقني من الغُرباء

أفتقد تَملكه و سَيطرته و خُضوعي له رُغم تَمردي العَنيف ، وشِجارتنا التي تَنتهي بِعزفي له مَقطوعةً تَدل على غَضبي

و كم أشتاق لجلوسه على السرير و في يده كأس نَبيذٍ أحمرٍ قاتم بينما يستمع للمُوسيقى التي تُنتجها أناملي المُتلاعبة بمفاتيح البيانو السوداء و البيضاء

أنا لَم ألمس البيانو مِن بَعده ففي كُل مَرة أُحاول وضع يدي على المفاتيح أرتجف و أشعر بوخزاتٍ مؤلمة في قَلبي ..

و ماذا عن أيام مَرضي و جُروحي التي يَعتني بها و أيام السَهر بجانبي حتى يتأكد أنني بِحالٍ أفضل

أنا مَهووسٌ بأصغر ذِكرى من ذكرياتنا و مَجنون بِحُبي له ، فهو عائلتي و كُل ما أُريد و أملك

لا أظن بأنني المَلاك هُنا يا عَزيزُ قَلبي فأنا بَعيدٌ كُل البُعدِ عن هذه الصِفة بل أنت هو يا مَلاكي

ملاكي الذي يحميني بجناحيه البيضاويين من كُل خَطر العالم و آذيته و يال قَلبك الحنون الذي استحوذ على قلبي و استملك كُل مَشاعري

مع مرور الوقت يزداد كُرهي و بَغضي لآلفريد الذي يستحق المَوت بأشنع الطُرق و أضع كامل اللوم عليه فيما يحصل لي

استقمت من على السرير و سِرتُ باتجاه النافذة مُحاوطاً أكتافي و جسدي بِغطاء السرير

بات النَظر من النافذة هوايتي الوحيد ، أجلس أمامها لساعاتٍ و ساعات مُراقِباً المَرج الذي بات أبيض اللون بِفعل الثُلوج و أنتظر رُؤية هَيئته و هي تدخل المَزرعة

لكن لا أمل و بِت خائفاً و مُتألِماً مِن فكرة نِسيانه لي و اختِفائي من حياته و ذكرياته

عَقدت حاجباي عندما رأيت مكان الجندي الذي يحرس نافذتي خاليٍ من وجوده أو وجود أي أحدٍ أخر

اقتربت من النافِذة أكثر مُراقباً الوَضع خارجاً و مُستغرباً مِن خُلو المكان

ذَهبت الى باب الغُرفة و فتَحته بهدوء ظَناً مني بأن الجُنديان على جانبيه لن يكونا موجودين لكن ظنوني خابت لكن فضولي حول جُندي النافذة ازداد

عُدت الى النافذة لأجد حارس النافذة قد عاد لكن لم يكن ذَاته بل جُندياً  أخر

فَهمت أنه وقت تبادل مُناوبات الحراسة و المكان يُصبح خالٍ في مُنتصف الليل لدقائق عِدة حَسب تَقديري

نَظرت للأُفق البعيد و المَخفي بِسبب الضباب الكَثيف و فَكرت بما سأفعله لاحقا ، سوف أعطي لِلجنرال مُهلةً لمدة أسبوع
و إن لم يأتي سأرحل أنا و أعتبره تخلى عني و عن مَشاعره

*****************

العُشرون مِن ديسمبر عام ١٩٤١

بِرلين

الجنرال في مَكتبه طوال اليوم كالمُعتاد يُهلك نَفسه بالأعمال و يُغرق نَفسه بِها مُحاولاً التماسك بعيداً عن أفكاره التي تُجبره على الذهاب الى حيث جيمين

مِزاجه مُتعكر و يبدو مُنهكاً و لا أحد يَستطيع الإنكار ، سيباستيان يرى كيف يفقد اتصاله بالواقع في كُل مرةٍ تأخذه أفكاره الى آنجيلوس و ما فَعله به

حديثه السابق مع جونغكوك جعل منه يدخل في دوامةٍ اكبر ، و شخصية جيمين الغَير مُتزنة كانت تُعيقه جداً في تحديد ما سيفعله به

جُزءٌ منه يخبره بأن جيمين ضحية و أفعاله كانت طائشة و حَاقدة لا أكثر، و جُزءٌ أخر يتمسك بِكبريائه و يمنعه عن زيارة الأصغر و إصلاح الأمور بينهما و على ما يبدو هذا الجُزء هو الفائز حالياً

كانت لتكون ردة فِعل الجِنرال لينةً أكثر لو أن جيمين كان صريحاً مَعه مُنذ بِداية عَلاقتهما على الأقل

فآلبير قد دَعم آنجيلوس دائماً و احتضنه بين ذراعيه في كُل مرةٍ يتذكر بها عائلته أو يشعر بالانزعاج لما حَصل لهم

و احتجاز جيمين في ذلك المنزل ليس عِقاباً له و حسب بل حِمايةَ أيضاً ، آلفريد ليس هيناً كما يعتقد الصغير و إن تَركه الجنرال على راحته قد يفتعل شيئاً غبياً يؤدي الى هَلاكه

سَجنه بعيداً هو الأفضل حالياً حَتى يُقرر ماللذي سيفعله تالياً ، بالإضافة الى أن أوضاع الدولة في تَدهور و المدينة لم تَعد آمنه

الجنرال وحتى هذه اللحظة يَجهل سَبب اهتمامه و حِرصه الشديد هذا على سَلامة جيمين مُتناسياً سلامة مشاعره التي مَزقها ذات الشخص

و هل يُمكن للحب أن يكون قَوياً هكذا ؟ و هل يُعقل بأن و رغم كُل ما حصل ما زال الجنرال على عهده في حُب آنجيلوس و مشاعره لم تَنقُص أبداً بل تستمر في الازدياد ، و البعد بينهما يجعل منه مُشتاقاً للغاية

غُرفته و المكتب أصبح يَعِج برسوماته لمحبوب قَلبه الخبيث ، يُطفئ بعضاً من شوقه عن طريق تأمل عيني صغيره في ذاكرته أو عبر رَسمه لتفاصيله الجميلة

النبيذ لم يُجدي مَفعوله كَثيراً و الثمالة لا تَفعل شيء سوى تَذكيره بلحظاته مع جيمين ، الأحضان و القُبل و الكثير .....

.

الجنرال يجهل بأن جيمين لا يَكبحه شيء سوى وجوده بجانبه حالياً و في بُعده هذا هو يُعطي للأصغر دافعاً أكبر للانتقام من آلفريد

و ربما هذه هي نُقطة الخِلاف بينهما، كلاهما يقيس الأمور حسب شَخصيته و يتجاهل تأثير أفعاله على الطرف الأخر 

عندما يجتاح الشوق قَلب الجِنرال فإن مكان جيمين المُفضل بجانب البُحيرة هو مَلجأه الوحيد ، حيث كان يقضي صَغيره مُعظم وَقته وحيداً يَعزف بِلا كَلل و كأن حياته تَعتمد على ذلك

آنجيلوس كان يُشارك نَدمه و عِتابه على نفسه مع البيانو ظَناً منه بأنه سيزيح القليل من الهم عن عاتقه و الجنرال شَعر بذلك

يونغي كان عَبقرياً في ما يتعلق بالموسيقى و البيانو تَحديداً ، و معزوفات جيمين كانت تَصله و كأنها رَسائل حَزينه مُبهمة و من الصعب جداً فَهمها

رُبما لهذا السبب كان دوماً مُتَشوقاً لسماع المزيد منه لعله يَفهم ما سبب حزنه لكن قِصة جيمين الموسيقية استمرت على ذات المنوال و في كُل مرة يُصبح فَهمها أصعب

نَظرات عيناه المُختلة كما وصفها جونغكوك بدت له حَزينة أكثر من كونها مُختلة ، الجنرال فَهم على الفور بأن ما بداخل هذا الفتى عَظيمٌ جداً و حُزنٌ دّفين قد تراكم على قلبه يوماً بعد يوم ....

عَلم بأن صغيره بحاجةٍ لمُساعدة و قرر إعطاءه الكثير من الحب و الاهتمام لعل أفعاله و أفكاره تتغير

لكنه لم يعلم بأن مَر به جيمين يفوق العاطفة ، كان بحاجةٍ لانتقامٍ يشفي غَليله و حُرقة قَلبه

لكن انتقامه كان السَبب في هُطول دموع الجنرال الذي تألم كثيراً و حارب جميع مشاعر الخُذلان لكن في النهاية دموعه فازت و أعلنت بأن صاحب هذا القَلب مَخذولٌ و جريح و لا شيء سوف يُصلحه سوى الوقت

" سيباسيتان "

صاح الجنرال مُنادياً مُساعده ليأتي الأخر على عَجل

" أجل سيد آلبير "

" حَضر السَيارة لأننا سنعود الى مَنزل المَزرعة "
...

*****************


جيمين

مَضت الأيام كالمُعتاد ، أجلس أمام النافذة و أنتظر قُدومه و لكن مُجدداً لا أحد في الأرجاء سوى أنا و الجنود و الصَمت القاتل في زوايا المنزل

مَللت الانتظار و شَعرت بأنه لن يُجدي نَفعاً فهو لن يعود و لا بد بأن مشاعره اختفت لأبقى أنا عالقٌ مع حُبي له و رغبتي بالانتقام الى الأبد

فإن كان الحُب معه ليس مُقدراً لي اذا لِمَ لا أنتقم و حسب بما أن الفُرصة أمامي و لا شيء يَردعني بعد الأن

حَفظت أوقات مُناوبة الجنود بعد وقتٍ طويل من مُراقبتي لهم
و حالياً أنا فقط أنتظر انتصاف الليل أي بعد عِدة دقائق

مُضحكٌ أنني أمضيت نِصف حياتي أهرب أو أُخطط للهروب و في مِثل هذا الوقت مِن سَنتين تحديداً كُنت برفقة نامجون نُحضر أنفسنا للهروب من مُعسكر الإعتقال

بِتُ بارعاً في التسلل أكثر من العَزف و كأن كِتاب حياتي بأكمله تم تّخليصه بكلمتين لا أكثر

أقف أمام النافذة و أنتظر ابتعاد الجُندي عن المكان ، أظن بأن هدوئي الدائم أثناء احتجازهم لي جعل منهم أكسل و ربما أفعالي أقنعتهم بأنني لن أهرب يوماً لذا أصبحت الحراسة مُملة بالنسبة لهم

لِحسن الحظ أن نافذة غُرفتي ليس مُرتفعة أي أن القَفز منها لن يؤذيني و لكن يجب أن أحترس حتى لا أُصدر أي صوت

الثلوج في الخارج مُتراكمة و هذا يعني بأن أقدامي ستترك أثراً و أتمنى بألا تَتُم مُلاحظته سَريعاً حتى يتسنى لي الابتعاد عن المنزل قَدر الإمكان

عند ابتعاد الجُندي فَتحت نافذتي لتهجم الرياح الباردة على وجهي ،   نَظرت الى اليسار ثُم اليمين مُراقباً خُلو المكان و متأكداً بأن لا أحد في الأرجاء

أخذت نَفساً عَميقاً ثم قَفزت لأسقط على الثلوج التي كان سبباً أيضاً في حمايتي من الأذية

بِضع دقائق فحسب تَبقت على مَجيء الجندي الأخر لذا كان عليَّ الركض كالمجنون حتى أصل الى باب المزرعةِ الخارجي

البَرد لم يكَن عَطوفاً للغاية لكنني أرتدي قُفازاتي الحمراء و مِعطفي كالعادة ظَناً مني بأن هذا سيكفيني كي أُبعد الصَقيع عن عِظامي التي تَجمدت و على الرُغم مِن ذلك لم أتوقف عن الركض و كأن حياتي تَعتمد على ذلك

و هي بالفعل كذلك

خَرجت مِن المَزرعة بأكملها و سَلكت الطريق الذي سلكناه في المرة الأولى عندما أتيت الى هُنا برفقة الجنرال

من المؤسف أنني تائهٍ في شوارع هذه المَدينة التي لطالما كَرهتها من أعماق قَلبي ، حالي عاد و أقدام جيمين القديم عاد لتسير في هذه الأرجاء من جديد

الشوارع خالية تماماً الا من بعض الجنود اللذين يسيرون هنا و هناك و أسلحتهم في أيديهم

اختبأت خلف جدران أحد المَنازل مُنتظراً منهم العبور حتى لا يلحظوا وجودي  و حال مرورهم خرجت من خلف الجدار و عاودت المَسير بهدوء مُخفِضاً رأسي

لكن صوتاً غَليظاً و بعيداً أوقفني
" أنت توقف مكانك و أعطني أوراقك الرسمية"

قَلبي نَبض بِعنف و علمت بأن أحد الجنود قد لاحظني ، أوراقي جميعها مع الجنرال و أنا الأن لَستُ سِوى يهودياً هارباً من مُعسكر الاعتقال بالنسبة لهم فلا وجود لآنجيلوس عازف الجنرال في هامبورغ

و إن أخبرتهم بأنني تابعٌ للجنرال آلبير عندها سوف يُعيدوني من حيث أتيت و لن أستفيد شيئاً

لذا خاطرت بحياتي لِلمرة التي لا أعرف كم عَددها و بدأت بالجري بعيداً عَنهم

أصوات أحذيتهم بدأت تَكثر و تُلاحقني و الشتائم و الأوامر تَخرج مِن فَمهم بِلا تَوقف و يبدو بأن قَناص المبنى قد لاحظني ليبدأ بالاطلاق نحوي بعشوائية

أسلحتهم أيضاً لم تبقى ساكنة بل الرصاص من حولي كان كَثيفاً و أنا أُجزم بأن أهل المدينة جميعهم قد استيقظوا بسبب ضجيجنا

الثلوج و الرصاص ينهمران دون توقف و أنا أجري من أجل حياةٍ أطول و من أجل انتقامٍ لا أرى نهايته و الى أين سيقودني

كانت موسيقى الحَركة الأولى لبيتهوڤن هي الأنسب في هذا الحال و هذه المُطاردة الشَرسة

توقفت قليلاً و اختبأت في زُقاقٍ صغير عندما ابتعدت أصواتهم عني ، أُحاول بِصعوبةٍ التقاط أنفاسي المَسلوبة

نَظرت للأعلى و لَمحت اسم شارعٍ بدا مألوفاً قليلاً لتعود ذاكرتي الى يومٍ التقيت فيه بذلك الشاب المَدعو جين

حينها أعطاني الكَثير من العناوين لأشخاصٍ قد يُساعدوني في حال وقوعي بأي مُشكلة

و من ضِمن هذه العناوين كان عُنوانٌ لمنزل سيدة في هامبورغ أشاد جين بها كثيراً و قال بأنها لن تَرُدني خائباً

أغمضت عيناي مُحاولاً تَذكر عُنوان تلك السيدة فأنا قد حفظت تِلك الورقة عن ظَهر غيب عندما استشعرت بأن الخطر بات قريبٌ مني

'شارع ماير الثاني - المنزل الخامس عَشر للسيدة روزي شولتز '

نعم هذا هو العُنوان و أنا حالياً في شارع ماير الأول أي أنني لستُ بعيداً كثيراً عن منزل تلك السيدة

حَركت أقدامي مُجدداً مُتجهاً الى ذلك العُنوان و سالكاً طريق الأزقة الصغيرة حتى لا ينتبه الجنود لِموقعي حِفاظاً على حياتي و حياة تِلك السيدة أيضاً

و عندما أصبحت في شارع ماير الثاني راقبت بعيناي أرقام المنازل بينما أجري ، المنزل الأول ثم الثاني حتى وصلت الى المنزل الخامس عَشر عندها تَنهدت بارتياح و دَعوت في داخلي أن تَكون متواجدة في المنزل

قَرعت الباب على عَجل و لكن الاجابة تأخرت و مع تأخر الاجابة أسمع صوت أحذية الجنود تَقترب مني لذا عاودت القَرع بعنفٍ أكثر

حتى فُتح الباب و ظهرت من خلفه تلك السيدة و على ما يبدو أنها استيقظت للتو

لم أتكلم و لم تَفعل هي كذلك بل فقط نظرت لي ولحالي و عَلمت بأنني هاربٌ و بحاجة مُساعدة لذا أفسحت لي المجال بصمت لأدخل مَنزلها بأنفاسٍ مُتقطعة

******************

يُتبع

واصل القراءة

ستعجبك أيضاً

533K 34.7K 22
{ Sexuel contact} جنيرالٌ مخدرمٌ أنتَ أوقعتنِي بينَ سلاسلِ عشقكَ الأبدية و أنا مجردُ أنثى عذراء سقيتُ بعسلِ علاقتناَ الآثمة و بللت إطار علاقتنا بدمو...
97.2K 6.8K 22
الكيسيثيميا: ظاهرة نفسية يفقد فيها الشخص التعبير عن العواطف المشاعر الداخلية ، والكيسيثيميا لا تعد مرضا. موجود على نحو اعتيادي عند بعض الناس الذين يم...
7.9K 375 20
اهلا ايها الطفل القديم الذي اعتاد بناء بيته الصغير من الوسائد و الملاءات كيف هي الحياة بعد ان خرجت من مخبئك الصغير!.
26.9K 1.8K 4
"وإن استوطنَتِ الحروبُ ونيْطلَ الهلاكَ وجْدي سأظلُّ بعشقكَ هائماً مُغرمٌ، وإن غادَرت روحي كِيانها سأكونُ قِصّـةً خُطَّت لعاشقٍ لاقىٰ حتفهُ من الكلفِ...