آنجِيلوس١٩٤٠ || YM

By 00melas

185K 17K 26K

كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الأ... More

مُقدمة
-١- حَانةُ المَوتِ المُفاجِئ
-٢- سُوناتا "مثيرٌ للشفقة"
-٣- سُوناتا الرَّقم واحِدٌ وعشرون
-٤- المَعزوفة الرَّابعة ( اختناق)
-٦- المعزوفَة الثالثة عَشر
-٧- تضحية مُوسيقية
-٨- بِجانب البُحيرة
-٩- المَعزُوفة الثّانِية والعُشرون َ
-١٠- الجَاز عَبر شَوارع بِرلين
-١١- مَعزُوفة أُوبِرالية
-١٢- لَيلة كَئيبة
-١٣- تراقُص الأجسَاد
-١٤- نُدبةٌ قَديمة
-١٥- ضَوء القَمر
-١٦- السُقوطُ السَادس
-١٧- السُّوناتا السَّابعة عَشر
-١٨- رِحلة الى مَكانٍ بعيد
-١٩- مَشهدٌ مِن صُنع شِيكسبير
-٢٠- السُوناتا التَاسِعة و الخَمسُون
-٢١- مُوسِيقى الأُورغن الشَهيرة
-٢٢- رِسَالةٌ الى آلفرِيد
-٢٣- الحَرَكة الأُولى
-٢٤- ليلة موسِيقية قَصِيرة
-٢٥- لِقاءٌ بعد فُراق
-٢٦- مَعزوفة الجَرسْ
-٢٧- جُزئية الشِتاء
-٢٨- سيكلوجيات شائعة
-٢٩- السوناتا الأولى
-٣٠- حانةٌ في مَانهايم
-٣١- مُذَكَرة آلفريد
-٣٢- النِهايَة
- مَعزوفةَ مُميزة ١/٢ -
- مَعزوفَة مُميزة ٢/٢ -

-٥- سيمفونية ضَرباتُ القَدر

5.4K 536 976
By 00melas

Enjoy

***********

جيمين

نهضتُ بفزع عند سماعي لصوت تفجيرٍ قد هز أرجاء القَصر و دوى صوته في كل الغُرف

ليس و كأنني غير مُعتادٍ على هذا ، في بولندا اعتدنا على أصوات انذارات المعارك و أصوات الرصاص والقنابل ، كانت شيئاً يُشكل جُزءً كبيراً مِن يومنا

أصوات الانفجارات لم تتوقف لذا اخترتُ البقاء مُستيقظاً فالنوم هاجَرَ عيناي

خرجت مِن الغُرفة و ذاكرتي السيئة كانت السبب في ضَياعي داخل أروقة القصرِ الكَبيرة

الإضاءة خافتة و بالكاد أستطيع الرؤية ، حتى على السُّلم الطويل كُدت أقع عِدة مرات و لكن يدي التي تُمسك بالحاجز الخشبي أنقذتني

و بعد وقتٍ من المشي وحيداً لاحظت باب خُروجٍ يقع الى جانب غُرفة المعيشة و لم يكن يُشبه الباب الذي عبرنا مِنه صباحاً

تقدمت و قادني فُضُولي لمعرفة ما يوجد خلف هذا الباب ذو التصميم الغريب و المليء بالزخرفة الذهبية

ما إن فتحته حتى شعرت بنسيم الهواء البارد يضرب وجهي و صوت طبيعةٍ صامتة

لابُد و أنها الحديقة الخلفية ، كانت جميلة للغاية و تنافس جمال هذا القصر بأكمله

و لكن ما جذبني لم يكن سوى بُحيرة ماء صغيرة للغاية و محاطةٌ بأعشابٍ خضراء

ليلة باردة و لكن النجوم واضحة فيها و ضوء القمر ينعكس على ماء البحيرة

اقتربت منها و تقرفصت أنظر لهيئتي المُشوشة داخلها و من ثم أغمضت عيناي مُستمتعاً بهذه اللحظة

أعادتني ذاكرتي الى ذلك اليوم الذي هربت فيه مِن مدرستي برفقة رافائيل في عام ١٩٣٧

آنذاك كانت الحرب لم تبدأ بعد و لكن سياسة هتلر كانت تؤثر على قرارات دولتنا الضعيفة

جلستُ و رافائيل على تلةٍ تُطل على مدينتنا الصغيرة ، تحدثنا عن أحلامنا التي لن نُحققها أبداً و على الرُغم من معرفتنا بذلك الا أننا سمحنا لخيالنا بأن يتخطى الحدود

تخيلت لو أنني عازِفٌ في أكبر دُور الأوبرا و أقود أوركستراتٍ عالمية .

كانت لدي الكثير من الأحلام و لكنها تبقى و همٌ و محض هُراءٍ نِسبةً لواقعي الذي قادني لهذا القصر و هذا الجنرال

كان من الصعب أن ينسج عقلك حُلماً و خاصة في أوضاعنا ، فالاحلام تعتمد على البيئة التي تُحيطك و بالنسبة لنا
فهُناك مُستَقبَلان لا ثالث لهما إما الموت أو تُصبح جاسوساً تابع للحزب النازي

و في جميع الأحوال سيتم التخلص منك في نهاية المطاف

فحتى تستطيع البقاء على قيد الحياة كان عليك أن تُنفذ شَرطَين
الأول هو أن تكون نازياً بالكامل شكلاً و أصلاً و هي وثيقة تستلمها من الحِزب تُقر بأنك تابع لعرقهم
و الثاني هو ان تكون مُخلصاً للمَسيحية أو ما سماه الحِزبُ بالمبدأ الديني الصحيح

و في وضعنا نحن هذه الشروط لا تناسبنا بتاتاً و بَعيدةٌ كلَّ البُعد عنا

" أيُجافيك النوم مِثلي آنجيلوس؟"

رائحة الدُخان المُزعجة و صوتُ الجنرال قاطع صَفوة ذهني و خُلوتي بنفسي كالمُعتاد

" صوت الانفجار القريب أيقظني مِن عُمق نومي و لم أتمكن من الاستغراق بالنوم مُجدداً"

اقترب مني وجلس بقربي و السيجارة توسطت شفتاه بينما عيناه كانت تتأمل إنعِكاسه كما كُنت أفعل في وقتٍ سابق

" إنهُ مكاني المُفضلُ أيضاً و أزوره كُل ليلةٍ لوحدي لكن يبدو بأن هُنالك مُتطفِلٌ صغير قد سَرقه مني"

بالطبع سيكون مكانه المُفضل فالأجواء هُنا تبعث بالطمأنينة

" أشعر بأنني أستَحِقه أكثر مِنك"

أخرج السيجارة البُنية مِن بين شفتيه و نفث دُخانها بهدوء ثم سألني

" لِمَ؟ ماللذي يجعلك تسْتحقه أكثر"

" شعرت بأن صمت الطبيعة يُشبه هدوء داخلي و تباين وجهي في هذه البُحيرة يُذكرني بنفسي المُشوشة ، منذ خُروجي من بولندا لم
أجد مكاناً أُحبه سوى هذه البُقعة "

ابتسم و نظر لي
" ربما هذه المشاعر تُراودني أيضاً فما أدراك بما يحصل في داخلي أيها العَازف عَميق التَّفكير "

" ربما تكون مُحقاً و لن أُجادلك في هذا الأمر لكن دَعني أسرق مَكانك المُفضل و أنسبهُ لي كي أستطيع الصمود أمام وِحدتي القاتلة أيها الجنرال "

همهم لي ثم أطفأ سيجارته و استقام مُمدداً ذِراعيه

" سأعود للنوم ، و بشأن الانفجار قبل قليل ، الهجمات المُتكررة على برلين مِن أحزاب اليهود  لا تتوقف لذا ستعتاد على سماع هذه الاصوات في كُل ليلة"

أومأت و اكتفيت بها كإجابة ليرحل هو بعد أن بعثر شعري

وقفت أيضاً بعدم رغبة ، و لكن جفوني بدأت تُقاومني و تنغلق لوحدها لأذهب بعدها حيث غُرفتي مُستعداً لأيامي المُقبلة في هذا المكان

************

جونغكوك يجلس برفقة نامجون في المنزل الذي بات خالياً بعد رحيل جيمين

" أهناك أي تقدُماتٍ بشأن تدمير مُعسكرات الألمان على حدود برلين؟"
سأل نامجون ذلك الذي يُمسك بجريدةٍ بين يديه و يقرأها باهتمام

" لا ، من الصعب الدخول بين المناصب العُليا و لأصدقك القول ، وجود جيمين في منزل الجنرال لن يُفيد كثيراً الا في حالة واحدة"

" ما هي؟"

" الأُمسيات، عيد الميلاد و السنة الجديدة قد اقتربت و من المُرجح ان الجنرال سيقوم بدعوة كِبار المسؤولين و جيمين سيكون العازف لتلك الأُمسية حينها سنستطيع ارسال احدهم بين الخدم كي ينقل لنا كُل ما نطقت به أفواه المدعويين حتى و إن كان تافهاً "

أومأ نامجون
"حسناً لِمَ لا أتظاهر أنا بكوني خادماً و أندس بينهم "

ترك جونغكوك الجريدة من يده و تحدث بكل جدية
" لا، لديك مُهمة أصعب ، وفدٌ من الجنود قد ارسلتهم اليابان كمُساعدين الى مُعسكر مدينة فرانكفورت لذا مُهمتك هي التظاهر بأنك واحدٌ منهم و التقرب من الرائد المسؤول عن ذلك المُعسكر "

أعاد نامجون ظهره للخلف ويده تتلمس ذقنه بينما يُفكر
" تبدو مهمة خطيرة و لكن إن نجحت ستعود علينا بالفوائد لذا لا داعي للتفكير ملياً ، سأذهب الى هُناك"

****************

قَرع الباب في تمام الساعة السَّابعة صباحاً ثم تَبِعهُ صوت دورثيا الذي يُخبر الأشقر النائم بضرورة الاستيقاظ و مُشاركة الجِنرال إفطاره

جيمين استيقظَ عاقداً حاجبيه ، يشعر بأن جسده يرغب بالمزيد من الاستلقاء لكن صوت تلك الإمرأة الحاد جعل من الأمر صعباً للغاية

و المُزعج في الأمر هو عدم توقفها عن تكرار كلامها مما جعل من استفزاز جيمين سهلاً للغاية ليصرخ بغضب مُخبراً إياها عن استيقاظه

أخذ نفساً عميقاً و فرك و جهه بتعب ثم حمل نفسه المُنهكة  و توجه الى حيث الجنرال الذي ينتظره

عند وصوله لغرفة المعيشة و قبل اقترابه من حُجرة الطعام شعر بأن شيئاً غريباً يحدث ، كان هُناك اختلافاً واضحاً لكنه لم يستطع تمييزه
أو في الواقع لم يهتم كثيراً

دون قول أي كلمة جلس في مكانه يُقابل يونغي الذي لم يبدأ بتناول أي شيءٍ بعد

" لا تنتظرني على الإفطار دوماً فأنا لا أفضل تناوله"

" لكن ليس في قصري آنجيلوس، وعدتك بحياةٍ جديدة و هذه الحياة تحتاجُ لجسدٍ قوي لا نحيلٍ للغاية كخاصتك ، و لكن أتعلم ؟ لأصدقك القول أنت تبدو جميلاً حتى في أسوء حالاتك"

نظر جيمين الى الخدم خلفه
" لا أستطيع تناول الطعام وسط عددٍ كبير من الناس حولي"

ابتسم يونغي

" من الأن فصاعداً لا تبقوا طويلاً في غُرفة الطعام حتى لا تُعيقوا السيد آنجيلوس أثناء تناول طعامه"

قال ليخرج الجميع و يبقى جيمين الذي يُحدق بالجنرال بِنظراتٍ مُبهمة

" لا تنظر لي هكذا جيمين ، أنا أفعل ما تُحبه أنت لذا لا داعي لمُكابرتك"

أخرج الصغير أصواتاً ساخرة ثم التفت لتناول طعامه دون الاكتراث لعيون يونغي اللعوبة التي تُلاحقه في كُل حركة

كان يشعر بالغثيان قليلاً فتناول وجبتان في اليوم الواحد يُعتبر كثيراً بالنسبة لمعدته التي تقلصت بشكلٍ مُخيف

لكن من يلومه فالوجبة الواحدة قد رافقته لعدة سنواتٍ سواء في بولندا أو ألمانيا

كان من الطبيعي أن يكره جيمين حياة الاثرياء أمثال الجنرال و غيره لكنه لم يفعل و عِوضاً عن هذا فقط تمنى لو أنه استطاع منح عائلته مثل هذه الوجبة الشهية

أن يطعم الحلوى لأخاه الصغير ايثان الذي واجه أسوء الأمور قبل أن يموت

كانت حرقة قلبه على اغتصاب إيثان أعظم من أي شيء ، هذه الذكرى جعلت مِنه يُفلت قطعة الخُبز من يده و يتنهد بأسى واضعاً يده على صدره الأيسر حيث قلبه

" كُل شيءٍ على ما يرام جيمين؟ "

أومأ له الأصغر واستقام خارجاً حيث المكان الذي اكتشفه في ليلة الأمس ، لعل الطبيعة و الهواء النقي هُناك يُعدلان مزاجه

وسع عيناه بصدمة حين فتح الباب و وجد البيانو الذي اعتاد أن يكون في غُرفة المعيشة متواجداً بقرب بُحيرة الماء الصغيرة

نمت ابتسامةٌ تَكادُ تُرى و تقربياً كانت المرة الأولى مُنذ سنة التي يبتسم فيها بِصدق و بعذوبة

" ما رأيك في جمال هذا المَنظر"
الجنرال بُغتة آتى مِن الخلف و تحدث مُفزعاً جيمين
" هل أعجبك ؟ قررت تسليم هذا المكان لك و دمجه مع أكثر شيءٍ تبرع به "

اقترب جيمين بخطواتٍ بطيئة و تلمس المفاتيح البيضاء
" لم أتخيل أن يأتي يوماً كهذا و لكنني أشكرك أيها الجنرال "

" حقاً جيمين ؟ انت تشكرني؟ هل اقتنع رأسك الأن بأنني لستُ سيئاً كما تنسج مُخيلتك "

قال الأكبر عُمراً و يده امتدت لخصر آنجيلوس لكن الأمر لم يدوم كثيراً فالأصغر ابتعد بسرعة

" فِعلٌ جيدٌ واحد لن يُحدد شخصيتك  ، لم ينسج عقلي عنك أي أفكارٍ سواء كانت جيدة أم سيئة، أنا فقط لا أُفضل الاحتكاك مع أي تابعٍ للنازية إكراماً لمن فقدتهم و إكراماً لنفسي "

كتف يونغي ذِراعيه و رفع حاجبه
" ما أدراك أنني تابعٌ للنازية و أفعل كما يفعلون ، أتظن بأن قَتل الضُعفاء يستهويني؟"

" قتل الضُعفاء ؟ اذاً الأمر لم يقتصر علينا فحسب بل تحول لمرضٍ و بِتَ تقتل كُل من أمامك ، أتعتبر بأنك مُتخلفٌ عنهم بينما أنت تُشبههم بل رُبما أسوء"

شد الجنرال على قبضته و نظرة عيناه لم تعد كما كانت قبل بل أصبَحت أكثر حدة

لسانه ارتطم بوجنته من الداخل
" اتبعني لغرفة المعيشة هُناك ما يجب أن نتحدث بشأنه "

***********

جِيمين

بصمتٍ تَبِعتهُ الى الغُرفة ، كان غاضباً للغاية و استعجب امساكه لأعصابه و لكن مَن يهتم ، كُنتُ لأتقيأ بكلامٍ أسوء مِن هذا لو لم أمنع نفسي

جلست على أريكة مُنفردة و هو أخذ من الأريكة المُزدوجة مَجلساً .

فتح ذِراعيه و أراحهما على ظهر الأريكة ثم و وضعَ ساقاً فوق أُخرى ، و كأنه ملكٌ أو ما شابه

حتى بجلسته ستُلاحظ غُروره

" احتفال السنة الجديدة قد اقترب و في الواقع قررت إقامة هذه الامسية في القصر هُنا و أود منك يا آنجيلوس أن تكون العازف لهذه الليلة المُهمة"

امسية رأس السنة في قصر الجنرال الأعظم مما يعني وجود الكثير من الرؤوس الكُبرى و أصحاب النفوذ في ألمانيا

هذه الأُمسية ستكون السمكة الذهبية بالنسبة لي ، فلا بُد وأن أذني ستلتقط حديثاً هاماً تتناقله أفواه المُجرمون بينما يمسكون كؤوس النبيذ الأبيض بسعادة

و لكن المُشكلة هي قدرة تَحملي ، صبري و تماسك نفسي الذي لا أعلم إن كان سيستمر طويلاً

" أيعتبر هذا جُزءً مِن عملي "

" نعم على الرُغم من تملكي الشديد اتجاه مُوسيقاك لكن أجد بأن إظهار موهبتك أمراً مُهماً أيضاً"

قبل أن أُجيبه دخلت دورثيا الى الغُرفة و برفقتها سيدة تُماثل الجِنرال عُمراً ، شقراء و طويلة

لمحت ابتسامته حين رأها و استقامته مُستعداً لعِناقها ، لا بُد و أنها إحدى نِساءه

أو هذا ما ظننته لكنه عرَّفها لي على أنها صديقة مُقربة و قديمة

رأيتُ امتعاض وجهها و ابتسمت بجانبية ، لا شك بأنها مُعجبةٌ به لكن هذا الجنرال كثير اللعب لا يُبادلها

إنها من النساء التي ستكون خاضعةً لأي شيءٍ يُقربها من يونغي حتى و لو كان إفشاء أعظم أسراره

" هذا آنجيلوس العازف خاصتي "

رأيت شفقةً في ملامحها و لوهلة ظننتها تشفق على حالي لكن ظني لم يكن في محله حين قالت ما صدمني

" أُشفقُ على عازفك السابق على الرغم من أنه كان جاسوساً يهودياً وضيعاً الا أن موسيقاه كانت رائعة"

عقلي في هذه اللحظة انقسم الى نصفان ، واحدٌ مازال مصدوماً من هذه المعلومات و الأخر يُخبرني بأن أنقض على هذه الإمرأة و أحرق فمها الذي وصفنا بالوضيعين

تصنعت الابتسامة على وجهي ثم استأذنت بالرحيل و وذهبت
حيث غُرفتي

استلقيت على سريري و أغمضت عيناي سارحاً في أفكاري

اتساءل الى أي مدى قد وصلت دناءة نُفوس هذا الشعب و الى أي متى سيدَّعي هذا الشعب الأُلوهية

أود معرفة ما نوع الكلام الذي يقلب شعباً كاملاً خلال سنواتٍ ليست بطويلة ، مانوع العسل المسموم الذي يدسه هتلر في خطاباته التي تُلاقي ترحيب الألمان جميعهم

هل تعمد اختيار مريضين نفسيين لتولي الأمور العسكرية ،

هتلر كالأُم لهذا الشعب

رباهم على العبودية و الاستعباد مُختبِئاً خلف قِناع السلام و لكن الجنرال أعطاني انطباعاً أخراً عما يحصل

شعرت و كأنه الأقوى لوهلة، شعرت و كأن هِتلر و آلفريد لا يُضاهيانه

كأن بكلمةٍ واحدة مِنه قادرٌ على هدم كُل ما بناه الحزب

ورقتي الرابحة هو و أجهل متى و كيف استخدمه لصالحي ، فلو كُنتُ رجلاً عابثاً لأغريته و قضيت الليل برفقته و لكنني فاشلٌ في هذا أيضاً

و رجلٌ مِثله لن تؤثر الكلمات العاشقة فيه و لن يسمح للحب بطرق أبواب قلبه

فمالسبيل للحصول عليه أو الحصول على ما بِجُعبته مِن أسرار

شَعرتُ بانخفاض السرير الى جانبي ففتحتُ عيناي و نظرت لمن زارني في حُجرتي

و من سيكُونُ غيره

"ألن تَعزف لي اليوم؟ "

"الوقت مازال مُبكراً و الشمس لم تَغرُب بعد ، أوليس عملي ليلياً فقط؟"

قهقه ونفى
"لا ، عملك يبدأ حين أقول أنا "

تنهدت و وقفت من مكاني ذاهباً برفقته الى غُرفته و في الحقيقة انا جاهِلٌ لأمر عزفي الُمستمر له في تلك الغُرفة

فتح لي الباب و أفسح لي المجال لأدخل ثم أغلقه و كما في الأمس تماماً أحضر كأس مشروبه الكحولي و جلس على الأريكة الحمراء أمام سريره ثم أشار لي كي أبدأ

احترت في البداية باحثاً بين ثنايا عقلي عن معزوفةٍ تُناسب مشاعري و لم أجد سوى السمفونية الخامسة لبيتهوڤن تُدعى بضربات القدر

كان عُنوانٌ مُناسبٌ يُلخص مُجريات ما حصل معي الى حد هذه اللحظة البائسة

وضعت أناملي على المفاتيح و نسجت الألحان في رأسي
ثم عزفتها و ها أنا أغرق بأفكاري

أنسميها ضربات القدر أم ضربات الحظ السيء ، فمن يتحكم بمن؟

كانت والدتي مُولعةٌ بكل ما يعزفه بيتهوفن و تمتلك أُذناً مُوسيقية تُميز بين الانتقالات و الالحان فوراً

و يبدو بأنني ورثتها بهذا الأمر أيضاً ، هي أعطتني كُل شيءٍ الا واحداً

فأمي كانت لطيفة جداً و رقيقة كأنها ازهار الربيع و مَن يُشابِهُها بهذه الصِفة كان أخي ايثان

أما أنا على نَقيضها ، فاللطافة قد عبرت طريقاً أخر مُعاكساً لطريقي الذي اتخذ من الاسلوب القاسي ملجأً أبدياً

حتماً سيكون النظام النازي و الصارم الذي أنشأنا منذ طُفولتنا على الخضوع غاضباً لأنني أفلت من بين أيديهم .

في شِتاء عام ١٩٣٨ زارنا رجلٌ يُدعى بالسيد روبرت كان صحفياً ذو أُصولٍ بريطانية و لكن ((ضربات القدر)) قادته الى أفقر أحياء بولندا

جلست برفقته و والدي يوماً كاملاً و كانت المرة الأولى التي اسمع بها أحدٌ يشتهم هِتلر

السعادة فاضت في أعماقي حينها و شعرت بأنني أرغب بالمزيد و المزيد من التمرد

كان هذا الرجل يُكلمنا عن أن الدول التي ترفض الحُكم النازي علناً هي أكثر من يُساعد الحزب خفاءً

شعرت و كأنني انجذبت لحديثه و دون شعورٍ مني أمضيت الوقت برفقته أُناقشه عن جميع ما شهدته عيناي مِن عُنفٍ ألحقه بنا الجنود و عن رفاقي اللذين انقسموا لِجُزئين

أحدهم أصبح تابعاً للثوار و الأخر أصبح جاسوساً يتبع للحزب

والدتي كانت تنظر لي بغضبٍ آنذاك و حين رحل السيد روبرت أنبتني بشدة ، كانت تخشى من أن أُصبح كرافائيل و أن تكون نهايتي مثله

و الأن أترين يا أُمي أين أخذتني الحياة ؟

أنا أصبحت مُتمرداً أمام جنرالٍ نازي و لكنني مازِلتُ على قيد الحياة

الخوف يقتل و الشجاعة تقتل

و لكن الشجاعة تُبقيك عالقاً في أذهان الجميع على هيئة قوي

و الخوف يُخفيك و يجعل منك بلا اسمٍ او ذكرى

فعلى سبيل المثال المسؤول عن مقتل عائلتي ، آلفريد روزنبيرغ

انا مُتأكِدٌ بأنه ملامح وجهي أصبحت له منسية و لكنه لم ينسى كلماتي ، فهو اعتاد على خضوع الجميع له حتى جنوده .

و على سبيل المثال أيضاً، الجنرال آلبير الذي يبدو سعيداً في كُل مرة تلتقي أعيننا بنظراتٍ مُتحدِّية.

انتهت معزوفتي لهذا اليوم و مجدداً أراه غير موقِعَه و أصبح على مقربةٍ مني

وضع كأس مشروبه على سطح البيانو و رافقني الجلوس على الكُرسي الخاص به

" أحسستُ  بغضبك مُسبقاً جيمين  و أعتذر لك إن شعرت بعدم الراحة، رغبت بتأنيبها لكنني خشيت إظهار هويتك الحقيقية لها بعدما اتفقنا انا وانت على إخفاءها "

اعتدلت بظهري و أصبح كتفي يُلامس كَتِفه

" لا بأس مُعتادٌ على هذا بالفعل ، لم تكن المرة الأولى"

" لكن ليس في منزلي جيمين، إن تمت إهانتك بأي شكلٍ مِن الأشكال فأعلمني على الفور"

كان أسوء ما يُميز الجنرال هو تناقضه الفظيع ، الخير و الشر اجتمعا في هذا الشخص ، تارة يحميني و تارةً  أُخرى يتحول هو لأكبر مخاوفي

" و ماذا إن تعرضتُ لإهانةٍ منك؟ هل يُمكنني أن أحمي نفسي حينها؟"

شعرت بسبابته التي يُمررها على طول ظهري ، كُنت أنوي الابتعاد كما أفعل عادةً لكنني هدأت من روعي و بقيت على وضعيتي أُبادله الأنظار

" أتساءل كيف تبدو الجِراء الخائفة أمام الذئاب"

رفعتُ حاجباي فأنا لم أفهم حقاً ما يقصده و لكن في هذا الجملة لابد و أنني الجرو الخائف و هو الذِئب

" لا تقلق آنجيلوس فأنا لستُ من أصحاب الألسنة المُتمردة مثلك ، لن يتفوه فمي بأي إهانة تخصك أو تخص عِرقَك لذا كُن مُطمَئناً"

" و ماذا عن نِساء مُتعتك؟ ماذا إن تفوهت إحداهن بِما لا يُعجبني"

اقترب و وجوهنا أصبحت على مَقربة كبيرة من بعضها
" سأقتص  ألسِنَتهن "

" و ماذا يحصل إن أنا من وجه لك إهانةٌ أيها الجنرال"

"أنا مُعتادٌ على قطع لسان كُلِ من يتخطى حُدوده معي آنجيلوس"

عقدت حاجبي و همست له
" اذاً لِمَ لساني مازال في مَكانه يُونغي "

ابتسم هو بجانبية و احتدت نظرت
"لأنني لم أتَذُوقه بَعد"

********************

يُتبع

Continue Reading

You'll Also Like

153K 6.1K 27
-مَا رأيكِ في أن نتحَدث في مَكتبي على إنفِراد؟ 'لكِنّي طالبتك أستاذ جُيون،ألا تَعتقد أنّ هَذا مُثير للشّكوك؟' -لَن يُلاحِظ أَحد هَذا عَزيزتي،هَذا بَي...
483K 31.9K 22
{ Sexuel contact} جنيرالٌ مخدرمٌ أنتَ أوقعتنِي بينَ سلاسلِ عشقكَ الأبدية و أنا مجردُ أنثى عذراء سقيتُ بعسلِ علاقتناَ الآثمة و بللت إطار علاقتنا بدمو...
5.5K 296 9
-في تِلك الحالة!، عِندَما تُولَد أبْكمًا أو ذُو إعَاقَة!؛ تُعامَل وكَأنكَ وُلدّتَ فَضائيًا، ما لَعنة تِلك الحَياة غَيرُ ناصِفةٍ بِالمَرة. -فَقط كُل م...
24.5K 1K 29
عندما كنت أبحث عن مكان لتدريبي الجامعي لم أكن أظن أنني سألتقي بمن ينتشلني من آلامي . جونغكوك "جيمين مارس معي الجنس " جيمين "الهذا السبب قبلتني بالعم...