آنجِيلوس١٩٤٠ || YM

By 00melas

196K 17.6K 26.4K

كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الأ... More

مُقدمة
-١- حَانةُ المَوتِ المُفاجِئ
-٢- سُوناتا "مثيرٌ للشفقة"
-٣- سُوناتا الرَّقم واحِدٌ وعشرون
-٥- سيمفونية ضَرباتُ القَدر
-٦- المعزوفَة الثالثة عَشر
-٧- تضحية مُوسيقية
-٨- بِجانب البُحيرة
-٩- المَعزُوفة الثّانِية والعُشرون َ
-١٠- الجَاز عَبر شَوارع بِرلين
-١١- مَعزُوفة أُوبِرالية
-١٢- لَيلة كَئيبة
-١٣- تراقُص الأجسَاد
-١٤- نُدبةٌ قَديمة
-١٥- ضَوء القَمر
-١٦- السُقوطُ السَادس
-١٧- السُّوناتا السَّابعة عَشر
-١٨- رِحلة الى مَكانٍ بعيد
-١٩- مَشهدٌ مِن صُنع شِيكسبير
-٢٠- السُوناتا التَاسِعة و الخَمسُون
-٢١- مُوسِيقى الأُورغن الشَهيرة
-٢٢- رِسَالةٌ الى آلفرِيد
-٢٣- الحَرَكة الأُولى
-٢٤- ليلة موسِيقية قَصِيرة
-٢٥- لِقاءٌ بعد فُراق
-٢٦- مَعزوفة الجَرسْ
-٢٧- جُزئية الشِتاء
-٢٨- سيكلوجيات شائعة
-٢٩- السوناتا الأولى
-٣٠- حانةٌ في مَانهايم
-٣١- مُذَكَرة آلفريد
-٣٢- النِهايَة
- مَعزوفةَ مُميزة ١/٢ -
- مَعزوفَة مُميزة ٢/٢ -

-٤- المَعزوفة الرَّابعة ( اختناق)

6K 568 975
By 00melas

Enjoy
**************

مرور عَامِل القِطار بمقطورتهم و إخباره لهم بوصولهم لمحطة برلين الرئيسية كانت خط النهاية بالنسبة لصمتهما الذي استمر طويلاً برغبةٍ من الأصغر

لم يستطع جيمين إغماض عينيه و لو لثانية واحدة

ليس و كأن المناظر الجميلة جذبته أو ما شابه لا بل الأفكار الخبيثة التي تتأكله مع اقترابهم لبرلين ، في عقله قد تم نسج الكثير من الخطط للهروب و ترك كُل شيءٍ خلفه و اللعنة على الانتقام و نامجون

كان من السهل الإجزام بأن كف يده يطلب العفو و الغفران لقسوة أظافر الشاب التي لم ترحم بشرة باطن يده

لم يُخفى الأمر على الجنرال آلبير أو يونغي الذي قهقه بخفوتٍ على توتره الغير مُبرر

" مابكَ تَبدو كَمُجرمٍ يقتادُونه لإعدَامِه آنجيلوس؟ على مَهلكَ أيها الفتى يداك تكادُ تنزف "

خفَفَ جيمين قَبضة يده بعد سماعه لسُخرية الجِنرال الواضِحة و ألقى عليه بالأكاذيب حتى لا يظنه ضعيفاً
" ليس توتراً بل مُجرد عادة سيئة ورثتها عن والدتي"

جيمين ليس بطلاً خارقاً لا يمتلك مشاعر الخوف ، هو بشريٌ كالباقي يمتلك التناقضات و العيوب

داخله و خارجه مُتعاكسان تماماً ، يُخبر نفسه بأن يصمت عن الاهانة و لكن لسانه يتمرد و يُجيب بِمثلها

.

وجهة نَظر جيمين

رَجلٌ فارع الطولٍ و كبيرٌ في السن على وجهه ابتسامةٌ لطيفة كان بانتظارنا أو بانتظار الجنرال عند مَحطة القطارات

مدَّ يده يرغب بمُصافحتي لأبادله راغباً بالتعريف عن نفسي لكن يونغي سبقني بالتكلم

" هذا آنجيلوس عازفي الخاص من الأن فصاعداً "

" و آنجيلوس هذا السيد سباستيان كبير الخدم "

كان نطقه لهذا اللقب عِوضاً عن اسمي مُحيراً للغاية و لكنني تركت أمر سؤاله الى ما بعد وصولنا

الزي العسكري و السيارات العسكرية كانت في كُل زاويةٍ من شوارع بِرلين على عكس هامبروغ

التمييز بيننا و بين الألمان هُنا أقسى مئاتٍ بل آلاف المرات  ، سَمِعتُ عن هذه المدينة الكثير و عن جمالها و الى آخره

لكن ما أراه الأن ليس كما نسجه عقلي ، أنا لا أرى سِوى الفساد في هذه الطُرقات و لا أشمُ سِوى رائحة الدِماء المُنبعثة في كُل مكان فعلى أي جمالٍ كانوا يتكلمون

هل لو أنني ألمانيٌ مسيحي لرأيت جمالية هذا المكان؟ أم أن السواد الذي يُغطي عيناي هو من يمنعني عن مُلاحظة الأشياء الجميلة

الحي الذي أسكن به في بولندا و رُغم فقره كان جميلاً و كيف لي نِسيان طفولتي هُناك

و لكن ما يُضحكني أكثر هو جلوسي الأن برفقة من سلبوني هذه الطفولة و هذه الحياة

الأيام و ألاعيبها و الزمن و ظروفه الذي قادني للتعاون مع أعدائي ، قادني لمُصافحتهم يداً بيد

كم أشعر بالقذارة و كم أقرف نفسي

أتساءل هل راودت هذه المشاعر رافائيل و هو يُشاهد هؤلاء القتلة كُل يوم ؟ المُجرمين اللذين أعدموا أخاه أمام أعين عائلته فقط لأنه كان مُعاقاً و لا يستطيع السير على قدميه

يؤسفني يا صديقي إخبارك بأنني أعيش ما عايشته أنت تحديداً و كم أتمنى لو أننا الأن نضحك سوياً بينما نسير في أحياء زغورغيلتس الجميلة

كُنت في السابعة عشر حين فقدتك و كانت مرتي الأولى في مواجهة هذا الأمر و لكني الأن يا رفيقي بِتُ مُعتاداً على الفقدان و كأنه جُزءٌ لا يتجزأ مِن يومي

" آنجيلوس لقد وصلنا"

الجنرال بجانبي قاطع غرقي بالمزيد مِن الأفكار مُخبراً إياي عن وصولنا الى منزله الأساسي حيث سأسكن لمدة ثلاث سنوات

بالطبع إن استطعت الصمود دون أن يكتشف الجنرال بأنني جاسوسٌ تابعٌ لثوار اليهود

تقدمت من المدخل الرئيسي و توقفت مُشاهداً ما كُنت أعتقده منزلاً لكن تبين بأنه أكبر من ذلك بكثير

" قصر؟ حقاً؟ لا بُد بأن قِصص العصر الفِكتوري تُثير اهتمامك أيها الجنرال ، في الأمس تأتيني بعربةٍ وخيل و اليوم تأخذني لقصرٍ خيالي"

قهقه و أومأ لي
" حسناً أنت مُحق ، القصص التاريخية الملكية تستهويني و سترى ذلك في مكتبتي التي مَلَأتُها بِرواياتٍ مِن هذا النوع"

سبقني هو في المشي لألحق به راغباً بالسير بجانبه لكن السيد سِباستيان أوقفني
" لا يجب عليك الوقوف الى جانب السيد آلبير، فالتدع مساحةً بينكما دوماً"

رفعت حاجبي و ابتسمت بسخرية
" فالتِملي هذه الأوامر على الخدم ، أنا عازف و أسير حيث يحلو لي حسناً ؟ و السيد آلبير ليس ملكاً بل جنرال "

لطالما كَرهت أن يُلقي أحدهم بالأوامر ، نبرة السيد سِباستيان تملؤها الخضوع لكنني لست كذلك

لن أعفو أو أرضى بأي إهانة يتم توجيهها لي ، مجدداً ما بيني وبين الجنرال يونغي هو عقد عمل لا عبودية

تقدمت بِضع خُطواتٍ حتى أصبحت أسير بمحاذاته و هو ابتسم لي و كأن لا شيء قد حدث خلفه على الرغم من سماعه لكل كلمة نطقت بها

" يالك مِن مُتمرد آنجيلوس "

" لست كذلك ، لكن أطلب منك أن تُوضح الأمر للعاملين لديك بأنني لستُ عبداً أو خادماً هُنا"

" العازف الذي كان يعمل لدي قبلك لم يكن حاد اللسان مثلك بل خاضعٌ للغاية و يتعامل معي على أنه خادم لذا رُبما الأمر اختلط بالنسبة لسِباستيان لكن لا بأس سأحذر الجميع و اخبرهم بضرورة مُعاملتك على أنك سيد هذا القصر"

قلبت عيناي فها هو يستهرئ مُجدداً

" لم أعني هذا أيضاً ، لستُ سيداً و لستُ خادماً أيصعب عليكم التوقف عن التمييز الطبقي أم ماذا؟"

صغر عيناه و حرك رأسه بيأس
" ياله مِن لسانِ لاذع آنجيلوس ، ألا يمكنك التحدث بطريقةٍ ألطف تُناسب وجهك "

كان الغَزل في كَلامه واضحاً و الأن تأكدت بأن هذا الجنرال لعوبٌ بحق على الرغم من اخباره لي سابقاً بأن النساء في منزله و على سريره بالتحديد كُثُر

لا بُد وأنه مُعتادٌ على مُغازلة الشابات و من يعلم رُبما الشُبان هُنا بكل سهولة فمنذ لقاءي به و نظره عيناه المُتلاعبة لا تكف عن الظهور أمامي

على الرغم من إخباري له سابقاً بأن ما يبحث عنه من إرضاء شهوة لن يجده عندي لكن من يهتم فاليُحاول كثيراً في النهاية سيمل

" أيجدر بي الترحيب بك في منزلنا الأن آنجيلوس"

قال لي حين فُتح باب قصره لنا و استعجبت هذا الجو الكلاسيكي الطاغي على اسلوب هذا المكان

كانت التماثيل البيضاء المنحوتة على أشكال الآلهة الاغريقية مُتوزعة في كُل رَف بتنظيم و لوهلة شعرت بأنني داخل قِصة خيالية

تقدمت لي امرأة بجسدٍ مُمتلئ لا تبلغ مِن العُمر أقل مِن ستون عاماً ، ابتسمت و رحبت بالجنرال تُعبر عن اشتياق جميع من في المنزل له

عرَّف بي على أنني آنجيلوس و ليس جيمين مُجدداً ثم أمر الإمرأة التي تُدعى بِالسيدة دورثيا بأخذي الى غرفتي
" خُذيه الى الغُرفة في الأعلى"

" أهي حقاً غُرفة خاصة بي؟ أم أنك ستدعي كَثرة النِسيان كما حدث سابقاً"

ابتسم لي بجانبية و نفى برأسه
" لا إنها خاصتك حقاً و لكن لا تعلم فأنا حقاً كثير النِسيان قد أقتحم غرفتك في أي لحظة "

اكتفيت بالالتفات واللحاق بالسيدة فالنِقاش مع الجنرال عَقِيمٌ و بِلا جدوى

سار نظري عبر الجدران إلى الثريا العملاقة في منتصف المدخل ، بين درجين ضخمين أعترف أنني تساءلت كيف يمكن لبشرياً وضع الكثير من البلورات في جسم واحد

نظرت حولي الى  تفاصيل الأستقبال باهظة الثمن

إذا كان لدي ثلث هذا المال الذي تَم أستخدامه فِي هَـذَه التفاصيل
لاستطعتُ إطعام نَصف سكان بولندا المَساكين

المُضحك في الأمر أيها الجنرال هو أن جنودك اعتادوا على نَهبِ بيوتنا و سرقة ما يحلو لهم مِن مال او مجوهراتٍ إن وجِد

زفرت متذكراً تقشير الطلاء على جدران غرفتي في موطني والذي جعلني أراى كل يوم أن واقعي مختلف تماماً عن هذا الواقع

بيانو بُني اللون و من النوع الفاخر نال اعجابي وبشدة كان يفصل غُرفة الجلوس والمَمر

" أرى بأن موقع عملي سيكون هُنا "
همست مُحدثاً نفسي لكن الجنرال أجابني

" هنا و يوجد واحدٌ اضافي في غُرفتي "

"و لِمَ سأعزف في غُرفتك أيها الجِنرال"

" الخدم يتوجهون للنوم عند الساعة العاشرة و إن قُمت بالعزف هُنا سيتم ازعاجهم لذا ستعزف لي في غُرفتي حتى أطلب منك التوقف"

كتفت يداي و عُدت للنظر لتفاصيل القصر مُتمتماً
" يبدو بأن وقت عملي سيكون ليليٌ فقط"

صعدت السلالم والسيدة دورثيا بجانبي تُثرثر بِلا توقفٍ عن قوانين المنزل التي لن أذُكر منها شيئاً بحلول الغد ، كانت تبدو كفريسةٍ سَهلة المَنال و استخراج الكلمات من فمها لن يكون صعباً

في مُهمتي هذه سأركز على هذه السيدة التي ستجلب لي مَجدي و مُناي

"هل تعرفين تلك الروايات المُرعبة حيث يدفع الشرير الرجل الطيب إلى أسفل السلم؟"
سألتها لتنفي لي باستغراب

ثم هَمست
"هذا السلم يبدو وكأنه ذاته من روايات الرُعب"

اختنقت السيدة محاولة كبح ضحكتها ،و وضعت يدها على فمها حتى لا تدع أي صوت يهرب منها لَكِي لا يلاحظ الجنرال الَذي كَانَ يخطو بتلك الابتسامة المُتعجرفة نَحو غُرفته دون أن يكترث بأننا نتحدث بشكلٍ سيء عن تصميم قصره

لم أرغب بأن أكون كرافائيل و المُضحيين بأنفسهم ، أنا أُقدرهم لكنني سأتبع منهجي الذي ينص على عدم التخلي عن المبادئ مُقابل الحُرية الأبدية

قد يظن أحدهم بأنني أخْضَع لحكم النازيين ، لكن الأمر عكس ذلك بل انا اُخضِعهم عن طريق الوهم

لكن عقلي نسج لي سؤالاً فلسفياً أو ربما يكون مُعضلةً بشرية

ألا يُماثل السيد سِباستيان رُتبه الجنرال آلبير الطبقية ، هو ينفذ جميع شروط هتلر

أشقر ، أزرق العينين و طويل القامة بالإضافة الى أنه يتبع مبدأ المسيحية الصحيحة كما يُطلق عليها الحزب الاشتراكي النازي

شعبٌ يُميز بين بعضه البعض على الرغم من تماثله ، اذاً ماللذي يجب أن أتوقع مِنهم كيهودي بولندي

و إن تكلمنا عن الحقائق فأنا لستُ بيهوديٍ فعلي فوالدتي كانت كورية و لا أعلم ما ديانتها الحقيقة و لكن والدي هو اليهودي

و في هذه الديانة تحديداً حتى تُعبتر يهودياً على والدتك أن تكون كذلك أيضاً

أيها السيد آلفريد يُدهشني أن  القتل في حياتك كشُرب المياه أو تناول العشاء و ما يُدهشني أكثر هو أنك فيلسوفٌ مشهور و ذو عِلم و لكن تبين بأنك الأكثر جهلاً

أتساءل هل إبنك الجنرال آلبير مِثلُك ؟ هل قتل عائلة أحدهم و رماهم في مُعسكرٍ نموت فيه كُل يومٍ مِئات المرات

لابُد و أنه كذلك

لا بُد وأن ابتسامته الجانبية قد أفزعت أحد الأطفال أو أحد ضحاياه

و انظر يا سيدي الأن انا على مَقرِبة منك و اشتم رائحتك في كُل مكان و  ذاكرتي تُعيد لي صوتك و كلماتك الأخيرة

" هذه هي غُرفتك سيد آنجيلوس، عادةً نحن نُعطي هذه الغُرفة لكِبار الضيوف و لكن الجنرال أمرنا بتجهيزها لك "

" حقاً؟ و أين اعتاد أن ينام العازف القديم ؟ "

" في الأسفل ، مع باقي الخدم "

يال الذُل الذي كان يعيش به ، أيسترخص الانسان مِن نفسه فقط لأجل مَخاوفه

" دوروثي ، أيمكنني الاستفسار عن شيء"

" بالطبع ، سأجيبك"

" أهنالك سببٌ يجعل من الجميع يخشى الجنرال أم أن مرتبته هي من تُخيفكم"

تنهدت ثم تبسمت لي
" هُنالك الكثير من الخفايا داخل هذا القصر ، أثناء مُكوثنا ستعرف كُل شيء ، لكن دعني أُقدم لك نصيحة فالتحيى هُنا بصمت و الا ستلقى ما لا يُعجبك من السيد الكبير"

أومأت لها لِتخرج من الغرفة بعد أن أخبرتني بأنها ستُناديني عندما تنتهي من تحضير  العشاء

ألم يكن الصمت دوماً هو السبب في تقييدنا ، بينما نحن اليهود هُنا نُكافح جهراً ضد النازيين ، الإسبان يُكافحون بصمتٍ ضد فرانسيسكو فرانكو الديكتاتوري

فرانكو كان الداعم الأكبر لسلطة هِتلر ،
أذكر أن عائلة اسبانية نجحت في الوصول الينا و لكن لم يمضِ يومان حتى اكتشف النازيون الأمر و أعادوهم الى بلادهم حيث تم اعدامهم فرداً فرداً

كانت هذه الاتفاقية السرية الصامتة بين اسبانيا و ألمانيا

السيدة دورثيا لم تعلم ما مُشكلتي الأساسية، هي تُخبرني بالصمت دون أن تعرف بأنني لم أصمت أمام والد الجنرال و تكلمت بكل وقاحة فإذاً لِمَ سأخاف من آلبير هذا و أنا مَن تعديت على الأقوى مِنه

كانت والدتي تخشى ارسالي الى المدرسة خوفاً من أن أرفض قول الشعارات الحزبية أو أن أشتم أحد الجنود

كُنت أراها تجلس و أعصابها تنهار في كُل مرةٍ أعود بها مُتأخراً و عند عودتي تُخبرني بأن لساني سيجلب لهم المشاكل

و بالفعل لِساني جلب لي ولهم أعظم المصائب

قَرعٌ على الباب جذب انتباهي
" يمكنك الدخول"

توقعت بأن تكون دورثيا أو أحد الخدم لكن قدوم الجنرال كان عكس توقعاتي

" جيمين مارأيك هل أعجبتك الغُرفة "

" لم أستطع مُعاينتها بعد فأنت لم تتركني وشأني للحظة"

تقدم جالساً على السرير بكل راحة

" هل أصبحتُ مُتطفلاً في منزلي ؟ جيمين أنت بدأت تتحكم في قصري منذ أول ساعة "

" ماذا تُريد أيها الجنرال"
بنفاذ صبرٍ سألته

" أخبرت الجميع بأن يُعاملوك كما يُعاملوني و لكن في المُقابل عليك أن تُخفف في حدة لِسانك لأن بالي ليس طويلاً "

" أهذا تهديد أيها الجنرال يونغي؟"
تقدمت منه مُكتفاً ذراعاي

" جميلٌ اسمي بصوتك ، و لا ليس تهديداً بل لنعتبره تعارفاً بسيطاً بما أننا أصبحنا مُقربان أليس كذلك جيمين؟"

نظرت له و قلبت عيناي

صوت دوروثيا أنقذني من قول شيءٍ ليس صائباً في حق الجنرال و أنا شكورٌ لها

تحمحم الجنرال و وقف في مكانه
" هيا بنا "

.

جلست مُحدقاً في الطاولة ، مُحللاً كمية الأواني الفضية نوع الشوكة التي يتم استخدامها لأكل هذه الوجبة ،

لماذا وضع هؤلاء الناس العديد من الأحجام المختلفة.

تجاهلت باقي الملاعق وأخذت المقاس المُتوسط ​​، لم يكن الأمر كما لو أنه يُحدث فرقاً كبيراً

الشيء المهم هو تحقيق هدف إحضار الطعام إلى فمك ، لذا تباً مَن يهتم

ومع ذلك ، بعد ابتلاع اللقمة الأولى ، نظرت إلى الأعلى ولاحظت نظرة دوروثيا التي تحدق بي مُحاولةً إحتواء ابتسامتها ، أقتربت من أذني هامسة

"أنت تستخدم شوكة التي يُؤكل بها السَمك"

"هل من الصعب عليكم وضع معلقة وشوكة فقط عَلَى الطاولة، من هو الأحمق ذو البال المُرتاح الذي أخترع قاعدة وضع اكثر من اثنان ؟"
قلت بسخرية

رفعت دوروثيا كتفيها و لا تزال مبتسمة

نظرت إلى الشوكة الحادة في يدي بعد أن بدأت في استخدامها، سأستعمل هذه حتى النهاية.

أخذت المزيد من الطعام إلى فمي بينما تجاهلت الإبتسامة الساخرة التي أعطاني إياها بعض من الخدم
"يا له من هراء"

" من الأن فصاعداً ضعوا شوكة و مِلعقة واحدة للسيد آنجيلوس حسناً؟ و الان يمكنكم التوجه الى غُرفكم "
قال الجنرال فجأة مُقاطعاً الصمت الذي حصل بعد سُخريتي العلنية

" أترى جيمين ؟ الأمور سهلة حين تتحدث بما تريد عِوضاً عن السُخرية"

" أصبحتُ  كبيراً على تغيير عاداتي و طِباعي أيها الجِنرال لذا لا فائدة من إعادة تربيتي"

لم يكن يونغي هو الوحيد الذي كَره اسلوبي الساخر ، بل جميع من حولي كانوا كذلك حتى والدتي حذرتني جداً بسببه

لكن ما شأني إن كان كُل مافي هذه الحياة يَدعو للسِخرية

" لِمَ لم تُخبرهم باسمي الحقيقي "
سألته حين تذكرت ما فعله صباح هذا اليوم

ترك ملعقته و نظف فمه بمنديله قبل أن بُجيبني

" أخبرتك بأنك حالما توافق على عرضي سأصنع لك حياةً جديد بما في ذلك اسمك ، و فالنكن مُتعادلين أنت الوحيد الذي يعلم باسمي الحقيقي في هذا المنزل و أنا كذلك "

أومأت و لم أعثر ما أُجيب به

" و الأن الا تنوي أن تُمتع مسامعي بعزفك آنجيلوس؟"

استقمت من مكاني لاحقاً به الى غُرفته ، فعملي قد بدأ على ما يبدو

دخلت الى حُجرته الكبيرة ، كانت بحجم منزلين و تصميمها الداخلي مُختلف قليلاً عن باقي القصر

اللوحات المُتقنة المرسومة بالألوان الزيتية كانت تملأ الجُدران و أياً مَن رسم هذه الرسومات فهو مُبدِعٌ للغاية

أبعد لي سِتارة حمراء كانت قريبة من سريره ليظهر لي بيانو أبيض اللون جذب أنظاري و أظنني وقعت في حُبه أكثر من البيانو البُني

ثم توجه لرفٍ حجري  وُضِعَ عليه العديد من الكؤوس الزُجاجية و بعض زُجاجات الكحول

سكب لنفسه كأساً من النبيذ و في هذه الأثناء أنا جلست على كُرسي البيانو أتمعن بالمفاتيح

أغمضت عيناي و قررت عَزف معزوفةٍ تُدعى 'بالاختناق ' للموسيقار فريدريك شوبان

كان أُستاذ صفي يعزف لنا هذه الألحان دوماً و كنُت الوحيد المُهتم

هذا الأُستاذ قُتل في ظُروفٍ غامضة كما أعلنت الحكومة لكن الجميع كان يعلم بأن أفكاره الثورية التي تُشابه أفكار نامجون هي من أخذته الى طريق الاعدام

كانوا يُريدون منا ألا نُفكر و ألا نتحدث بغير اذن بل فقط الطاعة و الطاعة و الطاعة

من يُفكر يُقتل

عقل الانسان كان عدوهم الأول و الوحيد ، زرعوا بيننا جواسيساً كثيرة و حتى الجدران كانت تمتلك آذاناً

إن انتقدت أي شيءٍ في حكومة هتلر ستجد نفسك صباحاً في الساحة الرئيسية تُعدم بينما الجميع ينظر لك بأسى

أنشأوا  الخوف في نفوس الضُعفاء و جعلونا بِلا كرامة نسألهم لُقمة طعامٍ مُقابل تقديم أنفسنا بذل

الجنرال حاول فِعل المثل و زرع الخوف داخلي منه و لكنه لم و لن ينجح فأنا
ذو كرامةٍ و كبرياء

أعيش و أموت دون عطفهم و أكسب نفسي الى الأبد

أنهيتُ مَعزوفتي حين لامست يد الجنرال فَكي ليرفع وجهي ناحيته
" يال أناملك التي تُلاعب المفاتيح برقة ، كم أتمنى لو كانت كلماتك  لي مِثلُها رقيقة و أقل حِدة "

زاوية شفتي ارتفعت مُشكلةً ابتسامة ساخرة
" فالنكن واضحين مُنذُ البداية أيها الجنرال، أولاً لساني خارِجٌ عن سيطرتي في الكثير من الأحيان ، و ثانياً اسلوب التهديد لا يُخفني أبداً و لن ينفع معك و ثالثاً لا تُغازلني و تستخدم الاسلوب المعسول كما تفعل مع نِساء مُتعتك فأنا هُنا لأعزف لا أكثر "

بادلني الابتسامة
" اذاً فالنكن واضحين مِن جهتي أيضاً أيها العازف، أولاً أنا سيد هذا القصر و المُتحكم به ، ثانياً أخبرتك بأنني لن و لم أُهددك ، و "

اقترب مني و همس
" ثالثاً الاسلوب المعسول سيقود كُل من أُرغبُ بهم الى سريري جيمين"

لا بُد و أنه توقع مني الابتعاد و لكنني لم أفعل بل اقتربت أكثر و بذات نبرته اللعوبة بادلته

" سنرى يونغي"

كانت كالمُنافسة بيننا على العرش و أنا و بقوة انسانٍ واحد أُنافس جِنرالاً خلفه جيوشاً كاملة

قُلتها سابقاً لستُ قوياً و لكنني إنسان يتبع غريزة الحُرية

الحرية التي يجهلها النازيون فهم حيواناتٌ تقودهم شهواتهم للقتل

الشُعلة الباردة في نظراتنا كانت كافية لإعلان بداية الحرب العالمية الثانية

سواد عينيه مُقابل عيناي الزرقاوتين

فمن أقوى هدوءَ الليل أم  أمواجِ البَحر

***************

يُتبع

Continue Reading

You'll Also Like

751K 12.8K 14
"نحن لا نريدكِ ابدًا" "لماذا أنتِ هنا؟" "فقط اذهبي وضيعي" "كان الجميع سعداء حتى أتيت ، لقد أفسدتِ سعادتنا" "عديمة الفائدة" دموعي انهمرت بينما هم لم...
438K 33K 27
كانوا خمس أولاد إستطاعوا النجاة حتى مع ندوبهم الكثيرة لهذا ظنهم الجميع شياطيناً.. حتى أنا روبين ديميرو الفتاة الَّتي كان من المفترض أن تكون حياتها ه...
138K 14.6K 26
"مِن مَن تهرب القطة الصغيرة؟" توقفت لوڤينا عن السير لتنظر خلفها بحدة عندما تقابلت عينيها مع أعين إبن جيون و الذي يكون من العائلة المعادية لعائلتها عا...
196K 17.6K 35
كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الألم ستذهب هباء الريح لكني حاولت أقلاً و ا...