آنجِيلوس١٩٤٠ || YM

By 00melas

186K 17.1K 26K

كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الأ... More

مُقدمة
-١- حَانةُ المَوتِ المُفاجِئ
-٢- سُوناتا "مثيرٌ للشفقة"
-٤- المَعزوفة الرَّابعة ( اختناق)
-٥- سيمفونية ضَرباتُ القَدر
-٦- المعزوفَة الثالثة عَشر
-٧- تضحية مُوسيقية
-٨- بِجانب البُحيرة
-٩- المَعزُوفة الثّانِية والعُشرون َ
-١٠- الجَاز عَبر شَوارع بِرلين
-١١- مَعزُوفة أُوبِرالية
-١٢- لَيلة كَئيبة
-١٣- تراقُص الأجسَاد
-١٤- نُدبةٌ قَديمة
-١٥- ضَوء القَمر
-١٦- السُقوطُ السَادس
-١٧- السُّوناتا السَّابعة عَشر
-١٨- رِحلة الى مَكانٍ بعيد
-١٩- مَشهدٌ مِن صُنع شِيكسبير
-٢٠- السُوناتا التَاسِعة و الخَمسُون
-٢١- مُوسِيقى الأُورغن الشَهيرة
-٢٢- رِسَالةٌ الى آلفرِيد
-٢٣- الحَرَكة الأُولى
-٢٤- ليلة موسِيقية قَصِيرة
-٢٥- لِقاءٌ بعد فُراق
-٢٦- مَعزوفة الجَرسْ
-٢٧- جُزئية الشِتاء
-٢٨- سيكلوجيات شائعة
-٢٩- السوناتا الأولى
-٣٠- حانةٌ في مَانهايم
-٣١- مُذَكَرة آلفريد
-٣٢- النِهايَة
- مَعزوفةَ مُميزة ١/٢ -
- مَعزوفَة مُميزة ٢/٢ -

-٣- سُوناتا الرَّقم واحِدٌ وعشرون

6.3K 559 1.2K
By 00melas

Enjoy

**************

جيمين

رأيتُ نامجون في حالاتٍ كثيرة و لكنني لم أرهُ في هذه الحالة من قبل ، في الأمس كان مُضطرباً جداً بعد إخباري له بموافقتي على عرض الجنرال فتارةً يُلقي بالأوامر و تارةً أُخرى يُخبرني بعدم الذهاب و البقاء الى جانبه

لكن لا تراجع في هذا ، فأنا قد أعطيت الجنرال وعداً صريحاً بأنني لن أعود بِقراري

و اليوم هو يومي الأخير في حانة الموت المُفاجئ فغداً سأصبح رسمياً عازف الجنرال آلبير الخاص

و كأنني تَرَقيتُ في عملي و لكنها ليست ترقية فعلية فأنا كما لو أنني مَشيتُ خطوةً نحو باب الخطر

و لكن العجيب في الأمر هو اختفاء شعوري بالخوف فبين ليلةٍ وضُحاها عايشت الكثير من المشاعر لكن الخوف لم يزُرني

و ذكرني هذا بصديقي رافائيل ففي لِقائنا الأخير سألته عن سبب شجاعته وإقدامه دون ذرة خوف

أخبرني بأن شخصاً مِثله لن يتسنى له تحقيق أي انجازٍ يذكره التاريخ لذا فاليكن شَمعة تُضحي بنفسها لأجل أن تُنير الطريق للأجيال مِن بعده

و قال لي بأن حقدي على النازيين لن يُضر بهم بل سيُفيدهم ، فتفكيري المُستمر بهم سيجعل مِنهم خالدين

فالميتُ سيبقى خالداً في ذاكرة الجميع وإن تم نسيانه ستصبح
روحه تائه

لذا الديكتاتوريين كَهِتلر و مُساعده آلفريد والكثير من أمثالهم قد اختاروا طريقاً يجعل من الجميع يَذكُرُهم  حتى و لو بعد آلاف و مِئات السنين

هُم سيبقون خالدين و نحن سنموت في ذاكرة الجميع

و لكنك يا صديقي أصبحت خالداً الأن فأنت تعيش في ذاكرتي برفقة عائلتي دوماً و لكن أخشى أن بعد موتي سنصبح جميعنا مَنسيين

أيها السيد هتلر الملاك و المُسالم و القوي ، مازلتُ أذكر مَدرستي التي قُمت بتحويلها لسجنٍ يُعذب به كُل من لم يردد شعائر الحزب الاشتراكي النازي

زُملاء دراستي اللذين اعتقلتهم في أعمارٍ صغير و أرسلتهم لذويهم كأشلاءٍ و بقايا

ما زِلتُ أذكر أصوات جنودك و هي تشتم نِساء شعبنا و لم يقتصر الأمر على الكلام بل الأفعال أيضاً

لقد سمحت لأتباعك السَّافلين باغتصاب من يحلو لأعينهم و من يعترض أو يُقاوم عقابه الإعدام

فمالتبرير هذه المرة لأفعالك ، أيشكلون الأطفال الضُعفاء و النساء خطراً على حياتك

و لو كان تبريرك هو رغبتك بالتطهير الديني اذاً دعني أسرد لك قصة جيراني المسيحيين في بولندا اللذين كانوا ضِمن من أحرقتهم برفقة عائلتي

الأمر لم يقتصر على اليهود فحسب بل جميع الأديان و الأعراق كُنت تُطهرها

كانت جرائمك عشوائية و واضحة ، و لكن يتم التعتيم عليها من قِبِل الأشخاص المُخلصين لك

و اعذرني لقولي الحقائق لكنك مُختلٌ يحتاج العلاج و لست أنت فقط بل كُلُ أتباعك النازيين

"جيمين عند انتهائك من معزوفتك تعال الى مكتبي "
السيدة ريبيكا صاحبة الحانة قاطعت أفكاري بهمسها

هذه السيدة لا أستطيع وصفها بالسيئة فهي كانت الالطف في هذه الحانة عكس زوجها السيد ماتياس الذي يستغل كُل فُرصةٍ أمامه لِشتمي و تذكيري بأنني يتيمٌ بلا مأوى

حتى عندما آتى  آلبير الى هُنا في المرة الأولى قد سمعت بأنه أخبر الجنرال بأنني تابعٌ لثوار اليهود و بضرورة اعتقالي

و لكن كُلّ ما بادله آلبير به كان نظرة مُخيفة جعلت من السيد ماتياس
يرتجف و يتراجع

لم يكن الوحيد ذو النفس السيئة في هامبورغ بل جميع من في هذه المدينة الا القليل كانوا يُشابهون ماتياس أقوالاً و أفعالاً

انتهت معزوفتي لهذه الليلة و استقمت ذاهباً حيث السيدة ريبيكا

" جيمين من فضلك اجلس"

اتخذت من الكرسي الخشبي أمام طاولتها مَجلساً

" كما تعلم انت أصبحت تخُصُ السيد آلبير لذا ستكون هذه أخر أُمسيةٍ لك في حانتنا"

أخص السَّيد آلبير؟ هل أنا سِلعة يتم بيعها و شِراءها أو ما شابه

انا لا يُمكنني مُجادلتها في هذا الأمر حتى فهي لن تفهم أن ما بيني و بين الجنرال اتفاق و ليس عقداً تِجاري

قدمت لي ظرفاً أبيض اللون
" هذا أجرُكَ و شكراً لك على عملك الجاد و معزوفاتك الجميلة "

أومأت لها وأخذت الظرف ثم رحلتُ دون تفوهي بأي كلمة فحتى السيدة ريبيكا اللطيفة تَظنني عبيداً ، هي لم تكن لطيفةً اذاً بل كانت تُشفق على حالي لا أكثر

خرجت من الحانة بأكملها لأجد عربةً بِلا سقف يقودها خيلٌ و الجنرال آلبير ، ابتسمت له بسُخرية

" مرحباً آنجيلوس"

" أتعيش في القرن الثامن عشر أيها الجنرال؟ توقعت بأن تأتيني بسيارتك العسكرية "

قهقه و ربت الى جانبه مُشيراً لي بأن أصعد العربة لأفعل على الفور دون طرح أي أسئلة

" لم أرى هامبورغ في حياتي سوى مرتان و في المرة الأولى لم يتسنى لي بالتجوال في شوارعها و الأن أستغل فرصة فراغ وقتي و أستغلك بما أنك أحدُ ساكينها "

" يال بالك المُرتاح أيها الجنرال ، إضافةً الى أنك لن تستفيد مني بهذا الأمر، فأنا لا أعرف سوى طريق الحانة و المنزل "

كان الجميع ينظر لنا أو لي تحديداً ، نعم صحيح كيف ليهودي أن يجلس بجانب الجنرال الأعظم

" الا تخف أيها الجنرال من أن يعلم ذوي المناصب العُليا عن ما تفعله معي؟"

ابتسم لي
" أولاً انا المناصب العُليا جيمين "

مُحق فمَن يجرؤ على تشويه سُمعة الجنرال آليير روزنبيرغ المُبجل

" و ثانياً جميع من في هذه المدينة قد علم بأنك أصبحت عازفي بسبب السيد ماتياس الثرثار الذي قام بنشر هذا الخبر في كُل أرجاء هامبورغ الكبيرة"

غُروره قد يصل للسماء و لِمَ لا ؟ فهو أحد أهم رِجال ألمانيا  و بكلمةٍ واحد منه سيحصل على كُل ما تَرغبُ به نفسه

كان الحي الذي عِشتُ به في بولندا فقيراً جداً و لم أرى الأثرياء هُناك سوى في حالة واحدة

حالة الشفقة المُزيفة ، كُنا أداةً مُناسبة لهم لحصد المزيد من المؤيدين و الداعمين

كُنت أسمع رِفاقي يشتمونهم و لكنني لم أفعل ، وجدت أفعالهم سطحية و لا تُثير اهتمامي أو غيرتي

ليلةٌ في هامبورغ الثرية قد جعلت مني أفهم مشاعر هؤلاء الأثرياء ، فلو لم أكن مُضطهداً لكُنتُ الأن داخل حانةٍ أُفكر بعائلتي التي سأعود لها في نهاية اليوم

و لكنني الأن أقضي هذه الليلة النجمية برفقة أكبر جِنرالٍ نازي

أتساءَل ما نظرة سُكان هذه المدينة لي الأن وأنا أسير في الشوارع على عربةٍ غالية الثمن و بجانبي رجلٌ نبيل

أتبدو هيئتي مُختلفة

هل هيئتي ارتقت لمعايرهم أم لا

" أتعجبك الليالي الخريفية آنجيلوس ؟"

" ما سبب سؤالك أيها الجنرال"

التفت برأسه و نظر لي ثم رفع اكتافه
" لا سبب حقاً، لكنني فَسَّرتُ هدوئك على أنه إعجابٌ بالمُحيط "

عيني الجنرال السوداء هذه ذكرتني بأمي التي اعتادت على النظر لي بحنان  ، أعتقد بأنني الكوري الوحيد الذي يمتلك عينان مُلونتان

في الحقيقة أنا لم أمقت حقيقة أني وَرِثتُ ملامحي من والدتي على العكس فعندما أنظر لِلمرآة أشعر بها داخلي

و على ما يبدو سأراها أمامي من الأن فصاعداً

" أرى بأن الليلة ليست وحدها من أعجبتك بل عيناي أيضاً"

اللعنة ، لا بُد وأنني أطلت النَّظر له .. ياله مِن موقِفٍ لا أُحسد عليه

" لم تُعجبني الليلة بل فقط كُنتُ مُندهشاً من هذه الأرجاء التي لم تطأها قدمي مِن قَبل"

همهم لي ثم ابتسم بِمُكر و علمت بأن ما سيأتي بعدها من كلامٍ لَن يُعجبني
" و ماذا عن عيناي"

الرحمة و كيف لي التعايشَ مع هذا الرَّجل

قلبت عيناي و التزمت الصمت فمالذي سأجيب به؟ أي جوابٍ سأتفوه به سيتحول لسؤالٍ لاحقاً فهذا الجنرال ذكي و يعلم كيف يجعلني اتخبط في مكاني بحثاً عن المزيد من الأجوبة 

عيناي حطت على يده التي تُمسك بحبل اللجام الذي يقود به الحصان ، يرتدي خاتماً فضياً في سبابته و واحداً ذو جوهرةٍ كبيرة زرقاء اللون في وِسطاه

نظرت لباطن يدي و ظاهرها مُقارناً بين أيدينا ، كلانا يمتلك ندوباً و لكن الفرق هو أن ندوبه تجعله يرتقي الى مكانٍ رفيع و ندوبي تجعلني أنخفض الى أسفل السافلين بسبب ذكرياتي

" أتُثير الأيادي اهتمامك آنجيلوس؟"

" عُذراً"

" أراك تُعيرُ اهتماماً جلّاً في أيدينا ، هل تُقارن أحجامها فإن كُنت تفعل دعني أُخبرك بأنني الفائز "

ناظرته بطرف عيني

" يال حِس دُعابتك القاتل أيها الجنرال "

رفع كتفيه بعدم اهتمام
" الجميع يقول بأنني فُكاهيٌ و أجعلُ الجميع يضحك "

" نعم الجميع عَدا وَاحد"

عاودت النظر لشوارع المدينة التي لم أراها مُسبقاً ، في إحدى الزوايا كان هُنالك عازِفٌ مُتجول يُلاعب أوتارَ الكَمَان

كان يعزف سُوناتا الرَّقم واحدٌ وعشرون لِلموسيقار موتسارت

أغمضت عيناي مُستمتعاً بعزفه و بذلك اللحن الحزين ، على ما يبدو هذا العازف يشعر كما أشعر أنا

لابُد وأنه يُخبرني عن الفِقدان و الاشتياق ، أستطيع فهمك أيها العازف فمشاعرنا واحدة

فتحت عيناي عندما شعرت بأننا لم نتحرك منذ مُدة و صوت المُوسيقى لم يبتعد

وجدت الجنرال ينظر لي مُبتسماً لذا أشحت بعيني عنه مُحمر الخدين مُحرجاً مِما حَصل

" وجدتُكَ مُستمتعاً  لذا لم أرغب بإبعاد المُتعة عنك"

" العازفُ كان ماهراً و انجذبت لموسيقاه "

تحركت العربة بعد أن أومأ لي مُتفهماً

" و لكنك حقاً تندمج بأفكارك و تغرق بها أثناء إغماضك لعينيك لدرجة أنك تفقد الشعور بالواقع تماماً كما حصل في الحانة أمس حين خرج الجميع دون أن تشعر "

" لا أفقدُ الواقع بل أهرُب منه ، لحظة إغلاقي لجفناي أنعزل بعيداً ، أتخيل بأنني في بولندا وسط عائلتي ننتظر أمي التي تُعد طعام العشاء ، رائحة الخريف و اقتراب عيد ميلادي و صديقي المقرب من الحي المُجاور رافائيل جميعها أشياء تفصلني عن الأحداث من حولي"

ربت على كتفي بلطف و أنا دون شعورٍ مني فَزِعتُ مُبتعداً عنه لكنه لم يكترث بما حصل قائلاً

" حَرِيٌّ بي الاعتراف بِعُمق تفكيرك آنجيلوس ، لا بُد و أنك تمتلكُ عقلاً بالغاً أكثر مِن عُمرك و شكلك "

شكلي؟ ألا يرى هذا الجنرال تعب السنين في محياي ، اذاً تجاعيدي ليست ظاهرة حقاً بل جميعها أوهامٌ مني

" سنتوجه الأن الى مَنزلي و قد يكون الطريق طويلاً قليلاً لذا لا بأس إن كُنت مُتعباً يمكنك أن تغفو "

" لا شكراً سأبقى مُستيقظاً"

و لكنني كاذب فحالما ابتعدنا عن أحياء المدينة التي تَضُجُ بالسكان و الهواء النقي بدأ يُداعب خلايا جسدي كي أرتخي دون شعورٍ مني

لم أدرك كيف و متى لكن النوم أخذني بعيداً بعد أن جافاني لمدة يومان

الهدوء من حولي كان كالنعيم و كم أتمنى أن يُصبح الطريق أطول

مجدداً لا أحلام تُراودني سوى السواد

و مجدداً أستيقظ على صوت وصولنا

جعد حاجباي و استغرقت بِضعة ثوانٍ حتى استوعب عقلي ما يحصل

" رغبت بعدم إيقاظك و حَملِكَ الى الغُرفة و لكنني أعلم أن صباح يوم الغد ستنعتني بالنازي المُتحرش"

نظرت له بصدمةٍ نوعاً ما ، هو مُحق كيف عَلِمَ بما سأقوله ، هذا الرجل من الصعب تَوقع أفعاله

" ظننت بأنك تعيش في وسط المدينة أيها الجِنرال ، تفاجأتُ حقاً في مكان اختيارك للمنزل"
ترجلت من العربة وقلت بينما عيناي تُنظر لأرجاء المنطقة التي اختارها آلبير لتكون مَسْكَناً له

" ضجيج مدينة برلين يكفيني لذا لم أرغب بمنزلٍ أخر في وسط المدينة بالإضافة الى أن الريف و أجواءه تُصفي ذهني "

" أتقضي أيامك وحيداً عادةً"
مُجرد سؤالٍ فُضولي تفوت به دون اكتراث

" لستُ بذلك الرجل المُتزن في الواقع و ربما ستلحظ الأمر كثيراً لكنني أقضي الليالي في بعض الأحيان برفقة نِساءٍ للمُتعة و حقيقةً كُنت على وشك إخبارك بهذا حتى لا تنزعج من أصواتهن "

حركت رأسي نافياً

" لا لن أُمانع و لا شأن لي بهذا و في الواقع لم أستَغرِب كثيراً فرجلٌ أعزبٌ مِثلك بالطبع ستكون له حياةٌ جنسية متعددة العلاقات و عابرة"

"و ماذا عنك آنجيلوس ، أنت أيضاً شابٌ وحيد فهل تمتلك علاقاتك العابرة الخاصة"

صوتٌ شِبه ساخرٍ أخرجته رداً على سؤاله

"لا ، أنا مِن من يبحثون عن الحقيقة و الجدِّية حتى في علاقاتي و لكن أيها الجِنرال حياتي و الظروف التي عايشتها لم تسمح لي بالتفكير كأنسانٍ طبيعي و أمور الحُب لم تعد مِن أساسياتي"

لم نستغرق الكثير حتى نصل لعتبة منزله ذو الحجم المُتوسط على عكس ما توقعت ، فتح  الباب و أفسح لي المجال لأدخل قَبلَهُ

" ياله مِن مَنزلٍ بسيط ، توقعت بأن أرى شيئاً فارهاً أكثر"

قهقه الجنرال بعفوية

" حسناً فالتُخبرني بهذه الجمُلة حين ترى مَنزلي في برلين ، أم هل يجدر بي القول منزلنا بما أنك ستشاركني السكن "

سأكتفي بتجاهل ما قاله أخيراً

" نعم على ذِكر ذلك أيها الجنرال لقد أردت التحدث قليلاً بشأن عقد عملي معك"

خلع آلبير مِعطفه و تقدم مني يُساعدني على نَزع خاصتي كحركةٍ مُعتادة يفعلها  النُبلاء مع ضيوفهم لكنني دون شعورٍ مني انتفضت مُبتعداً

" أعتذر ، كانت مُجرد حركة احترامٍ للضيف و كنت أخشى من ألا تكون مُرتاحاً "
تأسف لي الجِنرال بسرعة و قدم تبريراته

" لا بأس فقط أتمنى مِنك أن تُحافظ على المسافة بيننا دوماً "

ابتسم بغرابة و من ثم التفت نحو غُرفة المَعيشة و جلس على الأريكة يضع ساقاً فوق أُخرى بينما ينتظر دخولي الذي لم يتأخر كثيراً

تقدمت واقفاً أمامه فأنا لم أرغب بالجلوس دون أن يُخبرني هو بفعل ذلك

" اذاً ماللذي أرَدتَ أن نتحدثَ به بخصوصِ العقد"

يال وقاحته اللانهائية ، لم يطلب مني أن أتخذ من الأريكة بجانبة مَجلساً

" ثلاثُ سنواتٍ فقط ، لن أُطيل العمل لديك لوقتٍ أطول "

عقد الجنرال حاجبيه
" ثلاثة فقط؟ كُنتُ على وشك الاتفاقِ معك على عقدٍ لا حُدُود له و لكن إن كانت هذه رغبتك اذاً لا بأس"

زَمَمتُ شفتاي  و أومأت
" جيد و الأن أيمكنك أن تُرشدني لطريق غُرفة نومي ؟"

أخرج سِيجارةً بُنية اللون و سميكة و وضعها بين شفتيه ثم أشار لي بيده للاتجاه الذي يجب   أن اسلكة
" الغرفة الثانية "

استدرت أنوي الذهاب للغرفة و الاختلاء بنفسي و لكن مُناداة الجنرال لي جعلتني أتوقف

" جيمين "

" أجل سيد آلبير؟"
بهدوءٍ أجبته

استقام من على الأريكة و تقدم مني بخطواتٍ بطيئة ، فرق الطول بيننا لم يكن الشيء الوحيد الواضح بل حجمه و عرض أكتافه

و قبل أن تنعدم المسافة بيننا ابتسم بجانبية و نفخ في وجهي الدُخان الذي يستنشقه من سيجارته ثم مدَّ يده لي يرغب بِمُصافحتي

" يُسعدني العَمَل معك آنجيلوس "

أغمضت عيناي و جعدت ملامحي من رائحة التبغ الثقيلة
ثم ألصقت كفي بكفه مُصافحاً إياه و حينها فقط تأكدت من فرق حجم أيدينا

ما بال هذا الرجل ؟ كُلُ ما به يفوقني حجماً

رَغِبتُ بسحب يدي و لكنه كان يشدُ عليها لذا تحمحمت
" اعذرني ، أرغب الأن في أخذ قِسطٍ مِن الراحة قبل رحيلنا في الفجر "

أفلت يدي و من ثم أطفأ سيجارته

" لا بأس دعني أُرافقك للغرفة"

" لا داعي ، يُمكنني الذهاب وحدي "

وضع يداه داخل جيوب بِنطاله القُماشي
" حسناً اذاً "

حركت قدماي مُتجهاً الى الغُرفة و لكن خطواته خلفي جعلت مني مُنزعجاً لأُسرع بالمشي أنوي الخلاص مِنه فقد أخبرته و بكل وضوح بأنني لا أرغب بمرافقته

فتحت باب الغرفة على عجل و أردت إغلاقه و لكن قدمه التي و قفت في المُنتصف منعتني

و هُنا فَقدت أخر ذرات صبري لأصرخ في وجهه غاضباً

" أيها الجِنرال أخبرتك بأنني بخيرٌ لوحدي و لا أتوق لِرُفقتك"

نظر لي باستفهام و كأنه لم يفعل شيئاً

" و لكن ماللذي تتحدث عنه أنت ، أنا فقط أتيت لغُرفتي كي أرتاح "

" غُرفتك ؟ و لكن ألم تُخبرني بأن الغُرفة الثانية تَخُصني؟"

قهقه بعلو و كأنني تفوهت بفُكاهةٍ أو ماشابه

" أعتذر لِكثرة نِسياني و لكنني لك أُخبرك بأن هذه الغُرفة هي الوحيدة الصالحة للاستعمال و النوم فباقي الغُرف لم يتم تأثيثها بالكامل بسبب قِلة زيارتي لهذه المدينة"

" اذاً ما مغزى كلماتك هذه "
سألته و أتمنى ألا يكون الجواب كما في عقلي

" سنتشارك الغُرفة لكن لا تقلق لن أتعدى المسافة المسموح بها فسريري كبير ليتسع لخمسة أشخاص"

أيتفاخر بسريره الأن؟

تقبلت الأمر و ابتسمت بوجهه مُتصنعاً و حقاً فَهم هذا الجنرال أصعب مِما توقعت ، فقط أُريد معرفة سبب فرحه الدائم و مزاجه الهادئ

استلقيت على السرير و التفت مُعطياً جانبه ظهري

"عِمتَ مساءً آنجيلوس"

" و انت أيضاً"

اغمضت عيناي دون أن أشعر فأيامي السابقة لم تكن مُريحة و النوم على هذا النوع الفاخر من الأفرشة مُغرٍ جداً

لذا و من دون شعورٍ استغرقتُ في نومٍ عميق

****************

لم يكن الجو حاراً و لا بارداً ، و لم يكن هناك أي نوع من الأصوات.

كان فَقط الصمتُ قاتلاً

أي شخصٍ آخر سيخشى أن يجد نفسه في حديقة مجهولة ومهجورة ، لكن جِيمين لم يكن خائفاً هُو فقط كان جاهلاً  طريقة وصوله إلى هنا

أو أين هو حتى و لماذا يشعر بهذا الهدوء الشديد

مضى على إحساسه بمثل هذه المشاعر وقتاً طويلاً
، ربما كانت هذه هي المرة الأولى في حياته التي يشعر فيها بهذه السَّكِنَة.

في المَجهول ، كان جِيمين في سلام

أدار رأسه و تفحص موقعه حيث كانت حديقةً قديمة و صغيرة و لا تحتوي إلا على أرجوحتين

قال بصوت عالٍ دَون أن يشعر
"يا للعجب"

"هَل يعجبك؟"

إستدار ذو الشعر الأشقر على الفور لكنه لم يُبصر أحداً في الأرجاء ، إذاً هل كَان يتخيل،

"كنت ألعب في هذه الحديقة عندما كنت صغيرة"

مرة أخرى نظر جِيمين في جميع الأتجاهات ولكن لم يكن هناك أحد في ذلك المكان، من كان يتكلم؟

بدا الصوت مألوفاً ولكن له صدى غريب جعله يتردد

"لطالما أحببت هذه الأرجوحة كُنت أقضي ساعاتٍ وساعات ألعب هنا "

نظر جِيمين نحو الأرجوحة ورأى صورة ظلية لشخصٍ يجلس عليها ،

لكن الضوء الذي أطلقه هذا المجهول لم يسمح له بالرؤية جيداً

"من أنت لماذا تختبئ دعني أراك"

لاحظ جِيمين كيف اتسعت مساحة الضوء و أصبح أكثر كثافة

وقف ساكناً لبعض الوقت مُغمض العنين مع قلبه الذي يَخفِقُ بشدة و جبينهُ المُتَعرق

"افتح عيناك يا جِيمين "

وهذا ما فعله فتح عينيه ونظر مباشرة للأمام حيث كان وجه والدته التي تُعطيه ابتسامةً هادِئة

تكسو نفسها بذات الملابس التي كان ترتديها عند حادثة الحرق،

الصغير كان في حيرة من أمره و ملامح الصدمة واضحةٌ على محياه

"ألن تقول شيئاً ؟"

بِغصه نطق كلماته
"هذا حلم أنا فقط أحلم بك، أليس كذلك؟"

"هل هَـذَا حلم ؟"
غيرت والدته تعبيرها حتى بدا صوتها غامضاً
"ما رأيك أنت؟"

رفع جِيمين يده راغباً بلمس ذراعها لكنه لم يجرؤ، توقفت يده في منتصف الطريق لابد أن يكون هَـذَا حلماً ، فالأموات لم يتواصلوا مع الأحياء و لم يؤمن بهذه الأشياء أبداً

دائماً ما كان يعتقد ان هَـذَا مجرد هراء

لكن لا يزال هناك شكٌ في دخله، بدت والدته حقيقية جداً وحتى هذا المكان كله بدا حقيقياً لعينيه

"هل تعتني جيداً بنفسك؟"

"أنا قويٌ يا أُمي لَكنني أحتاجكُم"

ابتسمت والدته و قالت
"أعرف صغيري لَكننا معك دائماً نحن بجانبك"

هز جِيمين رأسه ، مما يعني أنه لا يصدق ذَلك

" بلا نحن معك نحن هنا"
أشارت والدته إلى قلب جِيمين
"وسنظل هنا دائماً لذا توقف عن البكاء مثل طفل صغير وابدأ في القلق عَلَى حياتك أنت بالغ الآن و يجب أن تكون مسؤلاً عن قرارتك"

أراد جِيمين أن يتحدث ليفهم ما تقصده لكنه لم يصدر أي صوت

حاول الصراخ لكن لم يتغير شيء. صوته فجأة لم يعد يُسمع

"هل تعتقد أنني لا أعرف، جِيمين أنت خائف أستطيع أن اشعر بذلك لكن صغيري إذا كنت قد نجوت من أولئك الوحوش فيمكنك أيضاً القيام بذلك في هذا العالم الجديد"

عبس جيمين  و أصبح القلق في عينيه بارزاً

"عليك أن تؤمن بنفسك ودع الآخرين يساعدونك "
ابتسمت عندما رأت صغيرها ينظر لها بعيني مليئة بالشك

" أنا أشاهدك دائماً لا تنسى، وأسدي لي معروفاً و فكر ملياً بأي خُطوةٍ تُقدم عليها ، لا تَكن ليناً كثيراً و لا تأخذ من القسوة مَسكناً"

"سَوف أتي لأراك مرة أخرى عندما تصبح سعيداً حقاً دون تزيف عندما تحظى بحياة كاملة وسعيدة، وتذكر أن تركز على ما هو أمامك لاتكن أعمى بُني "

لم يعد بإمكان جِيمين كبح دموعه بعد الآن. أومأ برأسه بينما تبللت خديه

"كن سعيداً صغيري "

استدارت والدته وسارت نحو الأرجوحة، ركض جِيمين خلفها مّحاولاً معانقتها لكنه مر عبر جسدها وسقط أرضاً

نهض مرة أخرى وحاول عدة مرات و على الرغم من محاولاته الكثير الا أن الفشل كان نصيبه

.

استيقظ الجنرال و ثُقلٌ على صدره قد أزعجه قليلاً ، كان رأس الأشقر يتموضع على أيسره و فَمه يتمتم بكلامٍ شِبه مَفهوم

"لا تذهبي"
بدا صوت جِيمين أعمق من المعتاد و قلبه كان ينبض بسرعة كبيرة
"أحتاجكِ"

ضغط الأصغر على يد من بجانبه أكثر ليغمض الجنرال عينيه 
مُتنفساً بهدوء

"أمي "

عَلم بأن الأصغر يواجهُ كابوساً أو ربما حُلمُ يقظة

"لن أغادر"
قام بمداعبة خُصلات شعره بلطف
"أنا هنا"

لم يرغب بتعدي الحدود و احترم بأن جيمين يرغب دوماً بصنع مسافةٍ بينهما ، و لكن في الوقت ذاته كان الجنرال يعلم بأن الطريقة الوحيدة لإبعاد الصغير عن أحضانه هي مُجاراته في حُلمه هذا

كلماته يبدو أنه كان لها تأثير لأن الأصغر لم يقل أي شيء مرة أخرى ، فقط خفف من قبضته وأستمر في النوم بسلام وهو يعانق جسده

ثبت الجنرال على السرير دون أن يتحرك حتى تدحرج جِيمين بعيداً و أطلق سراحه

تنهد و جلس مِستنداً على ظهر السرير ثم نظر  إلى الأصغر

ما كان يحدث له كان طبيعياً ، فهو ذاته كَان قَد تعامل سابقاً مع فقدان أحد المُقربين منه

"الحياة"
مرر يده من خلال شعره
"إلى أي مدى يمكن تذهب بهم هَذه الحياة؟"

نهض آلبير من السرير مفكراً بأن مايعانيه الأصغر لم يكن من شأنه في نهاية المطاف

نظر إلى جِيمين للمرة الأخيرة قَبْل أن يغادر الغرفة هامساً لنفسه

"عَليك أن تجعل الماضي دافعك للأمام أيها الفتى، فِي هَذه الحياة لا أحد يتقبل مِن ينوح عَلَى ما فقده"

**********

الفَجرُ كان وقت  انطلاقهما مِن هامبورغ الى العاصِمة بِرلين ، كان صَباحاً بارداً يُنذر بقدوم فصلِ شتاءٍ قاسي

استقلا القِطار و الذي يُجربه جيمين لأول مرةٍ في حياته .

الحُجرة التي اختارها الجنرال آلبير كانت هادِئة لخُلُوها من أي نفسٍ بشرية

جيمين كان ينظر من النافذة ، يُراقب الأماكن و الطبيعة الخلابة للريف الألماني و الذي لم يكن ليراه لولا الجنرال

" أتعلم أنجيلوس ؟ أنت مُحق"

عينا جيمين نظرت للجنرال باستفهام

" كُنت مُحقاً بشأن اسمي الذي يتكون من ثلاث مقاطعٍ صوتية"

شِبهُ ابتسامةٍ أظهرها آنجيلوس
" اذاً ما هو اسمك الحقيقي"

" اسمي الحقيقي لا أُخبره سوى للمُقربين "

قلب جيمين عيناه و أعاد نظره للنافذة
" اذاً يبدو بأنني سأجهله لبيقة عُمري"

"مين يونغي"

توسعت عينا جيمين بصدمة و ادار رأسه للجنرال الذي نطق بسعادة

" يبدو بأننا أصبحنا مُقربان آنجيلوس"

******************

يُتبع

Continue Reading

You'll Also Like

32.6K 4K 12
"مِن مَن تهرب القطة الصغيرة؟" توقفت لوڤينا عن السير لتنظر خلفها بحدة عندما تقابلت عينيها مع أعين إبن جيون و الذي يكون من العائلة المعادية لعائلتها عا...
251K 6.1K 33
❝ إذا زوَجـتُك لا تُمـتِعُك يا اخَـي ، انا سـأفَعل ❞ بـارك بيـكهيون. أحـببُت اخـي حُـباً مُـحرم قـذراً بِـه مـن الدنـاسَه والنجـاسه والقـذاره كـماً...
167K 6.5K 28
-مَا رأيكِ في أن نتحَدث في مَكتبي على إنفِراد؟ 'لكِنّي طالبتك أستاذ جُيون،ألا تَعتقد أنّ هَذا مُثير للشّكوك؟' -لَن يُلاحِظ أَحد هَذا عَزيزتي،هَذا بَي...
619K 39.6K 23
{ Sexuel contact} جنيرالٌ مخدرمٌ أنتَ أوقعتنِي بينَ سلاسلِ عشقكَ الأبدية و أنا مجردُ أنثى عذراء سقيتُ بعسلِ علاقتناَ الآثمة و بللت إطار علاقتنا بدمو...