آنجِيلوس١٩٤٠ || YM

By 00melas

186K 17.1K 26K

كُنت على عِلمٍ في البداية بأن خُطاي في هذا الطريق ستقودني لِنهاية مَسدودة و جهودي في صُنعِ حياةٍ خالية من الأ... More

مُقدمة
-١- حَانةُ المَوتِ المُفاجِئ
-٣- سُوناتا الرَّقم واحِدٌ وعشرون
-٤- المَعزوفة الرَّابعة ( اختناق)
-٥- سيمفونية ضَرباتُ القَدر
-٦- المعزوفَة الثالثة عَشر
-٧- تضحية مُوسيقية
-٨- بِجانب البُحيرة
-٩- المَعزُوفة الثّانِية والعُشرون َ
-١٠- الجَاز عَبر شَوارع بِرلين
-١١- مَعزُوفة أُوبِرالية
-١٢- لَيلة كَئيبة
-١٣- تراقُص الأجسَاد
-١٤- نُدبةٌ قَديمة
-١٥- ضَوء القَمر
-١٦- السُقوطُ السَادس
-١٧- السُّوناتا السَّابعة عَشر
-١٨- رِحلة الى مَكانٍ بعيد
-١٩- مَشهدٌ مِن صُنع شِيكسبير
-٢٠- السُوناتا التَاسِعة و الخَمسُون
-٢١- مُوسِيقى الأُورغن الشَهيرة
-٢٢- رِسَالةٌ الى آلفرِيد
-٢٣- الحَرَكة الأُولى
-٢٤- ليلة موسِيقية قَصِيرة
-٢٥- لِقاءٌ بعد فُراق
-٢٦- مَعزوفة الجَرسْ
-٢٧- جُزئية الشِتاء
-٢٨- سيكلوجيات شائعة
-٢٩- السوناتا الأولى
-٣٠- حانةٌ في مَانهايم
-٣١- مُذَكَرة آلفريد
-٣٢- النِهايَة
- مَعزوفةَ مُميزة ١/٢ -
- مَعزوفَة مُميزة ٢/٢ -

-٢- سُوناتا "مثيرٌ للشفقة"

6.7K 577 883
By 00melas

Enjoy
***********

الماضي

وجهة نظر جيمين

يومٌ اعتيادي في حانة الموت المُفاجئ و الأحاديث ذاتها تطال أُذني

ألا يَمِلُ هذا الشعب من الحديث عن انتصاراتهم

كُنت اتساءل و حسب ، هل سيذكر التاريخ تضحياتنا و جرائمهم التي ارتكبت بحقنا ؟

و لكن من سيذكرها على مر العصور ، فشبابُنا الثائرين قد قُتلوا بينما جميع العالم صامتٌ يراقب

لستُ اتحدث باسم اليهود لا بل اتحدث باسم المظلومين اللذين يُكافحون لتحسين أوضاعهم

اتحدث باسم الديمُقراطية الحقيقة و ليست الشكلية

اللذين ماتوا و حناجرهم تصرخ باسم الحُرية ، هؤلاء من لن يتكلم عنهم أحد أبداً و سيبقون مجهولي الهوية و الانجازات الى الأبد

فأنا كُنتُ على شفير الموت مئات المرات و في كُل مرة كُنتُ احدث ذاتي و أسألها

هل سيتذكرني أحدٌ بعد موتي و هل سيتذكرون كيف كُنتُ أبيع زجاجات الحليب في شوارع بولندا حتى أُعيل عائلتي الفقيرة

هل سيذكرون أنني تخليت عن دراستي حتى لا أموت من الجوع و الفقر

أم هل سأصبح كأوراق الخريف تأخذني الرياح و أضيع بين باقي الموتى بلا اسمٍ أو عُنوان

و لكن ما فائدة العلم و الثقافة في حالتنا؟ لأنك يا سيدي الضابط قد أعدمت الآلاف من الكُتّاب و الأطباء و ذوي العلم

في زمن الحرب لن يسعك التفكير بالمستقبل ، فالمُستقبل لأمثالنا ليس بعد سنواتٍ عديدة بل بعد دقائق

في أي لحظة قد تأتي شظايا المُتفجرات على جسدك مُنهيةً حياتك

حياتك التي أمضيتها تنتظر لحظة موتك .

شيءٌ غريب و مِناخٌ مجهول كان يعصف في أرجاء الحانة و قد شعرت بأن هُنالك ما سيحصل

لم يخب ظني كثيراً و رفعت رأسي نحو مدخل الحانة لأرى رَجُلاً ببذلة عسكرية و نُجُومٍ على أكتافه و أوسمة شرف لا تُعد و لا تُحصى

كان ذو مَظهرٍ مُهيب ، بجسدٍ ممشوق و قوي جعل من نِساء الحانة تقعن في غرامه من النظرة الأولى و ربما الرجال أيضاً من يدري

مظهره كان مُختلفاً عن باقي الجنود اللذين أتوا برفقته

كان أبيضاً شاحباً و عيناه سوداء حادة و ملامحه ليست أوروبية البتة ، وجوده قد بث الرُعب في قلوب الموجودين

و لكنه بث الفضول داخلي ، عَلِمتُ بأنه جِنرال بسبب نجومه و لكنه ليس أول جِنرالٍ يخطو هذه الحانة

اذاً لِمَ الجميع مُرتعب و ينظر له بهذه الطريقة

فضولي لم يَمنعني من إكمال تنقلي بين مفاتيح البيانو السوداء و البيضاء

صوت الموسيقى يُساعدني على الاندماج بأفكاري أكثر

يُساعدني على التخلص من واقعي الأليم و أسئلتي الكثيرة التي اطرحها على نفسي

هل نتقدم بالعمر عبر الأيام أم عبر السنين

كانت هذه المُعضلة تحتل رأسي منذ زمن

الأفكار تصنع التجاعيد ، هذا ما قالته أمي لي و لكني يا والدتي العزيزة لا أستطيع إيقاف الضجيج في رأسي

فهل انا أبدو كعجوزٍ على شفير الموت في عشرينياتي

اذاً لا بُد و أن وجهي مليءٌ بالتجاعيد الأن

تجاعيدٌ لا يراها أحدٌ سِواي

"ذَلِكَ الرجل هناك في الزاوية" 
أشارت فكتوريا نَحْو الطاولة

"يُريد التحدث إليك"
قالت هامسة بينما أناملي مازالت تتنقل بين مفاتيح البيانو

نَظرت حِيث أشارت فكتوريا و رأيت ذات الرجل جالساً على إحدى الطاولات ، كان يشرب النبيذ وشعره حالك السواد يتساقط عَلَى عينيه  ، قطبت حَاجبي بإستفهام ففي هذه الحانة أنا دوماً منبوذ
"معي؟"

"نعم ، لقد طلبك تحديداً ماذا فعلت أتعلم مِنْ هو حتى؟"
كانت ملامح الخوف تكسو فيكتوريا و كأنهم على وشك إعدامها 

"أخبريه بأنني لستُ مِن من يشاركونه سريراً و مُتعة"
قلت لها و ما زِلتُ ألاعبُ المفاتيح غير آبهٍ بما يحصل لكنني شعرت بتجمُدها في مكانها و توسع عيناها

غادرت جانبي وذهبت له تنقل حديثي

ابتسامته بانت بشكلٍ واسع ثم همس لها لتتوجه ثانيةً ناحيتي

" قال بأن ما يُريدك به لا يتعلق بشهواته و إنما مُجرد حديثٍ عابر"

رفعت حاجبي و نظرت لها

" جيمين انه السيد آلبير ، حاول ألا ترفض طلبه فقد تحصل كارثة
إن فعلت "

آلبير؟ حسناً ليس اسماً يُناسب ملامحاً آسيويه كمَلامحه

" اللعنة"
أنبرت بحنق ، ثم مشيت بهدوءٍ إلى منضدة الشخص الغريب الذي يُحدق بي بهدوء ، بدا كَما لو أن عَيْناه تقرأني وكأنهما تعرفان أسراري المَخفية شعرت لوهلة بأنني واضحٌ للغاية

"أردت التحدث معي؟"
بادَرتُ بسؤاله

"السيد جِيمين هذا اسمك صحيح؟"
كان صوته خافتاً و مَاكر

"نعم، هَذَا أنا"
أجبته بإِمْتِعَاض محاولاً الإبتسام والهدوء مع هَذَا الموقف المُقيت لَم أُحبذ أبداً وجود أشخاص مِنْ داعمي النازية بقربي

"هل يمكنك الجلوس بضع دقائق لدي شيء أود التحدث به مَعَك"


" لماذا؟"

"عذراً؟"

"لِمَ تريد التحدث معي هَلْ أنت مِنْ الضباط ؟ انظر لم أفعل أي شيء ، بالكاد أغادر الحانة أنا حقاً لَستُ بمزاج جِيدٍ لسماع هراء أحاديثكم العسكرية و الطبقية"

توقفت عن الكلام عندما سَمِعتُهُ يضحك
"أنت جريء أكَثر مما أعَتقدت هَذَا رائع، لكنني أود حقاً أن تجلس حتى نتمكن من التحدث بهدوء و لا لن نتطرق لأحاديثٍ عسكرية"

في داخلي استعجبت عدم اكتراثه بما قُلته فهل نحن في زمن النازية حقاً ؟ لو كان جُندياً آخراً من يسمعني لفصل جسدي عن رأسي دون سماع أي تبريرات

فنحن الأن في عصر الاستبداد الديني، و التعبير عن الرأي جريمةٌ عقابها الإعدام

و عدم مُبالاة السيد آلبير لم تبعث لي شعور الطمأنينة لا على العكس تماماً ، فهو ماكِرٌ و ذو ابتسامةٍ جانبية لا تُبشر بأي خير

"لا أستطيع الجلوس ، أنا في منتصف النهار وَلدي عَمل لأقوم به ولا أعرف ما الذي يمكن أن يكون مهماً جداً لدرجة إهمالي عملي لأجله، و أعتذر لقوليّ  هَذَا  لَكِن أنت يا سيد آلبير لَست أهم مِن عمليّ"

أخذ الجنرال نفساً عميقاً مُحدق بِي
" جئت لأقدم لَك عَرض عَمل مِنْ شأنه أن يغير حياتك"

قدم لي كأساً مِن مشروبٍ كحولي لكنني رفضت على الفور فأنا لا تستهويني رائحة الكحول أو حتى مذاقه

" عَمل؟ من جنرالٍ نازي لِشابٍ مُستعبدٍ مثلي؟ لا بُد وأن عملك هذا الذي تُريدني به يتمحور حول أن أُصبح جاسوساً لكم مُقابل حياتي"

ذات الابتسامة الجانبية ظهرت على وجهه مُجدداً
" إن كُنتُ أبحثُ عن جاسوساً لكُنتُ اخترت شاباً بِمُقوماتٍ أفضل منك "

تظاهرت بعدم الاكتراث بالاهانة التي وجهها لي الأن و سألته
" اذاً ما هو عَرضُ عَملك؟"

اعتدل في جلسته و تحمحم
" كُن عازف البيانو الخاص بي "

" عُذراً؟"

" أنا أعرضُ عليك أيها السيد جيمين بأن تعمل لدي حيث أسكن كعازف بيانو يُمتع اُذناي بموسيقاه و لا تقلق أجرُكَ سيكون مُرتفع و لن تتم مُعاملتك كعبيد أو كيهودي منبوذ مِن قِبل أي أحد "

رفعتُ حاجبي و نظرت له بصمت ، عرضه مُغري للغاية و لكن لا يُناسبني فأنا لا يمكنني الابتعاد عن نامجون أو جونغكوك

و في الحقيقة أنا لا يُمكنني الوثوق بهذا الجنرال ، ماذا لو انه استدرجني بحجة العمل فقط كي يُعيدني الى الاستعباد الذي كُنتُ عليه قبل سنة

" أرفض عَرضك"

بلا مُبرراتٍ أو أسباب رفضتُ عَرضه ثم التفت راحلاً عنه و لكنه أمسك بذراعي يمنعني من الابتعاد عنه

"سأبقى في هَذَا المدينة حتى بعد غد ، إذا قَبلت عَرضي أطلعني عَلَى ذَلِكَ عندما أتي غداً"
ثم وقف تاركاً بعض النقود على الطاولة لدفع ثمن النبيذ

نظر في عيناي و انا كُنتُ لا  أزال مُتجمداً في مكاني
"أتمنى حقاً أن تختار الأفضل"

قال  بصوت غامض وغادر الحانة بإبتسامة جِانبية عَلَى شفتيه

نهاية الماضي

***************

" مَن يَكون الجنرال آلبير نامجُون ؟ و لِمَ الجميع يَحسِبُ آلف حِسابٍ قبل التحدث معه"

كانت علامات الدهشة لا تُبارح نامجون الذي ينظر للعدم أثناء استماعه لسرد جيمين عن قصته مع الجنرال آلبير

" جيمين وافق على عرضه"

"ماذا؟ لا طبعاً انت لا تعلم مايُمكنه أن يفعل ، بالاضافة الى أنه يسكن في مدينة أخرى بعيدةٌ كُل البعد عن مدينتنا"

تفاجأ جيمين بصراخ نامجون
" و اللعنة انت لا تفهم جيمين ، انه كَنزٌ قد وضعته الحياة بين أيدينا "

" و كيف لي أن أفهم دون أن تشرح لي نامجون ، جِئتك أسألك عنه و لكنك الأن تصرخ في وجهي "

أخفض المعني رأسه أسفاً على ردة فعله المُبالغ بها
" أعتذر، أنا فقط كُنتُ مَصدوماً من حقيقة أن الحِنرال آلبير قد حادثك و عرض عليك عملاً لديه"

" لِمَ ؟ ألن تخبرني من يكون آلبير هذا؟"

" الجنرال آلبير هو إبن مُساعد هِتلر و يده اليُمنى "

توسعت عينا جيمين على مِصراعيها

"نعم جيمين هو ذا منصبٍ رفيع و لا يجرؤ أحد على التطاول عليه "

" انتظر لحظة ، آلبير كان ذو ملامحاً آسيوية تماماً كيف يكون
إبن مُساعد هتلر"

ابتسم نامجون
" التبني ، هُناك معلومات سرية قد سمعتها من جونغكوك تُفيد بأن الجنرال آلبير تم الكذب بشأن جنسيته الآصلية ، هو في الحقيقة كوري تماماً و لكن والده قد كذب و قال بأنه ياباني و بما أن اليابان هي أكبر داعمٍ لهتلر لم تكن هناك أي صعوباتٍ بوصوله لهذا المنصب"

كلام الأكبر قد شتت جيمين ، فالتناقض به واضحٌ للغاية

أيطلبُ مِنه الموافقة على عرض آلبير ، أي وضع نفسه داخل قبضة هتلر اللذي لن يرحمه

لكنه مُوقِنٌ بأن نامجون لن يُضِرَ به لذا طلب أسباباً منه للموافقة على هذا العرض

" الجنرال آلبير تاريخه نظيف من ناحية الابادات التي حصلت بحق اليهود، فهو لم يُشارك بأيٍ منها "

عقد جيمين حاجبيه
" اذاً كيف وصل لمنصبه الحالي دون المُشاركة ، هتلر يقيس قوة جنوده عبر عدد اليهود الذي تم قتلهم "

أومأ نامجون على عجل
" نعم صحيح، أنا أيضاً لم أقتنع بهذا في البداية و لكنني حللت الموقف وفهمت كُل ما يحصل، والد آلبير المدعو بألفريد روزنبيرغ قد شارك بالكثير من عمليات الإبادة
باسم ابنه و هكذا هتلر اعتقد بأن آلبير جندي مناسب لاستلام هذا المَنصب "

" والد الجنرال قد آثار فضولي أكثر الأن" 

نامجون توتر و عض على شفاهه
" اسمع عليك أن تتماسك جيداً فما سأقوله الأن لن يُعجبك أبداً"

نبضات قلب جيمين ارتفعت لحديث الأكبر المُخيف و المشبوه
" مالأمر؟"

" والد الجنرال آلبير هو المسؤول عن عملية الإبادة في بولندا و المسؤول الأول و المُباشر عن مَقتل عائلتك"

ارتجفت يدي جيمين و تنفسه ضاق حتى انعدم ، وجهه اكتسب حُمرةً واضحة و عيناه تحولت لآخرى حادة

الحديث عن ذلك اليوم يجعل من أُذني الصغير تُعيد أصوات الصراخ و النجدة

جلس نامجون على رُكبتيه أمام جيمين المُتصنم ثم أمسك بيديه
" أتفهمني جيمين ؟ وجودك هُناك سيقدم يد العون لثِوارِنا و لقضية تحررنا و إضافةً على هذا كُله ، لربما تستطيع استعادة حق عائلتك المسلوب ألا تَظُنُ ذلك؟ "

" أتطلب مني الانتقام نامجون؟"

" أطلب منك أن تتعاون معي حتى نتحرر من حكمهم الظالم ، على أنني خائفٌ من وضعك أمام المِدفع و في وسط المُواجهة لكن الفُرصة التي وضِعت بين أيدينا لا تُعوض و أطلب منك جيمين أن تُفكراً جيداً ، ليس بنفسك فقط بل بأرواح من قاتلوا و ضحوا بنفسهم في سبيل حُريتنا"

كانت تلك الفُرصة التي تأتي مرةً في العُمر و كانت محفوفةً بسياج المخاطر و حتى يجتاز هذا السياج عليه أن يُضحي بمَبادِئه و عليه أن يستمر بالتظاهر بعدم الاكتراث

لم يُطلب منه أن يكون جاسوساً على اليهود بل على أقوى الرؤوس النازية

و الأن ليس عليه أن يواجه الموت كُل بضعة أيام بل أصبح عليه مواجهته كُل ساعةٍ و دقيقة

" لن أكذب و لن أتظاهر أمامك نامجون و لكنني أشعر بالخوف "

" اسمعني إن قارنت الجنرال آلبير ببقية النازية فهو الأفضل ، ستعمل لديه فقط لمدة ثلاث سنين لا اكثر فاليكن هذا شَرطُك عليه و اجعله يعدك بالأمان التام و صدقني أنا و جونغكوك سنبقى حولك ، لن أدعك وحيداً حسناً"

.

جيمين

في زمنِ الوعود المنكوثة  هل أصدق ما يُقدمه لي نامجون مِن وعود

و في زمنِ المشاعر المنكوبة هل أُصدق مشاعري الخائفة التي تُنذرني بعدم الإقدام

تركني نامجون مُحاصراً مِن قِبل أفكاري و تائهٌ في الخيارات

كُنتُ أمتلك صديقاً في بولندا يُدعى رافائيل قد تحالف مع ثوارنا و هو في عُمرٍ صغير و أخر لقاءٍ لي به كان قبل أن يُنقل لثُكنات النازيين بهدف التجسس عليهم

أخباره انقطعت عني و عن جميع أقربائه اللذين ما زالوا على أملٍ بلقائه يوماً

و لكنني أعلم شديد العِلم بأن رافائيل قد لقى حتفه على أيدي الظالمين عديمي الرحمة

فإن وافقتُ على طلب نامجون و طلب نفسي المُتمردة عندها ربما سوف أُلاقي ذات ما لاقاه رافائيل و الكثيرين من قَبلي

هل سيوضع اسمي في لائحة مجهولي المصير أم على لائحة المفقودين في هذا العالم

يا سيد آلفريد الندوب ليست الوحيدة التي رافقتني طوال عُمري بل أنت أيضاً تُرافقني في كُل مكان

أيعقل أن يجمع القدر بيننا مرتان لأجل لا شيء

لا بُد وأنها اشارة الحياة لي ، لربما سأكون أنا الخلاص لهذا الوضع 

جافاني النوم في هذه الليلة لأبقى مُستيقظاً أتقلب من اتجاهٍ الى أخر ، عيناي بقت تُطالع سقف غُرفتي

على هذه الحال انقضت ليلتي حتى دقت ساعةُ عملي

استقمت من على سريري مُحضراً نفسي لهذا اليوم ، خرجت من المنزل أمشي في الشوارع الحجرية

كان الطريق خالياً من الجميع عدا صوت خطواتي و صوت عربة الخيل التي تمشي بمُحاذاتي

رغم جمال هذه المدينة إلا أنني لم انجذب لها و لا أجدني أحبها ، قادتني الأقدار الشنيعة للسكن كشبحٍ فيها

تجدهم يبتعدون عني أمتاراً حين أمشي بقربهم و كأنني قُمامة أو جُرذٌ قد هاجم بيوتهم

بعد وقتٍ لا بأس به و صلت للحانة و دونِ سلامٍ أو كلام باشرت العمل ، يومٌ جديد من الألحان الكئيبة

عَزفتُ سوناتا لِبيتهوڤن تُدعى بـ " مُثيرٌ للشفقة"

لم يكن اختياري لها عبثياً فهذه السوناتا قد لاحقتني طوال أيامي ، تُرافق اكتئابي و مُناسبة لترجمة مشاعري المُبعثرة

راقبت مدخل الحانة مُنتظراً قدوم الجنرال آلبير حتى أُخبره بقراري النهائي

كان يوماً ليس عادياً كبقية الأيام ، الشيء المُختلف به هو أنني بانتظار
شيءٍ ما

و أنني أترقب الوقت و مدخل الحانة

و لأول مرة أرى وجوه روادها ، عادةً أًغلق عيناي و أعزف بصمت مُتجاهلاً ردة فعلهم أو نظراتهم لي

غالباً ما ينخدعون بشعري الأشقر و عيناي الزرقاء التي ورِثُتها عن والدي البولندي و لكن ما إن ألتفت لهم و أقابلهم برسمة عيناي الآسيويتان  حتى يُكشروا عن أنيابهم السامة كالأفاعي


و هذا ما حيرني في الجنرال آلبير ، فكلانا يمتلك ذات الملامح و لكنهم ينظرون له بحب و لي بِكُره

النفس البشرية مُعضلةٌ حلُّها مُستحيل

رنين الجرس الذي يُعلن عن دُخول أحدهم لهذه الحانة قد لفت انتباهي

نظرتُ للذي دخل تواً و كان هو الجنرال آلبير

تقابلت عينانا و نظرنا لبعضنا لوقتٍ قصير قمُت أنا بقطعه حين أشحتُ عيناي عنه و أغمضتها مُكملاً أخر مقطعٍ مِن  معزوفتي

جيد سيعتقد الأن أنني كُنتُ بانتظاره و متلهفٌ له

شعرت بأن معزوفتي انتهت بسرعة و شعرت و بأن الوقت يمر دون أن أشعر به

و لكن لِمَ كُل هذا التوتر في حين أنني أتخذ قراراً لا أكثر

أكانت حياة البشرية دوماً مُخيرة لا مُسيرة ؟ فأنا لم أعتقد بأن تحمل مسؤولية أي قرارٍ تَتخذه ستكون بهذه الصعوبة

عند ضغطي على المفاتيح الأخيرة أخذت نفساً عميقاً و بقيت جالساً في مكاني أُحاول تهدئة نفسي قبل التحدث اليه

" يبدو بأن اختياراتك للمعزوفات دوماً حزين ، و لكن اليوم شعرت بحزنك أكثر"

صوت همسه آتى من خَلفي بهدوء ليُفزعني

نظرت له بغضب و عقدت حاجباي فهل كان يقف خلفي طوال الوقت ؟

أعدت أنظاري للأمام و ما جذب اهتمامي أكثر من وقوفه خلفي كان خُلو الحانة من أي أحد

حتى فيكتوريا و صاحبة الحانة لم يتواجدنَ في الأرجاء

" لِمَ لا أحد هُنا"
قُلتُ بصوتٍ خفيض فـ الى أي درجةٍ كُنتُ مُندمجاً حتى لم ألحظ خروج الجميع

" أنا أمرتهم بإخلاء الحانة"
قال لي مُبتسماً ثم تقدم جالساً بجانبي على الكُرسي الخاص بالبيانو

" لِمَ فعلت هذا"

" في الأمس كُنتَ ترفض الجلوس بهدوء و مُحادثتي لذا ظننت بأن وجود الكثير من الأعين عليك قد تُصيبك بالتوتر و لن أستطيع التحدث اليك لذا أخبرت صاحبة الحانة بأن تُخرج الجميع "

قلبت عيناي مُستهزِءً به
" أحاديث الناس و أعينهم لا أُلقي لها بالاً أيها الجنرال ، لكن وجودي حول داعمي النازية يُزعجني لذا لم أرغب بالجلوس الى جانبك في الأمس"

دوماً ما كانت الكلمات الوقحة تخرج من فمي دون أن أشعر أو أريد ، تماماً كما حصل حين أحرقوا عائلتي مِن دوني

حين دفعت ذلك الضابط و الذي تبين بأنه والد من يجلس بجانبي الأن ، و جميع الكلمات الوقحة التي قُلتها خرجت من دون أن أشعر

" لكنك تعمل في حانةٍ تستقبلهم كُل يوم لذا أنت مُجبرٌ على مُعاشرتهم و الجلوس الى جانبهم "

" يا سيد آلبير يبدو بأنك لا تعلم بنفوس النازية حقاً، عندما أعبر الطرقات بجانبهم ستراهم يبتعدون عني بسرعة فهل تظن بأنني قادرٌ على الجلوس معهم على طاولة واحدة؟ حتى و إن كُنتُ قادراً فكبريائي و ذاتي لن تسمحا لي بمشاركة أي شيءٍ مع سالبي حقي "

" و لكنني أجلس الى جانبك الأن وكِلانا لا نُمانع "
ابتسم بجانبية كالمُعتاد و لكنني لم أشعر بأي خوفٍ منه

" ملامحك الآسيوية تُساعدني على تقبلك لا أكثر.. بالمناسبة اسم آلبير لا يُناسبك"

رأسه مال حتى استند على كفه
" و ما الاسم الذي تظن بأنه يناسبني"

" أنا واثقٌ بأن اسماً آسيوياً يتكون من ثلاثٍ مقاطعٍ صوتية سيكون
مُناسباً لمحلامك"

أومأ لي بوجهٍ بشوش
" بما أننا نتحدث عن الأسماء فهل تأذن لي بإعطائك لقباً شعرت بأنه يُناسبك منذ رأيتك"

كُنت لأرفض الأمر رغم بساطته و لكنني فُضوليٌ حول الاسم الذي يُشبهني لذا وافقت بعد تردد

"آنجيلوس"

عيناي تاهت في أرجاء المكان بعد الصمت الذي احتل حديثنا، فبعد نطقه لِهذا اللقب لم أجد ما أقوله و لكنني سأعترف و لن أُنكر

آنجيلوس اسمٌ لطيف قد حاز على اعجابي

لوهلةٍ شعرت بأنني أطلت التحدث اليه ، كان أول من أُشاركه حديثاً بعد نامجون

" ألا تخشى على قلوب المُستمعين لِموسيقاك مِن الحُزن ؟ يجدر بك أن تعزف شيئاً أكثر سعادة "

" أيها الجنرال المُوقر ، العازف لا يتكلم عن مشاعر الآخرين بل يُكلِمُ الآخرين عن مشاعره عبر مُوسيقاه "

كُنت في كُل مرةٍ أجيبه على أسئلته يبتسم أكثر و للحظة شعرت بأن شِفاهه ستتشقق لكثره ابتسامه

" اذاً ، ما جوابك على عرضي الذي طرحته في الأمس "

كُنت في انتظار سؤاله هذا طوال الوقت ، في بداية الصباح كُنت واثقاً مِن اجابتي و لكن الأن أشعر بالقليل من التوتر

" أنا لستُ واثقاً مِن ناحيتك أيها الجنرال فماذا لو أردت بي السوء"
بِكُلِ صراحةٍ اجبته

" أستطيع ضمان نفسي لك جيمين ، أنا لن اؤذيك ، فلو كنت راغباً بهذا من البداية لكُنتَ الأن جسداً بلا روح لذا أطلب منك عدم القلق والخوف فعرضي بسيطٌ  ينص على أن تعزف موسيقاك و تملأ أروِقَةَ مَسكني بألحانك"

شعرت بألم باطن كفي بسبب خدشي المُستمر و شفاهي التي لم أكف عن قضمها بتوتر

" هدئ من روعك ، أنا لا أُجبرك بل أُخيرك"

" هل تَعدني بالأمان"

ابتسم و أومأ لي
" لن أعدك و حسب بل سأوفر الأمان و حياةً جديدةً لك لحظة موافقتك ".

أشحت بنظري عنه
" موافقٌ على عَرضِك"

واقفت مُتجاهلاً كُل شيء ، الخطوة الأولى دوماً صعبة لذا قررت اجتيازها بسرعة و قبلت بمُستقبلٍ مجهول

شعرت و لأول مرة بأنني أمتلك مُستقبلاً ، و بعد تِسعة عشر عاماً مِن انتظار المعلوم شعرت و أخيراً بالمجهول

" أحسنت الاختيار جيمين ، صدقني لن تندم "

أخرج ساعةً ذهبية مُستديرة من جيبه و نظر للوقت مُقهقُهاً
" مضت ساعتان بالفعل ، لقد أطلنا الحديث "

" نعم يبدو كذلك"

استقام من جانبي و عدل ملابسه و قبل رحيله قال لي
" سأصطحبك غداً من الحانة و نقضي الليلة في منزلي هُنا و عند طُلوعِ فجر اليوم التالي سنرحل الى برلين "

غمز لي و ابتسم
"و الأن إلى لِقائنا آنجيلوس"

***************

يُتبع

Continue Reading

You'll Also Like

26.9K 1.8K 4
"وإن استوطنَتِ الحروبُ ونيْطلَ الهلاكَ وجْدي سأظلُّ بعشقكَ هائماً مُغرمٌ، وإن غادَرت روحي كِيانها سأكونُ قِصّـةً خُطَّت لعاشقٍ لاقىٰ حتفهُ من الكلفِ...
250K 9.6K 27
[ ADULT CONTENT ]. _ كنت سعيدة انني سأكمل دراستي وأدخل الجامعة حتى تلقيت صدمة غيرت كل مخططاتي. _ _ العد العكسي لنهاية حياتكِ قد بدأ.. احذري. _ _...
177K 5.2K 27
"سببان جعلاني مضطرباً طوال الستة أشهر الفائتة لكن كل شيء انتهى الان انا سأنهي الامر بطريقة صحيحة اليوم هو يوم الحسم يوم اعلان قراري النهائي" جيكوك...
972 123 14
-ها أنا واقف أمام خياراتي، كرمح لا يدري أين ينطلق أو كرصاصة صدرك غايتها، وقلبك غربتي المحتمة.. -إن كنتِ جبلاً فإني خلقت لاعتلاء الجبال، إن كنتِ إلهة...