المصائبُ لا تأتي فرادَى كالجواسيس ، بل تأتي كسراياَ الجيش .
- شكسبير .
رنّ هاتف تايهيونغ الذي كان بجيبهِ مِرارًا ، فإستيقظَ من نومهِ ، كان مستلقيًا على الأرض و ما حولهُ مظلم .
الشمسُ غربت حينما كان نائمًا ، لذا اكفهرت ما حوله .
قام من الأرض و أشغلَ الأضواء ثم أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ ، كان رقمًا غريبًا ، لكنه رد .
" هل أنت ولي الأمر بُشرى ؟ كيم تايهيونغ ؟ "
أتى الصوت من المتصل .
" أنا كذلك ما الأمر "
" تعازينَا الحارة لك لكنهَا لا تتواجد بيننَا الآن ، إصتدمتهَا شاحنةٌ على الخط السريع ، فأذى رأسها ، حاولنا أن ننقذهَا لكن الضررَ كان بالغًا ، لذا توفت ، أرجو منك الحضور للمستشفى لتوقيع أوراق الوفاة "
سقط الهاتف من يدِ تايهيونغ و اجهشَ في البكاء ، كم روحًا عليه ان يفقد الآن .
لما بشرى مُدللته؟ لما ليسَ هو ؟
سارت أمام عينهِ ذكرياتُ ولادتهَا ، كيفَ انهُ احب من التوأم الفتاة و لطيفة أحبت الفتى ، فإتفقَا ان يسميَا عكس ما احبيَا ، فسمى هو يونغي ، و الذي يعني الهدية الكبيرة ، و سمت هِي بُشرى ، و تعني الخبر المُفرح .
تذكّر أول مرةٍ مشت ، كيف انها أسعدته ، فقد كانت متأخرةٌ في مشيهَا حتى ظنّ الناس أنها ستكون مقعدَة .
تذكرَ حينما طَال شعرها ، فأجدلَ شعرها لكن يونغي خرب شعرها غيرةً منها .
حينما كبرت و أصيبت بمرضٍ في قلبها ، كيف أن الأمر كان شاقًا عليها ، حتى عالجهَا بكل ثروتهِ فرجعت كما إعتادهَا .
حينما كبرت و أصبحت أنثى كاملة ، كيف انه كان سعيدًا ، عهدَ نفسه يومها ان يزوجهَا أحسنُ رجلٍ في العالم ، أنهُ لن يدع رجلاً أن يكسر قلبها قط ، و ها هي رحلت قبل أن تحظى بحبيب .
كم من أمرٍ باقي لينتهِي تعاستهُ هذا ؟ ، كم من أمر سيخترقُ قلبهُ حتى يكتمل يومهُ ؟ .
لم يعرف ما يفعل ، لذا خرجَ برجلهِ الحافي إلى المعبد القريب ، عسَى بوذَا يقفُ معه .
...
" كم يكلفُ وضع مكيف هنا ؟ "
نبسَ بها يونغي و هو يجولُ في الشقة الذي إستأجرهَا خارج المدينة ، اشتراها ليسكن بها مع جيمين .
" لن تكلف الكثير ، لكن إذا ركبتَ أكثر من واحده ستحصلُ على خصم "
" كلاَ أريد مكيفًا واحدًا فقط "
نظر إلى الأشياء التي جلبها ، مقتنياتهُ و مقتنياتُ جيمين ، عليه أن يضعها في مكانها المحدد قبل مجئ الآخر ، لأنهُ سيكون متعبًا بالطبع .
هو لن يجلب جيمين إلى هذه الشقة قبل أن يتخلصَ مِمَا يقبعُ بجسدهِ حتى لا يكشفَ مكانه .
" كم يكلف إستئجارَ القبو بأكمله؟ "
نبس بها يونغِي جاعلاً من مالِك النزِل يستغرب .
" أأنتَ طالبٌ حقًا ؟ ، كيف تملك هذا الكمَ من المال؟
و ايضًا ، هناك اشخاصٌ يقيمونَ بالقبو ، لذا لا يمكننِي إستئجاركَ القبو "
حكَ يونغي ذقنهُ ثم نبس
" حسن ، هل يمكنك أن تبحثَ عن شقةٍ قريبةٌ من هنا تُؤجِرُ القبو ، و تكون شقةً مستقلة و ليسَ في نزل ؟ "
" حسنًا سأفعل ، لكن أتنوي فعل شئٍ في القبو ؟ ، أعني ذلك يبدو مريبًا جدًا ، إستئجارَ قبو كامِل "
إبتسم يونغي في وجهِ المالك .
" ليس كما تظن سيدي ، إننِي فتًا غني بعض الشئ ، ليس غرورًا ، لكنها الحقيقة ، لكنني اود الإعتمادَ على نفسي لذا إنتقلتُ للعيش هنا ، و لدي الكثير من الأغراض لذا أريد أن استأجِر قبوًا لكي أضع فيهِ أشيائي ، و فقط "
حكَ الرجل مؤخرةُ رأسهِ محرجًا
" آسف لظني السئ ، سأبحَثُ لك ذلك في أسرعِ وقت "
قالها الرجل و خرج من الشقة
" سأدعكَ لوحدك ، إن إحتجتَ شيئًا سأكون في
الأسفل "
إبتسم له يونغي و حالما رحلَ قلب عيناهُ بغضب .
" غني ! ، ذلك مضحِك "
قالها و اخرج الحقيبة السوداء الصغيرة الذي كان في حقيبة ظهرهِ و أدخل بها نقدًا سرقهَا من مكتب الإستقبال للنزل .
" الحياة تجعلُ الأبرياءَ منذنبين "
رفع هاتفهُ ليتصلَ بعمِه .
" كن مستعدًا ، غدًا اليوم الموعود "
يونغِي حتمًا تحول لوحش حينما أدركَ فساد العالم .
فتح سترتهُ و جعلهَا كلحافٍ يغطِي بهِ جسدهُ و نام على الأريكةَ هناك ، لديهِ ليلةٌ و يومٌ حافلٌ جدًا .
...
مشى في الجنازةِ و هو يحملُ بين يديهِ صورُ نساءِ حياته كلهَا زوجتهُ و إبنته .
بلا روحٍ يخطُ أرضًا ، و الدمعُ لا يفارقُ مدمعيِه .
لم يكن هنالكَ من يشاركهُ هذا الحُزن ، كان وحيدًا جدًا في مواجهةِ هذه العاصفة القوية .
زملاؤهُ في المدرسة لم يزرنهُ خوفًا من أن يتلوثهنَ بوحلِ الإشاعات ، و كل أقربائهِ رحلو .
لطالما ظنَ أن الجميع سيقفُ بجانبِه في أوقاتهِ الصعبة لأنهُ كان خير رفيق لغيرهِ ، لكنهُ أدرك انهُ كان مخطئًا .
أدركَ في هذه الجنازةَ أنهُ
إن تكُن جيدًا ، لن يكُن الناس جيدون معكَ على أي حال .
وصلَ إلى المحرقةِ مشيًا ، و من ثم رأى جثتهمَا تحترقانِ أمام عينيه .
لم يستطِع التوقف عن البكاء و الصراخ ، لذا أطلق
العنان لنفسهِ .
بكى طويلاً حتى أرهِقَ من البكاء ، توقف بعدهَا حين خفَت روحهُ .
كان يجلسُ وحيدًا أمام صورتهمَا ، لم يكن هنالك أحدٌ آخر مهتمٌ بهما .
كان يحدِقُ بصمت بأولئكَ الناس الذين أتو لتوديع زوجته لكونهِم من نفس الفريق .
لم يكن أحدٌ مهتمٌ بما يحدُث ، كلٌ مهمومٌ بأمورهِ ، و كل ما يفعلونهُ هو التذمُر بشأن الطعام الذي قُدِم لِهم .
رفعَ يداهُ لوجههِ و مسحَ آثار الدموع التي عُلِقت بعينيه
ثم تنفس عميقًا ليبعدَ عنهُ الغم .
كان يفكرُ بأن يتصل بأحدِهم ، لأنه لم يكن قادِرًا على تحمُل كل ما يحصل بنفسهِ .
عبثَ بهاتفهِ طويلاً باحثًا عن شخصٍ ما ، لكنَهُ أدرك أن كل هؤلاء الأشخاص ليسوُا إلا هامشٍ من حياتهِ .
كان يحتاجُ إلى جي هون أخيه ، و بيكيهون صديقهُ ،
و يونغي إبنهُ لكنهُ كان مهجورٌ منهم جميعًا ، في الوقتِ ذاته .
لم يشعر بيداهُ و هو يضغط على رقم جونغكوك
كان يعلم جيدًا ان جونغ كوك لن يرد ، لكنهُ فقط أراد عدم الإستسلام .
لربما إن كان جونغكوك معهُ لكَانت الأمور أفضل .
بالطبعِ كان سيواسيِه ، كان سيقفُ معه ، كان سيحملُ معه صور إحدَاهن ، كان سيخبرهُ بأن كل الهمومِ زائلة .
و لربما كان سيسردُ عليه بعض النكاتِ الذي سيجعلَ الجو الداكِن حولهُ أفضل .
لم يكُن بخير ، و هذه كانت أول مرةٍ يشعر بها انهُ محاطٌ بكل هذا الحزن .
لم يمر إلا ساعتانِ حتى إنتهُو الفريق من إلتهامِ جميع أنواع الطعام الموجود ، و تبادلوا الضحكات في الجنازة و شربوُا كل مَا قُدِم ، و حالما إنتهوُا من ذلك إستأذنوُا تايهيونغ و رحلوا ، لذا إستمرَ تايهيونغ بالجلوس أمام الصور لوحدهُ .
رفع رأسهُ نحو الصوت الذي صُدِر من أحدهِم ، كانت الأصوات تدلُ على الركض الطويل .
لمحَ بيكيهون واقفًا يلهثُ و هو مستندٌ على ركبته ففاضَت عيناهُ برؤيته .
" سامحنِي تايهيونغ ، لم أستطِع .. "
تايهيونغ لم يدعهُ يكمل حديثهُ بل رمى بثقلِ جسده عليه و إحتضنهُ و أخذ بالبكاءِ بصوتٍ عالي و هو يرددُ إسمه .
مررَ بيكيهون يدهُ على ظهر الآخر مواسيًا ، و أخذ يبكي هو الآخر برؤيةِ صديقهِ بحالةِ إنهيار .
لبثَ طويلاً في حضن بيكيهون ، و قضيَا وقتًا طويلاً و هما جالسانِ أمامَ الصور بصمتٍ تام .
إستقامَ بيكيهون بعد جلوسٍ طويل ، ثم أخذ بيدِ تايهيونغ .
" عليك أن تأكل قليلاً ، حتى تكون قادرًا على الصمود"
قوبِل برفضٍ من تايهيونغ لكنهُ أرضخهُ بعد حديثٍ طويل .
لم يأكل تايهيونغ إلا قليلاً ، فإصطحبهُ بيكيهون إلى منزلهِ .
حالما دخل تايهيونغ المنزل أتتهُ ذكريات الماضي ، لقد كان كل الأمور جيدةٌ حتى الصباح فلما قُلِبت الحالة هكذا ، لقد تناول الإفطار مع أبناءهِ و جونغكوك على هذه المائدة فلمَا تبدُو مهجورةٌ الآن ، هذه الأريكة ، هنا سهرَا هو و جونغكوك ليلة أمس على برنامجٍ تلفازِي ، فلما لا يجلسانِ عليها الآن .
لم يجد اجوبة لأسئلتِه ، فرمى بجسدهِ على الأريكة و لم يكلف نفسهُ عناء إغلاق الضوء ، و سقط نائمًا .
....
لحَد ألحين في أحد منكم عرف مقاصِد يونغي ؟
أبي أحمِي تتِي من نفسي و الله ، مسكين و ربي T_T.