[ هَل سأظِلُ نجمتكَ ، إذا مَا أريتُكَ جانبِي المظلم ؟ ]
" الذنبُ ذنبُك أنت ! "
قالها جونغكوك و هو على وشكِ الانفجار .
" بل ذنبك لولاكَ لما نويتُ شرب القهوة "
صرخَ بها تايهيونغ و هُو ينظر يمينًا و شمالاً من داخل سيارة الأجرَة .
" إصمُت فقط ، دعنِي أتصرّف "
قالها جونغكوك ثمَّ وصفَ للسائقِ مكانًا يقتصده .
أسند جونغ كوك ظهرهُ على مقعدِ السيارة ، ثم حدقَ بمعلمهِ مُتنهدًا .
" كيف لكَ أن تبحثُ عن مقهى مفتوح في الحادية عشر مساءً ؟ ، أأنتَ غبي "
" لا تتلفَظ ، يكفيكَ أننِي أكبر منك "
" أنت فقط تتهربُ من فعلتك "
فضلّ تايهيونغ الصمتَ حينما شعرَ بأن الحديثَ
سيطول دونَ فائدة ، فأتبعهُ جونغكوك حتى غشى الهدوءُ على الجو .
" لو أننِي ذهبتُ للقمَر ، هل سألتقي بكِ
لو أننِي أخبرتُكِ أننِي أشتقتُ إليكِ هل ستأتينَ إليّ
من دونكِ أنا وحيدٌ للغايةِ على هذا الطريِق
أرجوكِ لا تبكِي الليلةَ فأنَا أيضًا وحيد "
دندَن تايهيونغ بِأغنيةٍ ما ، ثم نظرَ إلى جونغ كوك مطولاً
" ما أغنيتُك جونغكوك ؟ "
قالها تايهيونغ بعدمَا تعدّل من جلستِه و قابل جونغ كوك بوجهه .
" أغنيتِي ؟ "
" لِكُلٍ مِنَا أغنية تصفُنَا بشكلٍ جذري ، فنرددهَا دومًا على ألسنتنا ، ما هي الأغنية التي تصفُك ؟ "
حدَق جونغكوك مليًا في وجهِ أستاذهِ مُفكرًا .
" ليسَت لدّي "
" ألن تحاوِلَ البحثَ عن واحدَة ؟ "
" لا شئ يشبهنِي ، لا يمكننِي إيجادِي في سطرٍ أو نص "
هزَ تايهيونغ رأسهُ متفهمًا ، ثم عاود الجلوس بوضعيتهِ السابقَة ، أما جونغكوك فأخذ يحدقُ بالأفقِ برأسٍ ملئٍ بالأفكَار .
" أهربُ بعيدًا عندمَا تكونُ الأمور على ما يُرام
إننِي لم أستوعبِ أبدًا الطريقة التِي نظرَت بها إليّ
و لم أجد لنظرتِكَ شبيهُ عند غيركْ ، لكن على ما يبدُو
أننِي فطرتُ قلبك ، جهلِي بالأمور كان السببُ في ذلِك
فشلتُ في رؤيةِ مشاعركْ ، و مزقتُ مشاعركَ لأشلاء
أوليسَت تشبهنِي ؟ "
" لا أعلمْ ، لربما جونغكوك "
تلكَ الجملة البسيطة كانت جواب تايهيونغ ،
و عادَ الصمت مرةً أخرى بينهما .
" أنتَ تذكرنِي بي كثيرًا ، كلُ ما بكَ يشبهنِي بشكلٍ ما جونغكوك ، أعدُكَ أن تكونَ أفضل بكثير ، بعد زمنٍ قصير "
حديثُ تايهيونغ كان يميل إلى الجدّية ، و جونغكوك أرادَ التهرب من الحديث ، لذا فكرَ في سخريةٍ ما لكي يهرب .
" أصابعكَ طويلة كأرجُل قنديل البحر "
صفعَ تايهيونغ رأسهُ بعد سماع تعليق جونغكوك الساخر ثم تنهد و هز رأسهُ .
" عليك أن تأخذ دروسًا في الحديث "
" و أنتَ عليك أن تأخذ دروسًا في إستخدام العقل "
" جونغكوك أتنوِي المشاجرَة ؟ "
" لستُ اشاجر مع الأطفال "
جعدَ جونغ كوك ملامحهُ ليغيظَ تايهيونغ .
و تايهيونغ مد يدهُ لشعرِ جونغكوك نيةَ سحبهِ لكن صوت السائقِ قطع كل ذلك حينما نبَس .
" لقد وصلنا إلى وِجهتنَا "
نزلاَ من السيارة ، و جونغكوك مشِي نحو المقهى كمَن يفقهُ إحداثياتُ المكان ، أما تايهيونغ فقَد سرحَ في تأملُ الأماكِن المُحاطَه .
دخلاَ إلى المقهَى فجلسَ تايهيونغ على إحدَى المقاعد
بينما توجهَ جونغكوك لداخِل المطبَخ .
مرت فترةٌ قليلة حتى خرَج من المطبخِ فتًا يافعًا و ألقى التحيّةَ على تايهيونغ ثم خرج من المقهى .
جعدَ تايهيونغ حاجبيهِ بغير فهم للموقفِ ، فوقفَ ليبحثَ عن جونغكوك الذي إختفى .
لكن جونغكوك خرجَ من المطبخِ و هو يحملُ بيدهِ
القهوة ، و وضعهَا على الطاولة .
ثم توجهَ نحوَ البابِ و أغلقهَا ، و قلبَ اللافتَة المعلقة على البابِ ليظهرَ لمن في الخارجِ ان المقهى مغلق .
وسعَ تايهيونغ فاههُ بصدمةٍ و نظرَ إلى جونغكوك
منتظرًا منهُ تفسيرًا على ما يحصُل .
" لا بأس ، هذا المكان الذي أعملُ فيه بدوامٍ جزئي "
" إذًا أنت اعددتَ هذه القهوة "
قالها تايهيونغ بعدما جلسَ ، ثم إرتشفَ من الكوبِ رشفةً لِيظهرَ ملامحًا تدلُ على إعجابهُ بمَا شرب .
" أنت بالفعل تستطيعُ صنعَ أيام الجميع بِقهوتك "
جلسَ جونغكوك أمام تايهيونغ و قرّب كوب قهوتهِ
نحوَ ذاتهِ ، ثم إرتشفَ رشفةً منهَا .
" لنكمِل حيثمَا توقفنا ، ماذا حصلَ لك بعدها "
" تقصد بعد ماذا بالضبط "
" لا تضيع الوقت ، نحنُ لا نملكُ الكثير من الوقت بأيّ حال "
" حسَن ، سأكمِل !
لقد رأيتُ عالمًا جديدًا بعدمَا تخرجتُ من الثانويَّة ،
الحياةُ إختلفت تمامًا عما كانت ، العالمُ بدَا لي مُشوشًا
و لربمَا عينَاي كانت كذلك .
فقدتُ أغلبَ أصدقائي ، معارفي أصبحو أناسٌ غرباء
حياتي كانت قَد سُلمَت بيدي ، و أنا لم أكن اجيد التحكُم بهَا .
و كما أخبرتُك فكانَ عليّ أن أدرسَ الطُب على كلِ حَال
فبدأتُ أدرسهَا بغير شغف ، لكننِي لا أستطيعُ قول أنني كنت فاشلٌ في دراستِي لأنني صدقُا لم أكن كذلك .
وقتهَا إلتقيت بِبيكيهون لأول مرةً في حرم الجامعة ، كان يتشاجرُ على الهاتف مع والدهِ بخصوص تخصصهِ ، بيكيهون كانَ مُحبًا للأدب الغربِي ، لكِنَ تخصصهُ لم يكُن مقبولاً من ذويِه ، لذا فالشجارُ كان مُلازمًا لهُ ، الى أن طفحَ كيلُ والديهِ و طرداهُ من المنزِل ، و بشكلٍ ما أصبح صديقي ، بالطبعِ ساعدتُ بقدرِ ما أستطيع ، لكنهُ كان يعانِي جدًا .
ثباتُ بيكيهون على مبادئهِ و الإصرارُ عليها جعلَ مني أفكرُ بشكلٍ مختلف ، بيكيهون أنبتَ بي وقتها ذلكَ الشعور الذي يخبرنَا ان نتبع ما نُحِب ، و نكون نحنُ ، و ليسَ الشخص الذي صِرنًا عليه ، حينها إستجمعتُ جُل شجاعتي ، و أخبرتُ جدّي و والدِي بالأمر !
أملتُ منهم التفهُم ، لكننِي تفاجئتُ بالرفضِ و العنفِ الذي قابلانِي به ، حُرمتُ من حقوقي ، سُلب مني الكثير من الأشياء لكي أعود إلى عقلي كما يزعمون .
و إثرَ ذلِك ، إنخفضَت درجاتِي كثيرًا ، لذا إلتحقتُ بدارُ
التربيَة ، و ها أنا الآن معلم لمادةِ الأحياء .
صدقًا جونغكوك ، انا لا اكرهُ الأحياء
الأحياءُ عميقٌ جدًا ، يشبهُ فضاءَ في إحدى زواياه
حالمَا تغرقُ بعلمِ الأحياء ستشعر انهُ لا مخرج ،
كالفضاءِ تمامًا " .
" سأجلبُ لك مشروبًا آخرًا ، فعلى ما يبدو أن القهوة بردت " قالها جونغكوك و وقفَ ليتجه للمطبخِ للموجود
في المقهى .
" أيمكننِي إتباعُك ؟ "
قالها تايهيونغ ليهزَ جونغكوك رأسه بالإيجاب .
بداخل المطبخ إنشغل جونغكوك بإعدادِ المشروب بينما تايهيونغ إكتفى بالنظرِ بالأنحاء .
" ظننتُ أننِي وحدي من أتألم ، ظننتُ اننِي وحدي أعيشُ البؤس ، لكن حديثُكَ غير تفكيري تمامًا ، لطالما ظننتُ أنكَ الإبنُ المدلل ، الذي لا يملكُ سوى الفرحَ في حياته "
إستند تايهيونغ بجسدهِ بجانبِ جونغ كوك الذي كان يصبُ الماء في المشروب الذي يعدهُ ثم تنهَد قائلاً
" ما مِن مرءٍ إلا و بهِ من الضُّر جونغكوك ، أريدكَ ان تعلم هذا جونغكوك ، لو أخبركَ أحدهم أنَ الضرَ لم يمسهُ قط فتأكد أنهُ ليس إنسانًا "
قدّمَ جونغكوك المشروب الذي إنتهى من إعدادهِ لتايهيونغ ثم خرجَا حيث إصطفتْ الطاولات ، ثمَ جلسَا مرةً أخرى .
" أكمل ما حصل بعده "
" لقد تعبَ فاهِي من الحديث ، قل لي أنتَ عنك جونغكوك ، سأكملُ بعدها "
" أنا ؟ "
أشار جونغكوك إلى نفسهِ وهو يرفع حاجبيهِ بِإنصدام .
" لا شبحُكَ بالتأكيد "
" لا تُسِئ فهمي ، أشعر فقط أننِي صغيرٌ جدًا ، و لا توجدُ أحداثٌ في حياتي حقًا !
وعيتُ على العالم حينما كنت في الخامسه ، لم يكن لديّ حلمٌ وقتها غير أننِي اريد أن أكونَ زهرةُ الهندباء و اطيرُ إلى مكانٍ بعيد .
لا إنتظر ... كنت أحب الرسم نعم !
كنت أحب الرسم ، و لطالما رسمتُ كثيرًا في صغري
لكننِي إعتزلتهُ في فترة معينه .
حينما بلغت السادسه أخبرتني امي ان والدِي شخص سئ ، لأنهُ تركنِي و تركهَا ، فرسمتُ أبي في مخيلتي كشخصٍ شرير ، و كبرتُ هكذا .
عانيتُ في مرحلتي الإبتدائية من التنمر ، كانو يقولون أننِي ابن إمرأةٍ سيئة ، و حينما دخلتُ المدرسة المتوسطة علمتُ أنهم يلقبونَ أمِي بالمُومِس لكونِ أبي تركها ، فحاولتُ تجاهل الأمر و عدم التعمقُ فيه .
في المدرسة المتوسطة بدأتُ بالكتابةِ و رافقتها ، و أصبحت لي خير صديق ، ثمَّ صارت حلمًا ، و سببًا للعيش .
و قبل أن أتخرجَّ من المتوسطة ، توفت أمِي ..
امام عيني رأيتهَا هامدة ، و رحلت بعيدةٌ عني .
لربما كانت تلك المرة الأولى التي شعرتُ بالألمِ فيها
ثم إنتقلتُ إلى الثانويّة ، من هنا بدأت احصل على ذكرياتٍ ملونة نوعًا ما ، وجدتُ جيمين دخيلاً على حياتي بغتةً ، ثم عرفتكَ أنت ، و جاكوب ثم الذكرى الكبرى ... ما حدثَ في ذلك اليوم في الساحة الخلفية "
قالها جونغكوك و بصقَ ، ثم بدأ في الضحكِ عاليًا
" لو اكون صادقًا يا أستاذ ، لا أمانع أن أحصل على ذكرياتٍ سيئة ، على الأقل تكون ذكرى أعود لها حينما تملأً الفراغ حياتي "
" جونغكوك ، هل تحرشَ بكَ جاكوب جنسيًا ؟ "
.....
إذا إستمَر التفاعُل كذا بضطَر أتأخَر بالتحدِيث .
أبي أقولكم اذا كان عندكُم أحلام تمسكُو بهَا ، تعلمُو من حياة تايهيونغ في الرواية أهميةُ التمسك بالأحلام .
حياة جونغكوك ... شبيةَ لحدٍ مَا لحياة أغلب المراهقين
فعلاً إحنا المراهقين مرة نعانِي من الحياة الفارغة هذه ، عشان كذا حاولت أوصف هذا الشعور لكم ، عسى أحدكم يجدُ أُنسًا حينما يجد نفسهُ بين السطور .
[ مساحة لكُم ]