التعجب

125 12 7
                                    

اصطف الفرسان وأياديهم اليمنى تتمركز أيديهم في قلوبهم. لاحظ العريف أنهم لا يتوقفون عن تأمل الموقع الفارغ في وسطهم، قطب حاجبيه عندما تذكر هوية صاحب الموقع، وسرعان ما رأى فرسًا فارهًا يعدو نحوه، أوقفه الفارس وقفز عنه منحنيًا وهو يهمس: 

«اعذرني أيها العريف، وصلت إليّ رسالة الحضور منذ ساعة ولم أجد وقتًا كافيًا للقدوم في الموعد.»

سمع الفارس صوت أحد الفرسان يستعلم:

«أهذه الأميرة التي تحارب في صفوف الفرسان؟» 

ارتسمت الابتسامة على وجهه وصحح له: 

«بل أنا الأمير، ليس لدينا أميرات في القصر حتى الآن.»

تعجب الفارس: 

«سبحان الله! لكن اعذرني يا سمو الأمير، فصوتك الناعم جعلني أظنك أميرة جديدة.» 

هنا هتفهت إحدى المتدربات الجدد: 

«أيها الفارس، لم تضع علامة التعجب بعد التسبيح؟ ألا تعلم أن للتعجب مواضعه؟»

نظر الأمير للعريف مبتسمًا وهو يقول: 

«اسمح لي أن أكفر عن خطئي بشرح أساليب التعجب لزملاء المستقبل، فيبدو أن بعض الأمور تلتبس عليهم هنا.»

أومأ له العريف إيجابًا، فبدأ بالشرح: 

«للتعجب عدد من الصيغ، سأبدأ اليوم بصيغه السماعية. زميلتنا هنا قالت أن التعجب لم يكن في موضعه إذ أنه جاء بعد التسبيح؛ مع ذلك، فإن صيغ التعجب السماعية ثلاثة، أولها أن نقول: (سبحان الله! - لا إله إلا الله! - لله دَرُّه!) وإن قل استعمال الأخيرة.»

فهتفت الفتاة:

«كيف غاب الأمر عن ذهني؟!»

ابتسم أمير قائلًا: 

«هأنت ذا تستعملين صيغة التعجب السماعية الثانية، ألا وهي الاستفهام التعجبي. ولا ننسى الصيغة الثالثة، النداء التعجبي، نحو قولنا: يا لجمال مملكتنا العربية!»

حمحم العريف قائلًا: 

«هذه بعض الصيغ السماعية، لكنك لم تقل شيئًا عن الأسلوب القياسي.»

اعتذر قائلًا: 

«نبدأ بالسهل أولًا. للتعجب صيغتان قياسيتان، هما (ما أفعَلَه! - أفْعِل به!)، وقبل أن نعطي الأمثلة يجب أن نعرف الشروط التي تمكننا من استعمال الفعل مباشرة للتعجب، هل تعرفونها؟»

تقدمت سمراء تغرز رمحها في الأرض، ثم قالت: 

«ائذن لي حضرة العريف.»

أشار لها أن تابعي، فقالت:

«يجب أن يكون الفعل ثلاثيًّا، تامًّا (أي غير ناقص مثل كان وأخواتها)، قابلًا للتفاوت مثل (يكبر - يجهل)؛ أي أن هناك ما يكبر أكثر من غيره، أو مَن يجهل أكثر من غيره. على عكس (يموت - يتنفس)؛ فلا يموت شخص أكثر من غيره لأن الموت واحد. 

يجب أن يكون متصرِّفًا، يأتي منه المضارع والأمر، فالأفعال مثل (نِعْم - بِئْس - عسى) لا يتعجب منها لأنها جامدة، ويجب كذلك أن يكون مبنيًّا للمعلوم، ومُثبتًا، وألا يكون الوصف منه على وزن (أفعل) ومؤنثه (فعلاء)، نحو (أخضر - خضراء).»

أومأ أمير إيجابًا وسعل قائلًا: 

«شكرًا سمراء. نقول: ما أجمل العربية! على وزن: ما أفعله!

تتكون هذه الصيغة من (ما) التعجبية، والتي تعني الشيء العظيم، وتعرب مبتدأ. وفعل التعجب أجمل، وهو فعل ماضٍ فاعله مستتر وتقديره هو. جملة (ما أجمل) هي فعل وفاعل في محل رفع مبتدأ، والعربية، أي المتعجب منه، تعرب مفعولًا به.»

التقط قربة الماء من حقيبته، وبعد أن ارتوى منها قال: 

«عذرًا. وعلى وزن (أفعِل به!) نقول: أعْظِم بالفرسان! و(أعظم) هنا فعلٌ ماضٍ جاء على صورة الأمر للتعجب، والباء حرف جرٍ زائد، والفرسان فاعلٌ مجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محلًا...»

قاطعه العريف: 

«لكن يا سمو الأمير، نسيت شيئًا مهمًا، كيف يمكننا التعجب بفعلٍ لا يستوفي الشروط؟»

نظر له الأمير بحدةٍ هامسًا لنفسه: 

«لو صبر القاتل على المقتول...»

ثم ابتسم قائلًا: 

«يمكننا التعجب من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف، والذي وصفه على وزن (أفعل) ومؤنثه (فعلاء)، وكذلك الفعل الناقص بإضافة فعل مستوف للشروط، مثل (حسن- كثر - عظم) ثم بمصدر الفعل المراد منه مؤولًا كان أو صريحًا، مثل: (ما أعظم شقرة شعره! - أحسن بأن يكون الفارس شهمًا! - ما أكثر أن يجود الجنود بأنفسهم في سبيل الوطن!).

أما إن كان الفعل منفيًا أو مبنيًا للمجهول، نأتي بصيغة التعجب مع فعل مناسب مستوف للشروط، ثم بمصدره مؤولًا ولا يصلح الصريح منه، مثل (ما أقبح ألا يرتدي الناس كِمَاماتهم! - أجمل بأن يُقرأ نقدك اللغوي!). 

أما إن كان الفعل جامدًا فلا يتعجب منه. وكذلك إن كان غير قابل للتفاوت.»

أومأ العريف قائلًا: 

«شكرًا لك سمو الأمير، يمكنك الوقوف مكانك الآن.» 

تقدم الفارس ليقف مكانه، متابعًا تمارينه مع زملائه الفرسان. 

وفي المساء، طبع ورقة كُتِب فيها: 

«تعجب من الأفعال الآتية، مرة بالإثبات ومرة بالنفي: (بذل - حفر - كبر - صار - اخضر) 

- أعرب الجمل الآتية:

ما أضخم أهرامات مصر! 

أكثر بدرجات سلم هايكو! 

ما أجمل ألا تبكي على اللبن المسكوب! 

- أعط مثالًا عن الاستفهام والنداء التعجبي، وكذلك عن صيغ لم يتم ذكرها.»

سلم الورقة لرسوله الذي أخذها ليطبع منها عدة نسخ ويوزعها على شعب المملكة.

أية أسئلة؟ 

كونوا بخير دومًا،

أمير ❤️

أنحاء النحوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن