التاسع عشر

1.5K 45 2
                                    

الفصل التاسع عشر ..

عاد الجميع إلى الإسكندرية ، ومارس كل أبطالنا حياتهم ولكن ليس كالسابق ،
أحمد  طالت لحيته وشعر رأسه وبدى على وجهه ملامح الإكتئاب والحزن ، ونحل جسده وضعف ، وتملك منه الصداع معظم الوقت ، وأصبح يقضي معظم وقته في مكتبه بين أوراقه لينشغل بهم عن التفكير في الخطأ الذي ارتكبه فيمن احتلت قلبه وحملت بقطعة منه في جوفها ، ولكن هيهات ، احتلت تفكيره مثلما احتلت قلبه وأبت الخروج ، وأصبح مكبلا بحزنه وندمه على ما فعله وارتكبه في حقها وحق نفسه.

المرض لا يأتي من تلقاء نفسه ولكن القلق والاكتئاب والهم والحزن كفيلين أن يجعلوك رقيد الفراش ، وأحمد ها هو وقد استوطن الحطام كل أركان قلبه .

أما عن رغد فتعلمت درسا قاسيا نتيجة ثقتها الزائدة في الآخرين، فتعلمت أنّ ما يحدث داخل البيت يبقي بالداخل ، وأنّ للبيوت أسرار ، تعلمت التفكير فيما ستفعله قبل الإقدام عليه وما هي النتائج التي ستحدث ، تعلمت أن اللجوء لغير الله مذلة ، تعلمت من طيبتها ومساعدتها للآخرين أن الله سيسخر لها من يساعدها و يكون عونا لها في محنتها ، ويجازيها على صدق نواياها وسلامة قلبها ونقاء نيتها وتمنيها الخير للغير ، ترسخت في قلبها وعقلها فكرة أن الأخ سند وعون للفتاة حتي بعد زواجها ، تأكدت أنه لا يوجد حنان مثل حنان الأم ، وتأكدت أن الأب لا يعوض مكانه أحد .
تولدت لديها فكرة أن كل شئ قابل للرحيل ، وأنها هي من أفسدت قلبها بغفرانها المتكرر، بتحملها لأشياء لا تحتمل ،وبثقتها في من لا يستحقون الثقة ، وعدم انصاتها لغرائزها الداخليه بأنه يوجد شئ خطأ يحدث ، والسيء في الأمر ، ان كل ما يحدث لها بسبب طيبتها الساذجة التي سمحت للآخرين بأذيتها وتحطيم قلبها ، فالطيبة شئ والسذاجة شئ آخر ، الطيبة هي الحكمة في الأفعال مع رقة في المشاعر والأحاسيس ، أما السذاجة فهي افتقار للذكاء والحكمة والحنكه ، فتيقنت حينها ، أنها المذنبة الأولى والأخيرة بحق نفسها ..نفسها التي تحملت أكثر من اللازم  ، ثم أن بُعدها عن الله أضاع حياتها ، فمن ابتعد عن الله زاحمته العبرات والحزن والكرب وتآمرت عليه الأحزان ،  فمن أقام أمر الله ، أقام الله له أموره .

أما عن مي فصدمتها بنفسها أكبر مما تخيلت وكأنها كانت مغيبة عن الوعي ، افاقت بعد أن دمرت حياتها وحياة الآخرين..
ما فعلته أفقدها جزءًا كبيرًا من سلامها الداخلي و أمانها العاطفي ، فأهلكتها التساؤلات ، والتهمتها الخواطر والأفكار الحزينة تنهدت وقد بدى على وجهها المرارة والألم وكسى وجهها حزن بالغ فأصبح كل شئ حولها قاتمًا شديد البؤس و التعقيد .
ازدردت ريقها بصعوبة، و ابتلعت ذكرياتها المؤلمة ورفعت عينيها الدامعتين إلي السماء ثم أغمضتهما فانزلقت دمعة إلى زاوية فمها وهي تقول بندم ينهش خلاياها :
سامحني يارب ... اللي عملته كتير ، سامحني وساعدني أصلح اللي بوظته ، سامحني يارب محدش هيبقى أرحم عليا منك يارب ، سامحني .

طرف تالتWhere stories live. Discover now