الفصل الأول سنجل حتى إشعار آخر حنين أحمد

2.3K 115 3
                                    


الفصل الأول
بعد سبع سنوات
(تولين في الفرقة الثانية من كلية الصيدلة, جيجي ورغدة في الفرقة الرابعة كلية الألسن)
يراقبها جالسة بشرود بمكانها المفضّل بحديقة منزل الجد والذي أصبح منزلها منذ انتقلت قبل سنوات.. طفلته التي
نظرت له بانبهار وقتها وكأنه بطل خرافي لقصة هي بطلتها بكل تأكيد فخطفت قلبه وقلبت كيانه بأكمله رأسا على
عَقِب وهو يهرب من مشاعره تجاهها خاصة وهي تعامله كأخ أكبر فقط دون النظر له كشخص عشقها للنخاع
وحلم بها مرارا..
اقترب بهدوء وهو يعلم جيدا ما يثير حنقها فللمرة الأولى يشعر أن هناك حواجز غير مرئية بينهما
كحاجز أنه شاب وهي فتاة وليس كل شيء يستطيعان التحدّث به وهذا ما جعله يشعر بالسعادة لأنها صادقت
جارتهم جيجي المجنونة وصديقتهما الثالثة الأكثر جنونا رغدة.. جنون هي تحتاج له بقوة وصداقة قد تخرجه من خانة
الأخوّة إلى خانة الحبيب.
"الجميل بيفكّر بايه؟"
همس بجوار أذنها وهو يجلس جوارها بخفة تاركة مسافة قليلة بينهما لتجفل تولين قبل أن يضيء وجهها كله بابتسامة
خطفت قلبه ككل مرة تبتسم له بهذه البراءة فحبس أنفاسه للحظة قبل أن يخرجها ببطء وهي تتحدث بانطلاق
كعادتها معه:"فيك طبعا هفكر في مين غيرك يعني يا أبيه؟"
انفرجت أساريره بأول الجملة قبل أن تختفي ابتسامته مع نهاية الجملة وكلمة أبيه تحيط بعنقه تخنقه وتشعره أنه مازال
هناك الكثير من الحواجز اللامرئية بينهما..
"امم وتفكري فيا ازاي بقى يا ست توتي؟ بتضحكي عليا شكلك"
قال بمرح يخفي إحباطه عنها لتقول بصدق:"لا والله كنت بفكر فيك فعلا.. اصل واحده جارتنا النهارده سألتني
عنّك وانا استغربت سؤالها اوي"
رمقها بعدم فهم وهو يسألها:"مين دي؟ وسألت عنّي ازاي يعني؟"
رمقته بصمت للحظات قبل أن تقول بهدوء:"سألتني انت خاطب وال لا"
رفع حاجبه بسخرية وهو يقول:"وهي مالها؟ ايه جايبالي عروسه؟"
"لا دي كانت عايزاك ليها هي"
قالت ببساطة أثارت حنقه وغضبه والكثير من إحباطه..
"وانتي قولتيلها ايه؟"
سألها وهو يصِر على أسنانه بقوة علّ إجابتها تشفع لها لديه لتجيبه بخفة:"قولتلها مالكيش دعوه ومشيت وسيبتها"
على الرغم من إجابتها الطفولية إلا أنه شعر بقلبه يحلّق من السعادة وهو يرمقها بنظرات عشق خالصة لم تدركها هي
لحسن الحظ ولكن آخر مراقب لهما أدركها جيدا وعلم أن عليه التصرّف سريعا.
*****
"وبعدين معاكي يا تولين.. هتقضّيها عياط كده؟ هو مهاجر يابنتي؟ ده رايح ياخد الدكتوراة اللي أجّلها كتير زي
مانتي قولتي.. يعني حاجة فخمه كده المفروض تدعيله مش تقعدي تنكدّي على اللي جابونا كده"
قالت جيجي بنزق مضحك لتزم تولين شفتيها بحنق وهي تهتف:"انتي فاهمه يعني ايه أبيه سِنان يسافر ويسيبني
يا جيجي؟ انا ماليش غيره.. ماما ولا بشوفها خالص وجدو كبير برضه مهما كان مش قريّب منّي زي أبيه
سِنان"
"ما هو طول مانتي بتقوليله أبيه سِنان الواد هيفضل يطفش من بلد لبد"
قالت رغدة ساخرة لتقهقه جيجي بقوة قبل أن تقول تولين بعدم فهم:
"مش فاهمه! وفيها ايه يا رغدة لما اقوله ابيه امّال هقوله ايه؟"
قلبت رغدة عينيها وهي تهتف بسخرية:"قوليله يا عمو وهاتيله جلطة يا حبيبتي"
"هو انا كل ماتكلم معاكم تتريقوا عليا؟ انتوا وحشين ع فكرة"
هتفت تولين بغيظ قبل أن تغادر تاركة إياهما ينظران بإثرها بذهول سرعان ما انقلب لقهقهة عالية ورغدة تهتف:
"والله طفله يا ناس الله يعينك يا سِنان يا ابن ام سِنان على البلوه السوده دي"
******
طرق على باب غرفتها جعلها تنتبه من شرودها منذ علمت بسفر سِنان للخارج أما عن عودته التي
تتلهّف لها من الآن فلم تعلم عنها شيئا.. متى سيعود وكيف ستحتمل بعده عنها لفترة حتى لو كانت قصيرة!
سمحت للطارق بالدخول ليفتح الباب وتجده سِنان واقف أمام الباب ويقول:"تعالي يا تولين عايزك"
نهضت ببطء وهي لا تريد الذهاب.. لا تريد البكاء أمامه حتى لا ينعتها بالطفلة كما يفعل الجميع.. هي فقط
ستفتقده بقوة ولا تعلم كيف تخبره بهذا؟! وهل عليها أن تخبره حقا أم تكبح مشاعرها كما تفعل طوال حياتها؟!
فالطفلة اليتيمة التي انتقلت لمنزل جدها وعلى الرغم من الترحيب الذي لاقته إلا أنها علمت جيدا أن عليها أن
تكون لطيفة وصامتة وراضية بأي فتات يُلقَى إليها حتى لا تكون منبوذة وهذا ما فعلته طوال سنوات دون أي تذمّر
إلا أن سِنان هو الوحيد الذي رعاها وعاملها بحب دون شرط أو قيد.
اقتربت لتجده كما المعتاد بمكانهما بحديقة المنزل فجلست بجواره وعيناها تتحاشيان النظر إليه فلو نظرت ستبكي
ووقتها لن تعرف بِمَ تبرر له بكاءها!
"مالك يا توتي؟ من وقت ما عرفتي اني مسافر وانتي مش طايقاني ليه؟"
سألها سِنان بمرح لترتعش شفتاها وهي تكبح بكاءها بقوة قبل أن تجيبه بخفوت:
"لا ازاي بالعكس انا فرحانه عشانك اوي وبدعيلك ربنا يوفقك وترجع لنا بالسلامه يا أبيه"
وهذه ال (أبيه) والتي تقف كعقدة بينهما جعلته يريد ضربها بقوة علّها تتوقف عن قولها وتلغي الجدران التي تبنيها
بينهما..
"اوعي تفتكري اني عشان مسافر هبعد عنك؟ لا ابدا انا كل يوم هكلمك وهنرغي مع بعض زي ماكنا هنا تمام..
ولو فيه اي حاجه هتحكيهالي ومش هتخبّي عنّي صح يا توتي؟"
قال سِنان وهو يرمقها بجدية مؤكّدا عليها أنه لن يتغير شيء ولم يعلم أن كل شيء سيتغيّر ربما للأفضل لتومئ بصمت
وداخلها خوف أن ينساها الشخص الوحيد الذي يذكرها دوما طوال الوقت.
******
رفضت أن تودّعه وأغلقت عليها باب الغرفة تاركة إياه يغادر وقلبه يؤلمه عليها لا يعلم ماذا يفعل! كل ما يفعله من
أجلها هي ومن أجل حبهما فجدهما الذي لاحظ مشاعره تجاهها أخبره أن عليه أن يبتعد لفترة ليختبر كل منهما
مشاعره..
هل سيظل يحبها ويذكرها بعد ابتعاده بنفس القوة؟ أم أن مشاعره ستتغيّر وكل هذا سيكون محض افتتان بالطفلة التي
نشأت بين يديه؟!
وهل ستظل هي تنظر له ك (أبيه سِنان) أم ستدرك مشاعرها الواضحة والتي تضعها بخانة الأخوة فقط حتى لا يُكسَر
قلبها!
هذا ما شجّعه على السفر حتى وهو لا يحتمل أن يمر يوم واحد بعيدا عنها.. زفر بقوة وهو يوصي جده عليها قبل
أن يغادر تاركا قلبه معلّقا على باب غرفتها.
*****
(الماضي)
"انت بتقول ايه؟ ايوة طبعا ابنك اللي في بطني انت بتشك فيا؟"
هتفت الفتاة بصدمة ليجيبها الرجل بنظرة شك وهو يقول:"وانا اعرف منين انه ابني انا؟ انا كنت بسيبك بالأيام
عشان الشغل؟ اعرف منين انك..."
قطعت حديثه الصادم بصفعة قوية التفّت لها رأسه للاتجاه الآخر وقبل أن يفيق من هول ما فعلته وجدها تخرج من
باب المنزل وهي تهتف:"انت مش راجل, انت اقل من انه يتقال عليك راجل وانا مش قاعدالك فيها"
تظنّه سيعدل عمّا قاله بتهديدها ذاك؟ لن يحدث فهي من البداية من وقفت أمام عائلتها من أجله بل وهربت منهم
معه ليتزوّجا في السر لذا لماذا لا تخونه كما خانت عائلتها قبلا؟!
"اياكش مفكره اني هقولك لا خليكي معايا؟ لا الباب يفوّت جمل, وعلى فكره بقى انتي طالق بالتلاته"
تجمّدت خطواتها على بعد عدة خطوات من باب الشقة التي تركتها خلفها لتلتفت له ترمقه بعدم تصديق لما قاله!
أولا يشك بها ثم يتركها بهذا الوقت تغادر بل ويطلّقها أيضا ! أهذا من مرّغت رأس أهلها بالطين من أجله؟!
أهذا من وعدها أنه سيكون لها الأهل والسند بعدما تركت أهلها من أجله؟!
تساقطت دموعها وهي تسير بالطرقات لا تعلم إلى أين تذهب وقد أُغلِقَت جميع الأبواب أمام عينيها والسبب
غباءها وتفريطها بعائلتها قبلا.. إذا إلى أين تذهب بهذا الليل؟!
قادتها قدماها للمسجد القريب لتجلس على بابه تنتظر المؤذّن الذي سيأتي لصلاة الفجر علّه يدخلها
لمصلى السيدات ويوافق على مكوثها به حتى الصباح وبعد ذلك... لا تعلم ماذا ستفعل! ليدبّر الله أمرا كان مفعولا.
وقد كان الرجل الغريب أكثر حنانا عليها من الزوج والسند المفترض فتركها للصباح حتى أنه أحضر زوجته بثياب
وطعام لها لتخبرها أنها حامل وزوجها طلّقها ولا ملجأ لها إلا الله..
"انا يابنتي معنديش ولاد ربنا مارزقنيش بيهم وانتي من النهاردة هتكوني بنتي"
انحنت عيناها بحزن وهي تفكر في ما آل إليه حالها ولكن ماذا بيدها أن تفعل؟!
هل لو عادت إلى منزل أهلها سيستقبلونها؟ أم سيرفضون حتى رؤيتها؟!
وهي تمنحهم كل العذر يكفي ما لاقوه بسببها من حديث الناس والفضيحة المدوية التي حدثت بسببها بكل تأكيد.
ظلّت لديهما طوال فترة الحمل ولكنها أصرّت أن تعمل من أجل طفلها القادم فلا يأتي للعالم ليكون عالة عليهما
يكفي أنهما قدّمها لها المأوى والسند..
عملت بملجأ للأطفال تنظّف خلفهم وتهتم بهم وتحنو عليهم وقد رأت فيهم ابنها الذي لم يأتِ للحياة بعد فأحبها
الأطفال وتعلّقوا بها حتى مسؤولي الدار احترموها وعاملوها جيدا وهذا ما كان يهوّن عليها ما لاقته من زوجها
السابق.. لم تخبر الشيخ وزوجته عن مكان عملها فقط أخبرتهما أنها تعمل بدار روضة قريبة منهما وأن هذا
سيساعدها على الاهتمام بطفلها القادم ولم يمانعا حتى لا تشعر بالحزن خاصة وأن حالتها النفسية وصحتها تتردّى
يوما بعد يوم.
لاحظت نظراته إليها إلا أنها خشيت أن يكون هو الآخر سرابا كمن قبله فأغلقت أمامه كل السبل خاصة عندما
حاولت العودة لأهلها لتجدهم أعلنوا أنها قد ماتت بمرض خطير فعادت للدار مرة أخرى قلبها يؤلمها لتقابله بهذا
الوقت خصيصا وكأن الله أرسله ليخفّف عنها ما ينوء به ظهرها..
هو طبيب الأطفال الذي يمنح بعضا من وقته لأطفال الدار والذي تحيطها نظراته طوال الوقت وهي دوما صدّته..
لا تريد الدخول لتجربة أخرى يكفي ما عانته من صدمة فيمن ظنّته الحبيب والسند..
"مالك يا مدام فاطمة؟ حصل حاجة وشّك مخطوف اوي"
سألها الطبيب الشباب وقبل أن تجيبه كانت تسقط مغشيا عليها بين ذراعيه!
هرفع بها للمشفى القريبة من الدار وهناك كانت الصدمة!
"انتي ازاي سكتّي كل الشهور دي؟ الحمل ده كان لازم ينزل من زمان انتي كده هتموتي يا اما قبل الولادة يا اما بعد
ما تولدي بالكتير.. ليه تقتلي نفسك؟"
هتف الطبيب بغضب لتتسع عيناها بقوة وهي تقول بخفوت:"انا مش فاهمه! اموت ليه؟ وابني.. ابني كويس؟"
"انتي مكنتيش تعرفي انك تعبانه وان الحمل ده خطر عليكي؟"
سألها الطبيب بذهول من صدمتها الواضحة لتهز رأسها نفيا وهي تقول:
"لأ.. اول مرة اسمع الكلام ده.. انا عندي ايه؟"
"ازاي؟ ازاي الدكتور اللي متابعة معاه مقالكيش حالتك وان الحمل ماينفعش معاكي؟ لأ مش بس ماينفعش ده
هيموّتك"
هتف الطبيب بجزع ليمسك جواد طبيب الدار والذي قام بنقلها للمشفى بيدها عفويا بقلق وهو يهتف بالطبيب
عندما رأى شحوب وجهها:"ايه يا دكتور هو حد يكلم حد كده ويقوله انت هتموت؟"
مسح الطبيب على وجهه بعصبية يحاول تهدئة نفسه قبل أن يقول:"آسف.. انا بس اتصدمت لأن الحالة متأخرة
جدا وواضح انها اتدهورت في الفترة الأخيرة يعني كان ممكن تتحل من الأول لو هي اهتمت و..."
"انا ماتابعتش مع حد في الحمل.. انا لا عندي فلوس ولا وقت عشان كل شويه اروح لدكتور يتابع معايا او يديني
دوا اخده.. يادوب مرتبي بجيب بيه حاجه لابني حتى ماشيه بحاجته معايا في الشنطه اخر فتره عشان
لو ولدت في اي وقت"
صمتت للحظات تتركهما يستوعبان ما قالته منذ قليل قبل أن تقول:"انا مش فارق معايا حياتي, ابني هو اللي
يهمني, لو هموت عادي اصلا محدش هيفرق معاه وجودي من عدمه على الاقل هشيل حِملي من على الناس الغلابه
اللي انا قاعده معاهم بقاسمهم في رزقهم القليل.."
نهتت وهي تكمل حديثها:"انا مش عايزه غير ان ابني يجي كويس وبس اما انا.. مش عايزه حاجه من الدنيا تاني,
كفايه اللي شوفته منها"
زفر الطبيب بضيق قبل أن يحوقل وهو يلتقط عدة أدوية لديه يخبرها:"معدش في ايدي حاجه اعملها عشانك..
بس كل اللي اقدر عليه اساعدك لحد الولادة وربنا معاكي ومع ابنك"
أومأت بصمت قبل أن تقول:"اللي ربنا كاتبه هيكون"
*****
"احنا هنتجوّز"
قالها جواد بتقرير لترمقه بصدمة قبل أن تقول:"ايه؟ لا طبعا قولتلك مش عايزه اتجوز تاني ولا عايزه آ.."
قاطعها بصرامة:"الجواز مش عشانك.. الجواز عشان اللي ف بطنك, عشان لو جرالك حاجه يلاقي حد يهتم بيه
مايكونش مصيره زي بتوع الدار ويمكن أسوأ"
ولو ظنّ أنها ستصدّق أنه يضحّي فقط من أجل طفلها فهو واهم فقد نظرت له بتفكير وهي تقول:
"انت عايز مني ايه؟ انا مانفعكش يا دكتور.. انت احسن واحده تتمنّاك لكن انا بقايا أنثى.. أنا...."
قاطعها للمرة الثانية وهو يقول بعاطفة شعرت بصدقها بأعماقها:"انا مش عايز غير انك تكوني باسمي, وابنك هيبقى
ابني انا وعمري ما هقصّر في حقه كفايه انه حتّه منك"
صمت للحظات وهو يرمقها بحب مسّ قلبها وجعلها تضعف أمامه:
"وافقي واتجوزيني وأوعدك انك مش هتندمي أبدا"
ظلّت صامتة للحظات قبل أن تقول بتقرير:"موافقه بس بشرط"
ابتهجت ملامحه وهو يرمقها بأمل قائلا:"اتشرّطي براحتك بس اتجوزيني"
ابتسمت بخجل قبل أن تقول بجدية:"ابني هيتكتب باسمك انت وانت بس اللي هتكون ابوه ومش هيعرف ف يوم
انك مش ابوه.. ولو جرالي حاجة هتحافظ عليه ومش هتعامله وحش وهت..."
قاطعها بجدية:"من ناحية هحافظ عليه وهيكون ابني فده مفروغ منه لكن يتكتب باسمي؟ انتي متأكدة؟ ده تزوير
و..."
قاطعته بحزن مسّ قلبه الضعيف أمامها:"ربنا هيسامحنا هو اعلم بحالي وحاله انا مش عايزه اضغط
عليك لو مش موافق انا هت..."
زفر بقوة مقاطعا إياها بصرامة:"فاطمة.. هنتجوز وابنك هيتكتب باسمي وانتي هتاخدي كل الرعاية اللي المفروض
تاخديها وإن شاء الله هتفضلي معايا لحد ما تشوفيه عريس"
*****
وانتقلت للعيش معه بعدما بارك الشيخ وزوجته الأمر.. ووقتها علمت أن زوجها الأول لم يكن رجلا أبدا..
الحب والمودة والرحمة التي عاملها بها جواد جعلها تنسى كل شيء عداه وطفلها القادم وتهتم بصحتها من أجلهما
ولكن المرض كان لها بالمرصاد فلم يمهلها لتستمتع بأيامها الأخيرة وبطفلها القادم.. وبليلة شتوية عاصفة والمطر
الغزير يغرق الشوارع وصواعق تضرب المدينة بأكملها وهي في طريقها للمشفى مع جواد..
"مش هوصّيك على ابني يا جواد.. بالله عليك كلّمه عنّي وقولّه كنت بحبه اد ايه"
قالت فاطمة لتغرق عيناه بالحزن وهو يكافح ألّا تسقط دموعه أمامها فيومئ بصمت لتغمض عينيها من الآلام التي
بدأت بالفعل على الرغم أن الطبيب اتّخذ كل الاحتياطات حتى لا تتعرّض لهذا الإنهاك وتلد بعملية قبل أن يأتيها
المخاض ولكن إرادة الله فوق كل شيء..
"اسمه فارس"
رمقها بارتياب وهو يظنها تهذي ليتساءل بخفوت:"هو مين؟"
"ابني.. سمّيه فارس"
أومأ بصمت وهو يهمس:"حاضر"
وتمت الولادة.. وحيدة محاطة بالأغراب الذين كانوا أكثر عطفا عليها من الأقارب وتوفّت إثر الولادة بعدة ساعات
حتى أنها لم تستطع رؤية الطفل الذي وُلِدَ ضعيفا وقد توقع الجميع وفاته بعد والدته ولكنه تمسّك بالحياة
وكتب الله له الحياة ليعيش مع جواد الذي نفّذ وصيّة والدته وكان له نِعمَ الأب وحاول تعويضه عن وفاة والدته
وظلّ وفيّا لحب عمره الذي لم يعشق مثلها أبدا.
بعد فترة
"جواد يا بني انا مكنتش عايز اقلقك لكن الامر معدش يتسكت عليه"
قال الشيخ الذي قام برعاية فاطمة قبلا لجواد الذي شعر بالقلق ينهشه وهو يسأله:
"فيه ايه يا شيخ محمد؟ فيه حاجه حصلت؟ قلقتني"
زفر الشيخ بقوة قبل أن يقول:"ابو فارس بيدوّر عليه هو والمرحومه وقالب عليهم المنطقة هناك ويمكن اللي عطّله أنه
يوصلّي ان الناس مبتحبوش فمحدش راضي يريّحه ولا يعرّفه راحت فين بعد ما سابته.. احسن حل انك تبعد عن هنا
خالص خد فارس وسافر بعيد وسيب البلد دي كلها"
وعلى الرغم أن الطفل باسمه هو وهذا ما لم يعلمه الشيخ ولا أحد على الإطلاق سواه وفاطمة رحمها الله إلا أنه شعر
بالقلق والخوف على فارس لذا اتّخذ قراره الذي أجّله طويلا..
"انا فعلا كنت بفكر في الموضوع ده, اتعرض عليا شغل برّه ورغم اني مكنتش عايز فارس يتربى بعيد عن بلده بس
إرادة ربنا بقى.. هاخده واسافر وربنا يهوّن علينا بعدنا عنكم"
"ربنا يكرمك يابني ويحفظك هنعمل ايه ما باليد حيله"
******
(الحاضر)
ثلاثة أعوام مرّت وهو مسافر.. ثلاثة أعوام علمت خلالها معنى أن تكون يتيمة حقا دون أب دون أم ولو أنها على
قيد الحياة.. ودون سِنان!
ابتعاده عنها جعلها أكثر هدوءا وانطوائية من المعتاد فقط عندما تتحدّث معه وقتها تعود تولين الطفلة المنطلقة التي
تشع حيوية وابتهاجا..
أما هو فرغما عنه ابتعد فقد أخذته الحياة.. الدراسة والعمل الذي أسّسه مع صديقه الجديد كما أنه تركها تكمل
جامعتها وتؤسس شخصيتها بعيدا عنه علّها تنظر له ك سِنان فقط دون (أبيه) ودون أي حواجز!
واليوم موعد عودته للوطن ولحبيبته التي زادت مشاعره تجاهها ولم تقل مقدار أنملة وها هو صديقه يشاكسه على
تلهّفه للعودة..
"اهدى يابني شويه مش كده! ده انت فاضلك شويه وتطير بدل ما تستنى الطياره"
هتف فارس ضاحكا ليبتسم سِنان بمرح وهو يقول:"ياريت كان ينفع أطير واروح لها بدون تأخير.. يااه يا فارس انا
مش متخيّل امتى هشوفها وال ازاي هقدر امسك نفسي وماخدهاش في حضني"
"يا لهوي.. هي فيها أحضان كمان؟ لا عيب, اختشي يا سِنان مايصحّش كده"
هتف فارس وهو يخفي وجهه بين كفّيه متظاهرا بالخجل ليقهقه سِنان عاليا قبل أن يقول بجدية:
"مش هتتأخر زي ما وعدتني صح يا فارس؟"
"ماتقلقش يا حبيبي مش هخلى بيك وهاجي عشان اتجوزك واداري على فضيحتك"
هتف فارس وهو يحرّك حاجبيه مشاكسا ليضربه سِنان على كتفه بقوة خشنة وهو يهتف به:
"بس يخربيتك لاحسن حد يسمعك يقول عليا ايه"
"لاا ده احنا ابننا راجل اوي امّال ايه"
قال فارس متظاهرا بالجدية ليحرّك سِنان رأسه وهو يهمس ضاحكا:"مفيش فايده"
******
استيقظت باكرا وكلها شوق أن يمر اليوم سريعا ويتوقف فقط عند لحظة عودته توقفت عن الركض هنا وهناك حالما
سمعت صوت السيارة التي تقلّه تتوقف خارجا لتقف برهبة تضع يدها على قلبها الذي أخذ ينبض بجنون وشوق
للحبيب الغائب منذ سنوات طويلة بالنسبة إليها ثم سمعت صوت جدها يرّحب به بقوة وصوت والدتها وخالها
وزوجته ثم ارتفع صوت جدها يناديها لتسير ببطء فقد كانت تراقبهم من مكانها المفضّل في الحديقة ولم يلحظها
أحدهم سواه هو فجعلهم يسبقونه للداخل وخطواته تتسارع تجاهها وخطواتها تركض إليه وما إن باتت على بعد
خطوة واحدة منه حتى نسيت كل شيء سواه فألقت بنفسها بين ذراعيه تضم نفسها له بقوة وهي تهمس
له:"وحشتني.. وحشتني اوي اوي"
أما سِنان فقد تجمّد جسده بأكمله وهو يشعر بها بحضنه كما تمنّى وحَلِمَ مرارا ولكنه لم يستطع أن يحيطها بذراعيه كما
تاق ليفعل فلو فعل لم يكن ليفلتها أبدا وبالطبع سيتحوّل الأمر لفضيحة مدوية وقتها!
شعرت بعد لحظات بما فعلته لتشهق بقوة وهي تنفلت من حضنه وتتركه راكضة للباب الخلفي الذي يوصّل للمطبخ
فدخلت وأغلقت الباب خلفها وهي تهمس داخلها بقلق.. ماذا فعلت يا الله؟ لقد دمّرت كل شيء.
****
تتحاشاه منذ عاد بل وللدقة تعامله كغريب أو كضيف لذا تقضي كل وقتها بالعمل الذي التحقت به قبل عودته
بوقت قصير والبقية تقضيه برفقة صديقتيها جيجي ورغدة وها هي اليوم تمر على جيجي بعملها الذي التحقت به
مؤقتا لتمضية الوقت وتعودان معا وحدهما فرغدة قد حُشِرَت اليوم مع عريس تصر والدتها عليها أن تراه علّ عقدتها
تُحَل كما تفكّر كل أم عدا والدتها بكل تأكيد.
"شوفتي البت اللي ماتتسمّى اللي اسمها نادية؟ قال ايه اتخطبت لدكتور والنبي تلاقيه دكتور حمير وهي بترسم علينا
الدور"
هتفت جيجي بحدة وهي تقلّد زميلتها بالعمل والتي تصغرهما بست سنوات على الأقل لتقهقه تولين بقوة قبل أن
تقول:"يا ستّي دكتور وال تمرجي احنا مالنا ربنا يهنّي سعيد بسعيدة"
رمقتها جيجي بغضب وهي تقول:"هو انتي يابنتي مفيش ايتها احساس خالص؟ الناس كلها اتخطبت واحنا لسه
وتقوليلي فيها ايه؟ ده حتى نادية اللي شبه البرص الجعان اتخطبت واحنا قاعدين"
انفجرت تولين ضاحكة على تعبيرات جيجي والتي تراها مضحكة للغاية فيما رمقتها جيجي بوعيد وهي تهتف:
"هو انتي جايه تضحكي وخلاص يا بت؟ عارفه لو ضحكتي تاني هساوي وشّك بالأسفلت"
وضعت كفها على شفتيها كاتمة ضحكتها وعيناها قد امتلأتا بدموع المرح قبل أن تقول بهدوء:
"يا جيجي اللي يسمعك يقول انتي مش بيجيلك عرسان.. دي طنط غلبت معاكي عشان تقعدي بس مع العريس
فما بالك بقى توافقي عليه وانتي على صرخة واحدة ماقابلوش يا ماما, ماقابلوش يا ماما..
عايزة ايه انتي انا مش فاهمه! عايزة تتجوزي قابلي حد من اللي بيجولك.. مش عايزة تتجوزي امال واجعه دماغي
ليه من صباحية ربنا"
هتفت الجملة الأخيرة بغضب مصطنع لترمقها جيجي بحنق بل أن تتركها وتدلف للبناية التي تقطن بها وهي البناية
المواجهة لمنزل تولين:"انا ايه اللي خلّاني ارجع معاكي النهارده؟ ما كنت قعدت معزّزه مكرّمه في البيت..
فينك يا رغدة انتي اللي بتفهميني مش الاخت اللي هربانه من عالم سمسم دي"
قهقت تولين مرة أخرى وهي تخرج مفتاح المنزل من حقيبتها وما إن فتحت الباب الخارجي حتى وجدت سِنان أمامها
بكل وسامته المهلكة لقلبها البريء..
"مساء الخير أبيه سِنان.."
التفت لها سِنان الذي كان مشغولا بمكالمة هاتفية ليشير إليها بمرح قبل أن يلتفت مرة أخرى ويكمل
حديثه الهاتفي لترمق ظهره بصمت للحظات قبل أن تدلف للداخل وتجد جدها ووالدتها وخالها والد سِنان أيضا
وفهمت وقتها سبب الضيق المرتسم على وجهه بالخارج !
فخالها تزوّج بعد وفاة والدة سِنان وتركه في عهدة جده إلا من عطلات بسيطة كان يقضيها معه بمنزل زوجته الجديدة
والتي على الرغم أنها جيدة إلا أن سِنان لم يستطع تقبّلها أبدا ولا أن يضعها بمكانة والدته.
"مساؤو جميعا"
هتفت بمرح ليبتسموا لها جميعا وكل منهم يحيّيها بتحية مختلفة لتقبّل وجنتا جدها ويده ثم تقبّل وجنتا خالها وأمها قبل
أن تقول:"هروح اخد دش سريع لاحسن مش قادرة ابدا.. الدنيا برّه حر موت ولا كأن الشتاء بدأ"
"ماشي حبيبتي وماتتأخريش عشان مستنيينك نتغدا سوا كلنا"
قال جدها بحب وكادت تسأله هل سيأكل سِنان معهم ولكنها أعرضت عن السؤال وصعدت لغرفتها
تغتسل وتبدّل ملابسها لأخرى مريحة قبل أن تهبط مرة أخرى فتجد سِنان يجلس معهم إلى طاولة الطعام جلست
بصمت ليرمقها سِنان بدهشة.. لم تتحدث معه عمّا حدث معها كعادتها كلما عادت من الخارج!
فمنذ انتقلت للعيش بمنزل جده مثله وهي تعتبره صديقها المخلص الذي تقص عليه كل شيء يحدث معها مهما كان
وهذا أدخل السعادة لقلبه وجعله يتعلّق بها كثيرا..
"ها يا سِنان يا ابني مش ناوي بقى ربنا يهديك وتعمل اللي قولتلك عليه"
قال خالها بهدوء وهو ينظر لسِنان ليلوي سِنان شفتيه بنزق قبل أن يقول:"مش وقته الكلام ده يا بابا"
"هو ايه اللي بيحصل؟ انت عايز ايه من سِنان؟"
سأل الجد ابنه ليجيبه:"قولتله على بنت شريكي في الشغل بنت حلوة ومن عيله كويسه ليه مايخطبهاش بدل ماهو
عدّى التلاتين ولسه لا خطب ولا اتجوز"
قبل أن يدلي برأيه المخالف لوالده تماما كانت تولين تنهض بهدوء وهي تحمل صحنها للمطبخ كعادتها منذ صغرها..
تابعها بعينيه وهو في حيرة من أمرها.. قبل أن ينظر لوالده الذي يلح عليه وهو يقول:"بابا, انا مش هتجوز دلوقتي
تمام؟ ولو عوزت اتجوز هتجوز اللي انا اختارها واكيد مش هتبقى بنت شريكك في الشغل"
ثم رمق جده باعتذار وهو ينهض قائلا:"بعد اذنكم شبعت"
******
"هو انت كل ماتيجي تعصّبه كده؟ انت مالك وماله هو معدش صغير عشان تدّخل في حياته بالشكل ده"
هتف الجد بعصبية ليرمقه ابنه بدهشة قبل أن يقول:"هو انا اما ابقى عايز ابني يتجوز ابقى بتدخل في حياته؟ ماتقولي
حاجة يا نعمت؟"
هتف بشقيقته التي همّت بالحديث تدافع عن شقيقها ولكن والدهما أوقف كليهما عن الحديث بقوله:
"مالكش دعوه بنعمت هي مش احسن منّك للاسف.. وبعدين انت عايز تفهّمني ان جواز سِنان هو اللي يهمك
مش جوازه ببنت شريكك بالذات؟ يا نسيم انت تضحك على اي حد لكن انا ابوك اللي حافظك كويس وعارف
ان ورا عرضك على سنان منفعه مش حب اب لابنه وخلاص"
ثم تركهما وغادر ليزم نسيم شفتيه بحنق فيما رمقته نعمت بعدم رضا وهي تنعي حظ سِنان الحنون في أب لا يهتم إلا
بمصلحته فقط ولم تلحظ أنها وشقيقها وجهان لعملة واحدة.
****
طرقة خافتة على باب غرفتها جعلها ترتدي ثوب الصلاة سريعا قبل أن تأذن للطارق بالدخول ففتح الباب ووقف
سِنان أمامه وهو يقول:"تعالي عايزك"
رفعت حاجبها بدهشة من طريقته الجافة قبل أن تخرج له فتجده سبقها لمكانهما المفضّل بالحديقة المحيطة بالمنزل..
"فيه حاجة يا أبيه؟"
تساءلت تولين وهي ترمقه بدهشة من حالته الغريبة ليصِر على أسنانه بقوة وهي يسمع لتلك الكلمة المزعجة التي
رافقتها منذ الصغر (أبيه) والتي تثير غضبه بقوة..
"انتي اللي فيه يا تولين, لا جيتي ولا حكيتي ليا زي قبل كده.. بقالك فترة اصلا متغيّرة مش فاهم ليه"
أجابها بحنق لتنظر له وهي على وشك البكاء من أسلوبه الفظ والذي يعاملها به لأول مرة.. هل هذا فقط لأنه
سيخطب؟ إذا كيف سيعاملها عندما يتزوج؟!
"أبدا محبتش أشغلك وشايفاكم بتتكلموا عن مستقبلك فقولت امشي واسيبكم براحتكم افضل"
قالت بخفوت ليزفر بقوة وهو يكاد يجذب خصلاته بقوة حتى يهدّئ من غضبه
"مستقبل ايه وبتاع ايه؟ مفيش حاجة هتشغلني عنك يا توتي لازم تفهمي ده كويس"
رمقته بشك وداخلها تتساءل ألو تزوّج حقا ستجده بجانبها كما الآن؟!
لن تحتمل فراقه أبدا فهو الوحيد مع جدها الذي يجعلها تصبر على ابتعاد والدتها الغريب عنها وكأن مشاعرها ماتت
بموت والدها فأصبحت بعيدة عنها طوال الوقت تشغل نفسها بأمور صديقاتها والنادي وأشياء ليست لطبقتهم حتى!
فكلها أمور الطبقة المخملية التي تحتك بها بالنادي الذي ترتاده منذ فترة طويلة.. تكفي سنوات سفره والتي جعلتها
تقوم بحماقة لم تظن أنها قادرة على فعلها يوما ومنذ يوم عودته وما فعلته وهي تشعر أن هناك ما تغيّر بينهما ولم تعلم
ماذا تفعل حتى أنها لم تخبر جيجي أو رغدة بما حدث بل حبسته بقلبها وفقط.
تنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيها ليرمقها بغموض قبل أن يقول:"هتقوليلي مالك بقى؟"
زمّت شفتيها بحنق قبل أن تقول أول شيء تبادر لذهنها:"جيجي هتجنني, كل شوية دي اتجوزت ودي
اتخطبت واحنا لسه.. انا اصلا مش عايزه اتجوز ولا اتخطب ولا بتاع.. وهي بترفض كل اللي بيتقدموا لها
حتى من غير ما تشوفهم طب عايزة ايه هي بقى انا مش فاهمه! اوقات بحس اني مش بنت زيهم لاني مش فاهماهم!"
ضحك بقوة قبل أن تهدأ ضحكاته عندما رأى نظرتها المستنكرة وقد ظنّته يضحك عليها ثم قال:
"انا بضحك على جيجي, مجنونة فعلا الله يعين والدتها عليها"
ثم رمقها بنظرة لم تفهمها وهو يقول:"انتي فعلا مش بنت زيهم, انتي ملاك"
وتابع بداخله بهيام (ملاكي انا بس)
******
تسير ببطء تجاه باب المنزل قبل أن تراها والدتها ليرتفع صوت شقيقها هاتفا باسمها بسماجة من يعلم أنها تتهرّب من
لقاء والدتها منذ علمت بمجيء عريس آخر وهذه المرة ستقابله رغما عنها..
"جيجي.. كلّمي ماما كانت عايزاكي"
زمّت شفتيها تسبّه داخلها بقوة وهي تدعو أن يخلّصها الله منه بزواجه عن قريب ولو أنها تشفق على الفتاة التي قد
يختارها زوجة..
"جيجي! خارجة بدري كده ليه مش قولتي مش هتروحي الحضانة دي تاني؟"
هتفت والدتها متسائلة لتزم شفتيها بقوة قبل أن تلتفت لها ترسم على وجهها ابتسامة بريئة وهي تقول:
"عندي مقابلة شغل يا ماما ولازم انزل بدري"
"شغل ايه ياختي المرة دي؟ مره حضانه ومره صيدليه وانتي اصلا مش محتاجة شغل.. بتبهدلي نفسك ليه انا مش
فاهم"
هتف سلامة بحنق وهو يشعر حقا بالقلق على شقيقته من أن تتعرّض لموقف ولا يكون حاضرا ليحميها منه..
فعلى الرغم من مشاكسته الدائمة لها إلا أنها شقيقته ومكانتها لا تُمَس.
وبدلا من أن تفتح رأسه بحذائها كما فكّرت لوهلة قالت بهدوء وعلى وجهها ابتسامة سمجة:
"المره دي فندق محترم وف اختصاصي كمان ادعيلي يا سلامة"
وغادرت قبل أن يجيبها وهو يرى تهكّمها عليه ولاحقها صوت والدتها..
"ما تتأخريش يا جيجي عشان الناس اللي جايين"
وتمتمة خافتة خرجت من بين شفتيها:"لا ازاي ده انا هاجي بدري عشان اتفرّج على الاراجوز اللي جاي النهارده
واقوم معاه بالواجب"
نهاية الفصل

نوفيلا سنجل حتى إشعار آخر بقلمي حنين أحمدWhere stories live. Discover now