من جندي.

165 21 23
                                    

سنة الحرب البغيضة.

لا أدري إن كانت تحياتي وأمنياتي ستقبل، لذا سأتجاهلها.

عزيزتي، أنا خائف جدًا، خوفٌ قد لا يشبه ذاك الذي تشاركناه يوم استلمنا برقية الطوارئ، وكان علي أن أنضم إلى الجيش. لقد كان ذاك خوفًا من المجهول، من المستقبل، من الدمار، من احتمال عدم القدرة على العودة إلى البيت مطلقًا. لكن ما ينهشني الآن خوفٌ مني، من القتلى الذين صرعتهم، من أطفالهم الذين يتمتهم، من زوجاتهم وحبيباتهم وأمهاتهم، خوفٌ عليكِ وعلى الأطفال مني، أنا الذي بت لا أعرفني، لا أفهمني، ولا أقوى على النظر إلى تعابيري المنزوعة، برود أشبه بالموت احتل صدري، وروحي تبدد نورها،  أشعرُ بالرعب وليس الخوف...

الحرب ليست عادلة، ولا داعٍ لها، أي وطنٍ هذا الذي يدفعنا لرويه بالدماء؟ أي بيتٌ سيدفئه حريق البيوت المجاورة؟ أي حياة سأنعم بها وأنا أنتزع غيرها آلافًا فداءًا لها؟ أأرواح الجنود أرخص من أرواح المحميين هناك بين دفء عائلاتهم؟
أنا ناقمٌ على كل شيء، ولا شيء سيرضيني، لا العبارات المنمقة ولا الهتافات المجلجلة، لا الشعارات السخيفة ولا الرتب الرخيصة.

في المعركة الأولى، كنت مرتاعًا، مدهوشًا، من الوحشية، من المجازر، من عذابات الرجال ومن تفاهات البشر، كنت أصوب سلاحي بلا هدف، حتى صرخ أحدهم: «اقتله قبل أن يقتلك!» ورأيت قاتلي، كان متشتت الذهن، عيناه زائغة ومنفرجة لأقصى حد، وبؤبؤاه يدوران ويصطدمان في محوري عينيه ككرات البلياردو، كان مرعوبًا مثلي، وعاجزًا عن نبذ خيالاته الإنسانية التي تحوم حوله صارخةً بأن هذا هراء، وعليه أن يتوقف، أن يوقفهم، أن يهرب، لكن كوابيس الحرب كانت في أشدها، صاحية، وملتهبة، وجنونية، كانت تعصف حول كل شيء مسببة انهيارًا، ومخلفةً أنهارًا من الدماء الدافئة، إما أن تقتل أو تُقتل، لا توجد منطقة وسطى ما بين الحلم والكابوس. فخيار الصحو كان مقتولًا بالفعل كما قتلته. كنا في نفس الموقف لكنه كان أقوى مني.

أرجوك، لا تستقبلي قاتلًا إن عدنا، وأتمنى ألا أعود، أبدًا، لقد قتلتني الحرب، قتلت شيئًا لا يمكن إحياؤه، ضميري ربما، وإنسانيتي وتعاطفي، وانتزعت مني رغبتي في الحياة، وربما أرتني ما لون الحياة الحقيقي، لون الدماء. أحمر قانٍ ودافئ. أتمنى لو تموت الحياة.

أخاف إن عدت يومًا وبكيتِ ألا أفهم سبب بكاءك، ألا أستطيع ضمك بيديَ الملوثة والخشنة، أخشى أن أرى في أطفالي أطياف أطفال قد سرقت آباءهم منهم، وإن ناداني عمر ببابا فلن أجيب يا حبيب بابا، خائفٌ من أن أرى اللوم في عينيك وأنتِ تنظرين بخفاء إلى يدي المبتورة.
قد صرت من أبناء الحرب، وهي أم متملكة لن تلفتني من قبضتها إلا وهي واثقة من عدم نسياني لها، فإما أن أعيش بذنبها، أو أموت على يدها، وأنا أفضل الخيار الثاني، أريد الموت ولا شيء غيره.

من شبحٍ أحلفك بأن تمحيه من ذاكرتك، لأنه لن يعود.
ودعي الحياة التي لم أستطع عيشها، لأنها لم تعطني الفرصة.

رسائلٌ قيد الإرسال.On viuen les histories. Descobreix ara