الفصل الثالث.

19 4 0
                                    


سالونيك، اليونان، الثانية بعد منتصف الليل.

" عدتَ مجددا."

إلتقطت زجاجة الخمر من يده المرتجفة و ارتشفت منها.

" أخبرتني المرة السابقة أنكِ ستكونين هنا عندما أكون حزينا، لذا هأنا ذا."

جلسا على الأرضية متكئين على الجدار غير مكترثين ببرودة الجو و أنهم داخل مرآب سيارات ضخم في الثانية صباحا، تنهدت ثم نظرت نحوه و قالت بنبرة فارغة.

" هذا العالم لا يكترث بنا، فهو قاسي و قبيح، إذا كنتَ لعينا مثلهم  و ظالما ستعيش كالملوك و إلا فعليك الهرب و الإختباء و البقاء صامتا."

نظر نحو الأرض مبتسما و قال.

" و ماذا عن أولئك الذين فقدوا جزءا من حياتهم ؟ الجزء المتبقي الذي يذكرهم بأنهم بخير، ذلك الجزء الذي يشعرهم بأنهم أحياء و أن الحياة بخير و ستستمر."

اعتدل في جلسته و أكمل.

" أتعلمين أيتها البجعة الحزينة؟ أنا لا أكترث للعالم و لا للناس و لا آتي إلى هنا هرباً و مختبئا، أنا وحيد، لقد انطفأت و ذهبت شعلتي، وحيد و صامت انتظر الموت ليأتي و يأخذني لملاقات الذي ينتظرني في العالم الآخر."

نظرت نحوه و رأت كيف كان ينظر للزجاجة و عينيه تلمع بحزن، حزن عميق و قديم و كأنه يحمل هموم الكون على كتفيه. هي حزينة مثله، بل أكثر منه لأنه على ما يبدو فهو قد فقد شخصا عزيزا عليه أما هي، هي حزينة لأنها وحيدة و لا تمتلك أية ذكرى جميلة مع أحد، فقط تلك الحادثة المريعة و تلك الأيام التي تليها، ارتجفت فجأة و هزّت رأسها بعنف لتخرج تلك الأفكار من رأسها.

" ما اسمك ؟ "

" سكاي."

هزّ رأسه بإعجاب و قال ناظرا نحوها.

" كلون عيناك، أنا أدعى هارولد."

ابتسمت نحوه و قالت.

" اسمك كلاسيكي جدا، كثيابك."

ضحك بخفة و بقي صامتا ينظر إلى تلك السيارات المصطفة أمامهم.

" هل أنتِ راقصة باليه ؟ "

" أجل."

" و لما ترقصين كل ليلة هنا ؟ أليس لديكم أي مكان آخر ؟"

" لا أعلم، أنا فقط آتي إلى هذا المكان في هذه الساعة لأرقص حتى أتعب ثم أعود أدراجي."

" و أنتَ؟ ماذا تفعل ؟"

" أنا رسام، في الصباح أرسم و عندما يحل المساء أذهب للمقبرة و أثمل ثم أعود إلى المنزل."

" إذن أنا جالسة مع رسام ثمل حزين و ذو ملابس كلاسيكية." قالتها مبتسمة، ليبادلها و يهمس.

" تبدو غريبة عندما تنطقينها."

هذه المرة ضحكت و شاركها.

نهضت بهدوء و مشت عدة خطوات ثم توقفت مغمضة العينين، هذه المرة ارتدت حذاء الباليه أبيض اللون و الملتف حول ساقيها العاريتين بمهارة. رفعت قدمها و دارت بهدوء ثم زادت سرعتها تدريجيا و شرعت ترقص بمهارة و تلتف في الهواء، كان ينظر لها و لرقصها، رأى كيف كانت تدور و تقفز في الهواء و شعرها البني الطويل يتطاير وراءها، شعر و كأنه يرى إحدى اللوحات الفنية الجميلة تتحرك و قد أثرت عليه الكحول لدرجة أنه صدّق أنها لوحة لإحدى الرسامين العالميين و ليست بشرية.

توقفت تستعيد أنفاسها و رتبت شعرها المبعثر على وجهها ثم التفتت نحوه فتراه ينظر لها هو الآخر، زمرديتيه موجهة نحو زرقاوتيها، كلاهما ينظر نحو الآخر بنظرة فارغة و عقل مشوش، الهدوء الذي كان يعم المكان أصبح مزعجا لسكاي و تمنت لو تحدث أية ضوضاء تجعلها توقف هذه اللحظة.

" تصبح على خير، هارولد."

" تصبحين على خير، سكاي."


You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Mar 12, 2020 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

Irresistible H.SWhere stories live. Discover now