الفصل الثاني.

31 5 1
                                    


سالونيك، اليونان، الثانية بعد منتصف الليل، بعد يومين.

" أتتبعني؟"

لفّ وجهه لجهة الصوت، نظر لها لمدة خمس ثوان ثم ارتفع حاجبيه و قال بنبرة ثملة تليها حازوقة.

" لقد كنتُ في انتظارك أيتها البجعة الحزينة!"

أدارت عينيها بملل ثم وضعت يديها على خصرها و قالت بانزعاج واضح.

" اسمع، أنا لستُ هنا لأقدم لك عرضاً حسنا، و لست ذلك النوع من الفتيات الثرثرات، لذا هلا تكرمت و ابتعدت عني."

ظلّ يناظرها صامتا إلا أن خرجت منه حازوقة أخرى لتزفر بملل ثم تبتعد عنه.

توجهت إلى بقعتها المعتادة لكنها لم ترقص، بل ظلت تدور حول نفسها و شعور بالغضب الممزوج بالخوف احتواها، فهي قد اعتادت أن تكون بمفردها و هي تخرج طاقتها السلبية، و الآن هناك شخص آخر أصبح شريكا لها في هذا المكان، و يبدو أنه لن يرحل إلا بأصعب الطرق.

" أنا لستُ هنا لإزعاجك أو التضييق عليكِ."

انتفضت نتيجة صوته الهادىء و العميق و القريب كذلك، إلتفتت نحوه لتراه ينظر لها بصمت محاولا الإتزان.

أدخل يديه بين شعره في حركة سريعة ثم قال ناظرا للمكان.

" أعلمٌ أنكِ حزينة، و أن ما تفعلينه بغية نسيان الواقع، أنا أيضا حزين، أكثر مما تتصورين، و الكحول هي التي أنستني مرارة العيش."

صمتت، رأسها فارغ من الأفكار و لا تعلم بماذا تجيبه، لكنها ذهبت خطواتان للوراء و شعرت في تلك اللحظة بأهمية الرقص الآن، و لن تكترث إذا رآها أم لا.

أعادت نفس حركات الليلة السابقة، إلا أنها لم تتوقف هذه المرة، بل زادت سرعتها في الدوران أكثر لدرجة أنه أصبح يرى فقط شعرها الطويل المتطاير.

أما هو فقد جلس على الأرض يحتسي الكحول من زجاجته تارة، و ينظر إلى حركاتها تارة أخرى، غارقا في أفكاره و ماضييه الأسود، ذلك الماضي الذي لم يتوقف عن قتله ببطىء، و تذكيره بكم كان مغفلا و لعيناً.

جعل خضراواتيه تستقران فيها، فبطريقة ما، تأثيرها على عقله أصبح أكثر من الكحول.

توقفت عن الحركة و هي تلهث طالبة المزيد من الهواء لرئتيها، نظرت نحوه لترى زجاجة الكحول لازالت مستقرة بين يديه، نهضت بسرعة ثم أخذتها منه، لم يقل شيئا بل ظل صامتا ينظر نحو الفراغ بشرود، ارتشفت من الزجاجة ذات العنق الطويل لتزيل عطشها.

" هل يستحق الأشخاص عديمي الفائدة العيش على هذه الأرض ؟"

نظرت نحوه ثم جلست بجانبه و همست.

" العالم قد أصبح قبيحا بما فيه الكفاية، سيسحقونهم أكثر."

نظرا بصمت لبعضهما، استطاعت أن ترى عينيه ذات اللون الزمردي اللامع و ملامحه الحادة، لكن عقلها كان في مكان آخر... المكان الذي تقبع فيه مشكلتها و تعاستها.

" أيتها البجعة الحزينة."

همهمت له كإجابة و هي تنظر لفستانها ليتحدث قائلا.

" هل سأراكِ غدا ؟"

أجابته دون رفع رأسها.

" إذا ظللتَ حزينا مثلي، ستجدني دائما هنا."

Irresistible H.SWhere stories live. Discover now