الفصل الأول

ابدأ من البداية
                                    

***
مُنذ عام مضى...

هبَطت "ريم" على الدَّرج بحماسة وسعادة إلى الطابق السفلي من المبنى التي تقطن به، فاليوم " عمر " الصغير لها وحدها وسيستمتعان كثيرًا بمشاهدة الأفلام الكرتونيه التي تخجل من الإعتراف بأنها تُفضّلها أي يوم عن الدراما الحقيقية، فيكفيها دراما حياتها بأنها الوحيده المتبقيه على قيد الحياة من أسرتها هي وخالتها التي علِقت في عالم من خيالها وسط رحلاتها المجنونة وٱنتهى بها الأمر بإتخاذ قرار الإبتعاد عن الوطن للإستقرار في الخارج ونسيانها تمامًا منذ أعوام مضت.
نفضّت أفكارها ووقفت على أطراف أصابعها كي تجذب المفتاح من فوق الإطار العلوي لباب شقة "ريان" وشقيقتهُ "ليان" المراهقة التي توسلت لها كي تهتم بإبن أخيها كي تخرُج مع رفيقاتها مؤكده أنه سيقضي يومه كامل في العمل، لوّت شفتيها بإنزعاج فبرغم سعادتها ببقائها مع الصغير إلا إنها تمنت رؤية "ريان" كي تنسج أحلام صبيانية يافعه في الخفاء عن كونهما معًا.
ضحكت على سخافة أفكارها بعبثيه، لا تدري كيف مر عليها عامين كاملين دون أن تذوب تحت قدميه معترفه بحبها العجيب له، فقلبها المريض تعلق بمصيدة غرامهُ مُنذ وفاة زوجتهُ ورجوعه هُنا بضع أيام سلب فيها قلبها، ثم سرق "ليان" كي تهتم بطفلهِ في الخارج ثلاث سنوات كامله قبل أن يعود وعلى حسب ما تتذكر وقتها أخبرتها "لِيان" أنه يعمل هنا بشكل مؤقت فمقر عمله الأساسي بإحدى الدول الخليجيه ولكنّهم بحاجة إليه هُنا للنهوض بفرع جديد داخل مصر.
وقتها لم تكن تدرك شيء ولم تهتم سوى بأنها وقعت أسيرة عينيه هو وصغيرهُ المسكين الذي لم يتّهنى بيوم واحد بين ذراعي والدته التي وافتها المنية وهي تمنحه الحياة، وشعرت بقلبها يتمزق آلاف المرات شفقه عليه متخذه على عاتقها مهمة الجارة المجنونة التي تراعي الصغير مع ليان كل يوم في أوقات غياب والدهِ الذي لا يشعر اصلًا بوجودها حوله ولا يشعر بحبها.
دَلفت ريم بإنزعاج من أفكارها القاسيه، فكيف ستلفت إنتباههُ وهي لا تمشط تلك الخصلات السوداء الشعثه الملفوفه كالإعصار أعلى رأسها مع وجهها الخالي من الزينة وفوق كل هذا وهذا فإن خجلها السخيف هو عكس المطلوب مائة وثمانون درجة، تأففت وٱنطلقت لتوقظ عُمر من قيلولتهِ راميه كل هذا الجنون خلف ظهرها.
وقف "ريان" تحت الماء البارد يحاول أخذ أنفاس متتاليه ويستغفر الله عن تلك الأفكار التي تدور في عقله منذ الصباح حين حاولت إحدى زميلاته في العمل إغوائه على حين غرة، ملئ كفيه ليضرب الماء البارد في وجهه يحاول تناسي شعوره بحرارة جسدها الناعم الذي إلتصق به في جراءة عاليه لم يصدّقها لكنها كانت كافية لإحياء رجولته الذي سعى للسيطرة عليها وقتلها منذ وفاة زوجته وصب جام إهتمامهُ وطاقته للعناية بصغيرهُ فقط، حمله تفكيره رغمًا عنه إلى امرأة أخرى كالملاك بشعر اسود مشعث وقد لا تفوق زميلته اللعوب في خانة الأنوثة ولكن البراءة والحب المنبثق من عينيها كافي لإغواء كاهن أو على الأقل اغواءه هو.
دقائق ثم خرج من تحت الماء يجفف جسده باحثًا عن ملابسه حين وصل إلى مسامعه نبرة مشاكسة تبهج قلبه منذ فترة طويلة بشكل غامض لا يستطيع تفسيره، ودون تفكير منه أسرع في اتداء ملابسه للخروج وملاقاتِها.
المنطق والعقل يؤكدان له أنه بظهوره سيرسلها بعيدًا ويحرم صغيره من متعة تواجدها لكنه قذف بهما عرض الحائط فشعور بالوحشه داخلهِ يناشدها ليخرج إسمها من بين شفتيه مبحوح مليء بالعاطفة:
-"ريم".
ضحكت "ريم" عندما خبأ عمر رأسه الصغيرة في الوسادة رافضًا الإستيقاظ متوسلًا بضع دقائق أخرى لتخبره أنها ستسمح له حتى وقت إنتهاءها من إعداد وجبة مغذيه له، جذب نظرها باب غرفة ريان المفتوحه وهفت عليها رائحة العطر الذي يستخدمه كي يغيب عقلها، أغمضت عينيها مستمتعه بإستنشاق الهواء المحمل بعِطره وتساءلت كم يضع من زجاجة العطر كي تبقى رائحتهُ معلقه كل هذا الوقت في المنزل وكأنه لم يغادره.
تفكير مغيظ جال بمخيلتها وهو يتجول بتلك الرائحة سارقًا قلوب الفتيات كان كافي لإشعال غيرتها.
أخذتها قدميها نحو الغرفة في خطوات هادئة دون وعي فتفحصت أثاثه واغراضه المرتب بشكل مفاجئ نظرًا لحركة عمر المفرطة في البيت فالفتي ذو الثلاث أعوام تقريبًا لا يترك أي مكان مرتب.
وجدت قميص لبني اللون ملقى فوق الفراش بإهمال فٱتجهت نحوه بإبتسامة واسعه مشاغبه مملوءه برهبة الخطأ، لترفعه نحو أنفها تشُم رائحة عِطره الممزوجه برائحتهِ الرجولية الفريدة من نوعها والتي تُحيي داخلها مشاعر لا تفقهها لكنها تتعلمها بسببه.
إتجهت نحو باب الغرفة مقرره الإستمتاع برائحته قليلًا في طريقها للمطبخ قبل ان تأتي وتُعيده لكنها صدمت عندنا رأت ريان يقف بكامل هيبته عند مدخل الباب يُطالعها بملامح مبهمه غامضه وعيونه حالكة الظلام وكأنها متحجره تمامًا كأصابعه المحتضنه بصلابة كوب من الماء.
شهقت ووقع القميص من بين أطراف أناملها ليلامس قدميها المزينة بطلاء وردي بسيط لكنه صارخ فوق بشرتها البيضاء الشاحبة وتسمّرت بذعر حين راقبته يضع الكوب بإهمال ثم يقترب منها دون أن يصدر حرف او تعطيها ملامحه نبذة عن مشاعره.
شعرت بحرارة وتأكدت أن كل وجهها صار أحمر كالبرقوق، فحاولت التحدث وإعطائه تبرير لتطفلها وقد قبض عليها في الجرم المشهود لكن لسانها كان معقود.
كان صامتً فقط عيونه تشتعل بالكثير والكثير لا يتحرك وكأنه تمثال وحدها أنفاسه المرتبكه التي تلامس أعلى وجهها تكشف إنه حي يرزق مثلها.
- أنا متأسفه، كنت بتأكد هو نضيف ...ولا...أصل...ليان...قالتلي....انا..
أسرعت في الحديث تفكر في مبرر لكنه قاطعها عندما رفع أنامله ليجذب رباط شعرها ويحرر خصلاتها المتمردة بيده الأخرى فتغوص أنامله بينها بعنف، فتقطعت كلماتها مع أنفاسها بجنون ثم فقدت القدرة على التفكير وهى تراه ينهي أخر مسافة تفصل بينهما برأسه ببطء، لا تدري انه يتراقص فوق أوتار حُبها مستغلًا براءتها بينما عيناه تحاول تثبيت نظراتها التائقة على نظراته الحارقه.
- بَحبَّك...!
ٱتسعت أعين كلاهما لهمستها المأخوذه بثمل عاطفي، فتأوهت في صدمة لِما خرج من فمها و أرادت الهرب لكنه منعها بإنقضاضه عليها في لحظة خاطفه مغلق المسافة بين شفتيها المرتعشه وشفتيه المتطلبه.
شَعرت بالحرارة تتملك في جوفها الجاف خاصةً عندما أحكم على خصلاتِها بإحدى قبضتيهِ بتملُّك سافر بينما الأخرى تلتف حول كتفيها كي يضمها إليه بقوة وقد إنساب وراء رغبة عارمه غيَّبته ما إن تذوَّق لذة شَفتيها رافضًا الإبتعاد عنها.
شَعرت "ريم" برأسها تدور وتأوهت من صلابة الخشب ما إن دفعها للخزانة خلفها لتستند كلاهما بينما يفعل هو الأعاجيب وما ليس له وصف بثغرها.
شَعرت بذعر أخيرًا عندما إحتدت جراءتهُ وإلتصق بها بشدة وشوق أفزعها وأعاد لها عقلها الصارخ بفداحة فِعلتهما بعد فوات الأوان، فدفعته عنها بعيون متسعه مرتعبه وشفتان ترفضان التوقف عن الإرتعاش، سمح لها "ريان" بإبتعادهُ محاولاً تمالك أنفاسه العاليه وعقله لا يصدق ما فعله للتو.
وَضعَت ريم يدها على فمها وحاولت تجاوزه فأمسك بمعصمها قائلًا بصوت ٱجش:
- إستني.
- سيبني... سيبني.
قاوَّمت بهستيريا فتركها لتركض مذعوره إلى خارج منزلهُ وشعور بالذنب يتطاير مع عبراتها ليستقر داخل صدره، بينما تحرك هو ليدور داخل الغرفة غير قادر على إستيعاب فعلته.
لقد إستغل فتاة مراهقه يتيمة دون راعي لتوه لا بل إنه إستغل إمرأة هي الوحيدة القادره على الإعتناء بصغيرهُ دون أن يَشعُر ب ذرة من القلق والأدهى أن تلك المرأة هي الوحيدة القادرة على هزّ قلبه بين جنبات صدره دون جُهد ولا يدري أين سيصل بها تفكيرها بشأن حقارتهُ ولكن سيكون عليه إصلاح الأمر سريعًا.
- غبي.
هتف ثم جذب أطراف خصلاته السوداء بقوة وكل ما أحتاجه هو أنفاس قليله ودون تفكير إتخذ قرارهُ بأن وقت الزواج قد حان.
وليس من أي امرأة فهو لن يرضى سوى بتلك المغوية التي لولا إستلامها له في خضم ثورة مشاعرهُ لظن انه أخافها حتى الموت.
وبذلك إتصل يعيد شقيقته الطائشة وشقيقهُ الأحمق إلي المنزل فهناك زواج في الانتظار وعلى شقيقته المسكينة الخضوع لتسرعه والصعود معه إلى ريم كي يعرض الزواج عليها الآن دون أي تأجيل.
***
عادت "ريم" من ذكرياتها على صوته الرخيم الغاضب:
- قدامك ثواني يا ريم، ولو مخرجتيش على البيت حالًا هرتكب جناية !
غامت عيناها بذهول لوقاحته بعد غياب عام كامل دون تواصل هذا هو ما ينطق به، فكرت بسخرية وماذا كنتي تتوقعين بعد ما حدث أن يأتي إليكِ ساجدًا يبكي ندمًا؟!
تحدت نظرته الغاضبة بمثلها أكثر حقدًا وقالت من بين أسنانها:
- أعتقد ده شيء ما يخصكش ، لا ثانيه هو في الحقيقة انا مش مصدقه إني واقفه أتكلم معاك.
كادت تتخطاه وعُمر لايزال يحتضن كفها بكفه الصغير ويمضي معها، فأمسك ذراعها بقوة أفجعتها وجعلتها تلتفت حولهم بوجه شاحب مذعور وهمسَت في شراسة:
- لو سمحت أنا واحده مخطوبة واللي بتعمله ده ميصحش.
إستغلت وقوع كلماتها على مسامعهُ كالبرق نشلت معصمها في غضب من بين براثنه متلذذة بلذة الإنتقام للصدمة المرتسمه على وجههُ.
إبتعدت نحو المرحاض بخطوات مهتزه تخفي خلفها الكثير والكثير ثم طلبت من عُمر إنتظارها في الداخل بصمت كي لا تنزعج السيدات فهز رأسه بموافقه وإبتسامته لا تتضاءل لتكافئه بقبلة كبيرة أعلى رأسه وعناق طويل حاني وكأنها تخشى إختفاءه، إبتعدت وهي تمرر أصابعها فوق أنفه وتعجبت من شعورها وكأن الثلاثمئة وخمسة وستون يومًا لم تكن كافيه لزعزعه مشاعرها نحو صغيرها الرائع درجة.
أغلقت ريم الباب خلفها وتركت العنان لأنفاسها المتهدجه بإضطراب مشاعرها قبل أن تختفي إبتسامتها ببطء ليحل محلها تعبير مقيت يعبر عن الهلع لما يحدث حولها فوقفت ثوانٍ طويلة في حالة من الصدمة أنه عاد في حياتها من جديد .... زمجرت في صدرها في عناد برفض فهي قوية

فرطِ الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن