الفصل الثاني عشر

7.2K 169 14
                                    

استقل "جود " و " كليو" السيارة الــ "جاجوار" عندما أعطاها "جود" ظرفا كبيرا وهو يقول :
- ها هي الأوراق التي أعطاني إياها السمسار ..لو أردت ألقاء نظرة عليها ...
همست "كليو" قائلة :
- أشكرك .
قاد "جود" السيارة في شوارع العاصمة وكان الزحام قد خف بعض الشيء عن فترة الصباح وكانت الشمس مشرقة ظل الاثنان في طريقهما حتى وصلا الى أبواب "لندن "
لم يعطي "جود " إي أحساس بوجوده في المنزل لمدة يومين ... ماذا حدث ؟
وأين كان ؟ هل ذهب في رحلة عمل ؟ لم تكن "كليو " تعلم أي شيء . كما أنها رفضت حتى مجرد سؤاله .
كانت "كليو " في فراشها تتساءل للمرة المائة .. متى سيتركها "جود" ؟ وأين ستذهب بعد ذلك ؟ وظلت على هذا الحال حتى دخل عليها "جود" وقال لها :
- لقد حصلت على مفاتيح "دين يليس " من السمسار هل يمكنك الاستعداد لذهاب الى هناك غدا ؟ كوني مستعدة إذن في الثامنة صباحا.
وافقت "كليو " بالتأكيد ... وكيف ترفض مساعدة "جود" لها ولا داعي للاسترسال في التفكير أكثر من ذلك ولا داعي لان ترفض هذا الانفصال أو ان تفكر في البحث عن منزل بمفردها .
كما ان "دين يليس " يتميز بأمرين مهمين جدا . الاول انه على بعد ساعة واحدة من لندن والثاني انه بالقرب من منزل فيونا"
و"كليو " تحب شقيقة زوجها جدا وستسعد بالتأكيد بصحبتها .فقد قرب الحديث السابق بينهما كثيرا لدرجة جعلت "كليو " تشعر أنها صديقة عزيزة عليها جدا . استراحت "كليو" لهذه الفكرة التي جاء بها زوجها الذي قال فجأة بمرارة :
- سينتهي كل شيء قريبا .
عن أي شيء يتحدث "جود" عن الرحلة أم عن الزواج ؟
لم تحاول "كليو " الاستفهام عن أي شيء وأغمضت عينيها .
وساد صمت طويل حتى توقفت السيارة فجأة أمام سور من الحديد فقال "جود"
- سأذهب لفتح البوابة .
نزلت "كليو " من السيارة وسارت في الممر بجانب زوجها . كان المنزل عبارة عن مبني مقام وسط حديقة فخمة ولكنها مهملة بعض الشيء لذلك اتسعت رقعة المستنقعات وكبرت الحشائش في الممر وذبلت الأزهار قليلا أما بالنسبة للمنزل نفسه فقد أعجبت به " كليو " كثيرا . أخرجت "كليو " المفتاح من الظرف الذي أعطاه " جود" لها وحاولت فتح الباب الذي احدث أزيزا حادا عن فتحه ثم دخلت الى البهو البارد وأسرعت بفتح النوافذ لتدب الحياة في المنزل .
لابد من تنظيف هذا المنزل الذي يغطيه التراب من كل جانب . لابد من الاعتناء بالحديقة ويتميز المنزل بطابع قديم يروق مزاج " كليو " المتقلب ألان وبين جدرانه ستتمكن بالتأكيد من إعادة توازن حياته المحطمة .
نظرت "كليو " من نافدة الطابق الاول فشعرت بهدوء غريب نظرا للسكون الذي يخيم على الخضرة من كل جانب وبعد فترة دخل "جود" الى المنزل وصعد السلالم ليلحق بها ثم سألها :
- ما رأيك .. هل أعجبك المنزل ؟
- نعم .ومن هذه اللحظة .سأتولى زمام أموري بنفسي . أعطني الأوراق الخاصة بالمنزل وسأتصل فورا بالسمسار لأتحدث معه بشان التفاصيل الخاصة بالبيع .
نظر إليها "جود" بحدة كما لو كان يريد ان يتأكد من صحة كلامها ثم قال :
- ألا يبدو المكان منعزلا بعض الشيء ؟
- انه رائع .
استدارت "كليو " وهبطت السلالم محاولة تجنب نظرات "جود" القادرة على إصابتها بالاضطراب دائما .. كم من الوقت يلزمها كي تستطيع النظر الى وجه "جود" دون ان تشعر بأي شيء داخلها ؟
سألها "جود" فجأة بمرارة :
- أنت تكرهينني . أليس كذلك ؟
استدارت "كليو " نحوه وركزت نظراتها المملوة بالرغبة في عينيه الزرقاوين وقالت متنهدة :
- بلى ...
هبطت السلالم دون ان تضيف كلمة واحدة بسرعة شديدة فجرى "جود" ورائها وامسك بذراعها وهو شاحب الوجه وقال لها :
- يا لك من مجنونة . إذا وقعت على السلالم فستعرضين نفسك للموت . هنا بغض النظر عما سيحدث للطفل .
تخلصت "كليو " من قبضته الشديدة وتحسست مكان القبضة الدامية ثم قالت ساخرة :
- لا أرى أروع من هذه الوقعة كي تتخلص من شخص يسبب لك ضيقا شديدا .. شيء متكرر ولكنه فعال فلا داعي لان تبدي اهتمامك أذن ...
- هل أنت متأكدة من أنني أريد التخلص من زوجتي وطفلي ؟
صمتت "كليو " تماما .. طفله ؟ منذ متى يعتبر الطفل طفله ؟
رفعت عينيها نحوه ولاحظت ملامح وجهه التي تنم عن إرهاق شديد ثم قالت بسخرية واضحة :
- هل اصدق ما سمعت أم ان ذلك مجرد زلة لسان ؟
هل اعترفت أخيرا بأنك والد الطفل ؟
استدار "جود" وابتعد عنها عدة خطوات حتى اقترب من النافدة واخذ ينظر الى المراعي الخضراء التي تمتد على مرمى البصر وراء سور الحديقة ثم قال :
- نعم .
ازدادت دقات قلب "كليو " سرعة ... هل أخذ وقته أخيرا في التفكير ليتأكد من ان زوجته ليست من هذا الطراز الذي يفكر في عمل شائن كالذي اتهمها به ؟ ربما هناك أمل ما ...
- لقد أخطئت كثيرا في حقك يا "كليو " ومن الضروري ان اعتذر لك عما بدر مني ... وأنا افهم جيدا انك تكرهينني ... ثم استدار نحوها فلاحظت وجهه المتجهم وعينيه المرهقتين .
- أنا لا اعرف هل ستغفرين لي ما فعلته معك ... على كل حال أنا انوي الانفصال عنك كما تتمنين ... وهذا اقل شيء يمكنني ان أقدمه لك لإصلاح خطئ .
أعاد "جود" خصلات شعره البني الى الوراء بإرهاق شديد .ثم توجه نحو الباب قائلا :
- سأتركك لرؤية المنزل بالتفصيل .. خذي وقتك سأنتظرك في الحديقة .
هبط "جود" السلالم مسرعا ورمي بنفسه على مقعد حجري موجود في الحديقة واخذ يداعب الحشائش بيديه الطويلتين بعصبية واضحة.
لقد سمعت "كليو " كل ما قاله لها دون ان تفهم معنى هذه الكلمات التي ينطق بها ... لقد اعترف "جود" أخيرا بخطئه وبأنه والد الطفل ولكنه ينوي الانفصال عنها رغم كل شيء ... وعلى الرغم
من احتقاره الشديد لها منذ يومين اثنين فقط لابد من ان يفسر "جود " الأمر لها . ولا داعي لان يتصرف وفقا لرغبته دون ان يهتم بمشاعرها أو بردود أفعالها .
هبطت "كليو " السلالم وتوجهت الى الحديقة مسرعة ثم قالت بغضب :
- "جود" ... لا ترحل ... لا يمكننا ان ننتظر هنا طويلا .
اكتفى "جود" بان نظر إليها دهشا وأجابها بهدوء :
- لا تقلقي ...يمكنك معاينة المنزل بدوني . كما يمكننا الاخذ برأي مهندس معماري أذا كنت مترددة .
- أنت تعرف جيدا أنني لا أتحدث بشان هذا المنزل .
تنهد "جود" ودعاها للجلوس بجانبه بإشارة من يده .ثم سألها بصوت متعب
- عن أي شيء تريدين الحديث ؟
ازدادت دقات قلبها سرعة .وحاولت جاهدة السيطرة على رعشة يديها .. لماذا يفكر "جود" في الانفصال عنها ما دام قد اعترف بالحقيقة ؟ وهل هناك بصيص من الامل لانقاد زواجهما ؟
قالت "كليو " موضحة :
- عن الانفصال ..
- ياخذ وقته يا "كليو " . ولكنني أعدك بالاتصال بالمحامي الخاص بي في هذا الأمر بداية من الغد .أعادت "كليو " خصلات شعرها الأشقر الى الوراء وتابعت حديثها في أمل
- وما الذي يمكننا عمله غير ذلك ؟ انه الحل الوحيد بعد فشل كل شيء ...لقد أخبرتني "فيونا" عن هذا الــ " فنتون" الذي كان يهددك ...
ثم صمت قليلا وقال بعد ذلك بتجهم شديد :
- أذا رأيت هذا الوغد ثانية فسأنهي حياته على الفور ... شحب وجه "كليو"
إذن لم يفكر "جود" في الأمر وحده .. أنها "فيونا " التي أخلت بوعدها وأخبرت شقيقها بالحقيقة .
- لكن شقيقتك أكدت لي ...
قاطعها "جود" قائلا :
- اعرف .لقد أخبرتني بكل شيء ولكن "فيونا " عنيدة جدا أكثر مما تتخيلين وبما أنها قررت التدخل فلن تتراجع عن قرارها أبدا ...ولكن لماذا لم تخبريني أنت بالحقيقة كلها ؟
ضحكت "كليو " بمرارة ... كيف جرؤ "جود" على توجيه هذا السؤال لها .
- هل تعتقد أنني لم أحاول ؟انك لم تترك لي الفرصة أبدا لشرح إي شيء لقد كان "فنتون " يحاول اغتصابي عندما وصلت أنت ..وأنت أسرعت بإدانتي على الفور بدون تكليف نفسك عناء الاستماع إلي.
قال "جود"
- اغفري لي ما حدث .
ثم توجه ثانية ليجلس على المقعد الحجري .
- اعترف إنني كنت فظا معك ... والشيء الذي يمكنني ان أقدمه لك ألان هو الموافقة على طلبك بالانفصال .
اغرورقت عينا "كليو " بالدموع ... كيف لا يرى "جود" رغبتها في عدم الانفصال عنه ؟ لقد طلبت منه الانفصال في لحظة وجدت نفسها خلالها أمام طريق مسدود ... ولكن الأمور تغيرت ألان .
هل لابد لها ان تطلبها منه صراحة ؟ أنها تحبه وتتمنى أنجاب طفله أكثر من إي شيء في الدنيا ولا تتمنى أكثر من قضاء حياتها كلها بجانبه ... ولكنه على الرغم من كل هذا . لا يعرف شيئا . ولا يرى شيئا .
أضاف "جود" قائلا :
- ان كل ما اطلبه منك هو السماح لي بزيارة الطفل من ان لأخر .. هل هناك ما يضايقك في ذلك ؟
شحب وجه "كليو " ونهضت من مكانها .. لقد قرر كل شيء مرة ثانية واقنع نفسه بالحل الذي يحطم قلبيهما معا .
أجابت "كليو " قائلة :
- ابد ا ...لن تنال كل شيء ... لقد حصلت على كل ما تتمناه وريث واسهم في بنك سلاد .. فلماذا لا تتخلص مني ؟
لقد أصبحت بلا فائدة فعلا . شعرت "كليو " فجأة بأنها على وشك الاختناق فجرت مبتعدة عنه بسرعة .أنها لا تريد ان تنهار أمامه .
لقد اتضح كل شيء ألان كان "جود" يريد ان يتزوج لينجب وريثا يتولى مسؤولية شركة مسكالسلاد كمبالي "وعندئذ تقدمت إليه "كليو " بطلب غير متوقع حاملة معها أسهم البنك وسمعة عائلتها : فريسة مثالية بالتأكيد .
كيف عجزت عن كشف نواياه لقد تزوجها ورزق بالطفل ... فلا داعي إذن لان يبقى عليها بعد ذلك .
جرت "كليو " بخطوات سريعة دون هدف بينما كانت الدموع تملا عينيها وتمنعها من رؤية طريقها بوضوح وكانت خصلات شعرها تتطاير حول وجهها وتمسك بفروع الأشجار التي تحيط بالمكان من كل جانب ... لقد رمت نفسها في طريق غير أمين كأنها حيوان جريح يبحث عن وكر يختبئ فيه .وكانت قدماها ترتطمان بالطريق الغير ممهد ولكنها لا تبالي بأي الم في قدميها بجانب الألم الشديد الذي تشعر به في قلبها . وفجأة سمعت ورآها صوت إقدام تجري فأسرعت الخطي عندما سمعت "جود" يصرخ بأعلى صوته :
- "كليو "
ثم امسك بذراعها أخيرا واضطرها الى مواجهته ولكنها خفضت رأسها بينما رفع زوجها وجهها نحوه وجفف دموعها التي تسيل على خديها قائلا :
- هذا ما تريدينه .. أليس كذلك ؟ ان تستعيدي حريتك و... قاطعته "كليو " في عصبية :
- أنت الذي تريد استعادة حريتك .. لقد حصلت على كل ما تريده الطفل والأسهم ...
صرخ "جود" قائلا :
- هذه الأسهم الملعونة من جديد .ولكنك لا تعرفين إنني لا اهتم بهذه الأشياء وقد طلبت من موثق العقود إعادة هذه الأسهم باسمك مرة ثانية ... إلا تصدقين إنني لدي العمل الكافي الذي يغنيني عن الاهتمام بمستقبل بنك يديره هذا الغبي "لوك " لقد أردت فقط ان أساعد عائلتك في الخروج من هذا المأزق المؤقت الذي وضعكم فيه ابن عمك ...
ثم صمت قليلا ونظر الى "كليو " بحدة جعلتها تخفض رأسها .
- ولكنك لست بحاجة الى مساعدتي أليس كذلك . ولا حتى من اجل البنك أو أي شيء أخر ... والشيء الوحيد الذي أردته مني هو اسمي ولم تريدي أي شيء أخر ... وأنا تصرفت معك بمنتهى الغباء لماذا لم أسالك ما الذي تريدين عمله بهذه الأموال ؟
لماذا لم أحاول الاستماع إليك بعد هذا المشهد الرهيب الذي رايتك فيه مع "فنتون " ان الأمور لم تسر كما كنت اعتقد وانهارت جميع حساباتي التي قمت بها ...
نظرت إليه الفتاة بعين فاحصة ... لم كل هذه المرارة ؟ وما الذي يتحدث بشأنه ؟
سألته الفتاة :
- أي حسابات ؟
استدار "جود" وقال ك
- لا أهمية لذلك ... كما أننا تأخرنا كثيرا ويجب ان نعود ألان .
ابتعد عنها "جود " وهي تتابعه بعينيها وتراقب قامته العالية تختفي ولكنها لم تتحرك قيد نملة ان "كليو " لا تفهم شيئا مما قاله.
لماذا لا يهتم باسهم بنك سلاد ؟ ولماذا يلومها لعدم اعتمادها عليه ؟
يجب ان تفهم كل شيء ولتطرح هذا الغرور جانبا لتكتشف حقيقة الأمور .
لابد ان تغتنم "كليو " هذه الفرصة الأخيرة لكسر حاجز عدم التفاهم الذي يفصل بينهما .
جرت "كليو " وراءه حتى لحقت به بالقرب من السيارة عندما سألها "جود" :
- هل أنت مستعدة ؟
كان وجهه قد اكتسى ببروده المعتاد بدلا من الضيق الذي كان يرتسم على ملامحه بينما كانت عيناه تكشفان عن حزن عميق بداخلهما .
أجابت "كليو " متنهدة : ‏
- كلا ...
ثم أمسكت بيده وضغطت عليها قائلة :
- يجب ان تفسر لي الأمر .. أرجوك .
أصبحت نظرات عينيه أكثر قسوى ثم تخلص من قبضة يدها . لاحظت "كليو " هذه الحركة ولكنها استطردت قائلة :
- أنت لا تهتم باسهم البنك ... ولكنك تريد طفلا وها انا حامل ... أنت تعرف أنني لم أخدعك ... ومع ذلك تريد الانفصال عني .
ولكن لماذا ما الذي فعلته لكي ترفض العيش معي اعتقد انك تكرهني .
صرخ "جود" قائلا :
- ماذا افعل لكي تفهميني ؟ هل من الضروري ان اجعل قلبي عاريا تماما أمامك ؟ أنني احبك ولهذا السبب تزوجتك وليس من اجل هذه الخطة الابتزازية .
ثم استدار واتكأ على السيارة بجانبه .وكان جسده يرتعش بشدة لدرجة ان "كليو " تأثرت بذلك كثيرا وعجزت عن النطق بكلمة واحدة ...
الى متى ستدوم هذه المأساة ويظل كل واحد منهما يعاني لا مبالاة الأخر له ؟
وأخيرا قال "جود" بصوت حزين :
- لقد وقعت في حبك منذ أول مرة رايتك فيها . لقد كنت جميلة .. ولكنني لم أكن أريد مجرد مغامرة بين المدير ومساعدته . لذلك نشرت شائعة شراء شركة مسكالسلاد كمبالي ل بنك سلاد حتى تتركي منصبك في الشركة وبذلك استطيع ان أراك في جو أخر غير جو العمل .. يالها من خطة عبقرية .
ابتسم "جود" بمرارة ثم تابع قائلا :
- ولكنك كنت أسرع مني فقبل ان تصل إليك هذه الشائعة كنت قد حضرت الى مكتبي تطلبين الزواج مني فوجدت نفسي فجأة مجردا من جميع الأسلحة ولم اعرف كيف أتصرف أو بما أجيب .. والحق أنني خشيت ان أسالك عن السبب في رغبتك الحصول على أرثك حتى لا تنزعجي من أسئلتي فوافقت على الفور .وكم كان الأمر رائعا بالنسبة لي خاصة وأنني احلم بالزواج منك منذ زمن طويل وأقنعت نفسي أنني سأنجح في ان أجعلك تحبينني وان أغير مشاعرك نحوي . هل فهمت ألان يا "كليو "
هزت "كليو " رأسها متأثرة جدا بما قاله لقد مر "جود" اذن بنفس الآلام التي مرت بها . ومع ذلك احتفظ ببروده ونجح في السيطرة على نفسه .
أمسكت "كليو " بيديه وقالت له :
- " جود " .. أنا أيضا أريد تفسير أشياء كثيرة لك ..
فقاطعها قائلا :
- كلا لا داعي لقول أي شيء . انه خطا مني ليس أكثر ولو لم أكن قد تصرفت معك بهذه النذالة لكان هناك أمل في ان تحبيني يوما ما .. ولكنني أفسدت كل شيء لأنني عندما رايتك بين ذراعي "فنتون" اعتقدت انك تحبينه وانك تحاولين كسب وده بالهدايا الفخمة ولكي تنجحي في الحفاظ عليه وفي الحصول على أرثك بالتضحية بحريتك
..يا له من خطا لو كنت فقط أخبرتني بتهديداته لك لكنت حاولت تخليصك منه .. وما كان قد نجح أبدا في ابتزازك صدقيني . وما كان زواجنا قد دمر بهذه الصورة .
تقدمت "كليو " منه وهي ترتعش بشدة ربما كان سوء التفاهم هذا نتيجة لعدم ثقة "جود" فيها ولكن شيئا لم ينته بعد :
انه يحبها وهي تحبه ويمكنها تأسيس مستقبلهما على أسس جديدة .
ثم قالت له بصوت مرتعش :
- كان يجب ان أتحدث إليك .
أخدها "جود" بين ذراعيه وضمها بحنان ويأس فالتصقت به وقالت :
- لكنني كنت في شدة الخوف .. ولم استطع التفوه بكلمة واحدة من تهديدات "روبرت " خوفا على صحة عمي "جون" كما أنني أحرجت من وقوعي في براثن "فنتون" ولم أكن أريد ان يعرف أي شخص شيئا عن هذه الواقعة وخاصة أنت لذلك كان من الضروري ان اخلص نفسي بنفسي ..
تحسس "جود" خصلات شعرها وقبل يدها برقة وقال لها بصوت مطمئن :
- لا تنزعجي يا "كليو " لم تكن غلطتك ولا داعي لتعذيب نفسك بالماضي ...
- ولكن كيف استطاع "روبرت " الحصول على هذا الإيصال من الفندق ؟
التصقت "كليو " بزوجها سعيدة بهذا التقارب الحنون بينهما وقالت :
- لم نكن أبدا عشيقين ... كل ما في الأمر أنني خلال فترة دراستي الأخيرة تعرفت على "روبرت " وكان شخصية مرحة ومغامرة فخرجنا معا كثيرا لأنني كنت وحيدة هنا في لندن . وفي احد الأيام
ذهبنا معا لقضاء نزهة في الـــ "سوري " وهناك طلب مني الزواج سرا .. وكنت قد بدأت فهم شخصية روبرت الحقيقية فرفضت والحق أنني لم أكن أحبه ولم يكن لدي الاستعداد لان أتغير من ناحيته ..وفي نفس اللحظة التي قابل فيها رفضي للزواج منه بصدر رحب كان يدبر لي أمر ما فطلب مني ان نظل صديقين كما كنا وبعد ذلك قررنا العودة الى لندن وأثناء الطريق تعطلت السيارة ...
صمتت "كليو" فترة فيبدو ان روبرت كان المدبر الرئيسي لهذا العطل لأنه فكر في الحصول على اي شيء ما دام لن يستطيع الزواج منها ولكن قد تكون هذه الفكرة غير صحيحة ... كما ان "كليو "لم تكن تريد ألا شيئا واحدا وهو نسيان فنتون والتصريح ل "جود" بكل المشاعر التي تكنها له ولكن يجب ان ينتهي كل شيء من ناحية فنتون أولا لأنها لن تدع شبحه يتدخل بينهما مرة ثانية .
- وكنا في هذه اللحظة في طريقنا لعبور قرية "جولد تجستن " وكان الظلام قد بدا يهبط وعندئذ تعطلت السيارة وبدا الدخان ينبعث من ناحية المحرك فتوقف روبرت ليرى ماذا حدث ثم ذهب للبحث عن ميكانيكي في القرية فأكد الرجل ان سير المروحة تعرض للقطع ولابد من محاولة الإصلاح في اليوم التالي ويبدو ان فنتون كان السبب في قطع هذا السير ولم يكن أمامنا أنذالك ألا المبيت في فندق "جولد تجستن " ... وللأسف لم يكن هناك سوى حجرة واحدة خالية فتوجه روبرت الى حجز هذه الحجرة باسم السيد والسيدة فنتون دون علمي بالتأكيد وقضيت الليل بطوله على الكرسي بينما نام هو على الفراش .. هذا كل ما حدث ...
احتضنها "جود" وهمس قائلا :
- لا تنزعجي فلن يتسبب لك "فنتون" في أي الم بعد ذلك أعدك ثم تركها فابتعدت "كليو " عنه بضع خطوات ..ثم سألها "جود"
- هل أغلقت باب المنزل ؟كما يمكننا الذهاب أذا أردت .
- انتظر .. عندما قرأت ان "فنتون" ارتبط ب " ليفيا هينز " قلت انك فكرت في العودة إلي لكنه الطفل أعاد فتح الموضوع من جديد هل كان من الصعب الصفح عما حدث باعتبار هذا الطفل دليلا ضدي ؟
قال "جود " متنهدا :
- نعم ولا تحقدي علي .. كدت اجن من الغيرة ووافقت على الانفصال فقط من اجل أصلاح خطئي نحوك لقد تسببت لك في إلام كثيرة .
ثم ابتسم "جود" ابتسامة حزينة أترث في "كليو " كثيرا وأضاف .
- هيا بنا فليس هناك ما يقال أكثر من ذلك لقد جعلت قلبي عاريا تماما أمامك ألان واشعر بالبرد يملؤه إذن .
ثم فتح باب السيارة في انتظار ان تستقل "كليو " السيارة لكنها نظرت إليه بأمل وتأثر وقالت بصوت يسمع بصعوبة ولكنه كان مسموعا لدرجة جعلت وجه "جود" شحب :
- أنا لا أريد الانفصال عنك .. أنا احبك يا "جود" وساحبك الى الأبد ..
صدقني ولا تبعدني عنك .. أرجوك .. لقد اختبرت مدى حبي لك أكثر من مرة ولن استطيع ...
وقبل ان تضيف كلمة واحدة كان "جود " ياخذها بين ذراعيه ويحتضنها بشدة وهو يهمس في أذنها :
- هل هذا حقيقي ؟
لم تستطع "كليو " ان تجيب عليه ولكنها انفجرت في البكاء فاقتنع "جود" بهذه الإجابة التي عبرت عنها دموع الفرح فبدا يهدهدها حتى هدأت تماما .
وأخبرته "كليو " بعد ذلك بكل الآلام التي شعرت بها وبأنها ما ان تكشف لها الأمر وشعرت بحبها له حتى وقعت في براثن فنتون وبدأت تشعر بالاحتقار من قبل زوجها ومنذ ذلك اليوم وهي تمر بأبشع لحظات حياتها وهي وحيدة في هذه الدنيا ولكن من ألان فصاعدا لن يتدخل احد بينهما وسيبدأن معا حياة هادئة مع طفلهما ... وظل الاثنان معا فترة طويلة يتحدثان عن حبهما وآلامهما السابقة وسط هذه الحديقة الرائعة .
أوقف "جود " السيارة أمام منزلهما في "بلجرافيا سكوير " فنزلا منها وصعدا السلالم الحجرية ليدخلا منزلهما الخالي حيث كان "تورنود " و زوجته قد استغلا فرصة هذه الإجازة ليخرجا معا وكان الهدوء يسود جميع حجرات المنزل الواسعة .
توجهت "كليو " الى المطبخ وهي تبتسم لــ "جود"
- أكاد أموت جوعا ... وأنت لنذهب لأعداد أي شيء ؟
فلحق بها "جود" ودارها نحوه ثم تحسس وجهها بيديه قائلا :
- اذهبي أولا للاستحمام لتهدئة نفسك وأنا سأتولى تحضير الطعام لنا .
استمعت "كليو" أليه وتوجهت على الفور للاستحمام في سعادة شديدة واستطاعت بهذه المياه الدافئة التخلص من أثار انزعاجها وإرهاقها بعد هذه الليالي الطويلة السابقة .
وانحدرت قطرات المياه على جسدها بهدوء وعلى خصلات شعرها الأشقر فنعمت بهدوء شديد وأخيرا جففت "كليو " نفسها ثم ارتدت كيمونو من الحرير .بينما كان "جود" قد اعد الطعام على منضدة منخفضة ووضع عليها الخبز واللحم البارد والجبن والفواكه المختلفة ... وعندما خرجت "كليو" من الحمام نظر إليها بإعجاب شديد ثم قبلها برقة قبل ان يبتعد عنها نادما ثم قال لها :
- انتظري دقيقتين فقط لاخد حمامي ثم أصبح كلي لك ...
توجهت "كليو " نحو الفراش والبسمة ترتسم على ملامح وجهها . وبعد
دقائق خرج زوجها من الحمام وهو يقول لها :
- سنشتري "دين يليس " أليس كذلك ان المنزل يعجبني كثيرا انه مكان له ذكريات خاصة عندنا فقد وجدنا حبنا أخيرا في هذا المكان
اقترب "جود" من زوجته التي كانت تشعر بالسعادة تغمرها ...نعم سيسكنان في هذا المنزل ...
- لقد قالت لي "فيونا " أننا شخصان ذكيان في مجال الأعمال وغبيان جدا في مجال العواطف .
قال "جود" مبتسما :
- لم تكن مخطئة كلية .
ثم انحنى نحوها واخذ يقبلها برقة بينما "كليو " تجذبه نحوها عندما قال لها "جود" بصوت مرتعش :
- ولكننا أحرزنا تقدما بعض الشيء . ومن ألان فصاعدا سنكون كلا واحدا لا يتجزأ .....

🎉 لقد انتهيت من قراءة زواج في المزاد- روايات عبير الجديدة للكاتبة ديانا هاميلتون 🎉
زواج في المزاد- روايات عبير الجديدة     للكاتبة ديانا هاميلتونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن