التعسف

472 37 45
                                    


مشى بخطى واثقة إلى الأمام وملامح لم تتغير؛ تعتبر جامدة وبقلبٍ مكسورِِ، وشعور بالظلم يكسو نفسه، فما حدث أنه إجحاف بحقه وتعسف ضده، فهذا حصل بعد أن أدى الواجب الذي عليه بنزاهة ولكن يبدو أن النزاهة والحق لم يعد له مكان بهذا البلد، فها هي الأصفاد تحيط بيديه ويتم شدها عليه بقوة لم يظهر على وجهه ملامح الألم؛ كما أراد من أمامه ذلك الذي يرتدي نفس زيه الرسمي وهما كلاهما ضابطان بالشرطة العراقية.

ظهرت أبتسامة نصر وفخر على وجه غريمه الدائم، وقال صاحب الابتسامة والذي أسمه ليث: ألم أخبرك مرارًا وتكرارًا بأنه ليس لديك القدرة على مواجهتي؟
فأنت مجرد فاشل لا يستحق هذه الرتبة.

وأقتربت يد ليث من شارة الشرطة المثبتة على كتف قميصه الازرق العسكري والتي تدل على رتبه كضابط، وقام بأقتلاعها وتمزيقها أمام عينا أسامة اللتان كشفتا أخيراً عن مدى تحطمه، ولكن لم يستمر هذا حتى عادت قزحيتاه السوداء لشراستهما حيث نطق كلماته بكل صلابة كعادته: الفشل يا ليث هو فشلك؛ فعندما تستعين بأناس امثالهم لتسقطني فهذا هو الخسران؛ فأنت لم تنجح بيديك بل أصبح بيدق بأيديهم لكي تنجح.

وتقدم أمامه برأس مرفوع لا يأبى أن ينزل فهو من قام بواجبه تجاه وطنه على أكمل وجه، وهو على حق وصواب فأخفاض الرأس لا يليق به فهو للمخطئين فحسب.

ركب سيارته بالمقعد الخلفي وبجانباه شرطيان ولكن هذه المرة ليس كشرطي كعادته بل كمجرم بنظهرهم، ويستحق العقوبة، ما يزعجه هي تلك الكلمات والأقوال التي ستشج ظهر والدته العجوز وروح زوجته الشابة عليهما الآن أن يتحملا، المريح أن أخواه لن يسكتا فهم عائلة تربوا على السير بالطريق المستقيم، وأن كان على نزف دماء أقدامهم من الاشواك المتواجد بذلك الطريق، دعى بقلبه أن يمنح الله لوالدته وزوجته قوة الصبر وأن لا يجزعا.

__________

في ذلك البيت الهادئ امرأة في عقدها السادس فتحت هاتفها الذكي لترد على اتصال من جارتها أم موسى لتقول الأخيرة بسرعة وتردد بعد ألقاء السلام: يا أم أمجد هل سمعتي بالأخبار؟

لترد عليها الأخرى بعد أن دب الخوف في قلبها ويكاد أن يظهر بجسدها فالنبرة هذه ترعبها: خيراً يا أم موسى؟ لم أسمع شيئًا.

رتبت أم موسى كلماتها بالكاد لتقول بنبرة متألمة: للأسف يا أم أمجد تم القاء القبض على أسامة، وموسى توجه للمخفر للتو ليرى ما السبب والاخبار.

جزعت المرأة من الخبر ولكنها حافظت على رباطة جأشها وقالت بنبرة مرتجفة: جزاكِ الله يا أم موسى خيرًا، أخبربني بالأخبار أذا وصلتك، شكرا لك.

أردفت المرأة الاخرى بتهوين: لا شكر بيننا هذا واجبنا، أتي اليك عصرًا.

وأغلقت الخط.

فوق ثرى العراق Where stories live. Discover now