الفصل 1, إيكار 1: الشوكة الصدئة

57 0 0
                                    

مشط الريح المنسّم خصلاته، و نشر (إيكار) جناحيه المغسولين بماء العاج المبيّض؛ نحو الشمال. تعاظم مدى بصره و في عينه المدن العظيمة كنمل السكر التائه و السواحل الهائجة كبقايا وشم كفّ الحسناء، و البحار الواسعة كأعشاش الطيور الخافضة لأوكارها. أمّا هو فيعلّي عشّه بين قنن الصخور، و حيثما يكون القتلى فهناك قوته، أما الإنسان، المشيّد للمدن العظيمة و المتوجّس من السواحل الهائجة و العابد للبحار الواسعة؛ حبات قمح تتزاحم داخل خنادق في باطن المروج. أولئك الذين يشتكون من ضيق المكان تحت أغلفة التراب؟ من يصيح: لقد صارت خمائر العافية مرّة و امتزجت بماء العلقم! و من يجيب: لقد غاد خبز يقيننا حامضا،من ذا الذي سكب خلّ التفّاح فيه؟ أي ضعف أصابهم كي يختبئوا من الدجاج كيلا ينتهوا إلى مناقيرها بنقرة واحدة. *الإنسان* باطل تعبه بلا أسف. أمّا (إيكار) سيد الأعالي على حقارة من أرسى قوانين الأسافل يتلذّذ، لا يسمع شكاوي الدناة، دائرة السماء مرعاه ، كل الأقطار يتحسّس، و كلّ ما تحته ولج سيطرته. أقرب أن يكون مرمى صلوات قاطني الأسافل. بيد أنّه ضاع من جناحيه مسايرة إنسياب الريح، فجأة؛ إستحال الريش إلى قطعتي خشب من شجر الظل و خشب من شجر الشمس و وقع الريح يكاد أن ينتف الشعر. عاد (إيكار) إنسانا و إلى إدمان بني جنسه الأول ،الجاذبية؛ رجع هاويا. و في قلبه وجد الخوف مسكنه السابق.
الريح إبن السماء البارّ يهزم طعنات الخشب في الفراغ. نحو الأسافل و الأسافل إلى أن إنطفأت المدن العظيمة و السواحل الهائجة و البحار الواسعة...

لقد كان حلما! ل(إيكار) يوم من كل أعشور يغمض عينيه من أول هزع الليل حتى آخر شوط من الضحى. و للتوّ تجلّت خيال أعماقه صورا مرئية و إشارات ناطقة. غير أنّ شوكة صدئة ظهرت فوق وسادة الساقين، إنّه مجرّد حلم، فإنطفأ كل شيء حوله. فتح إيكار عينيه على وسادة الجوت الثقيلة المتربعّة على ساقيه المرفوعة عن الفراش، فبدت كعرش يتأسّس على قاعدتي رخام طويلتين تطلّ منها العروق الخضراء البارزة. العادة التي واضب عليها منذ صغره، والآن، لا توجد سيقان في البقاع كلها أكثر تحملّا من هاتين الساقين.

وجد نفسه في الحوش الخلفي لمنزلهم يتفقّد أخمام الدّجاج التي تبيض لإفطاره، وبعضها المحظوظ تفرخ و تربّي، تحت ظلّها. وهذا أفضل ما فيها، فحتّى لحمه لا يستمرئه إيكار شأنه شأن جميع لحوم الطيور حرّمها على نفسه. غير أنّ الاخمام فارغة من البيض و سكانها. سواء سرقت أو غصبها أبوه فهي تستحقّ من الأساس. أن تكسى بالريش و عليك تصل أيدي ،حتى، أقزم المخلوقات لأكبر العيوب، الأجنحة في جسد الدجاج كقطعة من ذهب الوديان تمرّر بين أيدي الخزفيين. فليكن إفطار بلا بيض إذن، قرّر.

كان الجوّ قاتما كئيبا ولو أنه أول قمر وطيس -قلب الصيف، و أعمدة من غبار الرماد و مذاقه و رائحته بقيت معلّقة في الهواء منذ الصباح، الدور المهترئة سوداء، الأشجار الهزيلة بعيدة، للنسوة في دروب التراب المسبوك و الحصي المتلاصقة لون السمن المعتّق. كل الألبسة شاحبة، في نطاق البني الفاتح أو الحجري المقفل و الأعلام سوداء. و حتى لباس إيكار تتناسب مع أرضه التي تعادي الألوان، هاه؟

إتباع ما لا يمكن إتباعه: من ثورات الدم و الترابWhere stories live. Discover now