الفصل الرابع

1.1K 35 1
                                    

#صندوق_الدنيا
#الفصل _الرابع 
والفصل قبل الأخير ...ارائكم فى الفصل تهمنى طبعا ..وكذلك ملاحظاتكم ...
<3
-" قعدتى كتير فى فرنسا مش كدا !"
كان صوته مألوف ..
لم تهاب صاحبه ولكنها هابت مقصد جملته .....كان والدها العزيز ينظر لها بغرابة ....لم تضطرب وحافظت على هدوئها كى تعرف ماذا ينوى من كلماته ...
وربما أفسدت مسرحيته السابقة فعاد لينتقم مثلا ...سخرت فى داخلها وإحتفظت بوجهها الجامد أمامه ...لتهتف بتهكم :
-" أكيد أكتر مما قعدت فيهم معاك !! "
إقترب منها ليستند على سور الشرفة بجوارها ...فتحركت خطوتين جانبيتين لتبقى بمحازاته ولكنها بعيدة عنه ...سألها بصوت غامض خافت :
-" مش ناوية تتخلى عن لسانك ..."
بللت شفتيها بتمهل ...وزفرت بضيق هامسة :
-" لو كنت إنت إتخليت عن حاجات معينة ...مظنش كنا هنقف الوقفة دى زى اتنين ميعرفوش بعض ...بس تصدق حابة أسمع منك ....سايب الحفلة والناس المهمين وجايلى ليه ....."
إبتسم وهو يتأملها ..تشبه أمها كثيرا ...فى كل شئ ...قوامها ...وجهها ...ملامحها ..حتى غجريتها وطول لسانها ...هى نسخة عنها فى كل شئ ...والأن ...
نظرات العتاب التى تتجلى فى عينيها ...نظرات رأى مثلها منذ زمن منذ أكثر من عشرين عاما ...حين عاتبته زينب ..عتاب خفى جعله يستصغر نفسه ....ويتذكر كم كان أحمق متهور ....
لم يكرهها يوما ...لم يجرؤ على كرهها ...ولكنها تذكره بها ...كلما حاول النسيان فحالما يراها تتأجج الذكرى أمام عينيه ...وهو يدرك أن زينب كانت السبب فى وفاة حبيبته ....فاطمة ...زوجته ....
أجفله صوتها وهى تخرجه من شرودها بهمسها المستنكر :
-" واضح أنك مش هنا عشان ...وحشتك ...ولا فكرتك بحاجة مش عايز تفتكرها .."
كانت تعلم انه يتأملها ...وعينيه التى تتلكأ على وجهها ترسم صورة لشئ واحد فقط لا غيره ...أمها ...تلك التى حازت الناقد والنقيض فى قلب والدها ...فلم يعرف يوما هل كان يحبها حقا ....أم أنه لا يكره أحد فى هذه الدنيا سواها !!!
هتف هاشم بصوت جاف ...مجفل :
-" مش هترجعى البيت !! "
تعجبت يسرا من هذا التطور فى شخصية والدها بين اللحظة وتاليتها ...هل بات حقا الأن يريدها ...
هل أحد يراقبهما ؟
هل هى مسرحية جديدة من ألاعيبه ...؟
أم ..أنه عرف شيئا عن رهف ويريد إيقاعها فى شر أعمالها ....
لم تتراجع عن موقفها وظلت محتفظة بوجهها القاتم وصوتها الجامد الحاد وهى تهتف مجددا بتهكم :
-" عايزنى أرجع ....والله كنت هصدق ....يا هاشم بيه وفر على نفسك اللفة دى ...لا أنت مصدق ولا أنا هصدق ....قلى أنت عايز إيه وأنا هريحك ...."
-" عايز أطمن عليكى "
خرجت منه صادقة بحق لكن لم تقابلها بغير الجفاء .
-" متخافش مش هشتغل رقاصة ...عن إذنك ..."
قالتها وهى تنسحب من أمامه وهى لازالت تقبض على ورقة عمر ..تخفيها عن الجميع فهى من حقها هى فقط .....
إعتذرت يسرا من إسراء أن ترحل ....متحججة برهف ...والحجة الاصح ...أن وجودها فى محيط عمر سيفضحها ....نظراته لا تنفك تتركها دون مراقبة ....تخبرها بالكثير لكنها لا تتلقى منه شئ ...لا يصح أبدا الأن ....لكنها لم تكن تدرك أن إسراء تراقبهما ...وهى تتأكد لحظة عن لحظة أن عمر هو والد رهف !!
_________________
إختفت سارة عن الأعين ...وأبدلت فستانها بملابس عملية لتتحرك نحو هذا المستودع ...وداخلها نار لا تعرف متى قامت وتوهجت لهذا الحد حتى أنها باتت تأكل داخلها وتحرقه وبات الرماد يسود رؤيتها ويجثم على أنفاسها ....
هى حقا جنت بفعلتها ...أوصل حبه فى قلبها لهذه الدرجة التى تتخلى بها عن كل تعقلها فقط لتجتمع به ؟
وهل خالت نفسها قاضيا منصبا على قلبه لتحكم عليه من ستسكن قلبه ؟؟
أم أنها ظنت للحظة أنه  حقا سيجبر على الإرتباط بها ....
هل بدت مثيرة للشفقة لهذا الحد كى تستعطفه أن يتزوجها ...أم أن حبها له أوكل لها حق التملك ....والحكم الغير قابل للنقد أن يكون لها ...
أحقا أهانت أنوثتها ...بجمالها ورونقها وخفة دمها وحيويتها وفوق ذلك نسبها ....ستشحذ من أحد حبا متجملا كى يراعى كبريائها الغض
وصلت إلى المستودع وضرب صفير عجلات سيارتها السماء وسكون الليل ....فهبطت منها بتمهل وهى تدرك أنها مقبلة على خطوة ثقيلة على قلبها ...فلقد حسمت قرارا طال إنتظار حسمه وإتخاذه ....
هل ستتحمل أم لا ...هل ستترك قلبها يتألم بلوعة هذا الحب ؟؟
دخلت إلى المستودع فوجدته ممد جسده على الارض يتأمل سقف المستودع ....لم تكد تدخل حتى سمع وقع خطاها فهب منتفضا وقد حسم قراره ..
غيابها هذه الساعات ترك له فرصة وافية أن يفكر ....
فمرت عليه حياته كشريط فيلم كوميدى ....والغريب أنها لم تفارقه فى هذا الفيلم ثانية واحدة ....من الطفولة .....ومشاغبات المدرسة ...وهروبهم من المذاكرة ...وصولا للمراهقة ...والتصدى لكل من ضايقها من الصبيان ...كم كانت حريصة ألا يعجب بأحد غيرها ...وألا تلفت إنتباهه فتاة غيرها ...
ووصلا معا للثانوية وخاضا حربها سويا ...وصممت على دخول نفس الجامعة معه حتى بعدما عرض عليها والدها أن تكمل تعليمها فى الخارج ....
كل لحظة ...كانت مشبعة بضحكاتها ...جميلة وهى تضحك كحيوان الرنة الابله ...
جذابة حين تغضب ..ويحمر وجهها كفطيرة صباح الجمعة فى بيتهم ....
كانت له عون وسند وصديق ...وكل شئ حتى أدرك أنه حقا يحبها ....وأنه لن يكون سعيد غير معها ....
لغبائه أن يرتبط بعاقلة تساعده أن يبنى بيتا مستقرا ....عاقلا ...لكنه لم يفكر أبدا هل حقا سيكون سعيد ؟؟
وبأى حق سيبقيها جواره ...
وماذا إن يأست وأحبت غيره ....
وماذا إن أحبها غيره وطلب قربها ....هل سيسلمها له بيديه هو .....
زفر وقد أجفلته بدخولها الرعن كما المعتاد ....ليبتسم فى وجهها وهو يدرك أنه آن الوقت لحقيقة يجب أن تكشف :
-" سارة أنا ..."
قاطعته بحدة لم تقصده وإن قصدت المعنى :
-" أنت لازم تمشى من هنا ...أنا فعلا كنت مجنونة لما جبتك ....مفكرتش فى حاجة غير فيك ....بس ...أنت لازم تمشى ...."
حلت وثاق يده بسرعة ...وأنفاسها لاهثة كأنها تحارب أو تركض ....
حاول تهدأتها مقاطعتها ...النطق بما كان فى جعبته ...لكنها حادة غير سامحة لأى شئ أن يقاطعها ..:
-" سارة إهدى ...إيه الى حصل !"
هتفت بتلعثم وقد إحمر وجهها وأنبئه أنها تحبس دموعها :
-" مفيش حاجة ....إرجع لعمو أشرف ....قلقان عليك من ساعتها ...وكمان ...."
همس يستحثها أن تكمل :
-" كمان إيه ؟"
هتفت بالغصب كأنها تتجرع علقما يؤذيها ويمرر حلقها :
-" رؤى كمان سألت عليك ...أنت دلوقتى حر تقدر تروح ..."
إبتعدت عنه بعدما حلت وثاقه ....وإستدارت تمسح دموعها خفية ....بائسة تظن أنه لم يلاحظها ...همس بإسمها مرة ...ثانية ...ثالثة ...بإصرار ...لا تجيب ولا تلتفت ...فقبض على معصمها يديرها له ...كادت تسقط من لفته الرعنة ...ولكنه لحقها ....ثبتها بين ذراعيه ....كانت قصيرة كأنها إبنته ....لا يفارق وجهها عناق الأرض من ضيقها ....ترفض الإنصياع ...
لم يكن هناك مفر من رفع ذقنها برقة ....فوجد عينيها فإذا بها غائمة ....
همس مؤيد بمزحة تخفف عنها :
-" أنا مش زعلان أنك خطفتينى !!"
لكنها لم تكن سارة المرحلة ....بل كانت سيدة القتامة من هول ما يعتمل بداخلها ....همست بضيق متهكم :
-" بس أنا زعلانة ...مكنش ينفع يا مؤيد ...مكنش ينفع أعمل كدا ...مكنش ينفع أشحت حبك ..."
آلمته الكلمة ....بل كانت أشبه بخنجر متلثم ينحر فى قلبه ....
كيف يشحذ الإنسان الأحمق شيئا يملكه !!
ازاحت يده عنها بجفاء وهى تهمس بخواء :
-" أنت لازم تمشى يا مؤيد ...لازم تمشى وتنسى كل الى حصل دا ....وتأكد إن أنا هنساه ...وهتفضل بالنسبة لى مؤيد توأمى ...."
لم تمنح أى فرصة له كى يقر بتلك الكلمة التى خالها قد تحسم الجدال ...ولكنها لم تكن اهلا لسماعها ...سارة كانت مجروحة ...لشئ فعلته ....وإستصعبت ...أن ..أن تترك كرامتها مستباحة هكذا لأجل حب كهذا ....
إنسحبت لسيارتها ....وحين همس بها
-" سارة أنا بحبك !"
كان يدرك أنها رحلت ...رحلت ولا يعرف متى حقا قد تنوى العودة لحياته التى لا طعم لها دونها .....
___________________________________________
فى صباح اليوم التالى ....
إستفاقت يسرا من نومها ....تراقب المنبه ...تارة ...وتارة تراقب إبنتها وهى نائمة ...تراقب كل تفاصيلها ...هى نسخة مصغرة عنه ...حتى فى تقطيبة حاجبيه ....حتى رائحته ...الجميلة ..كان لها نصيب منها ...
قبضت رهف على أصابع والدها بيدها الصغيرة ....تنظر لها بدفء ...دوما ما أذاب قلبها ....وكأنه يتمثل أمامها بنظرة إحتوتها ...زمان ....أما نظرته البارحة ...كانت معاتبة بقسوة ...غائرة فى جرح كانت السبب به ...تلومها ..تحاسبها ...تقاضيها ...
إفتقرت لهذا الإحتواء فى عينيه ...
إفتقدت هذه الإبتسامة التى يمنحها إياها ...
هذه اللهفة فى الحديث معها ....
قرأت جوابه من البارحة حتى هذه اللحظة مائة مرة ...تبحث عن عمر حبيبها بين الحروف ...لكنها لم تجد سوى عمر صارم ...مصمم أن يعرف ...ولا تعلم حقا هل ستملك وجه لطلب مسامحته ...سيكون لها الحق فى ذلك ....
دق المنبه الساعة التاسعة صباحا ...فنظرت لورقته تلقائيا ....وداخلها صراع قائم ...هل حقا تذهب ..
أم تبقى ...
قلبها يكاد يلحق بها أجنحة لتراه فقط ...مرة واحدة تتأمله مجددا ...تعانقه بنظراته ...
وعقلها لا ينفك يجلدها بسياط الخوف ...خوفها على نفسها ...عليه ...على إبنتها ....
وبقت حائرة ....فزفرت :
-" تفتكرى يا رهف ...هيعرف أنك نورتى دنيتنا ....ولا مكتوب عليك الضلمة ..."
ضحكت إبنتها ...فتأملتها مجددا وهذه المرة سرحت ....
هل حقا  ستكتب على إبنتها هذا المصير الأسود ....
أن تعيش بلا أب ...بلا نسب ...
دون سند ...ظهر يقف جوارها ....حبيب أول فى حياتها ...فارس فى شدتها ...وحصان لينزهها ....قلب يحتويها ...ويد تساعدها ....
ستحرم عمر من أن يعرف أن له إبنة تكبر فى هذه الدنيا ....
كل هذه اللوم بداخلها ...دفعها أن تنهض وتلبس لتنزل بعدما جائت المربية ...لتقابله ...وبداخلها نية واحدة ...أن تعرف على ماذا ينوى ...وهل حقا قد يعميه غضبه على ان يتفهم ويسامح ...
لتحدد هل حقا هناك أملا من رحلتها نحو قلبه ....أم ...أم أنها طريق مسدودة يفضل ألا تقطعها ....
لتقابله وحينها ستحدد ماذا عليها أن تفعل !!!
___________________________________
فى بيت هاشم ....

صندوق الدنيا 💕حيث تعيش القصص. اكتشف الآن