الفصل الثالث ( مجرد حلم )

54 7 51
                                    

أجد نفسي بالظلام ، لا أرى من حولي شيء سوى سواد حالك ، يغلفني ويتآكلني ، سارعت بالنداء والأستنجاد .

" أيهاب أين أنت .... أيهاب أين أنت ."

أغمضت عيناي ودمعت خائفة ، وأرتجف جسدي أبكي بصمت ، شعرت بأنامل على ذقني ، لمسات ليست بغريبة وهمس أشعل بنفسي الأمان .

"أنا هنا أحيى بالقلب والوجدان ".
همست بخفوتٍ لامسةً الأمان .." أيهاب ".

شعرت بأنامله على أجفاني التي كانت تريد الفتح للرؤيا فمنعها من ذلك ، فأنكمشت ملامحي وقلت .. "لما ؟؟؟"

فأتاني همسه يقول لي :
" أن أبتعدت وقتلت ما بقلبي ، فما بقلبك حيٌ لا يموت ، أعيش بين ثنايا الذكرى فيه فلا أموت ، هنا أنا أحيى بلا رقيب على فعلي وقولي ، بلا حساب على الماضي أقتات الأمان ، أما حاضري فقد قتلته ، فدعك منه فأنا أحيى على ذكرى الماضي يا وعد ، هنا أنا ملاك بين الذكرى والنسيان ، أتأرجح بينهما لأنال الخلاص ."

رفع أنهامله ، فأطلقت له سهام لِسان العيون للسؤال ، تطلعت بها إليه بحيرة ، فابتسم وتابع همسه الدافئ وقال :

" قد أُصبتي بالغدر والخذلان مني ، فما مقامي لديكِ الآن ، ما أنا الآن لديكِ سوى ماضٍ للنسيان ".

أغلقت عيناي وفتحتها ، أستجدي خطبه ولا يسوغه عقلي للفهم بأي مكان ، كان وجهه يقابلني ونظراته تحوي الخذلان فهمست له :

" مقامك بعيناي سلطان " .

ضحك وقال :

"والآن بعد أن هجرت وتغربت ولا عودة لي بعد الآن ؟؟"

أبتسمت له بحنان وأكملت الهمس واقتربت نحو أذنه اسمعه عزف الكلام :

" ما مقامك بعيناي الا سلطان .. حتى وأن غادرت هذا الكيان " أشرت إلى قلبي وروحي تستميت بعمقِ الاحساس فأكملت له الحديث ودمع عيني يرنو المكان :

" وهل غير الهيام بك سرمدياً يا صاحب المقام بسلطان ؟؟"

أسكتني بهمسه يقول :

"أزال أم كان ؟؟؟"

أبتسمت له وقلت :

"ولما هذا الكلام والسؤال ؟؟ وبعد هذا العمر عشته معك تستفتني به الآن ؟؟؟ وهل غير ذاك العرش لك بعيناي ؟؟"

توجم وقال بغضبٍ :

"أنا من باع وهان البلاد ، وانقض العهود والوعود بقاع أرضها مغادراً للأستيطان بعيدًا عن وليد هذا المكان ، فما عاد الحق لي بأن أسكن تلك العيون وأكون صاحب المقام ، فما بالك بسلطانه ، فوالله قد تغرب القلب عنكِ وأضحى غريبًا بالديار ، لا أنكار للحق يقال ، فقد تبين الهجر والخداع ، بعت أيامي معك لسلطان هوى عصفني غفلة دون أدراك ، جرني لسواحلك للهجر مطالبًا للهجران والنقضان ، لأخطو خارج حدود الأمان وزعز الاستقرار ، هجرتك بمركبي مبحرًا لوطن الجهول المجهول بكل أقرار ، فما عاد لنا الحاضر الا أغراب ، يا وطنًا كان لي يومًا من الأيام ، ما أنا الا ذكرى ، والآن أنتي بكابوسٍ بعالم الاحلام ، وهم ستنتزعه الأيام من عقلك بكل تفاصيليه ، لأصبح فصلٌ يطوى من صفحات هذا الكتاب ، أنسي فأنا من خان وباع ، أستيقظي من عشقي وأنظري إلي فما أنا الا ماضٍ بالطريق لن يعاد."

همست له بحزن وأسى قد نال المراد :

" أيهاب .... ما كان همي من الدنيا الا مقامك بعيناي سلطان ، فأصبحت مخلوعًا من ذاك المقام ، فما عاد لك بممالك لك سلطان ، أنا على عرش قلبي وسبحان من خلق العباد ، أرحل فقد آن الوداع فما أنت الا كما قلت ماضٍ لن يعاد ."

ضحك وقال :

" أعيد لكِ الكلام بالأفعال ، يا من كنتي بيومٍ لي وطن أسكن إليها ، سأهجر أرضك من هذا الفؤاد فما عدت أملكُ له بالأنتماء ."

صرخت به وقلت له :

" أي أنني كنت لك ذاك الوطن يا أيهاب ، كنا لك بعقود الوفاء والأخلاص ، لا بعابر سيبل تلاقاه بأي مكان أرحل وأمضي فها أنا أقسُ وأخلع سلطانك من مقامي عيناي لك ، فقد مات جزء لك حين علمتُ بربحي لخسارة الماضي بلا وفاء ، أذهب فلقد عزلتك من مقامك يا أيهاب ، فلقد وهبتك قدرًا لم تكن تستحقه، فهو لا يستحق مني كل هذا الخذلان ، أرحل فلا أريد أن تطىء قدماك هذا المكان ، أرحل ودعني أسترد أنفاسي وأبني أسس الشتات ، وأزهر الربيع بذاك الشرخ ، وألملم بقايا الكسر بمرآيا الروح ، فقد أسرفت بجهدي لك يا أيهاب ...."

صوت صراخي رج المكان ، وأسمه أطرده من عقلي بين المنام .... أصرخُ وأنا بأحضان تنادي علي للإستيقاظ صرختُ بآخره ..

"أرحل يا أيهاب فقد قتلت نفسي يا صاحب المقام ..... أيهاببببب .. أرحل وكفى بقلبي قتلًا بالهجران ...فلقد عزلت من مقام السلطانِ يا أيهاب ".

فتحت عيناي والظلام من حولي يغشى النور بطفيفه يلامس روحي ، ودموعي تنهمر كأمطار الشتاء أيقنتُ أنني بوهم الحلمُ أحارب ذكراه ، وهمس جدتي ألتقط أنفاسي شهقات ، تستعيذ بالله من الشيطان وتقرأ علي ما حفظته من آيات كتاب ربي الرحمن ، فما كان ردي عليها الا الاستغفار وقولي هذا :

بك ربي أقسمت له بالحب طهورِ ....
فما ذاقني منه سوى بضع سنين من عمري عشيق يدق على بابي طالبًا قربي .....
فما قلت له قبل ذلك بأني له متيمة بحبه الا بالعيون خجول .....
ما أستنفذت من لقاءي به الا حدود حتى لا يقرع باب قلبي كسورا خذولا .....
بك ربي أستعنت بك وتوكلت برحمتك سعيًا مشكورًا .....
لعمر أخطوه معه شريكًا ....
أيقنتهُ أنني وطنٌ أن داس أعتابي لن يذل ويبقى عزيزًا .....
فأي ذل أذاقني أياه صاحب المقام الا خذولا ذلولًا.....
بك ربي آمنت أن هجره لي رحمةً تلقاني من شر عشق كان سيكسرني معه ببيت أحيى به معه عمرًا لا تحمد عقباه .....
حمد لك ربي أسجدُ فأن كان قد قتلني الآن فأني تعذبت وأنت الرحيم فأسقني من رحمتك أستجير بك فلا سواك أشكوه حُمى الوداع ....
أرحم حال قلب هوى حبًا عفيفًا قد ناله الغدر صريعًا ....
رحمةً منك ربي يسر إلي الطريق بدونه يسيرًا ....
وأجعله يا ربي الرحيم بكل درب نخطاه أبعادًا لا أقرابُ .....
قد هويتك يا هوى عمري يا وليد هذا الوطن .....
يا مهاجري الراحلُ وداعًا بلا لقاءٍ أرجوه ....
وحمد لله على كل حالٍ به أكونُ ......

.❤❤❤❤.

الوداع لك يا صاحب المقام

.❤❤❤❤❤❤.

بقلم .... Asma Ismail

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jul 06, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

وطن ...Where stories live. Discover now