Part 5

820 146 48
                                    

قطعة من السماء💛
#الفصل_الخامس:

عالمي الهادئ.. انفجرَ بالصخبِ فجأة..
هذا هو انطباعي الأولُ عنِ المدينة !!

لا يوجدُ في المدينةِ نجوم، ولا يوجدُ ليل، الكثيرُ مِنَ الأضواءِ التي حجبَت رؤيةَ السماءِ الصافيةِ التي اعتدت رؤيتها، الجمالُ الكامنُ في عتمةِ الليلِ وظلمتِه أصبحَ يتلاشى شيئاً فشيئاً !!

كانَتِ المدينةُ لا تنام، هذا هو انطباعِي الثاني عنها، متطورةٌ بشكلٍ جعلَ انقطاعَ التيارِ الكهربائي -والذي كانَ أمراً مستحيلَ الحدوث- أمراً كارثياً.

في عام 2071 كلُ شيءٍ يقومُ على التكنولوجيا، كلُ شيءٍ يقومُ على البطاقاتِ الذكيةِ وقواعدِ البيانات، أذكرُ أنِّي شاهدتُ في أولِ يومٍ لي هنا متحفاً للأوراقِ النَّقدية، لأنَّها لم تعد موجودة منذُ أيامِ جدي الأكبر.

أتساءل.. كيفَ يعيشُ أهلُ المدينةِ دونَ نجوم؟ المتعةُ الكامنةُ في مراقبتِها، الراحةُ المتسللةُ لقلبكَ لمجردِ التحديقِ بها، الأملُ الذي يكبرُ في أعماقِكَ لأنَّكَ لمحت شهاباً، هي أشياءٌ لم يدركوها يوماً!!

لأنَّهم عاشوا حياتَهم تحتَ الأضواءِ التي اصطنعوها بأيديهم، ناطحاتُ السحابِ التي لا تنطفئ أنوارُها، السياراتُ في كلِ مكان، أضواءُ الشوارعِ القويةِ، كلُ هذا جعلَ الليلَ مختلفاً عن الليلِ المظلمِ الذي عرفتُه، حتى صارَ أشبَهَ بنهارٍ ملونٍ من شتى الأماكن، بلا نجوم، بلا شهب، بلا كواكب، وبلا أصدقاء فضائيين، مكتَفون بقمرٍ باهت لم نكن لنراه لولا أنه جارُ كوكبِنا الأزرق، وفقط في المدينةِ أدركت ما معنى أنَّ الحضارةَ الإنسانيةِ المعاصرةِ هي الحضارةُ الوحيدةُ في تاريخِ البشريةِ التي لا تشيرُ إلى السماءِ في الليلِ لا في رسومِها ولا مبانيها ولا حتى أغانيها ورقصاتِها.. لأنهم لا يدركونَ عظمةَ الليل..

وفقط في المدينةِ أدركتُ أنَّني سأفتقدُ الريفَ جداً، وأنَّ المنطقةَ الريفيةَ التي عشنَا بِها هي التي غذَت حبَّ السماءِ بداخلي..

في المدينةِ تجدُ أنَّ الحياةَ ليسَت كما اعتدتَ عليها، فحينَ كانَ كلُ شيءٍ يعتمدُ على الهدوءِ والصفاءِ والهواءِ النقي، هنا ستجدُ شوارعاً تخنقكَ لشدةِ تلوثِها، وتصيبُكَ بالصداعِ جراءَ الهرجَ والمرجَ فيها، وفي المقابلِ ستجدُ محمياتٍ للبيئةِ حيثُ سيعتبرونَ رميكَ لكيسٍ بلاستيكي هي جريمةٌ كبيرة، ومكتباتٌ للدراسةِ يُعتبر فيها الهمسُ ضجيجاً.

كانوا دوماً يكررونَ بالندواتِ أنَّ كوكبَ الأرضِ يستغيث، أنَّنا ندمرُه بهذا التطورِ الذي يزدادُ يوماً وراءَ يوم، ولكنِّي لم أظنه يستغيث، لو كنتُ أنا الأرض لأصبتُ بالجنونِ مِنَ التناقضِ الذي يعيشُ بِهِ النَّاس، وربما في يومٍ ما قد أُفكر بالتوقفِ عن الدروانِ للحظةٍ أتخلصُ بها من كل الجنون الذي يحصل، كانت تلكَ لتكونَ فكرةً مذهلةً!!

لكنِّي لم أكن هو، وبالتالي أنا لم أتدخل بمشاكلِه، لم أكن من مهووسي التطور، ولم أقف رافعاً الراياتِ للدفاعِ عن البيئة، اكتفيتُ بالسرير الصغير الذي حصلتُ عليه في السكنِ الجامعي برفقةِ جهازِي اللوحيِ أقرأ المزيدَ مِنَ الكتب، لأنِّي كرهتُ الحياةَ في المدينةِ وكرهتُ صخبَها وكرهتُ زميلي بالغرفةِ الذي يصرُ أنَّ الاستماعَ لأغاني الروك في الصباحِ فيه شيءٌ مِنَ النشاط، وأنَّ الإرثَ المجنونَ الذي تركَه إيمنيم منذُ ستينَ سنةٍ تقريباً هو أفضل ما شهدَهُ الفن.. لذا فقد ابتعدتُ عنهُم أكثر، لم أشارك أياً منهم حلمِي الذي كبرَ في داخلي بأن أكونَ جزءاً مِنَ السماء، بل ازدادَ مقتِي للحياة المعاصرةِ أكثرَ فأكثر، بعيداً عن أصدقائِي المختبئينَ في النجومِ كانَ مِنَ الصعبِ التركيز، أنا متأكدٌ أنِّي حينَ أجدَ كوكباً مأهولاً آخراً في مكانٍ بعيدٍ جداً عن هنا سيكونُ سكانَه أكثرَ عقلانيةٍ وسيطفؤونَ الأضواءَ في الليل، هذا ما يجبُ أن يكونَ عليه الليلُ أصلاً.. معتماً ومظلماً، وإلا.. كيفَ سنشاهدُ حينَها نجومَ السماءِ؟

استمررتُ بالدراسةِ وحسب، هندسةُ الميكانيكِ التي ستجعلنِي أفهمُ ما معنى كلَ حرفٍ في دفاترِ جدِي التي خبأتُها بعنايةٍ أسفلَ سريرِي، وقراءةِ كل شيءٍ عن الفضاء، كل شيء، كلُ كتابٍ وقعَت يديَّ عليه كانَ يجعلُ شغفِي ينمو، وكما يقولون "أنشِئ مكتبةً ولو مِن ثلاثةِ كتب، وستقاومُ جزءاً من قباحةِ هذا العالم."

كيفَ لو كانَت كتباً عن السماء، كم غيمةً ستحومُ بها وتمطرُ على قلبِي جاعلةً البذرة التي زرعتها تلكَ المركبةُ وكلماتُ عمي في نفسِي تنمو لتصبحَ شجرةً موغلةً في أعماقي، لأعمقِ نقطةٍ في داخلِي ولأقوى نبضةٍ استطاعَ قلبٍي الضعيفُ منحِي إيَّاها ..

ورغم كل الوحدةِ والصعوباتِ.. انتهت سنواتُ الدراسةُ أخيراً!!

To be continued

بقلم: روان المصري.
تدقيق: ناصر القاضي.

الجمل بالخط العريض مقتبسة*

#الجمعية_الفلكية_السورية
#المبادرات_الشبابية
#الفن_الفلكي #لوحات_من_السماء

A piece of the sky | قطعة من السماءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن