~الفصل الثّالث~

289 16 32
                                    


عفير تعجّب و عجز عن فهم ما يرمي إليه الشّيخ في كلامه، و أفرجت شفتاه تلقائيّا عن سؤال
"ماذا؟ ما الذّي تقصده بقولك هذا؟"

المسؤول و كأنّه ليس المعنيّ بالأمر سار ذهابا و إيّابا في ذلك الرّواق الذّي وطأه عفير من قبله، و قال بنبرة لا تختلف عن سابقتها، بيد أنّه تعمّد تكرار قول قائد اللّجنة قبل دقائق معدودة
"الإنسان ينمو و تنمو معه أفكاره، أنا لا أوافقك بل الإنسان فطريّا بنموّه يتحرّر من القيود في إطار محدود و معقول لا يتخطىّ حريّات الغير، و الإنسان الكاتب خاصّة يتحرّر من القيود التّي صنعها هو يوما لأفكاره فيصير قيده الوحيد ككاتب هو حياته الفانية و قلمه الجّاف،

تشجيعك لنا على نقد أنفسنا يجعلني أشعر بتضارب في أقوالك، ننمو و نعود بالزّمن إلى الوراء؟
لم يعجبني موضوع المسابقة فقرّرت نقدها هي نفسها"

"لكن هذا سيجعلنا نعتبرك منسحبا من المسابقة"

تجاهل الشّيخ ما دعاه في نفسه ثرثرة و أردف

"سألتك فردّ عليّ،هل تعتبر نفسك أنت و بقيّة من بالقاعة بمن فيهم أنا أفضل الكتّاب الذّين وجدوا على سطح الأرض؟"

لوهلة غضب عفير بعد أن استفزّه حديث العجوز و ملامحه السّاخرة و تلاعبه بالحوار و الأقوال كما يشاء، لكنّه سرعان ما انتبه إلى مبتغى الأخير فقرّر مسايرته، و بادله نفس الإبتسامة مجيبا إيّاه بثقة عمياء
"نعم بالطّبع..العرب معروفون بالعراقة في اللّغة و إتقانها أفضل من جميع من سبق"

أومأ ذلك الطّاعن في السنّ برأسه بالنّفي، ثمّ قرّب نفسه من عفير بحيث تقلّصت المسافة الفاصلة بين أعينهما المحدّقة ببعضها البعض، رادّا على ما قيل سابقا بثبات
"لا أشكّ في فصاحتنا و لكن.. الأرض مرّت بالعديد من العصور الجيولوجيّة، العديد من الحضارات كالفرعونيّة، العديد من البشر تواروا خلف التّراب، البعض اتّخذوا زخارف لرسوم حيوانات أبجديّتهم، و البعض الآخر أوقعوا الإختيار على رموز بالنّسبة لنا مبهمة  لتكون حروفا لهم، و أنا شاهد على حيواة جميع هؤلاء النّاس...إذن ألا تعتبرهم الأفضل؟؟"

إلتزم عفير الصّمت فأضاف ذلك المستفزّ
"لكن سأخبرك بسرّ، و بم العرب أفضل"

إبتسم ابتسامته المريبة و أردف
"لأنّكم محميّون، لأنّكم فعلا فصحاء بلغاء، و لأنّكم...أشعر بأنّكم بتميّزكم ستكتبون كتابا قد تقهر أسطر صفحاته إخوتي و قد يتعذّر علينا الحصول عليه...مجرّد تكهّنات سأجعلها باطلة اليوم ، سأجعل صفحات كتابكم الذّي لم يوجد بعد مهترئة، و لنرى إن استبحتم في المستقبل قول ما يدور بأذهانكم من كلمات وليدة القمع و الاضطهاد...و صمتك مع نظرات التعجّب تلك يجعلونني أشكّ في مؤهّلاتك كعضو في لجنة تحكيم لمبدعين أعجزوا سابقيهم.. عجزك عن نقد كلام خارج عن سياق المسابقة هو عجز عن نقد جميع ما يقال بها بما أنّ الكاتب غير مقيّد بكلام معيّن..أو ربّما...أنتم على علم و تخطيط مسبقٓيْن باسم الفائز بتقديمكم للأوراق الرّابحة إليه، تاركين البقيّة، عداي طبعا، في حالة من الذّهول و الجّهل بما تخفونه"

إرتسمت على شفتي عفير ابتسامة جانبيّة ساخرة، و سرعان ما تلبّدت ملامحه و قال بنبرة احتدّت فجأة
"هل تقصد...أنّنا نفكّر في الإطاحة بمتسابقينا؟ و أنّ المنافسة ليست نزيهة و عادلة؟"

الجّميع كانوا صامتين، قلقين، يصغون إلى ذلك الحوار الشيّق الذي أنساهم المسابقة

الأشيب توقّف عن السّير في الرّواق و أسند ذراعيه على مكتب الحكّام الضّخم رادّا على ذلك السّؤال بنبرة عجز الجّميع عن التّمييز بين كونها ساخرة أو جديّة
"نعم أفعل...أتّهمك و لي الآيات"

"و ما هي الآيات؟ أحقّا بحوزتك دليل على صدق ترّهاتك؟ لا تجلب العار لعائلتك فيصير لقبك الخرف لا الوقور"

إبتسم المسنّ و تجاهل عفيرا و التفّ بحيث صارت نظراته موازية لجميع المتسابقين، ثمّ صاح ليكون من اليسير للجميع الإستماع إلى ما يقول
"نعم!.. لديّ الجّواب الشّافي لجميع الأسئلة التي تدور بأذهانكم"

مشى بخطوات متباطئة و أنف شامخ نحو أحد الأشخاص من صفّ مجهولي الهويّة في تزامن مع نطقه لكلماته إلى أن وقف منتصب القامة أمامه

في سرعة الضوء و في ظروف غامضة محيطة بالأجواء كُسر مكتب ذلك الشّاب و أزيل ذلك القناع الحريريّ عن وجهه.. فابتسم الهِردبَّة و صاح مجدّدا فاركا ذقنه بسبّابته و إبهامه مستنكرا
"أظنّ أنّك ثور...إبن عفير بن عدي بن الحارث، أخسرنا وريثا للحكم بكونك صرت ٱبنَ لغة الضّاد؟ أم أنّني فعلا خرف لا أميّز بين البشر"

                         ~إنتهى الفصل~

~مجهول الهوية~مكتملة~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن